فنانة الباندو حنان بارودي: أصنع للبيت من الخبز وردًا

فنانة الباندو حنان بارودي:  أصنع للبيت من الخبز وردًا

الصبية‭ ‬ذات‭ ‬الضفائر‭ ‬الطويلة،‭ ‬التي‭ ‬تجلس‭ ‬بجوار‭ ‬جدتها،‭ ‬في‭ ‬بيتهم‭ ‬الكبير،‭ ‬تراقبها‭ ‬بشغف،‭ ‬وهي‭ ‬تصنع‭ ‬من‭ ‬شرانق‭ ‬دودة‭ ‬الحرير‭ ‬لوحة،‭ ‬تعلّقها‭ ‬عرائس‭ ‬طرابلس‭ ‬لبنان‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬بيوتهنّ،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الصبية‭ ‬ذات‭ ‬العيون‭ ‬الملوّنة‭ ‬تعرف،‭ ‬وقتها،‭ ‬أن‭ ‬جدّتها‭ ‬أودعت‭ ‬في‭ ‬روحها‭ ‬جذوة‭ ‬من‭ ‬فنّ،‭ ‬يستلهم‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬طرابلس‭ ‬لبنان‭ ‬الساحرة،‭ ‬الفكرة‭ ‬والوسيلة،‭ ‬إنها‭ ‬سيّدة‭ ‬الفن‭ ‬البيئي‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬فنانة‭ ‬الباندو‭ ‬حنان‭ ‬بارودي،‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬بيتها‭ ‬الفخم‭ ‬الأنيق‭ ‬في‭ ‬ضواحي‭ ‬طرابلس،‭ ‬مشغلًا‭ ‬لتعليم‭ ‬النسوة،‭ ‬فن‭ ‬الجِدَّات‭ ‬الجميلات‭ ‬الساحرات‭.‬

‭• ‬متى‭ ‬بدأت‭ ‬علاقتك‭ ‬بالباندو؟

‭ - ‬كنت‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬عمل‭ ‬إلى‭ ‬نيويورك،‭ ‬بدعوة‭ ‬من‭ ‬السفارة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬لإقامة‭ ‬معرضي‭ ‬بالفن‭ ‬الذي‭ ‬تخصّصت‭ ‬به،‭ ‬وبرعت‭ ‬في‭ ‬تنسيق‭ ‬أجمل‭ ‬الباقات‭ ‬لأفخم‭ ‬الفنادق‭ ‬والمنازل،‭ ‬وهو‭ ‬صناعة‭ ‬الأزهار‭ ‬والنباتات‭ ‬من‭ ‬القماش،‭ ‬والنباتات‭ ‬المجففة،‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬المصانع‭ ‬المنتجة‭ ‬لهذه‭ ‬الأشياء،‭ ‬التي‭ ‬اشتهرت‭ ‬بها‭ ‬الصين‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬بل‭ ‬تعلّمتها‭ ‬يدويًا‭ ‬من‭ ‬العائلة،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الجدات‭ ‬وأمي،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مدينتي‭ ‬طرابلس‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬كانت‭ ‬تأتي‭ ‬إلينا‭ ‬مُدَرّسة‭ ‬أجنبية‭ ‬مختصة‭.‬

وقد‭ ‬لفت‭ ‬نظر‭ ‬والدي‭ ‬التربوي‭ ‬مدير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬طرابلس،‭ ‬إبداعي‭ ‬بهذا‭ ‬الفن،‭ ‬فأصبح‭ ‬يتابعني،‭ ‬وأخذ‭ ‬الموضوع‭ ‬بجدية،‭ ‬ليكافئني‭ ‬في‭ ‬العطل‭ ‬المدرسية،‭ ‬بسفرات‭ ‬لخارج‭ ‬لبنان،‭ ‬لتعلُّم‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفن،‭ ‬والحرف‭ ‬اليدوية‭ ‬خاصة،‭ ‬هذه‭ ‬كانت‭ ‬قصّتي‭ ‬مع‭ ‬صناعة‭ ‬وتنسيق‭ ‬الأزهار‭ ‬من‭ ‬القماش،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أخذني‭ ‬لمعرض‭ ‬في‭ ‬السفارة‭ ‬اللبنانية‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬هناك‭ ‬خلال‭ ‬المعرض‭ ‬تعرّفت‭ ‬إلى‭ ‬زوجة‭ ‬سفير‭ ‬اليابان،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬افتتاح‭ ‬معرضي‭ ‬في‭ ‬سفارتنا،‭ ‬وأخبرتني‭ ‬عن‭ ‬مَدْرَسة‭ ‬يابانية‭ ‬لفنانة‭ ‬مشهورة‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬اليابان،‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الأزهار‭ ‬من‭ ‬عجينة‭ ‬الباندو‭ (‬عجينة‭ ‬الخبز‭)‬،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬بدأت‭ ‬قصتي‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬المادة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬نيويورك‭.‬

 

السفر‭ ‬إلى‭ ‬اليابان

أنهيت‭ ‬معرضي‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬ولم‭ ‬أعد‭ ‬إلى‭ ‬لبنان،‭ ‬ودخلت‭ ‬ذلك‭ ‬المعهد‭ ‬وتعلّمت‭ ‬فنًّا‭ ‬يابانيًّا،‭ ‬ما‭ ‬أروعه،‭ ‬واندمجت‭ ‬جدًا‭ ‬وأبدعت،‭ ‬لأن‭ ‬عملي‭ ‬الأساسي،‭ ‬في‭ ‬الأصل،‭ ‬هو‭ ‬بالأزهار،‭ ‬ومتخرّجة‭ ‬في‭ ‬اختصاص‭ ‬الرسم‭ ‬والديكور،‭ ‬لكنّني‭ ‬أخذت‭ ‬صناعة‭ ‬وتنسيق‭ ‬الأزهار‭ ‬مهنتي،‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أعيش‭ ‬منها،‭ ‬واختارتني‭ ‬المَدْرَسة‭ ‬اليابانية‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬لأتابع‭ ‬الاختصاص‭ ‬في‭ ‬طوكيو،‭ ‬وأحمل‭ ‬شهادة‭ ‬اختصاص‭ ‬وتعليم‭ ‬لهذا‭ ‬الفن‭.‬

لم‭ ‬أتردد‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬اليابان،‭ ‬لأنّ‭ ‬بلدي‭ ‬لبنان‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب،‭ ‬والوضع‭ ‬سيئ‭ ‬جدًّا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العمل،‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬اليابان،‭ ‬وبقيت‭ ‬سنتين‭ ‬كانتا‭ ‬الأروع‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬لأنّني‭ ‬تعلّمت‭ ‬من‭ ‬رفيقات‭ ‬المعهد،‭ ‬وطريقة‭ ‬حياتهن،‭ ‬وطبيعة‭ ‬البلد‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تعلّمته‭ ‬في‭ ‬المعهد‭.‬

كل‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬مهمة،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬ضياع‭ ‬للوقت‭! ‬في‭ ‬كل‭ ‬شارع‭ ‬شيء‭ ‬يلفتك‭ ‬أو‭ ‬يهمّك،‭ ‬عندما‭ ‬ننتهي‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬الدراسي‭ ‬في‭ ‬المعهد،‭ ‬كنت‭ ‬أرافق‭ ‬إحدى‭ ‬الصديقات‭ ‬للشارع‭ ‬الذي‭ ‬تسكنه،‭ ‬لاحتساء‭ ‬الشاي‭ ‬عند‭ ‬إحدى‭ ‬الجارات،‭ ‬وهناك‭ ‬كانت‭ ‬المفاجأة،‭ ‬حيث‭ ‬رأيت‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نعرفه‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬لا‭ ‬شيشة‭ ‬ولا‭ ‬نميمة‭ ‬ولا‭ ‬مضيعة‭ ‬للوقت‭!‬

للشاي‭ ‬هناك‭ ‬جلسة‭ ‬خاصة،‭ ‬واحترام‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تقديمه،‭ ‬طاولة‭ ‬خاصة‭ ‬تشبه‭ ‬جلسة‭ ‬أجدادنا‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬حول‭ ‬االطبليّةب،‭ ‬ولما‭ ‬انتهينا‭ ‬من‭ ‬شرب‭ ‬الشاي،‭ ‬وبينما‭ ‬اجتمع‭ ‬أهل‭ ‬الشارع،‭ ‬المهتمون‭ ‬بما‭ ‬ستقدمه‭ ‬صاحبة‭ ‬المنزل‭ ‬من‭ ‬فنّ‭ ‬خاص‭ ‬بها،‭ ‬بتّ‭ ‬متشوقة،‭ ‬ماذا‭ ‬سأرى‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬رأيت؟

رأيت‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬مجموعة‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬أغصان‭ ‬الشجر،‭ ‬وأوراقًا‭ ‬وأزهارًا‭ ‬جميلة‭ ‬جدًا،‭ ‬وأدوات‭ ‬أخرى‭ ‬أعرفها‭ ‬بأشكال‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬بلدي‭ ‬لبنان‭.‬

انتقلنا‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الزاوية،‭ ‬وبدأت‭ ‬صاحبة‭ ‬المنزل‭ ‬بتنسيق‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ ‬على‭ ‬طريقتها‭ ‬الخاصة،‭ ‬التي‭ ‬سجّلتها‭ ‬باسمها‭ ‬في‭ ‬البلدية،‭ ‬لتُعفى‭ ‬من‭ ‬ضريبة‭ ‬السكن،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬عرفته‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬لو‭ ‬شاركت‭ ‬جيرانًا‭ ‬فيما‭ ‬تعرفه‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬يدوية‭ ‬مسجّلة‭ ‬باسمك،‭ ‬تكافأ‭ ‬من‭ ‬بلديّتك‭!‬،‭ ‬وأصبحت‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬أرافق‭ ‬رفيقة‭ ‬في‭ ‬صفّي،‭ ‬لأتعلّم‭ ‬شيئًا‭ ‬جديدًا‭ ‬من‭ ‬منطقتها،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬الذي‭ ‬تسكنه‭.‬

 

العودة‭ ‬إلى‭ ‬لبنان

عدت‭ ‬إلى‭ ‬بلدي،‭ ‬وجعبتي‭ ‬مملوءة‭ ‬بفنون‭ ‬وأفكار‭ ‬وحبّ‭ ‬للعمل،‭ ‬ربما‭ ‬أشارك‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬وطن‭ ‬يشبه‭ ‬ما‭ ‬عشته‭ ‬هناك،‭ ‬افتتحت‭ ‬مؤسستي‭ ‬الخاصة،‭ ‬وبدأت‭ ‬العمل‭ ‬بالجدية‭ ‬التي‭ ‬عشتها‭ ‬في‭ ‬اليابان،‭ ‬فبدأت‭ ‬أجمع‭ ‬سيّدات‭ ‬المنطقة،‭ ‬التي‭ ‬أعيش‭ ‬فيها‭ ‬بطرابلس،‭ ‬وأعلّم‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬بلدي،‭ ‬فذاع‭ ‬صيتي،‭ ‬وانتشر‭ ‬االباندوب‭ ‬بأنحاء‭ ‬الوطن،‭ ‬وفي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬محطة‭ ‬تلفزيونية،‭ ‬معارضي‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬تلفّ‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬لكن‭ ‬بمادة‭ ‬جديدة‭ ‬هي‭ ‬الباندو‭.‬

‭•‬‭ ‬احكي‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬سرّ‭ ‬الباندو‭ ‬مع‭ ‬جداتك‭ ‬الجميلات‭ ‬الساحرات‭.‬

‭- ‬قصتي‭ ‬مع‭ ‬عجينة‭ ‬الباندو‭ ‬وصناعتها‭ ‬كانت‭ ‬متعبة‭ ‬جدًا،‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬كنت‭ ‬أشتريها،‭ ‬وهي‭ ‬غالية‭ ‬الثمن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬عملتنا،‭ ‬ولها‭ ‬سرّ‭ ‬لم‭ ‬نتعلّمه‭ ‬هناك،‭ ‬إنهم‭ ‬يخفون‭ ‬سرّ‭ ‬صناعتها،‭ ‬وكأنها‭ ‬سرّ‭ ‬حربي‭!‬

فبدأت‭ ‬بنفسي‭ ‬بعد‭ ‬عودتي‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬باكتشاف‭ ‬هذا‭ ‬السر،‭ ‬وحاولت‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وتعبت،‭ ‬لأنّه‭ ‬لو‭ ‬ضرب‭ ‬التسوس‭ ‬الأزهار‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬الباندو،‭ ‬سيذهب‭ ‬عملك‭ ‬وتعبك‭ ‬بالهواء،‭ ‬وبعد‭ ‬جهد‭ ‬جهيد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬السر،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خبرات‭ ‬الجدات،‭ ‬جداتي‭ ‬الجميلات‭ ‬الساحرات‭ ‬اللاتي‭ ‬غرسن‭ ‬فيّ‭ ‬حب‭ ‬الفن،‭ ‬وجيل‭ ‬المونة‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬كنّا‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬عائلية‭ ‬بالمصيف،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬العائلة‭ ‬جميعها‭ ‬مجتمعة‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬الجبال‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بالجو‭ ‬اللطيف،‭ ‬والهواء‭ ‬العليل،‭ ‬والفواكه‭ ‬على‭ ‬أنواعها‭ ‬في‭ ‬الشجر‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬النظر‭.‬

 

جدتي‭ ‬ظهيرة

وكانت‭ ‬جلسة‭ ‬نسوية‭ ‬ترأسها‭ ‬جدتي‭ ‬لوالدي‭ (‬ظهيرة‭)‬،‭ ‬نتكلّم‭ ‬بخصوص‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬عجينة‭ ‬الباندو،‭ ‬لتعيش‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينخرها‭ ‬السّوس،‭ ‬وفي‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الجدات‭ ‬المجتمعات‭: ‬الملح‭ ‬يا‭ ‬تيتا‭...‬،‭ ‬فهو‭ ‬يسحب‭ ‬الرطوبة‭ ‬من‭ ‬الطحين‭ ‬والحبوب،‭ ‬لأنّهن‭ ‬في‭ ‬أيامهن،‭ ‬وأيام‭ ‬الحروب،‭ ‬كنّ‭ ‬يحتفظن‭ ‬ويحافظن‭ ‬على‭ ‬تموين‭ ‬المنازل‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬والطحين‭.‬

وهكذا‭ ‬توصلت‭ ‬إلى‭ ‬اكتشاف‭ ‬السر،‭ ‬من‭ ‬جلسة‭ ‬رأستها‭ ‬جدتي‭ ‬ظهيرة،‭ ‬وكانت‭ ‬فنانة‭ ‬تلقائية،‭ ‬ذات‭ ‬موهبة‭ ‬ومشهورة‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬أيامها،‭ ‬بصناعة‭ ‬اللوحات‭ ‬من‭ ‬شرانق‭ ‬دودة‭ ‬الحرير‭ ‬التي‭ ‬اشتهرت‭ ‬منطقتنا‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬لبنان‭ ‬بتربيتها،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬اللوحات‭ ‬ترافق‭ ‬كل‭ ‬عروس‭ ‬إلى‭ ‬بيتها‭ ‬الزوجي،‭ ‬وعلى‭ ‬قول‭ ‬المثل‭ ‬اللبناني‭: ‬ايلّي‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬كبير‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الحكمةب‭.‬

وبعدها‭ ‬توصلت‭ ‬إلى‭ ‬مكونات‭ ‬العجينة‭ ‬المثالية،‭ ‬للاشتغال‭ ‬عليها‭ ‬فنيًّا،‭ ‬وكانت‭ ‬المواد‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬التالي‭ ‬اطحين‭ - ‬نشاء‭ ‬الذرة‭ - ‬غراءب‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬المواد‭ ‬الحافظة‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬فكرتها‭ ‬من‭ ‬عائلتي،‭ ‬فهي‭ ‬كمية‭ ‬ملح‭ ‬مناسبة‭ ‬لحجم‭ ‬الكوب،‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬الرطوبة،‭ ‬ويمكن‭ ‬إضافة‭ ‬مادة‭ ‬الفورمالين،‭ ‬لتعيش‭ ‬العجينة‭ ‬مدة‭ ‬أطول،‭ ‬وتُخلط‭ ‬تلك‭ ‬المواد‭ ‬وتعجن،‭ ‬لتكون‭ ‬عجينة‭ ‬مرنة‭ ‬غير‭ ‬لاصقة،‭ ‬وتحفظ‭ ‬في‭ ‬بلاستيك‭ ‬شفاف،‭ ‬وفي‭ ‬كيس‭ ‬آخر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ترتاح‭ ‬من‭ ‬العجن‭ ‬مدة‭ ‬ساعة‭ ‬تقريبًا،‭ ‬لتكون‭ ‬جاهزة‭ ‬للعمل‭ ‬فيها‭.‬

 

الزهور‭ ‬ألوان‭... ‬والألوان‭ ‬ذوق‭ ‬وخبرة

يتم‭ ‬اختيار‭ ‬لون‭ ‬العجينة‭ ‬حسب‭ ‬نوع‭ ‬الأزهار،‭ ‬ويمكننا‭ ‬استعمال‭ ‬أي‭ ‬لون‭ ‬حسب‭ ‬عمر‭ ‬الدارس‭ ‬في‭ ‬الورشة‭ ‬التدريبية،‭ ‬الذي‭ ‬يشتغل‭ ‬على‭ ‬العجينة،‭ ‬أو‭ ‬حسب‭ ‬عمر‭ ‬طالب‭ ‬الورد،‭ ‬أو‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬ستوضع‭ ‬فيه‭ ‬باقة‭ ‬الورد‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬استعمال‭ ‬ألوان‭ ‬الطعام،‭ ‬كيلا‭ ‬تتلوّن‭ ‬اليدان،‭ ‬لكن‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الإتقان،‭ ‬نستخدم‭ ‬الألوان‭ ‬الزيتية‭ ‬المستعملة‭ ‬في‭ ‬رسوم‭ ‬اللوحات‭.‬

 

صناعة‭ ‬ورد‭ ‬البيت‭ ‬تبدأ‭ ‬بالهرم

لتكوين‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬ورد‭ ‬من‭ ‬الباندو‭ ‬بداية‭ ‬واحدة،‭ ‬البداية‭ ‬دائمًا‭ ‬تبدأ‭ ‬بالهرم،‭ ‬فمثلًا‭ ‬لصناعة‭ ‬زهرة‭ ‬الأقحوان،‭ ‬نكوّن‭ ‬الهرم‭ ‬بين‭ ‬الكفين‭ ‬وبواسطة‭ ‬المقص،‭ ‬نقصّ‭ ‬قاعدة‭ ‬الهرم‭ ‬خمسة‭ ‬أجزاء،‭ ‬ولصناعة‭ ‬زهرة‭ ‬النرجس‭ ‬نقصّ‭ ‬رأس‭ ‬الهرم‭ ‬ستة‭ ‬أجزاء،‭ ‬ولو‭ ‬أردنا‭ ‬صناعة‭ ‬وردة‭ ‬جورية،‭ ‬نكون‭ ‬عدّة‭ ‬أهرام،‭ ‬ونحوّل‭ ‬كلًّا‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬مثّلث،‭ ‬بعد‭ ‬الضغط‭ ‬عليه‭ ‬بيدنا‭ ‬أو‭ ‬بأي‭ ‬آلة‭ ‬أخرى‭.‬

 ‬إلامَ‭ ‬أوصلتك‭ ‬تجربتك‭ ‬مع‭ ‬الباندو؟

‭- ‬وظّفت‭ ‬تجربتي‭ ‬مع‭ ‬الباندو،‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬لاكتشاف‭ ‬الفن‭ ‬الخاص‭ ‬بي،‭ ‬الإبداع‭ ‬من‭ ‬البيئة،‭ ‬أصبحت‭ ‬أصنع‭ ‬المزهرية‭ ‬التي‭ ‬سأنسق‭ ‬أزهاري‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬عبوات‭ ‬المشروبات،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬أشتريها،‭ ‬وأصمّم‭ ‬الطاولة‭ ‬التي‭ ‬سأضع‭ ‬المزهرية‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الصناديق‭ ‬الفارغة،‭ ‬مثل‭ ‬صندوق‭ ‬المكيّف‭ ‬أو‭ ‬التلفزيون،‭ ‬أو‭ ‬أيّ‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬معرض‭ ‬لي،‭ ‬جمع‭ ‬الفن‭ ‬الياباني‭ ‬والإبداع‭ ‬البيئي‭ ‬خاصّتي،‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬التسعينيات،‭ ‬وكان‭ ‬عنوانه‭ ‬االباندو‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬البيئةب،‭ ‬وبدأت‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬البيئة،‭ ‬لتكون‭ ‬مادة‭ ‬أدرّسها‭ ‬بالجامعات‭ ‬في‭ ‬وطني‭ ‬لبنان■

الباندو‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬الفنانة‭ ‬حنان‭ ‬البارودي