العنصرية... تستطيع التنفس

العنصرية... تستطيع التنفس

في‭ ‬لحظة‭ ‬فارقة‭ ‬مشهودة‭ ‬بمنتصف‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي،‭ ‬تحول‭ ‬ملعب‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬لمسرح‭ ‬كبير،‭ ‬أدى‭ ‬فيه‭ ‬الجمهور‭ ‬دور‭ ‬‮«‬العنصرية‮»‬،‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬حقيقي‭ ‬مقتبس‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬العولمة،‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬بدأت‭ ‬عندما‭ ‬سجل‭ ‬لاعب‭ ‬فريق‭ ‬بورتو‭ ‬البرتغالي‭ ‬موسى‭ ‬ماريغا‭ ‬هدفًا‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬فريقه‭ ‬السابق‭ ‬فيتوريا‭ ‬غيمارايش،‭ ‬ثم‭ ‬تعالت‭ ‬بعدها‭ ‬من‭ ‬المدرجات‭ ‬صيحات‭ ‬متواصلة‭ ‬تحاكي‭ ‬أصوات‭ ‬القردة‭. ‬ماريغا‭ ‬لم‭ ‬يحتمل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬الذي‭ ‬أشعره‭ ‬بـ«إذلال‭ ‬كبير‮»‬،‭ ‬حسب‭ ‬وصفه،‭ ‬ولم‭ ‬يصمد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬دقائق،‭ ‬ثم‭ ‬غادر‭ ‬الملعب‭ ‬غير‭ ‬آبه‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬يطاله‭ ‬من‭ ‬عقوبات،‭ ‬وقد‭ ‬بذل‭ ‬لاعبو‭ ‬الفريقين‭ ‬جهدًا‭ ‬لإقناع‭ ‬زميلهم‭ ‬بالبقاء‭ ‬ومواصلة‭ ‬اللعب،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬واصل‭ ‬طريقه‭ ‬نحو‭ ‬غرفة‭ ‬تبديل‭ ‬الملابس،‭ ‬واستمرت‭ ‬الصيحات‭ ‬العنصرية‭.‬

 

لم‭ ‬تكن‭ ‬حادثة‭ ‬اللاعب‭ ‬موسى‭ ‬ماريغا‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الملاعب‭ ‬الأوربية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬حلقة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬حلقات‭ ‬السلوكيات‭ ‬العنصرية،‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬ملاعب‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأوربية،‭ ‬ضد‭ ‬اللاعبين‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬البشرة‭ ‬الداكنة،‭ ‬وقد‭ ‬سبقتها،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬حادثتان‭ ‬شبيهتان‭ ‬مع‭ ‬اللاعب‭ ‬البلجيكي‭ ‬في‭ ‬نادي‭ ‬إنتر‭ ‬ميلان،‭ ‬روميلو‭ ‬لوكاكو،‭ ‬واللاعب‭ ‬الإيطالي‭ ‬ماريو‭ ‬بالوتيلي،‭ ‬وبنفس‭ ‬الأسلوب‭ ‬إطلاق‭ ‬اصيحات‭ ‬القردةب،‭ ‬ولكن‭ ‬تبقى‭ ‬حالة‭ ‬اللاعب‭ ‬ماريغا‭ ‬هي‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حسب‭ ‬علمي،‭ ‬قبل‭ ‬توقف‭ ‬النشاط‭ ‬الرياضي‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬ملاعب‭ ‬العالم‭ ‬ضمن‭ ‬حالة‭ ‬الشلل‭ ‬العام‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭.‬

وقد‭ ‬قوبلت‭ ‬تلك‭ ‬السلوكيات‭ ‬العنصرية‭ ‬بردود‭ ‬أفعال‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الاستياء‭ ‬والرفض‭ ‬لوجودها،‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬الجهات‭ ‬الرياضية‭ ‬المعنية‭ ‬إجراءات‭ ‬تأديبية‭ ‬ضد‭ ‬الأندية‭ ‬والاتحادات،‭ ‬كحرمان‭ ‬جماهيرها‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬الملاعب،‭ ‬كما‭ ‬أعلن‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬تضامنهم‭ ‬مع‭ ‬اللاعبين‭ ‬الذين‭ ‬تعرضوا‭ ‬للإساءة،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البرتغالي‭ ‬أنطونيو‭ ‬كوستا‭ ‬مع‭ ‬اللاعب‭ ‬موسى‭ ‬ماريغا،‭ ‬أما‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬مارسيلو‭ ‬ريبيلو‭ ‬دي‭ ‬سوزا‭ ‬فقد‭ ‬حذّر‭ ‬من‭ ‬التبعات‭ ‬المأساوية‭ ‬للعنصرية‭.‬

 

عولمة‭ ‬العنصرية‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬عولمة‭ ‬التسامح‭ ‬

ما‭ ‬سبق‭ ‬قد‭ ‬يوحي‭ ‬بأن‭ ‬ظاهرة‭ ‬العنصرية‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭ ‬محصورة‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬أو‭ ‬الملاعب‭ ‬الأوربية،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬ضحيتها‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬البشرة‭ ‬الداكنة‭. ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬فإن‭ ‬تلك‭ ‬الظاهرة‭ ‬مجرد‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬وجوهها‭ ‬التي‭ ‬تتمثل‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬بقع‭ ‬سوداء‭ ‬متناثرة‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬العالم،‭ ‬ولكل‭ ‬بقعة‭ ‬حادث‭ ‬وحديث‭ ‬يختلف‭ ‬هنا‭ ‬ويتطابق‭ ‬هناك‭.‬

ولقد‭ ‬أخذنا‭ ‬ملاعب‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬كفاتحة‭ ‬لموضوعنا،‭ ‬لكون‭ ‬تلك‭ ‬الرياضة‭ ‬هي‭ ‬الأشهر‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وما‭ ‬يحصل‭ ‬فيها‭ ‬يراه‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المتابعين،‭ ‬عبر‭ ‬النقل‭ ‬الحي‭ ‬لمنافساتها‭ ‬الكثيرة‭ ‬والمتشعبة،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬أخذنا‭ ‬بالاعتبار‭ ‬وجود‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬حدث‭ ‬سيقع‭ ‬سيلف‭ ‬العالم،‭ ‬لأن‭ ‬لغة‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬عالمية‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬ترجمة،‭ ‬لذلك‭ ‬يمكن‭ ‬احتساب‭ ‬مجريات‭ ‬أحداث‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬ضمن‭ ‬المؤشرات‭ ‬المهمة‭ ‬لقياس‭ ‬منسوب‭ ‬العنصرية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ملاعب‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬بمجال‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬واستيعاب‭ ‬المكونات‭ ‬المتباينة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها‭.‬

 

مسارات‭ ‬تتشابك‭ ‬لتتساند

إن‭ ‬العالم‭ ‬يشهد‭ ‬أخيرًا‭ ‬تصاعدًا‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬وتناميًا‭ ‬غريبًا‭ ‬في‭ ‬عولمة‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬تضرب‭ ‬موجاتها‭ ‬بكل‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬عولمة‭ ‬التسامح،‭ ‬ونحن‭ ‬هنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬حوادث‭ ‬عنصرية‭ ‬متعددة‭ ‬الخلفيات،‭ ‬عرقية‭ ‬ودينية‭ ‬وإثنية،‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬التمدد‭ ‬والتأجج،‭ ‬وكأن‭ ‬الشرائع‭ ‬والقوانين‭ ‬الرادعة‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬كبح‭ ‬جماحها،‭ ‬ولقد‭ ‬أخذت‭ ‬تلك‭ ‬الموجات‭ ‬مسارات‭ ‬عدة‭ ‬لافتة،‭ ‬أولها‭ ‬تسلسل‭ ‬مفردات‭ ‬الخطاب‭ ‬العنصري‭ ‬إلى‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي،‭ ‬الذي‭ ‬وجدت‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليمينية‭ ‬والشعبوية‭ ‬ضالتها‭ ‬للصعود‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ (‬برلمانية‭/‬رئاسية‭/‬محلية‭... ‬إلخ‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬أوربية،‭ ‬وكان‭ ‬العامل‭ ‬المشترك‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬مناهضة‭ ‬المهاجرين‭ ‬والخشية‭ ‬على‭ ‬هوية‭ ‬الدولة‭ ‬منهم،‭ ‬وقد‭ ‬جرت‭ ‬العادة‭ ‬أن‭ ‬يحرص‭ ‬السياسيون‭ ‬على‭ ‬الإكثار‭ ‬من‭ ‬خطوط‭ ‬الرجعة‭ ‬في‭ ‬خطاباتهم،‭ ‬لتكون‭ ‬بمنزلة‭ ‬طوق‭ ‬النجاة‭ ‬وقت‭ ‬الحاجة،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬المهاجرين‭ ‬نجدهم‭ ‬يميلون‭ ‬ــ‭ ‬بلا‭ ‬تردد‭ ‬ــ‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬خطاب‭ ‬يسير‭ ‬باتجاه‭ ‬واحد‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه‭.‬

المسار‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬الحوادث‭ ‬الدموية‭ ‬التي‭ ‬ينفذها‭ ‬أشخاص‭ ‬أو‭ ‬مجموعات‭ ‬متطرفة‭ ‬ضد‭ ‬أقليات‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬مهاجرين‭ ‬بصورة‭ ‬علنية‭ ‬وموثقة،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬عام‭ ‬2019م‭ ‬في‭ ‬نيوزلندا،‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬شاب‭ ‬أسترالي‭ ‬مسلح‭ ‬بتصوير‭ ‬وبث‭ ‬عملية‭ ‬اقتحام‭ ‬وقتل‭ ‬49‭ ‬مسلمًا‭ ‬في‭ ‬مسجدين‭ ‬بمنطقة‭ ‬كرايست‭ ‬تشيرتش‭ ‬على‭ ‬الهواء،‭ ‬عبر‭ ‬إحدى‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬البث‭ ‬الحي‭ ‬لمدة‭ ‬ربع‭ ‬ساعة‭ ‬تقريبًا‭. ‬

وينطلق‭ ‬المسار‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬الحقل‭ ‬الإعلامي‭ ‬بشقّيه‭ ‬التقليدي‭ ‬والرقمي،‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬يتحرر‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدي‭ ‬يعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬المتواصل،‭ ‬بين‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬المقبول‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬المهني،‭ ‬وبين‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬القضايا‭ ‬المثيرة‭ ‬للجدل،‭ ‬لكسب‭ ‬انتباه‭ ‬الجمهور،‭ ‬والإعلانات‭ ‬التجارية،‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬المعضلة،‭ ‬عندما‭ ‬تعمل‭ ‬قنوات‭ ‬وصحف‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬خط‭ ‬عنصري‭ ‬واضح،‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬اتجاهات‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬ويأتي‭ ‬الإعلام‭ ‬الرقمي‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للسير‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬نفسه‭.‬

أخيرًا،‭ ‬يتمثل‭ ‬المسار‭ ‬الرابع‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬تصدر،‭ ‬والتشريعات‭ ‬التي‭ ‬تسن‭ ‬وتحمل‭ ‬في‭ ‬جوفها‭ ‬نفسًا‭ ‬عنصريًا‭ ‬يصعب‭ ‬إخفاؤه،‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬يمكن‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬يصدرها‭ ‬عادة‭ ‬مسؤول‭ ‬واحد،‭ ‬فإنه‭ ‬يصعب‭ ‬إلغاء‭ ‬أو‭ ‬تعديل‭ ‬التشريعات‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬البرلمان‭ ‬بالسرعة‭ ‬نفسها،‭ ‬وهناك‭ ‬تتجلى‭ ‬الخطورة،‭ ‬لأن‭ ‬التشريعات‭ ‬واجبة‭ ‬النفاذ‭ ‬بعد‭ ‬إقرارها،‭ ‬وباقية‭ ‬بعد‭ ‬ذهاب‭ ‬من‭ ‬وضعوها‭.‬

في‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2019م،‭ ‬اندلعت‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬مواجهات‭ ‬عنيفة‭ ‬بين‭ ‬مؤيدي‭ ‬ومعارضي‭ ‬قانون‭ ‬الجنسية‭ ‬المثير‭ ‬للجدل،‭ ‬والذي‭ ‬يتلخص‭ ‬في‭ ‬السماح‭ ‬بقبول‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬ملاصقة‭ ‬للهند،‭ ‬هي‭ ‬باكستان‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وبنجلاديش،‭ ‬بشرط‭ ‬ألا‭ ‬يكونوا‭ ‬مسلمين‭!!‬،‭ ‬هذا‭ ‬التشريع‭ ‬الملغوم‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬تعد‭ ‬مثالًا‭ ‬في‭ ‬احترام‭ ‬التعددية،‭ ‬ودستورها‭ ‬يجرم‭ ‬المس‭ ‬بالمشاعر‭ ‬الدينية‭ ‬لأي‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬المواطنين،‭ ‬سواء‭ ‬بالكلمة‭ ‬المكتوبة‭ ‬أو‭ ‬المنطوقة‭.‬

وللهند‭ ‬التي‭ ‬يتجاوز‭ ‬تعداد‭ ‬سكانها‭ ‬المليار‭ ‬نسمة،‭ ‬مسيرة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬التعايش‭ ‬بين‭ ‬ملايين‭ ‬المكونات،‭ ‬وعندما‭ ‬تتعرض‭ ‬لأي‭ ‬انتكاسة‭ ‬يكون‭ ‬النقد‭ ‬والعتب‭ ‬عليها‭ ‬بقدر‭ ‬سمعتها،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬مثل‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬فيه‭ ‬اقانون‭ ‬القوميةب‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2018م،‭ ‬ونص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ادولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬الوطن‭ ‬القومي‭ ‬للشعب‭ ‬اليهودي،‭ ‬يحقق‭ ‬فيها‭ ‬تطلعاته‭ ‬بتقرير‭ ‬مصيره‭ ‬وفقًا‭ ‬للتقاليد‭ ‬الثقافية‭ ‬والتاريخيةب،‭ ‬وأن‭ ‬احق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬يعود‭ ‬حصرًا‭ ‬للشعب‭ ‬اليهوديب،‭ ‬فمثل‭ ‬ذلك‭ ‬القانون‭ ‬وغيره‭ ‬عندما‭ ‬يصدر‭ ‬في‭ ‬كيان‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬العنصرية‭ ‬والتمييز،‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬مكوناته،‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬مستغرب‭.‬

وإذا‭ ‬تمعّنا‭ ‬في‭ ‬المسارات‭ ‬الأربعة‭ ‬لموجات‭ ‬العنصرية‭ (‬الخطاب‭ ‬السياسي‭/‬الحوادث‭ ‬الدموية‭/ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي‭/‬القوانين‭)‬،‭ ‬بنظرة‭ ‬شاملة،‭ ‬سنجد‭ ‬أنها‭ ‬تتشابك‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬وكل‭ ‬منها‭ ‬يسند‭ ‬ويغذي‭ ‬الآخر،‭ ‬وطالما‭ ‬أن‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬يتقبل‭ ‬ويُقبل‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬العنصري،‭ ‬فسوف‭ ‬يجد‭ ‬كل‭ ‬العنصريين‭ ‬الغطاء‭ ‬اللازم‭ ‬للاستمرار،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬صعود‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار‭ ‬العنصريين،‭ ‬وصدور‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬العنصرية،‭ ‬فمن‭ ‬يقرع‭ ‬جرس‭ ‬الإنذار‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتبدل‭ ‬بنية‭ ‬المجتمعات‭ ‬المتسامحة‭ ‬إلى‭ ‬نقيضها؟

‭ ‬

تجربة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬

عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬العنصرية،‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تحضرني‭ ‬مشاهد‭ ‬من‭ ‬رحلة‭ ‬سابقة‭ ‬قمت‭ ‬بها‭ ‬لجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬عام‭ ‬2010م،‭ ‬للاطلاع‭ ‬على‭ ‬تجربتها‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الاندماج‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬الدولية،‭ ‬بسبب‭ ‬سياساتها‭ ‬العنصرية‭ ‬ضد‭ ‬السود،‭ ‬ولأن‭ ‬السفر‭ ‬يغني‭ ‬عن‭ ‬عشرات‭ ‬الكتب‭ ‬فقد‭ ‬عشت‭ ‬تجربتي‭ ‬الخاصة‭ ‬وكتبت‭ ‬ما‭ ‬رأيته،‭ ‬ومن‭ ‬بينه‭ ‬اأن‭ ‬بلدًا‭ ‬مثل‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختصار‭ ‬معضلة‭ ‬العنصرية‭ ‬فيها‭ ‬باللون‭ ‬فقط،‭ ‬فداخل‭ ‬كل‭ ‬لون‭ ‬توجد‭ ‬هناك‭ ‬اختلافات‭ ‬فرعية‭ ‬عميقة‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فإن‭ ‬البيض‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬هولندية‭ ‬يتحدثون‭ ‬لغة‭ ‬االأفريكانزب،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬يشكلون‭ ‬غالبية‭ ‬البيض،‭ ‬والباقي‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬إنجليزية،‭ ‬ويتحدثون‭ ‬الإنجليزية‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬أما‭ ‬السود‭ ‬فعلينا‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬أنهم‭ ‬عدة‭ ‬قبائل،‭ ‬والقبائل‭ ‬الكبيرة‭ ‬تحتضن‭ ‬لهجات‭ ‬متعددة،‭ ‬فمثلاً‭ ‬قبيلة‭ ‬االزولوب‭ ‬لديها‭ ‬لغتها‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة،‭ ‬وهناك‭ ‬لغة‭ ‬اإكسوزوب‭ ‬واتسونجاب‭ ‬وافينداب‭... ‬إلخ‭. ‬وبين‭ ‬هؤلاء‭ ‬وهؤلاء‭ ‬نجد‭ ‬أمامنا‭ ‬الأقلية‭ ‬الهندية‭ ‬المسلمة،‭ ‬التي‭ ‬جلبها‭ ‬المستعمر‭ ‬الإنجليزي‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬الزراعة،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬إن‭ ‬كانوا‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬غضاضة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬فإنهم‭ ‬سيحرصون‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬احترام‭ ‬خصوصيتهم‭ ‬الثقافية‭ ‬والدينية،‭ ‬ومن‭ ‬يعرف‭ ‬الهنود‭ ‬جيدًا‭ ‬يعرف‭ ‬أنهم‭ ‬يتركون‭ ‬بصمات‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬يتواجدون‭ ‬فيها‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الديانة‭ ‬التي‭ ‬يعتنقونها‭.‬

هذا‭ ‬الخليط‭ ‬العرقي‭ ‬والثقافي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬ورغبة‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬الاندماج،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬فلسفة‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬لغير‭ ‬الأسياد‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬تلقين‭ ‬السود‭ ‬أنهم‭ ‬خلقوا‭ ‬لكي‭ ‬يكونوا‭ ‬عمالًا‭ ‬عند‭ ‬السيد‭ ‬الأبيض،‭ ‬الأمر‭ ‬الثاني‭ ‬كانت‭ ‬مدارس‭ ‬السود‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬شديد‭ ‬في‭ ‬التمويل،‭ ‬لكي‭ ‬تصبح‭ ‬مدارس‭ ‬حقيقية،‭ ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬التلاميذ‭ ‬السود‭ ‬يعانون‭ ‬في‭ ‬التزود‭ ‬بكل‭ ‬مستلزمات‭ ‬الدراسة‭ ‬كان‭ ‬التلاميذ‭ ‬البيض‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بالمجان،‭ ‬إنه‭ ‬بؤس‭ ‬يومي‭ ‬تراكم‭ ‬طوال‭ ‬زمن‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري،‭ ‬وسيحتاج‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬مضاعف‭ ‬كي‭ ‬يتغيرب‭.‬

إذًا‭ ‬كان‭ ‬الزمن‭ ‬والتعليم‭ ‬وتوافر‭ ‬إرادة‭ ‬التغيير‭ ‬والقادة‭ ‬العظام‭ ‬هم‭ ‬مسار‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬نحو‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬رواسب‭ ‬مرحلة‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري،‭ ‬وبنبرة‭ ‬متفائلة‭ ‬قال‭ ‬زعيم‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭: ‬اأبدًا،‭ ‬أبدًا،‭ ‬أبدًا‭ ‬لن‭ ‬تشهد‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الجميلة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬اضطهاد‭ ‬البعض‭ ‬للآخرينب‭.‬

 

يولد‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭ ‬أحرارًا

في‭ ‬وقت‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬تجاربهم‭ ‬المريرة،‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات،‭ ‬ويورثوا‭ ‬لأبنائهم‭ ‬ما‭ ‬ينفعهم‭ ‬لتجنب‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬الأخطاء‭ ‬نفسها،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأخطاء‭ ‬تتكرر‭ ‬بلا‭ ‬توقف،‭ ‬ولقد‭ ‬تضمنت‭ ‬ديباجة‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1948م،‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العبارات،‭ ‬التي‭ ‬تكتسي‭ ‬بآلام‭ ‬وآمال‭ ‬من‭ ‬عانوا‭ ‬من‭ ‬أهوال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬والحروب‭ ‬التي‭ ‬سبقتها‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬العبارات‭: ‬اولما‭ ‬كان‭ ‬تناسي‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وازدراؤها‭ ‬قد‭ ‬أفضيا‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬همجية‭ ‬آذت‭ ‬الضمير‭ ‬الإنساني،‭ ‬وكان‭ ‬غاية‭ ‬ما‭ ‬يرنو‭ ‬إليه‭ ‬عامة‭ ‬البشر‭ ‬انبثاق‭ ‬عالم‭ ‬يتمتع‭ ‬فيه‭ ‬الفرد‭ ‬بحرية‭ ‬القول‭ ‬والعقيدة‭ ‬ويتحرر‭ ‬من‭ ‬الفزع‭ ‬والفاقةب‭.‬

ونصت‭ ‬المادة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭: ‬ايولد‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭ ‬أحرارًا‭ ‬ومتساوين‭ ‬في‭ ‬الكرامة‭ ‬والحقوق‭. ‬وهم‭ ‬قد‭ ‬وهبوا‭ ‬العقل‭ ‬والوجدان،‭ ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬يعاملوا‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضًا‭ ‬بروح‭ ‬الإخاءب،‭ ‬أما‭ ‬المادة‭ ‬الثانية،‭ ‬فنصها‭: ‬الكلِّ‭ ‬إنسان‭ ‬حقُّ‭ ‬التمتُّع‭ ‬بجميع‭ ‬الحقوق‭ ‬والحرِّيات‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان،‭ ‬دونما‭ ‬تمييز‭ ‬من‭ ‬أيِّ‭ ‬نوع،‭ ‬ولاسيما‭ ‬التمييز‭ ‬بسبب‭ ‬العنصر،‭ ‬أو‭ ‬اللون،‭ ‬أو‭ ‬الجنس،‭ ‬أو‭ ‬اللغة،‭ ‬أو‭ ‬الدِّين،‭ ‬أو‭ ‬الرأي‭ ‬سياسيًّا‭ ‬وغير‭ ‬سياسي،‭ ‬أو‭ ‬الأصل‭ ‬الوطني‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬أو‭ ‬الثروة،‭ ‬أو‭ ‬المولد،‭ ‬أو‭ ‬أيِّ‭ ‬وضع‭ ‬آخر‭. ‬وفضلًا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬التمييزُ‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬القانوني‭ ‬أو‭ ‬الدولي‭ ‬للبلد‭ ‬أو‭ ‬الإقليم‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه‭ ‬الشخص،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬مستقلًا‭ ‬أو‭ ‬موضوعًا‭ ‬تحت‭ ‬الوصاية،‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬متمتِّع‭ ‬بالحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬أو‭ ‬خاضعًا‭ ‬لأيِّ‭ ‬قيد‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬سيادتهب‭. ‬

ونلاحظ‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الديباجة‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬أنواع‭ ‬التمييز،‭ ‬بهدف‭ ‬محاصرة‭ ‬أسباب‭ ‬النزاعات،‭ ‬وسد‭ ‬أبواب‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تنشب‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬حيث‭ ‬ستسود‭ ‬ثقافة‭ ‬المواثيق‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬اصطدمت‭ ‬أول‭ ‬الأمر‭ ‬بالحرب‭ ‬الباردة‭ ‬بين‭ ‬القطبين،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬وحروب‭ ‬متلاحقة‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬وفيتنام‭ ‬ومناطق‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة،‭ ‬وحروب‭ ‬أهلية‭ ‬مفزعة‭ ‬نشبت‭ ‬لأسباب‭ ‬عنصرية‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬رواندا‭.‬

ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬استمرت‭ ‬حركة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ومنظمات‭ ‬مكافحة‭ ‬العنصرية‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها،‭ ‬وتعزز‭ ‬حضورها‭ ‬وانتشارها‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬جديدة‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬المعسكر‭ ‬الشيوعي،‭ ‬وظهرت‭ ‬مصطلحات‭ ‬جديدة،‭ ‬مثل‭ ‬الجيل‭ ‬الثاني‭ ‬والثالث‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬في‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬نوعية‭ ‬المطالبات‭ ‬والحقوق‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬البداية،‭ ‬كيف‭ ‬ولماذا‭ ‬انتكست‭ ‬أوضاع‭ ‬الدول‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬والمجتمعات‭ ‬المتسامحة،‭ ‬لتظهر‭ ‬فيها‭ ‬أصوات‭ ‬وأحزاب‭ ‬يمينية‭ ‬متطرفة؟

 

نهاية‭ ‬فرضت‭ ‬نفسها‭ ‬

‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬الفائت،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬انشغال‭ ‬أمريكا‭ ‬بارتفاع‭ ‬أعداد‭ ‬الوفيات‭ ‬والمصابين‭ ‬فيها،‭ ‬بوباء‭ ‬كورونا،‭ ‬قُتل‭ ‬مواطن‭ ‬أمريكي‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬إفريقية،‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مينيابولس‭ ‬بولاية‭ ‬مينيسوتا،‭ ‬بعد‭ ‬اعتقاله‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شرطيين،‭ ‬قام‭ ‬أحدهما‭ ‬بالضغط‭ ‬بركبته‭ ‬على‭ ‬عنق‭ ‬الضحية‭ ‬جورج‭ ‬فلويد،‭ ‬حتى‭ ‬فارق‭ ‬الحياة،‭ ‬وقبل‭ ‬وفاته‭ ‬كان‭ ‬فلويد‭ ‬يصرخ‭ ‬بالعبارة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬حديث‭ ‬العالم‭ ‬الا‭ ‬أستطيع‭ ‬التنفسب،‭ ‬وقد‭ ‬صور‭ ‬المارة‭ ‬ذلك‭ ‬المشهد‭ ‬لحظة‭ ‬بلحظة‭ ‬بهواتفهم‭ ‬النقالة‭.‬

لقد‭ ‬أشعل‭ ‬حادث‭ ‬واحد‭ ‬المدن‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالمظاهرات‭ ‬الصاخبة،‭ ‬وأعمال‭ ‬العنف‭ ‬والتخريب،‭ ‬وأيقظ‭ ‬كل‭ ‬فصول‭ ‬العبودية‭ ‬والتفرقة،‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬السود‭ ‬لعقود‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬أبهر‭ ‬العالم،‭ ‬عندما‭ ‬تولى‭ ‬الرئاسة‭ ‬بها‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬أسود‭ ‬ولفترتين‭ ‬متتاليتين،‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬التراكمات‭ ‬وتفاعل‭ ‬مسارات‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬تحدثنا‭ ‬عنها‭ ‬وجدت‭ ‬اللحظة‭ ‬المناسبة‭ ‬للانفجار‭.‬

في‭ ‬الختام،‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬العنصرية‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها‭ ‬هي‭ ‬مَن‭ ‬يستطيع‭ ‬التنفس‭ ‬بحرية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم،‭ ‬مع‭ ‬الأسف،‭ ‬والقوى‭ ‬المناهضة‭ ‬لها‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الأكسجين‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتدارك‭ ‬نفسها‭ ‬قبل‭ ‬االضغطب‭ ‬على‭ ‬رقبتها‭ ■