دبلوماسية التجسُّس في الأمم المتحدة

دبلوماسية التجسُّس  في الأمم المتحدة

مَن‭ ‬يتصوّر‭ ‬أن‭ ‬المنظمة‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬تجسد‭ ‬حلم‭ ‬البشرية‭ ‬وتعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رفاهية‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وتجمع‭ ‬كل‭ ‬ألوان‭ ‬الشعوب،‭ ‬وتثير‭ ‬حماسهم‭ ‬وتبعث‭ ‬لهم‭ ‬الأمل‭ ‬بأنّ‭ ‬الغد‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬اليوم،‭ ‬وأن‭ ‬دمار‭ ‬الحروب‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬قد‭ ‬انتهى،‭ ‬وأن‭ ‬الجهد‭ ‬العالمي‭ ‬يرنو‭ ‬نحو‭ ‬التنمية‭ ‬والازدهار‭ ‬وراحة‭ ‬الإنسان‭ ‬وتعايشه‭ ‬مع‭ ‬الجيران‭... ‬هذه‭ ‬الملحمة‭ ‬من‭ ‬التمنيّات‭ ‬كلها‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الذي‭ ‬تبدأ‭ ‬صفحاته‭ ‬بأننا‭ ‬‮«‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬قد‭ ‬آلينا‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬نقل‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬فيها‭ ‬السلام‭ ‬ووعائها‭ ‬الأمن‮»‬‭... ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬اللوحة‭ ‬الجميلة‭ ‬المكتوبة‭ ‬بأسلوب‭ ‬شاعري‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬نبذ‭ ‬الحروب‭ ‬وكبت‭ ‬نزعات‭ ‬الشرّ‭ ‬في‭ ‬الإنسان،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬الساحرة‭ ‬تصبح‭ ‬حقلًا‭ ‬للتجسس،‭ ‬يتسابق‭ ‬فيها‭ ‬الكبار‭ ‬لرصد‭ ‬الصغار،‭ ‬ويتمتع‭ ‬فيها‭ ‬المبتكر‭ ‬بملاحقة‭ ‬الغافل‭ ‬البريء،‭ ‬ويتنافس‭ ‬فيها‭ ‬أصحاب‭ ‬الأسلحة‭ ‬المدمّرة‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬المستور‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬مجيء‭ ‬سلاح‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭ ‬وغير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬دماره،‭ ‬يعطي‭ ‬صاحبه‭ ‬الكفّة‭ ‬الراجحة‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الدائمة‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬فهي‭ ‬مجموعة‭ ‬النبلاء‭ ‬السعداء‭ ‬بحقّ‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬فيتو‮»‬‭ ‬القاتل‭ ‬للإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬لطبقة‭ ‬المتواضعين‭ ‬والعاديين‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء؟

لم‭ ‬أكن‭ ‬أتصوّر‭ ‬هذه‭ ‬الكثرة‭ ‬من‭ ‬الموهوبين‭ ‬المؤهلين‭ ‬من‭ ‬الوفود‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المسارات،‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والسياسة‭ ‬والقضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬هؤلاء‭ ‬يلتقون‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬يتوزعون‭ ‬على‭ ‬لجان‭ ‬بجداول‭ ‬أعمال‭ ‬تغطي‭ ‬كل‭ ‬هموم‭ ‬الإنسان،‭ ‬من‭ ‬نزع‭ ‬السلاح‭ ‬ووضع‭ ‬سقف‭ ‬للتسابق‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬وأخرى‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬لم‭ ‬تُحلّ،‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬مستعمرات‭ ‬أغلبها‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وبعضها‭ ‬يمسّ‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان،‭ ‬مثل‭ ‬نظام‭ ‬التفرقة‭ ‬العنصرية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعقيدات‭ ‬الحروب‭ ‬الأهلية،‭ ‬مثل‭ ‬حالة‭ ‬لاوس‭ ‬وكمبوديا‭ ‬وفيتنام،‭ ‬وقليل‭ ‬منها‭ ‬نسمّيه‭ ‬الوضع‭ ‬الدائم‭ ‬التأزيم،‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬والجنوبية،‭ ‬وكنت‭ ‬أسمع‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬توظيف‭ ‬المال‭ ‬لبعض‭ ‬الوفود‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسب‭ ‬صوتها‭ ‬مع‭ ‬مساعٍ‭ ‬للإيقاع‭ ‬ببعض‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الفضائح،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬التهديد‭ ‬والتشهير‭.‬

كما‭ ‬كان‭ ‬يصلني‭ ‬ما‭ ‬تردده‭ ‬الوفود‭ ‬داخل‭ ‬مبنى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬موظفي‭ ‬المنظمة‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬فيها،‭ ‬وانزلاق‭ ‬بعضهم‭ ‬لإغراء‭ ‬المال،‭ ‬مع‭ ‬تأمين‭ ‬حياة‭ ‬هادئة‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬هذا‭ ‬المتعاون‭. ‬

 

حقائق‭ ‬التجسس‭ ‬بين‭ ‬الدول

كانت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬فصول‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وبالطبع‭ ‬لم‭ ‬تنته،‭ ‬لكنها‭ ‬أخذت‭ ‬الآن‭ ‬منحى‭ ‬آخر،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬شبه‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬الكسب‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬والدول‭ ‬الدائمة‭ ‬العضوية،‭ ‬وقد‭ ‬وقع‭ ‬ممثل‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬بالأمانة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المطب،‭ ‬وكان‭ ‬الرجل‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬سلّم‭ ‬الترتيبات‭ ‬في‭ ‬المنظمة‭.‬

تعرّفت‭ ‬شخصيًا‭ ‬إلى‭ ‬حقائق‭ ‬التجسس‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مناسبتين‭ ‬عشتهما،‭ ‬الأولى،‭ ‬تخصني‭ ‬شخصيًا،‭ ‬والثانية‭ ‬كنت‭ ‬فيها‭ ‬أمثّل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬رئاسة‭ ‬لجنة‭ ‬حظرالسلاح‭ ‬على‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬ممثل‭ ‬الكويت‭ ‬بمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬عامي‭ ‬1978-1979،‭ ‬فقد‭ ‬ترأست‭ ‬تلك‭ ‬اللجنة‭ ‬باختيار‭ ‬جماعي‭ ‬من‭ ‬المجلس،‭ ‬وكان‭ ‬يمثّل‭ ‬الكويت‭ ‬فيها‭ ‬نائبي‭ ‬السفير‭ ‬عبدالمحسن‭ ‬الجيعان،‭ ‬وتساعده‭ ‬السفيرة‭ ‬نبيلة‭ ‬الملا،‭ ‬وكان‭ ‬واجبي‭ ‬رصد‭ ‬مخالفات‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬السلاح‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وفضحها‭ ‬في‭ ‬قاعات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والتشهير‭ ‬بأسلوب‭ ‬النفاق‭ ‬الذي‭ ‬تتبعه‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬الالتزام‭ ‬السياسي‭ ‬والأدبي‭ ‬بمبادئ‭ ‬المقاطعة‭ ‬في‭ ‬العلن،‭ ‬بينما‭ ‬تتم‭ ‬الصفقات‭ ‬بهدوء‭ ‬وبطريقة‭ ‬معقّدة‭ ‬يتلاعب‭ ‬فيها‭ ‬مختصون‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬الخداع‭ ‬والتضليل‭.‬

كنت‭ ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬هي‭ ‬مصدري‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬المخالفات،‭ ‬فهي‭ ‬المالكة‭ ‬للأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬التجسسية،‭ ‬صاحبة‭ ‬الخبرة‭ ‬في‭ ‬دبلوماسية‭ ‬الخنجر‭ ‬والعباءة،‭ ‬وآمنت‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬المتحمّسة‭ ‬للقرار،‭ ‬والتي‭ ‬تعلن‭ ‬تأفّفها‭ ‬من‭ ‬شرور‭ ‬سياسة‭ ‬التفرقة‭ ‬العنصرية،‭ ‬والتي‭ ‬شجعتني‭ ‬لقبول‭ ‬المهمة،‭ ‬والتي‭ ‬وعدت‭ ‬بتزويدي‭ ‬وأعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬بالمعلومات،‭ ‬ولن‭ ‬تتصرف‭ ‬وفق‭ ‬منظور‭ ‬غطّيني‭ ‬وأغطيك،‭ ‬أي‭ ‬بعبارة‭ ‬أكثر‭ ‬لباقة،‭ ‬لن‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬تبادلية‭ ‬الستر‭ ‬والنأي‭ ‬عن‭ ‬الفضيحة‭.‬

جلست‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬هذه‭ ‬اللجنة‭ ‬سنتين،‭ ‬كانت‭ ‬المصادر‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الكنائس،‭ ‬القساوسة‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭ ‬الذين‭ ‬تسميهم‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أصحاب‭ ‬الخُلق‭ ‬الحميد‭ ‬Moralists،‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬تنشره‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الإسكندنافية،‭ ‬وعندما‭ ‬ألجأ‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المصادر،‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬لاسيما‭ ‬واشنطن،‭ ‬تردّ‭ ‬عليّ‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬مشكوك‭ ‬في‭ ‬صحتها،‭ ‬وأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يرسلون‭ ‬إلى‭ ‬اللجنة‭ ‬مدفوعين‭ ‬بغريزة‭ ‬الثأر‭ ‬والتشويه،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الحال‭ - ‬كما‭ ‬يقولون‭ ‬لي‭ - ‬مجموعة‭ ‬متمردة‭ ‬Eccentrics،‭ ‬مهزوزون،‭ ‬مع‭ ‬الاستخفاف‭ ‬بمعلوماتهم،‭ ‬كانت‭ ‬الأسلحة‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬بعضها‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬غامضة‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬وبعضها‭ ‬من‭ ‬تشيكوسلوفاكيا‭ ‬خلال‭ ‬الحكم‭ ‬الشيوعي،‭ ‬وكانت‭ ‬مجموعة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬ودول‭ ‬حلف‭ ‬وارسو‭ ‬تعاني‭ ‬حساسية‭ ‬مفرطة‭ ‬تجاه‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترصده‭ ‬اللجنة،‭ ‬وشعرت‭ ‬بها‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬سفير‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬تراوفسكي‭ ‬بأنك‭ ‬تجامل‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ولا‭ ‬نرى‭ ‬هذه‭ ‬المجاملة‭ ‬في‭ ‬تعاملك‭ ‬معنا‭.‬

تركت‭ ‬اللجنة‭ ‬بعد‭ ‬سنتين‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬الحصاد‭ ‬قليلًا،‭ ‬والشكوك‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها،‭ ‬والحساسية‭ ‬تطفح‭ ‬على‭ ‬الوجوه،‭ ‬والنفاق‭ ‬عنوان‭ ‬الصمت،‭ ‬لا‭ ‬أنسى‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬التعسة،‭ ‬لكنّها‭ ‬حتمًا‭ ‬أرحم‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬مررت‭ ‬بها،‭ ‬وهي‭ ‬قضية‭ ‬أبعادها‭ ‬الأمريكية‭ ‬الداخلية،‭ ‬مزعجة‭ ‬للرئيس‭ ‬كارتر‭ ‬ولإدارته،‭ ‬فقد‭ ‬أفرزت‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬مجموعة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬إفريقية،‭ ‬وبين‭ ‬البيض‭ ‬داخل‭ ‬واشنطن،‭ ‬واستغلها‭ ‬الإعلام،‭ ‬فحزنت‭ ‬لخيبة‭ ‬الأمل‭ ‬لدى‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الرئيس‭ ‬كارتر‭. ‬

بدأت‭ ‬القصة‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬26‭ ‬يوليو‭ ‬1979،‭ ‬عندما‭ ‬أخبرت‭ ‬مندوب‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬زهدي‭ ‬الطرزي‭ ‬بضرورة‭ ‬حضوره‭ ‬إلى‭ ‬منزلي‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬السابعة‭ ‬من‭ ‬مساء‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬للالتقاء‭ ‬بمندوب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬السفير‭ ‬أندي‭ ‬يونج،‭ ‬وجاء‭ ‬الطرزي‭ ‬بشكله‭ ‬المألوف‭ ‬بـ‭ ‬اسكسوكتهب‭ ‬البيضاء‭ ‬التي‭ ‬تميّزه‭ ‬بين‭ ‬الوفود،‭ ‬كان‭ ‬قسيسًا‭ ‬ودرس‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬كنائس‭ ‬فلسطين‭. ‬جاء‭ ‬السفيرالأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬منزلي‭ ‬ومعه‭ ‬ابنه‭ ‬الصغير‭ ‬البالغ‭ ‬سبع‭ ‬سنوات،‭ ‬حيث‭ ‬التقى‭ ‬مندوب‭ ‬المنظمة‭ ‬الطرزي‭.‬

لم‭ ‬يأخذ‭ ‬الاجتماع‭ ‬فترة،‭ ‬ربما‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬على‭ ‬الأكثر،‭ ‬كانت‭ ‬الحصيلة‭ ‬أن‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وهو‭ ‬أيضًا‭ ‬قسيس‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كنج،‭ ‬يتعاطف‭ ‬مع‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين،‭ ‬ويعرف‭ ‬قضيته،‭ ‬ويتعاطف‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬محنته،‭ ‬وسيكون‭ ‬رئيسًا‭ ‬لمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬القادم،‭ ‬له‭ ‬شرعية‭ ‬اللقاء،‭ ‬رغم‭ ‬الحظر‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬أيّ‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬المنظمة،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تعترف‭ ‬بحق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬البقاء،‭ ‬مع‭ ‬قبول‭ ‬جميع‭ ‬القرارات‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬كان‭ ‬طلب‭ ‬السفير‭ ‬يونج‭ ‬تأجيل‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬لمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬القرار‭ ‬المشهور‭ ‬رقم‭ ‬242،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يبيح‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مكاسب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القوة‭. ‬

كان‭ ‬القرار‭ ‬بسيطًا،‭ ‬لكنه‭ ‬استغرق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شهرين‭ ‬في‭ ‬اتصالات‭ ‬بين‭ ‬نيويورك‭ ‬وعرفات،‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬المنظمة،‭ ‬وكنتُ‭ ‬أصرّ‭ ‬على‭ ‬ممثل‭ ‬فتح‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬واسمه‭ ‬حسن‭ ‬عبدالرحمن،‭ ‬فهم‭ ‬الممكن‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬شائكة‭ ‬ظلم‭ ‬فيها‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬وظلت‭ ‬زعامته‭ ‬تطمع‭ ‬في‭ ‬سقف‭ ‬عال‭ ‬من‭ ‬المواصفات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توفّرها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

وبصفتي‭ ‬المندوب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬مسؤوليتي‭ ‬الدفاع‭ ‬عمّا‭ ‬تريده‭ ‬المنظمة،‭ ‬لكنّني‭ ‬وجدت‭ ‬مشروع‭ ‬المنظمة‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬به‭ ‬الطرزي‭ ‬غير‭ ‬جدِّي،‭ ‬ولا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اختراق‭ ‬الجدار‭ ‬الأمريكي،‭ ‬ومصيره‭ ‬افيتوب،‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مصير‭ ‬مناقشات‭ ‬المجلس‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬عام‭ ‬1976،‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬بالـ‭ ‬افيتوب،‭ ‬والمطلوب‭ ‬هنا‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬بسيط‭ ‬يؤكد‭ ‬حق‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬وقدمت‭ ‬ورقة‭ ‬أخذها‭ ‬حسن‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭ ‬تحلل‭ ‬مواقف‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬المجلس‭.‬

 

أسلوب‭ ‬الخطوات‭ ‬المتأنية

أرسل‭ ‬لي‭ ‬السفير‭ ‬يونج‭ ‬طلبًا‭ ‬يرجوني‭ ‬فيه‭ ‬عدم‭ ‬طرح‭ ‬المشروع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬التصويت،‭ ‬لأن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تسعى‭ ‬لإنجاح‭ ‬مبادرة‭ ‬السادات‭ ‬بعد‭ ‬زيارته‭ ‬للقدس،‭ ‬وترى‭ ‬ضرورة‭ ‬اتباع‭ ‬أسلوب‭ ‬الخطوات‭ ‬المتأنية‭. ‬

في‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬26‭ ‬يوليو‭ ‬1979،‭ ‬تناولنا‭ ‬الغداء‭ ‬في‭ ‬البعثة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لنناقش‭ ‬طلب‭ ‬التأجيل،‭ ‬وكنت‭ ‬متحرّجًا‭ ‬من‭ ‬المنظمة‭ ‬بطلب‭ ‬التأجيل،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أجّلنا‭ ‬طرح‭ ‬القضية‭ ‬عامي‭ ‬1977‭ ‬و1978،‭ ‬واقترحت‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يقابل‭ ‬الطرزي‭ ‬بهدوء‭ ‬ويطلب‭ ‬منه‭ ‬التأجيل،‭ ‬لأنني‭ ‬أخّرت‭ ‬الموضوع‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬اللازم،‭ ‬وأجاب‭ ‬بأنه‭ ‬سيدرس‭ ‬مقترح‭ ‬لقاء‭ ‬الطرزي‭ ‬ويخبرني‭ ‬بعدها‭.‬

اتصل‭ ‬بعد‭ ‬الغداء‭ ‬بي‭ ‬وأكّد‭ ‬زيارته‭ ‬لمنزلي‭ ‬تلبية‭ ‬لدعوة‭ ‬صديق‭ ‬لتناول‭ ‬الشاي،‭ ‬وتمت‭ ‬المقابلة،‭ ‬كما‭ ‬أشرت‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬وقبلت‭ ‬المنظمة‭ ‬التأجيل‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬24‭ ‬أغسطس‭ ‬1979،‭ ‬حيث‭ ‬يجتمع‭ ‬المجلس‭ ‬برئاسة‭ ‬السفير‭ ‬يونج،‭ ‬باعتباره‭ ‬الرئيس‭ ‬القادم‭.‬

ومع‭ ‬التأجيل‭ ‬رأيت‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬نيويورك‭ ‬لأسبوع‭ ‬متوجهًا‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬ثم‭ ‬فرنسا،‭ ‬وفوجئت‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬بطلب‭ ‬من‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الشيخ‭ ‬سعد‭ ‬العبدالله‭ ‬السالم‭ ‬الصباح‭ ‬بالتوجه‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬لشرح‭ ‬الوضع،‭ ‬لأنّ‭ ‬الإعلام‭ ‬بدأ‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬كويتي‭ ‬يتجاهل‭ ‬حقوق‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬العودة،‭ ‬والانسحاب‭ ‬التام‭ ‬مع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التحليلات‭ ‬الصحفية‭ ‬الاجتهادية،‭ ‬بما‭ ‬يوحي‭ ‬تنازلات‭ ‬كبيرة‭ ‬لمصلحة‭ ‬إسرائيل‭.  ‬كما‭ ‬بدأت‭ ‬الصحافة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تحلل‭ ‬النقاط‭ ‬التي‭ ‬تضمنها‭ ‬المشروع‭ ‬الكويتي،‭ ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬مساء‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬أغسطس‭ ‬1979‭.‬

أعددت‭ ‬تقريرًا‭ ‬متكاملًا‭ ‬عن‭ ‬الاتصالات‭ ‬دون‭ ‬إفشاء‭ ‬السريّة‭ ‬وتقابلت‭ ‬مع‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬وقدمت‭ ‬له‭ ‬شرحًا‭ ‬كاملًا‭ ‬بكل‭ ‬الخطوات،‭ ‬وأظهر‭ ‬رغبة‭ ‬لمعرفة‭ ‬جميع‭ ‬التفاصيل،‭ ‬فلا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬توجيه‭ ‬اتهام‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬بالانفراد‭ ‬بقضية‭ ‬فلسطينية‭ - ‬عربية،‭ ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬قابلت‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬جابر‭ ‬الأحمد،‭ ‬أمير‭ ‬الكويت‭ ‬الراحل‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه،‭ ‬ناقلًا‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬الملابسات،‭ ‬وسألني‭ ‬عن‭ ‬الشوشرة‭ ‬التي‭ ‬تردّدها‭ ‬صحافة‭ ‬أمريكا،‭ ‬وانتهت‭ ‬المقابلة‭ ‬مع‭ ‬آخر‭ ‬كلمتين‭ ‬له‭ ‬بأن‭ ‬الموقف‭ ‬أصبح‭ ‬واضحًا‭. ‬

طلب‭ ‬مني‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الحضور‭ ‬إلى‭ ‬جلسة‭ ‬الوزراء‭ ‬لشرح‭ ‬تطور‭ ‬الاتصالات‭ ‬وأبعادها‭ ‬وكيف‭ ‬جاءت‭ ‬المبادرة،‭ ‬ووضعت‭ ‬التفاصيل‭ ‬أمام‭ ‬المجلس،‭ ‬وخرجت‭ ‬بعد‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات،‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬أسئلة‭ ‬ومخاوف‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اتصال‭ ‬قيادة‭ ‬المنظمة‭ ‬بالكويت‭. ‬

لم‭ ‬يهدأ‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬تعليقاته‭ ‬حول‭ ‬القرار،‭ ‬لأن‭ ‬بعض‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬اتصلوا‭ ‬بوزير‭ ‬الخارجية‭ ‬فانس،‭ ‬للاستفسار‭ ‬عن‭ ‬تحركات‭ ‬الكويت،‭ ‬الذي‭ ‬أكّد‭ ‬لأعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬الكويتي‭ ‬غير‭ ‬كاف‭ ‬في‭ ‬منظور‭ ‬واشنطن،‭ ‬وسيسقط‭ ‬بالـ‭ ‬افيتوب،‭ ‬وأن‭ ‬واشنطن‭ ‬ملتزمة‭ ‬بلُغة‭ ‬اكامب‭ ‬ديفيدب‭.‬

غادرت‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬فرنسا‭ ‬يوم‭ ‬13‭ ‬أغسطس،‭ ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬14‭ ‬منه،‭ ‬اتصل‭ ‬بي‭ ‬أحد‭ ‬الصحفيين‭ ‬من‭ ‬جنيف‭ ‬يخبرني‭ ‬بأن‭ ‬الإذاعات‭ ‬نقلت‭ ‬خبر‭ ‬لقاء‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬يونج‭ ‬مع‭ ‬ممثل‭ ‬المنظمة‭ ‬زهدي‭ ‬الطرزي‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬سفير‭ ‬الكويت‭ ‬عبدالله‭ ‬بشارة،‭ ‬نفيتُ‭ ‬بقوة،‭ ‬واتصلت‭ ‬بالمكتب‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬فأكّد‭ ‬الخبر‭. ‬انفجرت‭ ‬أزمة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬بين‭ ‬المنظمات‭ ‬السود‭ ‬وبين‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكي،‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬قاسية‭ ‬على‭ ‬السفير‭ ‬الذي‭ ‬تحدّى‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬وخرج‭ ‬على‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭.  ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬مصداقية‭ ‬للسفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬منصبه،‭ ‬فاستقال‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬أغسطس‭ ‬1979‭.‬

لم‭ ‬أتصوّر‭ ‬قسوة‭ ‬النقد‭ ‬وحجم‭ ‬التربص‭ ‬والتشهير‭ ‬التي‭ ‬نظّمتها‭ ‬التجمعات‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وكأنها‭ ‬إشارة‭ ‬تهديد‭ ‬وإنذار‭ ‬للرئيس‭ ‬كارتر‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يترشح‭ ‬لدورة‭ ‬ثانية‭. ‬المهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬أن‭ ‬المناقشة‭ ‬تم‭ ‬تأجيلها،‭ ‬وبقيت‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬جامدة‭ ‬حرّكتها‭ ‬تبدلات‭ ‬الموقف‭ ‬مع‭ ‬اتفاقية‭ ‬الصلح‭ ‬المصري‭ - ‬الإسرائيلي،‭ ‬ومنها‭ ‬بدأت‭ ‬الاتصالات‭ ‬السرية‭ ‬بين‭ ‬المنظمة‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وانتهت‭ ‬ببيان‭ ‬صادر‭ ‬من‭ ‬المنظمة‭ ‬بقبول‭ ‬الشروط‭ ‬الأمريكية‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬الحوار‭ ‬الأمريكي‭ - ‬الفلسطيني‭ ‬عبر‭ ‬سفير‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬تونس‭.‬

كيف‭ ‬خرج‭ ‬الاجتماع‭ ‬إلى‭ ‬العلن؟‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬ظلّ‭ ‬يشغلني‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬بحثت‭ ‬في‭ ‬احتمالات‭ ‬التنصُّت‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬ولم‭ ‬نجد‭ ‬شيئًا،‭ ‬ولم‭ ‬أرسل‭ ‬برقيات‭ ‬بالموضوع‭ ‬إلى‭ ‬الكويت،‭ ‬ولم‭ ‬أستخدم‭ ‬الهاتف،‭ ‬وكنت‭ ‬حذرًا‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬البعثة‭ ‬الكويتية‭ ‬يعرف‭ ‬باللقاء‭.‬

 

مرارة‭ ‬الحيرة

‭ ‬كانت‭ ‬علاقة‭ ‬بعثة‭ ‬الكويت‭ ‬مع‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ممتازة،‭ ‬وتتميز‭ ‬بالثقة،‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬اجتماعات‭ ‬متواصلة‭ ‬حول‭ ‬لبنان‭ ‬ومشاكله‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬مع‭ ‬المتمردين‭ ‬ومع‭ ‬السياسيين‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬بقاء‭ ‬الامتيازات،‭ ‬وكنّا‭ ‬نتعاون‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬تمديد‭ ‬بعثة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الجولان‭ ‬المحتل،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالقضايا‭ ‬العربية،‭ ‬وكنت‭ ‬أدعو‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬المساعد‭ ‬لصياغة‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬يقدّم‭ ‬إلى‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس،‭ ‬وكانت‭ ‬مواقف‭ ‬واشنطن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬بتقدير‭ ‬الموقف‭ ‬الإيجابي‭ ‬للوفد‭ ‬الكويتي‭ ‬بمجلس‭ ‬الأمن‭.‬

صدرت‭ ‬كتب‭ ‬عدة‭ ‬كلها‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬تغلغل‭ ‬المخابرات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ونجاحها‭ ‬الأسطوري‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬الأسرار،‭ ‬وارتفعت‭ ‬سمعة‭ ‬االموسادب،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتعقّب‭ ‬تحرّكات‭ ‬الوفد‭ ‬الكويتي،‭ ‬لكنّني‭ ‬لا‭ ‬أصدق‭ ‬أن‭ ‬االموسادب‭ ‬يضيّع‭ ‬وقته‭ ‬في‭ ‬ملاحقتي،‭ ‬فلديه‭ ‬ما‭ ‬يشغله‭ ‬الكثير‭ ‬داخل‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬وخارجها‭. ‬هل‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬CIA‭ ‬و‭ ‬FBI،‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬سفير‭ ‬الكويت‭ ‬رصيدًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬يضيف‭ ‬إلى‭ ‬ملفاتها؟‭ ‬

كما‭ ‬صدرت‭ ‬كتب‭ ‬عدة‭ ‬تتناول‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬يونيو‭ ‬1979‭ ‬بمنزلي‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬33‭ ‬Beekman‭ ‬St،‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬مانهاتن،‭ ‬بعضها‭ ‬تناول‭ ‬مع‭ ‬إشارات‭ ‬خفيفة‭ ‬نحو‭ ‬المخابرات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وبعضها‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬االموسادب‭ ‬الإسرائيلي‭.  ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬كتاب‭ ‬اسمه‭ ‬By Way of Deception،‭ ‬ابأسلوب‭ ‬الخداعب‭ ‬ألّفه‭ ‬شخصان،‭ ‬كلير‭ ‬هووي،‭ ‬والآخر‭ ‬استوفسكي،‭ ‬وهو‭ ‬كندي‭ - ‬إسرائيلي،‭ ‬انضم‭ ‬إلى‭ ‬المخابرات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ويزعم‭ ‬الكاتبان‭ ‬أن‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬يهتمون‭ ‬بدور‭ ‬الملك‭ ‬فهد،‭ ‬ملك‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬ويتابعون‭ ‬اتصالاته‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬الرئيس‭ ‬كارتر‭ ‬والزعيم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عرفات‭ ‬بالتوصل‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬واقعية،‭ ‬كما‭ ‬يزعم‭ ‬الكتاب‭ ‬بأنّ‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬تابعوا‭ ‬دور‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬المشروع،‭ ‬وفي‭ ‬خلق‭ ‬المناخ‭ ‬الإيجابي‭ ‬داخل‭ ‬المجلس‭. ‬ويذكر‭ ‬الكتاب‭ ‬أن‭ ‬منزل‭ ‬سفير‭ ‬الكويت‭ ‬تعرّض‭ ‬للمراقبة‭ ‬Bugged،‭ ‬كما‭ ‬تردد‭ ‬الصحافة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بأنني‭ ‬شخصيًا‭ ‬مُراقب‭ ‬في‭ ‬المكتب‭ ‬وفي‭ ‬المنزل،‭ ‬لكنّني‭ ‬غير‭ ‬مقتنع‭. ‬في‭ ‬12‭ ‬يناير‭ ‬1981،‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬بوست،‭ ‬وهي‭ ‬صحيفة‭ ‬مؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ملفات‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬آخر‭ ‬بعنوان‭ ‬The spy masters of Israel،‭ ‬ومعناه‭ ‬اقناصو‭ ‬التجسس‭ ‬الإسرائيليونب،‭ ‬ينسب‭ ‬كشف‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬منزلي‭ ‬يوم‭ ‬26‭ ‬يونيو‭ ‬1979‭ ‬إلى‭ ‬نجاحات‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬اختراق‭ ‬قيادة‭ ‬المنظمة،‭ ‬ويتحدّث‭ ‬عن‭ ‬معلومات‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتعاونين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬Moles،‭ ‬لمصلحة‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بصراحة‭ ‬لا‭ ‬أستبعد‭ ‬أي‭ ‬شيء؛‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬التجسس‭ ‬عليّ‭ ‬شخصيًا‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬نشاطات‭ ‬المنظمة‭.‬

ومهما‭ ‬كان‭ ‬المصدر‭ ‬الذي‭ ‬نشر‭ ‬الخبر؛‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الأمريكي‭ ‬أو‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬إضافة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التعقيدات‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وعمّق‭ ‬مرارة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وخيّب‭ ‬أمله‭ ‬في‭ ‬العدالة‭ ‬الإنسانية‭ ‬العالمية،‭ ‬وحقق‭ ‬نجاحًا‭ ‬للجانب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬إغلاق‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬تقدّم‭ ‬نحو‭ ‬الحل‭ ‬المقبول‭.‬

وتبقى‭ ‬مرارة‭ ‬الحيرة‭ ‬معي‭ ‬حتى‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تجميل‭  ■

السفير‭ ‬عبدالله‭ ‬بشارة‭ ‬يتحدث‭ ‬إلى‭ ‬السفير‭ ‬آندي‭ ‬يونج‭ ‬سفير‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وعلى‭ ‬يمينه‭ ‬السفير‭ ‬دونالد‭ ‬مكهنري‭ ‬نائب‭ ‬السفير‭ ‬يونج‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة

‭ ‬بعد‭ ‬مناقشات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لقضية‭ ‬فلسطين‭ ‬ولقاء‭ ‬السفير‭ ‬يونج‭ ‬مع‭ ‬مندوب‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬زهدي‭ ‬الطرزي‭ - ‬أغسطس‭ ‬1979