«كورونا» والعمل عن بُعد

«كورونا» والعمل  عن بُعد

من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يُحْدِث‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ (‬Covid-19‭) ‬تحوّلًا‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬العمل،‭ ‬حيث‭ ‬تجد‭ ‬الشركات‭ ‬المُجبرة‭ ‬على‭ ‬تبنّي‭ ‬أسلوب‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬موظّفيها‭ ‬رافضين‭ ‬فكرة‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المكتب،‭ ‬عند‭ ‬انتهاء‭ ‬فترات‭ ‬الحظر‭. ‬ولعل‭ ‬الزيادة‭ ‬المفاجئة‭ ‬في‭ ‬معدل‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬تطرح‭ ‬مشكلات‭ ‬بقدر‭ ‬مَا‭ ‬تكفل‭ ‬فرصًا‭ ‬جديدة؛‭ ‬فمن‭ ‬ناحية‭ ‬تقدّم‭ ‬شركات‭ ‬ناشئة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬سلاك‮»‬‭ ‬و«زووم‮»‬‭ ‬وشركات‭ ‬عملاقة‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬مثل‭ ‬جوجل‭ ‬ومايكروسوفت‭ ‬أدواتها‭ ‬مجانًا،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬الذين‭ ‬يشرعون‭ ‬باستخدامها‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬الأزمات‭ ‬بمواصلة‭ ‬استخدامها،‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نصابها‭ ‬وزوال‭ ‬الخطر‭.‬

ثمّة‭ ‬نُظم‭ ‬أخرى‭ ‬تتداعى‭ ‬على‭ ‬الأطراف،‭ ‬فالشبكات‭ ‬المؤسسية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تألف‭ ‬إجراء‭ ‬غالبية‭ ‬اتصالاتها‭ ‬عبر‭ ‬شبكات‭ ‬افتراضية‭ ‬خاصة‭ (‬VPNs‭) ‬تشهد‭ ‬منعطفات‭ ‬حادة،‭ ‬بينما‭ ‬تعرّض‭ ‬مزودو‭ ‬خدمات‭ ‬الإنترنت‭ ‬لضغوط‭ ‬جسيمة‭ ‬لإزالة‭ ‬الحدود‭ ‬القصوى‭ ‬لسرعات‭ ‬الإنترنت،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬ينقطع‭ ‬العاملون‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬عن‭ ‬أرباب‭ ‬أعمالهم‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الشهر‭.‬

لكن،‭ ‬يبدو‭ - ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ - ‬أن‭ ‬الأوضاع‭ ‬لن‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهدها،‭ ‬فعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬الذين‭ ‬أرسلتهم‭ ‬شركاتهم‭ ‬للعمل‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬شرعوا‭ ‬يتساءلون‭: ‬لماذا‭ ‬يتعيّن‭ ‬عليهم‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المكتب‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول؟

وكانت‭ ‬شركات‭ ‬تكنولوجية‭ ‬كبرى‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬أوائل‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬أنجزت‭ ‬التحوّل‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬لجميع‭ ‬العاملين‭ ‬لديها،‭ ‬حيث‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬بنية‭ ‬تحتيّة‭ ‬موجودة‭ ‬مسبقًا،‭ ‬كالدردشات‭ ‬الجماعية‭ ‬المكتبية‭ ‬والوصول‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬إلى‭ ‬الأدوات‭ ‬الحيوية،‭ ‬وحقيقة‭ ‬أن‭ ‬قسمًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬المعرفية‭ ‬يمكن‭ ‬إنجازه‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭.‬

في‭ ‬مدينة‭ ‬سياتل‭ ‬التي‭ ‬تعدُّ‭ ‬بؤرة‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأولى‭ ‬المصابة‭ ‬بفيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد،‭ ‬أوعزت‭ ‬شركات،‭ ‬مثل‭ ‬أمازون‭ ‬ولينكد‭ ‬إن‭ ‬ومايكروسوفت‭ ‬وجوجل،‭ ‬إلى‭ ‬موظفيها‭ ‬بالامتناع‭ ‬عن‭ ‬القدوم‭ ‬إلى‭ ‬المكاتب‭ ‬أواخر‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭.‬

وفي‭ ‬أوائل‭ ‬مارس،‭ ‬نصحت‭ ‬شركة‭ ‬تويتر‭ ‬جميع‭ ‬موظفيها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬بإصرار،‭ ‬بأن‭ ‬يقتدوا‭ ‬بتلك‭ ‬الشركات،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬جعلت‭ ‬المسألة‭ ‬إلزامية‭ ‬على‭ ‬الجميع‭.‬

 

بيئة‭ ‬مختلفة

وقالت‭ ‬رئيسة‭ ‬قسم‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬تويتر‮»‬،‭ ‬جينيفر‭ ‬كريستي،‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬موظفي‭ ‬الشركة‭: ‬‮«‬إننا‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬خطوة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬لكنّ‭ ‬هذه‭ ‬أوقات‭ ‬لم‭ ‬نشهدها‭ ‬من‭ ‬قبل‮»‬‭.‬

ووعدت‭ ‬كريستي‭ ‬بتعويض‭ ‬الموظفين،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العاملون‭ ‬بالساعة،‭ ‬عن‭ ‬التكاليف‭ ‬الضرورية‭ ‬لإعداد‭ ‬مكاتبهم‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬بحيث‭ ‬تغطي‭ ‬تكاليف‭ ‬شراء‭ ‬أغراض‭ ‬كأجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬والمكاتب‭ ‬والكراسي‭ ‬المريحة‭.‬

وأضافت‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العمل‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬إجمالًا‭ ‬لا‭ ‬يغيّر‭ ‬شيئًا‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬العمل‭ ‬اليومي،‭ ‬وإنما‭ ‬يعني‭ ‬أنك‭ ‬ستنجز‭ ‬عملك‭ ‬من‭ ‬بيئة‭ ‬مختلفة‭ ‬لا‭ ‬أكثر‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬حثّت‭ ‬تلك‭ ‬الاستثمارات‭ ‬كثيرين‭ ‬على‭ ‬التساؤل‭ ‬عمّا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬نموذج‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬الأزمات‭ ‬ربما‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬ذاك‭ ‬النمط‭ ‬استمر‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬عودة‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نصابها‭ ‬الطبيعي‭.‬

فمن‭ ‬الأصعب‭ ‬رفض‭ ‬طلبات‭ ‬الموظفين‭ ‬الخاصة‭ ‬بالعمل‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬لو‭ ‬اشترى‭ ‬لهم‭ ‬قسم‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬بالفعل‭ ‬مكتبًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬ومن‭ ‬الأسهل‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الاستثمار‭ ‬بوصفه‭ ‬أمرًا‭ ‬منطقيًا‭ ‬لو‭ ‬آتى‭ ‬ثماره‭ ‬لسنوات‭ ‬مقبلة،‭ ‬لا‭ ‬لأشهر‭ ‬فقط‭.‬

ويقول‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لشركة‭ ‬‮«‬أوتوماتيك‮»‬‭ ‬المالكة‭ ‬لموقعَي‭ ‬ووردبرس‭ ‬وتامبلر،‭ ‬مات‭ ‬مولينغ‭: ‬‮«‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬تخيّلت‭ ‬أن‭ ‬تسيطر‭ ‬به‭ ‬ثورة‭ ‬العمل‭ ‬المُوزَّع‭ ‬وتهيمن‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‮»‬‭.‬

وشركة‭ ‬مولينغ‭ ‬بالفعل‭ ‬‮«‬مُوزّعَة‮»‬،‭ ‬ويتنبأ‭ ‬مولينغ‭ ‬بأن‭ ‬التغييرات‭ ‬الطارئة‭ ‬‮«‬ربما‭ ‬تعطي‭ ‬أيضًا‭ ‬فرصةً‭ ‬لكثيرٍ‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬لبناء‭ ‬ثقافة‭ ‬تسمح‭ ‬أخيرًا‭ ‬بمرونة‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تأخرت‭ ‬كثيرًا‮»‬‭.‬

ويضيف‭: ‬‮«‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬سيغتنمون‭ ‬الفرصة‭ ‬لعيش‭ ‬أيام‭ ‬دون‭ ‬إهدار‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬المواصلات،‭ ‬أو‭ ‬تكبُّد‭ ‬عناء‭ ‬عدم‭ ‬الوجود‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬حال‭ ‬مرض‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة،‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬فرصة‭ ‬لإعادة‭ ‬ضبط‭ ‬أوضاع‭ ‬كيفية‭ ‬إنجازنا‭ ‬للأعمال‮»‬‭.‬

 

التكيُّف‭ ‬مع‭ ‬الفكرة

وهذا‭ ‬هو‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ما‭ ‬تَعْقِد‭ ‬عليه‭ ‬الصناعة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬الآمال‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭. ‬ويقول‭ ‬المتحدث‭ ‬الرسمي‭ ‬باسم‭ ‬شركة‭ ‬سلاك،‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬برنامجًا‭ ‬مشهورًا‭ ‬للدردشة‭ ‬لأغراض‭ ‬الأعمال‭: ‬‮«‬إننا‭ ‬متأهبون‭ ‬بالكامل‭ ‬لهذا‭ ‬الموقف‭. ‬أولًا،‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ينصبّ‭ ‬اهتمامنا‭ ‬على‭ ‬العائلات‭ ‬والأفراد‭ ‬الذين‭ ‬أصيبوا‭ ‬بفيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬وينصبّ‭ ‬تركيزنا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬على‭ ‬مساعدة‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬التكيُّف‭ ‬مع‭ ‬فكرة‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬بموارد‭ ‬مجانية‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬عكفنا‭ ‬على‭ ‬استضافة‭ ‬استشارات‭ ‬مجانية‭ ‬للشركات‭ ‬التي‭ ‬تتكيَّف‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭.‬

وخاطبنا‭ ‬شركات‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أحجامها‭ ‬وصناعاتها،‭ ‬بدايةً‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬العاملين‭ ‬فيها‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بالشركات‭ ‬الصغرى‭ ‬التي‭ ‬يتألف‭ ‬فريق‭ ‬عملها‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أفراد‮»‬‭.‬

وليست‭ ‬‮«‬سلاك‮»‬‭ ‬وحدها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬فقد‭ ‬قدّمت‭ ‬شركة‭ ‬مايكروسوفت‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬برامجها‭ ‬الإنتاجية‮»‬‭ ‬السحابية‭ ‬مجانية‭ ‬للشركات‭ ‬الصغيرة‭ ‬لأول‭ ‬6‭ ‬أشهر،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬برنامجها‭ ‬المنافس‭ ‬لبرنامج‭ ‬‮«‬سلاك‮»‬،‭ ‬المعروف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬تيمز‮»‬،‭ ‬وسارت‭ ‬‮«‬جوجل‮»‬‭ ‬على‭ ‬النهج‭ ‬نفسه‭ ‬باشتراكها‭ ‬الخاص‭ ‬للأعمال،‭ ‬بينما‭ ‬رفعت‭ ‬شركة‭ ‬خدمات‭ ‬المؤتمرات‭ ‬المرئية‭ ‬‮«‬زووم‮»‬‭ ‬القيود‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬خطتها‭ ‬المجانية‭ ‬الخاصة،‭ ‬حيث‭ ‬سمحت‭ ‬بأن‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحوارات‭ ‬40‭ ‬دقيقة‭.‬

لكن،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬كلّ‭ ‬شركة‭ ‬تتحرك‭ ‬بسلاسة‭ ‬باتجاه‭ ‬مستقبل‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬اصطدمت‭ ‬شركات‭ ‬أخرى‭ ‬بمشكلات‭ ‬ومعضلات؛‭ ‬بعضها‭ ‬طفيف‭ ‬نسبيًا،‭ ‬حيث‭ ‬فوجئ‭ ‬موظفو‭ ‬شركة‭ ‬فيسبوك‭ ‬بأن‭ ‬شبكة‭ ‬الشركة‭ ‬حُظِرَت‭ ‬من‭ ‬خدمة‭ ‬‮«‬دور‭ ‬داش‮»‬‭ ‬لتوصيل‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬المُعدّة‭ ‬حسب‭ ‬الطلب،‭ ‬بسبب‭ ‬سلوكها‭ ‬المشتبه‭ ‬به،‭ ‬إذ‭ ‬شرع‭ ‬العاملون‭ ‬في‭ ‬‮«‬فيسبوك‮»‬‭ ‬بأسرها‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬طلبيات‭ ‬لتوصيلها‭ ‬إلى‭ ‬شتى‭ ‬أنحاء‭ ‬منطقة‭ ‬خليج‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو،‭ ‬بينما‭ ‬سجّلوا‭ ‬دخولهم‭ ‬عبر‭ ‬شبكة‭ ‬افتراضية‭ ‬خاصة‭ ‬متصلة‭ ‬بنفس‭ ‬عنوان‭ ‬بروتوكول‭ ‬الإنترنت‭.‬

 

مخاوف‭ ‬مبكرة

ثمّة‭ ‬مشكلات‭ ‬أخرى‭ ‬أخطر‭ ‬بكثير،‭ ‬فقد‭ ‬ظهرت‭ ‬مخاوف‭ ‬مبكرة‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬شبكات‭ ‬النطاق‭ ‬العريض‭ ‬المنزلية‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬ضغوط‭ ‬الاستخدام‭ ‬أعرب‭ ‬عنها‭ ‬مزوّدو‭ ‬خدمات‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬أشارت‭ ‬جمعية‭ ‬مزودي‭ ‬خدمة‭ ‬الإنترنت‭ (‬ISPA‭) ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭ ‬هؤلاء‭ ‬المزودون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ذروة‭ ‬النشاط‭ ‬المسائي،‭ ‬عندما‭ ‬يعكف‭ ‬الشعب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬على‭ ‬بثّ‭ ‬مقاطع‭ ‬فيديو‭ ‬بخدمة‭ ‬‮«‬نتفليكس‮»‬‭ ‬وممارسة‭ ‬ألعاب‭ ‬الفيديو،‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تقتضي‭ ‬10‭ ‬أضعاف‭ ‬السرعات‭ ‬النهارية‭ ‬العادية‭.‬

وما‭ ‬يُعدُّ‭ ‬حاجة‭ ‬أكثر‭ ‬إلحاحًا‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬الإنترنت‭ ‬عمومًا‭ ‬يزداد‭ ‬عبر‭ ‬النطاق‭ ‬العريض‭. ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬كلاود‭ ‬فلير‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تقدّم‭ ‬خدمات‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬إلكترونية‭ ‬تشمل‭ ‬نطاقًا‭ ‬واسعًا‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬أنها‭ ‬عكفت‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬الزيادة‭. ‬

ويقول‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬للشركة‭ ‬ماثيو‭ ‬برنس‭: ‬‮«‬بينما‭ ‬يزداد‭ ‬عدد‭ ‬العاملين‭ ‬من‭ ‬المنزل،‭ ‬زادت‭ ‬حركة‭ ‬المرور‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬السيبراني‭ ‬بالمناطق‭ ‬المتأثرة‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬بنسبة‭ ‬10‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬تقريبًا‭.‬

وفي‭ ‬إيطاليا‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬حجرًا‭ ‬صحيًا‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬الدولة‭ ‬بأسرها،‭ ‬ارتفعت‭ ‬ذروة‭ ‬حركة‭ ‬المرور‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬بنسبة‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المئة‭. ‬وتحولت‭ ‬أنماط‭ ‬الحركة‭ ‬المرورية‭ ‬أيضًا،‭ ‬بحيث‭ ‬وقعت‭ ‬الذروة‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬أبكر‭ ‬من‭ ‬النهار‭ ‬بالمناطق‭ ‬المنكوبة‭ ‬بالفيروس‮»‬‭.‬

 

حدود‭ ‬قصوى

وتبدأ‭ ‬المشكلات‭ ‬الحقيقية‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬تعليق‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬فقد‭ ‬ازداد‭ ‬استخدام‭ ‬الشبكة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬الثلثيْن،‭ ‬لا‭ ‬بسبب‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬المنزل،‭ ‬بل‭ ‬بسبب‭ ‬تسجيل‭ ‬دخول‭ ‬أطفال‭ ‬المدارس‭ ‬المُجبرين‭ ‬على‭ ‬لزوم‭ ‬بيوتهم‭ ‬إلى‭ ‬ألعاب‭ ‬إلكترونية،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬فورتنايت‮»‬،‭ ‬وفق‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬وكالة‭ ‬بلومبرغ‭ ‬نيوز‭. ‬

ومن‭ ‬الأرجح‭ ‬أن‭ ‬تؤثّر‭ ‬الزيادات‭ ‬المتصاعدة‭ ‬في‭ ‬الاستخدام‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬يدفعون‭ ‬مقابل‭ ‬خدمة‭ ‬الإنترنت‭ ‬ذات‭ ‬النطاق‭ ‬العريض‭ ‬المحدود،‭ ‬وهي‭ ‬الخدمة‭ ‬الشائعة‭ ‬تحديدًا‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬الذين‭ ‬يعوّلون‭ ‬على‭ ‬النطاق‭ ‬العريض‭ ‬على‭ ‬الأجهزة‭ ‬المحمولة‭.‬

وقد‭ ‬بدأت‭ ‬بعض‭ ‬شركات‭ ‬تقديم‭ ‬خدمات‭ ‬الإنترنت‭ ‬الأمريكية،‭ ‬مثل‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬إيه‭ ‬تي‭ ‬آند‭ ‬تي‮»‬‭ ‬تعليق‭ ‬العمل‭ ‬بهذه‭ ‬الممارسة،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تُلام‭ ‬على‭ ‬عرقلة‭ ‬سير‭ ‬العمل،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الشركات‭ ‬كلها‭ ‬لم‭ ‬تسلك‭ ‬هذا‭ ‬المسلك‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فالتكنولوجيا‭ ‬لها‭ ‬حدود‭ ‬قصوى،‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬لا‭ ‬يناسب‭ ‬الجميع‭. ‬يقول‭ ‬أحد‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الذين‭ ‬أُرسلوا‭ ‬للعمل‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬عملت‭ ‬بنسبة‭ ‬100‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬وثمّة‭ ‬مرحلة‭ ‬يصل‭ ‬إليها‭ ‬الإنسان‭ ‬تدعو‭ ‬حتى‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬انطوائي‭ ‬إلى‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬إنسان‭ ‬سواه‮»‬‭.‬

 

أدوات‭ ‬للعمل‭ ‬عن‭ ‬بُعد

•‭ ‬سلاك‭ 

تُعتبر‭ ‬‮«‬سلاك‮»‬‭ ‬أداة‭ ‬إدارة‭ ‬محل‭ ‬العمل‭ ‬المشهورة‭ ‬شهرة‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬أوبر‮»‬‭ ‬محبوبةً‭ ‬ومكروهةً‭ ‬بالقدر‭ ‬ذاته،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ثمّة‭ ‬أمرًا‭ ‬واحدًا‭ ‬يميّزها،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬نموذج‭ ‬عمل‭ ‬التشغيل‭ ‬المجاني‭ ‬الذي‭ ‬تتبناه‭ ‬الشركة؛‭ ‬فبدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحتاج‭ ‬المرء‭ ‬إلى‭ ‬تسجيل‭ ‬المؤسسة‭ ‬بأسرها‭ ‬مرّة‭ ‬واحدة،‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬على‭ ‬فرق‭ ‬العمل‭ ‬والمكاتب‭ ‬المنفردة‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬العمل‭ ‬بالنسخة‭ ‬المجانية‭ ‬من‭ ‬البرنامج،‭ ‬تم‭ ‬تتوسّع‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬احتياجاتها‭ ‬لاحقًا‭.‬

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬البرنامج‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬يجعله‭ ‬الأنسب‭ ‬لمساعدة‭ ‬العاملين‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬خلق‭ ‬أجواء‭ ‬الدردشة‭ ‬وجهًا‭ ‬لوجه،‭ ‬والتي‭ ‬تمتعوا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المكتب‭ ‬بسرعة‭ ‬وبسلاسة‭.‬

 

•‭ ‬تريللو‭ 

بينما‭ ‬يعيد‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬سلاك‮»‬‭ ‬خلق‭ ‬الشعور‭ ‬بسهولة‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬زميل‭ ‬العمل‭ ‬لتبادل‭ ‬أطراف‭ ‬حديث‭ ‬شخصي،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مهني‭ ‬في‭ ‬آنٍ‭ ‬واحد،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬تريللو‮»‬‭ ‬أشبه‭ ‬برئيسك‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬يعرج‭ ‬عليك‭ ‬‮«‬ليتحقق‭ ‬من‭ ‬سير‭ ‬العمل‭ ‬لا‭ ‬أكثر‮»‬‭.‬

ويسمح‭ ‬برنامج‭ ‬إدارة‭ ‬المشروعات‭ ‬هذا‭ ‬لفرق‭ ‬العمل‭ ‬بإدارة‭ ‬المهام‭ ‬وتعيينها‭ ‬ورصد‭ ‬التقدّم‭ ‬الأوسع‭ ‬نطاقًا‭ ‬للمشروع،‭ ‬وبناء‭ ‬تدفقات‭ ‬عمل‭ ‬للمهام‭ ‬المتكررة،‭ ‬وبذلك‭ ‬فهو‭ ‬مثالي‭ ‬لليومين‭ ‬الرابع‭ ‬أو‭ ‬الخامس‭ ‬للعمل‭ ‬من‭ ‬البيت،‭ ‬عندما‭ ‬تبدأ‭ ‬تتساءل‭ ‬عمّا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬مديرك‭ ‬قد‭ ‬نسي‭ ‬أنك‭ ‬موجود‭ ‬أصلًا‭.‬

 

•‭ ‬زووم‭ ‬

أدوات‭ ‬عقد‭ ‬المؤتمرات‭ ‬المرئية‭ ‬شائعة‭ ‬جدًا،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬تكلفتها‭ ‬زهيدة‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬زووم‮»‬‭ ‬أبهر‭ ‬كثيرين،‭ ‬حيث‭ ‬ذلّل‭ ‬المصاعب‭ ‬التي‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تشوب‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬المخيبة‭ ‬للآمال‭. ‬فقد‭ ‬رفع‭ ‬التطبيق‭ ‬الحدّ‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬الحسابات‭ ‬المجانية‭ ‬استجابةً‭ ‬للأزمة،‭ ‬وصار‭ ‬يدعم‭ ‬نظريًا‭ ‬مشاركة‭ ‬1000‭ ‬شخص‭ ‬بحدّ‭ ‬أقصى‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬منفرد،‭ ‬ولو‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الواضح‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬نقطة‭ ‬إيجابية‭.‬

لكنّ‭ ‬الشركة‭ ‬شهدت‭ ‬بعض‭ ‬المشكلات‭ ‬المثيرة‭ ‬للجدل،‭ ‬بدايةً‭ ‬من‭ ‬مكوّنٍ‭ ‬إضافي‭ ‬غير‭ ‬آمن‭ ‬لعملاء‭ ‬أجهزة‭ ‬ماك،‭ ‬تم‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬يونيو،‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بخاصية‭ ‬‮«‬رصد‭ ‬الانتباه‮»‬‭ ‬المشبوهة‭ ‬التي‭ ‬سمحت‭ ‬للمديرين‭ ‬البشعين‭ ‬باستخدام‭ ‬تقنية‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬للتحقق‭ ‬مما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬موظفوهم‭ ‬يتطلعون‭ ‬إلى‭ ‬الشاشة‭ ‬فعلًا‭ ‬أم‭ ‬لا‭.‬

 

•‭ ‬توميتس‭ ‬

لا‭ ‬يقلّ‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تخصيص‭ ‬فترات‭ ‬للراحة‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬أنك‭ ‬تكدّ‭ ‬في‭ ‬عملك‭ ‬هناك‭. ‬وتُعدُّ‭ ‬طريقة‭ ‬بومودورو‭ ‬المشهورة‭ ‬للإدارة‭ ‬المُركَّزَة‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬لك‭ ‬بتقسيم‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬فترات‭ ‬تمتد‭ ‬الواحدة‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬20‭ ‬دقيقة،‭ ‬تتخللها‭ ‬5‭ ‬دقائق‭ ‬للراحة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الطرائق‭.‬

ويساعدك‭ ‬‮«‬توميتس‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬تطبيق‭ ‬بسيط‭ ‬وزهيد‭ ‬التكلفة‭ ‬لأجهزة‭ ‬ماك،‭ ‬على‭ ‬أتمتة‭ ‬الساعات‭ ‬الميقاتية‭ ‬المحددة‭ ‬لتلك‭ ‬الفترات،‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬أيّ‭ ‬تطبيق‭ ‬مثيل‭ ‬سيؤدي‭ ‬الغرض‭ ‬أيضًا،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ساعة‭ ‬ميقاتية‭ ‬فعلية‭ ‬كمنبهات‭ ‬‮«‬توماتو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬سُميَّت‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬تيمنًا‭ ‬بها ■

التكنولوجيا‭ ‬لها‭ ‬حدود‭ ‬قصوى‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬لا‭ ‬يناسب‭ ‬الجميع