الطيور المهاجرة في رحلة آمنة بالكويت
هجرة الطيور هي واحدة من عجائب العالم الطبيعي. تهاجر العديد منها في رحلات موسمية على شكل أسراب، قاطعة مسافات هائلة عبر البحار والمحيطات والصحارى وقمم الجبال العالية، ليلًا ونهارًا ولأيام طويلة من دون توقّف، مع قدرتها على تحديد الاتجاهات بدقّة عالية، للعثور على أفضل البيئات المناسبة للعيش والتكاثر وتربية صغارها. وعندما تصبح الظروف في موطنها الأصلي ملائمة، يحين الوقت للعودة مرة أخرى.
لكن كيف تجد هذه الطيور الصغيرة طريقها، وما هي قدراتها الملاحية؟ وهل رحلاتها آمنة؟ ولماذا تعود كل عام إلى سماء الكويت بأعداد أقل؟ تساؤلات كثيرة سنتوجه بها إلى الجهات البيئية في دولة الكويت.
تعد أسراب الطيور في سماء الكويت واحدة من أجمل المشاهد التي أشاهدها كل عام في فصلَي الربيع والخريف. وهي أكثر المخلوقات تنقّلًا ذهابًا وإيابًا على وجه الأرض، أبطال صغيرة بقوى خارقة، لها أهمية كبيرة في المحافظة على النظام البيئي من خلال تلقيح الزهور ونشر البذور، وتجديد الغابات والقضاء على الآفات، ووجودها في أي مكان مؤشر على سلامته، وأنه مكان آمن للعيش فيه.
وهناك أنواع مختلفة وهائلة من الطيور تجتمع معًا للسفر في مسارات متشابهة، لا تختارها الطيور بشكل عشوائي، إنما تتبع طرقًا محددة تتضمن موائل مناسبة للتوقف فيها مرات عدّة للراحة والتزود بالوقود على طول الطريق.
لكن هجرة الطيور هي أيضًا رحلة محفوفة بالمخاطر، وتواجهها مجموعة من التهديدات، فطيرانها لمسافات طويلة يحتّم عليها عبور العديد من الحدود بين البلدان ذات السياسات البيئية المختلفة. وتواجهها تهديدات متزايدة من صنع الإنسان، حيث قد تصل الطيور الجائعة المنهكة إلى موقع التوقف، لتجد أنها دمّرت كليًّا. أو تصطدم بمعوقات مثل المباني العالية والمدن الجديدة وخطوط الكهرباء، أو بسبب تغيّر المناخ واختفاء الموائل، إضافة إلى أنه يتم قتل ملايين الطيور بشكل غير قانوني وعشوائي على أيدي بعض الصيادين.
ممرات آمنة
توجهنا في الصباح الباكر شمالًا إلى محمية صباح الأحمد، التي تبعد 60 كم عن العاصمة الكويت، لمراقبة أكثر الطيور ندرة وأجملها، والتي توجد في فصل الربيع. هذه المحمية هي أكبر النظم الأيكولوجية الأرضية في الكويت، تتغيّر ملامحها مع تغيّر الوقت وتبدّل الفصول، يكسوها اللون الأخضر ربيعًا، وتتعرى تمامًا خلال فصل الصيف الحار. فصول السنة هي التي تحدد سيرَ الحياة في هذه الأرض المتناقضة، وهذا التغيّر في المناخ يتطلب من الطيور العثور على استراتيجيات مختلفة لتحمّل كل شيء من البرودة والرطوبة إلى الحرارة، فلكلّ فصل شخصيته المميزة.
أنشئت المحمية في عام 1987 على مساحة تبلغ 330 كم2، وهي تحت إشراف مركز العمل التطوعي برئاسة الشيخة أمثال الأحمد الصباح. تحتوي مساحاتها على تضاريس مختلفة من سهول وتلال ومنخفضات ومسطحات طينية وشواطئ بطول 16 كيلومترًا. توجد فيها السبخات بكثرة، وينمو في سهولها خليط من الشجيرات المعمّرة المقاومة للملوحة، مثل الغردق والهرم والعجرم والثليث والكثير من النباتات الحولية.
في فصل الربيع تتّخذ المحمية استراتيجية سريعة، حيث تنمو الأوراق على شجيرات القرضي والعوسج والأرطي والثند، وتزدهر الأرض بالأعشاب النضرة والعديد من النباتات الحولية كالنوير والربلة والكحيل، مما يسمح لجميع الطيور المهاجرة والمستوطنة بالعيش.
وتصل إلى الكويت أعداد هائلة من الطيور سنويًا، وعلى الرغم من أنها بلد صحراوي مساحته صغيرة نسبيًا (حوالي 18000 كم 2)، فإن الطيور تعتبرها أحد الممرات الآمنة، وهي غنيّة بشكل ملحوظ بالحياة الفطرية وبموائل للطيور.
ووفق إحصائية حديثة قدّمتها لي الهيئة العامة للبيئة بالكويت، فقد بلغ عدد الطيور المهاجرة 415 نوعًا، وهناك أعداد من الطيور تتكاثر بانتظام في المحميات والجزر الكويتية، ونتيجة لذلك، حظيت الكويت باهتمام كبير من المهتمين بالحياة الفطرية وعلماء الطيور، وأصبحت خلال السنوات الماضية وجهة جغرافية لأولئك الذين يسعون إلى استكشاف ودراسة حياة الطيور ومراقبتها.
يرجع العدد الكبير والمتنوع من الطيور الموجودة هنا إلى موقع الكويت في قلب العديد من طرق هجرة الطيور المهمّة، ومنها الخط الشرقي الذي يربط أوراسيا بإفريقيا، الذي تسلكه الطيور في رحلتين؛ هما رحلة الخريف التي تنطلق من المناطق الشمالية من روسيا، وتركيا، والعراق، مرورًا إلى الجنوب تجاه الجزيرة العربية، ووسط شرق إفريقيا، وذلك في الفترة من أغسطس حتى يناير من كل عام، في حين تكون الرحلة الثانية الربيعية عكس ذلك؛ من الجنوب إلى الشمال، بالعودة إلى مناطق التكاثر والتفريخ، للعثور على موائل آمنة ومناسبة للراحة والتزود بالوقود، وهي في الفترة من فبراير حتى بداية مايو من كل عام.
جال الزّور
كل شيء مختلف هنا، مشاهد لم أعتد عليها في أي مكان بالكويت. وأجملها هي جال الزور، أكبر التلال داخل المحمية، وهي محاطة بسهول ذات مساحات شاسعة ومنخفضات تتجمع فيها مياه الأمطار على شكل بحيرات، وتنمو فيها شجيرات الرمث، إضافة إلى شجيرات القتات التي توفّر المأوى لكثير من الكائنات الصغيرة كالفراش والعناكب والخنافس. وتحتوي المحمية على برك كبيرة من المياه المعالَجة، ومجاميع نباتية مهمة مثل العرفج، والشنان، والهرم الذي يسيطر على المناطق الساحلية. ويقع في المحمية أيضًا واد يسمّى وادي الرمم، ويشتمل على جرف صخري يرتفع إلى 116 مترًا عن المسطحات الطينية الساحلية، وهو ذو انحدار شديد.
تعد شجرة اطلحةب أكبر الأشجار المعمّرة في المحمية، ويتجاوز عمرها 100 عام، ولها أهمية كبيرة، لأنها تؤوي الكثير من الطيور المهاجرة، وتعتبر ملجأ آمنًا لها لبناء أعشاشها وحمايتها من الطيور والحيوانات المفترسة. وقد تم رصد تفريخ طيور عديدة عليها وعلى الأشجار القريبة منها، كطائر الزرزور الأندلسي. وهناك أيضًا الطيور البرية التي تستوطن السهول المنبسطة بالمحمية للتكاثر وبناء الأعشاش على الأرض كطائر القبّرة المتوجة والقبّرة الهدهدية والقبرة قصيرة الأرجل، وفي سماء المحمية تنتشر الجوارح الكبيرة على شكل أسراب تحوم فوق المنطقة، باحثةً عن غذائها في السهول، ومن أشهرها عقاب السهول ومرزة البطائح والنسر الرمادي.
يوجد في المحمية أيضًا طائر السمان، وهو طير مهاجر غير شائع، يلجأ إلى المحمية في شهر سبتمبر، والحذف الصيفي، وهو طائر يهاجر بأعداد قليلة في فصل الشتاء، وطائر اللقلق الأسود الذي يعدّ طائرًا مهاجرًا نادرًا جداً، وأبو منجل الأسود، وهو طائر يهاجر بأعداد قليلة في فصلي الخريف والربيع، والواق الصغير، والبلشون الذهبي، وأبوقردان، وصقر العسل الحوام والحدأة، والنسر الأسود والنسر الأصلع والباشق وعقاب البادية، وأبلق أوربي، وخاطف الذباب شبه المطوق، والذعرة الصفراء.
كما توجد في المحمية البومة، والباشق، والعقاب الامبراطوري، وعقاب السهوب. وتضم المحميّة العديد من طيور الكروان، وحمام النخيل، والمينا، والبلابل، والبومة، والقبّرة المتوّجة، وزقزاق السرطان، وأنواع أخرى تصل إلى 151 نوعًا تقريبًا من الطيور، منها 14 نوعًا مستوطنًا أو شبه مقيم، و21 نوعًا مختلفًا من الزواحف منها الضبّ والورل، و22 نوعًا من الثدييات، من بينها 7 أنواع مهددة بالانقراض، مثل ثعلب الفنك وغرير العسل.
المحميات الطبيعية
تشكّل المحميات في الكويت الملاذ الآمن لكثير من الطيور، وهي أيضًا المصدر الرئيس للحفاظ على ما تبقّى من أساسيات الحياة الفطرية بتنوّعها البيولوجي، سواء النباتي أو الحيواني، كي تعود الحياة البرية بطبيعتها إلى سابق عهدها. خلال زيارتي للهيئة العامة للبيئة، أخبرني عمر الشاهين (من إدارة التنوع الأحيائي) أن هناك 11 محمية أنشأتها الهيئة العامة للبيئة في الكويت ساحلية وبريّة لتوطين الحيوانات والنباتات المعرضة للانقراض بسبب الصيد والرعي الجائر، وبسبب التغيرات المناخية، وللحفاظ على جمال البيئة الطبيعيّة للكويت، ولتكون مخزونًا استراتيجيًّا للنباتات والحيوانات، وبيئة ملائمة لتكاثرها، ولأجل تحقيق التوازن والتنوع الحيويّ.
وتعمل الهيئة العامة للبيئة وجهات بيئية عديدة في الكويت، بجهود جبارة، على حماية الطيور المهاجرة، بإعادة استصلاح الأراضي الزراعية والأراضي الرطبة، وحظر الرعي، ومراقبة المحميات، وإزالة المخلّفات والأنقاض، وزيادة التوعية البيئية لدى الجمهور، والتشديد على قوانين منع الصيد في مواسم محددة.
هجرة الخريف
تلتقي على أرض الكويت ثلاث مناطق بيئية مختلفة، وهي صحراء شبه الجزيرة العربية وساحل الخليج شبه الاستوائي ودلتا بلاد ما بين النهرين، مما جعلها بيئة غنيّة بالموائل المتنوعة بيولوجيًّا. وتعدّ سواحل المد والجزر وأحواض القصب والسبخات الناتجة عن محطات معالجة المياه من أكثر المناطق في الكويت إنتاجًا من الناحية البيولوجية، ومواقع تفضّلها وتعيش فيها أنواع عديدة من الطيور المهاجرة على شكل أسراب، خاصةً في طين المد.
توجد أيضًا بعض الواحات الطبيعية والأراضي الزراعية في مناطق عديدة بالكويت تفضّلها الطيور، مثل العبدلي والجهراء والوفرة وأبرق الخباري، وهي توفّر مناطق شجرية خضراء تروى من مياه جوفية أو مصادر مياه خارجية.
ومن أشهر طيور رحلة الخريف الخراشن وطيور أبو ملعقة وزقزاق السرطان وطائر الفلامنغو، والعقبان، والنسور، واللوهة، وبعض أنواع البط التي تمكث طوال فصل الشتاء.
رحلة الربيع
فصل الربيع هو الفصل الأكثر ألوانًا في الكويت، فيه تصبح درجات الحرارة أكثر اعتدالًا، ويرتفع معدل الرطوبة وتنمو النباتات بكثرة، ويتزايد النشاط البيولوجي للكائنات الحية، إنّه نظام بيئي مشجّع للطيور التي هاجرت جنوبًا للعودة إلى الكويت للتزاوج وبناء الأعشاش، لتستقر فيها طوال فصل الربيع، ومع تفريخ معظم الأنواع تبدأ الطيور الصغيرة بالنمو، وترتدي ريشها الملوّن استعدادًا للانطلاق في أولى رحلاتها.
تبدأ هجرة الربيع في الكويت لمعظم الطيور من الجنوب إلى الشمال في فبراير، وتستمر حتى أواخر مايو، وبعد عبور الطيور بحر رمال الصحراء القاحلة في شبه الجزيرة العربية، تكون البقع الخضراء التي يجدونها في الكويت أول موائل مناسبة للراحة والطعام وبناء الأعشاش والتكاثر بعد معاناتها الطويلة.
وأبرز طيور الرحلة الربيعية هي العقبان، والمغردات، والصرد والطيور المائية، والخواضون، والطيور الجارحة، والجيران.
كثير من الطيور المهاجرة العابرة يمكن مشاهدتها أيضًا داخل المدن والمناطق المأهولة بالسكان. ومن أبرز هذه الطيور أسراب الطيور المائية، مثل النوار، وخرشوف البحر، وفاختة النخيل، والحمام المطوق، وحمام الجبل، والمينا الاعتيادية، وبلبل أبيض الخد، وبلبل أحمر العجز، والدرّة الهندية المطوقة، والعصفور الدوري، وهي طيور مقيمة وتتكاثر بانتظام، قد تصل أعدادها إلى الآلاف في موقع واحد.
وخارج المناطق السكنية نشاهد القبّرة المتوّجة، وهي أكثر الطيور المستوطنة مشاهدةً، وفي الواجهات البحرية والشواطئ نشاهد في أغلب المواسم بعض أنواع النوارس والخطاطيف والطيور الخواضة وطائر النحام.
جزيرة أمّ النمل
توجّهنا في اليوم التالي إلى جزيرة أم النمل إحدى الجزر الكويتية التسع التي تقع في غرب جون الكويت، لمشاهدة أسراب طيور النحام (الفلامنغو) التي توجد في هذا الوقت على شواطئ الكويت.
هذا الطائر المهاجر يصل في شهر يوليو، ويبدأ في المغادرة أواخر مارس. ويستطيع الفلامنغو الطيران بسرعة 60 كيلومترًا في الساعة، وخلال هجرته يستطيع أن يقطع 480 كيلومترًا في اليوم.
وفي عام 1878، ترصد باحثون إنجليز تفريخ طيور الفلامنغو لأول مرة في الجزر الكويتية، لكنّ الفلامنغو لم يعد يفرّخ في الكويت مجددًا، وفق الرصد والمتابعة السنوية لأكثر من 20 عامًا.
تم إخلاء الجزيرة من السكان خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، وتمت إزالة جميع المخلفات البيئية فيها. واختيرت هذه الجزيرة الصغيرة (647.264 مترًا مربعًا)، من معهد الكويت للأبحاث وبتمويل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي كمشروع للدراسة وللتقييم البيئي للتنوع الحيوي، من أجل حماية التنوع الفطري في الجزيرة وإعادة تأهيلها لكي تكون متنزهًا بيئيًا آمنًا، فهي تتميز بغطاء نباتي وحيواني فطري كثيف، وتمتاز أيضًا بإرث تاريخي متنوع، لاحتوائهما على آثار تعود إلى حضارة دلمون.
تقدّر المسافة التي تفصل بين الجزيرة والساحل بـ 650 مترًا، وهو الأمر الذي يشجّع الكثيرين على ارتياد الجزيرة سيرًا على الأقدام عند الجزر، مما ينذر بخطر تدمير ذلك الغطاء النباتي الفطري، ويهدد بفقدان العديد من الأنواع الحيوانية في الجزيرة، فضلًا عن أن قربها من جسر الشيخ جابر يزيد من احتمال تعرّضها للضرر.
وفي زيارة قمت بها لمعهد الكويت للأبحاث، أخبرتني الباحثة في برنامج الزراعة والبيئة بمعهد الكويت للأبحاث، رئيسة اللجنة الوطنية للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، د. مطرة المطيري، أن معهد الأبحاث اعمل على وضع خطة لإعادة تأهيل البيئة الصحراوية للجزيرة بعد دراسة قام بها في عام 2016 لمدة عامين، تم خلالها إنشاء نظام لقاعدة بيانات متعلّقة بمسح التنوع الفطري للجزيرة، حيث تم تقسيمها إلى أربعة أجزاء، وتحديد نقطة مركزية في وسط كلّ منطقة بغرض تنظيم عملية جمع البيانات المطلوبة المتعلّقة بالتربة والنباتات والحياة الفطرية، وتبع ذلك تحديد هذه المواقع وتثبيتها من خلال نظام الملاحة العالمي عبر الأقمار الاصطناعيةب.
وعن أهم مشاهدات معهد الأبحاث في الجزيرة، قالت لنا المطيري إن اطائر القطقاط الإسكندراني يتكاثر بأعداد كبيرة في الجزيرة، حيث تم رصد أعشاش، بيض وفروخ هذا الطائر في مناطق متفرقة من الجزيرة، مع تركّز الأعشاش في الوسط. وبالرغم من انتشار مناطق تكاثر هذا الطائر حول جون الكويت، فإن التدهور المنتشر في جون الكويت والفقدان السريع للموائل الطبيعية يضفي أهمية خاصة للجزيرة، مما يؤهلها لتكون محمية طبيعية في دولة الكويت. وتزداد أهمية حماية الجزيرة خلال الأشهر من مارس إلى يونيو، وهي أشهر التكاثر لهذا الطائرب.
وتم رصد أعداد كبيرة من طائر اللوهة في جزيرة أم النمل بعدد يتجاوز 20 ألف طائر، مما يؤكد أن الجزيرة تعتبر معبرًا ومكانًا آمنًا لهذا الطائر في أثناء هجرته ومكوثه بالكويت. وطائر اللوهة من الطيور البحرية التي تزور الجزر الكويتية شتاء في نوفمبر وحتى مارس، وهذا النوع ماهر في صيد الأسماك، ويستطيع الغوص 20 مترًا تحت الماء.
ورصد معهد الأبحاث الكويتية أيضًا أحافير الديدان الأنبوبية المتحجرة (ستروماتوليتس) ذات الأهمية العالمية، حيث تنتشر هذه الأحافير في مناطق مختلفة من مناطق المد والجزر حول الجزيرة.
وترجع أهمية هذه الأحافير إلى أنها أثرية قد تعود إلى آلاف السنين. ونظرًا للطبيعة المتميزة للجزيرة، فقد أوصى معهد الأبحاث بأن توضع تحت الحماية الكاملة مدة خمس سنوات، لإعطاء فرصة للموارد الطبيعية كي تنتعش وتعود إلى وضعها الطبيعي، مع مراقبة هذه التغيرات سنويًّا.
الملّاح الصغير
من أكبر أسرار الهجرة، محاولة معرفة كيف تجد الطيور طريقها من مكان إلى آخر. وقد أجريت دراسات علمية على عدد من أنواع الطيور وفقًا لجمعية الطيور العالمية Birdlife International، وتم اكتشاف العديد من التقنيات الملاحية المختلقة للطيور، وكان أهمها الاستشعار المغناطيسي. فالعديد من الطيور تمتلك تركيبات خاصة في أدمغتها، وعيونها تساعدها على استشعار المجال المغناطيسي للأرض، وهذا يساعد الطيور على توجيه نفسها في الاتجاه الصحيح للرحلات الطويلة، تمامًا مثل البوصلة الداخلية. ولأنّ الطيور تتّبع طرق الرحلات نفسها كل عام، فإنّ قوة ذاكرتها تتيح لها تحديد رحلتها بشكل دقيق. ويمكن أن تساعد الأشكال الأرضية والميزات الجغرافية المختلفة، مثل الأنهار والسواحل والأودية والسلاسل الجبلية في الحفاظ على اتجاه الطيور بالاتجاه الصحيح. وأيضًا اتجاه النجوم بالنسبة للطيور التي تهاجر في الليل، وخلال النهار، تستخدم الطيور الشمس للتنقل. وتتعلّم بعض أنواع الطيور الصغيرة طرق الهجرة من والديها والطيور البالغة الأخرى الموجودة في السرب. وفور أن تتعلّم، يمكنها السفر بنجاح في الرحلات القادمة بأنفسها. وإضافة إلى تلك التقنيات الملاحية الأساسية، قد تستخدم الطيور أيضًا أدلة أخرى للعثور على طريقها، فيمكن أن يساعد كل شيء على الترحال بنجاح، مثل رائحة الموائل، والأصوات المحيطة على طول الطريق.
استعدادات الرحلة
تتأثر الطيور، كغيرها من الكائنات الحية، بالظروف الطبيعية، وتجبرها أحيانًا على تغيير نمط حياتها والبحث عن استراتيجيات مختلفة للبقاء، خصوصًا في فصل الشتاء القارص، لذلك تتنقل وتهاجر إلى أماكن أخرى بحثًا عن المأوى والمأكل، وترفرف أجنحتها الصغيرة 600 مرة في الدقيقة الواحدة.
وهي تتبع عمومًا خطوط الهجرة الآمنة القريبة من سلاسل الجبال أو السواحل، مع تجنّب المسطحات المائية الكبيرة كالمحيطات. وللابتعاد عن مخاطر الصيد والافتراس، تفضّل العديد من الطيور الطيران ليلًا، لأنها تعلم أنها ستكون فريسة سهلة في وضح النهار.
واستعدادًا للرحلة تتناول الطيور كميات كبيرة من الطعام لتخزينه تحت جلدها، وبعضها يكتسب نصف وزنه، وتسمّى هذه العملية لزيادة الوزن المرتبطة بالهجرة افرط البلعب، إذ كلما كانت نسبة الدهون في الطير مرتفعة، كانت نسبة نجاحه في إكمال رحلته والنجاة عالية.
والطيور المهاجرة لديها العديد من الاستراتيجيات الجسدية الأخرى لتساعدها على الهجرة بأمان لمسافات طويلة. وأهمها تبديل ريشها، فالطائر يحتاج إلى ريش جديد عندما يطير، لأن الريش القديم المتهالك يعيقه إذ يكون ضعيفًا لمقاومة الهواء والرياح، الأمر الذي يتطلب من الطيور استخدام المزيد من الطاقة في أثناء الطيران، لذلك تعمل العديد من الطيور قبل الهجرة على الاستفادة من المزيد من الريش الجديد الأقوى كفاءة، والذي يجعل الرحلة أكثر أمانًا. هذا ما قاله لي عالِم الطيور مايكل ماكغريدي.
خطر الانقراض
مع بداية القرن الواحد والعشرين، رصد العلماء انخفاضًا سريعًا ومتزايدًا لأعداد الطيور المهاجرة، والذي سيهدد حتمًا استقرار النظام البيئي الذي نعيش فيه. فقلّة أنواع الطيور قد تؤدي إلى تفاقم مشكلات إزالة الغابات، فهي تعمل كمشتتات للبذور والملقحات، ويمكن أن تساعد في إعادة المناطق التي أزيلت منها الغابات إلى الحياة. ووفقًا لمنظمة CMS قدّر العلماء إجمالي عدد الطيور التي انقرضت
بـ 187 نوعًا منذ عام 1500.
وكانت الأنواع التي تعيش على الجزر هي الأكثر عرضة للخطر، فحوالي 90 في المئة من هذه الخسائر وقعت فيها، ووجد الباحثون أن نحو 30 بالمئة من الانقراض نجمت عن الصيد الجائر، وأن أكثر من 35 مليون طائر يتم أسرها أو قتلها كل عام بشكل عشوائي، وهناك واحد من بين كل ثمانية أنواع من الطيور مهدد بالانقراض، والموجة في تزايد، وتجتاح جميع القارات، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى فقدان الموائل وتدهورها بسبب الزراعة وقطع الأشجار غير المستدامين.
وتشير بعض الدراسات والمشاهدات البيئية في الكويت من الهيئة العامة للبيئة إلى أن بعض أنواع الطيور قد تغيّر أنماط هجرتها في الكويت، لعدة أسباب، أهمها تغيّر المناخ، وتغيّر الطعام، مثل نمو النباتات الجديدة، أو قلّة الغذاء أو اختفائه في بعض الموائل، مما يهدد أنواعًا كثيرة بالانقراض.
كما أصبحت الموائل الشتوية للعديد من الطيور المهاجرة لمسافات طويلة في جنوب إفريقيا أقل جذبًا، حيث تم تطهير العديد من الأراضي من النباتات الطبيعية لإفساح المجال للزراعة، بعد أن كان الريف ذو المساحات البرية بمنزلة مصدر غذائي وفير للطيور.
وعن خطر انقراض الطيور، قالت مديرة برنامج نشر المعرفة العلمية في مؤسسة الكويت للتقدم العلمي د. ليلى الموسوي إن االاهتمام بحياة الطيور جزء مهم ضمن العديد من الأنشطة الرامية إلى التوعية بأهمية التنوع البيولوجي، ومثل هذه الجهود ستحدد نجاحنا أو فشلنا في ضمان استمرار الحياة كما نعرفها على كوكب الأرض المدهش في تنوّعه. ففي خضمّ انشغال العالم بتداعيات التغيّر المناخي، والتركيز على درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر، قد نغفل تأثير ذلك في التنوع البيولوجي، إذ إن تناقص التنوع البيولوجي يثير قلق العلماء والناشطين في الحركات المطالبة بصون الطبيعة، حتى أصبح من المتفق عليه أنّنا نعيش حقبة من انقراض جماعي بفعل الآثار البشريةب.
وتتّبع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي استراتيجيات عديدة تعتمد في مجملها على تعزيز التنمية العلمية في مختلف المجالات، عبر مبادرات مهمة وبرامج محلية ودولية ترعاها المؤسسة وتموّلها، وتهدف من خلالها إلى رفع مستوى الوعي الثقافي وبرنامج نشر المعرفة العلمية والتكنولوجية، في إدارة الثقافة العلمية بمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، يخصص جزءًا كبيرًا من جهوده وموارده لدعم البحث العلمي ونشر الوعي ولتعزيز قدرات منظمات المجتمع المدني العاملة في الشأن البيئي، إضافة إلى بناء قدرات الطلبة في المراحل الدراسية المختلفة لنشر العلوم ورسالة صون الطبيعة كسفراء للعلوم وللطبيعة، هذا ما ذكرته د. الموسوي خلال لقائي بها.
عدسة «البيئة»
يغري سحر الحياة الطبيعة والفطرية العديد من المصورين، لالتقاط أجمل اللحظات، لكن كاميرات التصوير المتطورة وحدها لا تصنع صورة جيدة. فتصوير الطبيعة هو إبداع يحتاج إلى موهبة.
وقال لي رئيس فريق عدسة البيئة، راشد الحجي، الذي رافقني وزملاؤه بعدساتهم طوال هذه الرحلة، إن االصبر واحترام الطبيعة من المهارات الأولى التي يجب أن يتعلّمها الإنسان لتصوير الحياة البرية، وأخذ اللقطة المطلوبة، وقد يحتاج الأمر إلى الجلوس لساعات أو أيام وأسابيع في مكان واحد لتحقيق الهدفب.
وقدّم فريق عدسة البيئة الكويتي التطوعي العديد من المبادرات بالتعاون والتمويل من جهات حكومية كويتية، وهي مبادرات بيئية تقدّم كخدمة مجتمعية للمحافظة على الحياة الفطرية، فبإضافة إلى أنهم مصورون محترفون ومدربون متحمسون لتعليم الآخرين كيفية التقاط الصور الاحترافية في الطبيعة، بهدف أن تكون هواية محفزة تدفعهم إلى الاهتمام أكثر بالحياة البرية، يقوم الفريق أيضًا بتسجيل أفلام وثائقية تقدّم للباحثين والمهتمين بحياة الطيور كمصدر علمي موثّق عن البيئة الكويتية.
ويقدّم الفريق أيضًا دورات تدريب للصغار لتعريفهم بأنواع الطيور والحيوانات البرية وكيفية المحافظة عليها.
وعن تعلّقه بالطيور قال لي الحجي: اأحببت الحياة البرية ومراقبة الطيور منذ الصغر وتعلّقت بها، وبدأت أحمل كاميرتي معي أثناء التنزه منذ أكثر من 20 عامًا، وبعد تأسيسنا أنا وزملائي فريق عدسة البيئة في عام 2016، بدأنا نأتي بشكل مكثّف على خطوط الهجرة في الكويت كل عام في فصلي الخريف والربيع، وخصوصًا في جون الكويت لتوثيق ورصد حركة هجرة الطيورب.
وخلال هذه الأعوام وثّق الفريق ظواهر عديدة حدثت في الكويت، منها حضور البجع الأبيض الكبير الحجم في جون الكويت، في ظاهرة لم تحدث منذ مئة عام. واستطاع الفريق أن يوثّق سرب اللقلق الأبيض الذي يقارب 200 طائر، وهو يعتبر طائرًا كبيرًا يهاجر من آسيا وشرق أوربا إلى إفريقيا، وكذلك كثير من الطيور النادرة، مثل الوز واللقلق الأسود.
ورصد الفريق أيضًا طائر الخرشنة النورسية المنقار، الذي يعتبر نادراً في منطقة الخليج، حيث لايفرّخ إلّا في جزيرة بوبيان، ويفرّخ بشكل منفرد، وتشاهد طيور الخرشنة النورسية المنقار على شواطئ الكويت بأعداد كبيرة طوال العام، بينما تكون نادرة في مناطق الخليج.
ومن الطيور المهمة التي رصدها الفريق في جزيرة بوبيان طائر البلشون، وعلى الرغم من عدم وجود أشجار في الجزيرة، وهو ما يحتاج إليه البلشون لوضع الأعشاش، فإن هناك 3 أنواع تفرّخ على الجزيرة، وذلك لأنها مكان آمن لها ولتوافر الغذاء فيها.
وأخبرني الحجي أيضًا عن طائر الحنكور الذي يعتبر من أهم 100 طائر في العالم، والذي يفرخ بكثرة في شواطئ جزيرة بوبيان، ويضع البيض في أنفاق تحت الأرض، وهي تتغذى على السرطانات البحرية الموجودة بكثرة في الجزيرة.
وأضاف: اقضينا سنوات طويلة كمصورين وموثقين للحياة البرية، والآن لدينا رسالة أكبر ومشاريع ومبادرات نسعى إلى تحقيقها للحفاظ على الحياة الفطرية، ومنها مبادرتنا الأخيرة التي كانت من أجل حماية الطيور النادرة من خطر الانقراض، وهي تتبُّع العقبانب.
تتبُّع العقبان
طيور العقبان من الطيور الجارحة المهاجرة التي تصل إلى الكويت، وتستقر في فصلي الخريف والشتاء.
هذا النوع من الطيور دخل إلى مرحلة الخطر في الأعوام القليلة الماضية، وأصبح مهددًا بالانقراض، وفقًا لقائمة الاتحاد الدولي لحفظ البيئة. وبمبادرة من فريق عدسة البيئة الكويتية، ودعم من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وتحت إشراف الهيئة العامة للبيئة، تم في يناير الماضي إطلاق مشروع تتبّع طيور العقبان لأول مرة في الكويت، وقد تمكّن فريق عدسة البيئة والخبير العالمي مايكل ماكغريدي من وضع أول جهاز تعقّب عبر الأقمار الاصطناعية على عدد من طيور العقبان النادرة، وإطلاقها من الكويت بهدف دراسة هجرة هذا الطائر من الكويت إلى مختلف أنحاء العالم لجمع معلومات عنه، والتعرف بشكل أدقّ على اتجاهات حركة هذا الطائر النادر، والمدى الجغرافي لنطاق حركته والمناطق والبيئات المفضلة لديه وأماكن التكاثر، وغيرها من المعلومات الضرورية لوضع خطط لحماية الطيور.
العالم يحتفل بالطيور
شارف الربيع على نهايته، ومع انتهاء هذا الفصل، سيهاجر ما لا يقل عن 4000 نوع من الطيور، أي حوالي 40 في المئة من الطيور بجميع أنحاء العالم، للعودة مرة أخرى إلى مواطنها. وستدخل مليارات الطيور السماء في رحلات طاحنة محفوفة بالمخاطر من أجل البقاء. ليس فقط بقاء الطيور المهاجرة نفسها، لكن أيضًا بقاء صغارها التي ترعاها، للعثور على مصادر أغنى للغذاء، والبحث عن موائل أكثر أمانًا، وتجنّب الحيوانات المفترسة.
كلها سلوكيات هجرة مصممة لضمان نجاح التكاثر، لذلك خصصت الأمم المتحدة يوم 11 من مايو، ليكون يومًا عالميًا للاحتفال بالطيور المهاجرة، كحملة توعية لتعريف الأشخاص بأهمية الحياة الفطرية، وللمحافظة على أنواع كثيرة من الطيور وحمايتها من الانقراض، ولزيادة الوعي بالتهديدات التي تواجهها وضرورة التعاون للاعتناء بها بناء على الاتفاقية الدولية لصون الطيور المهاجرة الـ (إيو). ومن أجل تبادل المعرفة وتنسيق جهود الحفظ، ومن أجل أن تسمح الهجرة الجيدة للطيور بالبقاء على قيد الحياة لجيل آخر، وتتيح للطيور الصغيرة متعة مشاهدة هجرة سنة جديدة آمنة ■
الفنك... نوع من أنواع الثعالب يعيش في الصحراء
«القحافي» الدغناش الشامي
«بو الخصيف» الغرنوق الأبيض الصغير
عقرب سوداء
لقلق أسود
«الرفراف الأبقع» صياد السمك
عقاب السهول «عقاب البادية»
بلشون صخور