«حابي» طالب الرفاعي البحث عن هوية «جسدية» في تصادمات الواقع

«حابي» طالب الرفاعي البحث عن هوية «جسدية» في تصادمات الواقع

تعاني‭ ‬ريّان،‭ ‬و‮«‬يعاني‮»‬‭ ‬ريّان،‭ ‬كلا‭ ‬المعنيين‭ ‬مستقيم‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬حابي‮»‬‭ ‬للروائي‭ ‬الكويتي‭ ‬طالب‭ ‬الرفاعي‭ ‬التي‭ ‬تنتصر‭ ‬للمساقات‭/ ‬المسافات‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬ليس‭ ‬بصفته‭ ‬مادة‭ ‬صالحة‭ ‬لكتابة‭ ‬روائية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لكونه‭ ‬مادة‭ ‬أصيلة‭ ‬وحيّة‭ ‬في‭ ‬النّسق‭ ‬الفني،‭ ‬كتابيًا‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬المتخيّل‭ ‬والحقيقي،‭ ‬فالواقع‭ ‬له‭ ‬صدماته‭ ‬بأكثر‭ ‬مما‭ ‬يستطيع‭ ‬الخيال‭ ‬التحليق‭ ‬في‭ ‬أوجاعه،‭ ‬مع‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬حرفيّة‭ ‬الأدب‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬الحكايات‭ ‬المُعاشة‭ ‬بشعريّة‭ ‬اللغة‭ ‬لترتدي‭ ‬قماشة‭ ‬ذلك‭ ‬التخييل‭ ‬الضروري،‭ ‬وفق‭ ‬توصيف‭ ‬ماركيز‭ ‬للرواية‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬الكتابة‭ ‬الشعرية‭ ‬للواقع‮»‬،‭ ‬وإلا‭ ‬أصبحت‭ ‬مساءلة‭ ‬الواقع‭ ‬محسوبة‭ ‬على‭ ‬مضمار‭ ‬كتابي‭ ‬آخر‭.‬

يختار‭ ‬الرفاعي‭ ‬عنوان‭/ ‬اسم‭ ‬‮«‬حابي‮»‬‭ ‬لروايته‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬منشورات‭ ‬ذات‭ ‬السلاسل‭ (‬الطبعة‭ ‬الأولى‭ ‬2019‭) ‬استلهامًا‭ ‬من‭ ‬أسطورة‭ ‬فرعونية‭ ‬قديمة،‭ ‬حابي‭ ‬‮«‬إله‭ ‬فيضان‭ ‬النيل،‭ ‬صورته‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬إنسان،‭ ‬ويظهر‭ ‬جسده‭ ‬معالم‭ ‬الجنس‭ ‬الأنثوي‭ ‬والذكري‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‮»‬،‭ ‬في‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬تمازُج‭ ‬الذكورة‭ ‬والأنوثة‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬حابي،‭ ‬وهو‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬أطلقته‭ ‬جوى،‭ ‬الصديقة‭ ‬المتحررة‭ ‬والمتّزنة‭ ‬في‭ ‬أفكارها‭ ‬ومبادئها،‭ ‬على‭ ‬بطلة‭/ ‬بطل‭ ‬الرواية‭ ‬ريّان،‭ ‬لتكون‭ ‬خيارًا‭ ‬مختلفًا‭ ‬يحدد‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه،‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬ريّان‭ ‬الفتاة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬ولدًا،‭ ‬أم‭ ‬ريان‭ ‬الولد‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬أزمة‭ ‬عدم‭ ‬الارتياح‭ ‬بمغادرته‭ ‬قمقم‭ ‬الأنوثة‭ ‬المغلق‭ ‬عليه،‭ ‬والذي‭ ‬تصرّ‭ ‬عائلته‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬فيه‭ ‬تجنبًا‭ ‬للفضيحة؟‭!‬

يلتقط‭ ‬الرفاعي‭ ‬حكايته‭ ‬من‭ ‬المجتمع،‭ ‬من‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬حكايا‭ ‬الحياة،‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬نتغافل‭ ‬عنه‭ ‬لندسّه‭ ‬في‭ ‬مناديس‭ ‬الستر‭ ‬خشيةً‭ ‬على‭ ‬‮«‬السمعة‮»‬‭ ‬الشخصية‭ ‬ولا‭ ‬يهمّنا‭ ‬الآخر‭ ‬إلّا‭ ‬بمقدار‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسببه‭ ‬من‭ ‬أذى‭ ‬لانتفاخ‭ ‬الذات‭ ‬أمام‭ ‬الآخرين‭.‬

الإهداء‭ ‬أراده‭ ‬المؤلف‭ ‬‮«‬لحبيبين‭ ‬عبرا‭ ‬معي‭ ‬درب‭ ‬الحكاية‭ ‬والكتابة‭: ‬إسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل‭ ‬روحًا،‭ ‬وليلى‭ ‬العثمان‭ ‬حضورًا‮»‬،‭ ‬في‭ ‬تماسّ‭ ‬واضح‭ ‬مع‭ ‬اللعبة‭ ‬الروائية‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬معاناة‭ ‬الروح،‭ ‬وحضور‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الجسدية‭ ‬الواضحة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتسامح‭ ‬مع‭ ‬فكرة‭ ‬التحوّل‭ ‬أو‭ ‬التبدّل‭ ‬بين‭ ‬جزئيتين‭ ‬منفصلتين‭ ‬نهائيًا‭: ‬الرجولة‭ ‬والأنوثة،‭ ‬وهي‭ ‬الشاهدة‭ ‬على‭ ‬التأرجح‭ ‬في‭ ‬العلاقات،‭ ‬فأمّ‭ ‬ريان‭ ‬تعاني‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬الانفصال‭ ‬التام،‭ ‬الرجل‭ ‬المتهندم‭ ‬والمتأنق‭ ‬الذي‭ ‬يغادر‭ ‬بيته‭ ‬معتدًا‭ ‬برجولته‭ ‬مقابل‭ ‬أنثى‭ (‬الزوجة‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬خارج‭ ‬كيانه،‭ ‬كما‭ ‬يعيش‭ ‬خارج‭ ‬محيطه‭ ‬الأسري‭ ‬في‭ ‬سهراته‭ ‬وخياناته،‭ ‬والحالة‭ ‬الأخرى‭ ‬للتشرذم‭ ‬ما‭ ‬تعيشه‭ ‬جوى‭ ‬في‭ ‬أسرة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬لا‭ ‬يلتقون،‭ ‬تاركين‭ ‬لها‭ ‬وحدتها‭ ‬ومأزقها،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬تسلُّل‭ ‬الذئب‭ ‬إلى‭ ‬عالمها،‭ ‬محاولًا‭ ‬اقتناصها‭ ‬وهي‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬العائلة،‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬الغنمة‭ ‬البعيدة‭ ‬يأكلها‭ ‬الذئب‮»‬‭.‬

 

قضية‭ ‬معقّدة

تطرح‭ ‬الرواية‭ ‬ببساطة‭ ‬قضية‭ ‬معقّدة،‭ ‬على‭ ‬اعتبارات‭ ‬عدّة،‭ ‬تبدأ‭ ‬بالاجتماعي،‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭ ‬بالديني،‭ ‬وتأتي‭ ‬‮«‬حابي‮»‬‭ ‬ضمن‭ ‬سياقات‭ ‬سردية‭ ‬قدّمه‭ ‬طالب‭ ‬الرفاعي‭ ‬سابقًا،‭ ‬وهو‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬بشكل‭ ‬مدهش،‭ ‬حيث‭ ‬يختصر‭ ‬المسافة‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬ليضع‭ ‬المجتمع‭ ‬أمامه‭ ‬بصورة‭ ‬صادمة،‭ ‬واقعيّة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اللازم،‭ ‬يحيطه‭ ‬بما‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬أبنية‭ ‬وشوارع‭ ‬وشخصيات‭ ‬تكاد‭ ‬تتشابه‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أسمائها‭ ‬مع‭ ‬مَن‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬بشر،‭ ‬يشير‭ ‬الناشر‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الأخير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الرفاعي‭ ‬يخوض‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬الكتابية‭ ‬‮«‬مغامرة‭ ‬روائية‭ ‬جريئة،‭ ‬متناولًا‭ ‬قضية‭ ‬إنسانية‭ ‬اجتماعية‭ ‬شائكة‭ ‬ومتفاعلة،‭ ‬ورافعًا‭ ‬بتقنية‭ ‬عالية‭ ‬جميع‭ ‬الأغطية‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬تحوّل‭ ‬جنسي،‭ ‬معرّيًا‭ ‬محنة‭ ‬فتاة‭ ‬كويتية‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬البرزخ‭ ‬بين‭ ‬أنوثة‭ ‬وذكورة‮»‬‭.‬

تنقسم‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬جزأين،‭ ‬الأول‭ ‬‮«‬حا‮»‬‭ ‬بصوت‭ ‬سردي‭ ‬يأتي‭ ‬بصيغة‭ ‬المتكلم‭: (‬ريان‭ ‬البنت‭) ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬15‭ ‬عامًا‭ ‬كفتاة،‭ ‬تشعر‭ ‬أنها‭ ‬ولد،‭ ‬تفكير‭ ‬ذكوري‭ ‬لا‭ ‬يتماسّ‭ ‬مع‭ ‬الاهتمامات‭ ‬النسائية‭ ‬المعروفة،‭ ‬والثاني‭ ‬‮«‬بي‮»‬‭ ‬بصوت‭ (‬ريان‭ ‬الولد‭)‬،‭ ‬يقدّمها‭ ‬المؤلف‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬كتابة‭ ‬البطلة‭/ ‬البطل‭ ‬عن‭ ‬التجربة‭ ‬المعاشة،‭ ‬وهنا‭ ‬تمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بتثقيف‭ ‬البطل‭ ‬لتمرير‭ ‬الجمل‭ ‬الأدبية‭ ‬على‭ ‬لسانه،‭ ‬وتكررت‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬أدبية‭ ‬كثيرة،‭ ‬حيث‭ ‬الشخصية‭ ‬المحورية‭ ‬مثقفة‭ ‬تقرأ‭ ‬لدوستوفسكي‭ ‬وشكسبير‭ ‬وجون‭ ‬غرين‭ ‬وجبران‭ ‬وغيرهم،‭ ‬مأخوذة‭ ‬بسحر‭ ‬التوثيق‭ ‬للألم،‭ ‬ويمكن‭ ‬عبر‭ ‬تلك‭ ‬الخديعة‭ ‬الأسلوبية،‭ ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬التعبير،‭ ‬تبرير‭ ‬المستوى‭ ‬الفني‭ ‬للغة‭ ‬البطل‭ ‬المحكية‭ ‬داخل‭ ‬العمل،‭ ‬فريّان‭ ‬قارئ‭/ ‬قارئة‭ ‬بنهم،‭ ‬تكتب‭/ ‬يكتب‭ ‬المعاناة‭/ ‬المواجهة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬داخل‭ ‬الجسد‭ ‬والروح،‭ ‬ومع‭ ‬الآخرين،‭ ‬المقولبين‭ ‬في‭ ‬أطر‭ ‬متوارَثة‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬تصحيح‭ ‬العيوب‭ ‬الخلقية‭ ‬عبثًا‭ ‬بالصّنعة‭ ‬الإلهية‭ ‬الأولى،‭ ‬وهناك‭ ‬فارق‭ ‬بين‭ ‬مَن‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬المسألة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التصحيح‭ ‬‮«‬علاج‮»‬‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬تبدو‭ ‬له‭ ‬جريمة‭ ‬أخلاقية‭.‬

 

حالة‭ ‬استرجاعية

الجملة‭ ‬الأولى‭ ‬تحذيرية‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬مريم‭ (‬الأخت‭) ‬لتصرخ‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تصيري‭ ‬ولدًا‮»‬،‭ ‬وتمضي‭ ‬الحركة‭ ‬الدائرية‭ ‬للسرد‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬استرجاعية‭ ‬للتداعي‭ ‬الحكائي،‭ ‬فالبداية‭ ‬ليست‭ ‬مع‭ ‬اكتشاف‭ ‬المشكلة،‭ ‬بل‭ ‬مع‭ ‬علاجها،‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬يانهي‭ ‬التايلندي،‭ ‬ويظهر‭ ‬حرص‭ ‬الكاتب‭ ‬على‭ ‬استكمال‭ ‬أدواته‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬قضية‭ ‬الحدث‭ ‬الروائي،‭ ‬بوجود‭ ‬استشاريين‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬الجراحة‭ ‬العامة‭ ‬والجوانب‭ ‬النفسية‭ ‬والقانونية،‭ ‬قدّم‭ ‬لهم‭ ‬شكره‭ ‬في‭ ‬مفتتح‭ ‬الرواية،‭ ‬قبل‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬الحدث‭ ‬الروائي‭ ‬المقسّم‭ ‬فنيًا‭ ‬إلى‭ ‬حدث‭ ‬حالي،‭ ‬وآخر‭ ‬ماض‭ ‬مستدعى،‭ ‬بتنويع‭ ‬فنّي‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬الخط‭ ‬المستخدم‭ (‬بين‭ ‬الفاتح‭ ‬والغامق‭).‬

وتعود‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬جزئها‭ ‬الثاني‭ ‬‮«‬بي‮»‬‭ ‬لتّتخذ‭ ‬ذات‭ ‬التداعي‭ ‬للذاكرة،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زمن‭ ‬ومكان‭ ‬واضحين،‭ ‬طائرة‭ ‬تحلّق‭ ‬بين‭ ‬الكويت‭ ‬ولندن،‭ ‬مع‭ ‬أزمنة‭ ‬وأمكنة‭ ‬أخرى‭ ‬تبدو‭ ‬كأطياف‭ ‬لريّان،‭ ‬وبجواره‭ ‬جوى،‭ ‬الصديقة‭ ‬التي‭ ‬يراها‭ ‬بعيني‭ ‬الرجل‭ ‬لا‭ ‬بعيني‭ ‬الفتاة‭ ‬الصديقة،‭ ‬والحالم‭ ‬بها‭ ‬زوجة،‭ ‬إذ‭ ‬تبدو‭ ‬الذكورة‭ ‬تتصاعد‭ ‬من‭ ‬العمق،‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬البقاء‭ ‬حبيسة‭ ‬لجسد‭ ‬أنثوي،‭ ‬والأهم‭: ‬التفكير‭ ‬القابع‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬الفتاة،‭ ‬مع‭ ‬تأكيد‭ ‬الدكتور‭ ‬المعالج‭: ‬فكّر‭ ‬كرجل‭.‬

 

الرواية‭ ‬جسد‭ ‬معرفي

اعتمد‭ ‬الخطاب‭ ‬السردي‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬اللعبة‭ ‬الروائية‭ ‬التي‭ ‬انحاز‭ ‬إليها‭ ‬الرفاعي‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬سابق،‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬بما‭ ‬يوحي‭ ‬أنه‭ ‬واقع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬رواية،‭ ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬ريان‭ ‬لكتابة‭ ‬قصته‭/ ‬قصتها،‭ ‬فدفتر‭ ‬المذكرات‭ ‬لا‭ ‬يفارقها،‭ ‬يتصاعد‭ ‬صوت‭ ‬خطاب‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬كتوثيق‭ ‬يومي‭ ‬لا‭ ‬تريده‭ ‬البطلة‭/ ‬البطل‭ ‬للنشر،‭ ‬لكنّها‭ ‬مدفوعة‭ ‬بحرص‭ ‬الصديقة‭ ‬جوى‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الكتابة‭ ‬صرخة‭ ‬مستحقة‭ ‬لسماعها‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬يضيق‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات،‭ ‬تقنعها‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬رواية‭ ‬حقيقية،‭ ‬كأنما‭ ‬يقدم‭ ‬الرفاعي‭ ‬رواية‭ ‬البطل‭ ‬لا‭ ‬روايته،‭ ‬ويضعها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬الجافة‭ ‬والصادمة،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬صفحة‭ ‬140‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬ريان‭: ‬‮«‬كتبت‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬روايتي‭ ‬بمحنتي‮»‬،‭ ‬ليختتم‭ ‬الجملة‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬الناس‭ ‬الحقيقة‮»‬،‭ ‬تلك‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬ألبسها‭ ‬الروائي‭ ‬لسان‭ ‬السارد‭. 

وفي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال،‭ ‬فإن‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬موضوع‭ ‬علمي‭ ‬يتطلب‭ ‬مغالبة‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬التقريرية‭ ‬والمباشرة‭ ‬حينما‭ ‬تستدعي‭ ‬الضرورة‭ ‬تمرير‭ ‬معلومات‭ ‬عامة‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬الأساس،‭ ‬لكنّ‭ ‬الروائي‭ ‬المجرّب‭ ‬قاوم‭ ‬كثيرًا‭ ‬هذا‭ ‬المطب‭ (‬الفنّي‭) ‬للخروج‭ ‬بعمل‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الصراع‭ ‬النفسي‭ ‬وتعميق‭ ‬الحوار‭ ‬الداخلي‭ ‬لدى‭ (‬ريّان‭) ‬الفتاة‭ ‬والولد،‭ ‬والصراعات‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الشخوص‭ ‬لتوضيح‭ ‬ردود‭ ‬فعلهم‭ ‬إزاء‭ ‬قضية‭ ‬قال‭ ‬فيها‭ ‬العلم‭ ‬والدين‭ ‬كلمتهما‭ ‬بوضوح،‭ ‬لكنّ‭ ‬حسابات‭ ‬الحقل‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬مرئيات‭ ‬العقل،‭ ‬والرواية‭ ‬جسد‭ ‬معرفي‭ ‬حيّ‭ ‬قابل‭ ‬لتوسيع‭ ‬مداركه،‭ ‬وما‭ ‬يطرحه‭ ‬من‭ ‬أفكار‭.‬

 

زيف‭ ‬الحداثة

يواصل‭ ‬الروائي‭ ‬طالب‭ ‬الرفاعي،‭ ‬عبر‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أعماله،‭ ‬كشفه‭ ‬للزيف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬زرعته‭ ‬الحداثة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬حيث‭ ‬الرأسمالية‭ ‬المتحكمة‭ ‬في‭ ‬علاقاتنا‭ ‬مع‭ ‬ذواتنا‭... ‬ومع‭ ‬الآخر،‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الأخ‭ ‬أو‭ ‬الابن،‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬العصرنة‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬مدى‭ ‬ممكن،‭ ‬لكنّ‭ ‬مفاهيم‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬تقفز‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬واجهة‭ ‬الحدث‭ ‬حينما‭ ‬يشعر‭ ‬‮«‬العصريون‮»‬‭ ‬بتوجّس‭ ‬ما‭ ‬يمسّ‭ ‬جوهر‭ ‬مصالحهم‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬وصورتهم‭ ‬أمام‭ ‬المجتمع،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬القضية‭ ‬تشوّه‭ ‬خلقي‭ ‬يستوجب‭ ‬العلاج،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬حابي‮»‬‭.‬

هي‭ ‬أيضًا‭ ‬رواية‭ ‬كشف‭ ‬قناع‭ ‬التديّن‭ ‬الرافض‭ ‬للعلم،‭ ‬المتمسك‭ ‬بصياغاته‭ ‬التقليدية‭ ‬المتوارثة‭ ‬حسب‭ ‬‮«‬المحفوظات‮»‬‭ ‬المتداولة‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الحلال‭ ‬والحرام،‭ ‬وتغيير‭ ‬خلق‭ ‬الله،‭ ‬ويقدّم‭ ‬نموذج‭ ‬الأخت‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬نفي‭ ‬شقيقها‭ ‬لأنه‭ ‬يسبب‭ ‬الفضيحة،‭ ‬رغم‭ ‬الرأي‭ ‬العلمي‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬كما‭ ‬يكشف‭ ‬زيف‭ ‬المجتمع‭ ‬المتعلم‭ ‬الذي‭ ‬يقصي‭ ‬الآخر،‭ ‬ولا‭ ‬يهتم‭ ‬بمعاناته،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ (‬العلم‭) ‬ما‭ ‬يحاول‭ ‬تصحيح‭ (‬الالتباس‭) ‬الجسدي‭.‬

في‭ ‬موازاة‭ ‬ذلك‭ ‬ينتصر‭ ‬الرفاعي‭ ‬للأم‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الزيف،‭ ‬زيف‭ ‬الأب‭ ‬الأبرز‭ ‬دلالة‭ ‬في‭ ‬تشظّيه‭ ‬الداخلي،‭ ‬الحالم‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬ولد‭ ‬لكنّه‭ ‬يرفض‭ ‬التصحيح‭ ‬الجنسي‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬ريان‮»‬،‭ ‬فتصبح‭ ‬الولد‭ ‬الذي‭ ‬يحلم‭ ‬به،‭ ‬مستعينًا‭ ‬بقاموسه‭ ‬من‭ ‬السخرية،‭ ‬ومواصلًا‭ ‬غيابه‭ ‬فيما‭ ‬تبقى‭ ‬الأم‭ ‬مع‭ ‬‮«‬ريان‮»‬‭ ‬الفتاة،‭ ‬إذ‭ ‬تواجه‭ ‬مصيرها‭ ‬حين‭ ‬تحاول‭ ‬عبور‭ ‬المنطقة‭ ‬المحايدة‭ ‬بين‭ ‬أنوثتها‭ (‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬شروطها‭ ‬كاملة‭)‬،‭ ‬وبين‭ ‬الذكورة‭ ‬الطارقة‭ ‬للأبواب‭ ‬بقوّة‭ ‬الجينات،‭ ‬وغياب‭ ‬الرحم‭ ‬والمبيضين‭ ‬كتأكيد‭ ‬على‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬يرفضها‭ ‬المجتمع،‭ ‬فكرة‭ ‬التحول،‭ ‬ليس‭ ‬التحول‭ ‬الجسدي‭ ‬كمعنى‭ ‬مباشر،‭ ‬ولكن‭ ‬العبور‭ ‬بالأشياء‭ ‬إلى‭ ‬دلالات‭ ‬صادمة‭ ‬أخرى،‭ ‬ولعلّها‭ ‬في‭ ‬حساسيتها‭ ‬الجسدية‭ ‬أكثر‭ ‬إثارة‭ ‬للتساؤل‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬صغير،‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬يتماسّ‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬الاعتراضات‭ ‬على‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬حين‭ ‬تناقش‭ ‬الأب‭ ‬عن‭ ‬الميراث‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬حيًّا،‭ ‬فيصبح‭ ‬المال‭ ‬مقياسًا‭ ‬لوزن‭ ‬علاقتنا‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬ومعاناته،‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصيب‭ ‬حصّتنا‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬باسم‭ ‬الأب،‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الميراث‭ ‬بعد‭ ‬موته‭ ‬يعكس‭ ‬فكرة‭ ‬النظرة‭ ‬المادية‭ ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الدعاء‭ ‬للأب‭ ‬بطول‭ ‬العمر،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬مفاهيم‭ ‬‮«‬العادات‭ ‬والتقاليد‮»‬‭... ‬المعلّقة‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬المصالح‭.‬

 

البطولة‭... ‬أنثى

يواجه‭ ‬الرفاعي‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬حابي‮»‬‭ ‬الهشاشة‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬القوالب‭ ‬التي‭ ‬ترتدي‭ ‬أحدث‭ ‬الموضات‭ ‬العالمية،‭ ‬من‭ ‬ملابس‭ ‬وحليّ،‭ ‬لكنّها‭ ‬تعاني‭ ‬التشظّي،‭ ‬متعبة‭ ‬بزيف‭ ‬نظراتها‭ ‬نحو‭ ‬الأشياء،‭ ‬هشاشة‭ ‬المجتمع‭ ‬المشغول‭ ‬أفراده‭ ‬بمصالحهم‭ ‬الفردية‭ ‬الضيقة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كيان‭ ‬مصغّر‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬مجموعه‭ ‬الكلّي،‭ ‬الأسرة‭ ‬التي‭ ‬تضيق‭ ‬بمعضلة‭ ‬فرد‭ ‬فيها‭ ‬لتتشرذم،‭ ‬ولا‭ ‬تلتقي‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬خبطات‭ ‬الخيبات‭ ‬والتصادمات‭ ‬والانكسارات‭ ‬التي‭ ‬تتعمق‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭.‬

ليست‭ ‬الأم‭ ‬وحدها‭ ‬من‭ ‬يقدمّها‭ ‬الروائي‭ ‬طالب‭ ‬الرفاعي‭ ‬نموذجًا‭ ‬إيجابيًا‭ ‬موازيًا‭ ‬للبطل‭ ‬الأول‭ ‬داخل‭ ‬النسق‭ ‬الروائي،‭ ‬بل‭ ‬تتشكّل‭ ‬مجموعة‭ ‬بطولات‭ ‬نسائية‭ ‬أبرزها‭ ‬الأم‭ (‬كنموذج‭ ‬مقدس‭ ‬بدلالات‭ ‬العطاء‭ ‬المطلق‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬واحتواء‭)‬،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬سلبيّة‭ ‬رجالية‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬أمثلتها‭ ‬الأب،‭ ‬الغائب‭ ‬والخائن‭ ‬والممارس‭ ‬للسخرية‭ ‬والإهانات‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬المحورية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬ابنته‭/ ‬ابنه‭ ‬ريان‭.‬

البطولة‭ ‬تستدعي‭ ‬قوة‭ ‬داخلية‭ ‬للمواجهة،‭ ‬وخوض‭ ‬الصراع،‭ ‬حتى‭ ‬نقطة‭ ‬الانتصار،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الخيبات‭ ‬والهزائم،‭ ‬عبر‭ ‬معسكرين‭ ‬واضحَي‭ ‬المعالم،‭ ‬الأول‭ ‬يتشكّل‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬شجاعات‭: ‬ريان‭ ‬الفتاة،‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬بجسدين،‭ ‬وبفكرين،‭ ‬وبما‭ ‬لا‭ ‬يُحصى‭ ‬من‭ ‬عذابات‭ ‬ومواجهات‭ ‬تُدمي‭ ‬الروح،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الجسد‭ ‬الدامي‭ ‬بمعاناته‭ ‬الخلقية،‭ ‬وصديقتها‭ ‬جوى‭ ‬حيث‭ ‬تتغلب‭ ‬رابطة‭ ‬الصداقة‭ ‬على‭ ‬رابطة‭ ‬الدم،‭ ‬وأمها‭ ‬الأمريكية‭ (‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬ما‭)‬،‭ ‬والأطباء‭ ‬الذين‭ ‬يدعمون‭ ‬فكرة‭ ‬التوجه،‭ ‬مقابل‭ ‬معسكر‭ ‬سلبي‭ ‬يفصح‭ ‬الروائي‭ ‬عنه‭ ‬بصراحة‭ ‬ووضوح‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬جاهل‭ ‬يتخذ‭ ‬كبريائه‭ ‬التقليدية‭ ‬وعقده‭ ‬النفسية‭ ‬مصدّات‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬العلم‭ ‬والدين‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬بيّن‭ ‬كلامهما‭ ‬فيها،‭ ‬الأب‭ ‬السلبي‭ ‬والمستهتر،‭ ‬وزوج‭ ‬ابنته‭ ‬نورة‭ (‬اللحية‭ ‬كدلالة‭ ‬على‭ ‬التديّن‭) ‬مع‭ ‬ثراء‭ ‬يساوم‭ ‬به‭ ‬لكسب‭ ‬مواقف‭ ‬تؤيد‭ ‬ما‭ ‬يراه،‭ ‬فيفتح‭ ‬بوابة‭ ‬المصالح‭ ‬لإبقاء‭ ‬الأب‭ ‬رافضًا‭ ‬للفكرة‭ ‬باعتبارها‭ ‬مخالفة‭ ‬لشرع‭ ‬الله،‭ ‬ويكافئ‭ ‬زوجته‭ ‬بعد‭ ‬العودة‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬العسل‭ ‬متحجّبة‭ ‬بحساب‭ ‬بنكي‭ ‬يتضخّم‭ ‬داخله‭ ‬مبلغ‭ ‬كبير،‭ ‬ومحاولة‭ ‬الدفع‭ ‬لتهجير‭ ‬ريان‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬بعرض‭ ‬إغراءات‭ ‬مالية‭ ‬لتعيش‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬وطنها،‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬سمعتهم‭.‬

 

صراع‭ ‬المواجهة

على‭ ‬رأس‭ ‬المعسكر‭ ‬المناوئ‭ ‬تبدو‭ ‬الشخصية‭ ‬النسائية‭ ‬نورة‭ ‬الأعنف‭ ‬حضورًا‭ ‬بما‭ ‬تقدّمه‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ (‬الحرام،‭ ‬الغضب‭ ‬الإلهي،‭ ‬دخول‭ ‬جهنم‭) ‬في‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬زوجها‭/ ‬الرجل،‭ ‬فالخشية‭ ‬على‭ ‬السمعة‭ ‬تمنع‭ ‬زوج‭ ‬نورة‭ ‬المتديّن‭ ‬من‭ ‬الاستماع‭ ‬لفتوى‭ ‬هيئة‭ ‬كبار‭ ‬العلماء‭ ‬والمجمع‭ ‬الفقهي‭ ‬التابع‭ ‬لرابطة‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬بمكة‭.‬

يتمسك‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬بوجهة‭ ‬نظره،‭ ‬لم‭ ‬تتنازل‭ ‬شخصيات‭ ‬الرفاعي‭ ‬عن‭ ‬مواقفها،‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحدث‭ ‬وحتى‭ ‬نهايته،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الحدث‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬متصاعدًا‭ ‬في‭ ‬الرواية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬معتمد‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬التداعي،‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬العملية‭ ‬الأولى‭ (‬إزالة‭ ‬الثديين‭) ‬وحتى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬العملية‭ ‬الثانية‭ (‬زرع‭ ‬أعضاء‭ ‬ذكورية‭)‬،‭ ‬ووصولًا‭ ‬إلى‭ ‬مشهد‭ ‬الطائرة‭ ‬الذي‭ ‬يحتلّ‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬فالقضية‭ ‬هي‭ ‬المواجهة،‭ ‬والصراع‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬العلم‭ ‬والدين،‭ ‬وارتباط‭ ‬الأسري‭ ‬بالدائرة‭ ‬الأكبر؛‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أربعة‭ ‬محاور‭ ‬سارت‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬فكرتها‭: ‬العلم‭ ‬والدّين‭ ‬والأسرة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬فيرفض‭ ‬الجانب‭ ‬العلمي‭ ‬باسم‭ ‬المجتمع‭ ‬والدين،‭ ‬وواجهته‭ ‬الأولى‭: ‬الأسرة‭.‬

هو‭ ‬رفض‭ ‬منطق‭ ‬العقل،‭ ‬وإلغاء‭ ‬العلم،‭ ‬فالأب‭ ‬لا‭ ‬يستجيب‭ ‬لحلمه‭ ‬بولد‭ (‬لديه‭ ‬6‭ ‬بنات‭) ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬قريبًا‭ ‬منه‭ ‬هكذا،‭ ‬يعيش‭ ‬خارج‭ ‬العقل‭ ‬حيث‭ ‬نذر‭ ‬نفسه‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭ (‬سهرًا‭ ‬وسفرًا‭)‬،‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬بالعلم‭ ‬وهو‭ ‬يهديه‭ ‬ولدًا،‭ ‬لأن‭ ‬تغييب‭ ‬العقل‭ ‬هو‭ ‬الأساس،‭ ‬بينما‭ ‬يقدّم‭ ‬الروائي‭ ‬الأم‭ ‬متعلمة،‭ ‬فهي‭ ‬تمتلك‭ ‬مكتبة‭ ‬بآلاف‭ ‬الكتب،‭ ‬وتكتب‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬الجامعة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يأخذها‭ ‬نضالها‭ ‬لمصلحة‭ ‬أسرتها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭.‬

 

إنطاق‭ ‬المفردات

يمارس‭ ‬الرفاعي‭ ‬غوايته‭ ‬الشعرية‭ ‬في‭ ‬سرد‭ (‬الواقع‭) ‬بصدماته‭ ‬المباشرة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يقدمها‭ ‬برمزية‭ ‬مداريًا‭ ‬فجاجته،‭ ‬إنما‭ ‬يحيل‭ ‬هذه‭ ‬الرمزية‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬سكب‭ ‬عطرها‭ ‬لعله‭ ‬يخفف‭ ‬قليلًا‭ ‬من‭ ‬رائحة‭ ‬الحدث،‭ ‬فينفخ‭ ‬الروح‭ ‬في‭ ‬المفردات‭ ‬لتكون‭ ‬لها‭ ‬حياة‭ ‬تتحرك،‭ ‬فالصمت‭ ‬‮«‬يفطن‭ ‬إليّ‭ ‬حين‭ ‬أكون‭ ‬وحيدًا،‭ ‬يدنو‭ ‬منّي‭ ‬فيحتضن‭ ‬لحظتي،‭ ‬يغافلني،‭ ‬ويلكز‭ ‬ذكرياتي‭ ‬متحرشًا‭ ‬بها،‭ ‬فتفتح‭ ‬عيونها‭ ‬متثائبة‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬مخلوق‭ ‬مخيف‭ ‬يستقر‭ ‬فوق‭ ‬الطاولة‭ ‬‮«‬راح‭ ‬يقلّب‭ ‬وجهه‭ ‬في‭ ‬وجوهنا‭ ‬واحدًا‭ ‬واحدًا‮»‬،‭ ‬والرجفة‭ ‬‮«‬تنطلق‭ ‬لتصطدم‭ ‬بالجدار‮»‬‭ ‬وتعود‭ ‬لترتطم‭ ‬بجبهة‭ ‬ريان،‭ ‬وفي‭ ‬مواضع‭ ‬أخرى‭ ‬نقرأ‭ ‬تجسيمًا‭ ‬للمشاعر‭ ‬والأفكار،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬ذلك‭: ‬‮«‬وجدت‭ ‬الانتظار‭ ‬جالسًا‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬النافذة‭ ‬يطالعني‮»‬،‭ ‬و‮«‬بخروجه‭ ‬انتشر‭ ‬ضيق‭ ‬كالصمغ‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬الصالة،‭ ‬لفّ‭ ‬وجه‭ ‬أبي‭ ‬وأمي‭ ‬والإضاءة‭ ‬والجدران‭ ‬والأثاث‭ ‬والهواء‭ ‬وأنفاسنا‮»‬‭.‬

 

الخلاص‭... ‬أين؟

هل‭ ‬رأى‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬الخلاص‭ ‬في‭ ‬العلم،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أمريكا؟‭!‬

بقيت‭ ‬النهاية‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬احتمالات‭ ‬شتى،‭ ‬مؤجّلة‭ ‬بضع‭ ‬سنوات،‭ ‬حتى‭ ‬تنتهي‭ ‬فترة‭ ‬الدراسة،‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬الجديدة‭ ‬أمريكا‭ ‬متّسع‭ ‬ليعيش‭ ‬ريان‭ (‬الولد‭) ‬مع‭ ‬صديقته‭ ‬جوى‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة،‭ ‬ووقفت‭ ‬معه‭ ‬كما‭ ‬سافرت‭ ‬لتكون‭ ‬قريبة‭ (‬حينما‭ ‬كان‭ ‬ريان‭ ‬البنت‭) ‬إلى‭ ‬بانكوك‭ ‬لإجراء‭ ‬عمليتي‭ ‬التحول،‭ ‬فهل‭ ‬تستمر‭ ‬الحكاية‭ ‬ليتزوجا‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬القارئ‭ ‬يضع‭ ‬مخيّلته‭ ‬ليرسم‭ ‬حدود‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬يعنّ‭ ‬له؟‭!‬

الرواية‭ ‬بدأت‭ ‬بمكان‭ ‬خارجي‭ (‬تايلاند‭)‬،‭ ‬وانتهت‭ ‬بمكان‭ ‬خارجي‭ ‬آخر‭ ‬أيضًا‭ (‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬لندن،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭)‬،‭ ‬بدأت‭ ‬بالتجسيد‭ ‬العلمي‭ ‬للخلاص‭ ‬من‭ ‬الازدواجية‭ (‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أيضًا‭ ‬وصف‭ ‬الحالة‭ ‬الصحية‭) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المستشفى،‭ ‬والترحال‭ ‬خارج‭ ‬الممنوع،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬معالجة‭ ‬الحالة‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬وتحليقًا‭ ‬إلى‭ ‬العلم‭ ‬ذاته،‭ ‬حيث‭ ‬طلب‭ ‬المعرفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التحليق‭ ‬إلى‭ ‬بقعة‭ ‬حريّة‭ ‬مختلفة،‭ ‬تتعاطى‭ ‬مع‭ ‬الحالات‭ ‬بمساحة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬العقلاني،‭ ‬الخاضع‭ ‬للعلم‭ ‬لا‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬السمعة‭ ‬والوجاهة‭ ‬أمام‭ ‬الآخرين‭.‬

ليست‭ ‬رواية‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬قارئها‭ ‬ازدواجية‭ ‬حا‭/ ‬بي،‭ ‬بل‭ ‬ازدواجيات‭ ‬متعددة،‭ ‬تمسّ‭ ‬هويّة‭ ‬لتبدو‭ ‬هويّات‭... ‬تشرف‭ ‬على‭ ‬هوايات‭.! ‬■