اسم أسماء الذي حيّر العلماء

اسم أسماء  الذي حيّر العلماء

لقد جعل النحاة من الأسباب الكافية بنفسها للمنع من الصرف زيادة ألف التأنيث الممدودة أو المقصورة على الاسم، سواء كان مفردًا أو جمعًا، علَمًا أو نكرة أو صفة. ومما منعوه من الصرف كلمة أسماء، إذا كانت اسم علَم؛ لكنّ في تعليلات بعضهم لذلك نظرًا.

 أول ما يَجْبه الباحث هو قول معجم لسان العرب في باب «وسم» (وهو باب اضطرب فيه ابن منظور أيّما اضطراب)، وكذلك من أخذ من «اللسان»، أن أسماء اسم امرأة؛ ومن شأن هذا القول أن يحكم القاعدة النحوية، وذلك لأنّهم ردوا الكلمة إلى الوسامة، بمعنى أنهم جعلوها صفة على وزن فَعْلاء هي وَسْماء، أُبدلت الهمزة في أولها من الواو المفتوحة فصارت أَسْماء، مثلما أُبدلت الهمزة من الواو في أَحَد التي أصلها وَحَد.
  وحين نقول تَحْكم القاعدة فإنما نعني أن اسم المرأة، وهو مؤنث في العادة، يحتاج إلى ما يدلّ على تأنيثه، ووزن فَعْلاء المشتق من الفعل الثلاثيّ يكون للصفات المؤنثة، والوسامة عندهم صفة أنثوية أكثر منها ذكرية، فاحتاطوا بذلك، على ما يبدو، من أن تكون الألف الممدودة لغير التأنيث، أي ألّا تكون الكلمة على وزن فَعْلاء التي يغلب أن يكون مذكرها على وزن أَفْعَل. والطريف أن توكيد أصحاب المعاجم هذا مأخوذ من أبي علي الفارسيّ (ت 377 هـ) في ما نسبه إليه ابن سيده (458 هـ)، على أن أبا عليّ لا يجزم جزمهم، بل يجعل هذا التأويل مجرد احتمال من اثنين، لا يذكر ابن سيده ثانيهما. 

سيبويه وابن سيده
ثم يجعل «اللسان» معتمَد هذا التأويل سيبويه (ت 180 هـ)؛ فقد روى عن ابن سيده أن صـــاحب «الكتاب» ذكر اسم أسماء في الترخيم مع فعلان كسكران، معتدًّا به فَعْلاء، ثم نسب «اللسان» نفسه إلى المبرّد (ت 286 هـ) اعتراضًا على هذا الرأي، وهو أن أسماء جمع اسم، وأنه مذكر على وزن أفعال، وإنما منعه من الصرف غلبة تسمية النساء به، فصار عند سيبويه بمنزلة سعاد وزينب.
ويشير «اللسان» بعد ذلك إلى أن ابن دريد (ت 321 هـ) أيّد قول سيبويه في إبدال واو وَسْماء همزةً؛ ولم نجد أثرًا لهذا كله في «كتاب» سيبويه ولا في كتاب «المقتضب» للمبرّد ولا في كتاب «المخصّص» لابن سيده في الموضع الذي أورد فيه رأي أبي علي الفارسيّ المشار إليه - فكل ما نسبه ابن سيده إلى المبرّد أن سيبويه لا يجعل إبدال الهمزة من الواو مطّردًا، وإنْ أكد في موضع آخر أن ابن دريد ذهب إلى إبدال الهمزة من الواو - ولم نجده أخيرًا في «جمهرة» ابن دريد، الذي جعل أسماء في باب واحد مع سماء، أي أدخله في باب سمو، خلافًا لما ادّعاه ابن سيده وابن منظور؛ كما ترك الكلام عليه في كتاب «الاشتقاق»!  
نظرية إبدال الألف من الواو في كلمة أَسماء المنسوبة إلى سيبويه تبدو، إذًا، محمولة عليه وغير صادرة عنه، ولا عمّن يُفترض أنهم أيّدوه فيها. والحقيقة أن إبدال الواو همزةً في فاء الكلمة قليل جدًا، على ما يؤكده أبو علي الفارسي، إذ لم يجده إلا في كلمتين، في ما نسبه ابن سيده إليه، هما أناة وأَحَد، وقد زاد ابن سيده إلى هاتين كلمة أسماء، لكن على سبيل الاحتمال لا التوكيد. على حين أن سيبويه كان قد ذكر هاتين الكلمتين وكلمة أَجَمَ التي أصلها وَجَم.

إبدال شاذ
وقد تتبّعنا هذا الضرب من الإبدال في «لسان العرب» كله فظفرنا بسبع كلمات أخرى، ليكون المجموع عشرة؛ ومعنى ذلك أن هذا الإبدال شاذّ إذا ما قارنّا عدد الأسماء الذي خضعت له بمئات الأسماء التي تبدأ بواو مفتوحة من غير الخضوع له. والملحوظ أن الكلمات التي وقع فيها هذا الإبدال تستعمل كلها هي وأصولها وإن استُعملت وَحَد بمدّ فتحة الواو وكسر الحاء لتصبح بوزن فاعل: واحد؛ والأغلب أن تكون الأصول أكثر استعمالًا، مثل وجم وأجم ووبّخ وأَبّخ ووطّأ وأَطّأ ووزير وأَزير ووجّ وأَجّ ووناة وأناة (أناة صفة للمرأة الثقيلة الحركة).
أما وَسْماء التي يقال إنها أصل أسماء فلا وجود لها في اللغة، ولم يذكرها الفارسيّ، بل أكد أنه لا يعلم ظاهرة الإبدال هذه إلا في اللفظين اللذين سبق ذكرهما. فما نسبه إليه ابن سيده في أسماء محل شك إذًا، ولاسيما أنه جعل الأمر مجرد احتمال من اثنين، أي أنه مجرد افتراض ليس من دليل على أن أبا عليّ يقول به؛ ولا شيء يؤكد صلة أسماء بالوسامة لا بالسمة أو السمو، للقول مثلًا إن وسيمًا بالقياس إلى وَسْماء كواحد بالقياس إلى وَحَد؛ وكل ذلك يرجح بقوة أن الأصل وسماء متوهّم ويجافي المنطق اللغوي. 
وقد اختصر ابن بري (582 هـ)، في ما نسبه «اللسان» إليه في باب أَسم، الوجوهَ التي عُللت بها تسمية أَسماء، بادئًا بعبارة أبي علي الفارسيّ نفسها، وهي أن أسماء اسم امرأة، مؤكدًا أن هذا الاسم مختلَف فيه، عارضًا للرأي الذي عالجناه منذ قليل، وهو إبدال الهمزة من الواو، وذاكرًا قبله رأيًا آخر هو أن الكلمة على وزن فَعْلاء، لكن الهمزة في أولها أصلية، من غير أن يوضح من أين جاءت هذه الصيغة؛ ولعل القائل بهذا الوجه يذهب مذهب من يرون أن همزة اسم همزة قطع أصلية، من جذر أَسم، وهو ما أوحى ابن منظور به في ما نسبه بصورة غير واضحة إلى سيبويه نقلًا عن ابن سيده، وذلك مستبعد لأن ابن سيده نفسه نسب إلى سيبويه في الباب عينه القولَ بإبدال الهمزة من الواو.
على أن ابن بري سينفي هذا الوجه عند كلامه على الوجه الثالث، وهو أن همزة أسماء همزة قطع زائدة، أي يجوز إثباتها في مواضع وحذفها في مواضع أخرى، موحيًا الاقتناع بهذا الوجه إذ يقول: «ويقوّي هذا الوجه قولهم في تصغيرها: سُمَيَّة، ولو كانت الهمزة فيها أَصْلًا لم تحذَف». هذا قد يعني أنه يذهب مذهب مَن قالوا بأن الاسم من السمو، وأن الهمزة في أوله جاءت تعويضًا من حذف الواو من آخره، وأنه جُمِع على أسماء (على وزن أفعال) لكونه على وزن فعْل.

أسماء جمع اسم
والنتيجة، بعد استبعادنا إبدال الهمزة من الواو في أول اسم أسماء، هي أن الكلمة جمع اسم سواء عدّت همزتها همزة قطع أصلية أو همزة قطع زائدة، وهو ما يتبادر عفوًا إلى ذهن المنشئ أو المتلقي عند استعمال هذه الكلمة، فيبقى موضوع تأنيث الكلمة وتذكيرها وصرفها ومنعها من الصرف.
أولًا: لا ينبغي أن يحملنا قولهم: «اسم امرأة» على أن نحكم على الكلمة بالتأنيث، فكثيرًا ما سميت النساء بأسماء مذكرة، مثل هند ووعد وسناء وجَنى ووداد ورِيم وجمال وحُسن ونجاح ووئام، فضلًا عن أن كثيرًا من الرجال دعوا باسم أسماء. ولعل ما أوهم اللغويين أن هذا الاسم خاص بالنساء وأن الرجال دعوا به بنقله عن المؤنث أمران:
أن كبرى بنات أبي بكر الصديق، ]، أمّ عبد الله بن الزبير سميّت به، وهي امرأة مشهورة جدًا كما هو معروف.
وأن الشعراء أكثروا من ذكره في غزلهم في التشبيب إما بنساء حقيقيات أحيانًا، أو مزعومات في أكثر الأحيان، على عادة القدماء في المقدّمات الغزلية، أو في التستر على اسم المحبوبة الحقيقية. 

في الشعر ممنوع من الصرف
ثانيًا: إن ترجيحنا أن أسماء جمع اسم يعني أنه في الأصل مذكر، ومن الطبيعي أن يسمى المذكر بالمذكر ابتداء ثم ينتقل إلى المؤنث أحيانًا. ولذلك وجب صرف هذا الاسم إذا سمّي به ذكر، حتى لو سلّمنا جدلًا بأنه اسم امرأة، وذلك لأن الاسم المذكر إذا سمّي به مذكر لا يُمنع من الصرف، وإن كان في الأصل علمًا لأنثى؛ ووجب أن يُمنع من الصرف إذا سُميتْ به أنثى، لأنه علم منقول عن المذكر. هذا ما توجبه القاعدة النحوية، لكن اللافت أنهم منعوه في الشعر من الصرف، سواء جاء علمًا مذكرًا أو مؤنثًا، ولكثرة الشواهد الشعرية الدالة على ذلك يصعب أن ننسب البناء إلى الضرورة الشعرية، إلا في مثل قول ابن الروميّ (ت 283 هـ):
كلُّ طِفلٍ يُدعى بأَسماءَ شَتّى
بيــــنَ   عـــــــودٍ   ومِزْهَرٍ   وقِرانِ
وواضح أن هذا المنع وقع على اسم جنس لا اسم علم.
تبقى النصوص النثرية. هذه لا نستطيع أن نعوّل عليها إلا إذا وردت في آية قرآنية، وهي لم ترد في أي آية؛ أما سائر النصوص فالرواة أو المحقّقون هم الذين يختارون حركات الكلمات وسكناتها فيها، لأنّ الكتب القديمة لم تكن مشكولة، على ما هو معروف؛ ونذكر على سبيل الإشارة لا الاستشهاد أن محققي الحديث النبوي الذين قرأنا لهم جعلوا كلمة أسماء ممنوعة من الصرف سواء كانت علمًا مذكرًا أو علمًا مؤنثًا. 

النتاج
وهذا يعني أحد أمرين؛ إما أن منع هذا الاسم من الصرف إذا دلّ على مذكر يشذ عن القاعدة، وإما أنهم قاسوه على ما زنته فَعْلاء ومذكره أفعل، مثل وَرْقاء الذي سمي به ذكور وإناث، ومذكره أَوْرَق، أو توهموا أنه على ذلك الوزن، كأولئك الذين زعموا أن أصل الكلمة هو وسماء. هو إذًا ممنوع من الصرف، سواء سمّي به الذكور أو الإناث، لكن إذا صرفه أحدهم في علَم مذكر فلا يجب تخطئته، في رأينا، لأنه التزم القاعدة العامة، وإن خالف عادات الشعراء ■