ثقافة عصر الـ «توكتوك»

ثقافة عصر الـ «توكتوك»

تعد‭ ‬جميع‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬وعاملًا‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬تطور‭ ‬الحضارة‭ ‬البشرية‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬واكب‭ ‬مراحل‭ ‬مهمّة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري،‭ ‬وساهم‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬منعطفات‭ ‬جديدة‭ ‬قادت‭ ‬الإنسان‭ ‬نحو‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭.‬

لكنني‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬خلال‭ ‬تجوّلي‭ ‬خلال‭ ‬العصور‭ ‬السابقة‭ ‬لتاريخ‭ ‬النقل‭ ‬الإنساني،‭ ‬وسيلة‭ ‬نقل‭ ‬ومواصلات‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬
الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان‭ ‬البسيط،‭ ‬فبينما‭ ‬كان‭ ‬الجَمل‭ ‬وقوافله‭ ‬تخترق‭ ‬الصحراء،‭ ‬والجبال‭ ‬تصعدها‭ ‬البغال‭ ‬والحمير،‭ ‬والغابات‭ ‬تخترقها‭ ‬الخيول،‭ ‬والمدن‭ ‬تتصل‭ ‬بالقطارات‭ ‬والأتوبيسات‭ ‬والسيارات،‭ ‬والزحف‭ ‬على‭ ‬الجليد‭ ‬بالزلّاجات،‭ ‬وباطن‭ ‬الأرض‭ ‬يخترقه‭ ‬مترو‭ ‬الانفاق،‭ ‬والدول‭ ‬والبحار‭ ‬تعبرُها‭ ‬السفن‭ ‬والطائرات،‭ ‬والفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬والصعود‭ ‬للقمر‭ ‬بالصاروخ‭ ‬والمكّوك‭ ‬الفضائي،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬كوسيلة‭ ‬مواصلات،‭ ‬بل‭ ‬رمز‭ ‬لعصر‭ ‬كامل‭ ‬بدأ‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬فيه‭ ‬ينسحق‭ ‬ويتضاءل‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬الميكروباص‭ ‬هو‭ ‬الابن‭ ‬الشرعي‭ ‬لأتوبيس‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ - ‬ليس‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬فقط‭ - ‬بل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان،‭ ‬حيث‭ ‬بدأ‭ ‬ظهوره‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬فإن‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬جاء‭ ‬كابن‭ ‬غير‭ ‬شرعي‭ ‬لكلّ‭ ‬هؤلاء،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬القدمين‭ ‬للسير،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬الصاروخ‭ ‬محلّقًا‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬فلا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تنسبه‭ ‬إلى‭ ‬أب‭ ‬شرعي؛‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الآلات،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬مميزًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬في‭ ‬دخوله‭ ‬لأماكن‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تخترقها‭ ‬الأتوبيسات‭ ‬ولا‭ ‬السيارات‭.‬

‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬تاريخه‭ ‬السرّي‭ ‬الحافل‭ ‬باللؤم‭ ‬والخبث‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬ومعه‭ ‬ثقافته،‭ ‬بل‭ ‬فرضها‭ ‬كوسيلة‭ ‬على‭ ‬مَن‭ ‬يقوده،‭ ‬وربّما‭ ‬العكس،‭ ‬فالـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يشاركه‭ ‬أحد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كما‭ ‬مصّ‭ ‬الهدوء‭ ‬من‭ ‬حياتنا،‭ ‬مصّ‭ ‬أيضًا‭ ‬العمال‭ ‬من‭ ‬مهن‭ ‬كثيرة؛‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬النجارة‭ ‬أو‭ ‬الحدادة‭ ‬أو‭ ‬النقاشة‭. ‬وبالطبع‭ ‬كان‭ ‬مصدر‭ ‬جذب‭ ‬لهؤلاء‭ ‬العمال‭ ‬البسطاء،‭ ‬بسبب‭ ‬ربحه‭ ‬السريع،‭ ‬وعدم‭ ‬تكلفته‭.‬

في‭ ‬البداية،‭ ‬لم‭ ‬يعثر‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬سبب‭ ‬تسميته‭ ‬بالـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬صوت‭ ‬تلك‭ ‬التكتكة‭ ‬التي‭ ‬يُحدثها‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬يحمل‭ ‬هذا‭ ‬الاسم،‭ ‬فالـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الباجاج‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الستّوتة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬تكتك‮»‬‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬تسمية‭ ‬عراقية،‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الركشة‮»‬‭ ‬بالهندية،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬ظهوره‭ ‬المبكّر‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬آسيا،‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬انتشاره‭ ‬ببلاد‭ ‬عربية‭ ‬كمصر‭ ‬والعراق‭ ‬والسودان‭.‬

و«الريكاشة‮»‬‭ ‬اليابانية‭ ‬القديمة،‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬تصوّر‭ ‬للـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬التطور‭ ‬الطبيعي‭ ‬لها،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الريكاشة‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬مصممة‭ ‬ليجرّها‭ ‬شخص‭ ‬على‭ ‬قدميه‭.‬

ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬اليابان‭ ‬التي‭ ‬قدّمت‭ ‬للعالَم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاختراعات،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬انتشاره،‭ ‬لكنّ‭ ‬دولة‭ ‬مثل‭ ‬الهند‭ ‬بتعدادها‭ ‬الهائل،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جعلته‭ ‬يتكاثر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬الأرض،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬مركبة‭ ‬سارت‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الكوكب‭ ‬أيضًا‭.‬

فالـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬بحجمه‭ ‬الصغير‭ ‬والمميز‭ - ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬له‭ ‬شبيهًا‭ ‬بتاريخ‭ ‬المواصلات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ - ‬ذو‭ ‬الثلاث‭ ‬عجلات،‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬راكبين‭ ‬بالمقعد‭ ‬الخلفي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يقوده،‭ ‬لكن‭ ‬بقُدرة‭ ‬قادر،‭ ‬استطاع‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬7‭ ‬أشخاص،‭ ‬وسنجد‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬يحمل‭ ‬بضائع‭ ‬وحيوانات‭ ‬وأجهزة‭ ‬وأثاثات،‭ ‬وكأنه‭ ‬نملة‭ ‬صغيرة‭ ‬تحمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وزنها‭ ‬بأضعاف‭!‬

وأولى‭ ‬الشركات‭ ‬المنتجة‭ ‬للـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬هي‭ ‬شركة‭ ‬باجاج‭ ‬الهنــدية،‭ ‬وهي‭ ‬الشركة‭ ‬المنتجة‭ ‬نفسها‭ ‬للـ‭ ‬‮«‬فيسبا‮»‬‭ ‬التي‭ ‬انتشر‭ ‬استخدامها‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬ثم‭ ‬بدأت‭ ‬شركات‭ ‬أخرى‭ ‬بتصنيعه،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬تايلاند‭ ‬والصين‭.‬

 

قدرات‭ ‬النملة‭ ‬وطموح‭ ‬الأفيال

بدأ‭ ‬ظهور‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬بكثرة‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬الألفية‭ ‬الثانية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انتشاره‭ ‬بالهند‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الستينيات،‭ ‬ومع‭ ‬قوته‭ ‬الضعيفة‭ ‬جدًا،‭ ‬فإنه‭ ‬يذكّرك‭ ‬بنملة‭ ‬تستطيع‭ ‬في‭ ‬صبر‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬جبلًا‭!‬

وميكانيكيًا‭ ‬يعتمد‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬عادة‭ ‬على‭ ‬محرّك‭ ‬بنزين‭ ‬ذي‭ ‬سلندر‭ ‬واحد‭ ‬سعة‭ ‬400‭ ‬سي‭ ‬سي،‭ ‬وبه‭ ‬صندوق‭ ‬تروس‭ ‬بسيط‭ ‬شبيه‭ ‬للموجود‭ ‬بالدرّاجة‭ ‬النارية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬غيار‭ ‬العكسي‭ ‬ليسمح‭ ‬له‭ ‬بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭. ‬ونظام‭ ‬التوجيه‭ ‬فيه‭ ‬بدائي‭ ‬مثل‭ ‬الدرّاجات،‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬‮«‬جادون‮»‬‭.‬

 

عجز‭ ‬حكومي‭ ‬وفقر‭ ‬حضاري

كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬تعتبر‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتـوك‮»‬‭ ‬مَركبة‭ ‬غير‭ ‬مطابقــة‭ ‬للمواصفات‭ ‬الأمنية،‭ ‬وذلك‭ ‬لعدم‭ ‬اتّزانه‭ ‬وعدم‭ ‬صلابة‭ ‬هيكله‭ ‬الخارجي،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬أبواب‭ ‬أو‭ ‬أحزمــة‭ ‬أمــان‭ ‬يعرّض‭ ‬الركاب‭ ‬للخطر‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الحوادث‭. ‬وبالتالي‭ ‬ترفض‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬المرورية‭ ‬صرف‭ ‬لوحات‭ ‬ترخيص‭ ‬للـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬،‭ ‬لاعتقادها‭ ‬بعدم‭ ‬صلاحيته‭ ‬للسير‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬المدينة،‭ ‬فمــــثلًا‭ ‬في‭ ‬الســودان‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المرور‭ ‬يمنع‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬من‭ ‬عبور‭ ‬الكباري،‭ ‬قاصرين‭ ‬سيره‭ ‬على‭ ‬الشوارع‭ ‬والطرقات‭ ‬الجانبية‭ ‬والداخلية‭ ‬فقط‭. ‬ولا‭ ‬تكفّ‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬عن‭ ‬مطاردته‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬تقنينه‭.‬

ولعل‭ ‬العشوائية‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان،‭ ‬نظرًا‭ ‬للانفجار‭ ‬السكاني،‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬انتشاره،‭ ‬ففي‭ ‬البداية‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬حول‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬أو‭ ‬داخل‭ ‬شوارعها‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬دون‭ ‬علم‭ ‬أجهزة‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬بل‭ ‬إنني‭ ‬أتذكّر‭ ‬فرحة‭ ‬أبناء‭ ‬المناطق‭ ‬الحضارية‭ ‬عندما‭ ‬يذهبون‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬لمشاهدة‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬أو‭ ‬ركوبه،‭ ‬وكأنه‭ ‬شيء‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الدهاء‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬به‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭.‬

 

انتشار‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬وثقافته

ينتشر‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬النامية‭ ‬ذات‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬العالية،‭ ‬وذلك‭ ‬لانخفاض‭ ‬تكلفته‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬والطرقات‭ ‬الضيّقة،‭ ‬وينتشر‭ ‬بصورة‭ ‬ملحوظة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬التالية‭: ‬بنجلادش،‭ ‬والهند،‭ ‬وإندونيسيا،‭ ‬وباكستان،‭ ‬والفلبين،‭ ‬والصين،‭ ‬وكوبا‭ ‬والسلفادور‭ ‬وبيرو،‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬ونيجيريا،‭ ‬وفي‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ومصر‭ ‬والسودان‭.‬

وقد‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬نتيجة‭ ‬انتشار‭ ‬المناطق‭ ‬العشوائية‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬البلاد،‭ ‬نتيجة‭ ‬الفقر‭ ‬وزحف‭ ‬الريف‭ ‬إلى‭ ‬المدن،‭ ‬وكانت‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توك‭ ‬توك‮»‬‭ ‬وانتشاره‭.‬

فالـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬لدية‭ ‬ثقافة‭ ‬نشرها‭ ‬مع‭ ‬تجواله‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المدن،‭ ‬نجدها‭ ‬في‭ ‬أغنيات‭ ‬عالية‭ ‬وكلمات‭ ‬هابطة،‭ ‬ومطربين‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬إلا‭ ‬مجاله‭ ‬وتُربته‭ ‬للانتشار،‭ ‬وبالتالي‭ ‬صاحَبته‭ ‬مشكلات‭ ‬وجرائم‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نسمع‭ ‬عنها،‭ ‬مثل‭ ‬جرائم‭ ‬الخطف‭ ‬والقتل‭ ‬والاغتصاب‭. ‬

وربما‭ ‬لم‭ ‬أرَ‭ ‬مَركبة‭ ‬خلال‭ ‬تاريخ‭ ‬المواصلات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬قد‭ ‬كرهها‭ ‬العالَم‭ ‬مثل‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬تخلّف‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تستخدمه،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬السرّ‭ ‬في‭ ‬ارتباطه‭ ‬بالتخلّف‭.‬

فالـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬أي‭ ‬نواحٍ‭ ‬إنسانية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬أمن‭ ‬لراكبه‭ ‬وقائده،‭ ‬إذ‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬أو‭ ‬غالبية‭ ‬قائديه‭ ‬من‭ ‬مدمني‭ ‬المخدرات‭ ‬والبلطجية‭.‬

لكنّ‭ ‬كارثة‭ ‬الكوارث‭ ‬التي‭ ‬أضافها‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬أنه‭ ‬صار‭ ‬رمزًا‭ ‬للتخلف،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تحاول‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التخلص‭ ‬منه،‭ ‬كابن‭ ‬غير‭ ‬شرعي،‭ ‬بإلغائه‭ ‬أو‭ ‬تبديله‭ ‬بمركبة‭ ‬أخرى‭ ‬تكون‭ ‬آدمية‭ ‬وعصرية‭ ‬وحضارية‭ ‬أيضًا‭.‬

وإذا‭ ‬أضفت‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬توضع‭ ‬على‭ ‬خلفيته،‭ ‬معبّرة‭ ‬عما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬التفكير،‭ ‬خاصة‭ ‬لناحيتي‭ ‬الرزق‭ ‬والحسد،‭ ‬ستجد‭ ‬أن‭ ‬مكوّن‭ ‬
الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬مغاير‭ ‬لكل‭ ‬الأمثال‭ ‬الشعبية‭ ‬والحِكَم‭ ‬التراثية‭ ‬التي‭ ‬تعارفنا‭ ‬عليها،‭ ‬بل‭ ‬جعل‭ ‬الأنانية‭ ‬هي‭ ‬المبدأ‭ ‬الصحيح،‭ ‬وجعل‭ ‬الفجاجة‭ ‬هي‭ ‬الأسلوب‭ ‬الأمثل‭ ‬للحديث،‭ ‬إنه‭ ‬مركبة‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬قيم‭ ‬حضارية‭ ‬لدول‭ ‬عظيمة‭ ‬تاريخيًا،‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭ ‬ومصر‭ ‬والسودان‭.‬

إن‭ ‬الخجل‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬به‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ - ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ - ‬لم‭ ‬يطُل،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬التمهيد‭ ‬المبكر‭ ‬لغزوه‭ ‬كل‭ ‬الأماكن‭ ‬وأي‭ ‬شوارع،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬الشوارع‭ ‬الحضارية،‭ ‬سوف‭ ‬تجد‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬يمد‭ ‬عجلاته‭ ‬مخترقًا‭ ‬إياها‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬قيادة‭ ‬الأطفال‭ ‬للـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬،‭ ‬جعلته‭ ‬يخترق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحواجز‭ ‬والأفكار‭ ‬السيئة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬لعقولنا‭.‬

إن‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬يعد‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وثقافة‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬لن‭ ‬يعوقها‭ ‬هذا‭ ‬الخجل‭ ‬ولا‭ ‬قوانين‭ ‬المرور،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سيبحث‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬عن‭ ‬وسيلة‭ ‬يغزو‭ ‬بها‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬نستطع‭ ‬استئصاله‭ ‬هو‭ ‬وثقافته‭.‬

سيظل‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬توكتوك‮»‬‭ ‬ابنًا‭ ‬غير‭ ‬شرعي‭ ‬وُلد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شهادة‭ ‬ميلاد‭ ‬أو‭ ‬مرور،‭ ‬وتستطيع‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تجاهد‭ ‬نحو‭ ‬التطور‭ ‬أن‭ ‬تلفظه‭ ‬أو‭ ‬تطوّره‭ ‬لتثبت‭ ‬تقدّمها‭ ‬وقدراتها
‭ ‬الحضارية‭ ■