الشيخ رشيد رضا وتحولاته الفكرية والسياسية

الشيخ رشيد رضا وتحولاته الفكرية والسياسية

عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬رشيد‭ ‬رضا،‭ ‬فإننا‭ ‬نتحدث،‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬فكرية‭ ‬إسلامية‭ ‬مثلت‭ ‬اتجاهين‭ ‬لا‭ ‬اتجاهًا‭ ‬واحدًا‭ ‬ضمن‭ ‬التيار‭ ‬الإسلامي‭ ‬الإصلاحي‭ ‬العريض،‭ ‬الذي‭ ‬انتمى‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬حياته‭ (‬1865-1935‭). ‬كان‭ ‬الاتجاه‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جمعه‭ ‬مع‭ ‬الشيخ‭ ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬الأفغاني‭ ‬والشيخ‭ ‬محمد‭ ‬عبده،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬عند‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأكاديميين‭ ‬العرب‭ ‬والأجانب‭ ‬بالاتجاه‭ ‬‮«‬السلفي‭ ‬الإصلاحي‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬السلفي‭ ‬التحديثي‮»‬‭. ‬أما‭ ‬الاتجاه‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬واضحًا‭ ‬عند‭ ‬رشيد‭ ‬رضا‭ ‬بمفرده‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬فكان‭ ‬الاتجاه‭ ‬السلفي‭ ‬المحض‭. ‬

كان‭ ‬مصطلح‭ ‬االسلفية‭ ‬الإصلاحيةب‭ ‬يحمل‭ ‬معه‭ ‬بذور‭ ‬محاولة‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬فكرتين،‭ ‬وهما‭ ‬السلفية‭ ‬التي‭ ‬تشدد‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬أخلاقيات‭ ‬الإسلام‭ ‬ونقائه‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬السلف‭ ‬الصالح‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والتحديث‭ ‬الضروري‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الغربية‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬ممثلو‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تشكو‭ ‬من‭ ‬التأخر‭ ‬من‭ ‬وجهتين‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬واحدة‭: ‬الأولى،‭ ‬تأخرها‭ ‬عن‭ ‬أخلاقيات‭ ‬وممارسات‭ ‬الماضي‭ ‬الإسلامي‭ ‬الأول،‭ ‬والوجهة‭ ‬الثانية‭ ‬تأخرها‭ ‬عن‭ ‬الحاضر‭ ‬الأوربي‭ ‬الذي‭ ‬طوّر‭ ‬حضارة‭ ‬حديثة‭ ‬متقدمة‭ ‬عن‭ ‬الحضارات‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬قبلها‭. ‬وكان‭ ‬الهم‭ ‬الأساس‭ ‬لهذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬هو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬كدين‭ ‬وثقافة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬حملات‭ ‬فكرية‭ ‬غربية‭ ‬معادية،‭ ‬وردم‭ ‬الهوة‭ ‬الحضارية‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصعدة‭ ‬بين‭ ‬العالمين‭ ‬الإسلامي‭ ‬والغربي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفعيل‭ ‬االاجتهادب‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬بتطوير‭ ‬بعض‭ ‬الأحكام‭ ‬الشرعية‭. ‬ولما‭ ‬تغيرت‭ ‬أمور‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الإسلامية‭ ‬والاتجاهات‭ ‬المعادية‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وما‭ ‬بعده،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بمكان‭ ‬مزاوجة‭ ‬السلفية‭ ‬والإصلاحية‭ ‬معًا،‭ ‬لأن‭ ‬طلاقًا‭ ‬فكريًا‭ ‬حدث‭ ‬بينهما،‭ ‬فأخذنا‭ ‬نقول‭ ‬إما‭ ‬بالاتجاه‭ ‬الإصلاحي‭ ‬التغريبي‭ ‬الذي‭ ‬اتخذ‭ ‬صفة‭ ‬علمانية،‭ ‬وإما‭ ‬بالإصلاح‭ ‬الإسلامي‭ ‬السلفي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يهتم‭ ‬كثيرًا‭ ‬بالأطروحات‭ ‬الفكرية‭ ‬الغربية‭ ‬غير‭ ‬المتصلة‭ ‬بالدين‭ (‬وإن‭ ‬ظل‭ ‬متحمسًا‭ ‬للأخذ‭ ‬بالتكنولوجيا‭ ‬الغربية‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬تبناه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تيار‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬حاليًا،‭ ‬وإن‭ ‬بتلاوين‭ ‬مختلفة‭.‬

 

بين‭ ‬الأفغاني‭ ‬ومحمد‭ ‬عبده‭ ‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية‭ ‬اختلفت‭ ‬مشارب‭ ‬الإصلاحيين‭ ‬الثلاثة‭ (‬الأفغاني،‭ ‬عبده،‭ ‬رضا‭). ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬الأفغانيّ‭ ‬من‭ ‬الداعين‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬السياسيّ‭ ‬المباشر،‭ ‬لاعتقاده‭ ‬بأنَّ‭ ‬الإصلاح‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬قمة‭ ‬الهرم،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الحاكم‭ ‬ثم‭ ‬ينتشر‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ربما‭ ‬على‭ ‬الأساس‭ ‬القائل‭: ‬االناس‭ ‬على‭ ‬دين‭ ‬ملوكهمب‭. ‬أما‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬فاختار،‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬تعاون‭ ‬مع‭ ‬الأفغاني‭ ‬إثر‭ ‬احتلال‭ ‬بريطانيا‭ ‬لمصر‭ ‬عام‭ ‬1882،‭ ‬أن‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الإصلاح‭ ‬التربوي‭ ‬والتعليميّ‭ ‬البطيء‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬القاعدة‭ ‬ويصعد‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬القمة‭ ‬وكأنه‭ ‬يردد‭ ‬اكما‭ ‬تكونوا‭ ‬يولّى‭ ‬عليكمب‭. ‬لهذا‭ ‬قام‭ ‬الشيخ‭ ‬الإمام‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬بمهادنة‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطاني‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬مفتي‭ ‬الديار‭ ‬المصرية‭. ‬أما‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬فبدأ‭ ‬حياته‭ ‬السياسية‭ ‬مهادنًا‭ ‬كمحمد‭ ‬عبده‭ ‬وانتهى‭ ‬مجابهًا‭ ‬للاستعمار‭ ‬كالأفغانيّ‭.‬

‭ ‬لما‭ ‬انتقل‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬رضا‭ ‬من‭ ‬بلدته،‭ ‬القلمون،‭ ‬الواقعة‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬طرابلس‭ ‬الشام،‭ ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬اللبناني‭ ‬اليوم،‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬وأنشأ‭ ‬مجلة‭ ‬االمنارب‭ ‬عام‭ ‬1898،‭ ‬فإنه‭ ‬سار‭ ‬سير‭ ‬الإمام‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬وتجنب‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬المواضيع‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬البداية‭. ‬وظل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬وفاة‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ (‬1905‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬لعله‭ ‬بالغ‭ ‬فيه‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬دعوة‭ ‬المصريين‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬إظهار‭ ‬مشاعر‭ ‬التنديد‭ ‬بالبريطانيين‭ ‬إثر‭ ‬حادثة‭ ‬دنشواي‭ ‬الشهيرة‭ ‬في‭ ‬1906،‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬شنق‭ ‬أربعة‭ ‬فلاحين،‭ ‬وإيقاع‭ ‬عقوبة‭ ‬الجلد‭ ‬والسجن‭ ‬بعدد‭ ‬أكبر‭ ‬ظلمًا‭ ‬وعدوانًا‭. ‬كذلك‭ ‬فإنه‭ ‬ألقى‭ ‬في‭ ‬1912‭ ‬خطابًا‭ ‬أثناء‭ ‬زيارة‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬الهند،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مستعمرة‭ ‬بريطانية،‭ ‬دعا‭ ‬فيه‭ ‬المسلمين‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬حاكميهم،‭ ‬لأن‭ ‬بريطانيا‭ ‬لا‭ ‬تتدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الدينية‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭. ‬وبالطبع،‭ ‬لم‭ ‬يؤدِ‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬محبوبًا‭ ‬لدى‭ ‬الذين‭ ‬سمعوا‭ ‬خطابه‭.‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬رضا‭ ‬بدأ‭ ‬حياته‭ ‬الفكرية‭ ‬وفيها‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الازدواجية‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬فهو‭ ‬كان‭ ‬لصيقًا‭ ‬بأستاذه‭ ‬الإمام‭ ‬محمد‭ ‬عبده،‭ ‬الذي‭ ‬جاهر‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬االإسلام‭ ‬والنصرانية‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬والمدنيةب‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬برفضه‭ ‬للدعوات‭ ‬السلفية‭ ‬المحضة،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬القائمين‭ ‬بها‭ ‬الم‭ ‬يكونوا‭ ‬للعلم‭ ‬أولياء‭ ‬ولا‭ ‬للمدنية‭ ‬الحديثة‭ ‬أحباءب‭. ‬أما‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬رضا‭ ‬فوجد‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات‭ ‬من‭ ‬الإيجابيات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬السلبيات،‭ ‬وقد‭ ‬خالف‭ ‬رأيه‭ ‬رأي‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬وفاة‭ ‬مفتي‭ ‬الديار‭ ‬المصرية‭ ‬آنذاك‭. ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬في‭ ‬المجلد‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬االمنارب،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬1902،‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬الاتجاه‭ ‬السلفي‭ ‬المحض‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يسترسل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬

 

الأوربيون‭... ‬منافع‭ ‬بلا‭ ‬أضرار‭ ‬

ومع‭ ‬هذا،‭ ‬فعندما‭ ‬نقرأ‭ ‬االمنارب‭ ‬في‭ ‬سنواته‭ ‬الأولى‭ ‬نلاحظ‭ ‬إعجابًا‭ ‬واضحًا‭ ‬بالغرب،‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬باحث،‭ ‬خاصة‭ ‬عند‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬مقالات‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬المسلسلة‭ ‬احول‭ ‬منافع‭ ‬الأوربيين‭ ‬ومضارهم‭ ‬في‭ ‬الشرقب،‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬عام‭ ‬1325‭ ‬هـ‭/ ‬1907‭ ‬م‭.‬

وهو‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬إنّ‭ ‬الفائدة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬استفدناها‭ ‬بمحالفة‭ ‬الأوربيين‭ ‬والاتصال‭ ‬بهم‭ ‬هي‭ ‬ااستقلال‭ ‬الفكرب‭... ‬وهو‭ ‬يكون‭ ‬حسب‭ ‬كلام‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬ا‭... ‬ببلوغ‭ ‬العقل‭ ‬أشدّه‭ ‬وارتقائه‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬رشده؛‭ ‬فإنّ‭ ‬العقل‭ ‬القاصر‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يتبع‭ ‬مذهب‭ ‬التقليد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يلقى‭ ‬إليه‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬الأطفال‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬الرجال‭. ‬فالمستقل‭ ‬في‭ ‬فكره‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يستعمل‭ ‬عقله‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحق‭ ‬والصواب‭ ‬في‭ ‬معارفه،‭ ‬والتمييز‭ ‬بين‭ ‬النافع‭ ‬والضار‭ ‬من‭ ‬مصالحه‭ ‬أو‭ ‬مصالح‭ ‬أمته‭ ‬عندما‭ ‬يبحث‭ ‬فيها،‭ ‬فلا‭ ‬يقبل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬ولا‭ ‬ذاك‭ ‬قول‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬مثله‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬ظهر‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬الحق‭ ‬والصوابب‭. ‬وينهي‭ ‬المؤلف‭ ‬كلامه‭ ‬قائلًا‭ ‬بالحرف‭ ‬وتاركًا‭ ‬القارئ‭ ‬مدهوشًا‭ ‬افهذه‭ ‬فائدة‭ ‬كبرى‭ ‬قد‭ ‬استفدناها‭ ‬من‭ ‬الأوربيين‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نشكرها‭ ‬لهم‭ ‬ونحمد‭ ‬لأجلها‭ ‬معرفتهم‭. ‬وليس‭ ‬للمسلم‭ ‬أن‭ ‬ينكر‭ ‬ذلك‭ ‬محتجًا‭ ‬بأنّ‭ ‬القرآن‭ ‬الحكيم‭ ‬قد‭ ‬أرشد‭ ‬إلى‭ ‬هدم‭ ‬التقليد‭ ‬وقام‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الاستقلال‭ ‬في‭ ‬الاستدلال؛‭ ‬فإن‭ ‬هذا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬حقًا‭ ‬يعترف‭ ‬به‭ ‬المنصف‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هو‭ ‬المنبه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬للشرق‭ ‬وللمسلمين‭ ‬خاصة،‭ ‬ودليلنا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬منّا‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬في‭ ‬الأكثر‭ ‬أسرى‭ ‬التقليد‭ ‬وأعداء‭ ‬الاستقلال،‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬ننصف‭ ‬من‭ ‬أنفسنا‭ ‬ونشكر‭ ‬لمن‭ ‬نبهنا‭ ‬إلى‭ ‬مصلحتناب‭.‬

ويتابع‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬الحلقة‭ ‬الثانية‭ ‬قائلًا‭: ‬اإن‭ ‬الفائدة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬استفدناها‭ ‬من‭ ‬الأوربيين‭ ‬هي‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الاستبدادب،‭ ‬وهو‭ ‬يهاجم‭ ‬أهل‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬اسطنبول،‭ ‬عاصمة‭ ‬السلطنة‭ ‬العثمانية،‭ ‬قائلًا‭ ‬إن‭ ‬أعظم‭ ‬افائدة‭ ‬استفادها‭ ‬أهل‭ ‬الشرق‭ ‬من‭ ‬الأوربيين‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عليه‭ ‬الحكومة‭ ‬وانطباع‭ ‬نفوسهم‭ ‬بها،‭ ‬حتى‭ ‬اندفعوا‭ ‬إلى‭ ‬استبدال‭ ‬الحكم‭ ‬المقيد‭ ‬والشريعة‭ ‬بالحكم‭ ‬المطلق‭ ‬الموكول‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬الأفراد؛‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬نال‭ ‬أمله‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الكمال‭ ‬كاليابان،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬بدأ‭ ‬بذلك‭ ‬كإيران،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يجاهد‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬بالقلم‭ ‬واللسان‭ ‬كمصر‭ ‬وتركياب‭.‬

وينهي‭ ‬شيخنا‭ ‬كلامه‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الحزم‭ ‬وهو‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬تعتريه‭ ‬الدهشة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬مبادئ‭ ‬االشُّورىب‭ ‬الإسلامية‭: ‬الا‭ ‬تقل‭ ‬أيها‭ ‬المسلم‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬أصل‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬ديننا‭ ‬فنحن‭ ‬قد‭ ‬استفدناه‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬المبين،‭ ‬ومن‭ ‬سيرة‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬معاشرة‭ ‬الأوربيين،‭ ‬والوقوف‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬الغربيين،‭ ‬فإنه‭ ‬لولا‭ ‬الاعتبار‭ ‬بحال‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬لما‭ ‬فكرت‭ ‬أنت‭ ‬وأمثالك‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬الإسلام،‭ ‬ولكان‭ ‬أسبق‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬هذا‭ ‬الركن‭ ‬علماء‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الآستانة‭ ‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬ومراكش،‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬أكثرهم‭ ‬يؤيد‭ ‬حكومة‭ ‬الأفراد‭ ‬الاستبدادية‭ ‬ويعد‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬أعوانها،‭ ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬طلاب‭ ‬حكم‭ ‬الشوُّرى‭ ‬المقيدين‭ ‬الذين‭ ‬عرفوا‭ ‬أوربا‭ ‬والأوربيين‭... ‬ألم‭ ‬تر‭ ‬بلاد‭ ‬مراكش‭ ‬الجاهلة‭ ‬بحال‭ ‬الأوربيين‭ ‬كيف‭ ‬تتخبط‭ ‬بظلمات‭ ‬استبدادها‭ ‬ولا‭ ‬تسمع‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬كلمة‭ ‬اشُورىب،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬أهلها‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬تلاوة‭ ‬لسورة‭ ‬الشُّورى‭ ‬ولغيرها‭ ‬من‭ ‬السور‭ ‬التي‭ ‬شرع‭ ‬فيها‭ ‬الأمر‭ ‬المشاورة‭ ‬وفرض‭ ‬حكم‭ ‬السياسة‭ ‬إلى‭ ‬جماعة‭ ‬أولي‭ ‬الأمر‭ ‬والرأي‭...‬ب‭.‬

الملاحظة‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬مقالات‭ ‬الشيخ‭ ‬رضا‭ ‬امنافع‭ ‬الأوربيين‭ ‬ومضارهم‭ ‬في‭ ‬الشرقب‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يشر‭ ‬إلى‭ ‬أية‭ ‬مضار‭ ‬للأوربيين‭ ‬وركز‭ ‬على‭ ‬منافعهم‭ ‬فحسب‭.‬

 

الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬تنتج‭ ‬التحول

هذا‭ ‬الإعجاب‭ ‬بأوربا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬نشاط‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬الفكري‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬هجوم‭ ‬حاد‭ ‬عليها‭ ‬وعلى‭ ‬سياستها‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬ابالمتفرنجينب‭ ‬المسلمين‭ ‬المتأثرين‭ ‬بها،‭ ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬ذلك‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬شيخنا‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة،‭ ‬تراكمت‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬أثناء‭ ‬وبعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭. ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬الأسباب‭ ‬فرض‭ ‬نظام‭ ‬الانتداب‭ ‬الفرنسي‭ ‬والبريطاني‭ ‬على‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬والعراق‭ ‬وإصدار‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬للحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وتشديد‭ ‬رقابة‭ ‬بريطانيا‭ ‬على‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬كمنطقة‭ ‬نفوذ‭ ‬تستأثر‭ ‬بها،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬أئمة‭ ‬المسلمين‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬يستلزم‭ ‬بقاء‭ ‬سلطة‭ ‬سياسية‭ ‬مستقلة‭ ‬تدافع‭ ‬عنه‭ ‬وتمثله‭ ‬وتبقي‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬شعائره‭. ‬أما‭ ‬السبب‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬فشل‭ ‬محاولة‭ ‬التقارب‭ ‬العربي‭ - ‬التركي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استطاع‭ ‬مصطفى‭ ‬كمال‭ ‬هزيمة‭ ‬الحلفاء‭ ‬والفوز‭ ‬باستقلال‭ ‬تركيا،‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬سورية‭ ‬والعراق‭ ‬اللتين‭ ‬أصبحتا‭ ‬تحت‭ ‬الانتدابين‭ ‬الفرنسي‭ ‬والبريطاني‭. ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬معظم‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬يؤيدون‭ ‬الغازي‭ ‬التركي‭ ‬المنتصر‭ ‬إذا‭ ‬به‭ ‬يحول‭ ‬تركيا‭ ‬وجهة‭ ‬أخرى‭ ‬ويلغي‭ ‬السلطنة‭ ‬ثمّ‭ ‬الخلافة‭ ‬في‭ ‬1924‭ ‬ويأخذ‭ ‬تركيا‭ ‬وجهة‭ ‬علمانية‭ ‬تغريبية‭ ‬بحتة‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬أيدوا‭ ‬هذا‭ ‬المنحى‭ ‬التغريبي‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬تركيا،‭ ‬فكتب‭ ‬علي‭ ‬عبدالرازق‭ ‬في‭ ‬1925‭ ‬كتابه‭ ‬االإسلام‭ ‬وأصول‭ ‬الحكمب‭ ‬الذي‭ ‬نفى‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬سمة‭ ‬إسلامية‭ ‬للسلطة‭ ‬السياسية‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الإسلام،‭ ‬ثم‭ ‬كتب‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬1926‭ ‬افي‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهليب،‭ ‬الذي‭ ‬شكك‭ ‬فيه‭ ‬بمصادر‭ ‬ذلك‭ ‬الشعر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬بمصادر‭ ‬جميع‭ ‬المصادر‭ ‬الإسلامية‭ ‬المبكرة‭ ‬بصورة‭ ‬أحدثت‭ ‬هزة‭ ‬ثقافية‭ ‬كبيرة‭. ‬وكان‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬الذين‭ ‬هاجموا‭ ‬الكاتبين‭ ‬اللذين‭ ‬اعتبرهما‭ ‬من‭ ‬االمتفرنجينب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬االملاحدةب‭. 

 

من‭ ‬مجاهد‭ ‬ضد‭ ‬الجمود‭ ‬إلى‭ ‬مجاهد‭ ‬للجحود

حصلت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬نفسها‭ ‬مصالحة‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬مصالحة،‭ ‬أو‭ ‬اعتراف‭ ‬متبادل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العلمانية‭ ‬المعتدلة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والدين‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الأوربية‭. ‬لذا‭ ‬نجد‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬يكتب‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬1929‭ ‬مقارنًا‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬اتجديد‭ ‬ملاحدتنا‭ ‬وتجديد‭ ‬الإفرنجب،‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬يدعون‭ ‬التجديد‭ ‬يقصدون‭ ‬به‭ ‬هدم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يربط‭ ‬الأمة‭ ‬ويشد‭ ‬أزرها‭ ‬ويجمع‭ ‬كلمتها‭ ‬ويهذب‭ ‬أخلاقها‭ ‬من‭ ‬روابط‭ ‬الدين‭ ‬ويسمون‭ ‬ذلك‭ ‬تقدمًا‭ ‬ورقيًا‭. ‬أما‭ ‬الأوربيون‭ ‬أو‭ ‬الإفرنج‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يسميهم،‭ ‬فقد‭ ‬أعادوا‭ ‬العلاقات‭ ‬الودية‭ ‬بين‭ ‬دولهم‭ ‬ومؤسساتهم‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬تعهدوا‭ ‬فيه‭ ‬بمحاربة‭ ‬الإسلام‭. ‬وأعطى‭ ‬أمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭, ‬من‭ ‬بينها‭: ‬1‭ - ‬إعادة‭ ‬الدولة‭ ‬الفرنسية‭ ‬للجمعيات‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬صادرته‭ ‬من‭ ‬أموالها‭ ‬وأوقافها‭. ‬2‭ - ‬تصالح‭ ‬الدولة‭ ‬الإيطالية‭ ‬ودولة‭ ‬الفاتيكان‭ ‬الكاثوليكية،‭ ‬وأعادت‭ ‬للبابا‭ ‬سلطانه‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬دائرته‭ ‬ومئات‭ ‬الملايين‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬أخذته‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬دولته،‭ ‬فتجدد‭ ‬للكنيسة‭ ‬الرومانية‭ ‬بعض‭ ‬سيادتها‭.‬
3‭ - ‬تبارت‭ ‬الأمتان‭ ‬الإيطالية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬في‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬آداب‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬أزياء‭ ‬النساء‭ ‬وعاداتهن،‭ ‬ومقاومة‭ ‬ما‭ ‬أحدثن‭ ‬من‭ ‬الإسراف‭ ‬في‭ ‬التبرج،‭ ‬والخلاعة،‭ ‬المفضية‭ ‬إلى‭ ‬الإباحة،‭... ‬أما‭ ‬إيطاليا‭ ‬فقد‭ ‬منع‭ ‬ارجلها‭ ‬المجدد‭ ‬ووزيرها‭ ‬الأكبرب‭ (‬يقصد‭ ‬برأينا‭ ‬هنا‭ ‬موسوليني‭) ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإسراف‭ ‬في‭ ‬الأزياء‭ ‬والرقص‭ ‬والسباحة‭, ‬تجديدًا‭ ‬للدين‭ ‬والأخلاق‭ ‬لتجديد‭ ‬قوة‭ ‬الأمة‭ ‬وعظمتها‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬الشيخ‭ ‬رشيد‭ ‬ظلّ‭ ‬يحن‭ ‬للاتجاه‭ ‬الذي‭ ‬يدافع‭ ‬عنه‭ ‬كاتجاه‭ ‬التجديد‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬بين‭ ‬الجمود‭ ‬أو‭ ‬الجحود‭ ‬والتفرنج‭ ‬المقابل‭ ‬له،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تشديده‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إنقاذ‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬أعدائه‭ ‬الكثر‭ ‬جعله‭ ‬يبني،‭ ‬ربما‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدري،‭ ‬اللبنة‭ ‬الأولى‭ ‬باتجاه‭ ‬السلفية‭ ‬المحضة،‭ ‬وإذا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬سابقًا‭ ‬من‭ ‬مدح‭ ‬لقيم‭ ‬أوربا‭ ‬الليبرالية‭ ‬ينقلب‭ ‬إلى‭ ‬هجاء‭ ‬لها،‭ ‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬أوربا‭ ‬عندنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬الهيمنة‭ ‬والاستعمار‭ ‬والاستغلال،‭ ‬فكانت‭ ‬تحولات‭ ‬رشيد‭ ‬رضا‭ ‬الفكرية‭ ‬مقابلة‭ ‬لتحولات‭ ‬علاقة‭ ‬أوربا‭ ‬مع‭ ‬الإسلام‭ ‬والعالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬خاصة‭ ‬الإسلام‭ ‬العربي‭ ■‬