محو الأمية التقنية المشروع العربي الأكثر أهميّة

محو الأمية التقنية  المشروع العربي الأكثر أهميّة

أعتى‭ ‬الحواجز‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬بين‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والنهضة‭ - ‬بمفهومها‭ ‬الشامل‭ ‬–‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬الأمية‭ ‬التقنية،‭ ‬وما‭ ‬يعمّق‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬أكثر‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬اللا‭ ‬إدراك‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬جميعًا‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الجغرافيا‭ ‬العربية‭ ‬بحقيقة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وأساسها‭.‬

فمقدرة‭ ‬شريحة‭ ‬واسعة‭ ‬جدًّا‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬وسائط‭ ‬وتطبيقات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والقليل‭ ‬من‭ ‬تطبيقات‭ ‬العمل‭ ‬المكتبي،‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬التعتيم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬وتسطيحها؛‭ ‬إذ‭ ‬تعتقد‭ ‬نسبة‭ ‬مرتفعة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الشريحة‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬أمية‭ ‬تقنيًّا‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاستخدام‭ ‬المباشر‭ ‬لهذه‭ ‬التطبيقات‭ ‬والوسائط‭!‬

هنا‭ ‬يظهر‭ ‬جوهر‭ ‬القضية،‭ ‬إذ‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬ذهن‭ ‬الكثيرين‭ ‬المبدأ‭ ‬الأهمّ‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬الذي‭ ‬يمكننا‭ ‬تبسيطه‭ ‬في‭ ‬متراجحة‭ ‬العلاقة‭ ‬العكسية‭ ‬بين‭ ‬سهولة‭ ‬الاستخدام‭ ‬وصعوبة‭ ‬البرمجة‭ ‬والتركيب،‭ ‬فكلما‭ ‬سهُل‭ ‬استخدامك‭ ‬لتطبيق‭ ‬ما،‭ ‬اعلم‭ ‬أنه‭ ‬سيصعُب‭ ‬عليك‭ ‬برمجته‭ ‬وتكوينه،‭ ‬فالمسافة‭ ‬بين‭ ‬استخدام‭ ‬الحاسوب‭ ‬وكيفية‭ ‬برمجته‭ ‬وصناعته‭ ‬تكبر‭ ‬وتتوسّع،‭ ‬وفي‭ ‬المنطقة‭ ‬المحصورة‭ ‬بين‭ ‬جهد‭ ‬البرمجة‭ ‬والصناعة،‭ ‬وبساطة‭ ‬الاستخدام‭ ‬المباشر،‭ ‬يمكننا‭ ‬تعريف‭ ‬الأمية‭ ‬التقنية‭ ‬وقياسها‭.‬

 

وباستخدام‭ ‬أداة‭ ‬القياس‭ ‬هذه‭ ‬يتّضح‭ ‬لنا‭ ‬مدى‭ ‬عمق‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬يواجهنا،‭ ‬إذ‭ ‬يصنّفنا‭ ‬هذا‭ ‬القياس‭ ‬ضمن‭ ‬الأمم‭ ‬الأكثر‭ ‬تخلفًا‭ ‬تقنيًا‭. ‬

وفي‭ ‬عالمٍ‭ ‬ستصبح‭ ‬فيه‭ ‬الآلات‭ ‬المبرمجة‭ ‬التي‭ ‬يخلقها‭ ‬التقنيون‭ ‬هي‭ ‬المستخلفة‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬فإن‭ ‬بقاءنا‭ ‬ضمن‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬يقضي‭ ‬ببقائنا‭ ‬خارج‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭. ‬

الاقتصاد‭ ‬التقني‭ ‬هو‭ ‬المحرك‭ ‬الرئيسي‭ ‬حاليًا‭ ‬لنمو‭ ‬أي‭ ‬اقتصاد،‭ ‬وآلاف‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العملاقة‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬المحكّ‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تدرك‭ ‬الواقع‭ ‬التكنولوجي‭ ‬ومظاهره،‭ ‬وتسعى‭ ‬لمواكبته؛‭ ‬فعالم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬اليوم‭ ‬ينقسم‭ ‬إلى‭ ‬قسمين‭:‬

اقتصاد‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬تقليدية،‭ ‬وإليه‭ ‬تنتمي‭ ‬اقتصادات‭ ‬بلداننا‭ ‬العربية،‭ ‬واقتصاد‭ ‬أساسه‭ ‬التقنية‭ ‬والابتكار،‭ ‬ومستقبلًا‭ ‬سيتلاشى‭ ‬الأول‭ ‬ليبقى‭ ‬الأخير‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬المطارات‭ ‬والسكك‭ ‬الحديد‭ ‬والمحطات‭ ‬العملاقة‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬قد‭ ‬شكّلت‭ ‬أساس‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬المميزة‭ ‬للعقود‭ ‬المنصرمة،‭ ‬فإنّ‭ ‬ثمّة‭ ‬بنية‭ ‬فوقية‭ ‬جديدة‭ ‬بدأت‭ ‬تتشكّل‭ ‬الآن‭ ‬معتمدةً‭ ‬على‭ ‬التقنية‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬فالمحطات‭ ‬الأساسية‭ ‬لـ‭ ‬G5،‭ ‬ومراكز‭ ‬البيانات‭ ‬الضخمة،‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬هي‭ ‬ملامح‭ ‬البنية‭ ‬الجديدة،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬وامتدادًا‭ ‬للعقود‭ ‬القادمة،‭ ‬وحسب‭ ‬تقرير‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬الصين‭ ‬وآسيا،‭ ‬فإنّ‭ ‬حجم‭ ‬نموّ‭ ‬سوق‭ ‬الذكاء‭ ‬الصناعي‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2020م‭ ‬سيتجاوز‭ ‬29‭ ‬في‭ ‬المئة‭. ‬

وهذه‭ ‬النسبة‭ ‬مرشّحة‭ ‬للارتفاع‭ ‬أكثر،‭ ‬ووحدها‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬قاعدة‭ ‬تقنية‭ ‬ضخمة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬سيدير‭ ‬بورصة‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬الذي‭ ‬ينمو‭ ‬وفق‭ ‬منحنى‭ ‬اطّراد‭ ‬متسارع‭. ‬

 

شفرة‭ ‬سريّة

وإذا‭ ‬قرّرنا‭ ‬وضع‭ ‬واقعنا‭ ‬التقني‭ ‬أمام‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬معايير‭ ‬التقييم،‭ ‬فستزداد‭ ‬قناعتنا‭ ‬بمأساوية‭ ‬الواقع‭ ‬وبضرورة‭ ‬التغيير،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2019م‭ ‬نشرت‭ ‬مؤسسةHacker‭ ‬rank‭  ‬قائمة‭ ‬تضمنت‭ ‬ترتيب‭ ‬أعلى‭ ‬50‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نسبة‭ ‬المبرمجين‭ ‬المحترفين‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬إجمالي‭ ‬عدد‭ ‬السكان،‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬نجد‭ ‬أي‭ ‬اسم‭ ‬لأي‭ ‬قُطر‭ ‬عربي‭ ‬فيها،‭ ‬فإن‭ ‬دولًا‭ ‬مثل‭ ‬بنجلاديش‭ ‬ونيجيريا‭ ‬وفيتنام‭ ‬قد‭ ‬تضمنتها‭ ‬هذه‭ ‬القائمة‭. ‬

وبالاطلاع‭ ‬على‭ ‬المقالات‭ ‬والدراسات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬نجاح‭ ‬التجربة‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬فيروس‭ ‬COVID-19‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬أخيرًا،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬شبه‭ ‬إجماع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬البنية‭ ‬التقنية‭ ‬الحديثة‭ ‬للصين‭ ‬هي‭ ‬الشفرة‭ ‬السريّة‭ ‬التي‭ ‬تفسّر‭ ‬تفوقها‭ ‬في‭ ‬احتواء‭ ‬الوباء‭ ‬ومعالجته؛‭ ‬إذ‭ ‬اخترقت‭ ‬الروبوتات‭ ‬الطبية‭ ‬وتطبيقات‭ ‬الخلوي‭ ‬وطائرات‭ ‬ادرونزب‭ ‬المجال‭ ‬الحيوي‭ ‬لمعركة‭ ‬الفيروس‭ ‬الشرس‭.‬

وأيضًا‭ ‬بملاحظة‭ ‬التغيّرات‭ ‬التي‭ ‬أنبتتها‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإننا‭ ‬نرى‭ ‬بوضوح‭ ‬عامل‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬وقد‭ ‬فرض‭ ‬نفسه‭ ‬كأهمّ‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬سترجّح‭ ‬كفّة‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬فحينما‭ ‬حُرِمت‭ ‬شركة‭ ‬هواوي‭ ‬الصينية‭ ‬من‭ ‬حقّ‭ ‬استخدام‭ ‬أنظمة‭ ‬التشغيل‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحق‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬البرمجية‭ ‬لـ‭ ‬اجوجلب‭ ‬هبط‭ ‬منحنى‭ ‬صعود‭ ‬الشركة‭ ‬العملاقة‭ ‬بقدرٍ‭ ‬أحدث‭ ‬هزّة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬ككل‭. ‬

لم‭ ‬يتأثر‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬بنسبة‭ ‬الـ‭ ‬100‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬التي‭ ‬فُرِضت‭ ‬كتعرفة‭ ‬جمركية‭ ‬على‭ ‬منتجات‭ ‬أرض‭ ‬التنين،‭ ‬لكنّه‭ ‬تأثر‭ ‬جدًّا‭ ‬بحجب‭ ‬التقنية‭ ‬الأمريكية‭ ‬عن‭ ‬الشركات‭ ‬المصنّعة‭ ‬للأجهزة‭ ‬الذكية‭.‬

ومن‭ ‬المعادلة‭ ‬السابقة‭ ‬يمكننا‭ ‬استنتاج‭ ‬الأهمية‭ ‬القصوى‭ ‬لضرورة‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬مشروع‭ ‬إنتاج‭ ‬التقنية‭ ‬لا‭ ‬استهلاكها‭ ‬فحسب‭. ‬

 

مرحلة‭ ‬سيادة‭ ‬الروبوتات

وقد‭ ‬بدأ‭ ‬فعلاً‭ ‬دخول‭ ‬العالم‭ ‬مرحلة‭ ‬سيادة‭ ‬الروبوتات،‭ ‬فمجالات‭ ‬الطب‭ ‬والهندسة‭ ‬وعلوم‭ ‬الفضاء‭ ‬والأرض‭ ‬والتسلّح‭ ‬والحروب‭ ‬يتقلّص‭ ‬فيها‭ ‬وجود‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬لمصلحة‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬التي‭ ‬تتفوق‭ ‬عليه‭ ‬بسنوات‭ ‬ضوئية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بالكفاءة‭ ‬والسرعة‭. ‬

وأمام‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬والحقائق،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأولويات‭ ‬لتصبح‭ ‬المسألة‭ ‬التقنية‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أولويات‭ ‬الحكومات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬وحتى‭ ‬الأفراد‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬ابتدأنا‭ ‬بالدور‭ ‬الحكومي،‭ ‬فإنّ‭ ‬تجهيز‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والمالية‭ ‬والقانونية‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬البدء‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬بعدها‭ ‬مباشرة‭ ‬تحديث‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬بما‭ ‬يتوافق‭ ‬وهذه‭ ‬المعطيات،‭ ‬وبالاطلاع‭ ‬على‭ ‬مناهج‭ ‬الحاسوب‭ ‬وآلية‭ ‬تدريسه‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬وضع‭ ‬أقلّ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬امغالطة‭ ‬غير‭ ‬مقبولةب،‭ ‬فالتكنولوجيا‭ ‬قد‭ ‬مرّت‭ ‬بعصر‭ ‬الحاسوب‭ ‬المكتبي‭ ‬ثم‭ ‬الخلوي‭ ‬الذكي،‭ ‬والآن‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬نحو‭ ‬مرحلة‭ ‬شرائح‭ ‬السليكون‭ ‬الذكية‭ ‬المزروعة‭ ‬في‭ ‬الجسم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬أنظمتنا‭ ‬التعليمية‭ ‬العربية‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تمنح‭ ‬شهادة‭ ‬قيادة‭ ‬الحاسوب‭ ‬لمن‭ ‬استطاع‭ ‬استخدام‭ ‬برنامجي‭ ‬الـword‭  ‬والـpower‭ ‬point‭!‬

إذاً‭ ‬فإدخال‭ ‬لغات‭ ‬البرمجة‭ ‬ضمن‭ ‬مناهج‭ ‬اللغات‭ ‬الإجبارية‭ ‬لتصبح‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬صار‭ ‬أمرًا‭ ‬مُلِحًّا‭ ‬إن‭ ‬أردنا‭ ‬حقًا‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬المشروع‭.‬

ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الطلاب‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬إدماج‭ ‬المعلمين‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬برامج‭ ‬مكثفة‭ ‬لمحو‭ ‬الأمية‭ ‬التقنية‭ ‬حتى‭ ‬يستطيعوا‭ ‬مواكبة‭ ‬تحديث‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي؛‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬مستقبلياً‭ ‬للمنافسة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التقني‭ ‬مع‭ ‬نظم‭ ‬تعليمية‭ ‬قائمة‭ ‬حاليًا‭ ‬أصبح‭ ‬فيها‭ ‬الواقع‭ ‬الافتراضي‭ ‬والواقع‭ ‬المعزز‭ ‬أمورًا‭ ‬بدهية،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬منافستها‭ ‬وأنظمتنا‭ ‬التعليمية‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود؟‭! ‬إلا‭ ‬من‭ ‬اختلافات‭ ‬شكلية‭ ‬لا‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬ثورة‭ ‬تقنية‭ ‬حقيقية‭.‬

 

تعبئة‭ ‬مجتمعية

ثم‭ ‬يأتي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬دور‭ ‬المؤسسات‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬والمنظمات‭ ‬المجتمعية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬توجه‭ ‬خطابها‭ ‬التوعوي‭ ‬ودعمها‭ ‬المادي‭ ‬باتجاه‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬بالنهوض‭ ‬التقني،‭ ‬وأيضاً‭ ‬إعطاء‭ ‬قضية‭ ‬المستقبل‭ ‬التكنولوجي‭ ‬حقها‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬والتعبئة‭ ‬المجتمعية‭. ‬

والأمر‭ ‬ينسحب‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬الأسرة‭ ‬أيضاً‭ ‬فالواجب‭ ‬يقتضي‭ ‬أن‭ ‬نصبح‭ ‬أكثر‭ ‬حماساً‭ ‬عندما‭ ‬نُرغِّب‭ ‬أبناءنا‭ ‬في‭ ‬مهن‭ ‬مستقبلية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالحاسوب‭ ‬ومشتقاته؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الوظائف‭ ‬المتاحة‭ ‬مستقبلاً‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬برمجة‭ ‬وتطوير‭ ‬وأمن‭ ‬تقني‭. ‬

وفي‭ ‬عصرٍ‭ ‬ستصبح‭ ‬فيه‭ ‬القوة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬هي‭ ‬المعادل‭ ‬الوحيد‭ ‬لقوى‭ ‬الطبيعة،‭ ‬فإن‭ ‬الجهل‭ ‬التقني‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬سيودي‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬التخلف‭ ‬والاستغلال‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوى‭ ‬تملك‭ ‬إنتاج‭ ‬هذه‭ ‬التقنية،‭ ‬وإذا‭ ‬كنا‭ ‬نعيش‭ ‬الآن‭ ‬زمن‭ ‬التدفق‭ ‬المعلوماتي‭ ‬اللانهائي،‭ ‬فإننا‭ ‬نستنتج‭ ‬نظرية‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬اامتلاك‭ ‬المعرفة‭ ‬ليس‭ ‬بتلك‭ ‬الأهمية‭ ‬التي‭ ‬يحتلها‭ ‬امتلاك‭ ‬التقنيةب،‭ ‬فخريج‭ ‬كلية‭ ‬العلوم‭ ‬يمتلك‭ ‬التفاصيل‭ ‬المعرفية‭ ‬الكاملة‭ ‬لإنتاج‭ ‬قنبلة‭ ‬ذرية‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬التقنية‭ ‬التطبيقية‭ ‬لها‭ ‬تظل‭ ‬بلا‭ ‬فائدة‭ ‬عملية،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تظهر‭ ‬الأهمية‭ ‬الكبرى‭ ‬للجانب‭ ‬التقني‭ ‬مقارنة‭ ‬بالجانب‭ ‬المعرفي‭. ‬

وما‭ ‬دمنا‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬تقنياتنا‭ ‬التي‭ ‬نحتاجها‭ ‬فإننا‭ ‬سنظل‭ ‬مُستخدَمين‭ ‬لا‭ ‬مُستخدمين،‭ ‬فالمؤسسات‭ ‬المنتجة‭ ‬للتقنية‭ ‬حالياً‭ ‬لديها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬والميول‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬المتكئين‭ ‬عليها‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬قراراتها،‭ ‬وعالمنا‭ ‬اليوم‭ ‬صار‭ ‬تحت‭ ‬إدارة‭ ‬أولئك‭ ‬الأعضاء‭ ‬الرئيسيين‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬صناعة‭ ‬وتطوير‭ ‬أنظمة‭ ‬التشغيل‭ ‬الرقمية،‭ ‬والبشرية‭ ‬تدخل‭ ‬فعلاً‭ ‬مرحلة‭ ‬احرب‭ ‬التطبيقاتب‭ ‬التي‭ ‬سيؤدي‭ ‬اشتعالها‭ ‬أكثر‭ ‬إلى‭ ‬ولادة‭ ‬امبراطوريات‭ ‬رقمية‭ ‬تُحكم‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬الكوكب ‭  ■