الاقتصاد العالمي بعد «كورونا»

الاقتصاد العالمي  بعد «كورونا»

هل‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتخيّل‭ ‬المتغيرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المحتملة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تختفي‭ ‬أعراض‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬وتعود‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬لممارسة‭ ‬حياتها‭ ‬الطبيعية؟

يتعين‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬منذ‭ ‬تفشّي‭ ‬الوباء‭ ‬في‭ ‬ووهان‭ ‬الصينية،‭ ‬توقفت‭ ‬المصانع‭ ‬عن‭ ‬دورانها،‭ ‬مما‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النفط،‭ ‬ثم‭ ‬توقّف‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان،‭ ‬وتعطّل‭ ‬أعمال‭ ‬مؤسسات‭ ‬الخدمات‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المطاعم‭ ‬والفنادق‭ ‬والطيران‭ ‬والنقل‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكاله‭. ‬تدهورت‭ ‬مؤشرات‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية،‭ ‬وفقدت‭ ‬الشركات‭ ‬المدرجة‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬من‭ ‬قيمتها،‭ ‬وانهارت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬بعد‭ ‬التعارض‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬الرئيسية‭ ‬المنتجة‭ ‬له،‭ ‬السعودية‭ ‬وروسيا‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي،‭ ‬بشأن‭ ‬خفض‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬الخام،‭ ‬وبداية‭ ‬حرب‭ ‬الإمدادات‭ ‬والتنافس‭ ‬على‭ ‬الحصص‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬النفط،‭ ‬وإن‭ ‬تم‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬التخفيض‭ ‬أخيرًا‭.‬

 

هذه‭ ‬الأوضاع‭ ‬المكلفة‭ ‬دفعت‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبلدان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬والصين‭ ‬واليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬متطورة‭ ‬ونامية‭ ‬إلى‭ ‬تبنّي‭ ‬سياسات‭ ‬نقدية‭ ‬ومالية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحفيز‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتعويم‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬التدخلات‭ ‬كلّفت‭ ‬الخزائن‭ ‬الحكومية‭ ‬تريليونات‭ ‬الدولارات،‭ ‬حيث‭ ‬خصصت‭ ‬الحكومة‭ ‬الفدرالية‭ ‬بأمريكا‭ ‬2.2‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬وقرّر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬تخصيص‭ ‬800‭ ‬مليار‭ ‬يورو،‭ ‬ناهيك‭ ‬بقيام‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬بتخفيض‭ ‬أسعار‭ ‬الخصم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تخفيض‭ ‬تكاليف‭ ‬الديون،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تبنّي‭ ‬شراء‭ ‬السندات‭ ‬ضمن‭ ‬برامج‭ ‬التسهيل‭ ‬الكمّي‭ ‬Quantative Easing‭.‬

 

انكشاف‭ ‬مخجل

لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المواجهات‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬الحدّ‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭ ‬الكبيرة‭ ‬لدرجة‭ ‬ما،‭ ‬لكنّها‭ ‬لن‭ ‬تكفي‭ ‬للمعالجات‭ ‬المنهجية‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬كشفتها‭ ‬ظاهرة‭ ‬اكوروناب‭ ‬المَرضية‭.‬

الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬يعاني‭ ‬عيوبًا‭ ‬بنيوية‭ ‬تتطلب‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬مالية‭ ‬ونقدية‭ ‬تعتمدها‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬الأساسية،‭ ‬مثل‭ ‬مجموعة‭ ‬السبع‭ ‬ومجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬وبلدان‭ ‬منظمة‭ ‬التعاون‭ ‬والتنمية‭ ‬‭(‬OECD‭).‬

كما‭ ‬انكشفت‭ ‬بلدان‭ ‬متقدمة‭ ‬ومتطورة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يفترض،‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وإسبانيا،‭ ‬وبدا‭ ‬ضعف‭ ‬الأنظمة‭ ‬الصحية‭ ‬وغياب‭ ‬برامج‭ ‬الوقاية‭ ‬والرعاية،‭ ‬بما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬وفاة‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬الذين‭ ‬أصيبوا‭ ‬بفيروس‭ ‬كورونا‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حكومات‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬تعاملت‭ ‬بخفّة‭ ‬مع‭ ‬الظاهرة‭ ‬في‭ ‬بداياتها،‭ ‬وعندما‭ ‬بدأت‭ ‬الاهتمام‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬قد‭ ‬أفلت‭ ‬من‭ ‬أيديها،‭ ‬وتزايدت‭ ‬أعداد‭ ‬المرضى‭ ‬والوفيات‭.‬

واتّضح‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الصحي‭ ‬كان‭ ‬مهملًا،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬كمعدّل‭ ‬للفرد‭ ‬يظل‭ ‬مرتفعًا‭. ‬لكنّ‭ ‬ما‭ ‬تفتقر‭ ‬إليه‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬هو‭ ‬وجود‭ ‬نظام‭ ‬وقائي‭ ‬متاح‭ ‬لكلّ‭ ‬فرد‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬أوضاعه‭ ‬المعيشية‭ ‬ومستوى‭ ‬دخله‭. ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬يقدر‭ ‬سكانها‭ ‬بنحو‭ ‬330‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬وتحقق‭ ‬ناتجًا‭ ‬وطنيًا‭ ‬إجماليًا‭ ‬قدره‭ ‬19.4‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬وتنفق‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬10.224‭ ‬دولارًا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الواحد‭ ‬كمعدّل‭ ‬للفرد‭ ‬الواحد‭ ‬على‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يعاني‭ ‬فيها‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬عدم‭ ‬توافر‭ ‬هذه‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬تأمينًا‭ ‬صحيًّا‭ ‬مكلفًا‭ ‬للملايين‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬الفقيرة‭ ‬أو‭ ‬ذات‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭.‬

الأوضاع‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬كانت‭ ‬كارثية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لاحظ‭ ‬العالم‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬المستشفيات‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬استقبال‭ ‬المرضى،‭ ‬وكيف‭ ‬كانت‭ ‬الرعاية‭ ‬تنعدم‭ ‬لكثير‭ ‬منهم‭ ‬لتقدير‭ ‬الطقوم‭ ‬الطبية‭ ‬بأنهم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقاوموا‭ ‬المرض،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬هُم‭ ‬أولى‭ ‬بالرعاية،‭ ‬نظراً‭ ‬لإمكان‭ ‬إنقاذ‭ ‬حياتهم‭.‬

 

إعادة‭ ‬النظر

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بلدانًا‭ ‬أبدت‭ ‬مهارات‭ ‬وقدرات‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭ ‬للوباء،‭ ‬ولا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬ذكر‭ ‬سنغافورة‭ ‬وتايوان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬التي‭ ‬اتبعت‭ ‬أساليب‭ ‬مُحكمة‭ ‬وغير‭ ‬قسرية‭ ‬في‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭. ‬

إذًا‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مسائل‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬ونوعية‭ ‬الحياة‭ ‬وأهمية‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬ترتقي‭ ‬بالتنمية‭ ‬والحياة،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬المجالات‭ ‬النظام‭ ‬الصحي‭ ‬وبرامج‭ ‬الرعاية‭ ‬والوقاية،‭ ‬وكذلك‭ ‬أهمية‭ ‬التعليم‭ ‬مرتفع‭ ‬الجودة‭ ‬بما‭ ‬يحسّن‭ ‬من‭ ‬سلوكيات‭ ‬البشر‭ ‬وطرق‭ ‬حياتهم‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المطلوبة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تشمل‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬المتطورة‭ ‬والنامية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬ظاهرة‭ ‬اكوروناب،‭ ‬نتيجة‭ ‬لتزايد‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتوسع‭ ‬رقعة‭ ‬الاستهلاك‭. ‬هذه‭ ‬العولمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتّسم‭ ‬بالاهتمام‭ ‬بالحياة‭ ‬الإنسانية‭ ‬أينما‭ ‬وجدت‭.‬

‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬وتطوراته‭ ‬خلال‭ ‬عقود‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وقرننا‭ ‬الحالي،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬قصورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الطبية‭ ‬والصيدلانية‭ ‬بما‭ ‬يحتّم‭ ‬تخصيص‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬للإنفاق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البحوث‭ ‬واستشراف‭ ‬المعضلات‭ ‬الصحية‭ ‬المحتملة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬والعقود‭ ‬المقبلة‭!‬

 

ماذا‭ ‬عن‭ ‬العولمة؟

العولمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬الزعم‭ ‬بأنها‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬وسبعين‭ ‬عامًا،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬منذ‭ ‬اجتماع‭ ‬بريتون‭ ‬وودز،‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدة‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬نيوهامبشير‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬أنظمة‭ ‬النقد‭ ‬وأسعار‭ ‬صرف‭ ‬العملات‭ ‬وأقرّ‭ ‬قيام‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬للتعمير‭ ‬والتنمية‭ ‬وكذلك‭ ‬صندوق‭ ‬الدولي،‭ ‬وعقد‭ ‬الاجتماع‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬الأول‭ ‬حتى‭ ‬22‭ ‬يوليو‭ ‬1944،‭ ‬وحضره‭ ‬مندوبون‭ ‬من‭ ‬44‭ ‬دولة‭.‬

يذكر‭ ‬بعض‭ ‬المؤرخين‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬أن‭ ‬العولمة‭ ‬كظاهرة‭ ‬اقتصادية‭ ‬وجدت‭ ‬منذ‭ ‬الحضارات‭ ‬القديمة،‭ ‬مثل‭ ‬الحضارة‭ ‬السومرية‭ ‬والبابلية‭ ‬والفرعونية،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬أنظمة‭ ‬للتجارة‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬والبلدات‭. ‬

لكن‭ ‬العولمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الحديثة‭ ‬أًسست‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وأخذت‭ ‬طابعًا‭ ‬مؤسسيًا،‭ ‬وحددت‭ ‬لها‭ ‬معايير‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬الـ‭ ‬اجاتب،‭ ‬وهي‭ ‬الاتفاقية‭ ‬العامة‭ ‬للتعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬والتجارة،‭ ‬وقد‭ ‬وقّعت‭ ‬بجنيف‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬أكتوبر‭ ‬1947‭. ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬تمت‭ ‬مراجعتها‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬وجرى‭ ‬تعديل‭ ‬بنودها‭ ‬لتأكيد‭ ‬تسهيل‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري،‭ ‬ووضع‭ ‬الأسس‭ ‬الملائمة‭ ‬لتحرير‭ ‬التجارة‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬الحكومات‭ ‬الوطنية،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعطّل‭ ‬شروط‭ ‬المبادلات‭ ‬الحرّة‭ ‬للسلع‭ ‬والخدمات‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬وكانت‭ ‬الاتفاقية‭ ‬في‭ ‬بدايتها‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬23‭ ‬دولة،‭ ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬استبدالها‭ ‬باتفاقية‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ (‬WTO‭) ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬أعمالها‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬1995،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وقعت‭ ‬الاتفاقية‭ ‬في‭ ‬مراكش‭ ‬المغربية‭ ‬123‭ ‬دولة‭. ‬وقد‭ ‬استمرت‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬التزايد،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وافق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬على‭ ‬شروط‭ ‬الاتفاقية‭ ‬والخضوع‭ ‬لمعايير‭ ‬وشروط‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭.‬

 

إهمال‭ ‬البيئة‭ ‬الطبيعية

هدفت‭ ‬العولمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬السياسية‭ ‬ومن‭ ‬الحمائية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬مبادئ‭ ‬الكفاءة‭ ‬والميزات‭ ‬النسبية‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬تطوّر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬شروط‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬موضع‭ ‬التنفيذ،‭ ‬وتمكّنت‭ ‬بلدان‭ ‬عديدة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬من‭ ‬آسيا،‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬وكوريا‭ ‬وفيتنام،‭ ‬من‭ ‬الارتقاء‭ ‬بأدائها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وزيادة‭ ‬حجم‭ ‬صادراتها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬ألمانيا‭ ‬أو‭ ‬اليابان‭ ‬أصبحت‭ ‬تشيّد‭ ‬مصانع‭ ‬ومعامل‭ ‬ومكاتب‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تمكّنها‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬بتكاليف‭ ‬معقولة،‭ ‬أو‭ ‬منخفضة،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬المنتجات‭ ‬الوسيطة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إليها‭ ‬مصانعها‭ ‬أو‭ ‬مؤسساتها‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الأصلية‭.‬

أدت‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬إلى‭ ‬انكشاف‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصانع‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عديدة،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬شروط‭ ‬العولمة،‭ ‬وتراجعت‭ ‬قدراتها‭ ‬التنافسية،‭ ‬بما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إفلاسها‭ ‬وتسريح‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬عمالتها‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬فإن‭ ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستويات‭ ‬الإنتاج‭ ‬الصناعي‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬آسيوية‭ ‬ولاتينية،‭ ‬ومنها‭ ‬الصين،‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تزايد‭ ‬معدلات‭ ‬التلوث‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬والمياه،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬لم‭ ‬تراعِ‭ ‬الشروط‭ ‬المناسبة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬ومعايير‭ ‬النظافة‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬والمياه‭.‬

إذًا،‭ ‬فإن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاندفاع‭ ‬المحموم‭ ‬باتجاه‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬ورفع‭ ‬حجم‭ ‬الصادرات‭ ‬تم‭ ‬إهمال‭ ‬الجوانب‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والبيئية‭ ‬والصحية‭ ‬والسلامة‭ ‬ووقاية‭ ‬البشر‭. ‬

يُذكر‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬أصبحت‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬والعقود‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬الدولة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬التلوث،‭ ‬حيث‭ ‬تمثّل‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬مسببات‭ ‬التلوث‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭.‬

ويذكر‭ ‬المختصون‭ ‬بالبيئة‭ ‬أن‭ ‬استفادة‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬العولمة‭ ‬قد‭ ‬دفعتها‭ ‬إلى‭ ‬تشييد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصانع‭ ‬الباعثة‭ ‬للغازات‭ ‬والأبخرة‭ ‬المسببة‭ ‬للتلوث‭.‬

ويقدّر‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬1.6‭ ‬مليون‭ ‬وفاة‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬استنشاق‭ ‬الهواء‭ ‬الملوث،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬التخريب‭ ‬البيئي‭ ‬للتربة‭ ‬والمياه‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره،‭ ‬أن‭ ‬التلوث‭ ‬وعدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بمعايير‭ ‬البيئة‭ ‬النظيفة‭ ‬يكلّفان‭ ‬العالم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬وفاة‭ ‬سنويًا‭. ‬

إذًا‭ ‬فإنّ‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬حميدًا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يراعِ‭ ‬أهمية‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬التلوث‭ ‬وتوفير‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬للملايين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬يتنعمّوا‭ ‬بخيرات‭ ‬نتائج‭ ‬العولمة‭.‬

 

اقتصادات‭ ‬النفط

أصبحت‭ ‬البلدان‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط،‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬إيراداته‭ ‬أهم‭ ‬الإيرادات‭ ‬السيادية‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ضحايا‭ ‬اكوروناب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تهاوت‭ ‬الأسعار‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬العشرين‭ ‬دولارًا‭ ‬للبرميل‭. ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬البلدان،‭ ‬ومنها‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط،‭ ‬تقدّر‭ ‬إيراداتها‭ ‬السنوية‭ ‬بموجب‭ ‬توقّعات‭ ‬متحفّظة‭ ‬للأسعار،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الكويت،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬اعتمدت‭ ‬تقديرًا‭ ‬لسعر‭ ‬البرميل‭ ‬بحدود‭ ‬55‭ ‬دولارًا‭ ‬عند‭ ‬إعداد‭ ‬ميزانية‭ ‬السنة‭ ‬المالية‭ ‬2020/2021،‭ ‬لكن‭ ‬تأثيرات‭ ‬اكوروناب‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬ارتباك‭ ‬السياسات‭ ‬المالية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭ ‬التقدير‭ ‬المتحفّظ‭.‬

بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬كان‭ ‬تهاوي‭ ‬الأسعار‭ ‬نتاجًا‭ ‬لتراجُع‭ ‬الطلب‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعطلت‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭.‬

أيضًا،‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬قبل‭ ‬بداية‭ ‬الأزمة‭ ‬أن‭ ‬تراجع‭ ‬بلدان‭ ‬اأوبكب‭ ‬والبلدان‭ ‬المنتجة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬روسيا‭ ‬مستويات‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتعتمد‭ ‬تخفيضات‭ ‬مهمة‭.‬

‭ ‬لكنّ‭ ‬روسيا‭ ‬رفضت‭ ‬اقتراحات‭ ‬السعودية‭ ‬للتخفيض‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬حصتها‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬لمصلحة‭ ‬منتجي‭ ‬النفط‭ ‬الصخري‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مستوى‭ ‬طلب‭ ‬ضعيف‭.‬

‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمام‭ ‬السعودية‭ ‬سيناريوهات‭ ‬ملائمة،‭ ‬واعتمدت‭ ‬سياسة‭ ‬رفع‭ ‬الإنتاج‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬حصتها‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬وتحدّي‭ ‬المنتجين‭ ‬الآخرين‭. ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬الإنتاجية‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إغراق‭ ‬الأسواق‭ ‬النفطية‭ ‬بالإمدادات،‭ ‬وترفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬المخزونات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوربّا‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬مخزونات‭ ‬عائمة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭.‬

في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تتضرر‭ ‬الشركات‭ ‬النفطية‭ ‬المنتجة،‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬ترتفع‭ ‬فيها‭ ‬تكاليف‭ ‬الاستخراج‭ ‬والإنتاج،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬تلك‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬النفط‭ ‬الصخري،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنًا‭ ‬أن‭ ‬تنافس‭ ‬لولا‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬المئة‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل‭. ‬

وربما‭ ‬تمكّنت‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬من‭ ‬تحسين‭ ‬كفاءة‭ ‬الإنتاج‭ ‬وخفضت‭ ‬التكاليف‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬دولارًا‭ ‬للبرميل،‭ ‬بعد‭ ‬تطوير‭ ‬تقنيات‭ ‬العمل،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬المثقلة‭ ‬بالديون‭ ‬المصرفية‭ ‬سوف‭ ‬تعاني‭ ‬الأوضاع‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬النفط‭. ‬

 

معارضات‭ ‬واسعة

معلوم‭ ‬أن‭ ‬اأوبكب‭ ‬والدول‭ ‬المنتجة‭ ‬الرئيسية‭ ‬الأخرى‭ ‬اتفقت‭ ‬على‭ ‬تخفيض‭ ‬الإنتاج‭ ‬بمعدل‭ ‬9.6‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭ ‬اعتبارًا‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬الشهر‭ ‬الجاري‭. ‬فهل‭ ‬سيؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تحسُّن‭ ‬الأسعار‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يظلّ‭ ‬الطلب‭ ‬ضعيفًا؟

الاندفاع‭ ‬في‭ ‬التوسع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ومحاولة‭ ‬جني‭ ‬الأرباح‭ ‬بشكل‭ ‬محموم،‭ ‬عطّل‭ - ‬كما‭ ‬أشرت‭ ‬آنفًا‭ - ‬الاعتبارات‭ ‬البيئية‭. ‬فمثلًا‭ ‬يواجه‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬الصخري‭ ‬معارضات‭ ‬واسعة‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬ناشطي‭ ‬البيئة،‭ ‬ويشكون‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬ذلك‭ ‬النشاط‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬والزراعة‭ ‬ومظاهر‭ ‬البيئة‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الولايات‭.‬

وهناك‭ ‬معارك‭ ‬مستمرة‭ ‬بشأن‭ ‬استغلال‭ ‬الأراضي‭ ‬والغابات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬أيضًا‭ ‬الغاز‭ ‬الصخري‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تطورات‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية‭ ‬الراهنة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استمرت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬بالانخفاض‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬مقبولة‭ ‬ستعطّل‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬بدائل‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭. ‬معلوم‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬تسعى‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬استبدال‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬النفط‭ ‬مثلًا،‭ ‬المسبّب‭ ‬لانبعاث‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬بمصادر‭ ‬طاقة‭ ‬نظيفة،‭ ‬وتمكّنت‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬استخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬والمياه‭ ‬والرياح‭ ‬لإنتاج‭ ‬الكهرباء‭. ‬

الأسعار‭ ‬الحالية‭ ‬للنفط‭ ‬قد‭ ‬تصعّب‭ ‬من‭ ‬منافسة‭ ‬البدائل‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬زمني‭ ‬غير‭ ‬قصير‭.‬

 

أهمية‭ ‬ترشيد‭ ‬الأنشطة

شهد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬تطورات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬والعقدين‭ ‬المنصرمين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القرن‭. ‬وتوسّع‭ ‬الإنفاق‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬بشكل‭ ‬قياسي،‭ ‬وارتفع‭ ‬الإنتاج‭ ‬للسلع‭ ‬والبضائع‭ ‬وتنامى‭ ‬قطاع‭ ‬الخدمات‭ ‬بكل‭ ‬أنواعها‭. ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬دفعت‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬للاقتراض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬أعمالها‭.‬

وبلغ‭ ‬حجم‭ ‬ديون‭ ‬المؤسسات‭ ‬والشركات‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2019‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬10‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬تمثّل‭ ‬47‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الديون‭ ‬المؤسسية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬قاربت‭ ‬29‭ ‬تريليونًا‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2019،‭ ‬وسيكون‭ ‬ربع‭ ‬هذه‭ ‬الديون‭ ‬واجب‭ ‬السداد‭ ‬خلال‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭.‬

هذه‭ ‬تحديات‭ ‬رهيبة‭ ‬تشكّل‭ ‬قلقًا‭ ‬لدى‭ ‬المصارف‭ ‬الكبرى،‭ ‬وسوف‭ ‬تكون‭ ‬أشد‭ ‬وقعًا‭ ‬من‭ ‬الديون‭ ‬السيادية‭ ‬التي‭ ‬صاحبت‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬عام‭ ‬2008‭. ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬أن‭ ‬أزمة‭ ‬اكوروناب‭ ‬عطّلت‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الرئيسية‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬سابق‭ ‬له،‭ ‬وشملت‭ ‬قطاعات‭ ‬صناعية‭ ‬وخدمية،‭ ‬ومنها‭ ‬قطاعات‭ ‬الطيران‭ ‬والسياحة‭ ‬والنقل‭ ‬البري‭ ‬والخدمات‭ ‬الشخصية‭ ‬المختلفة‭.‬

 

هل‭ ‬من‭ ‬دروس‭ ‬مُستفادة؟

هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬وترشّد‭ ‬مساراته؟‭ ‬

يرى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬أن‭ ‬الذاكرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬متواضعة‭ ‬أو‭ ‬ضعيفة،‭ ‬ولذلك‭ ‬إذا‭ ‬تمّت‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الوباء‭ ‬سيعود‭ ‬الناس‭ ‬لممارسة‭ ‬عاداتهم‭ ‬القديمة‭ ‬والتقليدية،‭ ‬ويحاولون‭ ‬تعويض‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬تحمّلوها‭ ‬إبان‭ ‬الأزمة‭. ‬الأسواق‭ ‬المالية‭ ‬تأثرت‭ ‬كثيرًا،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬الثروات‭ ‬التي‭ ‬خسرها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تهاوت‭ ‬مؤشرات‭ ‬تلك‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية،‭ ‬وإن‭ ‬تعافت‭ ‬أخيرًا‭.‬

‭ ‬سوف‭ ‬تضخ‭ ‬أموالًا‭ ‬مهمة‭ ‬لتنشيط‭ ‬الأعمال‭ ‬والحدّ‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬الوظائف‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬لقيام‭ ‬الإدارات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بصياغة‭ ‬سياسات‭ ‬مالية‭ ‬ونقدية‭ ‬تؤثر‭ ‬الترشيد‭ ‬والسلوك‭ ‬العقلاني‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحدد‭ ‬مفاهيم‭ ‬جديدة‭ ‬لأيّ‭ ‬نشاط‭ ‬اقتصادي،‭ ‬وربط‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬بأهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬والحدّ‭ ‬من‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭ ‬والتلوث‭ ‬بكل‭ ‬أشكاله‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬تجب‭ ‬مراعاة‭ ‬صحة‭ ‬العاملين‭ ‬وبقية‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬إنساني‭. ‬أهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأموال‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تخصص‭ ‬للإنفاق‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬الجيد‭ ‬والوقاية‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬والارتقاء‭ ‬بنوعية‭ ‬الحياة‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬العسكرة‭ ‬والأسلحة‭ ‬المدمرة‭. ‬لقد‭ ‬أثبتت‭ ‬أزمة‭ ‬اكوروناب‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬مهما‭ ‬ملكت‭ ‬بلدانه‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬مقاومة‭ ‬الأوبئة‭ ‬بشكل‭ ‬فعال،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الإنفاق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحياة‭ ‬ودعم‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المفيدة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتصدّر‭ ‬أجندة‭ ‬العالم‭ ■