ربيعة جلطي: تجارب الكُتّاب المغاربة والخليج أنقذت الأدب العربيّ من فخّ التكرار

ربيعة جلطي: تجارب الكُتّاب المغاربة والخليج أنقذت الأدب العربيّ من فخّ التكرار

لا‭ ‬ينجبُ‭ ‬الرمل‭ ‬سوى‭ ‬التميّز،‭ ‬هكذا‭ ‬تعلّمنا‭ ‬مُذ‭ ‬كان‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬ابن‭ ‬الخيمة‭ ‬والأمطار،‭ ‬وضيفتنا‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬تعرّف‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬بقولها‭:‬‭ ‬أنا‭ ‬بنت‭ ‬الرملين؛‭ ‬رمل‭ ‬الصحراء‭ ‬لأمي،‭ ‬ورمل‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬لأبي،‭ ‬وقد‭ ‬وُلدت‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الصحراء‭. ‬إنها‭ ‬د‭. ‬ربيعة‭ ‬جلطي،‭ ‬الأديبة‭ ‬والروائية‭ ‬الجزائرية‭ ‬ذات‭ ‬النزعة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬كتاباتها،‭ ‬صاحبة‭ ‬‮«‬قوارير‭ ‬شارع‭ ‬جميلة‭ ‬بوحيرد‮»‬،‭ ‬و«تضاريس‭ ‬لوجه‭ ‬غير‭ ‬باريس‮»‬،‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬المؤلّفات‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬اقترنت‭ ‬باسمها‭.‬

وأكدت‭ ‬د‭. ‬جلطي،‭ ‬خلال‭ ‬اللقاء،‭ ‬أنها‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬اكتشفت‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬سنواتها‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬عجلة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬مكتبة‭ ‬والدها‭ ‬المنزلية،‭ ‬موضّحة‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬ابن‭ ‬الحياة‭ ‬المتجددة‭ ‬بجنون،‭ ‬ومضيفة‭: ‬‮«‬أتصور‭ ‬الأدب‭ ‬حقلًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬مترامي‭ ‬الأطراف‮»‬‭. ‬وأشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجائزة‭ ‬تخطئ‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬في‭ ‬ترقية‭ ‬النصوص‭ ‬وفضاءاتها‭ ‬الأدبية،‭ ‬وأن‭ ‬كلّ‭ ‬أدب‭ ‬له‭ ‬ذاكرته‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تميّزه،‭ ‬وأن‭ ‬الأدب‭ ‬الجزائري‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عرف‭ ‬العالمية‭ ‬منذ‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

 

‭•‬‭ ‬حدثينا‭ ‬عن‭ ‬البيئة‭ ‬والنشأة‭ ‬التي‭ ‬صاغت‭ ‬د‭. ‬ربيعة‭ ‬جلطي‭. ‬

‭- ‬أنا‭ ‬بنت‭ ‬الرملين؛‭ ‬رمل‭ ‬الصحراء‭ ‬لأمي،‭ ‬ورمل‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬لأبي،‭ ‬وُلدتُ‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الصحراء،‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬لا‭ ‬أعرفه،‭ ‬لم‭ ‬أزره‭ ‬منذ‭ ‬طفولتي‭ ‬الأولى،‭ ‬وأعلم‭ ‬فقط‭ ‬أنه‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬الفاصل‭ ‬بين‭ ‬مدينتي‭ ‬بوعنان‭ ‬وبشار،‭ ‬حيث‭ ‬يتعانق‭ ‬الشقيقان‭ ‬الجزائر‭ ‬والمغرب‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬عين‭ ‬الغريم‭ ‬السياسي‭ ‬الباردة‭ ‬الفارغة‭.‬

منذ‭ ‬البدء‭ ‬كانت‭ ‬الأسفار‭ ‬قدَري،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بلغت‭ ‬سنّ‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة،‭ ‬وكأن‭ ‬الرحيل‭ ‬توأمي‭ ‬يقاسمني‭ ‬يُتمي،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬وجداني‭ ‬يهدأ‭ ‬في‭ ‬حضن‭ ‬جدي‭ ‬لأمي‭ ‬سيدي‭ ‬امحمد‭ ‬سليل‭ ‬الصوفي‭ ‬سيدي‭ ‬امحمد‭ ‬بن‭ ‬بوزيان،‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬العامر‭ ‬بستّ‭ ‬خالات‭ ‬وخال‭ ‬واحد‭ ‬اسمه‭ ‬التاقي،‭ ‬بيت‭ ‬مليء‭ ‬بالحياة‭ ‬والحكايات‭ ‬والأحداث‭ ‬السعيدة‭ ‬منها‭ ‬والمؤلمة،‭ ‬حتى‭ ‬أٌنقل‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬والدي‭ ‬الأستاذ‭ ‬والمترجم‭ ‬والمثقف‭ ‬وعاشق‭ ‬اللغات‭ ‬والكتب‭ ‬والأدب‭ ‬العربي‭ ‬والآداب‭ ‬العالمية،‭ ‬وجدتي‭ ‬لالة‭ ‬فاطمة‭ ‬الزهراء‭ ‬الأندلسية‭ ‬الصارمة‭ ‬في‭ ‬تربيتها‭. ‬

بيت‭ ‬على‭ ‬ضفة‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭. ‬وما‭ ‬إن‭ ‬تنشف‭ ‬مخدة‭ ‬الطفلة‭ ‬اليتيمة‭ ‬من‭ ‬دموع‭ ‬الفقدان‭ ‬والفراق،‭ ‬وتتآلف‭ ‬مع‭ ‬المكان‭ ‬وتعود‭ ‬ابتسامتها،‭ ‬حتى‭ ‬تُنتشل‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬رحلة‭ ‬طويلة‭ ‬جدًا‭ ‬نحو‭ ‬الرمل‭ ‬الساخن‭ ‬أو‭ ‬الرمل‭ ‬الرطب‭.‬

لست‭ ‬أدري‭ ‬إن‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬جدي‭ ‬لأمي‭ ‬أو‭ ‬بيت‭ ‬أبي،‭ ‬يدركون‭ ‬في‭ ‬غمرة‭ ‬حبّهم‭ ‬الكبير‭ ‬لابنتهم،‭ ‬تلك‭ ‬الطفلة‭ ‬التي‭ ‬كنتُها،‭ ‬وفي‭ ‬دفاعهم‭ ‬عن‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬الاحتفال‭ ‬بها،‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الأسفار‭ ‬الطويلة‭ ‬الممتدة‭ ‬بين‭ ‬الرملين‭ ‬والمكانين‭ ‬والعالمين‭ ‬تتركه‭ ‬في‭ ‬صدرها‭ ‬الصغير‭ ‬الهشّ،‭ ‬من‭ ‬تمزُّق‭ ‬داخلي‭ ‬وجروح‭ ‬غائرة‭. ‬جروح‭ ‬رقّقت‭ ‬زجاج‭ ‬الروح‭ ‬منها‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬قائمة‭ ‬حتى‭ ‬الساعة‭. ‬جروح‭ ‬لم‭ ‬تتنازل‭ ‬عن‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬الإيلام‭ ‬بالتقادم‭.‬

ومنذ‭ ‬أن‭ ‬اكتشفت‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى،‭ ‬حتى‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬عجلة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬مكتبة‭ ‬والدي‭ ‬المنزلية،‭ ‬فأصبحت‭ ‬الرّحم‭ ‬الذي‭ ‬أركن‭ ‬فيه‭ ‬وإليه‭.‬

 

عصر‭ ‬الرواية

‭• ‬يقال‭ ‬بأننا‭ ‬نعيش‭ ‬عصر‭ ‬الرواية،‭ ‬فمتى‭ ‬في‭ ‬منظورك‭ ‬يستعيد‭ ‬الشعر‭ ‬مكانته‭ ‬كفنٍّ‭ ‬عربي‭ ‬أول؟‭ ‬

‭- ‬الشعر‭ ‬يقتله‭ ‬محبّوه‭ ‬وعاشقوه‭ ‬والغيورون‭ ‬مرَضيًّا‭ ‬عليه،‭ ‬تمامًا‭ ‬مثل‭ ‬أمّ‭ ‬تبالغ‭ ‬في‭ ‬الخوف‭ ‬على‭ ‬صغيرها،‭ ‬تعزله‭ ‬عن‭ ‬الحياة،‭ ‬فيمسي‭ ‬ضعيفًا‭ ‬وسلبيًا،‭ ‬حراس‭ ‬الشعر‭ ‬يطوون‭ ‬رقعته‭ ‬كما‭ ‬تركها‭ ‬الخليل‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬الفراهيدي،‭ ‬يعلّبونه‭ ‬ويضعونه‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬الحنين‭ ‬المقدس،‭ ‬بينما‭ ‬الرواية‭ ‬سفينة‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬المخاطرة‭ ‬لجميع‭ ‬الغرقى‭ ‬والمغامرين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الطوفاني‭ ‬الصعب،‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الثقافات‭ ‬واللغات‭ ‬والفلسفات‭ ‬والمعتقدات‭ ‬والسياسات‭ ‬والموسيقات‭ ‬والجغرافيات‭ ‬وتواريخ‭ ‬الأمم‭ ‬المختلفة‭.‬

‭ ‬من‭ ‬السذاجة‭ ‬التاريخية‭ ‬أن‭ ‬ننتظر‭ ‬أن‭ ‬يستعيد‭ ‬الشعر‭ ‬مجده‭ ‬القديم،‭ ‬لأنّه‭ ‬مثل‭ ‬النهر‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬أدراجه،‭ ‬ينجرف‭ ‬مع‭ ‬سيول‭ ‬الحياة‭ ‬نحو‭ ‬القادم‭ ‬المجهول،‭ ‬ولأنّ‭ ‬كل‭ ‬مستقبل‭ ‬هو‭ ‬ماضٍ‭ ‬قادم،‭ ‬فإنّ‭ ‬الشعر‭ ‬يسبق‭ ‬هذا‭ ‬الماضي‭ ‬القادم‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبله،‭ ‬إنه‭ ‬ابن‭ ‬الحياة‭ ‬المتجددة‭ ‬بجنون‭.‬

حين‭ ‬نتأمل‭ ‬الإيقاع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُموسق‭ ‬ملاحم‭ ‬هوميروس‭ ‬أو‭ ‬هيرودوت‭ ‬أو‭ ‬صوفوكل،‭ ‬أو‭ ‬أشعار‭ ‬التروبادور‭ ‬أو‭ ‬امرئ‭ ‬القيس‭ ‬أو‭ ‬أبي‭ ‬تمّام‭ ‬أو‭ ‬المتنبي‭ ‬أو‭ ‬الخيّام‭ ‬أو‭ ‬فيكتور‭ ‬هيجو‭ ‬أو‭ ‬خوان‭ ‬رامون‭ ‬خيمينيث،‭ ‬أو‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الإنسانية،‭ ‬نجده‭ ‬جميلًا‭ ‬ومدهشًا،‭ ‬لأنّه‭ ‬يتناغم‭ ‬مع‭ ‬إيقاع‭ ‬آلات‭ ‬زمنه‭ ‬الموسيقية،‭ ‬أومن‭ ‬لو‭ ‬أنّ‭ ‬المتنبي‭ ‬أو‭ ‬هيرودوت‭ ‬نشرا‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬لكتبا‭ ‬شعرًا‭ ‬مختلفًا‭.‬

 

رقم‭ ‬قياسي

‭• ‬تنقلتِ‭ ‬بين‭ ‬صنوف‭ ‬الأدب‭ ‬المختلفة،‭ ‬فهل‭ ‬هذا‭ ‬يثري‭ ‬تجربة‭ ‬المبدع،‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬يعرقل‭ ‬تميّزه‭ ‬في‭ ‬صنف‭ ‬بعينه؟

‭- ‬أتصور‭ ‬الأدب‭ ‬حقلًا‭ ‬كبــيرًا‭ ‬مترامي‭ ‬الأطراف،‭ ‬وكل‭ ‬مربع‭ ‬منه‭ ‬يملؤه‭ ‬شجر‭ ‬مثمر‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬غيره،‭ ‬أتنقل‭ ‬بين‭ ‬الرواية‭ ‬والشعر‭ ‬والمقالة‭ ‬والقصة‭ ‬بكثــير‭ ‬من‭ ‬الحــريّة‭ ‬والمرونة،‭ ‬أومن‭ ‬أن‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬صنـــوف‭ ‬مختلفــة‭ ‬تزيد‭ ‬الكاتب‭ ‬مرونة‭ ‬وتمرسًا‭ ‬وقوة‭ ‬ونباهة‭ ‬وذكاء‭ ‬وعمقًا،‭ ‬تمامًا‭ ‬مثل‭ ‬الرياضي‭ ‬الذي‭ ‬يتــدرّب‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نوع،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬جسده‭ ‬إلّا‭ ‬مــــرونة‭ ‬وقوة‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬تحدّي‭ ‬نفســــه‭ ‬قــــبل‭ ‬الآخــــرين‭.‬

وهذا‭ ‬سؤال‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يتكرّر‭ ‬عندنا،‭ ‬لكنّه‭ ‬لا‭ ‬يشكّل‭ ‬هاجسًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للكتابة‭ ‬عند‭ ‬الكتّاب‭ ‬في‭ ‬لغات‭ ‬وثقافات‭ ‬أخرى،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الشاعر‭ ‬والروائي‭ ‬فيكتور‭ ‬هيجو‭ ‬صاحب‭ ‬رواية‭ ‬االبؤساءب‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تشكّل‭ ‬الرقم‭ ‬القياسي‭ ‬في‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬أفلام‭ ‬ومسرحيات‭ ‬وأفلام‭ ‬كرتون‭ ‬للأطفال‭ ‬ولوحات‭ ‬موسيقية‭ ‬وراقصة‭ ‬وترجمات‭ ‬عالمية،‭ ‬ولا‭ ‬غابرييل‭ ‬غارثيا‭ ‬ماركيز‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬صحفيًّا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬روائيًا‭.‬

ثم‭ ‬كيف‭ ‬ننســــى‭ ‬تجربـــة‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬الحائز‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬جائــزة‭ ‬نوبل؟

محفوظ‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬الرواية‭ ‬والقصة‭ ‬والسيناريو،‭ ‬المبدع‭ ‬الموهوب‭ ‬والجاد‭ ‬والمثقف‭ ‬حيثما‭ ‬مدّ‭ ‬يده‭ ‬يشعر‭ ‬بمسؤولية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متميزًا‭.‬

 

مرحلة‭ ‬البيات‭ ‬الإبداعي

‭•‬‭ ‬ماذا‭ ‬تمثّل‭ ‬الجوائز‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المبدع؟

‭- ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬جـــلّ‭ ‬الجوائـــز‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬تحمل‭ ‬كثيرًا‭ ‬أو‭ ‬قليلًا‭ ‬من‭ ‬جينــــات‭ ‬إدموند‭ ‬دو‭ ‬غونكور‭ ‬الذي‭ ‬كــــتب‭ ‬وصيّته‭ ‬عن‭ ‬طيـــب‭ ‬خاطــــر‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشـــر‭ ‬لنذر‭ ‬ثروته‭ ‬الكبيرة‭ ‬لجائزة‭ ‬أدبية‭ ‬سمّيت‭ ‬باسمه،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ - ‬كما‭ ‬أعتقد‭ ‬أيضًا‭ -  ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحيا‭ ‬بأدبه،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للكيميائي‭ ‬السويدي‭ ‬ألفريد‭ ‬نوبل‭ ‬صاحب‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل،‭ ‬وجائزة‭ ‬غونكور،‭ ‬وجائزة‭ ‬فيميــــنا،‭ ‬وإنتراليي،‭ ‬ورونودو،‭ ‬وميديسيس،‭ ‬وجائزة‭ ‬البوكر‭ ‬البريطانية،‭ ‬وبعض‭ ‬الجوائز‭ ‬المقلدة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الأنجلوفوني‭.‬

إلّا‭ ‬أنني‭ ‬مازلت‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬الجوائز‭ ‬العربية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كرمها،‭ ‬صورة‭ ‬االيد‭ ‬العليا‭ ‬واليد‭ ‬السفلىب،‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬الحائزة‭ ‬عليها‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬تلقم‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬العربية‭ ‬بعمل‭ ‬جديد‭ ‬مدهش،‭ ‬بالعكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تمامًا،‭ ‬تُدخلها‭ ‬الجائزة‭ ‬الكريمة‭ ‬البيات‭ ‬الإبداعي،‭ ‬وبذلك‭ ‬تخطئ‭ ‬الجائزة‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬في‭ ‬ترقية‭ ‬النصوص‭ ‬وفضاءاتها‭ ‬الأدبية،‭ ‬وفي‭ ‬إيقاظ‭ ‬حسّ‭ ‬المقاومة‭ ‬الفنية‭ ‬وإثراء‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬بالتحف‭ ‬الخالدة‭.‬

 

ملامح‭ ‬الأدب‭ ‬الجزائري‭ ‬المعاصر

‭•‬‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬أبرز‭ ‬ملامح‭ ‬الأدب‭ ‬الجزائري‭ ‬المعاصر‭ ‬وتأثيره‭ ‬وتأثره‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الأدبية‭ ‬العربية؟

‭-  ‬لعلّ‭ ‬أول‭ ‬ملمح‭ ‬للأدب‭ ‬الجزائري‭ ‬هو‭ ‬التعدّد‭ ‬اللغوي،‭ ‬فهناك‭ ‬كتّاب‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬وآخرون‭ ‬بالفرنسية،‭ ‬وفريق‭ ‬ثالث‭ ‬باللغة‭ ‬الأمازيغية،‭ ‬كل‭ ‬أدب‭ ‬له‭ ‬ذاكرته‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تميّزه،‭ ‬وله‭ ‬مرجعياته‭ ‬الجمالية‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬تقاليد‭ ‬كل‭ ‬لغة‭.‬

ولأنّ‭ ‬الكتّاب‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬ثقافي‭ ‬واحد،‭ ‬فإنّ‭ ‬كل‭ ‬فريق‭ ‬يؤثر‭ ‬ويتأثر‭ ‬بالآخر،‭ ‬سواء‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الأدب‭ ‬الجزائري‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬قد‭ ‬عرف‭ ‬العالمية‭ ‬منذ‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬منذ‭ ‬جيل‭ ‬كاتب‭ ‬ياسين‭ ‬ومحمد‭ ‬ديب‭ ‬ومالك‭ ‬حداد‭ ‬وآسيا‭ ‬جبار‭ ‬ومولود‭ ‬معمري،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬العالمية‭ ‬تكرست‭ ‬مع‭ ‬الأجيال‭ ‬المتلاحقة‭ ‬من‭ ‬رشيد‭ ‬بوجدرة‭ ‬إلى‭ ‬بوعلام‭ ‬صنصال‭ ‬وياسمينة‭ ‬خضرا‭ ‬وأمين‭ ‬الزاوي‭ ‬وكمال‭ ‬داود‭ ‬وغيرهم‭.‬

أما‭ ‬الأدب‭ ‬المكتوب‭ ‬بالعربية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬بدايته‭ ‬متأثرًا‭ ‬بتجارب‭ ‬مشرقية،‭ ‬مثل‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬وإميل‭ ‬حبيبي‭ ‬وإدوار‭ ‬الخراط‭ ‬وحنّا‭ ‬مينا‭ ‬وغيرهم،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الأخيرة‭ ‬أصبح‭ ‬يحقّق‭ ‬حضورًا‭ ‬متميزًا،‭ ‬ويؤثر‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬رؤية‭ ‬جمالية‭ ‬جديدة‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬تقاطعه‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬الأدب‭ ‬المكتوب‭ ‬بالفرنسية‭.‬

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬أضحى‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬قراءة‭ ‬الأدب‭ ‬الجزائري،‭ ‬وقد‭ ‬لاحظت‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاركاتي‭ ‬في‭ ‬معارض‭ ‬الكتب‭ ‬العربية،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يصلني‭ ‬من‭ ‬مراسلات‭ ‬خاصة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭ ‬والمغاربية‭ ‬بدأت‭ ‬تعير‭ ‬اهتمامًا‭ ‬للأدب‭ ‬الجزائري‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الدراسة،‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬الأطروحات‭ ‬الجامعية‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬على‭ ‬متونه‭ ‬الروائية‭ ‬أو‭ ‬الشعرية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭.‬

إن‭ ‬جماليات‭ ‬الأدب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬اليوم‭ ‬تتمثّل‭ ‬فيما‭ ‬تحمله‭ ‬التجارب‭ ‬الجديدة‭ ‬القادمة‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يسمّى‭ ‬بالهامش،‭ ‬خاصة‭ ‬تجارب‭ ‬الكتّاب‭ ‬المغاربيين‭ ‬وكتّاب‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭. ‬هاتان‭ ‬التجربتان‭ ‬استطاعتا‭ ‬أن‭ ‬تنقذا‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬سردًا‭ ‬وشعرًا‭ ‬من‭ ‬التكرار،‭ ‬ومن‭ ‬عطب‭ ‬المركزية‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬تقريبًا‭.‬

 

بيات‭ ‬شتوي

‭•‬‭ ‬كيف‭ ‬تقيّمين‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬وأثرها‭ ‬ومتطلباتها،‭ ‬كونك‭ ‬إحدى‭ ‬المهتمات‭ ‬بالحركة‭ ‬الثقافية‭ ‬محليًا‭ ‬وإقليميًّا؟

‭- ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬مثيلاتها‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬والمغاربية،‭ ‬الثقافة‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬يُهتمّ‭ ‬به،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬تحقّق‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الزخم‭ ‬تمثّل‭ ‬في‭ ‬اقتطاع‭ ‬ميزانية‭ ‬مهمة‭ ‬لقطاع‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2000‭ ‬و2010،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬العشرية‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬وهذا‭ ‬نظرًا‭ ‬لـ‭ ‬االبحبوحةب‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬البلاد،‭ ‬والتي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬سعر‭ ‬البترول،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭  ‬لم‭ ‬يؤسس‭ ‬لإقلاع‭ ‬ثقافي‭ ‬متين‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المكتبات‭ ‬وبعض‭ ‬المسارح‭ ‬ودور‭ ‬الثقافة،‭ ‬وأقيمت‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬المحلية‭ ‬والعــربـــية‭ ‬والـــدولـــية،‭ ‬إلا‭ ‬أنــها‭ ‬ظلت‭ ‬ذات‭ ‬طــابــع‭ ‬فلكلوري،‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬انتهت‭ ‬فترة‭ ‬السنوات‭ ‬السمان‭ ‬وحلّت‭ ‬محلها‭ ‬العجاف،‭ ‬بدت‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬شيّدت‭ ‬وكأنها‭ ‬في‭ ‬بيات‭ ‬شتوي‭ ‬طويل،‭ ‬وتلاشت‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬العربي‭ ‬والدولي،‭ ‬ولم‭ ‬تبقَ‭ ‬سوى‭ ‬جمعيات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬التي‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الثقافي‭ ‬بقوة،‭ ‬فالمقاهي‭ ‬الأدبية‭ ‬أصبحت‭ ‬تقليدًا‭ ‬جزائريًا‭ ‬بامتياز،‭ ‬يلتقي‭ ‬فيه‭ ‬الكتّاب‭ ‬قراءهم‭ ‬بالمدن‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬والكبيرة،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬القرى،‭ ‬إنها‭  ‬الظاهرة‭ ‬الصحية‭ ‬الوحيدة‭ ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬تراجُع‭ ‬عمل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬التابعة‭ ‬للدولة‭ ‬أو‭ ‬هجرة‭ ‬المواطن‭ ‬لها،‭ ‬لأنّها‭ ‬مرتبطة‭ ‬بنظام‭ ‬سياسي‭ ‬معيّن،‭ ‬جعلت‭ ‬الجمعيات‭ ‬الثقافية‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬حصانها‭ ‬النضالي‭ ‬القوي،‭ ‬وأصبحت‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتولى‭ ‬اليوم‭ ‬الفعل‭ ‬الثقافي‭ ‬الجاد،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكتاب‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭.‬

 

مفصل‭ ‬أساسي

‭•‬‭ ‬كون‭ ‬شريكك‭ ‬كاتبًا‭ ‬أو‭ ‬أديبًا،‭ ‬ما‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين؟‭ ‬وحدّثينا‭ ‬عن‭ ‬تجربتك‭ ‬الشخصية‭. ‬

‭- ‬منذ‭ ‬الصغر‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬والدي‭ ‬كانت‭ ‬الثقافة‭ ‬والكتاب‭ ‬والنقاش‭ ‬الأدبي‭ ‬مفصلًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬العائلة‭ ‬وحول‭ ‬مائدة‭ ‬الطعام‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬أدراج‭ ‬مكتبة‭ ‬أبي‭ ‬المنزلية‭. ‬تواصل‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬زوجي‭ ‬الأديب‭ ‬أمين‭ ‬الزاوي،‭ ‬ثم‭ ‬مع‭ ‬أولادنا‭ ‬الذين‭ ‬ترعرعوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجو؛‭ ‬ابنتنا‭ ‬عاشقة‭ ‬اللغات‭ ‬الفنانة‭ ‬لينا‭ ‬دوران،‭ ‬وولدينا‭ ‬إلياس‭ ‬وهزار‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬البحوث‭ ‬العلمية‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬توسّع‭ ‬النقاش‭ ‬ليشمل‭ ‬الأدب‭ ‬والعلوم‭ ‬والفنون‭. ‬ليس‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬يثري‭ ‬تجربة‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منّا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬يمتن‭ ‬العلاقة‭ ‬الطيبة‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ■