اغتراب الوعي في اللغة العربية

اغتراب الوعي  في اللغة العربية

تتحدث‭ ‬مفارقة‭ ‬سانشوبانزا‭ ‬عن‭ ‬جنود‭ ‬رابطوا‭ ‬في‭ ‬مدخل‭ ‬مدينة‭ ‬يسألون‭ ‬كلّ‭ ‬مَن‭ ‬يريد‭ ‬الدخول‭ ‬إليها‭: ‬لماذا‭ ‬جِئت‭ ‬إلى‭ ‬هنا؟‭ ‬فإذا‭ ‬صَدَق‭ ‬المُسافر‭ ‬لن‭ ‬يُشنق،‭ ‬وإذا‭ ‬كَذَب‭ ‬يُشنق‭. ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬أجابهم‭ ‬مُسافر‭ ‬‮«‬جئت‭ ‬لأُشنق‭!‬‮»‬؛‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬يشنقه‭ ‬الجنود‭ ‬فسيكون‭ ‬قد‭ ‬كذب‭ ‬إذن‭ ‬فيستحق‭ ‬الشَنْق،‭ ‬وإذا‭ ‬شُنق‭ ‬فيكون‭ ‬قد‭ ‬صَدَق،‭ ‬إذن‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يُشنق‭. ‬أصل‭ ‬المفارقة‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬إحراج‭ ‬في‭ ‬العبارة‭ ‬عندما‭ ‬يجد‭ ‬المتكلم‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬قضيتين‭ ‬متناقضتين‭ ‬وثلاثة‭ ‬عوالم‭ ‬مختلفة‭ (‬عالم‭ ‬المتكلم‭ ‬وعالم‭ ‬المخاطب‭ ‬وعالم‭ ‬الوقائع‭)‬،‭ ‬وبناء‭ ‬عليه‭ ‬يحمل‭ ‬عبء‭ ‬تحديد‭ ‬القيمة‭ ‬الصدقية‭ ‬للمسألة‭ ‬التي‭ ‬يُعبِّر‭ ‬عَنْها،‭ ‬فيلجأ‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬فَرْضيات‭ ‬حسب‭ ‬خبرته‭ ‬الثقافية‭ ‬وخلفية‭ ‬المُتلقي،‭ ‬واستخدام‭ ‬آليات‭ ‬تسمح‭ ‬بضبط‭ ‬هويّة‭ ‬المُخَاطَب،‭ ‬ويساهم‭ ‬بكل‭ ‬كَلمة‭ ‬وَسَكْتة‭ ‬في‭ ‬تَجْديد‭ ‬تَكْوينه‭.‬

 

وعلى‭ ‬أهمية‭ ‬كلّ‭ ‬كلمة،‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬جملة‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الجُمل،‭ ‬شفوية‭ ‬أو‭ ‬مكتوبة،‭ ‬لنقرر‭ ‬بأنها‭ ‬نصّ‭ ‬جامع،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬عُنصر‭ ‬آخر،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تحكُم‭ ‬عليها‭ ‬الخلفية‭ ‬الثقافية‭ ‬للوعي‭ ‬لترفعها‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬البيان،‭ ‬ثم‭ ‬تدوينه‭ ‬وتعليمه‭ ‬والاستشهاد‭ ‬به‭ ‬والنّسجُ‭ ‬على‭ ‬مِنْوَاله‭ ‬وَالعمل‭ ‬بمقتضاه‭.‬

كِتَاب‭ ‬سيبويه‭ ‬ومفتاح‭ ‬العلوم‭ ‬للسَّكَّاكي‭ ‬لا‭ ‬يُفسِّران‭ ‬األف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلةب‭ ‬لغياب‭ ‬التنظيم‭ ‬الداخلي‭ ‬والافتقار‭ ‬إلى‭ ‬مؤلِّف‭ ‬مُعْتَرَف‭ ‬بقيمَته،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬عبدالفتَّاح‭ ‬كليطيو‭ ‬اليس‭ ‬بإمكان‭ ‬أي‭ ‬واحد‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬أقواله‭ ‬نصوصًاب‭.‬

فإذا‭ ‬كان‭ ‬الكلام‭ ‬لا‭ ‬يُحصَى‭ ‬فإن‭ ‬النصوص،‭ ‬وفق‭ ‬ميشيل‭ ‬فوكو،‭ ‬نادرة‭. ‬ومن‭ ‬جملة‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تُفَسِّر‭ ‬هذه‭ ‬الندرة‭ ‬وجوبُ‭ ‬تحقيق‭ ‬شروط‭ ‬دقيقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬دونها‭ ‬أن‭ ‬يصير‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬مؤلفًا‭ ‬يُعتد‭ ‬بكلامه،‭ ‬فيعتبر‭ ‬المعنى‭ ‬حدسًا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬تفاصيل‭ ‬رتبة‭ ‬الكلمات‭ ‬والصّرف‭. ‬إن‭ ‬المسألة‭ ‬تختصّ‭ ‬بجوهر‭ ‬اللغة،‭ ‬وتتعدّى‭ ‬مجرد‭ ‬نقاشات‭ ‬فلسفية‭ ‬عن‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية،‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الترجمة‭ ‬والتعريب،‭ ‬فبدلًا‭ ‬من‭ ‬اعتبار‭ ‬النتائج‭ ‬التجريبية‭ ‬جزءًا‭ ‬مما‭ ‬يحفّز‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أسس‭ ‬جديدة،‭ ‬تصبح‭ ‬الجمل‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬النص‭ (‬كيانات‭ ‬أخرى‭) ‬ذات‭ ‬معنى،‭ ‬لأنّ‭ ‬شيئًا‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬أدمغتهم‭.‬

اإن‭ ‬عملية‭ ‬التعريب‭ ‬اتخذت‭ ‬اتجاهًا‭ ‬بئيسًا‭ ‬يجعل‭ ‬الطلبة‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬التعرّف‭ ‬المباشر‭ ‬إلى‭ ‬الفكر‭ ‬الحديث،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الدقيقة‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬إذ‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬يتقن‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬مباشر‭ ‬بالعلوم‭ ‬الحديثة،‭ ‬يتناقص‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬تاركًا‭ ‬الساحة‭ ‬لجيل‭ ‬الملخصاتب‭. (‬عبدالله‭ ‬العروي‭ ‬1985،‭ ‬خواطر‭ ‬الصباح،‭ ‬حجرة‭ ‬في‭ ‬العنق،‭ ‬يوميات‭ ‬1982‭ - ‬1999،‭ ‬ص‭ ‬199‭ - ‬200،‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭).‬

‭ ‬

بين‭ ‬الاشتقاق‭ ‬الأكبر‭ ‬والأصغر

لقد‭ ‬فرّق‭ ‬أبو‭ ‬الفتح‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬جني‭ ‬الاشتقاق‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬اللغوي‭ ‬عن‭ ‬الاشتقاق‭ ‬الأصغر‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬الناس،‭ ‬وفيه‭ ‬يأخذون‭ ‬أصلًا‭ ‬من‭ ‬الأصول‭ ‬ويتقرّونها،‭ ‬ويجمعهم‭ ‬المعنى‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬المباني‭/ ‬الصيغ،‭ ‬أما‭ ‬الاشتقاق‭ ‬الأكبر‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬أصلًا‭ ‬من‭ ‬الأصول‭ ‬الثلاثية،‭ ‬فتعقد‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬تقاليبه‭ ‬الستة‭ ‬معنى‭ ‬واحدًا،‭ ‬تجتمع‭ ‬التراكيب‭ ‬الستة،‭ ‬وما‭ ‬يتصرَّف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منها‭ ‬عليه،‭ ‬يضرب‭ ‬مثالًا‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تركيب‭ (‬سلم‭)‬،‭ ‬فكل‭ ‬تصريف‭ ‬يعطي‭ ‬معنى‭ ‬السلامة‭: ‬سلم،‭ ‬يسلم،‭ ‬سالم،‭ ‬سلمان،‭ ‬سلمى،‭ ‬السلامة‭ ‬والسلم،‭ ‬وحين‭ ‬تُطلق‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬اللديغ،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التفاؤل‭ ‬بالسلامة‭.‬

أما‭ ‬الخليل‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬فقد‭ ‬ارتكز،‭ ‬عندما‭ ‬سعى‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬مُعجمه‭ ‬االعينب،‭ ‬على‭ ‬تقليبات‭ ‬المواد‭ ‬اللغوية،‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬انتهجه‭ ‬ابن‭ ‬دريد‭ ‬في‭ ‬االجمهرةب،‭ ‬حين‭ ‬أمسك‭ ‬بالمادة‭ ‬وقلَبها‭ ‬ليعطي‭ ‬معنى‭ ‬كل‭ ‬صيغة،‭ ‬مثال‭ (‬ج‭ ‬ب‭ ‬ر‭): ‬جبر‭ = ‬تصحيح‭ ‬الكسر‭ ‬والتجبُّر،‭ ‬برج‭ = ‬قمة‭ ‬الحصن‭ ‬ومنزل‭ ‬القمر‭ ‬ونقاء‭ ‬العين‭ ‬وإظهار‭ ‬المرأة‭ ‬محاسنها،‭ ‬جرب‭ = ‬الداء‭ ‬المعروف‭ ‬والرجل‭ ‬المجرِّب‭ ‬وريح‭ ‬الشمال،‭ ‬رجب‭ = ‬إكرام‭ ‬وتعظيم،‭ ‬بجر‭ = ‬نتوء‭ ‬السُرَّة،‭ ‬ربج‭ = ‬الفخور‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬فعله،‭ ‬وكذلك‭ ‬التباديل‭ ‬والتوافيق‭ ‬بين‭ ‬حروف‭ ‬اق‭ ‬و‭ ‬سب‭ ‬واق‭ ‬م‭ ‬رب‭. ‬

وأيًّا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬التبسيط‭ ‬والاشتقاق،‭ ‬فهذا‭ ‬منهج‭ ‬تحليلي‭ ‬عمَّق‭ ‬ابن‭ ‬جني‭ ‬دربه،‭ ‬فهو‭ ‬حين‭ ‬يعلل‭ ‬لآرائه‭ ‬لا‭ ‬يلتزم‭ ‬الجدل‭ ‬المنطقي‭ ‬أو‭ ‬الافتراضات‭ ‬الميتافيزيقية،‭ ‬اإنه‭ ‬مُرتكن‭ ‬إلى‭ ‬الحسّ‭ ‬اللغوي،‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬تعلَّق‭ ‬منه‭ ‬بجرس‭ ‬الحروف‭ ‬مستقلًا،‭ ‬أو‭ ‬بمضارعة‭ ‬الحروف‭ ‬بعضها‭ ‬بعضًا،‭ ‬أو‭ ‬لحوم‭ ‬الصيغ‭ ‬المتقاربة‭ ‬حول‭ ‬محور‭ ‬دلالي‭ ‬جاذب،‭ ‬وحتى‭ ‬الذين‭ ‬اعترضوا‭ ‬لم‭ ‬يرفضوا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بين‭ ‬التراكيب‭ ‬المتحدة‭ ‬للمادة‭ ‬معنى‭ ‬مشترك‭ ‬بينها،‭ ‬هو‭ ‬جنس‭ ‬لأنواع‭ ‬موضوعاتهاب‭. (‬اللغة‭ ‬بين‭ ‬العقل‭ ‬والمغامرة،‭ ‬د‭. ‬مصطفى‭ ‬مندور،‭ ‬منشأة‭ ‬المعارف،‭ ‬مصر،‭ ‬ص‭ ‬92‭).‬

 

ابن‭ ‬جنب‭ ‬والأصمعي

ويروي‭ ‬ابن‭ ‬جني‭ ‬في‭ ‬االمزهرب‭: ‬اقلت‭ ‬مرة‭ ‬للمتنبي‭: ‬أراك‭ ‬تستعمل‭ ‬في‭ ‬شعرك‭ ‬ذا،‭ ‬وتا،‭ ‬وثا،‭ ‬وذي‭ ‬كثيرًا‭. ‬ففكَّر‭ ‬شيئًا‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬لم‭ ‬يعمل‭ ‬كلّه‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭. ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬أجل،‭ ‬لكنّ‭ ‬المادة‭ ‬واحدة‭. ‬فأمسك‭ ‬البتّة،‭ ‬والشيء‭ ‬يُذكر‭ ‬لنظيره‭. ‬إن‭ ‬المعاني‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬معنيّاتها‭ ‬آوية‭ ‬إلى‭ ‬مضجع‭ ‬غير‭ ‬مقض،‭ ‬وآخذة‭ ‬بعضها‭ ‬برقاب‭ ‬بعضب‭. ‬

عملية‭ ‬استلاب‭ ‬التفسير‭ ‬التالية‭ ‬هي‭ ‬اترك‭ ‬الأثرب،‭ ‬حيث‭ ‬تأتي‭ ‬رائحة‭ ‬من‭ ‬الألفاظ‭ ‬الأولى‭ ‬لتضاف‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬عام‭ ‬كزواجنا‭ ‬بين‭ ‬وشم‭ ‬ووشي،‭ ‬وبين‭ ‬نقش‭ ‬ورقش،‭ ‬ليصبح‭ ‬اللاصق‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يتحمَّل‭ ‬فرق‭ ‬المعنى‭. ‬

من‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬به‭ ‬الأصمعي‭: ‬اما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الرياح‭ ‬من‭ ‬نفح‭ ‬فهو‭ ‬برد،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الرياح‭ ‬من‭ ‬لفح‭ ‬فهو‭ ‬حرب،‭ ‬وما‭ ‬لاحظه‭ ‬الأب‭ ‬أنستاس‭ ‬الكرملي‭ ‬في‭ ‬نشوء‭ ‬اللغة‭ ‬واكتمالها،‭ ‬فالمادة‭ ‬اللغوية‭ ‬انبب‭ ‬صار‭ ‬نموّها‭ ‬الدلالي‭ ‬في‭ ‬اتجاهين‭: ‬الأوّل‭ ‬يتّجه‭ ‬نحو‭ ‬تحديد‭ ‬أن‭ ‬انبب‭ ‬تفيد‭ ‬ارتفاع‭ ‬الصوت،‭ ‬والثاني‭ ‬يتّجه‭ ‬نحو‭ ‬أنها‭ ‬تفيد‭ ‬الرفعة‭ ‬والسموّ،‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬قولهم‭ ‬نبح،‭ ‬نبس،‭ ‬نبص،‭ ‬نبأ،‭ ‬أنبأ،‭ ‬نبي،‭ ‬نبئي‭ - ‬ومعناه‭ ‬صاحب‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬تتكلم‭ ‬بوساطة‭.‬

نبص‭ ‬ومنه‭ ‬قولهم‭ ‬نبض‭ ‬الرجل‭ ‬قوسه‭ ‬إذا‭ ‬صوتها‭. ‬وفي‭ ‬الاتجاه‭ ‬الثاني‭ ‬يقولون‭: ‬نبل‭ ‬بمعنى‭ ‬ارتفع،‭ ‬ومثله‭ ‬نبر‭ ‬ونبك،‭ ‬ارتفع‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬ومثله‭ ‬نبت‭ ‬النبات،‭ ‬ونبع‭ ‬الماء،‭ ‬ونبغ‭ ‬يفيد‭ ‬الرّفعة‭ ‬والتفوق‭.‬

 

دلالة‭ ‬معجمية

الأمر‭ ‬ليس‭ ‬أحجية‭ ‬لغوية‭ ‬أو‭ ‬لعبة‭ ‬استعراض‭ ‬مهارة‭ ‬في‭ ‬القياس‭ ‬والتخريج،‭ ‬إنه‭ ‬يمثّل‭ ‬وعيًا‭ ‬خفيًّا‭ ‬ومسألة‭ ‬حسّ‭ ‬يساوق‭ ‬بين‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الكلمة‭ ‬المكتوبة،‭ ‬أو‭ ‬المنطوقة‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭ ‬الشامل،‭ ‬والنظر‭ ‬المرهف‭ ‬السحري‭ ‬الأريب‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬الألفاظ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬الدلالة‭ ‬المعجمية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬نموّ‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭ ‬المخلصة‭ ‬الصادقة‭ ‬لتصبح‭ ‬حصنًا‭ ‬يستوعب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أبحاث‭ ‬فقه‭ ‬اللغة،‭ ‬ولكن‭ ‬وقفت‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬هذا‭ ‬الطموح‭ ‬نزعة‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬كمجموعات‭ ‬من‭ ‬الألفاظ‭ ‬متعالقة‭ ‬ومحدثة‭ ‬لصور‭ ‬متكاملة‭.‬

القد‭ ‬بزغت‭ ‬أبحاث‭ ‬لا‭ ‬تأخذ‭ ‬الألفاظ‭ ‬كدوالّ‭ ‬لذاتها،‭ (‬د‭. ‬مصطفى‭ ‬مندور،‭ ‬مرجع‭ ‬سابق‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬كدوال‭ ‬بما‭ ‬ترتبط‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬جيرانهاب‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬يمثّل‭ ‬مرحلة‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬فقه‭ ‬اللغة‭ ‬بمادته،‭ ‬لقد‭ ‬استقرت‭ ‬الخطى‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬يأخذ‭ ‬بالنظر‭ ‬العقلي‭ ‬أو‭ ‬لنقل‭ ‬بالنظر‭ ‬العلمي،‭ ‬حين‭ ‬أوشك‭ ‬الجانب‭ ‬السحري‭ ‬أن‭ ‬يزول‭.‬

لو‭ ‬أن‭ ‬فقه‭ ‬اللغة‭ ‬استبان‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الرمز‭ ‬والمعنى‭ ‬لهانَ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اللبث‭ ‬والتردد،‭ ‬وستبقى‭ ‬فكرة‭ ‬محاكاة‭ ‬بعض‭ ‬كلماتنا‭ ‬لمنطوق‭ ‬رموز‭ ‬انفعالية‭ ‬في‭ ‬الأقوال‭ ‬العامة‭ ‬تخلق‭ ‬علاقات‭ ‬مستمرة‭ ‬كالتفاعل‭ ‬الكيميائي‭ ‬المتسلسل‭ ‬بين‭ ‬الأسماء‭ ‬ومسمياتها،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬بُعد‭ ‬سبب‭ ‬التسمية‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬عنَّا،‭ ‬أو‭ ‬تجلَّت‭ ‬مناسبة‭ ‬طبيعية‭ ‬بين‭ ‬اللفظ‭ ‬ومدلوله،‭ ‬أو‭ ‬كون‭ ‬معرفة

الاسم‭ ‬لذاته‭ ‬هي‭ ‬الشرف‭ ‬والهدف‭: ‬«ثم‭ ‬عرضهم‭ ‬على‭ ‬الملائكة‭ ‬فقال‭ ‬أنبئوني‭ ‬بأسماء‭ ‬هؤلاء‭ ‬إن‭ ‬كنتم‭ ‬صادقين‭ ‬قالوا‭ ‬سبحانك‭ ‬لا‭ ‬علم‭ ‬لنا‭ ‬إلّا‭ ‬ما‭ ‬علّمتنا‭ ‬إنك‭ ‬أنت‭ ‬العزيز‭ ‬الحكيم‭. ‬قال‭ ‬يا‭ ‬آدم‭ ‬أنبئهم‭ ‬بأسمائهم،‭ ‬فلما‭ ‬أنبأهم‭ ‬بأسمائهم‭ ‬قال‭ ‬ألم‭ ‬أقل‭ ‬لكم‭ ‬إني‭ ‬أعلم‭ ‬غيب‭ ‬السماوات‭ ‬والأرض،‭ ‬وأعلم‭ ‬ما‭ ‬تبدون‭ ‬وما‭ ‬كنتم‭ ‬تكتمون »‭‬سورة‭ ‬البقرة‭ - ‬آية‭ ‬31‭: ‬33‭ ‬ ■