استيفان روستي مؤسّس مدرسة الكوميديا

استيفان روستي  مؤسّس مدرسة الكوميديا

يعدّ‭ ‬الفنان‭ ‬استيفان‭ ‬روستي‭ (‬1891‭ - ‬1964‭) ‬صاحب‭ ‬شخصية‭ ‬فنية‭ ‬متفرّدة،‭ ‬امتزج‭ ‬فيها‭ ‬الأداء‭ ‬التمثيلي‭ ‬بالمقوّمات‭ ‬الخاصة‭ ‬كالملامح‭ ‬والصوت‭ ‬والمظهر،‭ ‬فجاء‭ ‬أداؤه‭ ‬ذا‭ ‬حساسية‭ ‬فنية‭ ‬خالصة‭ ‬وغير‭ ‬مكررة،‭ ‬إذ‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يمنحنا‭ ‬أبعادًا‭ ‬كوميدية‭ ‬مختلفة‭ ‬لشخصية‭ ‬الشرير؛‭ ‬جعلته‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬ألمع‭ ‬نجوم‭ ‬زمن‭ ‬الفن‭ ‬الجميل،‭ ‬وأحد‭ ‬أبرز‭ ‬من‭ ‬جسّدوا‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬المصرية؛‭ ‬إذ‭ ‬تميّز‭ ‬ببصمة‭ ‬فنية‭ ‬خاصة‭ ‬ومختلفة‭ ‬أدهشت‭ ‬مختلف‭ ‬الأجيال‭ ‬اللاحقة‭ ‬من‭ ‬المشاهدين،‭ ‬بسبب‭ ‬سماته‭ ‬الخاصة‭ ‬جدًّا،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يشاركه‭ ‬فيها‭ ‬أحد،‭ ‬فهو‭ ‬الرجل‭ ‬الأنيق‭ ‬صاحب‭ ‬النشأة‭ ‬الأوربية،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬أداؤه‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدرسة‭ ‬فنية،‭ ‬ولذلك‭ ‬فقد‭ ‬بدا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أدواره‭ ‬مختلفًا‭.‬

 

وصل‭ ‬عدد‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬روستي‭ ‬في‭ ‬تمثيلها‭ ‬وإخراجها‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬350‭ ‬فيلمًا‭ ‬سينمائيًا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬40‭ ‬عامًا‭ ‬هي‭ ‬عمره‭ ‬الفني،‭ ‬نجح‭ ‬خلالها‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الشر‭ ‬والكوميديا،‭ ‬فقدّم‭ ‬دور‭ ‬الشرير‭ ‬بذكاء‭ ‬شديد‭ ‬جعله‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬أحدًا،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬وحده‭ ‬الشرير‭ ‬الكوميديان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أنه‭ ‬سيلفت‭ ‬الأنظار،‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬الأشرار‭ ‬تفردًا‭ ‬وخصوصية،‭ ‬وهي‭ ‬البصمة‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬جعلته‭ ‬متفردًا‭ ‬ومختلفًا‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬أشرار‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها،‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭. ‬ولعل‭ ‬لقب‭ ‬اشرير‭ ‬السينما‭ ‬الأنيقب،‭ ‬الذي‭ ‬أُطلق‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬ممن‭ ‬جسّدوا‭ ‬شخصية‭ ‬الشرير،‭ ‬يليق‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يليق‭ ‬باستيفان‭ ‬روستي‭ ‬الذي‭ ‬جسّد‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬بحبّ‭ ‬وشجاعة‭ ‬نادرة،‭ ‬ساعدته‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إمكاناته‭ ‬الخاصة‭ ‬كممثل،‭ ‬ونشأته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كابن‭ ‬للمجتمع‭ ‬الأوربي،‭ ‬فلم‭ ‬يخشَ‭ ‬حُكم‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يأخذ‭ ‬موقفًا‭ ‬ضديًّا‭ ‬ممن‭ ‬يداومون‭ ‬على‭ ‬إجادة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأدوار،‭ ‬بل‭ ‬أحبه‭ ‬الجميع‭ ‬وتعلّق‭ ‬به‭ ‬وبأدائه‭ ‬الراقي،‭ ‬حيث‭ ‬تميّز‭ ‬بـ‭ ‬اإفّيهاتب‭ ‬لا‭ ‬تُنسى،‭ ‬وأبدع‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬شخصية‭ ‬اليهودي‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬السينمائية‭.‬

 

  ‬مخرج‭ ‬ورائد‭ ‬الكوميديا

  ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬القيمة‭ ‬الفنية‭ ‬لاستيفان‭ ‬روستي‭ ‬كممثّل‭ ‬فحسب؛‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬دوره‭ ‬كمخرج‭ ‬سينمائي‭ ‬بارز،‭ ‬أخرج‭ ‬للسينما‭ ‬أفلام‭ ‬اليلىب‭ (‬1927‭)‬،‭ ‬واصاحب‭ ‬السعادة‭ ‬كشكش‭ ‬بيهب‭ (‬1931‭)‬،‭ ‬واعنتر‭ ‬أفنديب‭ (‬1935‭)‬،‭ ‬واالورشةب‭ (‬1940‭)‬،‭ ‬واابن‭ ‬البلدب‭ (‬1942‭)‬،‭ ‬واأحلاهمب‭ ‬واجمال‭ ‬ودلالب‭ (‬1945‭)‬،‭ ‬لكنّه‭ ‬ترك‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الإخراج‭ ‬السينمائي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬اللبنات‭ ‬الأولى‭ ‬للسينما‭ ‬المصرية،‭ ‬وواصل‭ ‬عمله‭ ‬كممثل‭ ‬يجيد‭ ‬لعب‭ ‬أدوار‭ ‬الشرير‭ ‬الأرستقراطي‭ ‬ويجسّدها‭ ‬بمنتهى‭ ‬الإتقان،‭ ‬فشارك‭ ‬بطولة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬مثل‭: ‬ابلبل‭ ‬أفنديب،‭ ‬واغزل‭ ‬البناتب،‭ ‬واعفريتة‭ ‬هانمب،‭ ‬واشاطئ‭ ‬الغرامب،‭ ‬واحسن‭ ‬وماريكاب،‭ ‬واالدنيا‭ ‬لما‭ ‬تضحكب‭...‬،‭ ‬وغيرها‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬غالبية‭ ‬أفلام‭ ‬نجوم‭ ‬سينما‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود،‭ ‬أمثال‭ ‬عمر‭ ‬الشريف،‭ ‬وفاتن‭ ‬حمامة،‭ ‬وعماد‭ ‬حمدي،‭ ‬وليلى‭ ‬مراد،‭ ‬وفريد‭ ‬شوقي،‭ ‬وأنور‭ ‬وجدي،‭ ‬وإسماعيل‭ ‬ياسين،‭ ‬ومحمود‭ ‬المليجي،‭ ‬ونعيمة‭ ‬عاكف‭... ‬وغيرهم‭. ‬

  ‬ولد‭ ‬استيفان‭ ‬روستي‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬نوفمبر‭ ‬1891‭ ‬من‭ ‬أم‭ ‬إيطالية‭ ‬وأب‭ ‬نمساوي‭ ‬يعمل‭ ‬سفيرًا‭ ‬للنمسا‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬وقد‭ ‬انفصل‭ ‬الوالدان،‭ ‬وانتقل‭ ‬استيفان‭ ‬للعيش‭ ‬مع‭ ‬والدته‭ ‬في‭ ‬إيطاليا،‭ ‬وواصل‭ ‬تعليمه‭ ‬الابتدائي،‭ ‬ثم‭ ‬ترك‭ ‬المنزل‭ ‬شابًا‭ ‬عندما‭ ‬تزوجت‭ ‬أمه‭ ‬رجلًا‭ ‬آخر،‭ ‬إذ‭ ‬تأثّر‭ ‬نفسيًّا،‭ ‬وقرر‭ ‬أن‭ ‬يرحل‭ ‬إلى‭ ‬أوربا‭.‬

‭ ‬ابدأ‭ ‬روستي‭ ‬رحلته‭ ‬الفنية‭ ‬كممثل‭ ‬مسرحي،‭ ‬وظهر‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1912‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬الدوق‭ ‬بمسرحية‭ ‬شارلمان‭ ‬لفرقة‭ ‬سليم‭ ‬عطا‭ ‬الله،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭. ‬ولم‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬تناوله‭ ‬المخرج‭ ‬المسرحي‭ ‬المعروف‭ ‬وقتئذ‭ ‬عزيز‭ ‬عيد،‭ ‬وأخذ‭ ‬يعنى‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬ممثلًا‭ ‬مرموقًا‭ ‬يتجلّى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مواقفه‭ ‬التمثيليةب‭ (‬مجلة‭ ‬التياترو‭- ‬عدد‭ ‬يناير‭ ‬1925‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬أعجب‭ ‬عيد‭ ‬بطلاقته‭ ‬في‭ ‬اللغتين‭ ‬الفرنسية‭ ‬والإيطالية‭ ‬وألحقه‭ ‬بفرقته‭ ‬المسرحية‭.‬

  ‬عندما‭ ‬انتقل‭ ‬لاحقًا‭ ‬إلى‭ ‬فرقة‭ ‬نجيب‭ ‬الريحاني‭ ‬ذ‭ ‬في‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ - ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬الفرصة‭ ‬التي‭ ‬ينتظرها،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬طموحه‭ ‬الفني‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬سقف‭ ‬محدد،‭ ‬فرحل‭ ‬إلى‭ ‬أوربا‭ ‬وعمل‭ ‬بالتمثيل‭ ‬السينمائي،‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأفلام‭ ‬منها‭ ‬فيلم‭ ‬االبرج‭ ‬الهائلب‭ ‬في‭ ‬النمسا،‭ ‬وفيلم‭ ‬ابوريدانب‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭  ‬الذي‭ ‬عرض‭ ‬حينذاك‭ ‬في‭ ‬سينما‭ ‬متروبول‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬وجسّد‭ ‬فيه‭ ‬روستي‭ ‬شخصية‭ ‬الانسوب،‭ ‬والتقى‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬محمد‭ ‬كريم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يدرس‭ ‬الإخراج‭ ‬السينمائي‭ ‬حينذاك‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬وأعجب‭ ‬به،‭ ‬كما‭ ‬التقى‭ ‬سراج‭ ‬منير،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬روستي‭ ‬ليعمل‭ ‬في‭ ‬فرقة‭ ‬رمسيس،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تزوّد‭ ‬بخبرات‭ ‬فنية‭ ‬في‭ ‬آليات‭ ‬التنفيذ‭ ‬السينمائي‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬لها‭ ‬خبرتها‭ ‬ومن‭ ‬سينمائيين‭ ‬مارسوا‭ ‬المهن‭ ‬السينمائية‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬عواصم‭ ‬أوربا‭. ‬

  ‬وحين‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬تعرفت‭ ‬إليه‭ ‬المنتجة‭ ‬عزيزة‭ ‬أمير‭ ‬التي‭ ‬انبهرت‭ ‬بثقافته‭ ‬السينمائية‭ ‬الكبيرة‭. ‬وكانت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬تكاد‭ ‬تنتهي‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬أول‭ ‬فيلم‭ ‬روائي‭ ‬طويل‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬انداء‭ ‬اللهب،‭ ‬وقد‭ ‬مرّ‭ ‬الفيلم‭ ‬بقدر‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬والمصاعب‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬إنتاجه‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬لولا‭ ‬إصرار‭ ‬عزيزة‭ ‬أمير‭ ‬منتجة‭ ‬الفيلم‭ ‬وبطلته،‭ ‬فقد‭ ‬اختلفت‭ ‬مع‭ ‬مخرج‭ ‬الفيلم‭ ‬الفنان‭ ‬التركي‭ ‬وداد‭ ‬عرفي،‭ ‬واكتشفت‭ ‬وجمهور‭ ‬المشاهدين‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬الخاص‭ ‬وجود‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬الفنية،‭ ‬فاستبعدت‭ ‬عرفي‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬وأسندت‭ ‬إلى‭ ‬روستي‭ ‬مهمة‭ ‬الإخراج‭ ‬وتحوير‭ ‬قصة‭ ‬انداء‭ ‬اللهب‭ ‬إلى‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬العادات‭ ‬المصرية‭. ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬انهمك‭ ‬روستي‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬المناظر‭ ‬التكميلية‭ ‬والمشاهد‭ ‬الأخرى،‭ ‬وتم‭ ‬عرض‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬اسما‭ ‬مختلفًا‭ ‬هو‭ ‬اليلىب‭ ‬بسينما‭ ‬متروبول‭ ‬بالقاهرة‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬عام‭ ‬1927‭. 

‭ ‬برع‭ ‬روستي‭ ‬كمخرج‭ ‬سينمائي،‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬السينمائي‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة،‭ ‬وأخرج‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1927‭ ‬و1945‭ ‬ثمانية‭ ‬أفلام‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأفلام‭ ‬الروائية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬فهو‭ ‬يعدّ‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬رواد‭ ‬صناعة‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬بما‭ ‬قدّمه‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬سينمائية‭ ‬لها‭ ‬اتجاه‭ ‬مختلف،‭ ‬سارت‭ ‬على‭ ‬نهجه‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬بعض‭ ‬مدارس‭ ‬الإخراج‭. ‬ويمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬روستي‭ ‬أحد‭ ‬المخرجين‭ ‬البارزين‭ ‬الذين‭ ‬ساهموا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬للسينما‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬عهدها‭ ‬بالأفلام‭ ‬الروائية‭ ‬الطويلة،‭ ‬حيث‭ ‬قدّم‭ ‬أفلامًا‭ ‬مكتملة‭ ‬النواحي‭ ‬الفنية،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬هو‭ ‬اصاحب‭ ‬السعادة‭ ‬كشكش‭ ‬أفنديب‭ ‬عام‭ ‬1931،‭ ‬وضع‭ ‬بطله‭ ‬نجيب‭ ‬الريحاني‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬السينما‭ ‬الروائية‭ ‬كنجم‭ ‬بارز،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬الريحاني‭ ‬نجمًا‭ ‬مسرحيًا‭ ‬فحسب‭. ‬كما‭ ‬شارك‭ ‬روستي‭ ‬كممثّل‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الصامتة‭ ‬والناطقة‭ ‬منذ‭ ‬البدايات‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬فيها‭ ‬السينما‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المصاعب‭.‬

 

‮«‬البحر‭ ‬بيضحك‮»‬‭ ‬بداية‭ ‬لاتجاه‭ ‬سينمائي

  ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬الرحلة‭ ‬الفنية‭ ‬لروستي‭ ‬في‭ ‬الإخراج‭ ‬عن‭ ‬رحلته‭ ‬الفنية‭ ‬كممثل‭ ‬متفرد‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬أداء‭ ‬معيّنة‭ ‬لا‭ ‬يشاركه‭ ‬فيها‭ ‬أحد،‭ ‬فبعد‭ ‬نجاح‭ ‬فيلم‭ ‬ليلى،‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬ثاني‭ ‬فيلم‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬ووجود‭ ‬لغط‭ ‬كثير‭ ‬حوله،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حوّله‭ ‬من‭ ‬فيلم‭ ‬باهت‭ ‬يحوي‭ ‬مناظر‭ ‬غير‭ ‬مترابطة،‭ ‬ومشاهد‭ ‬تُظهر‭ ‬المصريين‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬حقيقتهم،‭ ‬ويحمل‭ ‬اسم‭ ‬انداء‭ ‬اللهب،‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬روائي‭ ‬حقيقي‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬ليلى،‭ ‬ويأخذ‭ ‬مكانه‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬وقد‭ ‬استفاد‭ ‬مضطرًا‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬تم‭ ‬تصويره‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬فُرضت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقليل‭ ‬الإنفاق،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنفقت‭ ‬عزيزة‭ ‬أمير‭ ‬مبالغ‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬شرايط‭ ‬أو‭ ‬بكرات‭ ‬الفيلم‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬التجهيزات‭ ‬مع‭ ‬المخرج‭ ‬الأول‭.‬

  ‬وأخرج‭ ‬روستي‭ ‬فيلمه‭ ‬الثاني‭ ‬االبحر‭ ‬بيضحكب‭ ‬عام‭ ‬1928،‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬أمين‭ ‬عطاالله،‭ ‬وإيريز‭ ‬ستاني،‭ ‬وبهية‭ ‬أمير،‭ ‬وفردوس‭ ‬حسن،‭ ‬وأمينة‭ ‬رزق،‭ ‬وعُرض‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬والإسكندرية،‭ ‬ثم‭ ‬عُرض‭ ‬في‭ ‬سينما‭ ‬الكورسال‭ ‬ببيروت‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬1929،‭ ‬ويحمل‭ ‬رقم‭ ‬5‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الأفلام‭ ‬المصرية‭ ‬الروائية‭ ‬الطويلة‭.  

وحقق‭ ‬نجاحًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بسبب‭ ‬بصمة‭ ‬روستي‭ ‬كمخرج،‭ ‬وحوى‭ ‬الفيلم‭ ‬عديدًا‭ ‬من‭ ‬الإفّيهات‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬الأحداث‭ ‬وحققت‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الإضحاك‭.‬

يحكي‭ ‬الفيلم‭ ‬قصة‭ ‬شاويش‭ ‬بالبوليس‭ (‬أمين‭ ‬عطالله‭) ‬يصادفه‭ ‬سوء‭ ‬حظ،‭ ‬ويتنقل‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬تصرّفه‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬حبسه‭ ‬ويُطرد‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬فيضطر‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى،‭ ‬لكنه‭ ‬يفشل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬فيقرر‭ ‬الانتحار‭ ‬ويفشل‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محاولاته‭.‬

  ‬وقد‭ ‬اعتمد‭ ‬الفيلم‭ ‬على‭ ‬الكوميديا‭ ‬الخفيفة‭ ‬التي‭ ‬تتولد‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬مفارقة‭ ‬للواقع،‭ ‬وهي‭ ‬المدرسة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬تولّدت‭ ‬منها‭ ‬أفلام‭ ‬إسماعيل‭ ‬ياسين‭ ‬مع‭ ‬المخرج‭ ‬فطين‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬وغيره،‭ ‬مما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬رؤية‭ ‬استيفان‭ ‬روستي‭ ‬واستباقه‭ ‬واكتشافه‭ ‬المبكر‭ ‬لهذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬الكوميدي‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬الذي‭ ‬نجحت‭ ‬فيه‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الكوميدية،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬حقبتي‭ ‬الأربعينيات‭ ‬والخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬فيلم‭ ‬روستي‭ ‬الأول‭ ‬كمخرج‭ ‬شكّل‭ ‬بداية‭ ‬طريق،‭ ‬وأسس‭ ‬لاتجاه‭ ‬فني‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬الكوميدية‭. ‬واعتُبر‭ ‬فيلم‭ ‬االبحر‭ ‬بيضحكب‭ ‬إرهاصة‭ ‬أولى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬الأفلام‭ ‬الأربعة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم،‭ ‬وهي‭ ‬افي‭ ‬بلاد‭ ‬توت‭ ‬عنخ‭ ‬آمونب،‭ ‬واليلىب،‭ ‬واقبلة‭ ‬في‭ ‬الصحراءب،‭ ‬واسعاد‭ ‬الغجريةب،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أفلامًا‭ ‬كوميدية‭.‬

  ‬ولعل‭ ‬صورة‭ ‬أمين‭ ‬عطالله‭ ‬بملابس‭ ‬البحر‭ ‬مع‭ ‬السائحات‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬وعلى‭ ‬الشاطئ‭ ‬تشبه‭ ‬كثيرًا‭ ‬صور‭ ‬إسماعيل‭ ‬ياسين‭ ‬مع‭ ‬النساء‭ ‬اللاتي‭ ‬جئن‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬بحجة‭ ‬الصيد‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬اابن‭ ‬حميدوب‭ (‬1957‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬أفلام‭ ‬الكوميديا‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬كذلك‭ ‬أيضًا‭ ‬جاءت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬إسماعيل‭ ‬ياسين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬ظهور‭ ‬وتطور‭ ‬الكوميديا‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭. ‬

 

الريحاني‭ ‬والبداية‭ ‬السينمائية

    ‬أما‭ ‬فيلم‭ ‬اصاحب‭ ‬السعادة‭ ‬كشكش‭ ‬بيهب،‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬ببطولته‭ ‬نجيب‭ ‬الريحاني‭ ‬وأخرجه‭ ‬استيفان‭ ‬روستي،‭ ‬ويحمل‭ ‬رقم‭ ‬15‭ ‬بين‭ ‬الأفلام‭ ‬الروائية‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬فهو‭ ‬ثاني‭ ‬الأفلام‭ ‬الكوميدية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬ومأخوذ‭ ‬عن‭ ‬مسرحيات‭ ‬الريحاني‭ ‬التي‭ ‬ابتدع‭ ‬فيها‭ ‬قرية‭ ‬وهمية‭ ‬اسمها‭ ‬كفر‭ ‬البلاص،‭ ‬وجعل‭ ‬كشكش‭ ‬بيه‭ ‬عمدة‭ ‬وحاكمًا‭ ‬يتصرّف‭ ‬كما‭ ‬يشاء‭.‬

‭ ‬ومع‭ ‬ازدهار‭ ‬النشاط‭ ‬السينمائي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بداية‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وكثرة‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬السينما،‭ ‬قرر‭ ‬الريحاني‭ ‬أن‭ ‬يخوض‭ ‬التجربة‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحويل‭ ‬الفكرة‭ ‬ذاتها‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي،‭ ‬واختار‭ ‬استيفان‭ ‬روستي‭ ‬مخرجًا‭ ‬للفيلم‭ ‬وممثلًا‭ ‬فيه،‭ ‬كما‭ ‬اختار‭ ‬توليو‭ ‬كياريني‭ ‬ليتولى‭ ‬مهمة‭ ‬التصوير‭. ‬وحقق‭ ‬الفيلم‭ ‬نجاحًا‭ ‬باهرًا،‭ ‬سواء‭ ‬عند‭ ‬عرضه‭ ‬صامتًا‭ ‬عام‭ ‬1931،‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬أعيد‭ ‬عرضه‭ ‬ناطقًا‭ ‬عام‭ ‬1933‭ ‬باسم‭ ‬احوادث‭ ‬كشكش‭ ‬بكب‭ ‬وحمل‭ ‬رقم‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭. ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬البطولة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حسين‭ ‬رياض،‭ ‬وحسن‭ ‬البارودي،‭ ‬وذكر‭ ‬نجيب‭ ‬الريحاني‭ ‬في‭ ‬مذكراته‭ ‬عن‭ ‬الفيلم‭ ‬أنه‭ ‬اتكلّف‭ ‬مبلغًا‭ ‬قدره‭ ‬أربعمئة‭ ‬جنيه‭ ‬مصري‭ ‬فقط‭ ‬لا‭ ‬غير‭. ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬أخرجناه‭ ‬بتراب‭ ‬الفلوس،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬نجح‭ ‬وجلَب‭ ‬فلوس،‭ ‬وأقبل‭ ‬الجمهور‭ ‬على‭ ‬مشاهدته‭ ‬إقبالًا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يتوقعه‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬تفاؤلًاب،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬فيلم‭ ‬اياقوتب‭ ‬ثاني‭ ‬أفلام‭ ‬الريحاني‭ ‬للسينما‭ ‬بعد‭ ‬احوادث‭ ‬كشكش‭ ‬بكب‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬إمكانات‭ ‬ورؤية‭ ‬استيفان‭ ‬روستي‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬الأفلام‭ ‬الكوميدية‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬ووضع‭ ‬إرهاصاتها‭ ‬الأولى‭. ‬

  ‬في‭ ‬عام‭ ‬1935‭ ‬ظهرا‭ ‬الأخوان‭ ‬بركات‭ (‬شارل‭ ‬وهنري‭ ‬بركات‭)‬،‭ ‬ودخلا‭ ‬عالَم‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي‭ ‬بفيلم‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬استيفان‭ ‬روستي،‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬اعنتر‭ ‬أفنديب،‭ ‬وكتب‭ ‬روستي‭ ‬القصة‭ ‬والسيناريو،‭ ‬بينما‭ ‬كتب‭ ‬الحوار‭ ‬زكي‭ ‬صالح،‭ ‬وكانت‭ ‬البطولة‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬مختار‭ ‬عثمان،‭ ‬ومنسي‭ ‬فهمي،‭ ‬وحسن‭ ‬فائق،‭ ‬وسميرة‭ ‬خلوصي،‭ ‬وسرينا‭ ‬إبراهيم،‭ ‬وقام‭ ‬هنري‭ ‬بركات‭ ‬بعمل‭ ‬المونتاج،‭ ‬كما‭ ‬عمل‭ ‬مساعد‭ ‬مخرج،‭ ‬وعُرض‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬والإسكندرية‭ ‬ولاقى‭ ‬قبولًا‭ ‬حسنًا‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬شاهده‭. ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬روستي‭ ‬وعزيزة‭ ‬أمير‭ ‬للعمل‭ ‬معًا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ ‬االورشةب‭ ‬عام‭ ‬1940،‭ ‬من‭ ‬تأليفها‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬محمود‭ ‬ذو‭ ‬الفقار،‭ ‬ومن‭ ‬بطولتهما‭ ‬معًا،‭ ‬وبمشاركة‭ ‬أنور‭ ‬وجدي،‭ ‬ونجمة‭ ‬إبراهيم،‭ ‬واستيفان‭ ‬روستي،‭ ‬وعبدالسلام‭ ‬النابلسي،‭ ‬وسرينا‭ ‬إبراهيم،‭ ‬ويدور‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬كوميدي‭ ‬اجتماعي،‭ ‬حيث‭ ‬تتنكر‭ ‬امرأة‭ (‬عزيزة‭ ‬أمير‭) ‬في‭ ‬زي‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تتابع‭ ‬ورشة‭ ‬زوجها‭ ‬المسافر،‭ ‬وقام‭ ‬بعمل‭ ‬المونتاج‭ ‬ومساعد‭ ‬المخرج‭ ‬هنري‭ ‬بركات،‭ ‬الذي‭ ‬أخرج‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عديدًا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أفلام‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬منها‭ ‬ادعاء‭ ‬الكروانب،‭ ‬وافي‭ ‬بيتنا‭ ‬رجلب،‭ ‬واالحرامب،‭... ‬وغيرها‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬بداية‭ ‬تعلّم‭ ‬بركات‭ ‬فن‭ ‬المونتاج‭ ‬وحرفيات‭ ‬الإخراج‭ ‬السينمائي‭ ‬كانت‭ ‬علي‭ ‬يد‭ ‬روستي‭.‬

‭ ‬

‮«‬ابن‭ ‬البلد‮»‬‭... ‬وعزيزة‭ ‬أمير‭ ‬مرة‭ ‬أخرى

واستكمالًا‭ ‬لنجاحهما‭ ‬في‭ ‬فيلمي‭ ‬ليلى،‭ ‬والورشة،‭ ‬جاء‭ ‬الفيلم‭ ‬الثالث‭ ‬لعزيزة‭ ‬أمير‭ ‬وروستي،‭ ‬والسادس‭ ‬في‭ ‬مشواره‭ ‬الفني‭ ‬مع‭ ‬الإخراج‭ ‬السينمائي،‭ ‬وحمل‭ ‬اسم‭ ‬اابن‭ ‬البلدب‭ ‬وهو‭ ‬الفيلم‭ ‬رقم‭ ‬146‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬المصرية،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬وبطولة‭ ‬عزيزة‭ ‬أمير،‭ ‬وبمشاركة‭ ‬محمود‭ ‬ذو‭ ‬الفقار،‭ ‬ودولت‭ ‬أبيض،‭ ‬وبشارة‭ ‬واكيم،‭ ‬وفردوس‭ ‬محمد،‭ ‬ومحسن‭ ‬سرحان،‭ ‬وغيرهم‭. ‬وعرض‭ ‬بالقاهرة‭ ‬عام‭ ‬1942،‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬اجتماعي‭ ‬يتناول‭ ‬قضية‭ ‬الطبقية‭ ‬وأثرها‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬فساد‭ ‬الطبقة‭ ‬الأرستقراطية،‭ ‬ويعمل‭ ‬الفيلم‭ ‬على‭ ‬الإعلاء‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬أولاد‭ ‬البلد،‭ ‬وحوى‭ ‬6‭ ‬أغان‭ ‬بصوت‭ ‬شهرزاد،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تقديم‭ ‬الأغنية‭ ‬في‭ ‬ثوب‭ ‬درامي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الأحداث‭.‬

  ‬في‭ ‬حين‭ ‬تضمّن‭ ‬فيلمه‭ ‬التالي‭ ‬اأحلاهمب‭ (‬1945‭) ‬وهو‭ ‬السابع‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬روستي‭ ‬مع‭ ‬الإخراج،‭ ‬4‭ ‬أغان‭ ‬للمطربة‭ ‬شيخة‭ ‬شافية،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬ميمي‭ ‬شكيب،‭ ‬وزكي‭ ‬طليمات،‭ ‬وشَرَفَنْطَح،‭ ‬وحسن‭ ‬فائق،‭ ‬ويناقش‭ ‬حالة‭ ‬الثراء‭ ‬التي‭ ‬تصيب‭ ‬بعضهم،‭ ‬وبحث‭ ‬الفقير‭ ‬عن‭ ‬ثريّ‭ ‬يُصاهره،‭ ‬فتنشأ‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬جدلية‭ ‬ماتعة‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬مفارقات‭ ‬عديدة‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مفاجآت‭ ‬وعُقد‭ ‬مثيرة‭ ‬للضحك‭. ‬ويتضح‭ ‬أن‭ ‬روستي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬الكوميدية،‭ ‬ويلاحظ‭ ‬زيادة‭ ‬اهتمامه‭ ‬بتوظيف‭ ‬الأغنية‭ ‬في‭ ‬الفيلم،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الأغنية‭ ‬لا‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬يخرجها‭.   

  ‬جاءت‭ ‬آخر‭ ‬أفلام‭ ‬روستي‭ ‬في‭ ‬الإخراج‭ ‬رومانسيًا‭ ‬غنائيًا،‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬اجمال‭ ‬ودلالب‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬فريد‭ ‬الأطرش،‭ ‬وليلى‭ ‬فوزي،‭ ‬وببا‭ ‬عزالدين،‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬مشوق،‭ ‬حوى‭ ‬6‭ ‬أغان‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬أحمد‭ ‬رامي،‭ ‬وبديع‭ ‬خيري،‭ ‬ومأمون‭ ‬الشناوي،‭ ‬وبيرم‭ ‬التونسي‭. ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬روستي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كونه‭ ‬أحد‭ ‬روّاد‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬أحد‭ ‬رواد‭ ‬الفيلم‭ ‬الغنائي‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬فأكثر‭ ‬الأفلام‭ ‬السينمائية‭ ‬التي‭ ‬أخرجها‭ ‬تضمنت‭ ‬عديدًا‭ ‬من‭ ‬الأغاني،‭ ‬وحين‭ ‬كانت‭ ‬بطلة‭ ‬أحد‭ ‬الأفلام‭ ‬عزيزة‭ ‬أمير‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬مطربة،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬يوظّف‭ ‬صوت‭ ‬المطربة‭ ‬شهرزاد‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬أغان‭ ‬بطريقة‭ ‬الدوبلاج،‭ ‬نظرًا‭ ‬لحاجة‭ ‬البناء‭ ‬الدرامي‭ ‬لذلك‭. 

  ‬تحتفظ‭ ‬الذاكرة‭ ‬السينمائية‭ ‬والتاريخ‭ ‬الفني‭ ‬بالكثير‭ ‬لهذا‭ ‬الفنان‭ ‬المبدع‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬مع‭ ‬كوكبة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬يوسف‭ ‬وهبي،‭ ‬وأحمد‭ ‬جلال،‭ ‬ومحمد‭ ‬بيومي،‭ ‬وفيكتور‭ ‬روستيو،‭ ‬ومحمد‭ ‬كريم،‭ ‬وعزيزة‭ ‬أمير،‭ ‬وإبراهيم‭ ‬لاما،‭ ‬وتوجو‭ ‬مزراحي،‭ ‬وغيرهم‭ ‬ممن‭ ‬أسسوا‭ ‬وأثروا‭ ‬وعبّدوا‭ ‬الطريق‭ ‬للقادمين‭ ‬بعدهم،‭ ‬بوضع‭ ‬الإرهاصات‭ ‬الأولى‭ ‬لسينما‭ ‬مصرية‭ ‬لها‭ ‬تميّزها‭. ‬

  ‬واستيفان‭ ‬روستي‭ ‬له‭ ‬خصوصية‭ ‬فريدة،‭ ‬لأنه‭ ‬أخرج‭ ‬أفلامًا‭ ‬مهّدت‭ ‬لظهور‭ ‬سينما‭ ‬مصرية‭ ‬لها‭ ‬شخصيتها‭ ‬الفنية‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬عادات‭ ‬المجتمع،‭ ‬ثم‭ ‬انصرف‭ ‬يمتعنا‭ ‬بأدائه‭ ‬الراقي‭ ‬حتى‭ ‬رحيله‭ ‬عام‭ ‬1964،‭ ‬فلا‭ ‬يُنسى‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬أنقذ‭ ‬فيلم‭ ‬ليلى،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬ثاني‭ ‬الأفلام‭ ‬الروائية‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬السينما،‭ ‬بعد‭ ‬فيلم‭ ‬افي‭ ‬بلاد‭ ‬توت‭ ‬عنخ‭ ‬آمونب،‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬فيكتور‭ ‬روسيتو،‭ ‬والذي‭ ‬عرض‭ ‬عام‭ ‬1924،‭ ‬أما‭ ‬فيلم‭ ‬اقبلة‭ ‬في‭ ‬الصحراءب،‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬إبراهيم‭ ‬لاما،‭ ‬فهو‭ ‬ثالث‭ ‬الأفلام‭ ‬المصرية،‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬عرضه‭ ‬عام‭ ‬1928‭. ‬

  ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1931‭ ‬لم‭ ‬تنتج‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬سوى‭ ‬فيلمين‭ ‬اثنين‭ ‬فقط،‭ ‬أحدهما‭ ‬اصاحب‭ ‬السعادة‭ ‬كشكش‭ ‬بيهب‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬روستي،‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬روستي‭ ‬السيناريو‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬أخرجها،‭ ‬كما‭ ‬أدخل‭ ‬الأغنية‭ ‬الدرامية‭ ‬ووظّفها‭ ‬في‭ ‬نسيج‭ ‬الفيلم،‭ ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬رؤيته‭ ‬الإخراجية‭ ‬للكوميديا‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬العباءة‭ ‬التي‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬فناني‭ ‬الكوميديا‭ ‬اللاحقين‭ ‬عليه،‭ ‬حيث‭ ‬أسس‭ ‬الآخرون‭ ‬اتجاهاتهم‭ ‬للكوميديا‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الإرهاصات‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬روستي‭ ‬الفنان‭ ‬المميز‭ ‬إخراجًا‭ ‬وأداءً،‭ ‬ولم‭ ‬نعطه‭ ‬حقه‭ ‬بعد‭ ‬كمخرج‭ ‬مميز‭ ‬ورائد‭ ‬حقيقي‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬والمؤسس‭ ‬الأول‭ ‬للسينما‭ ‬الكوميدية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وأحد‭ ‬رواد‭ ‬الفيلم‭ ‬الغنائي‭ ■