«كنف» الأطفال في قلب إمارة الشارقة
ضمن الجهود المبذولة لتجسيد إمارة الشارقة كأفضل المدن العالمية الصديقة للأطفال واليافعين، وجّهت قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، في شهر أبريل الماضي، إدارة سلامة الطفل في الشارقة ببدء العمل على تأسيس وإنشاء بيت الطفل (كنف) في الإمارة، بهدف حماية الأطفال ضحايا الإساءة الجسدية والجنسية، من خلال إتاحة الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي، وتوحيد إجراءات حماية الطفل، مما يسهّل على المؤسسات المعنية تلبية احتياجاتهم في مكان آمن ومتكامل يُشعرهم بالحرية والمساندة.
يعتبر مشروع بيت الطفل (كنف) مماثلًا لنموذج مركز «بارناهوس» (بيت الطفل بالعربية) في آيسلندا، وذلك بعد أن حقق نجاحًا باهرًا في تجربته باستقبال وعلاج الأطفال الذين تعرّضوا للاعتداء الجسدي والجنسي، خاصة أن هناك نحو 50 مركزًا منتشرًا بمختلف المدن والبلدان الإسكندنافية.
ومن المقرر أن تتولى إدارة سلامة الطفل، التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، إدارة اكنفب وإتمام مهام التنسيق والإشراف على العمليات، من خلال القيام بزيارات واجتماعات مع الجهات المعنيّة بحماية الطفل للاطلاع على الممارسات الحاليّة المتعلّقة بحالات العنف والإساءة.
وسيجمع اكنفب 4 جهات مختصة بمتابعة ومعالجة حالات الإساءة ضد الأطفال وتقديم الدعم والإرشاد لهم، تحت سقفٍ واحدٍ، وهي دائرة الخدمات الاجتماعية بالشارقة، وإدارة حماية حقوق الطفل، والقيادة العامة لشرطة الشارقة، وإدارة مراكز الشرطة الشاملة وإدارة التحريات والمباحث الجنائية وإدارة الدعم الاجتماعي، وإدارة الطب الشرعي بالشارقة، ونيابة الشارقة الكلية، التابعتان لوزارة العدل.
وفي تصريح للشيخة جواهر القاسمي، قالت اقد يتعرّض الأطفال في مختلف المجتمعات لأنواعٍ مختلفة من الإساءة وسوء المعاملة، ويشكّل موضوع متابعة الحالات تحديًا كبيرًا أمام الطفل وذويه لما يحتاجه من وقت وجهد وإجراءات طويلة ومعقّدة، الأمر الذي يجعل من تسهيل هذه المهمة ضرورة اجتماعية، فما يتعرّض له الطفل في صغره يبقى راسخًا في ذاكرته، وقد يتراكم ليُلحق به أضرارًا نفسية وصحية دائمة، إلا إذا شعر الطفل أنه في محيط آمن، وأن هناك مَن يهتم به وسط أجواء دافئة تعيد إليه الثقة والأمانب.
وكانت القاسمي قد أعلنت أخيرًا استراتيجية إدارة سلامة الطفل لعامي 2020/2021، حيث تهدف إلى بناء وتعزيز الشراكات بين مختلف الجهات والمؤسسات المعنية بسلامة الأطفال وضمان حقوقهم في إمارة الشارقة، وذلك تحقيقًا لرؤية إدارة سلامة الطفل التي تجسّد ثقافة إمارة الشارقة وجوهر مشروعها التنموي والمتمثلة في شعار امجتمع واعٍ... طفل آمنب.
وعليه، فإنّ اكنفب يعدّ محطة نوعية في مسيرة التنمية الاجتماعية في الشارقة، تُترجم رؤية صاحب السمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حول دور المجتمع ومؤسساته في توفير بيئة آمنة للأطفال تحقّق سلامتهم الذهنية والجسدية، لكونها حقوقًا أساسية من ناحية، وشروطًا لبناء الشخصية المنتجة الملتزمة بمصالح مجتمعها من ناحية ثانية.
وتعتبر الإساءة الجسدية باختلاف أنواعها ودرجاتها واحدة من أكثر المشاكل التي تترك آثارًا سلبية على حياة ومستقبل الطفل وعائلته وعلى المجتمع أيضًا، وهي كغيرها من السلوكيات السلبية، توجد بدرجات متفاوتة في كل المجتمعات حول العالم، ويتطلب علاجها ومتابعتها ظروفًا وأجواءً تتوافر فيها الحماية والرعاية والخصوصية. وبيّنت دراسة مجموعة من الحالات ومتابعتها أن أكثر التحديات التي تحول دون الإبلاغ عن قضايا الإساءة الجسدية والجنسية تتمثّل في متطلبات التحقيق والمتابعة والعلاج النفسي والجسدي، التي غالبًا ما تتوزع على مؤسسات مختلفة حسب اختصاصها.
وأظهرت بعض الدراسات أنّ تكرار مقابلات الطفل الضحية قد يترك آثارًا نفسيةً سلبيةً، لما يمثّله من إعادة تذكير بالألم والظلم الذي وقع عليه بسبب الاعتداء، حيث وجدت واحدة من مؤسسات حماية الطفل في الولايات المتحدة أن معدّل عدد المقابلات التي يجريها الطفل لأخذ إفاداته خارج المركز يصل إلى 8 مرات.
ومن ناحية أخرى، فإن تكرار إجراء المقابلات لا يضر الطفل فقط، بل قد يضر بالقضية الجنائية، حيث تتعرّض قصة الطفل للتغيير من عدة نواحٍ؛ كالإيحاء من الشخص الذي يقابله أو التوجيه، فتظهر تغييرات في القصة الأساسية نتيجة لذلك.
كما كشفت دراسات أجرتها مراكز حماية الطفل أن 85 بالمئة من الأطفال لا يجيبون عن كل الأسئلة في المحكمة، لأنهم لا يفهمونها، فيجيبون بأجوبة مثل الا أعلمب أو الا أتذكرب، لأنّ اللغة المستخدمة في المحكمة لا تناسب سنّهم.
وبناء على الدراسات السابقة، حرص القائمون على اكنفب على أن يَمثُل الطفل لمقابلة واحدة فقط يسرُد خلالها أحداث الاعتداء عليه، وأن تكون في غرف مجهزّة بالكامل لما يتناسب مع احتياجات الطفل وبواعث الأمن في نفسه، حيث توجد مساحات اللعب، واختصاصيون مدرّبون، وغرف مراقبة.
وسوف تسهم آلية عمل اكنفب المتكاملة في توفير نظام رقميٍ موحّد لتخفيف الآثار النفسية لأي طفلٍ تعرَّض لأي شكلٍ من أشكال الاعتداء.
ونأمل أن يكون هناك اكنفب في كل مدينة ببلداننا العربية لينعم أطفالنا بالأمان ■
سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي تحيط أطفال الشارقة برعاية بالغة واهتمام كبير