العازفة العراقية عائدة نديم: الموسيقى التركية أغنى في المقامات من العربية

العازفة العراقية عائدة نديم: الموسيقى التركية أغنى في المقامات من العربية

عائدة‭ ‬نديم‭ ‬عازفة‭ ‬عراقية،‭ ‬أصابعها‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬وأحاسيسها‭ ‬مرهفة،‭ ‬وروحها‭ ‬هائمة‭ ‬بين‭ ‬المقامات‭ ‬التركية‭ ‬والعربية،‭ ‬أطلقت‭ ‬العنان‭ ‬لأصابعها،‭ ‬فترجمت‭ ‬إلى‭ ‬مقطوعات‭ ‬موسيقية‭ ‬أبهرت‭ ‬الجمهور‭ ‬الأوربي‭ ‬في‭ ‬الدنمارك‭ ‬والسويد،‭ ‬حتى‭ ‬استقرّ‭ ‬بها‭ ‬المقام‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬إسطنبول‭ ‬التي‭ ‬تعشقها‭ ‬حدّ‭ ‬الجنون‭.‬

التحقت‭ ‬عائدة‭ ‬بمدرسة‭ ‬الباليه‭ ‬والرقص‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬عند‭ ‬سنّ‭ ‬العاشرة،‭ ‬وتم‭ ‬اختيارها‭ ‬لتعزف‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬‮«‬البسون‭/ ‬فاكوت‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬الفرق‭ ‬السيمفونية،‭ ‬ونادرًا‭ ‬ما‭ ‬تستخدم‭ ‬بشكل‭ ‬انفرادي،‭ ‬ثم‭ ‬أكملت‭ ‬دراستها‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬الكونسرفتوار‭ ‬الملَكي‭ ‬بالعاصمة‭ ‬الدنماركية‭ ‬كوبنهاجن،‭ ‬ودشّنت‭ ‬أسلوبها‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬الموسيقى،‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مزج‭ ‬الموسيقى‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بالتراث،‭ ‬ثم‭ ‬ارتحلت‭ ‬إلى‭ ‬تركيا،‭ ‬حيث‭ ‬تقيم‭ ‬في‭ ‬إسطنبول،‭ ‬وأبهرتها‭ ‬الموسيقى‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أنها‭ ‬تتفوّق‭ ‬على‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تعدُّد‭ ‬المقامات،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التطور‭. ‬هنا‭ ‬حوار‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬معها‭:‬

‭•‬‭ ‬كيف‭ ‬ومتى‭ ‬بدأت‭ ‬رحلتك‭ ‬مع‭ ‬الموسيقى؟

‭- ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬مبكرة،‭ ‬ففي‭ ‬سنّ‭ ‬العاشرة‭ ‬التحقت‭ ‬بمدرسة‭ ‬الموسيقى‭ ‬والباليه‭ ‬في‭ ‬بغداد‭. ‬بعد‭ ‬الاختبار‭ ‬تم‭ ‬اختياري‭ ‬لآلة‭ ‬االبسون‭/ ‬فاكوتب‭. ‬

أتذكّر‭ ‬جيدًا‭ ‬أن‭ ‬أمّي‭ ‬بكت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الفرح،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬الانزعاج،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تأمل‭ ‬لابنتها‭ ‬الموهوبة‭ ‬أن‭ ‬تعزف‭ ‬الفلوت‭ ‬أو‭ ‬البيانو‭... ‬فما‭ ‬هذه‭ ‬الآلة‭ ‬الغريبة؟

وفعلًا‭ ‬هي‭ ‬آلة‭ ‬غريبة،‭ ‬أتذكّر‭ ‬زملائي‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬كلما‭ ‬رأوني‭ ‬قادمة‭ ‬بصحبة‭ ‬الآلة‭ ‬يسخرون‭ ‬قائلين‭: ‬ها‭.. ‬شوفوا‭... ‬جاءت‭ ‬عائدة‭ ‬بآلتها
الـ‭ ‬اRBG7ب‭! ‬لكنني‭ ‬أحببت‭ ‬هذه‭ ‬الآلة،‭ ‬وبرعت‭ ‬فيها،‭ ‬وكنت‭ ‬فخورةً‭ ‬بأنني‭ ‬أتعلّم‭ ‬العزف‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬نادرة‭ ‬وغير‭ ‬مألوفة‭. ‬هي‭ ‬آلة‭ ‬غير‭ ‬معروفة،‭ ‬بكلّ‭ ‬أسف،‭ ‬رغم‭ ‬صوتها‭ ‬الرخيم‭ ‬والشجيّ‭. ‬وهي‭ ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬تُستخدم‭ ‬بشكل‭ ‬انفرادي،‭ ‬لكنّها‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬الفرق‭ ‬السيمفونية‭. ‬أحببت‭ ‬هذه‭ ‬الآلة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬رفيق‭ ‬درب‭ ‬الترحال‭ ‬والسفر‭. ‬

وبعد‭ ‬إنهاء‭ ‬دراستي‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬التحقتُ‭ ‬بالفرقة‭ ‬السيمفونية‭ ‬العراقية،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬أكملت‭ ‬دراستي‭ ‬الموسيقية‭ ‬في‭ ‬الكونسرفتوار‭ ‬الملَكي‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الدنماركية‭ ‬كوبنهاجن،‭ ‬حيث‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬دبلوم‭ ‬عال‭.‬

وبعد‭ ‬التخرّج،‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬بالتأليف‭ ‬الموسيقي‭ ‬والغناء،‭ ‬وأن‭ ‬أدشّن‭ ‬أسلوبي‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مزج‭ ‬الموسيقى‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بالتراث‭!‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬بدأت‭ ‬الرحلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬ومازالت‭ ‬مستمرة‭.‬

٪‭ ‬التراث‭ ‬الموسيقي‭ ‬والغنائي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬عريق‭ ‬وله‭ ‬خصوصيته‭ ‬المميّزة‭ ‬بين‭ ‬ألوان‭ ‬الغناء‭ ‬العربي‭ ‬والشرقي،‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬استفدتِ‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬العراقي‭ ‬والشرقي‭ ‬االكردي‭ ‬والتركي‭ ‬والفارسيب‭ ‬في‭ ‬إثراء‭ ‬معزوفاتك‭ ‬الموسيقية؟

٪‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربية،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬العراقية،‭ ‬غنية‭ ‬وثريّة،‭ ‬الإرث‭ ‬الفني‭ ‬له‭ ‬صلة‭ ‬عميقة‭ ‬بالتراث‭ ‬الإنساني،‭ ‬ولذا‭ ‬يهمّني‭ ‬أن‭ ‬أعكس‭ ‬هذا‭ ‬الثراء‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليه،‭ ‬بأداء‭ ‬ونمط‭ ‬وطراز‭ ‬جديد‭... ‬زمن‭ ‬العولمة‭ ‬والتصحر‭ ‬الثقافي‭ ‬يحفّزني‭ ‬كفنانة‭ ‬بديلة‭ ‬على‭ ‬إبداع‭ ‬أسلوب‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬بصمتي‭ ‬الإنسانية‭... ‬جغرافيتنا‭ ‬كتاريخنا‭ ‬حافلة‭ ‬بالتنوع،‭ ‬وبعيدة‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬البلاستيك‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭. ‬

‭•‬‭ ‬لماذا‭ ‬كانت‭ ‬الهجرة‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬الدنمارك‭ ‬ثم‭ ‬السويد،‭ ‬ثم‭ ‬الاستقرار‭ ‬أخيراً‭ ‬في‭ ‬إسطنبول؟

‭- ‬أسباب‭ ‬الهجرة‭ ‬تتعلّق‭ ‬بالظروف‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬استقراري‭ ‬في‭ ‬الدنمارك،‭ ‬بدأ‭ ‬الجدل‭ ‬الفلسفي‭ ‬الذي‭ ‬تخلقه‭ ‬حال‭ ‬الغربة،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬حالة‭ ‬الانتماء‭ ‬الجغرافي؟‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬هويتنا‭ ‬بعد‭ ‬الهجرة؟‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬هواجس‭ ‬أوصلتني‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬بأنني‭ ‬قادرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الموسيقى‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أجعل‭ ‬العالم‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬انتمائي‭.‬

فكرة‭ ‬الوطن‭ - ‬برأيي‭ - ‬ليست‭ ‬علمًا‭ ‬وحدودًا‭ ‬أو‭ ‬نقاط‭ ‬تفتيش،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬حالة‭ ‬انتماء‭ ‬وحب‭ ‬نخلقها‭ ‬مع‭ ‬النقطة‭ ‬الجغرافية‭ ‬التي‭ ‬نوجد‭ ‬بها‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬قررت‭ ‬لهويتي‭ ‬الموسيقية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جواز‭ ‬سفري‭ ‬واستقراري‭.‬

‭ ‬وعمومًا‭ ‬فهذا‭ ‬موضوع‭ ‬جدلي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬النقاش،‭ ‬أمّا‭ ‬العالم‭ ‬فبكل‭ ‬أركانه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬وطنًا‭.‬

‭•‬‭ ‬كيف‭ ‬استقبل‭ ‬الجمهور‭ ‬الأوربي‭ ‬موسيقاك؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬اختلاف‭ ‬بين‭ ‬الذائقتين‭ ‬العربية‭ ‬والأوربية‭ ‬في‭ ‬الموسيقى؟

‭- ‬الأذن‭ ‬الأوربية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬متفتحة‭ ‬وتقدمية،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالأذن‭ ‬الشرقية‭. ‬نحن‭ - ‬مع‭ ‬الأسف‭ - ‬لا‭ ‬نتقبل‭ ‬الجديد‭ ‬بسهولة،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالفكر‭ ‬الديمقراطي‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ساحة‭ ‬الموسيقى‭ ‬والفن‭ ‬البديل‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬غنيّة‭ ‬وثريّة،‭ ‬وبذلك‭ ‬هناك‭ ‬فرصة‭ ‬لتقديم‭ ‬أعمال‭ ‬مغايرة‭ ‬وغير‭ ‬نمطية‭ ‬بشكل‭ ‬أوسع‭. ‬وأنا‭ ‬ممتنة‭ ‬كثيرًا؛‭ ‬لأن‭ ‬الساحتين‭ ‬الأوربية‭ ‬والتركية‭ ‬استقبلتا‭ ‬أعمالي‭ ‬بنجاح‭ ‬هائل‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬يُذكر‭ ‬أن‭ ‬الساحة‭ ‬العربية،‭ ‬وبالذات‭ ‬بيروت‭ ‬والقاهرة‭ ‬وتونس،‭ ‬تشهد‭ ‬حاليًا‭ ‬تغييرًا‭ ‬مذهلًا‭ ‬بالانفتاح‭ ‬الفني‭. ‬ولذا‭ ‬أتمنّى‭ ‬لأعمالي‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬مكانها‭ ‬هناك‭ ‬أيضًا‭.‬

‭•‬‭ ‬ما‭ ‬سرّ‭ ‬ولعك‭ ‬بمدينة‭ ‬إسطنبول؟

‭- ‬إسطنبول‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬بغداد‭... ‬هي‭ ‬مدينة‭ ‬أسطورية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬بحضارتها‭ ‬وتاريخها‭ ‬العريق‭ ‬والمشهود‭ ‬بأبنيتها‭ ‬ومعمارها‭. ‬موقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬ومضيقها‭ ‬يمنحانها‭ ‬خصوصية‭ ‬مطلقة‭.‬

أما‭ ‬الجانب‭ ‬الفني،‭ ‬فهذا‭ ‬موضوع‭ ‬تُكتب‭ ‬فيه‭ ‬صفحات‭ ‬وصفحات؛‭ ‬فالموسيقى‭ ‬والفن‭ ‬التركي‭ ‬غنيّان‭ ‬عن‭ ‬التعريف،‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬المستمع‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬الأوبرا‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬تمزج‭ ‬بين‭ ‬التاريخ‭ ‬العثماني‭ ‬وعصر‭ ‬النهضة‭ ‬الأوربية‭.‬

إسطنبول‭ ‬تُلهمني‭ ‬لأنها‭ ‬متجددة‭ ‬ومعاصرة‭ ‬بكل‭ ‬جوانبها‭ ‬وبشكل‭ ‬يضاهي‭ ‬أوربا،‭ ‬لكنّها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬فخورة‭ ‬ومتمسكة‭ ‬بتاريخها‭ ‬وعراقتها،‭ ‬ولذا‭ ‬فهي‭ ‬كالمغناطيس،‭ ‬إن‭ ‬زرتها‭ ‬مرة‭ ‬فسوف‭ ‬تزورها‭ ‬مرات‭ ‬عديدة‭!‬

‭•‬‭ ‬تُجرين‭ ‬بروفاتك‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬البحر‭.. ‬ماذا‭ ‬يمثّل‭ ‬لك‭ ‬البحر؟‭ ‬وما‭ ‬علاقة‭ ‬البحر‭ ‬بالموسيقى؟

‭- ‬نعم‭ ‬صحيح،‭ ‬أنا،‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬أعشق‭ ‬الطبيعة‭ ‬وعلاقتي‭ ‬بالبحر‭ ‬والصحراء‭ ‬خاصة‭ ‬جدًّا‭.‬

بالقرب‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬إسطنبول‭ ‬لديّ‭ ‬مقرّ‭ ‬فنّي،‭ ‬حيث‭ ‬أنتج‭ ‬أعمالي‭ ‬الفنية،‭ ‬لكنني‭ ‬قررت‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬أن‭ ‬أقيم‭ ‬ورشات‭ ‬فنيّة‭ ‬للشباب‭ ‬الموسيقيين‭ ‬الأتراك‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬البحر،‭ ‬وقد‭ ‬جاءت‭ ‬الفكرة‭ ‬كمحاولة‭ ‬لكسر‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الفن‭ ‬والمستمع،‭ ‬ولإتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬لاستلهام‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬التمرين‭ ‬والعزف‭.‬

نعيش‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬غريب‭ ‬مليء‭ ‬بالخوف،‭ ‬وبالكراهية‭ ‬والحرب‭ ‬والعداء‭.. ‬برأيي‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬للفنّ‭ ‬لأن‭ ‬يخرجَ‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للشارع،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أركان‭ ‬الطبيعة،‭ ‬تذكيرًا‭ ‬بأن‭ ‬الفن‭ ‬هو‭ ‬الأبقى‭.‬

‭•‬‭ ‬هل‭ ‬تعزفين‭ ‬موسيقى‭ ‬الجغرافيا‭ ‬التي‭ ‬تعيشين‭ ‬فيها؟

‭- ‬لا‭ ‬أعزفها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬بل‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أستلهم‭ ‬منها‭ ‬وأتأثر‭ ‬بها‭. ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬الفن‭ ‬الصادق‭ ‬لا‭ ‬يعيش‭ ‬بين‭ ‬أربعة‭ ‬جدران،‭ ‬فالفنان‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬يسمع‭ ‬ويحسّ‭ ‬نغمات‭ ‬العالم،‭ ‬كل‭ ‬بقعة‭ ‬جغرافية‭ ‬لها‭ ‬خصوصيتها،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬ينعكس‭ ‬إلا‭ ‬بالفن‭ ‬وثقافة‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭.‬

والأجمل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬هو‭ ‬اكتشاف‭ ‬أوجه‭ ‬التشابه،‭ ‬سواء‭ ‬النغمية‭ ‬أو‭ ‬الإيقاعية‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬أنماط‭ ‬الموسيقى‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهذا‭ ‬طبيعي،‭ ‬لأننا‭ ‬جميعًا‭ ‬ننتمي‭ ‬للثقافة‭ ‬نفسها،‭ ‬وهي‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬أليس‭ ‬كذلك؟

‭ ‬‭•‬‭ ‬ما‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربية‭ ‬ونظيرتها‭ ‬التركية؟

‭- ‬لكلِ‭ ‬موسيقى‭ ‬مذاقها‭ ‬الخاص،‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬شيء،‭ ‬لكنّني‭ ‬شخصيًا‭ ‬أميل‭ ‬إلى‭ ‬الموسيقى‭ ‬التركية،‭ ‬لأنها‭ ‬مصقولة‭ ‬بأسلوب‭ ‬آخر،‭ ‬وتعبيراتها‭ ‬المقامية‭ ‬أكثر‭ ‬استساغة‭. ‬والموسيقى‭ ‬التركية‭ ‬ثريّة‭ ‬بتنوّعها،‭ ‬فموسيقى‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬الأسود‭ ‬تختلف‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬موسيقى‭ ‬الجنوب،‭ ‬التي‭ ‬تذكّرني‭ ‬بموسيقى‭ ‬المنطقة‭ ‬الشمالية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬حتى‭ ‬الموسيقى‭ ‬التركية‭ ‬الحديثة‭ ‬مترجمة‭ ‬بصورة‭ ‬ذكية‭ ‬تجذب‭ ‬كُل‭ ‬الآذان‭.‬

‭ ‬‭• ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬مشروعات‭ ‬موسيقية‭ ‬في‭ ‬تركيا؟

‭- ‬نعم،‭ ‬السنة‭ ‬القادمة‭ ‬ستكون،‭ ‬بإذن‭ ‬الله،‭ ‬حافلة‭ ‬بالمشاريع‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭. ‬بعد‭ ‬إصدار‭ ‬ألبومي‭ ‬هناك‭ ‬قبل‭ ‬عامين،‭ ‬هناك‭ ‬مشروع‭ ‬إصدار‭ ‬عمل‭ ‬فني‭ ‬جديد،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مشاريع‭ ‬مع‭ ‬التلفزيون‭ ‬التركي،‭ ‬وتنظيم‭ ‬ورشات‭ ‬عمل‭ ‬وحفلات‭ ‬موسيقية‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬البحر،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬مقرّي‭ ‬الفني‭.‬

‭ ‬‭•‬‭ ‬ما‭ ‬مصادر‭ ‬إلهامك‭ ‬في‭ ‬الموسيقى؟

‭- ‬كثيرة،‭ ‬أهمها‭ ‬الكلمة‭... ‬أنا‭ ‬أحبّ‭ ‬الشّعر،‭ ‬وأحرص‭ ‬على‭ ‬قراءته‭. ‬الموسيقى‭ ‬الفولكلورية‭ ‬تلهمني‭ ‬كثيرًا،‭ ‬كذلك‭ ‬الإيماءات‭ ‬البصرية‭ ‬كالرقص‭ ‬والرسم،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬مرتبط‭ ‬ببعضه‭. ‬النغمة‭ ‬والإيقاع‭ ‬هما‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬التأليف‭ ‬الموسيقي،‭ ‬لكنّ‭ ‬الإضاءة،‭ ‬أو‭ ‬إيماءة‭ ‬الراقص،‭ ‬أو‭ ‬حركة‭ ‬الفُرشاة‭ ‬تعدّ‭ ‬أطرافًا‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬اللحن‭ ‬الموسيقي‭.‬

‭ ‬‭•‬‭ ‬حدّثينا‭ ‬عن‭ ‬طريقة‭ ‬العزف‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬تقدّمينها‭ ‬باحتراف؟

‭- ‬الموسيقى‭ ‬الإلكترونية‭ ‬ملهمة،‭ ‬لأنها‭ ‬تعكس‭ ‬حياتنا‭ ‬المّعاصرة،‭ ‬والفن‭ ‬حالة‭ ‬اكتشاف‭ ‬الذات،‭ ‬ولذا‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬الغوص‭ ‬لإيجاد‭ ‬الصوت‭ ‬الصادق‭ ‬ليُعبّر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الذات‭. ‬الفن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليّ‭ ‬هو‭ ‬طراز‭ ‬حياة‭. ‬منذ‭ ‬بدأت‭ ‬احتراف‭ ‬الموسيقى‭ ‬وبداخلي‭ ‬رغبة‭ ‬عارمة‭ ‬لا‭ ‬للشهرة‭ ‬التجارية،‭ ‬بل‭ ‬لخلق‭ ‬بصمتي‭ ‬الموسيقية‭. ‬

في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬أرى‭ ‬هذه‭ ‬السنين‭ ‬وكأنني‭ ‬في‭ ‬مختبر‭ ‬موسيقي،‭ ‬أبحث‭ ‬وأعزف‭ ‬وأغنّي‭ ‬بهدف‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬الصوت‭ ‬الخاص‭ ‬بذاتي‭!‬

‭•‬‭ ‬هل‭ ‬غاصت‭ ‬عائدة‭ ‬نديم‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬الموسيقى‭ ‬بقدسيتها‭ ‬المطلقة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التأثيرات‭ ‬الجانبية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تقتل‭ ‬ملكوتها‭ ‬الفني‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أيّ‭ ‬انتماء؟

‭- ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ذكرته‭ ‬في‭ ‬سؤالك‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬إيجابيات‭ ‬الفن‭ ‬البديل،‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬معبرًا‭ ‬للفكر‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬أو‭ ‬العجلة‭ ‬التجارية‭. ‬الفن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليّ،‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬سابقًا،‭ ‬هو‭ ‬طراز‭ ‬حياة،‭ ‬ما‭ ‬نسمعه‭ ‬ونعيشه‭ ‬في‭ ‬يومياتنا‭ ‬نطرحه‭ ‬عبر‭ ‬الفن‭. ‬في‭ ‬حالتي،‭ ‬الموسيقى‭ ‬هي‭ ‬الصومعة‭ ‬التي‭ ‬تحفظني‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭ ‬الإعلامية،‭ ‬ومن‭ ‬التخلّف‭ ‬الفكري‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬موضة‭ ‬العصر‭ ‬ومن‭ ‬آثار‭ ‬الغُربة،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬تمنحني‭ ‬الأمل‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬الظروف‭. ‬الفنّ‭ ‬في‭ ‬عالمي‭ ‬ليس‭ ‬وسيلة‭ ‬ترفيه‭ ‬ثانوية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬هدف‭ ‬لتغيير‭ ‬الواقع‭. ‬عندما‭ ‬أنتج‭ ‬الموسيقى،‭ ‬أكون‭ ‬في‭ ‬صومعتي،‭ ‬وذلك‭ ‬يمدّني‭ ‬بكمّ‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الإيجابية،‭ ‬رغم‭ ‬واقع‭ ‬الظرف‭ ‬الحقيقي‭.‬

‭• ‬لديك‭ ‬مشروع‭ ‬مع‭ ‬صديقتك‭ ‬الرسامة‭ ‬العراقية‭ ‬تمارا‭ ‬نوري،‭ ‬ما‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الرسم‭ ‬والموسيقى؟

‭- ‬نعم،‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬سابقًا‭ ‬ما‭ ‬يُلهمني‭ ‬في‭ ‬التأليف‭ ‬الموسيقي‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬النغمة‭ ‬أو‭ ‬الإيقاع،‭ ‬بل‭ ‬إيقاع‭ ‬الحركة‭ ‬واللون‭ ‬والضوء‭. ‬هذه‭ ‬عناصر‭ ‬الرسم‭ ‬الأساسية‭. ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أُجيد‭ ‬الرسم،‭ ‬لكنّني‭ ‬أهوى‭ - ‬لدرجة‭ ‬عالية‭ - ‬مشاهدة‭ ‬وتفحُّص‭ ‬اللوحة،‭ ‬فكُل‭ ‬لوحة‭ ‬لها‭ ‬إيقاعها‭ ‬ولحنها‭ ‬وحروفها‭ ‬وكلماتها،‭ ‬والأجمل‭ ‬أن‭ ‬ترجمتها‭ ‬نسبيّة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الظروف‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعيه‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭.‬

‭• ‬ما‭ ‬نصيب‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬أعمالك؟

‭- ‬في‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬طفل‭ ‬مليء‭ ‬بفضول‭ ‬اكتشاف‭ ‬العالم‭. ‬لكنّنا‭ ‬نتجاهل‭ ‬هذا‭ ‬المخلوق‭ ‬بداخلنا‭ ‬بشكل‭ ‬محزن،‭ ‬فنتحول‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬رتيبة‭ ‬وكئيبة‭.‬

برأيي،‭ ‬يحتاج‭ ‬الفنان‭ ‬إلى‭ ‬تغذية‭ ‬هذا‭ ‬المخلوق‭ ‬والإصغاء‭ ‬إليه،‭ ‬لكي‭ ‬يستمر‭ ‬بالتطوير‭ ‬وخلق‭ ‬العوالم‭ ‬الفنية‭.‬

لهذا‭ ‬السبب،‭ ‬فأنا‭ ‬أعشق‭ ‬عالم‭ ‬الطفل،‭ ‬لأنّه‭ ‬حُرّ‭ ‬بخياله‭ ‬ومخيلته،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬القيود‭ ‬ولا‭ ‬يخاف‭ ‬الجنون‭. ‬سُئل‭ ‬بيكاسو‭ ‬عن‭ ‬طريقته‭ ‬الطفولية‭ ‬في‭ ‬الرسم،‭ ‬فأجاب‭: ‬نحن‭ ‬الكبار‭ ‬نتعلّم‭ ‬حركة‭ ‬الفرشاة‭ ‬بسنوات،‭ ‬أما‭ ‬حركة‭ ‬فرشاة‭ ‬الطفل‭ ‬فتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬العمر‭ ‬كله‭! ‬

فعالَم‭ ‬الطفل‭ ‬معقّد‭ ‬ببساطته،‭ ‬وما‭ ‬يحزنني‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬بجمال‭ ‬عالمهم‭ ‬هم‭ ‬ضحية‭ ‬لقراراتنا‭ ‬السياسية‭ ‬ولانتهاكاتنا‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسانية‭. ‬

ولذا‭ ‬في‭ ‬كّل‭ ‬زيارة‭ ‬لي‭ ‬إلى‭ ‬إسطنبول‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬ورشة‭ ‬موسيقية‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬للأطفال‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين،‭ ‬فأنا‭ ‬لستُ‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬منحهم‭ ‬حياة‭ ‬عادلة‭ ‬ورغيدة،‭ ‬لكنّني‭ ‬قادرة‭ - ‬على‭ ‬الأقل‭ - ‬على‭ ‬رسم‭ ‬الابتسامة‭ ‬على‭ ‬وجوههم‭ ‬ومنحهم،‭ ‬خلال‭ ‬ساعة،‭ ‬الفرصة‭ ‬لإطلاق‭ ‬السراح‭ ‬لمخيّلتهم‭ ‬لكي‭ ‬تنطلق‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الخوف‭ ‬ومآسي‭ ‬الحروب‭.‬

‭ ‬‭•‬‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬خريطة‭ ‬العراق‭ ‬كوطن‭ ‬في‭ ‬معزوفات‭ ‬عائدة‭ ‬نديم؟

‭- ‬العراق،‭ ‬وبالذات‭ ‬بغداد،‭ ‬منبع‭ ‬كل‭ ‬إنتاجي‭ ‬الفني‭. ‬فهناك‭ ‬نطقت‭ ‬أول‭ ‬حرف،‭ ‬وهناك‭ ‬عزفت‭ ‬أول‭ ‬نغمة،‭ ‬وهناك‭ ‬تعلّمت‭ ‬المزج‭ ‬بين‭ ‬الدمعة‭ ‬والعشق‭ ‬المُطلق‭ ‬للحياة‭. ‬مهما‭ ‬ذكرت‭ ‬فهو‭ ‬قليل‭ ‬بحقّ‭ ‬مدينتي‭ ‬بغداد‭ ‬وأصولي‭ ‬العراقية‭. ‬كيف‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬جاحدة‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا؟‭! ‬وهل‭ ‬يخون‭ ‬الإنسان‭ ‬بلده؟‭ ‬وإن‭ ‬خان،‭ ‬كيف‭ ‬يكون؟‭ ‬وماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون؟‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬السيّاب‭.‬

‭•‬‭ ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬التزام‭ ‬بمدرسة‭ ‬موسيقية‭ ‬محددة؟‭ ‬وهل‭ ‬للسياسة‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬أعمالك‭ ‬الموسيقية؟

‭- ‬أنا‭ ‬أنتمي‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الفن‭ ‬والثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬البديل‭ ‬دون‭ ‬شك،‭ ‬سأكتب‭ ‬وأعزف‭ ‬الموسيقى‭ ‬التي‭ ‬تُظهر‭ ‬مصداقيتي‭ ‬ومفهومي‭ ‬لقيم‭ ‬الحياة‭. ‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أسلوبي‭ ‬لمقاومة‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬المّتخلّف‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭. ‬أصبحنا‭ ‬كقطيع‭ ‬الخرفان‭ ‬نقبل‭ ‬بكل‭ ‬الأكاذيب‭ ‬السياسية،‭ ‬نحرق‭ ‬ونقتل‭ ‬ونهدم‭.‬

‭ ‬نعم،‭ ‬أنا‭ ‬كإنسانة‭ ‬وكفنانة‭ ‬وكامرأة‭ ‬أرفض‭ ‬هذه‭ ‬الأكاذيب،‭ ‬وأومن‭ - ‬بكلّ‭ ‬صدق‭ - ‬بمجتمع‭ ‬عالمي‭ ‬تسوده‭ ‬العدالة،‭ ‬والمساواة‭ ‬والحب‭. ‬تسألني‭: ‬كيف؟‭ ‬أّجيب‭: ‬بالفنّ،‭ ‬ثم‭ ‬بالفنّ‭.‬

‭• ‬هل‭ ‬تمكنت‭ ‬عائدة‭ ‬نديم‭ ‬من‭ ‬إيصال‭ ‬موسيقاها‭ ‬إلى‭ ‬عموم‭ ‬الناس،‭ ‬أم‭ ‬إلى‭ ‬نخبة‭ ‬محددة‭ ‬فقط؟

‭- ‬حتى‭ ‬السنين‭ ‬الأخيرة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬همّي‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬عموم‭ ‬الناس،‭ ‬فالحياة‭ ‬منحتني‭ - ‬مشكورةً‭ - ‬فرصة‭ ‬تقديم‭ ‬أعمالي‭ ‬أمام‭ ‬جمهور‭ ‬متنوّع‭ ‬وفي‭ ‬دول‭ ‬مختلفة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬جوائز‭ ‬فنية‭ ‬عالمية،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬همّي‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الوسائل‭ ‬الاجتماعية‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وعلى‭ ‬ضوء‭ ‬المتغيرات‭ ‬السياسية،‭ ‬عندي‭ ‬رغبة‭ ‬عارمة‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬عموم‭ ‬الناس‭ ‬ونشر‭ ‬مشروعي‭ ‬الموسيقي‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬بقعة،‭ ‬لا‭ ‬لغرض‭ ‬الشّهرة‭ ‬التجارية،‭ ‬بل‭ ‬لغرض‭ ‬خلق‭ ‬التغيير‭ ‬ونشر‭ ‬المحبة‭ ‬والسلام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الموسيقى،‭ ‬ولذلك‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يوفّقني‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬مسيرتي‭ ‬هذه‭■

لوحة‭ ‬فنية‭ ‬لعائدة‭ ‬نديم