محمد الفيتوري... «عنترةُ القرن العشرين»

محمد الفيتوري... «عنترةُ القرن العشرين»

رحل‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬الشاعر‭ ‬الأفروعربي‭ ‬محمد‭ ‬مفتاح‭ ‬الفيتوري،‭ ‬وخلَّف‭ ‬رحيله‭ ‬خسارة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬والإفريقي،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أحدث‭ ‬ظهوره‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ستة‭ ‬عقود‭ ‬ضجّة‭ ‬كبرى،‭ ‬لتبنيه‭ ‬حروفًا‭ ‬وأساليب‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الشعر،‭ ‬ذات‭ ‬أفكار‭ ‬جريئة،‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬ذاته‭ ‬المبدعة‭ ‬المتمردة،‭ ‬ومعاناتها‭ ‬الحقيقية،‭ ‬ومن‭ ‬الواقع‭ ‬ومشكلات‭ ‬الحياة‭ ‬والأحياء،‭ ‬وكشاعر‭ ‬مثير‭ ‬للجدل‭ ‬آتٍ‭ ‬بالذي‭ ‬لم‭ ‬يقوَ‭ ‬عليه‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬زمانه،‭ ‬صنع‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬مغامرة‭ ‬حمّلته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جنسية،‭ ‬وساقته‭ ‬إلى‭ ‬أجناس‭ ‬أدبية‭ ‬عدّة،‭ ‬وبقي‭ ‬في‭ ‬مصافّ‭ ‬عمالقة‭ ‬الشعر‭ ‬بالمنطقتين‭ ‬العربية‭ ‬والإفريقية،‭ ‬لا‭ ‬يسقط‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬مثقوبة‭.‬

 

أطلّ‭ ‬الفيتوري‭ ‬على‭ ‬الدنيا‭ ‬في‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬إفريقيا‭ (‬السودان‭)‬،‭ ‬وخرج‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬الرابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬2015،‭ ‬دون‭ ‬رجعة‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الشمالي‭ ‬الغربي‭ ‬للقارة‭ ‬عند‭ ‬بوابة‭ ‬الأطلسي‭ (‬المغرب‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬شُيّع‭ ‬ووري‭ ‬ثراه‭.‬

وما‭ ‬بين‭ ‬الإطلالة‭ ‬والغياب‭ ‬الأبدي‭ ‬ما‭ ‬جاوز‭ ‬الـ8‭ ‬عقود،‭ ‬جرت‭ ‬خلالها‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬أنهُر‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬والتوتّر‭ ‬والأحاسيس‭ ‬المريرة‭ ‬والرفض،‭ ‬والاحتجاج،‭ ‬والقصائد‭ ‬الواعية‭ ‬المليئة‭ ‬بالفكرة‭ ‬وأصل‭ ‬القضية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تخلّلت‭ ‬مسيرته‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬قلب‭ ‬القارة‭ ‬وطرفها‭ ‬الشمالي‭ ‬الغربي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬المثيرة‭ ‬المتقلبة‭ ‬الأطوار،‭ ‬والمليئة‭ ‬بالمغامرات‭ ‬والترحال‭ ‬والغربة‭ ‬التي‭ ‬لامست‭ ‬قلبه‭ ‬وفجّرت‭ ‬ينابيعه‭ ‬الأدبية‭ ‬والجمالية،‭ ‬لتؤكد‭ ‬أن‭ ‬الشاعر‭ ‬الأفروعربي‭ ‬الأول،‭ ‬رسم‭ ‬طريقه‭ ‬نحو‭ ‬الخلود،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬امثلي‭ ‬أنا‭ ‬ليس‭ ‬يسكن‭ ‬قبرًاب،‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬االشعراء‭ ‬لا‭ ‬يموتونب‭.‬

 

النهر‭ ‬الظامي

الواقع‭ ‬أن‭ ‬الفيتوري‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬مدينة‭ ‬الجنينة‭ ‬بغرب‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬1930‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬ليبي‭ ‬الأصل‭ ‬يدعى‭ ‬مفتاح‭ ‬رجب‭ ‬الفيتوري،‭ ‬نزح‭ ‬إلى‭ ‬دارفور‭ ‬عند‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإيطالي‭ ‬لليبيا‭ ‬1911،‭ ‬وأم‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬يعقوب‭ ‬بن‭ ‬الشريف‭ ‬الجهمي،‭ ‬وجدّة‭ ‬جارية‭ ‬سودانية‭ (‬زهرة‭) ‬من‭ ‬قبيلة‭ ‬القرعان،‭ ‬وما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬ارتحلت‭ ‬الأسرة‭ ‬بوليدها‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬فعاش‭ ‬فيها‭ ‬بواكير‭ ‬طفولته،‭ ‬ودرس‭ ‬الكُتّاب‭ ‬في‭ ‬معهدها‭ ‬الديني‭ ‬حتى‭ ‬حفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬التاسعة‭ ‬من‭ ‬عمره‭.‬

كانت‭ ‬الإسكندرية‭ ‬وقتذاك‭ ‬مدينة‭ ‬الطبقة‭ ‬الأرستقراطية،‭ ‬تعجّ‭ ‬بالأجانب‭ ‬البيض،‭ ‬وكان‭ ‬الصغير‭ ‬ومَن‭ ‬على‭ ‬شاكلته‭ ‬أقلية،‭ ‬مما‭ ‬جعلهم‭ ‬رهيني‭ ‬أعين‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسكندراني،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬عيناه‭ ‬تنظران‭ ‬بتوجّس‭ ‬وقلق‭ ‬مقرونين‭ ‬بإحساس‭ ‬مرعب‭ ‬بأن‭ ‬في‭ ‬لونه‭ ‬ما‭ ‬يستوفي‭ ‬المعاناة‭ (‬عقدة‭ ‬اللون‭) ‬ادائمًا‭ ‬تحاصرني‭ ‬عيونهم،‭ ‬ضحكاتهم،‭ ‬تنتابني‭ ‬حيثما‭ ‬أسيرب‭. ‬

كنت‭ ‬أمشي‭ ‬متخماً‭ ‬بالردى

كدودة‭ ‬تزحف‭ ‬بين‭ ‬القبور

   

ظل‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬بداياته‭ ‬يغالب‭ ‬محنته‭ ‬بالركون‭ ‬إلى‭ ‬القراءة‭ ‬مستفيدًا‭ ‬من‭ ‬مكتبة‭ ‬والده‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ذا‭ ‬نزوع‭ ‬صوفي،‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬السجادة‭ ‬الشاذلية‭ ‬بالإسكندرية،‭ ‬فقرأ‭ ‬بإعجاب‭ ‬للشعراء‭ ‬السود‭ ‬أمثال‭ ‬السليك‭ ‬بن‭ ‬السلكة،‭ ‬والنوبي‭ ‬سحيم‭ ‬عبد‭ ‬بني‭ ‬الحسحاس،‭ ‬والمصري‭ ‬إمام‭ ‬العبد،‭ ‬بجانب‭ ‬عشقه‭ ‬لأبي‭ ‬الطيب‭ ‬المتنبي،‭ ‬واحتفائه‭ ‬بعنترة‭ ‬بن‭ ‬شداد‭ ‬واقتفائه‭ ‬أثره،‭ ‬منشغلًا‭ ‬أيضًا‭ ‬بالكتابة‭ ‬الجادة‭ ‬للصحف‭ ‬والمجلات،‭ ‬وفي‭ ‬باله‭:‬

فقير‭ ‬أجل‭.. ‬ودميم‭ ‬دميم

بلون‭ ‬الشتاء٬‭ ‬بلون‭ ‬الغيوم

يسير‭ ‬فتسخر‭ ‬منه‭ ‬الوجوه

وتسخر‭ ‬حتى‭ ‬وجوه‭ ‬الهموم‭ ‬

   

ولما‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬الثانوية‭ ‬بالإسكندرية،‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يفصح‭ ‬عن‭ ‬معاناته‭ ‬الذاتية‭ ‬بلغة‭ ‬وأساليب‭ ‬تعكس‭ ‬صدق‭ ‬وأصداء‭ ‬تجربته،‭ ‬فكانت‭ ‬قصيدته‭ ‬اإلى‭ ‬وجه‭ ‬أبيضب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬أولى‭ ‬تجاربه‭ ‬الشعرية‭:‬

ألأنّ‭ ‬وجهيَ‭ ‬أسودٌ

ولأنّ‭ ‬وجهك‭ ‬أبيض‭.. ‬سميتني‭ ‬عبداً‭..‬

ووطئت‭ ‬إنسانيتي‭.. ‬وحقرت‭ ‬روحانيتي

فصنعت‭ ‬لي‭ ‬قيدا

     

‭ ‬ثم‭ ‬مضت‭ ‬مأساته‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬التبرعُم‭ ‬تضطرم‭ ‬نيرانها‭ ‬في‭ ‬الدواخل،‭ ‬ولشفافيته‭ ‬ورهافة‭ ‬حسّه‭ ‬وشعوره‭ ‬بأنه‭ ‬أسود‭ ‬دميم،‭ ‬أطلّ‭ ‬التشاؤم‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬قصائده‭ ‬التي‭ ‬أذاب‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمزّقه‭ ‬نفسيًا،‭ ‬حتى‭ ‬غدت‭ ‬منجاة‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬حبائل‭ ‬اليأس،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬االنهر‭ ‬الظامئب‭:‬

لم‭ ‬تشقني‭ ‬دمامتي‭ ‬في‭ ‬الورى

لم‭ ‬تشقني‭.. ‬إلا‭ ‬حساسيتي

أدعوك‭ ‬لا‭ ‬تشقي‭ ‬بها‭ ‬كائنًا‭ ‬بعدي

فهذه‭ ‬النار‭ ‬من‭ ‬قسمتي

رضيت‭ ‬أن‭ ‬أفنى‭ ‬على‭ ‬وهجها

لكي‭ ‬يعيش‭ ‬الفنّ‭ ‬في‭ ‬مهجتي‭!‬

 

بين‭ ‬الفيتوري‭ ‬وعنترة

شأن‭ ‬الفيتوري‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعاناة‭ ‬شأن‭ ‬عنترة‭ ‬بن‭ ‬شداد‭ ‬العبسي‭ (‬525‭ ‬م‭ - ‬608‭ ‬م‭) ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬صلب‭ ‬جارية‭ ‬حبشية‭ ‬وذاق‭ ‬مرارة‭ ‬سواده‭ ‬وإحساسه‭ ‬بالعبودية،‭ ‬فأرسل‭ ‬رسالته‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عشر‭ ‬قرنًا‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭:‬

لئن‭ ‬أكُ‭ ‬أسوداً‭ ‬فالمِسكُ‭ ‬لوني

ومَا‭ ‬لِسوادِ‭ ‬جِلــــدي‭ ‬منْ‭ ‬دواء

وَلَكِنْ‭ ‬تَبْعُــــدُ‭ ‬الفَحْشاءُ‭ ‬عَني‭       

كَبُعْدِ‭ ‬الأَرْضِ‭ ‬عَنْ‭ ‬جوِّ‭ ‬السَّماء

وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬لما‭ ‬عيّره‭ ‬أبناءُ‭ ‬قومه‭ ‬بلونه‭ ‬الفاحم،‭ ‬فاحتج‭ ‬عليهم‭ ‬معتدًّا‭ ‬بسواد‭ ‬بشرته‭ ‬وشجاعته‭ ‬وفروسيته‭ ‬وشعره،‭ ‬ومرسلًا‭ ‬قوله‭:‬

لئنْ‭ ‬يعيبوا‭ ‬سوادي‭ ‬فهوَ‭ ‬لـي‭ ‬نسـبٌ‭ ‬

يَوْمَ‭ ‬النِّزَالِ‭ ‬إذا‭ ‬مَـا‭ ‬فاتني‭ ‬النَسـبُ

 

والقارئ‭ ‬لقصائد‭ ‬الشاعرين‭ ‬يجد‭ ‬أنّ‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬بحياتهما‭ ‬وآرائهما‭ ‬الجريئة،‭ ‬كما‭ ‬يلاحظ‭ ‬ثمّة‭ ‬تشابُه‭ ‬في‭ ‬شخصيتيهما،‭ ‬بعضه‭ ‬قدَري،‭ ‬وبعضه‭ ‬الآخر‭ ‬لعبت‭ ‬فيه‭ ‬الظروف‭ ‬دورًا‭ ‬بارزًا‭. ‬فمن‭ ‬حكم‭ ‬الأقدار‭ ‬أنّ‭ ‬كليهما‭ ‬أسود‭ ‬اللون‭ ‬ينتسب‭ ‬إلى‭ ‬جارية،‭ ‬ومن‭ ‬أبوين‭ ‬مختلفي‭ ‬الأصل‭ ‬والمنبت،‭ ‬وكلاهما‭ ‬ذو‭ ‬لسان‭ ‬عربي‭ ‬فصيح،‭ ‬وساقته‭ ‬الأقدار‭ ‬إلى‭ ‬حلبة‭ ‬الشعر،‭ ‬وتوفّيا‭ ‬في‭ ‬عمرين‭ ‬متقاربين‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬فروقاته‭ ‬أصابع‭ ‬اليدين،‭ ‬أمّا‭ ‬ما‭ ‬دفعت‭ ‬به‭ ‬الظروف‭ ‬فقد‭ ‬وقع‭ ‬الشاعران‭ ‬في‭ ‬فخّ‭ ‬العبودية،‭ ‬وساورهما‭ ‬إحساس‭ ‬داخلي‭ ‬عنيف‭ (‬عقدة‭ ‬اللون‭) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النظرات‭ ‬والهمهمات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تطاردهما‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتهما،‭ ‬وكلاهما‭ ‬عاش‭ ‬حالات‭ ‬تمزّق‭ ‬باكرة،‭ ‬ومسّ‭ ‬بشعره‭ ‬ملامحه‭ ‬الذاتية‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وطفق‭ ‬ينشد‭ ‬الحرية‭ ‬معتدًا‭ ‬بلونه،‭ ‬ولم‭ ‬يستنكف‭ ‬في‭ ‬نقلها‭ ‬للعامة‭ ‬بصدق‭ ‬وجهارة‭ ‬ولسان‭ ‬فصيح،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬الفيتوري‭ ‬يرسل‭ ‬أيضًا‭ ‬رسالته‭ ‬بجرأة‭ ‬واعتداد‭ ‬بالنفس‭:‬

قُلها‭ ‬لا‭ ‬تجبُن‭.. ‬لا‭ ‬تجبن‭!‬

قلها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬البشرية‭..‬

أنا‭ ‬زنجي‭.. ‬وأبي‭ ‬زنجي‭ ‬الجدّ

وأمي‭ ‬زنجية

أنا‭ ‬أسود‭..  ‬أسود‭ ‬لكنّي‭ ‬حر‭..‬

أمتلك‭ ‬الحريَّة

 

وبما‭ ‬لدى‭ ‬الشاعرين‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬إبداعية‭ ‬باهرة،‭ ‬فقد‭ ‬استطاع‭ ‬كلاهما‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬زمانه‭ ‬وما‭ ‬يليه‭ ‬من‭ ‬أزمان،‭ ‬وأن‭ ‬يصبح‭ ‬صوتاهما‭ ‬صوتًا‭ ‬جوهريًا‭ ‬في‭ ‬المناداة‭ ‬بقضايا‭ ‬التمييز‭ ‬اللوني‭.‬

كما‭ ‬استطاع‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬بشاعريته‭ ‬المتوهجة‭ ‬أن‭ ‬يستمد‭ ‬من‭ ‬سواد‭ ‬لونه‭ ‬مادة‭ ‬فنّه،‭ ‬وأن‭ ‬يحيل‭ ‬مأساته‭ ‬إلى‭ ‬صور‭ ‬فنيّة‭ ‬وجمالية‭ ‬مثيرة،‭ ‬ليضع‭ ‬بصمة‭ ‬واضحة‭ ‬للشعراء‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬عنترة‭ ‬بمعلقته‭ ‬الشهيرة‭.. ‬اأمن‭ ‬أم‭ ‬أوفىب،‭ ‬والفيتوري‭ ‬بدواوينه‭ ‬الإفريقانية‭ ‬الأربعة،‭ ‬فحازا‭ ‬الدور‭ ‬الريادي‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬عصره‭.‬

 

حضور‭ ‬قويّ

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬عنترة‭ ‬فارسًا‭ ‬معتزًا‭ ‬بخيله‭ ‬وسيفه،‭ ‬وتغنّى‭ ‬بهما‭ ‬في‭ ‬شعره،‭ ‬كان‭ ‬أيضًا‭ ‬لهذين‭ ‬العنصرين‭ ‬هوى‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الفيتوري،‭ ‬ولهما‭ ‬حضور‭ ‬قويّ‭ ‬ومقدّر‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬قصائده،‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬العصور‭ ‬التي‭ ‬عاش‭ ‬فيها‭ ‬كلاهما،‭ ‬مثل‭ ‬اخيول‭ ‬الغزاةب‭... ‬واأمتطي‭ ‬ظهر‭ ‬جواديب،‭ ‬اوحمائل‭ ‬سيفي‭/ ‬وسرج‭ ‬جواديب‭... ‬حوافر‭ ‬الخيلب،‭ ‬واالخيول‭ ‬المتعبةب،‭ ‬وهكذا‭.. ‬كما‭ ‬ذُكِر‭ ‬السيف‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬قصائده‭ ‬اكان‭ ‬السيف‭ ‬مدفونًاب،‭ ‬الامس‭ ‬بالسيفب،‭ ‬وايا‭ ‬سيف‭ ‬بلاديب‭... ‬وإلخ‭.‬

 

أوتار‭ ‬الزنوجة

في‭ ‬بداية‭ ‬الخمسينيات‭ ‬انتقل‭ ‬الفيتوري‭ ‬متوكئًا‭ ‬على‭ ‬مأساته،‭ ‬حاملًا‭ ‬أثقاله‭ ‬النفسية‭ ‬والتاريخية‭ ‬والوراثية،‭ ‬ومصطحبًا‭ ‬قصائد‭ ‬البدايات‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬ليواصل‭ ‬تعليمه‭ ‬فيها،‭ ‬بروح‭ ‬شاعرية‭ ‬ممزقة،‭ ‬فالتحق‭ ‬بالمعهد‭ ‬الثانوي‭ ‬في‭ ‬الأزهر‭ ‬ونال‭ ‬شهادته،‭ ‬ثم‭ ‬التحق‭ ‬بكلية‭ ‬دار‭ ‬العلوم‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1953م‭.‬

وفي‭ ‬القاهرة‭ ‬عمد‭ ‬إلى‭ ‬مكتباتها‭ ‬ينهل‭ ‬من‭ ‬معارفها‭ ‬الأدبية‭ ‬والثقافية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬موزعًا‭ ‬أوقاته‭ ‬بين‭ ‬الندوات‭ ‬الأدبية‭ ‬والشعرية‭ ‬والفكرية‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬الثقافية‭ ‬والمقاهي،‭ ‬وشاقًّا‭ ‬طريقه‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأدبي‭ ‬والفني‭ ‬بلباقة‭ ‬ودراية،‭ ‬ولم‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬يكتب‭ ‬للصحف‭ ‬المصرية،‭ ‬ما‭ ‬صرفه‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬عن‭ ‬دراسته‭ ‬ليمارس‭ ‬عمله‭ ‬فيها‭ ‬بنحو‭ ‬حرفي‭.‬

كما‭ ‬ارتبط‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬ببعض‭ ‬السودانيين‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الواقعية‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬أمثال‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬فارس،‭ ‬وتاج‭ ‬السّر‭ ‬الحسن،‭ ‬وجيلي‭ ‬عبدالرحمن،‭ ‬وجعفر‭ ‬محمد‭ ‬عثمان‭ ‬وآخرين،‭ ‬وانخرطوا‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬والأدبي‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬آنذاك،‭ ‬منشغلين‭ ‬بقضايا‭ ‬النضال‭ ‬والتحرر‭ ‬التي‭ ‬تمرّ‭ ‬بها‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬استطاع‭ ‬شاعرنا‭ ‬أن‭ ‬يُسقِط‭ ‬مأساته‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬منذ‭ ‬اليفاعة‭ ‬على‭ ‬شعوب‭ ‬قارّة‭ ‬بحالها،‭ ‬لاهتمامه‭ ‬مع‭ ‬رفقائه‭ ‬بالأدب‭ ‬الإفريقي،‭ ‬وعزفهم‭ ‬على‭ ‬أوتار‭ ‬الزنوجة،‭ ‬وتغنيهم‭ ‬بإفريقيا،‭ ‬وكانت‭ ‬حروفه‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬الملتاعة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أشد‭ ‬حدّة‭ ‬وإثارة‭ ‬وخطفًا‭ ‬للأسماع،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬بـ‭ ‬االبعث‭ ‬الإفريقيب‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬1953م‭.‬

إفريقيا‭.. ‬إفريقيا‭ ‬استيقظي‭..‬

استيقظي‭ ‬من‭ ‬حُلمك‭ ‬الأسودِ

قد‭ ‬طالما‭ ‬نمْتِ‭.. ‬ألم‭ ‬تَسْأمي؟

ألم‭ ‬تملِّي‭ ‬قدَمَ‭ ‬السيّد؟

 

أحدث‭ ‬الطرح‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الغناء‭ ‬الإفريقي‭ ‬الخالص‭ ‬دويًّا‭ ‬هائلًا‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬العربية،‭ ‬وكان‭ ‬محتواه‭ ‬الفني‭ ‬العميق‭ ‬وطابعه‭ ‬التجديدي‭ ‬الفريد‭ ‬محطّ‭ ‬اهتمام‭ ‬كبار‭ ‬الشعراء‭ ‬والنقاد،‭ ‬ما‭ ‬لفت‭ ‬الأنظار‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الاستغراب‭ ‬إلى‭ ‬أولئك‭ ‬المبدعين‭ ‬الجدد‭ ‬الذين‭ ‬تتفوق‭ ‬شاعريتهم‭ ‬على‭ ‬سنّهم،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬الفيتوري‭ ‬أصابه‭ ‬نصيب‭ ‬وافر‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬من‭ ‬أساطين‭ ‬الأدب‭ ‬والنقد‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬أمثال‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬النويهي،‭ ‬والناقد‭ ‬المعروف‭ ‬محمود‭ ‬أمين‭ ‬العالم،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬الشعري‭ ‬سبقه‭ ‬إليه‭ ‬بعض‭ ‬شعراء‭ ‬القارة،‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬بزّهم‭ ‬بفصاحة‭ ‬شعره‭ ‬وغزارته‭ ‬وامتلائه‭ ‬بالحدة‭ ‬والصراخ‭ ‬والثورة‭ ‬وروح‭ ‬التمرد‭ ‬والشكوى،‭ ‬نلمسها‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬الأول‭ ‬اأغاني‭ ‬إفريقياب‭.‬

 

أنموذج‭ ‬حقيقي

ومع‭ ‬هذا‭ ‬وجد‭ ‬من‭ ‬ينهض‭ ‬بجانبه‭ ‬ضد‭ ‬السيل‭ ‬الهادر‭ ‬من‭ ‬النقد،‭ ‬ويبشر‭ ‬به‭ ‬وبمستقبله،‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬يصرخ‭ ‬معذبًا‭ ‬بإفريقيا‭ ‬وإنسانها‭ ‬بنحو‭ ‬لافت،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬قصائد‭ ‬الفيتوري‭ ‬أنموذجًا‭ ‬حقيقيًّا‭ ‬وكافيًا‭ ‬لإحياء‭ ‬إرث‭ ‬عنترة‭ ‬في‭ ‬التغني‭ ‬بلون‭ ‬الإنسان‭ ‬الأسود‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬مما‭ ‬مكّنه‭ ‬من‭ ‬النفاذ‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬عذابات‭ ‬السود‭ ‬المعاصرين،‭ ‬وتضمينها‭ ‬في‭ ‬دواوينه‭ ‬الشعرية‭ ‬اأغاني‭ ‬إفريقياب‭ (‬1955‭)‬،‭ ‬اعاشق‭ ‬من‭ ‬إفريقياب‭ (‬1964‭)‬،‭ ‬ااذكريني‭ ‬يا‭ ‬إفريقياب‭ (‬1965‭)‬،‭ ‬واأحزان‭ ‬إفريقياىب‭ (‬1966‭).‬

 

بين‭ ‬الأغاني‭ ‬والأحزان

لكن‭ ‬لم‭ ‬تبقَ‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه،‭ ‬إذ‭ ‬تجددت‭ ‬الأحداث‭ ‬بين‭ ‬اأغاني‭ ‬وأحزانب‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء،‭ ‬بظهور‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬والنضال‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وطغيان‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والعدوان‭ ‬الثلاثي‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فألقت‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬شاعريته،‭ ‬حيث‭ ‬ثارت‭ ‬ثائرته،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬قصائد‭ ‬مرتبطة‭ ‬بتلك‭ ‬الأحداث،‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬زار‭ ‬السودان‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بمناسبة‭ ‬إعلان‭ ‬استقلاله‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬1956م،‭ ‬وكتب‭ ‬اأغنية‭ ‬إلى‭ ‬السودانب،‭ ‬ولعلّ‭ ‬تلك‭ ‬الزيارة‭ ‬أحدثت‭ ‬تحوّلًا‭ ‬وأثرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬ومهمًا‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬المضطربة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬نفسية،‭ ‬وسياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬أهلها‭ ‬سُمر‭ ‬وسُود‭ ‬الوجوه،‭ ‬كما‭ ‬أفادته‭ ‬في‭ ‬إغناء‭ ‬مشواره‭ ‬الأدبي‭ ‬مثلما‭ ‬أفادت‭ ‬حركة‭ ‬الأدب‭ ‬في‭ ‬السودان‭.‬

ويلمس‭ ‬القارئ‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬عندما‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬الفيتوري‭ ‬رجع‭ ‬إلى‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬1958م،‭ ‬وعمل‭ ‬سكرتيرًا‭ ‬للتحرير‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬السودانية،‭ ‬وفي‭ ‬عهد‭ ‬حكومة‭ ‬الفريق‭ ‬عبود،‭ ‬تمّ‭ ‬تعيينه‭ ‬رئيسًا‭ ‬لتحرير‭ ‬مجلة‭ ‬اهُنا‭ ‬أم‭ ‬درمانب،‭ ‬وما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬انشغل‭ ‬بالصحافة‭  ‬والسياسة‭ ‬والمجالس‭ ‬الأدبية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وأبدى‭ ‬الناس‭ ‬حوله‭ ‬اهتمامًا‭ ‬متعاظمًا،‭ ‬فانطبعت‭ ‬في‭ ‬روحه‭ ‬انطباعات‭ ‬جديدة‭ ‬طغت‭ ‬على‭ ‬غيرها،‭ ‬وهدأت‭ ‬ثورته،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬متحمسًا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أعوام‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬شعره‭ ‬الجديد،‭ ‬حتى‭ ‬تحدّثت‭ ‬المجالس‭ ‬بأنه‭ ‬استوفي‭ ‬ضجيجه،‭ ‬وما‭ ‬عاد‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬قول‭ ‬الشعر،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬ردّ‭ ‬بقصيدة‭ :‬

لم‭ ‬تمت‭ ‬فيَّ‭ ‬أغاني،‭ ‬فما‭ ‬زلتُ‭ ‬أغنّي

لك‭ ‬يا‭ ‬أرض‭ ‬انفعالاتي،‭ ‬وحزني‭ ‬

للملايين‭ ‬التي‭ ‬تنقش‭ ‬في‭ ‬الصخر،‭ ‬وتبني

والتي‭ ‬تعرف‭ ‬أني‭..‬

أنا‭ ‬منها‭.. ‬وهيَ‭ ‬منّي

 

إثر‭ ‬عودة‭ ‬الفيتوري‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬الشعر‭ ‬بروح‭ ‬جديدة،‭ ‬انصرف‭ ‬بأحاسيسه‭ ‬واتّجه‭ ‬يكتب‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬العربية‭ ‬شمال‭ ‬القارة‭ ‬وفي‭ ‬السودان،‭ ‬محدثًا‭ ‬تحوّلًا‭ ‬حقيقيًّا‭ ‬في‭ ‬صوته‭ ‬الشعري‭ ‬ونغمته‭ ‬وإيقاعه‭ ‬المولع‭ ‬بروح‭ ‬الإفريقانية‭ ‬أو‭ ‬الزنوجة،‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬ممتلئ‭ ‬بالعاطفة،‭ ‬وممتزج‭ ‬بروح‭ ‬الجماهير‭ ‬المتطلعة‭ ‬إلى‭ ‬الثورة‭ ‬والحرية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أملت‭ ‬عليه‭ ‬شاعريته‭ ‬الخصبة،‭ ‬وفوران‭ ‬الشباب‭ ‬وتحديات‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬الملحّ،‭ ‬والبيئة‭ ‬الشعرية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬احتضنته‭ ‬مع‭ ‬كبار‭ ‬الشعراء‭ ‬والأدباء‭ ‬العرب،‭ ‬الانعتاق‭ ‬من‭ ‬عُقدته‭ ‬الصارخة،‭ ‬والانطلاق‭ ‬إلى‭ ‬موضوعات‭ ‬جديدة‭ ‬لخدمة‭ ‬قضايا‭ ‬الإنسان‭ ‬والتحديات‭ ‬الماثلة‭.‬

 

الشاعر‭ ‬الأفروعربي‭ ‬الأول

ويلاحظ‭ ‬القارئ‭ ‬لديواني‭ ‬اعاشق‭ ‬من‭ ‬إفريقيا،‭ ‬واذكريني‭ ‬يا‭ ‬إفريقياب‭ ‬أنهما‭ ‬اشتملا‭ ‬على‭ ‬قصائد‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬المنحى،‭ ‬مما‭ ‬يومئ‭ ‬بأن‭ ‬الفيتوري‭ ‬أخذ‭ ‬يتحرر‭ ‬رويدًا‭ ‬رويدًا‭ ‬من‭ ‬نزعاته‭ ‬المفرطة‭ ‬التي‭ ‬لازمته‭ ‬في‭ ‬الصغر،‭ ‬ليتواءم‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬فيه‭.‬

وبالنهج‭ ‬الذي‭ ‬اختطه‭ ‬لنفسه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬رهينًا‭ ‬لأسلوبه‭ ‬الشعري‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬بـ‭ ‬اأحزان‭ ‬إفريقياب،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬عُرِف‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬بأنه‭ ‬الشاعر‭ ‬الأفروعربي‭ ‬الأول،‭ ‬وغدت‭ ‬العيون‭ ‬التي‭ ‬ترمقه‭ ‬باستغراب‭ ‬تنظر‭ ‬إليه‭ ‬بدهشة‭ ‬وانبهار،‭ ‬مما‭ ‬يدلّل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الساحر‭ ‬يمتلك‭ ‬حرفًا‭ ‬سحريًّا،‭ ‬وهو‭ ‬رهين‭ ‬قدره،‭ ‬وصوت‭ ‬زمانه‭.‬

لو‭ ‬ركضتُ‭ ‬عاريًا‭ ‬فهذا‭ ‬قدَري

ولو‭ ‬مشيتُ‭ ‬فوق‭ ‬جسرٍ‭ ‬من‭ ‬خطاياي‭ 

فهذا‭ ‬قدَري

صوتي‭ ‬صوت‭ ‬زمني

وجهي‭ ‬وجه‭ ‬قدري

فلا‭ ‬عجبْ‭..‬

ولدتُ‭ ‬فوق‭ ‬عتبات‭ ‬الصمت‭ ‬والغضب

 

آفاق‭ ‬إنسانية

بنضوج‭ ‬التجربة‭ ‬والوعي‭ ‬بدأت‭ ‬مراحل‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الفيتوري،‭ ‬إذ‭ ‬تنقّل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العواصم‭ ‬والمدن‭ ‬في‭ ‬العالم‭ - ‬تناول‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬قصائده‭ - ‬وفقًا‭ ‬لتعدّد‭ ‬مواقفه‭ ‬ووظائفه‭ ‬في‭ ‬السلك‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬منفتحًا‭ ‬على‭ ‬عوالم‭ ‬فسيحة،‭ ‬وآفاق‭ ‬إنسانية‭ ‬رحبة،‭ ‬وأصبح‭ ‬شاعرًا‭ ‬مزودًا‭ ‬بإحساس‭ ‬جديد،‭ ‬وذا‭ ‬فكر‭ ‬يطل‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الثقافات‭ ‬الحديثة‭ ‬المتميزة‭ ‬بالأصالة‭ ‬والإبداع‭ ‬والتحرر،‭ ‬فتطور‭ ‬ذوقه،‭ ‬وتغيرت‭ ‬قسمات‭ ‬حرفه،‭ ‬واستوعبت‭ ‬تجاربه‭ ‬معظم‭ ‬تداعيات‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬العالمين‭ ‬الإفريقي‭ ‬والعربي‭. ‬وبما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬ذكاء‭ ‬وقّاد‭ ‬عرف‭ ‬كيف‭ ‬يحوّل‭ ‬آلام‭ ‬الناس‭ ‬ومعاناتها،‭ ‬سواء‭ ‬بالتعبير‭ ‬المباشر‭ ‬أو‭ ‬بالرمز‭ ‬إلى‭ ‬فانتازيا‭ ‬باهرة،‭ ‬كمن‭ ‬فارق‭ ‬زنوجته،‭ ‬وطمر‭ ‬مأساته‭ ‬بلا‭ ‬أوبة،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬بعض‭ ‬قصائده‭ ‬بلغتها‭ ‬الرصينة،‭ ‬تدرّس‭ ‬ضمن‭ ‬المقررات‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬السودانية‭ ‬والمصرية‭.‬

أيها‭ ‬السائق‭.. ‬رفقًا‭ ‬بالخيول‭ ‬المتعــــــــبة

قف‭.. ‬فقد‭ ‬أدمى‭ ‬حديد‭ ‬السّرج‭ ‬لحمَ‭ ‬الرّقبة

 

ظل‭ ‬الفيتوري‭ ‬منغمسًا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬بصوفية‭ ‬عميقة،‭ ‬متحملًا‭ ‬تبعات‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يليق‭ ‬به‭ ‬كشاعر‭ ‬كبير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إثبات‭ ‬وجوده‭ ‬بين‭ ‬الورى،‭ ‬تبدّت‭ ‬في‭ ‬عرضه‭ ‬للواقع‭ ‬المأزوم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دواوينه‭ ‬اسقوط‭ ‬دبشليمب‭ (‬1968‭)‬،‭ ‬االبطل‭ ‬والثورة‭ ‬والمشنقةب‭ (‬1969‭)‬،‭ ‬امعزوفة‭ ‬درويش‭ ‬متجولب‭ (‬1969‭)‬،‭ ‬واأقوال‭ ‬شاهد‭ ‬إثباتب‭ (‬1973‭)‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تبدى‭ ‬المفهوم‭ ‬الصوفي‭ ‬الممزوج‭ ‬بالبعد‭ ‬السياسي‭ ‬بجلاء‭ ‬في‭ ‬اياقوت‭ ‬العرشب‭.‬

‭ ‬تاجُ‭ ‬السلطانِ‭ ‬الغاشمِ‭ ‬تفاحهْ

تتأرجح‭ ‬أعلى‭ ‬سارية‭ ‬الساحة

تاجُ‭ ‬الصوفي‭ ‬يُضيء

على‭ ‬سِجادة‭ ‬قَشْ

صدقني‭ ‬يا‭ ‬ياقوت‭ ‬العرشْ

أن‭ ‬الموتى‭ ‬ليسوا‭ ‬همْ‭.. ‬هاتيكَ‭ ‬الموتى

والراحة‭ ‬ليستْ‭.. ‬هاتيك‭ ‬الراحة

 

ولم‭ ‬تقف‭ ‬تجربة‭ ‬الفيتوري‭ ‬الإبداعية‭ ‬ببعديها‭ ‬السياسي‭ ‬والصوفي‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الستينيات‭ ‬على‭ ‬الشعر‭ ‬والكتابة‭ ‬الأدبية،‭ ‬إنّما‭ ‬نزع‭ ‬إلى‭ ‬كتابة‭ ‬المسرح‭ ‬بمعاونة‭ ‬شريكة‭ ‬حياته‭ ‬الممثلة‭ ‬المعروفة‭ ‬آسيا‭ ‬عبدالماجد،‭ ‬استمعت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬لقناة‭ ‬النيل‭ ‬الأزرق‭ ‬الفضائية‭ ‬يقول‭ ‬اكانت‭ ‬إضافة‭ ‬أخرى‭ ‬لشاعريتي،‭ ‬ولرؤاي‭ ‬الشعرية،‭ ‬حيث‭ ‬اتسعت‭ ‬آفاق‭ ‬التجربة‭ ‬من‭ ‬قصيدة،‭ ‬ومن‭ ‬ديوان‭ ‬شعر،‭ ‬إلى‭ ‬أفق‭ ‬مسرحي،‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬تتحرك‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬حقيقة‭ ‬هذا‭ ‬الفضل‭ ‬للسيدة‭ ‬آسياب،‭ ‬وكتب‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬مسرحيات‭ ‬شعرية‭ ‬اسولاراب‭ (‬1970‭)‬،‭ ‬واثورة‭ ‬عمر‭ ‬المختارب‭ (‬1973‭)‬،‭ ‬وأخرى‭ ‬نثرية‭ ‬ايوسف‭ ‬بن‭ ‬تاشفينب‭ (‬1997‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬تعرّض‭ ‬للصراع‭ ‬بين‭ ‬الشاعر‭ ‬المعاصر،‭ ‬والسلطة‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬االشاعر‭ ‬واللعبةب‭ (‬1997‭).‬

 

على‭ ‬خُطى‭ ‬المتنبي

عاش‭ ‬الفيتوري‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الشعراء‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الشعري‭ ‬العربي‭ ‬بالقرن‭ ‬العشرين،‭ ‬واعيًا‭ ‬بأزمة‭ ‬عصره،‭ ‬متخمًا‭ ‬بالأفكار،‭ ‬وقادرًا‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬اتجاهاته‭ ‬الشعرية،‭ ‬ولديه‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬قلوب‭ ‬الرؤساء‭ ‬والحكّام‭ ‬والساسة،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يكتمون‭ ‬إعجابهم‭ ‬بشاعريته،‭ ‬إلّا‭ ‬أنه‭ ‬كشاعر‭ ‬متقلّب‭ ‬المزاج،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستغربًا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬علاقته‭ ‬ببعضهم‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬علاقة‭ ‬المتنبي‭ ‬بسيف‭ ‬الدولة‭ ‬وكافور‭ ‬الإخشيدي،‭ ‬كأنّما‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬خطاه‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬المواقف‭ ‬قريبًا‭ ‬منهم‭ ‬تارة‭ ‬وبعيدًا‭ ‬تارة‭ ‬أخرى،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬لبعضهم‭ ‬حظّ‭ ‬في‭ ‬شعره‭ ‬مدحًا‭ ‬وقدحًا،‭ ‬ودفع‭ ‬ثمن‭ ‬ذلك‭ ‬نفيًا‭ ‬وتشريدًا،‭ ‬ورميًا‭ ‬بالوصولية‭.‬

اأنا‭ ‬لستُ‭ ‬أعادي‭ ‬حاكمًا‭ ‬لمجرّد‭ ‬أنه‭ ‬حاكم،‭ ‬لكنّني‭ ‬أعاديه‭ ‬عندما‭ ‬ينحرف،‭ ‬أعاديه‭ ‬عندما‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬خان‭ ‬قضيته،‭ ‬أعاديه‭ ‬عندما‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬جديرًا‭ ‬بهذه‭ ‬السلطةب،‭ ‬لذا‭ ‬ليس‭ ‬مصادفة‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬إبداعه‭ ‬صيحة‭ ‬مناوئة،‭ ‬وقوة‭ ‬اعتداد‭ ‬بالنفس‭.‬

إنّ‭ ‬صوتي‭ ‬مشنقة‭ ‬للطغاة‭ ‬جميعًا

ولا‭ ‬نادمًا‭.‬

إن‭ ‬روحي‭ ‬مثقلة‭ ‬بالغضب

كل‭ ‬طاغية‭ ‬صنم‭.. ‬دمية‭ ‬من‭ ‬خشب

 

ولأن‭ ‬الشيء‭ ‬بالشيء‭ ‬يُذكر،‭ ‬فلعلّ‭ ‬من‭ ‬مصادفة‭ ‬الأقدار‭ ‬أن‭ ‬يُنعَى‭ ‬الفيتوري‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرّة،‭ ‬مثلما‭ ‬طاردت‭ ‬شائعات‭ ‬الموت‭ ‬المتنبي‭ ‬في‭ ‬عصره،‭ ‬وقال‭:‬

يا‭ ‬من‭ ‬نُعيتُ‭ ‬على‭ ‬بُعدٍ‭ ‬بمجلسه‭   

كلّ‭ ‬بما‭ ‬زعمَ‭ ‬الناعُــونَ‭ ‬مُرتهن

كم‭ ‬قد‭ ‬قُتِلتُ‭ ‬وكم‭ ‬قَدمُت‭ ‬عندكـمُ‭   

ثم‭ ‬انتفضتُ‭ ‬فزال‭ ‬القبرُ‭ ‬والكفن

 

فعلى‭ ‬ذات‭ ‬الشموخ‭ ‬والخلود،‭ ‬يمضي‭ ‬الفيتوري‭ ‬قائلًا‭ ‬االشعراء‭ ‬لا‭ ‬يموتونب،‭ ‬ومؤكدًا‭ ‬سعة‭ ‬انتشاره‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭.‬

لا‭ ‬تحفروا‭ ‬لي‭ ‬قبرًا‭   

سأرقد‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬شبر‭ ‬من‭ ‬الأرض

أرقد‭ ‬كالماء‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬النيل

أرقد‭ ‬كالمسّ‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬بلادي

مثلي‭ ‬أنا‭ ‬ليس‭ ‬يسكن‭ ‬قبرًا‭ 

 

ختامًا،‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬أقول‭: ‬كلما‭ ‬حقق‭ ‬الفيتوري‭ ‬هدفًا‭ ‬استصغره،‭ ‬واتجه‭ ‬إلى‭ ‬هدف‭ ‬جديد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يدع‭ ‬بابًا‭ ‬إلا‭ ‬ولجه،‭ ‬ولا‭ ‬موضوعًا‭ ‬إلا‭ ‬وغاص‭ ‬فيه،‭ ‬وبما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬طاقة‭ ‬متناهية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الخلق‭ ‬والإبداع،‭ ‬وقاموس‭ ‬شعري‭ ‬متجدد‭ ‬جاذب،‭ ‬استطاع‭ ‬تحطيم‭ ‬الحدود‭ ‬التقليدية‭ ‬للشعر،‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬ديوانًا،‭ ‬تعدّدت‭ ‬أساليبها،‭ ‬ونفذ‭ ‬خلالها‭ ‬بدفق‭ ‬روحي‭ ‬أخّاذ‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬والمواقف‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تستوجب‭ ‬الوقوف‭ ‬والتأمل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العاطفة‭.‬

وغير‭ ‬هذا،‭ ‬يتمتع‭ ‬الفيتوري‭ ‬بنبوغ‭ ‬فريد‭ ‬في‭ ‬الإلقاء‭ ‬الشعري،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬شاعرًا‭ ‬منبريًّا‭ ‬نادرًا‭ ‬مرموقًا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الأدبية‭ ‬المعاصرة‭.‬

هل‭ ‬تعرفين‭ ‬ثمنًا‭ ‬للحب‭ ‬يا‭ ‬سيدتي

قالت‭: ‬وهل‭ ‬غير‭ ‬اكتماله‭ ‬بالحب؟

والإيمان؟

قالت‭: ‬عبق‭ ‬في‭ ‬الروح

‭-  ‬والرغبة؟‭ ‬والقسوة؟‭ ‬والحنين؟

والغسق‭ ‬الليلي؟‭ ‬والتآكل‭ ‬الحزين

قالت‭: ‬وماذا‭ ‬بعد؟

في‭ ‬أيامنا،‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬أيامنا

يسقط‭ ‬قوس‭ ‬الليل،‭ ‬معكوسًا‭ ‬على‭ ‬قوس‭ ‬النهار

ونحن‭.. ‬نحن‭ ‬البشر‭ ‬الفانين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المدار

نجيء‭ ‬مغلولي‭ ‬اليدين

نذهب‭ ‬مغلولي‭ ‬اليدين

وقد‭ ‬نموت‭ ‬مطبقي‭ ‬الشفاه

عاجزين‭..‬

كما‭ ‬ترين‭..‬

كما‭ ‬ترين‭..‬ ■