أنور سلمان شاعر المرأة والوطن

أنور سلمان شاعر المرأة والوطن

  ‬منذ‭ ‬أربع‭ ‬سنواتٍ‭ ‬ونيِّف،‭ ‬رحل‭ ‬الشاعر‭ ‬اللبناني‭ ‬أنور‭ ‬سلمان،‭ ‬إثر‭ ‬حادثٍ‭ ‬مؤسف،‭ ‬عن‭ ‬ثمانيةٍ‭ ‬وسبعين‭ ‬عامًا،‭ ‬وستّ‭ ‬مجموعات‭ ‬شعرية،‭ ‬فترك‭ ‬فراغًا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الشعري‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬يملؤه‭ ‬سواه،‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬أنّ‭ ‬لكلٍّ‭ ‬حيِّزَهُ‭ ‬الذي‭ ‬يفرغ‭ ‬بعد‭ ‬رحيله،‭ ‬وليس‭ ‬لأحدٍ‭ ‬أن‭ ‬يشغل‭ ‬حيِّز‭ ‬الآخر‭. ‬وأنور‭ ‬سلمان‭ ‬هو‭ ‬حلقةٌ‭ ‬متميِّزة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬الشعر‭ ‬الغزلي‭ ‬الحضَري،‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬في‭ ‬حلقاتها‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬ربيعة،‭ ‬ويشكّل‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬إحدى‭ ‬أجمل‭ ‬حلقاتها‭ ‬الأخيرة‭. ‬وبكلمة‭ ‬أخرى،‭ ‬إن‭ ‬أنور‭ ‬سلمان‭ ‬هو‭ ‬النسخة‭ ‬اللبنانية‭ ‬من‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬لكنّه‭ ‬ليس‭ ‬نسخة‭ ‬طبق‭ ‬الأصل‭ ‬عنه،‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فهما‭ ‬ينهلان‭ ‬من‭ ‬المورد‭ ‬نفسه،‭ ‬ويشتركان‭ ‬في‭ ‬الموضوعات‭ ‬والتقنيات‭ ‬الشعرية،‭ ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬لكلٍّ‭ ‬منهما‭ ‬مساره‭ ‬ومصيره‭ ‬الشعريّان‭.‬

في‭ ‬قرية‭ ‬االرمليّةب‭ ‬من‭ ‬قضاء‭ ‬عاليه،‭ ‬في‭ ‬جبل‭ ‬لبنان،‭ ‬وُلِدَ‭ ‬أنور‭ ‬سلمان،‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1938،‭ ‬وتشبّع‭ ‬بمناظر‭ ‬الطبيعة‭ ‬الجبلية‭ ‬اللبنانية‭ ‬الخلاّبة،‭ ‬ممّا‭ ‬شكّل‭ ‬لاحقًا‭ ‬أحد‭ ‬مصادر‭ ‬شعريّته،‭ ‬ودرس‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬عاليه،‭ ‬على‭ ‬نخبةٍ‭ ‬من‭ ‬الأساتذة،‭ ‬وفي‭ ‬طليعتهم‭ ‬مارون‭ ‬عبود،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬نال‭ ‬جائزته‭ ‬للشعر‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1956،‭ ‬وتُشكّل‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬لمسيرة‭ ‬شعرية‭ ‬راسخة،‭ ‬ويأتي‭ ‬نيله‭ ‬جائزة‭ ‬الميكروفون‭ ‬الذهبي‭ ‬لأجمل‭ ‬أغنية‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬قرطاج‭ ‬الدولي‭ ‬للعام‭ ‬1994،‭ ‬وجائزة‭ ‬أفضل‭ ‬نص‭ ‬شعري‭ ‬في‭ ‬المهرجان‭ ‬نفسه،‭ ‬والجائزة‭ ‬الأولى‭ ‬لأجمل‭ ‬قصيدة‭ ‬مغنّاة‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬القاهرة‭ ‬الدولي‭ ‬للأغنية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1997،‭ ‬ليُشكّل‭ ‬اعترافًا‭ ‬عربيًّا‭ ‬برسوخ‭ ‬هذه‭ ‬المسيرة‭ ‬وبمكانة‭ ‬صاحبها‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الشعري‭ ‬العربي‭.‬

‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظفاره‭ ‬الشعرية،‭ ‬انخرط‭ ‬أنور‭ ‬سلمان‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬بتمظهراتها‭ ‬المختلفة؛‭ ‬فانضمّ‭ ‬إلى‭ ‬احلقة‭ ‬الثريّاب‭ ‬الشعرية،‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وفي‭ ‬أعلامها‭ ‬الشعراء‭ ‬والأدباء‭ ‬إدمون‭ ‬رزق‭ ‬وجورج‭ ‬غانم‭ ‬وشوقي‭ ‬أبي‭ ‬شقرا‭ ‬وآخرون،‭ ‬وشغل‭ ‬موقعًا‭ ‬إداريًّا‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتّاب‭ ‬اللبنانيين‭ ‬لثلاث‭ ‬دورات‭ ‬متتالية‭ ‬بين‭ ‬العامين‭ ‬1997‭ ‬و2005،‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬امجلس‭ ‬المؤلّفين‭ ‬والملحّنين‭ ‬اللبنانيينب،‭ ‬ومارس‭ ‬التدريس‭ ‬والصحافة‭. ‬وهكذا،‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬وازى‭ ‬بين‭ ‬مسيرة‭ ‬إبداعية‭ ‬جميلة‭ ‬وحركة‭ ‬ثقافية‭ ‬ناشطة‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الخطّان‭ ‬المتوازيان‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الرياضيات‭ ‬لا‭ ‬يلتقيان،‭ ‬فإنّ‭ ‬الخطّين‭ ‬المتوازيين‭ ‬اللذين‭ ‬سلكهما‭ ‬الشاعر،‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬التقيا‭ ‬وتقاطعا‭ ‬وأكمل‭ ‬أحدهما‭ ‬الآخر،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الثقافة‭ ‬والإبداع‭ ‬يسقط‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المحرّمات‭ ‬الرياضيّة‭.‬

 

الأعمال‭ ‬الشعرية

‭ ‬خلال‭ ‬مسيرته‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬امتدّت‭ ‬على‭ ‬ستة‭ ‬عقود،‭ ‬أصدر‭ ‬أنور‭ ‬سلمان‭ ‬ستّ‭ ‬مجموعات‭ ‬شعرية،‭ ‬بدأها‭ ‬بـ‭ ‬اإليهاب‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1959،‭ ‬وأنهاها‭ ‬بـ‭ ‬االقصيدة‭ ‬امرأة‭ ‬مستحيلةب‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2008،‭ ‬وهي‭ ‬جميعها‭ ‬ورقية،‭ ‬باستثناء‭ ‬مجموعة‭ ‬احبُّك‭ ‬ليس‭ ‬طريقي‭ ‬إلى‭ ‬السّماءب‭ ‬الصوتية،‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الموسيقى‭ ‬والشعر،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬نصوص‭ ‬نثرية‭ ‬صدرت‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬امرايا‭ ‬لأحلام‭ ‬هاربةب،‭ ‬وخواطر‭ ‬ومذكّرات،‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬قيد‭ ‬الطيّ،‭ ‬ولعلّها‭ ‬تبصر‭ ‬نور‭ ‬النشر‭ ‬يومًا‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬وزّعنا‭ ‬المجموعات‭ ‬الست‭ ‬على‭ ‬العقود‭ ‬الستة،‭ ‬يكون‭ ‬الشاعر‭ ‬قد‭ ‬أصدر‭ ‬مجموعة‭ ‬شعرية‭ ‬واحدة‭ ‬كلّ‭ ‬عقد،‭ ‬ويكون‭ ‬شاعرًا‭ ‬مقلًاّ،‭ ‬مقارنةً‭ ‬بغيره‭ ‬من‭ ‬الشعراء،‭ ‬ولكن،‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الشعر‭ ‬مسألة‭ ‬كمٍّ‭ ‬وعدد؟‭ ‬أليس‭ ‬هو‭ ‬مسألة‭ ‬نوعٍ‭ ‬بامتياز؟‭ ‬فربَّ‭ ‬قصيدة‭ ‬واحدة‭ ‬يكتبها‭ ‬شاعر‭ ‬تطير‭ ‬بها‭ ‬الركبان،‭ ‬وربّ‭ ‬مجموعات‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬تساوي‭ ‬ثمن‭ ‬الحبر‭ ‬الذي‭ ‬كتبت‭ ‬به،‭ ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬الشاعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬المنخّل‭ ‬اليشكري‭ ‬وقصيدته‭ ‬اليتيمة‭ ‬خير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

‭ ‬في‭ ‬إضاءة‭ ‬الأعمال‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2018،‭ ‬عن‭ ‬المؤسسة‭ ‬العربية‭ ‬للدراسات‭ ‬والنشر،‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬في‭ ‬الذكرى‭ ‬الثانية‭ ‬لرحيل‭ ‬الشاعر،‭ ‬يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬منيف‭ ‬موسى،‭ ‬في‭ ‬تقديمه‭ ‬الأعمال،‭ ‬اإنّ‭ ‬أنور‭ ‬سلمان‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬تحديث‭ ‬أصيلة،‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬القديم‭ ‬بطرف‭ ‬ومن‭ ‬الحديث‭ ‬بطرف،‭ ‬على‭ ‬تجديد‭ ‬فنّي‭ ‬رصين،‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬والمضمون،‭ ‬وإذا‭ ‬في‭ ‬شعره‭ ‬جماع‭ ‬المدارس‭ ‬الأدبية‭ ‬وأنماط‭ ‬القصيدة‭ ‬الحديثة‭ ‬المتّكئة‭ ‬على‭ ‬أصولية‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬وإذا‭ ‬هو‭ ‬يؤسّس‭ ‬لكلاسيكية‭ ‬متجدّدة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬المعاصر،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الشكل‭ ‬الشعري‭ ‬والمضمون‭ ‬ولغة‭ ‬القصيدة‭ ‬وموسيقاها،‭ ‬وقد‭ ‬ركّز‭ ‬في‭ ‬البحور‭ ‬ذات‭ ‬الإيقاع‭ ‬الراقص‭ ‬المطرب‭ ‬والقوافي‭ ‬الرقيقة‭ ‬الناعمة،‭ ‬فلا‭ ‬تقعّر‭ ‬عنده‭ ‬ولا‭ ‬خشونة،‭ ‬ولا‭ ‬غموض‭ ‬ولا‭ ‬إبهام،‭ ‬ولا‭ ‬حوشية‭ ‬ولا‭ ‬سوقية،‭ ‬فكانت‭ ‬القصيدة‭ ‬عنده‭ ‬أميرة‭ ‬تسكن‭ ‬بلاطًا‭ ‬شعريًّا‭ ‬رخاميًّاب‭, (‬المقدمة‭ ‬ص‭ ‬27‭). ‬ويقول‭ ‬الدكتور‭ ‬وجيه‭ ‬فانوس‭ ‬في‭ ‬تقديمه‭ ‬الأعمال‭: ‬اإن‭ ‬شعر‭ ‬أنور‭ ‬سلمان‭ ‬انماز‭ ‬بجمالية‭ ‬سلسة،‭ ‬وغنائية‭ ‬عذبة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حدا‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬أساطين‭ ‬التلحين‭ ‬المعاصرين،‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسائر‭ ‬أرجاء‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ (...) ‬إلى‭ ‬تلحين‭ ‬قصائده‭...‬ب،‭ ‬وحسبنا‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬منهم‭ ‬توفيق‭ ‬الباشا‭ ‬ووليد‭ ‬غلمية‭ ‬ومحمد‭ ‬سلطان‭ ‬وشاكر‭ ‬الموجي‭ ‬ورياض‭ ‬البندك‭ ‬وسهيل‭ ‬عرفة‭ ‬وسواهم،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حدا‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المطربين‭ ‬والمطربات‭ ‬إلى‭ ‬غناء‭ ‬هذه‭ ‬القصائد،‭ ‬وحسبنا‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬منهم‭ ‬فريد‭ ‬الأطرش‭ ‬وفايزة‭ ‬أحمد‭ ‬وماجدة‭ ‬الرومي‭ ‬وسميّة‭ ‬بعلبكي‭ ‬وجوزف‭ ‬عازار‭ ‬ودلال‭ ‬الشمالي‭ ‬ونور‭ ‬الهدى‭ ‬ووائل‭ ‬كفوري‭ ‬وغيرهم،‭ (‬المقدمة‭ ‬ص‭ ‬6‭ ‬و7‭). ‬ويحصي‭ ‬الدكتور‭ ‬فانوس،‭ ‬في‭ ‬المقدّمة،‭ ‬أحد‭ ‬عشر‭ ‬ملحّنًا‭ ‬وخمسة‭ ‬عشر‭ ‬مطربًا‭ ‬ومطربة‭ ‬تنكّبوا‭ ‬هذه‭ ‬المهمّة‭ ‬الجميلة،‭ ‬اجتهدوا‭ ‬فأصابوا،‭ ‬وكان‭ ‬لهم‭ ‬أجرا‭ ‬الغناء‭ ‬والشعر،‭ ‬وكان‭ ‬للشاعر‭ ‬ثواب‭ ‬الانتشار،‭ ‬وهو‭ ‬به‭ ‬جدير‭. ‬وهذه‭ ‬الحصيلة‭ ‬الغنية‭ ‬قلّما‭ ‬حظي‭ ‬بها‭ ‬شاعر‭ ‬عربي،‭ ‬على‭ ‬حدِّ‭ ‬علمي‭.‬

‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬إحصائية‭ ‬للأعمال‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه،‭ ‬يتبيّن‭ ‬لنا‭ ‬أنّها‭ ‬تشتمل‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬مجموعات‭ ‬شعرية،‭ ‬هي،‭ ‬على‭ ‬التوالي‭: ‬ابطاقات‭ ‬ملوّنة‭ ‬لزمن‭ ‬بلا‭ ‬أعيادب،‭ ‬اأبحث‭ ‬في‭ ‬عينيكِ‭ ‬عن‭ ‬وطنب،‭ ‬االقصيدة‭ ‬امرأة‭ ‬مستحيلةب‭ ‬واإليهاب‭. ‬ويبلغ‭ ‬مجموع‭ ‬القصائد‭ ‬التي‭ ‬تشتمل‭ ‬عليها‭ ‬مئة‭ ‬وأربعين‭ ‬قصيدة،‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬أربع‭ ‬عشرة‭ ‬قصيدة‭ ‬للمجموعة‭ ‬الواحدة،‭ ‬في‭ ‬الحدّ‭ ‬الأدنى،‭ ‬وثلاثٍ‭ ‬وخمسين‭ ‬قصيدة،‭ ‬في‭ ‬الحدّ‭ ‬الأقصى‭. ‬وفي‭ ‬قراءة‭ ‬أولى‭ ‬لهذه‭ ‬الأعمال،‭ ‬يتبيّن‭ ‬لنا‭ ‬أنّها‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬موضوعتين‭ ‬رئيستين‭ ‬هما‭: ‬المرأة‭ ‬والوطن‭. ‬ويبلغ‭ ‬عدد‭ ‬قصائد‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬المجموعة،‭ ‬سواءٌ‭ ‬أكانت‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬منها،‭ ‬سبعًا‭ ‬وثمانين‭ ‬قصيدة،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬نسبته‭ ‬62‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال،‭ ‬وهي‭ ‬النسبة‭ ‬الأولى‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭. ‬ويبلغ‭ ‬عدد‭ ‬قصائد‭ ‬الوطن‭ ‬بتمظهراته‭ ‬المختلفة‭ ‬ثمانيًا‭ ‬وعشرين‭ ‬قصيدة،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬نسبته‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬الأعمال،‭ ‬وهي‭ ‬النسبة‭ ‬الثانية‭. ‬أما‭ ‬القصائد‭ ‬الخمس‭ ‬عشرة‭ ‬المتبقية‭ ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬نسبة‭ ‬8‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬الأعمال،‭ ‬فتتوزّع‭ ‬على‭ ‬أغراضٍ‭ ‬شعرية‭ ‬أخرى‭ ‬مختلفة‭. ‬وبذلك،‭ ‬نستنتج،‭ ‬وبمقاربة‭ ‬إحصائية‭ ‬علمية،‭ ‬أنّ‭ ‬أنور‭ ‬سلمان‭ ‬هو‭ ‬شاعر‭ ‬المرأة‭ ‬والوطن‭ ‬بامتياز،‭ ‬ما‭ ‬يُشكّل‭ ‬موضوع‭ ‬مقاربتنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العجالة‭. ‬فأية‭ ‬امرأة‭ ‬كتب‭ ‬الشاعر؟‭ ‬وأيَّ‭ ‬وطنٍ‭ ‬غنّى؟‭ ‬

‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬قبل‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬هاتين‭ ‬الموضوعتين،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬الشاعر‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يزاوج‭ ‬بينهما،‭ ‬سواءٌ‭ ‬في‭ ‬العنوان‭ ‬أو‭ ‬المتن،‭ ‬فَيُعَنْون‭ ‬إحدى‭ ‬مجموعاته‭ ‬بـ‭ ‬اأبحث‭ ‬في‭ ‬عينيك‭ ‬عن‭ ‬وطنب،‭ ‬ويقول‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭: ‬‮«‬مهما‭ ‬يمرُّ‭ ‬عليَّ‭ ‬من‭ ‬محنِ‭/‬عيناك‭ ‬باقيتان‭ ‬لي‭ ‬وطني‮»‬‭ (‬ص‭ ‬124‭)‬،‭ ‬ويقول‭ ‬في‭ ‬ثانية‭: ‬‮«‬بعينيك‭/‬رحت‭ ‬أبعثر‭ ‬شمس‭ ‬حروفي‭/‬وأبحث‭ ‬فيهما‭ ‬عن‭ ‬وطن‮»‬‭ (‬ص‭ ‬217‭)‬،‭ ‬ويقول‭ ‬في‭ ‬ثالثة‭: ‬‮«‬لم‭ ‬أعرف‭ ‬عشقًا‭ ‬غيّرني‭/‬ورماني‭ ‬بهوى‭ ‬فاتنةٍ‭/‬رسمت‭ ‬عيناها‭ ‬لي‭ ‬وطني‮»‬‭ (‬ص‭ ‬175‭). ‬وهنا،‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنّ‭ ‬العلاقة‭ ‬أحاديّة‭ ‬الاتجاه‭ ‬وليست‭ ‬جدليًّة،‭ ‬هي‭ ‬دائمًا‭ ‬من‭ ‬الحبيبة‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬وليس‭ ‬العكس،‭ ‬وأنّ‭ ‬الشاعر‭ ‬يتدرّج‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬العينين‭ ‬صُعُدًا،‭ ‬من‭ ‬كونهما‭ ‬ترسمان‭ ‬له‭ ‬وطنه،‭ ‬إلى‭ ‬كونهما‭ ‬مكان‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الوطن،‭ ‬إلى‭ ‬كونهما‭ ‬الوطن‭ ‬بحدِّ‭ ‬ذاته‭. ‬

 

المرأة

‭ ‬في‭ ‬قصائد‭ ‬المرأة،‭ ‬يكتب‭ ‬سلمان‭ ‬سبعين‭ ‬قصيدة‭ ‬بلسان‭ ‬الرجل،‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬نسبته‭ ‬80‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬منها،‭ ‬وسبع‭ ‬عشرة‭ ‬قصيدة‭ ‬بلسان‭ ‬المرأة‭ ‬الموضوع،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬نسبته‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المئة‭. ‬وبذلك،‭ ‬يستأثر‭ ‬الرجل‭ ‬بأربعة‭ ‬أخماس‭ ‬القصائد،‭ ‬ويترك‭ ‬للمرأة‭ ‬الخمس‭ ‬الباقي،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يشي‭ ‬بظلم‭ ‬ما،‭ ‬غير‭ ‬أنّنا‭ ‬عندما‭ ‬نعلم‭ ‬أنّها‭ ‬الموضوع‭ ‬الأوّل‭ ‬في‭ ‬شعره،‭ ‬وأنّ‭ ‬المسألة‭ ‬تقنية‭ ‬بامتياز،‭ ‬ندرك‭ ‬حينها‭ ‬مكانة‭ ‬المرأة‭ ‬المميّزة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الشاعر‭ ‬وشعره‭. ‬وهل‭ ‬الشعر‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬سوى‭ ‬الحياة‭ ‬مصوغةٍ‭ ‬بأجمل‭ ‬الكلام؟

‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬المقاربات‭ ‬الإحصائية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬مقحمة‭ ‬على‭ ‬عالم‭ ‬الأدب‭ ‬والشعر،‭ ‬تشير‭ ‬الدكتورة‭ ‬جنان‭ ‬بلوط،‭ ‬في‭ ‬دراستها‭ ‬اتجليّات‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬أنور‭ ‬سلمانب،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تجربة‭ ‬الشاعر‭ ‬مع‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬اتجربة‭ ‬استثنائية‭ ‬في‭ ‬أرقى‭ ‬تجلّياتها،‭ ‬تمتزج‭ ‬بأزمته‭ ‬الوجودية‭ ‬الكبرىب‭. ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬يتمّ‭ ‬التعبير‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬تَرَجُّحِ‭ ‬المرأة‭ ‬بين‭ ‬حدّين‭ ‬اثنين‭: ‬مثالي‭ ‬وواقعي‭. ‬أمّا‭ ‬الأوّل‭ ‬فيتمظهر‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬الشاعر‭ ‬المرأة‭ ‬والتغنّي‭ ‬بجمالها،‭ ‬فيضفي‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬الأجمل،‭ ‬ويرتقي‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬ما‭ ‬فوق‭ ‬إنسانية،‭ ‬ويتوّجها‭ ‬ملكةً‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬الجمال،‭ ‬وهو‭ ‬حدٌّ‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬القصائد‭. ‬وأمّا‭ ‬الثاني‭ ‬فيتمظهر‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬المرأة‭ ‬الإنسان‭ ‬التي‭ ‬تعتب‭ ‬وتلوم‭ ‬وتغضب‭ ‬وتثور‭ ‬وتتحدّى،‭ ‬وينطبق‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬القصائد،‭ ‬ممّا‭ ‬سنأتي‭ ‬على‭ ‬تفصيله‭ ‬أدناه‭. ‬

 

الحدّ‭ ‬المثالي

‭ ‬في‭ ‬الحدّ‭ ‬الأوّل‭ ‬المثالي،‭ ‬يستخدم‭ ‬الشاعر‭ ‬تشابيه‭ ‬غير‭ ‬تقليدية‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬مكوّنات‭ ‬المرأة،‭ ‬ويكسر‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬لجمال‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬ويرسم‭ ‬امرأة‭ ‬بريشته‭ ‬وألوانه‭ ‬هو،‭ ‬فتنتمي‭ ‬إليه‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها،‭ ‬تصنعه‭ ‬شاعرًا‭ ‬ويصنعها‭ ‬امرأة،‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬جدلية‭ ‬بين‭ ‬الذات‭ ‬والموضوع؛‭ ‬ففي‭ ‬قصيدة‭ ‬اسماوية‭ ‬العينينب‭ ‬التي‭ ‬تغنّيها‭ ‬السيّدة‭ ‬ماجدة‭ ‬الرومي،‭ ‬العينان‭ ‬هما‭ ‬ليالٍ‭ ‬صيفيّة،‭ ‬والفم‭ ‬خصلة‭ ‬زهرٍ‭ ‬برّية،‭ ‬والشَّعر‭ ‬ضفائر‭ ‬ليلٍ‭ ‬مرخيَّة،‭ ‬والقوام‭ ‬شراع‭ ‬شمس‭ ‬بحرية‭. ‬وفي‭ ‬قصيدة‭ ‬االمساء‭ ‬الأخضرب،‭ ‬العينان‭ ‬دنيا‭ ‬نجوم‭ ‬ورؤى،‭ ‬والفم‭ ‬خاتم‭ ‬أحمر،‭ ‬والشَّعر‭ ‬نهر،‭ ‬والقوام‭ ‬مرمر‭ ‬منحوت‭. ‬وهكذا،‭ ‬نكون‭ ‬إزاء‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التشابيه‭ ‬المبتكرة‭ ‬الحضرية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬المشبّه‭/‬الإنسان‭ ‬والمشبّه‭ ‬به‭/‬الطبيعة‭ ‬والكون‭. ‬وبين‭ ‬هذين‭ ‬الطرفين،‭ ‬تقوم‭ ‬علاقة‭ ‬جدلية‭ ‬تنتظم‭ ‬معظم‭ ‬قصائد‭ ‬الشاعر،‭ ‬سواءٌ‭ ‬أكانت‭ ‬غزلية‭ ‬أو‭ ‬وطنيّة‭. ‬وبهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يسقط‭ ‬الطبيعي‭ ‬على‭ ‬الإنساني،‭ ‬فيتحوّل‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬متحرّكة‭. ‬هنا‭ ‬أيضًا‭ ‬يكون‭ ‬الاتجاه‭ ‬الغالب‭ ‬من‭ ‬الطبيعة‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭. ‬ولعلّ‭ ‬خير‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الحدّ‭ ‬المثالي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬االحديقة‭ ‬الزائرةب‭: ‬‮«‬وفتحتُ‭ ‬بابي‭/ ‬كنتِ‭ ‬قادمةً‭ ‬ملاكًا‭/ ‬كنتِ‭ ‬حاملةً‭ ‬عبيرًا‭/ ‬أنجمًا‭/ ‬قمرًا‭ ‬بهيّا‭/ ‬لم‭ ‬أدرِ‭ ‬حين‭ ‬دخلتِ‭/ ‬أنت؟‭/ ‬أم‭ ‬الحديقة‭ ‬كلُّها‭/ ‬دخلت‭ ‬عليّا‭!‬‮»‬‭ (‬ص‭ ‬276‭). ‬ولعل‭ ‬المثالية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬استقائه‭ ‬المشبّه‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬حقول‭ ‬معجمية‭ ‬كبرى،‭ ‬هي‭: ‬الدين‭ ‬والكون‭ ‬والطبيعة‭.‬

 

الحدّ‭ ‬الواقعي

‭ ‬في‭ ‬الحدّ‭ ‬الثاني‭ ‬الواقعي،‭ ‬تعود‭ ‬العلاقة‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتها‭ ‬البشرية،‭ ‬وما‭ ‬يكتنفها‭ ‬من‭ ‬مدٍّ‭ ‬وجزر،‭ ‬وصعود‭ ‬وهبوط،‭ ‬ورضا‭ ‬وغضب،‭ ‬ووئام‭ ‬وخصام،‭ ‬وغرام‭ ‬وانتقام،‭ ‬وهدوء‭ ‬وثورة؛‭ ‬وهذا‭ ‬التذبذب‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬طرفيها،‭ ‬بل‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الاثنين،‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مضمر‭ ‬أو‭ ‬معلن،‭ ‬ينجلي‭ ‬غالبًا‭ ‬عن‭ ‬الافتراق‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬إزاء‭ ‬امرأة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الأعمال،‭ ‬بل‭ ‬إزاء‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬النساء،‭ ‬وهذه‭ ‬ميزة‭ ‬عرفها‭ ‬الغزل‭ ‬الحضري‭ ‬عبر‭ ‬تاريخه‭ ‬الطويل،‭ ‬ونحن‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬جميل‭ ‬بثينة‭ ‬وقيس‭ ‬بن‭ ‬الملّوح‭ ‬وأضرابهما‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬العذريّين،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الشاعر‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يُفضّل‭ ‬حبيبةً‭ ‬على‭ ‬الأخريات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭. ‬

‭ ‬بالانتقال‭ ‬من‭ ‬التعميم‭ ‬إلى‭ ‬التمثيل،‭ ‬وتعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬طرفي‭ ‬العلاقة،‭ ‬يدعو‭ ‬الشاعر‭ ‬المرأة‭ ‬إلى‭ ‬الكفّ‭ ‬عن‭ ‬التبجّح‭ ‬والخُيَلاء‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬اإلى‭ ‬فضوليةب،‭ ‬بكلامٍ‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬تمييز‭ ‬جنسي‭ ‬غير‭ ‬مناسب‭: ‬‮«‬دعي‭ ‬عنك‭ ‬هذا‭ ‬التبجّح‭ ‬والخُيَلاء‭/ ‬ولا‭ ‬تجنحي‭ ‬بالغوى‭ ‬للتعالي‭/‬فتاجُ‭ ‬جمالكِ‭ ‬صنعُ‭ ‬الرجالِ‮»‬‭ (‬ص‭ ‬309‭). ‬ويبلغ‭ ‬هذا‭ ‬التعيير‭ ‬الذروة‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬اامرأة‭ ‬من‭ ‬سرابب،‭ ‬حين‭ ‬يقول‭: ‬اكنت‭ ‬من‭ ‬صوغ‭ ‬ريشتي‭ ‬وبناني‭/ ‬من‭ ‬تكونين‭ ‬في‭ ‬غدٍ،‭ ‬أنتِ‭ ‬بعدي؟ب‭ (‬ص‭ ‬300‭)‬،‭ ‬غير‭ ‬أنّه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬جميل‭ ‬ومبرّر‭ ‬شعريًّا‭.‬

‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬فإنّ‭ ‬للمرأة‭ ‬أيضًا‭ ‬غضبتها‭ ‬وثورتها،‭ ‬فنراها‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬نضجها‭ ‬وقوّتها‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬االقصيدة‭ ‬الحاقدةب‭ ‬بقولها‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬الآن‭ ‬غيري‭... ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬من‭ ‬عرفتها‭/ ‬تمرّ‭ ‬على‭ ‬الأخطاء‭ ‬والقلب‭ ‬غافرُ‭/ ‬فمن‭ ‬طفلةٍ،‭ ‬بالأمس‭ ‬فيك‭ ‬تولَّهت‭/ ‬إلى‭ ‬امرأةٍ‭ ‬في‭ ‬أمسها‭ ‬انت‭ ‬عابرُ‮»‬‭ (‬ص‭ ‬298‭). ‬وتبلغ‭ ‬ثورتها‭ ‬الذروة‭ ‬في‭ ‬اثورة‭ ‬شهرزادب،‭ ‬فتعرّض‭ ‬بالرجال‭ ‬في‭ ‬لغةٍ‭ ‬جندريةٍ‭ ‬أيضًا،‭ ‬وتردُّ‭ ‬له‭ ‬الصاع‭ ‬صاعين‭ ‬بقولها‭: ‬‮«‬بئس‭ ‬ما‭ ‬للرجال‭ ‬من‭ ‬كبرياءٍ‭/ ‬إن‭ ‬تكن‭ ‬شيمة‭ ‬الرجولة‭ ‬غدرا‭/ ‬أنت‭ ‬صدرٌ‭ ‬لا‭ ‬خفق‭ ‬فيه‭ ‬لقلبٍ‭/ ‬وجبينٌ‭ ‬من‭ ‬الحياء‭ ‬تعرّى‮»‬‭ (‬ص‭ ‬307‭). ‬وبذلك،‭ ‬يتعادل‭ ‬كلٌّ‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الجميل‭ ‬المندلع‭ ‬منذ‭ ‬جدّينا‭ ‬آدم‭ ‬وحوّاء،‭ ‬والمرشّح‭ ‬إلى‭ ‬الاستمرار‭ ‬للأبد‭. ‬

 

الوطن

‭ ‬تشتمل‭ ‬الأعمال‭ ‬على‭ ‬ثمانية‭ ‬وعشرين‭ ‬قصيدة‭ ‬تتعلّق‭ ‬بالوطن‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬وتتناوله‭ ‬بتمظهراته‭ ‬المختلفة،‭ ‬فمفهوم‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬أنور‭ ‬سلمان‭ ‬يتّسم‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬المرونة،‭ ‬وهو‭ ‬أشبه‭ ‬بدوائر‭ ‬متداخلة،‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الماء،‭ ‬أحدثها‭ ‬إلقاء‭ ‬حجرٍ‭ ‬كبير‭ ‬فيه،‭ ‬فتروح‭ ‬تنداح‭ ‬من‭ ‬الصغرى‭ ‬إلى‭ ‬الوسطى‭ ‬إلى‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تلامس‭ ‬الضفاف،‭ ‬وهي‭ ‬دوائر‭ ‬لا‭ ‬تلغي‭ ‬إحداها‭ ‬الأخرى،‭ ‬فالصغرى‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يفوقها‭ ‬حجمًا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تذوب‭ ‬فيه،‭ ‬والكبرى‭ ‬تشتمل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقلّ‭ ‬عنها‭ ‬حجمًا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تلغيه‭. ‬وبمعزل‭ ‬عن‭ ‬تعدّد‭ ‬دوائر‭ ‬الانتماء‭ ‬وأحجامها،‭ ‬فإن‭ ‬سلمان‭ ‬يتناول‭ ‬الوطن‭ ‬إطارًا‭ ‬طبيعيًّا‭ ‬جميلًا،‭ ‬أو‭ ‬تاريخًا‭ ‬عريقًا،‭ ‬أو‭ ‬حاضرًا‭ ‬حزينًا،‭ ‬أو‭ ‬مستقبلًا‭ ‬مجهولًا‭. ‬ويحوّله‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬إلى‭ ‬حلم،‭ ‬ومن‭ ‬إطار‭ ‬إلى‭ ‬صورة،‭ ‬ومن‭ ‬مادّة‭ ‬إلى‭ ‬فكرة،‭ ‬ومن‭ ‬كيان‭ ‬إلى‭ ‬رمز‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬هو‭ ‬يرتقي‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬المقامات‭ ‬العلى‭. ‬وتتعدّد‭ ‬تمظهرات‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬شعره،‭ ‬وتتدرّج‭ ‬صُعُدًا‭ ‬من‭ ‬الوطن‭ - ‬القرية،‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ - ‬المدينة،‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ - ‬الدولة،‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ - ‬الأمّة،‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ - ‬العالم‭. ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬الحيّز‭ ‬الذي‭ ‬يشغله‭ ‬كلٌّ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التمظهرات‭ ‬يختلف‭ ‬من‭ ‬تمظهرٍ‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬يقتصر‭ ‬حيّز‭ ‬الوطن‭ - ‬القرية‭ ‬على‭ ‬قصيدة‭ ‬واحدة،‭ ‬يستأثر‭ ‬الوطن‭ - ‬الدولة‭ ‬بحصّة‭ ‬الأسد‭ ‬من‭ ‬شعره‭ ‬الوطني‭. ‬

  ‬بالانتقال‭ ‬من‭ ‬التنظير‭ ‬إلى‭ ‬التطبيق،‭ ‬ومن‭ ‬التعميم‭ ‬إلى‭ ‬التخصيص،‭ ‬يخصّ‭ ‬الشاعر‭ ‬دائرة‭ ‬القرية،‭ ‬االرمليةب،‭ ‬بقصيدة‭ ‬جميلة،‭ ‬فيرى‭ ‬إليها‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الموطن‭ ‬الكبير،‭ ‬ويبني‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬أهلها،‭ ‬كما‭ ‬يتبيّن‭ ‬من‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬امرفأ‭ ‬الذكرياتب‭: ‬‮«‬تلك‭ ‬الربوع‭ ‬الخضر‭ ‬من‭ ‬موطني‭/ ‬تمشي‭ ‬على‭ ‬جفني‭ ‬لياليها‭/ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أعمّر‭ ‬فوقها‭ ‬منزلًا‭/ ‬قلوب‭ ‬صحبي‭ ‬منزلي‭ ‬فيها‮»‬‭ ‬‭( ‬ص230‭).‬

‭ ‬ويخصّ‭ ‬دائرة،‭ ‬بيروت،‭ ‬بقصيدة‭ ‬يتناول‭ ‬فيها‭ ‬مآثرها،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الأدبي‭ ‬والوطني‭ ‬والقومي،‭ ‬في‭ ‬ابيروت‭ ‬أميرة‭ ‬الحلمب،‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬بيروت‭ ‬كم‭ ‬صاغت‭ ‬يداك‭ ‬لآلئًا‭/ ‬هي‭ ‬فوق‭ ‬صدر‭ ‬عروبتي‭ ‬عقدٌ‭ ‬ثمينْ‭/ ‬ولكم‭ ‬جمعتِ‭ ‬من‭ ‬البيان‭ ‬روائعًا‭/ ‬ونشرتها‭ ‬طيبًا‭ ‬لكلِّ‭ ‬الزائرينْ‭/ ‬ولكم‭ ‬رفعت‭ ‬من‭ ‬اعتزازك‭ ‬رايةً‭/ ‬وكسرت‭ ‬أحلام‭ ‬انتصار‭ ‬الفاتحينْ‮»‬‭ (‬ص‭ ‬250‭). ‬

  ‬ويخصّ‭ ‬دائرة‭ ‬الوطن،‭ ‬لبنان،‭ ‬بحصّة‭ ‬الأسد‭ ‬من‭ ‬شعره‭ ‬الوطني،‭ ‬فيتناول‭ ‬جماله‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وتاريخه‭ ‬العريق،‭ ‬ومعاناته‭ ‬الحاضرة،‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬قصيدة‭. ‬وحسبنا‭ ‬التمثيل‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدائرة‭ ‬بقصيدة‭ ‬االله‭ ‬يا‭ ‬لبنانب‭ ‬التي‭ ‬يتغنّى‭ ‬فيها‭ ‬بقداسته‭ ‬وحلاوته‭ ‬وفنّه،‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬أنت‭ ‬أحلى‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬انسكبْ‭/ ‬من‭ ‬عناياتٍ‭ ‬وما‭ ‬الله‭ ‬وهبْ‭/ ‬قبّلتك‭ ‬الشّمس‭ ‬من‭ ‬عليائها‭/ ‬فلبست‭ ‬الفجر‭ ‬عقدًا‭ ‬من‭ ‬ذهبْ‭/ ‬وأذبت‭ ‬النور‭ ‬خمرًا‭ ‬ورؤًى‭/ ‬وتغنّيت‭.. ‬فرنَّحتَ‭ ‬القصبْ‮»‬‭ (‬ص‭ ‬61‭). ‬وغير‭ ‬خفيٍّ‭ ‬تأثّر‭ ‬الشاعر،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة،‭ ‬بكلمات‭ ‬أغنية‭ ‬اعم‭ ‬بحلمك‭ ‬يا‭ ‬حلم‭ ‬يا‭ ‬لبنانب‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬الشاعر‭ ‬اللبناني‭ ‬سعيد‭ ‬عقل‭ ‬وغنّتها‭ ‬المطربة‭ ‬ماجدة‭ ‬الرومي‭.‬

‭ ‬ويخصّ‭ ‬أنور‭ ‬سلمان‭ ‬دائرة‭ ‬الأمّة،‭ ‬العربيّة،‭ ‬بشيءٍ‭ ‬من‭ ‬شعره،‭ ‬فيتوجّه‭ ‬إليها‭ ‬بسؤالٍ‭ ‬مركّب،‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬اعتراف‭ ‬بواقع‭ ‬الحال‭ ‬المزري‭ ‬للأمّة،‭ ‬ويضيق‭ ‬ذرعًا‭ ‬بخطايا‭ ‬أبنائها،‭ ‬بسؤاله‭: ‬‮«‬وماذا‭ ‬بعد‭ ‬عن‭ ‬أخبارها‭ ‬النكسات‭/ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬أمّتنا؟‭ ‬ألم‭ ‬نتعبْ؟‭/ (...)/ ‬فكيف‭ ‬حملت‭ ‬يا‭ ‬وطن‭ ‬العروبة‭/ ‬نصف‭ ‬قرنٍ‭ ‬من‭ ‬خطايانا‭ ‬ولم‭ ‬تغضب؟‮»‬ْ‭ (‬ص‭ ‬234،‭ ‬235‭).‬

‭ ‬ولا‭ ‬ينسى‭ ‬الشاعر‭ ‬الدائرة‭ ‬الأوسع،‭ ‬دائرة‭ ‬الأرض،‭ ‬فيخصّها،‭ ‬هي‭ ‬الأخرى،‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬شعره،‭ ‬ويتمنّى‭ ‬لو‭ ‬تكون‭ ‬حرّةً،‭ ‬مفتوحةً‭ ‬لجميع‭ ‬البشر‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬ودون‭ ‬شروطٍ‭ ‬أو‭ ‬قيود،‭ ‬فنراه‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬ابانتظار‭ ‬تأشيرة‭ ‬سفرب‭: ‬‮«‬كم‭ ‬جميلٌ‭/ ‬لو‭ ‬تكون‭ ‬الأرض‭ ‬للناس‭ ‬جميعًا‭/ ‬وطنًا‭ ‬حرًّا‭ ‬بلا‭ ‬أيِّ‭ ‬قيودْ‭/ (...)/ ‬فلماذا‭ ‬شوّهوا‭ ‬هذا‭ ‬الوجودْ؟‭/ ‬قسَّمونا‭... ‬باعدوا‭ ‬بين‭ ‬البشرْ‭/ ‬قيَّدونا‭ ‬بجوازات‭ ‬السَّفرْ‮»‬‭ (‬ص‭ ‬346‭). ‬هي‭ ‬طوباوية‭ ‬الشعراء‭ ‬وخيالهم‭ ‬الجامح‭ ‬وأحلامهم‭ ‬المستحيلة،‭ ‬وأنور‭ ‬سلمان‭ ‬واحدٌ‭ ‬من‭ ‬هؤلاء،‭ ‬ومن‭ ‬حقّه‭ ‬أن‭ ‬يحلم‭ ‬وأن‭ ‬يتخيّل،‭ ‬ولكن‭ ‬هيهات،‭ ‬هيهات‭ ‬أن‭ ‬يتحوّل‭ ‬الحلم‭ ‬إلى‭ ‬واقع،‭ ‬والمستحيل‭ ‬إلى‭ ‬ممكن‭! ‬ومع‭ ‬هذا،‭ ‬سنبقى‭ ‬نتخيّل‭ ‬ونحلم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يقضي‭ ‬الله‭ ‬أمرًا‭ ‬كان‭ ‬مفعولًا‭.‬

 

خاتمة

أنور‭ ‬سلمان‭ ‬شاعرٌ‭ ‬جميل،‭ ‬أنصفه‭ ‬الملحّنون‭ ‬والمغنّون‭ ‬بتلحين‭ ‬قصائده‭ ‬وغنائها،‭ ‬وظلمه‭ ‬النقّاد‭ ‬بعدم‭ ‬تناول‭ ‬نتاجه‭ ‬الشعري‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أهلٌ‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭. ‬وحسبي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العجالة‭ ‬أنّني‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أرفع‭ ‬عنه‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الظلم‭. ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يقلّ‭ ‬شأنًا‭ ‬عن‭ ‬نزار‭ ‬قبّاني‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬سدنة‭ ‬الشعر‭ ‬الذين‭ ‬وقفوا‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬والوطن‭ ‬معظم‭ ‬نتاجهم‭ ‬الشعري،‭ ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬اللحظة‭ ‬الشعرية‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬أصدر‭ ‬فيها‭ ‬الشاعر‭ ‬معظم‭ ‬نتاجه،‭ ‬عنيتُ‭ ‬بها‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬ربّما‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الظلم‭. ‬ولعلّ‭ ‬خير‭ ‬ما‭ ‬أختم‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الإطلالة‭ ‬المتأخّرة‭ ‬على‭ ‬الشاعر‭ ‬وشعره‭ ‬هو‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬اعفوًا‭ ‬يا‭ ‬سيدتي‭ ‬الجميلةب‭: ‬‮«‬أفنى‭ ‬بشعري‭... ‬مثلما‭/ ‬بالعطر‭ ‬تحترق‭ ‬الأزاهرْ‭/ ‬أبني‭ ‬قصوري‭ ‬من‭ ‬شتاء‭/ ‬الجرح‭ ‬في‭ ‬حبر‭ ‬المحابرْ‭/ ‬من‭ ‬كلمةٍ‭ ‬كالضوء‭ ... ‬من‭/ ‬شفتيَّ‭ ‬تُولَدُ‭ ‬كي‭ ‬تسافرْ‮»‬‭ ‬‭(‬ص‭ ‬115‭)‬،‭ ‬وقوله‭ ‬في‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬غير‭ ‬الكلمات‮»‬‭: ‬‮«‬قدري‭ ‬أن‭ ‬أعطي‭ ‬الشعر‭ ‬دمي‭/ ‬أن‭ ‬أعي‭ ‬همس‭ ‬القلوب‭ ‬الشّاكيهْ‭/ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬الدّنيا‭ ‬رؤًى‭ ‬مسحورةً‭/ ‬ويراها‭ ‬الناس‭... ‬دنيا‭ ‬فانيهْ‮»■‬‭ (