فيتنام.. معزوفةُ البَحر والضّباب

فيتنام.. معزوفةُ البَحر والضّباب

قلتُ‭ ‬في‭ ‬نفسي،‭ ‬الأمّارة‭ ‬بالترحال،‭ ‬وقد‭ ‬شغفتها‭ ‬أمكنة‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭ ‬والمكرر‭: ‬لتكن‭ ‬هانوي‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭.‬

وكأنّي‭ ‬ذاهب‭ ‬لرؤية‭ ‬آخر‭ ‬جندي‭ ‬أمريكي‭ ‬يغادر‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬العصيّة‭ ‬على‭ ‬الغرباء،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الزمن‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬2020م‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1975م،‭ ‬حين‭ ‬أسدل‭ ‬الستار‭ ‬على‭ ‬فصل‭ ‬مؤلم‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الحروب‭ ‬البشرية،‭ ‬حروب‭ ‬احتلال‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬استقلال‭.‬

كنت‭ ‬مشغوفًا‭ ‬بفيتنام،‭ ‬لأرى‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬احتلت‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار‭ ‬سنوات‭ ‬طوالًا،‭ ‬وأدمت‭ ‬البيت‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وسمعة‭ ‬الرئيس‭ ‬نيكسون،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تطيح‭ ‬به‭ ‬فضيحة‭ ‬ووترجيت،‭ ‬ليستقيل‭ ‬في‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬أغسطس‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1974م،‭ ‬مشغوفًا‭ ‬بالشمال‭ ‬العنيد‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يفرّط‭ ‬في‭ ‬جنوبه،‭ ‬رغم‭ ‬دعم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لحكومة‭ ‬سايجون‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬إنما‭ ‬التاريخ‭ ‬يكتبه‭ ‬عادة‭ ‬أصحاب‭ ‬الأرض،‭ ‬لأنهم‭ ‬أصحاب‭ ‬قضية‭.‬

 

استعدتُ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬الثماني،‭ ‬لأجد‭ ‬أن‭ ‬فيتنام‭ ‬قدّمت‭ ‬مليونين‭ ‬من‭ ‬القتلى‭ ‬وثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬جريح‭ ‬عدا‭ ‬12‭ ‬مليونًا‭ ‬من‭ ‬اللاجئين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الكبرياء‭ ‬الأمريكية‭ ‬خسرت‭ ‬أيضًا‭ ‬57‭ ‬ألف‭ ‬قتيل،‭ ‬وأضعاف‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬من‭ ‬الجرحى‭ ‬والأسرى‭.‬

لم‭ ‬يبق‭ ‬من‭ ‬روائح‭ ‬البارود‭ ‬شيء،‭ ‬خسر‭ ‬الأمريكيون‭ ‬المعركة،‭ ‬وخسرها‭ ‬اليابانيون‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استسلموا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬عام‭ ‬1945م،‭ ‬حيث‭ ‬أعلنت‭ ‬استقلالها‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1954م،‭ ‬مودّعة‭ ‬آخر‭ ‬المستعمرين‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬فتلك‭ ‬فيتنام‭ ‬التي‭ ‬تستيقظ‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬جديدة،‭ ‬والطائرة‭ ‬التي‭ ‬احتاجت‭ ‬إلى‭ ‬ساعات‭ ‬طوال‭ ‬من‭ ‬الطيران‭ ‬بين‭ ‬مسقط‭ ‬وهانوي‭ ‬حطّت‭ ‬أخيرًا‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬حسبتها‭ ‬غامضة،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬تبتسم‭ ‬كأنما‭ ‬سهيلة‭ (‬المرشدة‭ ‬السياحية‭) ‬انعكاس‭ ‬جماليّ‭ ‬لها‭ ‬وهي‭ ‬تناولني‭ ‬باقة‭ ‬الورد‭ ‬مرحّبة‭ ‬بي‭ ‬في‭ ‬أرضها،‭ ‬بلغة‭ ‬عربية‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬اتفصيحهاب‭ ‬قدر‭ ‬مستطاعها،‭ ‬وتمنح‭ ‬الحرف‭ ‬الأخير‭ ‬مدًّا‭ ‬طويلًا‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬مع‭ ‬لغتها‭ ‬الأم،‭ ‬وسألتها‭ ‬عن‭ ‬اسمها‭ ‬الفيتنامي‭ ‬فقالت‭ ‬فوغ،‭ ‬وبقيت‭ ‬أكرر‭ ‬المحاولة‭ ‬حتى‭ ‬أنطق‭ ‬هذه‭ ‬الحروف‭ ‬الثلاثة‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬تمامًا،‭ ‬علمًا‭ ‬أن‭ ‬والدها‭ ‬اسمه‭ ‬نغ‭.‬

 

على‭ ‬حوافّ‭ ‬الجغرافيا

شعرت‭ ‬أن‭ ‬فيتنام‭ ‬بعيدة‭ ‬جدًا،‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬وأنا‭ ‬أتخيلها‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬فعلى‭ ‬الخريطة‭ ‬تقع‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬القارة‭ ‬الآسيوية،‭ ‬وعلى‭ ‬شمالها‭ ‬الصين،‭ ‬وغربًا‭ ‬لاوس‭ ‬وتايلند‭ ‬وكمبوديا،‭ ‬وتمتد‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬331‭ ‬ألف‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع،‭ ‬تتحدث‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬كلغة‭ ‬ثانية،‭ ‬مع‭ ‬لغات‭ ‬أخرى‭ ‬كالفرنسية‭ ‬والصينية،‭ ‬وكانت‭ ‬مفاجأة‭ ‬لي،‭ ‬شخصيًا،‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬يتجاوز‭ ‬المئة‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬والأغرب‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬لا‭ ‬دين‭ ‬لهم،‭ ‬مع‭ ‬أنّي‭ ‬كنت‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬النسبة‭ ‬الأكبر‭ ‬تميل‭ ‬للبوذية،‭ ‬إلا‭ ‬أنّها‭ ‬لا‭ ‬تشكّل‭ ‬إلا‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬7‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬وأقل‭ ‬من‭ ‬1‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬ساكنيها‭ ‬مسلمون،‭ ‬لكنّ‭ ‬السفر‭ ‬اكتشاف‭ ‬حقيقي،‭ ‬خاصة‭ ‬لتلك‭ ‬البلدان‭ ‬البعيدة،‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬ونشرات‭ ‬الأخبار‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬عليه‭ ‬صورة‭ ‬الواقع‭ ‬والحقائق‭ ‬الحاضرة‭.‬

سألت‭ ‬سهيلة‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬كلمة‭ ‬فيتنام،‭ ‬فقالت‭ ‬إنها‭ ‬من‭ ‬مقطعين،‭ ‬هما‭ ‬افيتب‭ ‬وانامب،‭ ‬وترجع‭ ‬التسمية‭ ‬إلى‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬حيث‭ ‬كلمة‭ ‬نام‭ ‬تعني‭ ‬الجنوب،‭ ‬وفيت‭ ‬اسم‭ ‬قبيلة‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬الصين،‭ ‬أي‭ ‬إنها‭ ‬قبيلة‭ ‬من‭ ‬الجنوب،‭ ‬واهذه‭ ‬القبيلة‭ ‬هي‭ ‬أجدادناب‭.‬

أمام‭ ‬الصرّاف‭ ‬كانت‭ ‬الملايين‭ ‬في‭ ‬جيبي،‭ ‬حيث‭ ‬عُملتهم‭ ‬ادونغب‭ ‬تحب‭ ‬الأصفار‭ ‬بجانبها‭ ‬كثيرًا،‭ ‬لكنّها‭ ‬في‭ ‬المطعم‭ ‬الهندي‭ ‬خلف‭ ‬فندق‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬هانوي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعني‭ ‬للمحاسب‭ ‬الكثير،‭ ‬ربما‭ ‬لأنّه‭ ‬يدرك‭ ‬كم‭ ‬نحن‭ ‬منحازون‭ ‬لـ‭ ‬االبريانيب‭ ‬واالبهاراتب،‭ ‬فلا‭ ‬تتحمّل‭ ‬مِعَدُنا‭ ‬تلك‭ ‬الخلطات‭ ‬الغريبة‭ ‬لوجباتهم‭ ‬المتناثرة‭ ‬على‭ ‬الطاولات‭ ‬بثقافة‭ ‬مختلفة،‭ ‬حيث‭ ‬الكراسي‭ ‬الصغيرة‭ ‬أمام‭ ‬الطاولات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترتفع‭ ‬إلّا‭ ‬قليلا‭ ‬عن‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬وعليها‭ ‬الخضراوات‭ ‬والأرز،‭ ‬والآنية‭ ‬الجامعة‭ ‬لتلك‭ ‬الطبخة‭ ‬فوق‭ ‬النار،‭ ‬فالزبون‭ ‬يعدّ‭ ‬طبخته‭ ‬كما‭ ‬يحبّ،‭ ‬وأمام‭ ‬المارة،‭ ‬كما‭ ‬يتناولها‭ ‬مع‭ ‬عائلته،‭ ‬وكأن‭ ‬الشارع‭ ‬مُلغى‭ ‬من‭ ‬حساب‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات،‭ ‬هي‭ ‬البساطة،‭ ‬والحياة‭ ‬الفقيرة‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬الأغلبية‭. ‬

 

‮«‬جوك‭ ‬مونغ‭ ‬نام‭ ‬موي‮»‬

شعرت‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬احتفالًا‭ ‬بمناسبة‭ ‬ما،‭ ‬الأعلام‭ ‬والبالونات،‭ ‬قالوا‭ ‬إنه‭ ‬عيد‭ ‬رأس‭ ‬السنة‭ ‬القمرية‭ ‬في‭ ‬فيتنام،‭ ‬يسمونه‭ ‬اتيتب‭ ‬بمعنى‭ ‬ابدايةب،‭ ‬ومرجعيته‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ثقافات‭ ‬آسيا‭ ‬الشرقية‭ ‬معروفة‭ ‬بالزراعة،‭ ‬خاصة‭ ‬الأرز،‭ ‬هذا‭ ‬الغذاء‭ ‬الشهير‭ ‬منذ‭ ‬الأزمنة‭ ‬القديمة،‭ ‬ويعتمد‭ ‬المزارعون‭ ‬على‭ ‬المواسم‭ ‬والفصول‭ ‬الزمنية‭ ‬القمرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقسيم‭ ‬السنة‭ ‬إلى‭ ‬24‭ ‬وحدة‭ ‬زمنية‭ ‬مختلفة،‭ ‬وهناك‭ ‬استراحة‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬فترة‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬أعمال‭ ‬بعد‭ ‬موسم‭ ‬الحصاد،‭ ‬ومنذ‭ ‬القِدم‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬يحتفلون‭ ‬بتلك‭ ‬الفترة‭ ‬الفاصلة،‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬عامين‭ ‬زراعيين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنظيم‭ ‬فعاليات‭ ‬عامة‭ ‬تجمع‭ ‬أبناء‭ ‬المجتمع،‭ ‬ومع‭ ‬تكوّن‭ ‬المجتمعات‭ ‬الحديثة‭ ‬أصبح‭ ‬الأمر‭ ‬رسميًّا،‭ ‬ويُطلق‭ ‬الفيتناميون‭ ‬عليه‭ ‬ازاو‭ ‬ثواب،‭ ‬أي‭ ‬اللحظة‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬موسمين‭.‬

واللافت‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬المرتبطة‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬فيختلف‭ ‬أسلوب‭ ‬الفيتناميين‭ ‬في‭ ‬استقبال‭ ‬السنة‭ ‬القمرية‭ ‬الجديدة‭ ‬حسب‭ ‬المناطق،‭ ‬لكنّهم‭ ‬يعدون‭ ‬العيد‭ ‬هو‭ ‬الأيام‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأولى،‭ ‬ويرون‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬الثلاثة‭ ‬مؤثّر‭ ‬على‭ ‬مصائرهم،‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬يغلقون‭ ‬بيوتهم‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬الآخرين‭ ‬عدا‭ ‬الأهل‭ ‬الأقارب،‭ ‬وتكاد‭ ‬الشوارع‭ ‬والأماكن‭ ‬العامة‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬خصوصًا‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬الأول،‭ ‬ويبتعد‭ ‬السكان‭ ‬عن‭ ‬الكلام‭ ‬غير‭ ‬اللائق،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬الكلمات‭ ‬ذات‭ ‬المدلول‭ ‬الجالب‭ ‬للنحس‭.‬

ويختلف‭ ‬الشمال‭ ‬عن‭ ‬الجنوب‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬تفاصيل‭ ‬العيد،‭ ‬فقبل‭ ‬العيد‭ ‬بأسبوع‭ ‬يعمل‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الأطفال‭ ‬لصنع‭ ‬كعك‭ ‬العيد،‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬يسمّى‭ ‬اجونغب‭ ‬وفي‭ ‬الجنوب‭ ‬اتيتب،‭ ‬كما‭ ‬يختلفون‭ ‬في‭ ‬أهم‭ ‬الزهور‭ ‬التي‭ ‬يزيّنون‭ ‬بها‭ ‬البيت،‭ ‬فزهرة‭ ‬اداوب‭ ‬شمالًا،‭ ‬وامايب‭ ‬جنوًبا،‭ ‬وتبقى‭ ‬التمنيّات‭ ‬واحدة‭ ‬بين‭ ‬سائر‭ ‬الفيتناميين،‭ ‬فهي‭ ‬اجوك‭ ‬مونغ‭ ‬نام‭ ‬مويب،‭ ‬وتعني‭ ‬اكلّ‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بخيرب‭.‬

 

هانوي‭... ‬الفن‭ ‬والتأمُّل

تحت‭ ‬مطر‭ ‬هانوي،‭ ‬وتعني‭ ‬اجانب‭ ‬من‭ ‬النهر،‭ ‬أو‭ ‬مدينة‭ ‬داخل‭ ‬النهرب،‭ ‬سرت‭ ‬بمتعة‭ ‬الاستكشاف،‭ ‬عيون‭ ‬ترى،‭ ‬وعقل‭ ‬يستعيد‭ ‬الأمس‭ ‬ويستوعب‭ ‬الحاضر‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬عدّة‭ ‬ومتتابعة،‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬المتشابهة‭ ‬أستكشف‭ ‬ملامح‭ ‬المكان،‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أقرأ‭ ‬في‭ ‬الوجوه،‭ ‬الأكثر‭ ‬تشابهًا،‭ ‬ملامح‭ ‬الإنسان‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالأرض‭ ‬السائر‭ ‬عليها،‭ ‬الأجسام‭ ‬الضئيلة،‭ ‬خلف‭ ‬مناضد‭ ‬البيع‭ ‬في‭ ‬المحالّ‭ ‬التجارية،‭ ‬أو‭ ‬عربات‭ ‬الفواكه‭ ‬والملابس،‭ ‬أو‭ ‬فوق‭ ‬مقاعد‭ ‬الدرّاجات‭ ‬على‭ ‬اختلافها‭ ‬بين‭ ‬نارية‭ ‬وهوائية،‭ ‬قطع‭ ‬المانجو‭ ‬الأخضر‭ ‬المرشوش‭ ‬بالملح‭ ‬والفلفل‭ ‬الأحمر‭ ‬ذكّرتني‭ ‬بقريتي،‭ ‬حيث‭ ‬يحلو‭ ‬لنا‭ ‬ذلك،‭ ‬فعدتُ‭ ‬للطفولة‭ ‬أمازجُ‭ ‬بينها‭ ‬والرجل‭ ‬الخمسيني‭ ‬الذي‭ ‬يستكشف‭ ‬عواصم‭ ‬الدنيا،‭ ‬متخذًا‭ ‬من‭ ‬بحيرة‭ ‬وانج‭ ‬يامي‭ ‬متكئًا‭ ‬لتأمُّل‭ ‬الجسر‭ ‬المشتعل‭ ‬بالضوء،‭ ‬ملقيًا‭ ‬انعكاساته‭ ‬على‭ ‬الماء‭ ‬المتراقص‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬الهواء‭ ‬البارد‭.‬

كانت‭ ‬الأكياس‭ ‬مليئة‭ ‬بأنواع‭ ‬الفواكه‭ ‬الأخرى‭ ‬المعروضة،‭ ‬كأنما‭ ‬بلدان‭ ‬ذلك‭ ‬الشرق‭ ‬الآسيوي‭ ‬تجتمع‭ ‬على‭ ‬هكذا‭ ‬عادات،‭ ‬قطع‭ ‬الأناناس‭ ‬والجوافة‭ ‬والفواكه‭ ‬الاستوائية‭ ‬المعروفة،‭ ‬إنّما‭ ‬شعرت‭ ‬بأن‭ ‬السعر‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬محفظة‭ ‬السائح،‭ ‬لا‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬الديار‭.‬

قادتني‭ ‬سهيلة‭ ‬إلى‭ ‬سكة‭ ‬الحديد‭ ‬الشهيرة‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬تسير‭ ‬بين‭ ‬ضفّتي‭ ‬منازل‭ ‬ومقاه،‭ ‬حيث‭ ‬بالكاد‭ ‬تتسع‭ ‬لمرور‭ ‬قطار،‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1902م‭ ‬تسير‭ ‬القطارات‭ ‬هنا،‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ ‬الفيتنامية،‭ ‬ناقلة‭ ‬البضائع‭ ‬بين‭ ‬الشمال‭ ‬والجنوب،‭ ‬وهانوي‭ ‬هي‭ ‬العاصمة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1976م،‭ ‬وسابقًا‭ (‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1946م‭) ‬كانت‭ ‬عاصمة‭ ‬لفيتنام‭ ‬الشمالية،‭ ‬وهي‭ ‬أكبر‭ ‬مدن‭ ‬البلاد‭ ‬مساحة،‭ ‬تتمدد‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬اليُمنى‭ ‬للنهر‭ ‬الأحمر،‭ ‬والثانية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬السكان،‭ ‬إذ‭ ‬يبلغ‭ ‬نحو‭ ‬8‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة،‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬زائرها‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬اللغة،‭ ‬حيث‭ ‬الحديث‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬سائد‭ ‬مع‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬السياحة،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬جولة‭ ‬تمتلئ‭ ‬الحافلات‭ ‬بالسيّاح‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬كندا‭ ‬وأستراليا‭.‬

 

محالّ‭ ‬الفنون‭... ‬والقهوة

ما‭ ‬شدّني‭ ‬أكثر‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬المعارض‭ ‬الفنية‭ ‬المتكاثرة،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يُوجد‭ ‬شارع،‭ ‬مهما‭ ‬بدا‭ ‬صغيرًا،‭ ‬خالياً‭ ‬من‭ ‬محلّ‭ ‬لبيع‭ ‬اللوحات‭ ‬الفنية،‭ ‬بعضها‭ ‬متشابه،‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬التناسُخ‭ ‬في‭ ‬لوحات‭ ‬كثيرة،‭ ‬وبينها‭ ‬الذي‭ ‬يحتفي‭ ‬بالطبيعة،‭ ‬لكنّ‭ ‬الأسلوب‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬واحدًا،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬استثناءات‭ ‬قليلة،‭ ‬وهو‭ ‬استخدام‭ ‬السكين‭ ‬لألوان‭ ‬الإكريلك‭.‬

أغرتني‭ ‬اللوحات‭ ‬كثيرًا‭ ‬بالتأمل،‭ ‬وعدتُ‭ ‬بعدد‭ ‬منها،‭ ‬مستفيدًا‭ ‬من‭ ‬أسعارها‭ ‬الرخيصة،‭ ‬وطزاجة‭ ‬ألوانها‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬تنطق‭ ‬برائحتها‭ ‬لتكون‭ ‬حاضرة‭ ‬بروح‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬منه،‭ ‬ومضيت‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬الصغيرة،‭ ‬مع‭ ‬المطر‭ ‬والضباب‭ ‬الذي‭ ‬يكاد‭ ‬يكسو‭ ‬المكان‭ ‬بحلّة‭ ‬بيضاء،‭ ‬خطوات‭ ‬تتنفس‭ ‬فيها‭ ‬أرواح‭ ‬السائرين،‭ ‬وهم‭ ‬يضعون‭ ‬ما‭ ‬أمكنهم‭ ‬من‭ ‬واقيات‭ ‬للمطر‭ ‬المتعلّق‭ ‬بهذه‭ ‬المدينة‭ ‬بشدة‭.‬

ما‭ ‬ينافس‭ ‬محالّ‭ ‬الفنون‭ ‬هي‭ ‬محالّ‭ ‬القهوة،‭ ‬حيث‭ ‬النوع‭ ‬الفيتنامي‭ ‬الأخّاذ،‭ ‬وإبريقه‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬يمنح‭ ‬الكوب‭ ‬قطرات‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬مهل،‭ ‬كأنما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬كتابة‭ ‬قصيدة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مكتملة‭ ‬دون‭ ‬الكلمة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تبقى‭ ‬السُّلافة‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬الإبريق‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬يعلو‭ ‬الكوب،‭ ‬قطرة‭ ‬فقطرة‭ ‬كأنه‭ ‬يحاكي‭ ‬المطر‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬أمامه،‭ ‬فتفوح‭ ‬الرائحة‭ ‬كرائحة‭ ‬الماء‭ ‬المنسكب‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بردًا‭ ‬وسلامًا‭.‬

‭ ‬وأما‭ ‬المطرزات‭ ‬التراثية‭ ‬فما‭ ‬أجملها،‭ ‬كأنما‭ ‬هي‭ ‬خيوط‭ ‬المكان‭ ‬تجتمع‭ ‬إلى‭ ‬بعضها‭ ‬بعضًا‭ ‬لتصنع‭ ‬رونقها‭ ‬من‭ ‬تنوّع‭ ‬فيتنام،‭ ‬السهول‭ ‬الخضراء‭ ‬والجبال‭ ‬والنهر‭ ‬والبحر‭ ‬والخلجان،‭ ‬تتجاور‭ ‬مع‭ ‬جمال‭ ‬التذكارات،‭ ‬العابقة‭ ‬بروائح‭ ‬المكان‭ ‬وخبرة‭ ‬الإنسان،‭ ‬حرف‭ ‬يدوية‭ ‬ومنسوجات‭ ‬حريرية،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬للشال‭ ‬أن‭ ‬تضعه‭ ‬في‭ ‬لوحة‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬مهارة‭ ‬اليد‭ ‬التي‭ ‬غزلت‭ ‬خيوطه‭.‬

 

خليج‭ ‬هالانج‭ ‬يتنفّس‭ ‬دهشة

لم‭ ‬يكن‭ ‬بوسعي‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أختار‭ ‬خليج‭ ‬هالانج،‭ ‬لا‭ ‬أعرفه،‭ ‬لكن‭ ‬نصائح‭ ‬المجرّبين‭ ‬دسّته‭ ‬بين‭ ‬اهتماماتي،‭ ‬فسعيت‭ ‬إليه‭.‬

كانت‭ ‬الحافلة‭ ‬تسير‭ ‬لساعات‭ ‬بُغية‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المرفأ،‭ ‬وبعدها‭ ‬في‭ ‬قارب‭ ‬يشبه‭ ‬عبّارة‭ ‬صغيرة‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ريح‭ ‬عاتية‭ ‬لتعبث‭ ‬بها،‭ ‬ومعها‭. ‬لكنّ‭ ‬السفينة‭ ‬التي‭ ‬وصلنا‭ ‬إليها‭ ‬أخذتنا‭ ‬إلى‭ ‬غرف‭ ‬مريحة،‭ ‬ومطعم‭ ‬يتفنّن‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬لوحات‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬صحونه‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يشبع‭ ‬البطون،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الذين‭ ‬يتحسسون‭ ‬من‭ ‬اللحوم‭ ‬والدواجن،‭ ‬لكونها‭ ‬لم‭ ‬تُذبح‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الإسلامية‭.‬

ألسنة‭ ‬عدة‭ ‬التقت‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬السفينة،‭ ‬كل‭ ‬منّا‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬بلاده،‭ ‬خصوصًا‭ ‬نحن‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬شرق‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬الغربيون‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار‭ ‬والصحافة‭ ‬السياسية،‭ ‬وسعر‭ ‬برميل‭ ‬النفط،‭ ‬وكان‭ ‬صديقي‭ ‬المصور‭ ‬عبدالله‭ ‬العبري‭ ‬يفتح‭ ‬حسابه‭ ‬على‭ ‬اإنستجرامب‭ ‬ليحدّثهم‭ ‬عن‭ ‬تنوّع‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬عمان،‭ ‬بما‭ ‬يُدهش‭ ‬المتحلّقين‭ ‬حوله،‭ ‬كأنما‭ ‬يتقمّص‭ ‬دور‭ ‬مرشد‭ ‬سياحي،‭ ‬لكنّها‭ ‬محبّة‭ ‬الوطن‭ ‬تقود‭ ‬دوما‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭... ‬بمحبة‭.‬

ولأنّه‭ ‬المساء‭ ‬في‭ ‬سفينة‭ ‬صغيرة،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬بوسع‭ ‬المرشد‭ ‬السياحي‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬يتقمص‭ ‬دور‭ ‬الطباخ‭ ‬ليشرح‭ ‬لنا‭ ‬عمليًا‭ ‬طبخة‭ ‬شهيرة‭ ‬في‭ ‬بلاده،‭ ‬ويجرّب‭ ‬السياح‭ ‬معه‭ ‬طريقة‭ ‬التحضير،‭ ‬فتناولناها‭ ‬قطعًا‭ ‬صغيرة‭ ‬تقاسمتها‭ ‬الأفواه،‭ ‬لكن‭ ‬حينما‭ ‬كانت‭ ‬شمس‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الصعود‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬الماء‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬مدرب‭ ‬يمنحنا‭ ‬بعض‭ ‬الرياضة‭ ‬الصباحية،‭ ‬فعلى‭ ‬ضوء‭ ‬الشمس‭ ‬التي‭ ‬تشرقُ‭ ‬بخجل‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬تلك‭ ‬الجبال‭ ‬الصغيرة‭ ‬المتناثرة‭ ‬بالمئات‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الماء‭ ‬كنّا‭ ‬نحاول‭ ‬بحركات‭ ‬الـ‭ ‬اكونغ‭ ‬فوب‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬حدّة‭ ‬البرد،‭ ‬بانتظار‭ ‬الإشارة‭ ‬لأخذ‭ ‬القارب‭ ‬الذي‭ ‬يقلّنا‭ ‬نحو‭ ‬مرفأ‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭.‬

 

بين‭ ‬‮«‬هالانج‮»‬‭... ‬و«لها‮»‬

كأن‭ ‬السفينة‭ ‬مصوّبة‭ ‬تجاه‭ ‬قرص‭ ‬الشمس‭ ‬الذي‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬فنتبلل‭ ‬بيوم‭ ‬جديد،‭ ‬حيث‭ ‬البحر‭ ‬والكتل‭ ‬الصخرية‭ ‬الصاعدة‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬بتعدُّد‭ ‬أشكالها‭.‬

سرنا‭ ‬بين‭ ‬خليجين؛‭ ‬اهالانجب‭ ‬والهاب،‭ ‬والشاب‭ ‬الذي‭ ‬يجدف‭ ‬كان‭ ‬يغنّي‭ ‬بما‭ ‬جعلنا‭ ‬نعيش‭ ‬سحر‭ ‬اللحظة،‭ ‬لا‭ ‬يصلنا‭ ‬المعنى،‭ ‬لكن‭ ‬يلامس‭ ‬شيئًا‭ ‬فينا‭ ‬يُشعرنا‭ ‬بأنه‭ ‬يغني‭ ‬بقلبه،‭ ‬العبّارات‭ ‬الصغيرة‭ ‬تتسع‭ ‬لسبعة‭ ‬أشخاص،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجدف‭ ‬ويغنّي‭ ‬يتوقف‭ ‬قليلًا‭ ‬لُيعيد‭ ‬توزيعنا‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬العبّارة‭ ‬خشية‭ ‬انقلاب‭ ‬الخشبة‭ ‬التي‭ ‬نسير‭ ‬عليها،‭ ‬وكنّا‭ ‬لا‭ ‬نأبه‭ ‬بحركتنا‭ ‬للتنقل‭ ‬مأخوذين‭ ‬بسحر‭ ‬المشاهد‭ ‬للتصوير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬وتلك‭.‬

نرفع‭ ‬أيادينا‭ ‬بالتحية‭ ‬والضحكات‭ ‬للعابرين‭ ‬أمثالنا‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬اللوحات‭ ‬الصخرية،‭ ‬السكون‭ ‬لغة‭ ‬المكان،‭ ‬مناورين‭ ‬تلك‭ ‬الجبال‭ ‬الصغيرة‭ ‬المزروعة‭ ‬على‭ ‬الماء،‭ ‬حيث‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬مسالك‭ ‬ودروبًا‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬الساحل‭ ‬الصغير‭ ‬والمبعثر‭ ‬خلف‭ ‬تلال‭ ‬صخرية‭ ‬أخرى،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬زاوية‭ ‬حفيف‭ ‬ماء‭ ‬يقول‭ ‬أسراره،‭ ‬وعلى‭ ‬سقف‭ ‬الممرات‭ ‬الجبلية‭ ‬التي‭ ‬نعبر‭ ‬تحتها‭ ‬نتأمل‭ ‬ماذا‭ ‬أرادت‭ ‬الطبيعة‭ ‬قوله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منحوتاتها‭ ‬الجميلة،‭ ‬عين‭ ‬على‭ ‬الماء،‭ ‬وعلى‭ ‬الصخر،‭ ‬وعلى‭ ‬الرجل‭ ‬القابض‭ ‬على‭ ‬مجدافين‭ ‬يغنّي‭ ‬أو‭ ‬يصرخ‭ ‬لزملائه‭ ‬أو‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬معنا‭ ‬رفيقًا‭ ‬وصاحبًا‭.‬

 

سابا‭... ‬انسياب‭ ‬الحقول

حافلات‭ ‬أنيقة،‭ ‬نظيفة،‭ ‬ومرشدون‭ ‬سياحيون‭ ‬يجيدون‭ ‬كسب‭ ‬العقول‭ ‬والقلوب،‭ ‬بحديثهم‭ ‬الهادئ،‭ ‬والتعليقات‭ ‬الطريفة‭ ‬التي‭ ‬يجيدون‭ ‬تمريرها،‭ ‬قالت‭ ‬فرح،‭ ‬مسؤولة‭ ‬مكتب‭ ‬سياحي‭ ‬في‭ ‬هانوي،‭ ‬بلغة‭ ‬عربية‭ ‬جيدة‭ ‬إنني‭ ‬عبر‭ ‬الرحلة‭ ‬إلى‭ ‬سابا‭ ‬سوف‭ ‬أتعرّف‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬أكثر،‭ ‬اسوف‭ ‬تفهم‭ ‬الحياة‭ ‬الصعبة‭ ‬هنا،‭ ‬الحقول‭ ‬الخاوية‭ ‬لولا‭ ‬كفاح‭ ‬الناس‭ ‬الفقراء‭ ‬الذين‭ ‬يزيّنونها‭ ‬بعرقهم‭ ‬لتنبت‭ ‬تلك‭ ‬المحاصيل‭ ‬الذهبيةب،‭ ‬قلت‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬المفارقة‭ ‬بين‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يزرعون‭ ‬فيحصدون‭ ‬القليل،‭ ‬ويتركون‭ ‬لنا‭ ‬الجمال‭ ‬والغذاء،‭ ‬فلا‭ ‬يغنيهم‭ ‬الجمال‭ ‬المتكرر‭ ‬أمام‭ ‬أعينهم‭ ‬ليل‭ ‬نهار،‭ ‬ولا‭ ‬الحصاد‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يغيّر‭ ‬من‭ ‬أحوالهم‭.‬

على‭ ‬امتداد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬ساعات،‭ ‬كانت‭ ‬الطريق‭ ‬تحتفي‭ ‬على‭ ‬ضفّتيها‭ ‬بالحقول‭ ‬والجسور،‭ ‬ولوحات‭ ‬اعتناق‭ ‬الطبيعة‭ ‬والحياة‭ ‬والبشر،‭ ‬كان‭ ‬مزارعو‭ ‬الأرز‭ ‬يقطفون‭ ‬أول‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬فجرًا،‭ ‬وهم‭ ‬يحرثون‭ ‬أراضيهم‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬أحواض‭ ‬ماء‭ ‬ضخمة،‭ ‬فيما‭ ‬تتحرّك‭ ‬ثيران‭ ‬الحراثة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬موحلة،‭ ‬وكان‭ ‬اللافت‭ ‬مشهد‭ ‬بعض‭ ‬القبور‭ ‬المغروسة‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬كشجرة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اجتثاثها،‭ ‬حيث‭ ‬الموت‭ ‬ترويه‭ ‬مياه‭ ‬الحياة،‭ ‬وتظلّه‭ ‬خضرتها‭... ‬في‭ ‬أشد‭ ‬حالات‭ ‬العناق‭ ‬مدعاة‭ ‬للتأمل‭.‬

الضباب‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬يخفي‭ ‬الحقول‭ ‬فيما‭ ‬تنعكس‭ ‬السماء‭ ‬ببياضها‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الماء‭ ‬فوق‭ ‬حقول‭ ‬الأرز،‭ ‬طريق‭ ‬يسير‭ ‬لعدة‭ ‬ساعات‭ ‬بين‭ ‬الحقول‭ ‬فقط،‭  ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬قرى‭ ‬ولا‭ ‬مدن‭ ‬ولا‭ ‬لوحات‭ ‬شوارع‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬محالّ‭ ‬تجارية‭. ‬عدا‭ ‬استراحة‭ ‬يأنس‭ ‬إليها‭ ‬العابرون‭ ‬نحو‭ ‬ثلث‭ ‬ساعة،‭ ‬ثم‭ ‬يمضون‭ ‬بأحلام‭ ‬الاكتشاف،‭ ‬يتأملون‭ ‬خلال‭ ‬عبورهم‭ ‬السريع‭ ‬أولئك‭ ‬المكافحين‭ ‬بدأب‭ ‬وصبر‭ ‬ليأكل‭ ‬العالم،‭ ‬كأنّما‭ ‬لو‭ ‬اغتنوا‭ ‬لتركوا‭ ‬الحقول،‭ ‬فيجوع‭ ‬العالم‭.‬

 

 

هضبة‭ ‬ساحرة

السير‭ ‬عبر‭ ‬الحافلة‭ ‬أسرع،‭ ‬حيث‭ ‬يحتاج‭ ‬القطار‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬9‭ ‬ساعات‭ ‬لقطع‭ ‬تلك‭ ‬المسافة‭ ‬البالغة‭ ‬380‭ ‬كيلومترًا‭. ‬

وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬سابا‭ ‬بعد‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الساعات‭ ‬أنفقناها‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬صعودًا‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى،‭ ‬وكلما‭ ‬وصلنا‭ ‬قمّة‭ ‬قلنا‭: ‬هنا‭ ‬مقصدنا،‭ ‬فإذا‭ ‬بسحابة‭ ‬أخرى‭ ‬تجذب‭ ‬الحافلة‭ ‬إلى‭ ‬الصعود‭ ‬نحوها،‭ ‬هكذا‭ ‬شعرت،‭ ‬فنحن‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬1500‭ ‬متر‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬ولم‭ ‬تبق‭ ‬غيمة‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬إلا‭ ‬وصلنا‭ ‬إليها،‭ ‬حتى‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نكد‭ ‬نرى‭ ‬البنايات‭ ‬على‭ ‬الشارع،‭ ‬ما‭ ‬أدهشك‭ ‬أيتها‭ ‬الأرض‭ ‬الفيتنامية،‭ ‬سهولك‭ ‬وجبالك‭ ‬وبحرك،‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬8‭ ‬درجات،‭ ‬تنخفض‭ ‬قليلًا،‭ ‬لكنّها‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬كثيرًا‭.‬

قاومنا‭ ‬البرد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاكتشاف،‭ ‬ذلك‭ ‬المساء‭ ‬بقي‭ ‬فرصة‭ ‬رائعة‭ ‬للتمتّع‭ ‬بتلك‭ ‬الهضبة‭ ‬الساحرة،‭ ‬كانت‭ ‬البائعة‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬محل‭ ‬متهدّم‭ ‬تعرض‭ ‬منتجاتها‭ ‬من‭ ‬حِرَف‭ ‬يدوية‭ ‬شدتني‭ ‬ألوانها،‭ ‬أردنا‭ ‬التصوير‭ ‬فقط،‭ ‬فاشترطت‭ ‬أن‭ ‬نشتري‭ ‬منها‭.‬

سرنا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنعرجات‭ ‬والمنحدرات،‭ ‬إطلالات‭ ‬جمالية‭ ‬آسرة،‭ ‬فتيات‭ ‬يرتدين‭ ‬الأزياء‭ ‬التقليدية‭ ‬بابتسامات‭ ‬تنقش‭ ‬روعة‭ ‬المكان‭ ‬بمسارات‭ ‬من‭ ‬الضوء،‭ ‬جمال‭ ‬على‭ ‬جمال،‭ ‬تعرّفنا‭ ‬على‭ ‬أنماط‭ ‬ثقافات‭ ‬مختلفة‭ ‬ونحن‭ ‬نسير‭ ‬من‭ ‬منحدر‭ ‬جبلي‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬مختلطًا‭ ‬عليّ‭ ‬المسار،‭ ‬حيث‭ ‬أخبرونا‭ ‬بالسير‭ ‬مسافة‭ ‬6‭ ‬كيلومترات،‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬المرشد‭ ‬نبّهني‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬غدًا،‭ ‬وعليك‭ ‬أن‭ ‬تستعد‭ ‬أيها‭ ‬الراغب‭ ‬بالاكتشاف،‭ ‬فوق‭ ‬قدرتك‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬المستوى‭ ‬الحلمي‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭.‬

 

اختبار‭ ‬حقيقي

مررنا‭ ‬بقرية‭ ‬كات‭ ‬كات،‭ ‬المكان‭ ‬السياحي‭ ‬المفضل‭ ‬في‭ ‬سابا،‭ ‬هناك‭ ‬يمكن‭ ‬رؤية‭ ‬المحيط‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬السحاب،‭ ‬تقع‭ ‬هذه‭ ‬القرية‭ ‬بين‭ ‬سلسلة‭ ‬تلك‭ ‬الجبال‭ ‬الشاهقة،‭ ‬وتعدّ‭ ‬فرصة‭ ‬للتعرف‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬للسكان‭ ‬المحليين،‭ ‬علما‭ ‬بأنها‭ ‬أنشئت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬مع‭ ‬توجّه‭ ‬الفرنسيين‭ ‬لإنشاء‭ ‬سدّ‭ ‬فيها،‭ ‬فاختاروها‭ ‬لإنشاء‭ ‬المنتجعات‭ ‬الخاصة‭ ‬لموظفي‭ ‬الحكومة‭.‬

في‭ ‬الصباح‭ ‬التالي،‭ ‬قادنا‭ ‬المرشد‭ ‬السياحي‭ ‬للمرور‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬فنادق،‭ ‬يخرج‭ ‬منها‭ ‬سياح‭ ‬يحملون‭ ‬سحنات‭ ‬مختلفة،‭ ‬والهدف‭ ‬ذلك‭ ‬الممشى‭ ‬الجبلي‭ ‬الذي‭ ‬بدأنا‭ ‬بصعوده،‭ ‬وكدنا‭ ‬نظن‭ ‬أن‭ ‬الصعود‭ ‬صعب،‭ ‬لولا‭ ‬أننا‭ ‬أدركنا‭ ‬متأخرين‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬النزول‭ ‬لاحقًا،‭ ‬سرنا‭ ‬بجانب‭ ‬وادي‭ ‬مونغ‭ ‬هوا،‭ ‬بنيّة‭ ‬زيارة‭ ‬قرية‭ ‬إي‭ ‬لينه‭ ‬هو،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬موطنًا‭ ‬لمجموعة‭ ‬همونغ‭ ‬الأسود،‭ ‬ثم‭ ‬سرنا‭ ‬نحو‭ ‬كيلومترين‭ ‬عبورًا‭ ‬لحقول‭ ‬الأرز‭ ‬المتدرجة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬قرية‭ ‬تافان،‭ ‬وهي‭ ‬موطن‭ ‬مجموعة‭ ‬زي‭.‬

في‭ ‬القمم‭ ‬التي‭ ‬وصلنا‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ساعتين‭ ‬من‭ ‬السير،‭ ‬كان‭ ‬مرافقنا‭ ‬يمنحنا‭ ‬فرصة‭ ‬لالتقاط‭ ‬الصور‭ ‬بجمالية‭ ‬المكان‭ ‬حولنا،‭ ‬وكنّا‭ ‬لا‭ ‬نرى‭ ‬إلا‭ ‬آثار‭ ‬خطواتنا،‭ ‬محاذرين‭ ‬الوقوع،‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع،‭ ‬وبيننا‭ ‬مَن‭ ‬تخطّى‭ ‬السبعين،‭ ‬لكنّهم‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬يهرمون‭ (‬وينهزمون‭) ‬متأخرين‭ ‬جدًا،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الاختبار‭ ‬الحقيقي‭ ‬كان‭ ‬حينما‭ ‬أخذنا‭ ‬الطريق‭ ‬هبوطًا،‭ ‬حيث‭ ‬السير‭ ‬بحذَرٍ‭ ‬شديد‭ ‬مخافة‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬موحلة،‭ ‬وعبر‭ ‬ممرّ‭ ‬ضيق‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬هاوية،‭ ‬وما‭ ‬خشيتُ‭ ‬منه‭ ‬حدث‭... ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬الهضبة‭ ‬المستوية‭ ‬بأقلّ‭ ‬الضرر،‭ ‬كتل‭ ‬طينية‭ ‬غطت‭ ‬الحذاء‭ ‬والملابس‭ ‬واليدين،‭ ‬فمشهد‭ ‬الفيلم‭ ‬الهندي‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬السقوط‭ ‬حدث‭ ‬لي‭.. ‬أو‭ ‬لأقُل‭ ‬معي‭. ‬

 

يا‭ ‬لروعةَ‭ ‬المَشهد‭!‬

كانت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬يسرنَ‭ ‬معنا،‭ ‬يساعدننا‭ ‬في‭ ‬عبور‭ ‬المنزلقات‭ ‬الصعبة،‭ ‬خبيرات‭ ‬بالأرض‭ ‬وتماوجها‭ ‬تحت‭ ‬الأقدام‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعتد‭ ‬تلك‭ ‬الأمكنة،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مسافة‭ ‬يتبدّى‭ ‬المشهد‭ ‬أروع‭ ‬فأروع،‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬القرى‭ ‬الطازجة،‭ ‬حيث‭ ‬الأمهات‭ ‬يجلسن‭ ‬بأريحية‭ ‬مع‭ ‬أطفالهن‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬كأنهن‭ ‬داخل‭ ‬حارة‭ ‬صغيرة،‭ ‬ملامح‭ ‬مدهشة،‭ ‬ثقافة‭ ‬غنيّة‭ ‬تكتسب‭ ‬ثراءها‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الاختلاف‭ ‬الرائع‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكون،‭ ‬أقليّات‭ ‬تتوزع‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬المرشد‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬أهل‭ ‬القرى‭ ‬يكادون‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬مَن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬الأخرى،‭ ‬قال‭ ‬لنا‭ ‬أيضًا‭ ‬إن‭ ‬المشهد‭ ‬الآن‭ ‬ليس‭ ‬آسرًا‭ ‬تمامًا،‭ ‬فحقول‭ ‬الأرز‭ ‬التي‭ ‬ترونها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬مرحلتها‭ ‬الأولى،‭ ‬وستتحول‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬المشمسة‭ ‬مرايا‭ ‬ضخمة،‭ ‬حيث‭ ‬تنعكس‭ ‬الشمس‭ ‬على‭ ‬الحقول‭ ‬المغمورة‭ ‬بالماء‭.‬

 

دانانغ‭... ‬جسرٌ‭ ‬ذهبيّ‭ ‬للسياحة

أخذتنا‭ ‬الطائرة‭ ‬إلى‭ ‬دا‭ ‬نانغ،‭ ‬مدينة‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬فيتنام،‭ ‬ورابع‭ ‬مدنها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬السكان،‭ ‬يزيد‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬على‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬بقليل،‭ ‬وهي‭ ‬الميناء‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬البلاد،‭ ‬حيث‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬ساحل‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي،‭ ‬عند‭ ‬مصب‭ ‬نهر‭ ‬هان،‭ ‬وتتوسط‭ ‬أهم‭ ‬مدينتين‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭: ‬هانوي‭ ‬شمالًا‭ ‬وهوتشي‭ ‬منه‭ ‬جنوبًا‭.‬

حولنا‭ ‬كانت‭ ‬مطاعم‭ ‬المأكولات‭ ‬البحرية‭ ‬العنوان‭ ‬الأبرز‭ ‬للمدينة،‭ ‬مطاعم‭ ‬واسعة‭ ‬تعرض‭ ‬أحواض‭ ‬كائنات‭ ‬البحر‭ ‬بكثرة،‭ ‬كأنما‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬حيّ،‭ ‬مدهش‭ ‬في‭ ‬جمالياته،‭ ‬حيث‭ ‬ألوان‭ ‬المعروضات‭ ‬وأشكالها‭ ‬قابلة‭ ‬للتأمل‭ ‬كأيّة‭ ‬لوحة‭ ‬فنية،‭ ‬والفارق‭ ‬تلك‭ ‬الحياة‭ ‬المتدفقة‭ ‬في‭ ‬كائنات‭ ‬الماء،‭ ‬تتدافع‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭.‬

في‭ ‬دانانغ‭ ‬مساحة‭ ‬هائلة‭ ‬للمتعة‭ ‬الذهنية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬البصرية،‭ ‬سرنا‭ ‬إلى‭ ‬جبل‭ ‬الرخام،‭ ‬صعودًا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬درجة،‭ ‬مفضّلين‭ ‬الحركة‭ ‬على‭ ‬خيار‭ ‬آخر‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬المكان،‭ ‬بين‭ ‬أشجار‭ ‬وزهور،‭ ‬وبين‭ ‬إطلالات‭ ‬بانورامية‭ ‬أطلت‭ ‬الصور‭ ‬مدهشة‭ ‬لتصنع‭ ‬روعتها،‭ ‬وفي‭ ‬الأعلى‭ ‬كان‭ ‬المكان‭ ‬أشبه‭ ‬بمتنزّه،‭ ‬وكادت‭ ‬شجرة‭ ‬يوسفي‭ ‬صغيرة‭ ‬تخفي‭ ‬أوراقها‭ ‬لفرط‭ ‬ما‭ ‬حملته‭ ‬من‭ ‬ثمار،‭ ‬وخلفها‭ ‬الكهوف‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬تماثيل‭ ‬بوذية‭ ‬وهندوسية،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬زاوية‭ ‬تلتمع‭ ‬فكرة‭ ‬صورة،‭ ‬أو‭ ‬مساحة‭ ‬للكلمات‭.‬

 

بين‭ ‬‮«‬المشاوي‮»‬‭ ‬والتماثيل

حملنا‭ ‬المساء‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬هوي‭ ‬آن،‭ ‬أسواق‭ ‬ومطاعم،‭ ‬وبحيرة‭ ‬تشتعل‭ ‬بالضوء،‭ ‬حيث‭ ‬يضع‭ ‬الناس‭ ‬شموعًا‭ ‬في‭ ‬علب‭ ‬كرتونية‭ ‬صغيرة‭ ‬لتسير‭ ‬فوق‭ ‬الماء‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬لها‭ ‬الوقت،‭ ‬فيلتقي‭ ‬وهج‭ ‬الشموع‭ ‬مع‭ ‬ضوء‭ ‬المصابيح‭ ‬على‭ ‬الجسور‭ ‬الواصلة‭ ‬بين‭ ‬الضفتين،‭ ‬تأملنا‭ ‬الأحياء‭ ‬القديمة‭ ‬والجسر‭ ‬الياباني‭ ‬ودار‭ ‬فوك‭ ‬كين‭ ‬الصيني‭.‬

تركنا‭ ‬مشرف‭ ‬الرحلة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التسكّع‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬تقليدي‭ ‬يعجّ‭ ‬بالمارة،‭ ‬مفتوح‭ ‬على‭ ‬أكشاك‭ ‬متجاورة‭ ‬ولمسافة‭ ‬بضع‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الأمتار،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬معروض،‭ ‬من‭ ‬التذكارات‭ ‬إلى‭ ‬المشاوي‭ ‬المنبعثة‭ ‬رائحتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬شبيهة‭ ‬بطريقتنا‭ ‬في‭ ‬شويها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اأسياخب‭ ‬أو‭ ‬أعواد‭ ‬خشبية،‭ ‬بما‭ ‬يغري‭ ‬المارة‭ ‬للتوقف،‭ ‬لكنّ‭ ‬الزحام‭ ‬والأضواء‭ ‬المتكاثفة‭ ‬من‭ ‬الأكشاك‭ ‬وحولها‭ ‬تعطي‭ ‬المكان‭ ‬مشهدًا‭ ‬احتفاليًا‭.‬

في‭ ‬مصنع‭ ‬للأحجار‭ ‬الكريمة‭ ‬توقّفت‭ ‬أمام‭ ‬مئات‭ ‬التماثيل‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬الرخام،‭ ‬بياض‭ ‬يكاد‭ ‬ينعكس‭ ‬جمالًا،‭ ‬وكأنما‭ ‬الفاتنة‭ ‬المنحوتة‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬تكاد‭ ‬تتنفس‭ ‬وفي‭ ‬عينيها‭ ‬ما‭ ‬فيهما‭ ‬من‭ ‬سحر،‭ ‬وفي‭ ‬الجسد‭ ‬الصخري‭ ‬جاذبية‭ ‬لا‭ ‬تستطيعها‭ ‬كُثر‭ ‬من‭ ‬النساء‭. 

حملنا‭ ‬التلفريك‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬جبل‭ ‬بانا،‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التلفريك‭ ‬مسجّل‭ ‬لأربعة‭ ‬أرقام‭ ‬قياسية،‭ ‬فينقل‭ ‬عرباته‭ ‬أطول‭ ‬سلك‭ ‬كابل‭ ‬وأطول‭ ‬المسافات‭ ‬بين‭ ‬المحطات،‭ ‬وأطول‭ ‬الكابلات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاتصال‭ ‬بغيرها،‭ ‬وأثقل‭ ‬الكابلات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭.‬

 

الجسر‭ ‬الذهبي

حينما‭ ‬شاهدت‭ ‬الجسر‭ ‬الذهبي‭ ‬عبر‭ ‬الصور‭ ‬لم‭ ‬أضعه‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬الوصول‭ ‬إليه،‭ ‬حتى‭ ‬أنّي‭ ‬نسيت‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬البلاد‭ ‬يقع،‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬فيتنام،‭ ‬وأن‭ ‬أضع‭ ‬قدمي‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬يوجد‭ ‬بها،‭ ‬فهذا‭ ‬محض‭ ‬خيال‭ ‬أحسبه‭ ‬على‭ ‬الذهن‭ ‬الروائي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الصحفي،‭ ‬لأنّ‭ ‬رؤيته‭ ‬غير‭ ‬مخطط‭ ‬لها،‭ ‬إنمّا‭ ‬حملتني‭ ‬عربة‭ ‬التلفريك‭ ‬فوق‭ ‬هامات‭ ‬الجبال،‭ ‬وقريبًا‭ ‬من‭ ‬السحب،‭ ‬رافعة‭ ‬إياي‭ ‬نحو‭ ‬تلك‭ ‬الذرى،‭ ‬فهناك‭ ‬مدينة‭ ‬تتحرك،‭ ‬والجسر‭ ‬أمامي،‭ ‬بدهشته‭ ‬المفرطة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬راحتي‭ ‬اليد‭ ‬الحجريتين‭ ‬اللتين‭ ‬تحملانه‭ ‬من‭ ‬طرفيه،‭ ‬تبدوان‭ ‬من‭ ‬حجر‭ ‬لإضافة‭ ‬الدهشة‭ ‬عليهما،‭ ‬إلا‭ ‬أنهما‭ ‬من‭ ‬خرسانة‭ ‬وحديد‭ ‬وألياف‭ ‬زجاجية،‭ ‬تصميم‭ ‬تنتشر‭ ‬تفاصيله‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬المكان،‭ ‬فعلى‭ ‬مقربة‭ ‬منه‭ ‬أجزاء‭ ‬مجسّمة‭ ‬بضخامة‭ ‬لجسد‭ ‬إنسان،‭ ‬ويبدو‭ ‬الجسر‭ ‬فكرة‭ ‬عبقرية‭ ‬لتفعيل‭ ‬الحركة‭ ‬السياحية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬150‭ ‬مترًا‭ ‬طولًا،‭ ‬و12‭.‬8‭ ‬عرضًا،‭ ‬العشرات‭ ‬يمرّون‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬بضع‭ ‬دقائق،‭ ‬فالحركة‭ ‬عليه‭ ‬لا‭ ‬تهدأ،‭ ‬والهواتف‭ ‬وآلات‭ ‬التصوير‭ ‬تعمل‭ ‬بدأب‭ ‬لنقل‭ ‬حدث‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬على‭ ‬سائر‭ ‬تنوّعها،‭ ‬والوجوه‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب،‭ ‬بتعدّدها‭ ‬وتنوّعها،‭ ‬وتجانسها،‭ ‬حيث‭ ‬الابتسامات‭ ‬والسعادة‭ ‬هما‭ ‬العنوان‭ ‬الأبرز‭ ‬للجميع‭. ‬

جمال‭ ‬آسر‭ ‬من‭ ‬فوقك‭ ‬وأسفل‭ ‬منك،‭ ‬هي‭ ‬حقًا‭ ‬منطقة‭ ‬اعالَم‭ ‬الشمسب،‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الارتفاع‭ ‬المدهش،‭ ‬تسير‭ ‬قليلًا‭ ‬لتكتشف‭ ‬حديقة‭ ‬الزهور،‭ ‬نحو‭ ‬مليون‭ ‬زهرة‭ ‬تصنع‭ ‬ذلك‭ ‬الجمال‭ ‬البديع،‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬يلوح‭ ‬تمثال‭ ‬ضخم‭ ‬لبوذا،‭ ‬أمام‭ ‬مجسّم‭ ‬جميل‭ ‬كأنه‭ (‬دوّار‭) ‬تحار‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬تيمّم‭ ‬وجهك،‭ ‬فعلى‭ ‬يمينك‭ ‬القرية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬لوحات‭ ‬تضم‭ ‬معارك‭ ‬وصور‭ ‬نابليون‭ ‬وجنوده‭... ‬وهناك‭ ‬مطاعم‭ ‬لها‭ ‬إطلالات‭ ‬على‭ ‬السفوح‭ ‬الخضراء‭ ‬الممتدة،‭ ‬ومتحف‭ ‬الشمع،‭ ‬حيث‭ ‬يمكنك‭ ‬تأمّل‭ ‬وجوه‭ ‬المشاهير‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬تنطق،‭ ‬تلتقط‭ (‬سيلفي‭) ‬معها،‭ ‬وتعود‭ ‬لتأمّل‭ ‬حركتها،‭ ‬كأنما‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬أن‭ ‬تمدّ‭ ‬يدها‭ ‬نحوك‭ ‬لتصافحك‭.‬

وكان‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬وداعًا‭ ‬فيتنام،‭ ‬عائدين‭ ‬إلى‭ ‬هانوي،‭ ‬متّخذين‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬طريقنا‭ ‬الطويل‭ ‬إلى‭ ‬ديارنا،‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬بقيت‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬أوسع‭ ‬جمالًا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬حملتها‭ ‬ذاكرات‭ ‬الكاميرات‭ ‬والهواتف‭ ‬المحمولة،‭ ‬فبعض‭ ‬الدهشة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحتويه‭ ‬الصورة‭ ‬مهما‭ ‬أوتيت‭ ‬من‭ ‬قُدر‭■

 

ابتسامات‭ ‬فيتنامية‭ ‬دالّة‭ ‬على‭ ‬بساطة‭ ‬الشعب‭ ‬ومدى‭ ‬اللطف‭ ‬الذي‭ ‬يبديه‭ ‬للغرباء

بالورد‭ ‬استقبلتنا‭ ‬سهيلة،‭ ‬وكانت‭ ‬أغنية‭ ‬فيتنامية‭ ‬تقول‭ ‬حروفها‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬مفتتحة‭ ‬طموحها‭ ‬عبر‭ ‬بوابة‭ ‬السياحة

مطاعم‭ ‬بطاولات‭ ‬صغيرة‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬البساطة،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬الشارع،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنّك‭ ‬في‭ ‬البيت

باعة‭ ‬الفواكه‭ ‬سمة‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬هانوي،‭ ‬والسعر‭ ‬للأجنبي‭ ‬يبدو‭ ‬أنّه‭ ‬مختلف‭ ‬بما‭ ‬حيّر‭ ‬المرشدة‭ ‬السياحية‭ ‬وأوقعها‭ ‬في‭ ‬حرج

كانت‭ ‬الفتاة‭ ‬تجدف،‭ ‬عينها‭ ‬على‭ ‬الماء‭ ‬والبشر‭ ‬معاً،‭ ‬وعلى‭ ‬القارب‭ ‬ليحافظ‭ ‬على‭ ‬توازنه

يأبى‭ ‬اللون‭ ‬الأصفر‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬حضور‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬فرحة‭ ‬الألوان،‭ ‬فالبلاد‭ ‬تمنح‭ ‬المتعة‭ ‬لزوارها

التقطنا‭ ‬صورة‭ ‬جماعية،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬بالتساقط‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬الجبلي‭ ‬الموحل

تأوي‭ ‬إلى‭ ‬جبينها‭ ‬تعب‭ ‬السنين،‭ ‬وكأنّها‭ ‬تود‭ ‬لو‭ ‬تروي‭ ‬للعابرين‭ ‬حكايات‭ ‬مخزونة‭ ‬لا‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تُحكى

كانتا‭ ‬تراقباننا‭ ‬ونحن‭ ‬فوق‭ ‬تخوم‭ ‬تلك‭ ‬الجبال‭ ‬نكاد‭ ‬نتوقع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭... ‬سقوطًا