أساتذتي الأجلاء... عبد العزيز الأهواني
أظن أن أكثر أساتذتي في كلية الآداب بجامعة القاهرة تأثيرًا على تكويني الفكــــري والعقلي- هم ثلاثة؛ أولهـــــــم: أستاذتي الدكتورة سهيــــــر القلمـــــــاوي، وثانيـــــهــــــم: الأستـــاذ الدكتــور عبدالعزيز الأهواني، وثالثهم: أستاذي الدكتور شكري عياد. الطريف أن كل واحد من هؤلاء الثلاثة كانت له سمة تمايز بينه وبين الآخرين، وتضعه في مكانة خاصة فريدة، ويصعب على نفسي أن أحدد أي الثلاثة كان أقرب إليَّ وجدانيًّا وفكريًّا.
مؤكد أن الدكتورة سهير القلماوي كانت هي الأقرب، بحكم أنها كانت الأستاذة المباشرة التي تلقيت دروس النقد الأدبي - قديمه وحديثه - على يديها، واستمعت إليها في قاعة المحاضرات مع بقية أبناء جيلي، الذين تمتعوا مثلي بمحاضراتها، وأعجبوا مثلي بصوتها الرخيم الذي كان يتلوَّن بحسب درجات المعاني التي كانت تبحر بنا في موضوعاتها طوال الدرس الذي كان يستمر لساعتين. ولم تكن الدكتورة سهير تتوقف للراحة بين الساعتين، بل كانت تمضي من أول المحاضرة في عالم الموضوعات الذي اختارته، وتلقي علينا بصوتها العذب كل المعرفة التي كانت تريد أن توصلها إلينا في النقد الأدبي القديم عند العرب واليونان، وفي النقد الأدبي الحديث ما بين العربي والإفرنجي. وكانت طبيعتها الهادئة وقوة شخصيتها تفرض علينا أن نقابل محاضراتها بالتوقير والإجلال، ونمتنع عن مقاطعتها بالأسئلة، ربما لكي نتمتع بنبرات صوتها. وكان الدكتور شكري عياد يشاركها صفات الحداثة التي ظلت تنطوي عليها وتمثلها في وجدانها.
ومن المؤكد أن تربيتها كان لها أثر في ذلك، فوالدها الطبيب الثري الذي كان ينتمي إلى الأرستقراطية المصرية زرع فيها صفات هذه الأرستقراطية، ولذلك لم تكن تعترف بما يجاوز الواقعية النقدية إلى الواقعية الاشتراكية مثلًا، بل كانت ترى - وظلت على هذا الرأي طوال حياتها - أن الأدب ليس نوعًا من الدعاية الممجوجة للبلاشفة ومن لفَّ لفهم من الشيوعيين المصريين، وكانت تستبدل بالتركيز على الأبعاد الاجتماعية للنص الأدبي، التركيز على الأبعاد الجمالية، وكانت في ذلك متوافقة مع موقعها الطبقي، ومع منزعها الفكري على السواء. وأذكر أنها كانت تسخر من تلميذها وأستاذي عبدالمحسن طه بدر، ومن زميلي الدكتور عبدالمنعم تليمة بسبب يساريتهما الملحوظة، والتي لم يكن ينكرها أي واحد منهما. ولاأزال أذكر تحذيراتها المرحة عندما كانت تقول للاثنين معًا: القد أفسدتكما الاشتراكية والماركسية، فأرجوكما ألا تفسدا عقل هذا الولد الصغير حتى لا يصبح مثلكماب، وكان المقصود بـ االولد الصغيرب هو أنا بالطبع، فقد كانت أستاذتي حريصة على أن أحافظ على نقاء المدرسة التي أختارها من تحيزات المجتمع والسياسة.
الأهواني مستفز العقول
الطريف أنها لم تكن تدرك أن أستاذي شكري عياد كان ذ دون أن يدري- يدعم هذا البُعد في نفسي، ويبدو من السطح أنه ينتسب إلى جماليات النقد الجديد، بينما هو في واقع الأمر كان يساري الاتجاه والنزعة، ولكنه كان يخفي هذه اليسارية بأقنعة مراوغة تؤكد شخصيته التي ظلت تميل إلى الحذر والتقية على السواء. أما الأستاذ الأخير فهو عبدالعزيز الأهواني الذي كان أول من قارب ما بيني وبين النزعات العقلانية في الفلسفة والنقد على السواء. فقد كان أستاذي مثلهما، ولكنه تميز عنهما بأنه كان يقوم بتدريس الأدب الأندلسي من ناحية، والموشحات والأزجال الأندلسية من ناحية موازية. وكانت ميزته التي تمايزه عن زميليه: الدكتور شكري عياد والدكتورة سهير القلماوي، هي أنه كان في كل محاضرة يستفز عقولنا ويدفعنا دائمًا إلى السؤال، ولعل منه ومن طريقته في الدرس والتفكير أخذت مصطلح االمساءلةب الذي أكرره كثيرًا في كتاباتي. صحيح أن الدكتور عبدالعزيز الأهواني لم يكن يستخدم هذا المصطلح في كتبه أو محاضراته، ولكن ما كانت تفعله كتبه في عقولنا وتثيره محاضراته في نفوسنا هي آلية المساءلة التي كانت دائمًا تجعلنا نضع ذ مثله - الموضوع المدروس موضع المساءلة. لقد غرس في ذهني جرثومة السؤال، وتركها تنمو ذاتيًّا إلى أن أصبحتُ أميل إلى النزعة العقلانية، ولا أكتفي بها فحسب، بل أجاوزها إلى نزعة من الشك فى كل شيء، وعدم قبول أي فكر أو موضوع إلا بعد أن أطرح عليه عشرات الأسئلة، ولا أقبل موضوعًا أو فكرة إلا إذا كانت تملك من القوة والسلامة البنائية ما يتيح لها أن تصمد في وجه أية مساءلة شاكة، أو تستعين بالشك كي تصل إلى اليقين.
هكذا جذبني الدكتور عبدالعزيز الأهواني إلى منهجه في البحث والدرس الأدبي. وأذكر أننا كنا طلابًا لانزال في القسم عام 1963 تقريبًا، وكان كتاب: اابن سناء الملك ومشكلة العقم والابتكار في الشعرب قد صدر وأخذ يثير حوله ألوانًا متعددة من القبول والرفض، ومن ثم الجدال في كل الأحوال. وأذكر أنني ذهبتُ إلى مكتبة الإنجلو المصرية في ذلك الوقت، وكانت في شارع محمد فريد في وسط البلد، واشتريت منها نسخة من كتاب: اابن سناء الملكب وذهبتُ فرحًا بها إلى المنزل لكي أقرأها، وكان ذلك قبل عام على الأقل من تدريس الأهواني لنا بشكل رسمي. وقد تركني كتاب ابن سناء الملك في نوع من الحيرة ودوامات الأسئلة، فهو كتاب يخرج على كل كتب تاريخ الأدب أو النقد التي اعتدنا عليها، ولا يتحدث عن الشاعر وعصره أو الشاعر وبيئته، وإنما عن قضية االعقم والابتكارب، ومن ثم كان الكتاب يطرح على قارئه بشكل مباشر: متى يكون الشعر مُبتكَــرًا أصيلًا جميلًا؟ في مقابل السؤال: ومتى يكون - هذا الشعر ذ على النقيض عقيمًا رديئًا، تكرارًا للأصوات التي عاصرت الشاعر أو التي سبقته أو التي لحقت به في آن؟ وقد وجدتُ نفسي بعد أن دخلت في طيات هذا السؤال وحاولت الإجابة عليه في قدس أقداس الشعر، وهو اللغة، تلك الأداة التي يكون بها الشعر شعرًا أو لا يكون. ووجدتُ نفسي أتذكر كلمات استيفان مالارميهب الشاعر الفرنسي لصديقه الرسام اديجاب: االشعر يا عزيزي ديجا يكتب بالكلمات ولا شيء آخرب. لكن أي نوع من الكلمات كان يقصد مالارميه؟ هل كان يقصد إلى الكلمات التي أكل عليها الدهر وشرب، أم الكلمات التي محا علاماتها الخاصة التكرار والتقليد والنسخ، أم الكلمات التي تتضوء بالعاطفة وتغتني بالإحساس وتثمر بالمشاعر والانفعالات التي تسترجع في هدوء؟ ألم يصف لنا الشاعر الإنجليزي الشهير اصامويل تايلر كولريدجب الشعر بأنه مشاعر وانفعالات تُستعاد في هدوء. وهل هناك فارق كبير بين هذا الوصف وعبارة مالارميه إلى صديقه الرسام ديجا؟ نعم هناك فارق بالتأكيد، لكن هذا الفارق يقودنا إلى البحث في جوهر الشعرية، وهو حيوية اللغة وتوهجها بحرارة الانفعال الفردي وتفرد العاطفة التي تجعل من الشاعر يختار من بين ملايين الكلمات، الكلمات التي توازي مشاعر بعينها ولا تخرج عليها فتكون أكبر منها أو تتضاءل فتكون أصغر منها.
الفارق بين الأهواني وغيره
هذا ما خرجتُ به من المقدمات الخاصة بابن سناء الملك، فوجدت فيها الإجابة عن قضية الأصالة في الشعر، ومتى يكون ما يكتبه شاعر أصيلًا أو زائفًا. وهي إجابة حسمت لي سبيل الإجابة إلى أسئلة أهم، منها مثلًا: ما دور التقليد في الشعر؟ وهل نطلب من الشاعر أن يبرع في تقليد السابقين عليه، أم يبرع في توصيل مشاعره الخاصة الفريدة إلينا في لحظة بعينها من لحظات الزمن؟ وقد قادني هذا السؤال إلى عشرات من الأسئلة ومثلها من الأجوبة التي لم يكن واحد منها يشفي غليل نهم المعرفة أو رغبة الباحث المُشوق في الغوص عميقًا في معنى الشعر وخصوصيته وتفرده في آن.
وهذا هو الفارق بين الأهواني وغيره، لقد قادني إلى عقدة الكتاب مباشرة، ووضعني في حضرة الإشكال الجوهري الذي يدور حوله الكتاب، وما كان يمكن لي أن أنجح في الأولى أو الثانية إلا إذا كنت قادرًا على التفلسف وعلى أن أضع أفكار الآخرين ومبادئهم بما فيها أفكار الأهواني نفسه موضع المساءلة. هكذا اقتربتُ من فكر االدكتور عبدالعزيز الأهواني شيئًا فشيئًا، وكانت قراءة كتابه عن اابن سناء الملك ومشكلة العقم والابتكار في الشعرب، هي المدخل الذي لا ينسى في دراسة الأدب بعامة والشعر بخاصة. ويغني ذلك عن القول بأن الأهواني لا يهتم بالتفاصيل المعلوماتية بقدر ما يهتم بالأسئلة الكلية، وعلى رأسها سؤال المنهج الذي هو الأصل الذي تعوِّل عليه الدراسة الأدبية والنقدية على السواء، وكانت النتيجة أنني أصبحت معجبًا بالرجل وكتاباته. وعندما وصلتُ إلى السنة التي قام بالتدريس لنا فيها، وجدت نفسي أقرب إليه من غيري من تلامذة الصف، وأميل إلى السجال معه بالأسئلة التي كنت أسعى بها إلى مزيد من الفهم وإلى مزيد من التعمق في أفكاره على السواء.
وشيئًا فشيئًا أدركتُ أن عقلي قد أسلم نفسه بالكلية إلى ثلاثة أساتذة: شكري عياد، وسهير القلماوي، وعبدالعزيز الأهواني. وبقدر قربي من هؤلاء الفرسان الثلاثة كانت حماستي لهم ولطرائق تفكيرهم الجديدة التي تباعد بيني وبين طريقة شوقي ضيف في التأريخ الأدبي، أو في تتبع ما كان يأخذه عن أستاذه طه حسين من دراسة الفن ومذاهبه في الشعر العربي. وسرعان ما اكتشفت أن الرجل استبدل بالفن التأريخ، وهجر المذاهب إلى المراحل التاريخية، وتحول من دارس للأدب إلى مؤرخ للأدب. والفارق بين الدارس والمؤرخ فارق كبير جدًّا وعظيم. ولذلك بقدر ما كنت أغوص في كتابات هؤلاء الثلاثة في مرحلة ما بعد التخرج، كنت أتباعد عن كتابات شوقي ضيف، أو على الأقل أقرأها بعين المتسائل الذي يبحث عن مناط الأسئلة الجوهرية التي يبني بها شوقي ضيف وتلاميذه عالمًا من الأسئلة التي تمتد بامتداد تاريخ الأدب العربي كله من العصر الجاهلي إلى عصرنا اليوم.
وسرعان ما كرهتُ ما كان يتردد عند أبناء هذه المدرسة في تجلياتها اللاحقة من أن لكل شعر تاريخًا خاصًّا به وحضارة يرتبط بها. فقد رأيتُ في هذه التاريخانية نوعًا من الإفقار لخصوصية الأدب وتمزيقه إلى لحم سائغ سهل الهضم في عصور، ولحم آخر مضاد عسير الهضم في عصور أخرى. وكان ذلك مدخلي إلى معرفة أن االمنهجب هو العربة الذهبية التي تخترق كل العصور ولن تنجح في دراسة الشعر المعاصر. ولماذا نتجاهل الأمثلة وعندنا دراسات كمال أبوديب على وجه التحديد، فإن تركيبته المنهجية التي تبدأ من البنيوية، تدرس الشعر الجاهلي (راجع كتابه: االرؤى المقنعة نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهليب 1986) بالبراعة نفسها التي يدرس بها الشعر العباسي فى كتابه: اجدلية الخفاء والتجلي... دراسات بنيوية في الشعرب. ولا يعني هذا سوى أن قضية االمنهجب قضية تجاوز الزمن بمعناه الضيق، وتعبر كل أشكال الأدب وأنواعه على اختلاف عصوره وأزمنته. وأظن أن هذه الطريقة الأخيرة في الفهم هي الطريقة التي بدأ بها أمثال عبدالعزيز الأهواني، وأكملتها تطبيقات سهير القلماوي وشكري عياد. وهذا ما يربط بين الثلاثة في ذهني، ويفصل ما بينهم وأمثال شوقي ضيف ويوسف خليف وأشباههما.
والحق أن مبدأ المساءلة لم يكن يربطني بالدكتور عبدالعزيز الأهواني على المستوى المنهجي فحسب، وإنما يربطني به على مستوى أقرب إلى الذاتية. وأذكر أنني عندما فرغت من كتابي: امفهوم الشعر، دراسة في التراث النقديب (1978) ودُعيت إلى مناقشته في البرنامج الثاني بالإذاعة المصرية، وطُلب مِني أن أختار من يناقشه من أساتذتي، فاخترت الأساتذة الثلاثة، وللأسف كان الدكتور شكري عياد خارج مصر في تلك الفترة، فحضر إلى المناقشة، الدكتورة سهير القلماوي والدكتور عبدالعزيز الأهواني معًا، وكان كلاهما موضوعيًا تمامًا في المناقشة، واختلفا معي في مدى الحرية المتاحة للقارئ المعاصر في قراءة النصوص القديمة. وكنت مزودًا بالمعارف الأحدث عن مناهج التأويل والتفسير التي استخدمتها في كتابي، واختلفنا وحاولتُ شرح وجهة نظري في أدب، وتقبلها كلاهما في نوع من الحذر والتحذير في آن.
اقتناعه بـ «المرايا المتجاورة»
مرت الأعوام إلى أن خَطَر لي خاطر كان هو أساس البناء في كتابي عن طه حسين الذي جعلت عنوانه: االمرايا المتجاورةب. وكان سر هذا العنوان أنني اشتركت في حلقة دراسية خاصة عن فكر الدكتور طه حسين ونقده الأدبي وإبداعه الأدبي على السواء. ولاحظت تكرار كلمة االمراياب أو االمرآةب في كل المجالات التي كتب فيها أو عنها طه حسين، فقررت أن أكتب كتابًا عنه بعنوان: االمراياب، وكنت أتصور أن كلمة االمراياب هي الكلمة المفتاح لأدب طه حسين ونقده الاجتماعي ونقده الأدبي على السواء. وأظن أنني كنت في مجلس جمعني بأستاذى الدكتور عبدالعزيز الأهواني، وسألني عن نشاطي العلمي فشرحت له المبادئ التي أريد أن أقيم عليها كتابي عن مرايا طه حسين، وضحك أستاذي الأهواني ضحكة لا تخلو من مشاكسة، قائلًا لي: ايبدو أنك تريد أن تصنع من الفسيخ شرباتب فرددت عليه متحمسًا في محاولة لإقناعه بصواب الفكرة، فاستمع إليَّ هادئًا على عادته وقال لي في النهاية: اهات لنا كتاب (حديث الأربعاء) بأجزائه الثلاثة التي تمثل مراحل زمنية متعددة ومتباعدة في كتابة طه حسين، واجعلنا نرى الحقول الدلالية التي ترد فيها لفظة المرآة ودلالاتهاب. وبالفعل أمضينا حوالي ثلاثة أشهر أمسك أنا بكتاب احديث الأربعاءب بأجزائه الثلاثة وأقرأ جزءًا جزءًا، وكان كل شهر يأخذ جزءًا واحدًا على وجه التقريب إلى أن انتهينا من الأجزاء الثلاثة، ولاحظ هو التكرار للفظة االمرآةب التي أصبحت واضحة في ذهنه كما كانت واضحة في ذهني. وعندئذ أظهر لي اقتناعه بالفكرة. وبالفعل عندما تأكدت من اقتناعه بدأت العمل في حماس لم يتوقف لعامين أو ثلاثة فيما أذكر، ولم أنتهِ من العمل إلا بعد أن أنهيت الكتاب.
والطريف أنني قد فُصلت من الجامعة عام 1981 وذهبت أستاذًا زائرًا في جامعة استكهولم حيث قضيت عامًا كاملًا، لم أتوقف فيه عن إكمال الكتاب والعمل فيه. وكان عنوان الكتاب قد أصبح: االمرايا المتجاورة: قراءة في نقد طه حسينب. وعدت من السويد من جامعة استكهولم وفي حقيبتي هذا الكتاب الذي أعطيته لأستاذي المرحوم الدكتور عز الدين إسماعيل ذ وكان رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب - فأمر بطباعته على الفور، جاعلًا منه استهلالًا لسلسلة جديدة بعنوان: ادراسات أدبيةب، وحقق الكتاب نجاحًا بارزًا، وأسهم في تأكيد مكانته النقدية. وكنت أشعر في كل مناقشة للكتاب، بدين العلم العميق لأستاذي الدكتور عبدالعزيز الأهواني، الرجل الذي استبدل بالحماسة في التشجيع المساءلة الممتحنة في الفكرة.
وهأنذا بعد تلك هذه السنوات التي مضت على كتابي أسترجع ذكرى الدكتور عبدالعزيز الأهواني فيما يشبه الخشوع والعرفان بمعنى الأستاذية الحقة، فلولا أنه قد أصر أن أقرأ معه عينة دالة من كتابات الدكتور طه حسين، متوقفًا معي كل مرة عند كلمة امرآةب، لما تأكدت من سلامة الفرض الذي انتهيت إليه أوليًّا، وما انتابتني الشجاعة على أن أحيل الفرض إلى دراسة علمية حقيقية، وما مضيت في حماسة لإنهائها حتى أخذت مكانها بين الدراسات الجادة عن طه حسين.
والحق أنني لا أدين للدكتور عبدالعزيز الأهواني في هذا الجانب العلمي أو ذاك، في سياقه العقلاني فحسب، وإنما أدين له على المستوى الشخصي خارج النطاق العلمي والدرس الأدبي بما سبق أن ذكرته في مقالات أخرى أقرب إلى الذاتية منها إلى الموضوعية ■
د. عبد العزيز الأهواني