في الظلام وميض البرق أشدّ سطوعًا
أوّل ملاحظتي للمطاردة لما سألت عن كتاب «الإسلام وأصول الحكم» في مكتبة دار المعارف بميدان المنشية، تكررت المطاردة في وقفاتي أمام الفاترينات وفرشات الكتب القديمة بـ «النبي دانيال»، حتى في مكتبة الإسكندرية تنبّهت إلى النظرات التي كأنها تخترقني. تضايقني النظرات المرتابة، يرمقني بها الرجل في الترام، كأنه يحاول تبيّن عنوان الكتاب في يدي.
حاولت أن أرتّب أفكاري، أستعيد ما حدث من بداياته:
لماذا المطاردة؟ متى بدأت؟ كيف تنتهي؟
كنت أتردد على مكتبة البلدية وقت فسحة المدرسة الملاصقة، أو في الحصص التي لا يحضرها المدرس، أو في نهاية اليوم.
أذكر الكتب ذات الرسوم الملونة، والحروف الكبيرة، والحكايات المسلية عن عقلة الإصبع والساحرات، والعجوز ذات المكنسة، والأسقف المغطاة بالثلوج، والذئب والعنزات الثلاث، وذات الرداء الأحمر، والعفاريت والغيلان والمَرَدة، وغيرها.
ما كان يضايقني أن المكتبة لها موعد للإغلاق.
أترك الكتاب، وأتهيأ للانصراف. ربما اجتذبتني الأحداث، فأقلّب ما بقي من الصفحات، أحاول الاستباق، فأتبين ما انتهت إليه.
رأيت من موضعي روّادًا يدفعون إلى الموظف كتبًا، ويحصلون على كتب أخرى. عرفتُ أن الاستعارة ممكنة، أحمل الكتاب إلى البيت، أقرأه، وأعيده، بلا موعد إغلاق.
صارت القراءة عالَمي البديل، تختلف عن العالم الذي أعيشه. أقرأ ما أصادفه، لا أفاضل، ولا أختار، حتى نوعية ما أقرأه لا تشغلني، كتاب أو مجلة أو قصاصة جريدة، تستغرقني القراءة، حتى ألتفت إلى ما يثير الانتباه: النداء باسمي، رفع الأذان من مئذنة قريبة، أغنية في الإذاعة. أدسُّ ورقة صغيرة بين الصفحات التي قرأتها والصفحات التالية، أعود إلى ما حولي.
في أحيان، أعود إلى قراءة الفقرة التي لم أفهمها. ذلك ما فعلته في قراءتي لكتاب االأيامب، حيرة الصبي أمام تصوُّر السياج نهاية للعالم، تألُّمه من سخرية إخوته لانسكاب العدس على بدنه، كلمات الإعزاز للزوجة التي أحاطت بحنوها أسرة طه حسين. تأخذني القراءة إلى ما لم يكن يشغلني قبل أن أخلو إلى الكتاب. أشرد في التسابيح والقراءات من مئذنة اأبو العباسب قبل أذان الفجر، أنصت إلى ما أحبّ سماعه من الموسيقى والأغنيات، ربما أدرت - وقت القراءة - مؤشر الراديو على إذاعة الأغاني.
حدثني أبي عن مئات العلماء المغاربة، وفدوا إلى الإسكندرية، توزعوا في أحيائها، واصلوا السير إلى مدن الداخل، وإلى خارج البلاد، يحملون المِخْلات فيها الزاد القليل، والكثير من الكتب. صارت المكتبات جزءًا مما خلّفوه في المساجد والزوايا.
يغمرني الشعور بالنشوة عندما يدفع لي صديق كتابًا: خذه، اقرأه.
أتحسسه في العودة، أقلّب الصفحات، ألتقط المفردات والجُمل، أحاول تبيُّن ما تتخلله الأسطر، أطويه وأنا أمنّي النفس بأن أخلو إليه، لأقرأه.
اعتدت بسط الكتاب في يدي وأنا أخترق الشوارع، أهز رأسي في امتنان للتحذيرات المُشفقة من خطر الطريق.
القراءة زاد الطريق
إذا وجدت موضعًا خاليًا في الترام أو الباص، فإني ألزمه، تتجه نظراتي إلى ما بيدي، كتاب، أو صحيفة، أو حتى ورقات محاضرة استمعت إليها.
أعطي القراءة وقتًا بتصوّر المدة التي سأخلو فيها إلى الكتاب، السفر إلى مدن قريبة أو بعيدة، القعود - بين صلاتي العصر والمغرب ذ لصق الجدار في صحن اأبو العباسب، الجلوس في مواجهة أفق البحر، السير تحت أعمدة النور في الطرق الخالية.
حين أعارني أيمن عبدالعظيم - وأنا أعد حقيبتي للسفر - كتابًا، لأقرأه في أيام الرحلة، اعتبرتُ ذلك تصرفًا جميلًا.
اعتدت - عند السفر - أن أحمل للقراءة ما يسدّ مسافة الطريق، كتابًا أو اثنين أو ثلاثة، ما أتصور أني سأنهي - قبل محطة الوصول - قراءته. ربما تنتهي الرحلة دون أن أفضّ كتابًا، يضيع الوقت في الدردشات الجانبية والحكايات، يأخذنا الكلام حتى محطة الوصول.
تأخذني المكتبات من المقاهي والمطاعم ومحالّ الأزياء. أطرد الإحساس بالوحدة، أجد في الشخصيات داخل الكتب، وعلى الأرفف، ما يملأ حياتي. أحرص - عند زيارتي بلدًا ما - أن أتردد على أماكن بيع الكتب، المكتبات، والأسواق، والأرصفة، والأكشاك، والأسوار.
للمكتبة رائحة أحبها، خليط من الأوراق والأحبار والألوان والمادة اللاصقة، الرائحة - في عمومها - لمكتبة، تعلو، أو تشحب، بقدر السعة، وفتح النوافذ وإغلاقها، الكتمة أو برودة التكييف، قِدَم الكتب، نسخها باليد أحيانًا، أو حديثة الطباعة، نوعية الأرفف، إن كانت من الخشب أو المعدن، أو أنها تقتصر على الرصّات الملاصقة للجدران.
لتهب قلبكَ للكتب، الكلمات التي قالها الحكيم المصري القديم بادويست، كأنها وصية يجب أن أنفّذها. حفظت الكثير مما لم أكن أعرفه من المفردات والتعبيرات والاصطلاحات والمعاني الحقيقية، ميّزت بين أنواع الورق: الكوشيه والأبيض والستانيه وورق الصحف.
أودعت حقيبتي كتبًا اقتنيتها من سور الأزبكية، رصيف النبي دانيال، لصق جدار أبو العباس، شارع المتنبي في بغداد، ضفة نهر السين، المكتبة الشعبية في نابلس، مكتبات الزيتونة، مكتبة أثينا الشعبية، مكتبة قسنطينة، أكشاك الكتب في برلين، السور الحديدي المحيط بساحة دار القضاء العالي، مكتبات سور الصين للكتب القديمة. أذكر قول مَن لا أذكره: على أيام أفلاطون، كان الأشخاص الموهوبون المُلهمون، يحيون - غالبًا - في مكان واحد، هو أثينا. أما الآن، فإننا قد نجدهم في باريس أو لندن أو روما أو نيويورك، أو في قلب إفريقيا، أو في دلهي، السبيل الوحيد لمقابلتهم هو الكتب.
وأنا أرقى سلالم دار الكتب في باب الخلق تلفتُّ حولي، بإدراك أن رجالًا مهمين سبقوني إلى المكان: لطفي السيد، منصور فهمي، توفيق الحكيم، يحيى حقي، فريد عبدالخالق، عبدالناصر حسن، وغيرهم، عبروا المدخل المكسوّ بالرخام الملوّن، رقوا السلالم، ساروا في الردهات الطويلة، تحيطها الفجوات المقوسة التي تزين الجدران، مضوا في القاعات المغطاة بالرخام المشجّر بتعاريج الصدف، وبالمقرنصات الجصية، تصل بينها نقوش صغيرة. أخذوا الكتب من الأرفف، وأعادوها. أشم الرائحة التي تميز المبنى عن غيره من الأمكنة.
ألجأ إلى موظفي الدار، يدلّونني على قاعة القراءة، أو الحجرات التي أقصدها.
جالت نظراتي في المجلدات والكتب والدوريات والوثائق، أشعر أني أعيش التاريخ من بداياته.
اختزلت العالم في الساعات الثلاث التي أمضيتها في المكتبة. ذهبت بي القراءة إلى عوالِم لم أكن أعرفها، رحلت إلى عشرات الأماكن، وإلى مساحات هائلة من الأزمنة، الكلمات دليلي إلى المدن والوقائع التاريخية، قرأت في الملاحم والسِّير والتراجم وحكايات المحبين والحروب والمعارك والدماء والدسائس والمؤامرات والملاعب والشعارات والجوامع والحدائق، والتعذيب والندوات والهتافات والمذابح والجرائم والمغامرات، والعائشين في القرى والسواحل والجزر والخلاء. قرأت تراجم الأولياء والصالحين، ومسائل الحديث والفقه، وكتبًا في تعليم السحر، وفك الطلاسم، وكتابة التعاويذ، واستحضار الأرواح، ومخاطبة الجانّ.
لم يعد مأذونًا لي بالاستعارة من المكتبة.
لاحظ الموظف اتساخًا في صفحات آخر كتاب استعرته. لم أقصد ما أغضبه، ربّما تأثّرت الأوراق بالانفعال، لما أطبقت أصابعي على أوراق الكتاب وأنا أتصور معاناة سليمان الحلبي حتى اخترق الخازوق جسده حتى الكتف.
أنجذبُ إلى أي مكان يضم كتبًا، لا أملّ البقاء بين جدرانه، التحديق في الأرفف، تقليب الصفحات، أو العكوف على القراءة، ربما سجلت الملاحظات على الهوامش، أو في نوتة صغيرة بيدي. أجيد عزل نفسي عن كل ما حولي، أحرص على وضع أسوار غير مرئية بين الدنيا من حولي، فأفرغ للقراءة، أو التأمل، أو الكتابة. أعيش وسط الصخب، أتناساه، فأنساه. أقلّب صفحات الكتاب، أقرأ سطوره، دون أن ألتفت حولي، إذا توقفتُ عن القراءة، تنبهت إلى ما يشغلني عن المتابعة، وضعت الورقة الصغيرة بين الصفحات. أكره طيّ الأوراق، أو وضع علامة بالقلم في نهاية ما قرأت، أكره أن أسيء إلى الكتاب. تخايلني مقولة الأرجنتيني بورخيس اليتني أجد مكتبة في الجنةب.
لاحظت في نفسي إعادة النظر إلى الغلاف، الجري بأصابعي على الأتربة العالقة، تسوية الصفحات المطوية، ترتيب الكتب، نفض الأتربة من الأرفف، كنس الأرضية. جعلت للقواميس ركنًا في الأرفف، أعود إليها للبحث عن معلومة، أو معنى، أو للبحث عن اسم. ربما أحطت الكتاب بغلاف قديم حتى يظل في حالة جيدة.
إغراء الكتب
ثمة كتب أغرتني عناوينها، ظلت في موضعها على الرف، أهمل التحذير من سذاجتها، أو تفاهة ما تقدّمه. ربما أزمعت الاستغناء عنها، لكن الشواغل توقف ما اعتزمته على حد القرار. من الصعب أن أستغني عن كتاب أغراني - في ظرف ما - بقراءته.
زادت الكتب، ضاقت الأرفف عن استيعابها. اكتفيت بتكويمها في زاوية الحجرة. وعدت نفسي أن أراجعها - ذات يوم - لا أبقي إلا الضروري، أعيد التصنيف، والترتيب، بما تتيحه الأرفف. ظلت الكومات بلا تنسيق، وإن عرفتُ الكتاب من كعب الغلاف، عنوانه واضح، أو مطموس الكلمات.
الممر الضيق، المسقوف، أرضيته من الأسمنت، وفي الجانبين أكشاك متلاصقة، غطت جدرانها الكتب. داخلني شعور بالتعب، ربما لطول وقفتي المتأملة أمام رصات الكتب، أقرأ العناوين، أقلب الصفحات، أعيد التقليب، أسجل الملاحظات في نوتتي الصغيرة، أحاكي ما كان يفعله الفرنسي بلزاك، الكلمات التي تستهويني، المعاني المضمرة، الأقوال التي تضيء الحنايا المظلمة. أجد في الكراسي المتناثرة أول الممر ما يغريني بالقعود، أقلّب الكتاب في يدي، أو أتأمل سِحَن الزائرين لمكتبات الممر.
رفعت البنت عينيها من الكتاب المفتوح بين ساعديها، حدجتني بنظرة كالشرود. تلفتُّ حولي، أتأكد إن كانت تتجه بنظرتها إلى غيري.
وأنا أومئ بذقني إلى الكتاب في يدها:
- رواية؟
هزّت رأسها:
- لا، هي ذكريات كاسترو عن الثورة الكوبية.
النظرة الخاطفة التي عبرتني بها، أيقظت في نفسي مشاعر لم أتبينها جيدًا.
همس الرجل في أذني:
- قعدات القراءة تُعرّضك للمساءلة!
قبل أن أنتبه إلى الكلمات، وألتفت ناحيته، كان قد واصل السير، ومال في الانحناءة القريبة. لفت الأمر اهتمامي متأخرًا، لم أكن لاحظته، ولا تصوّرت حدوثه.
القراءة تبدّل نظرتي إلى الأشياء من حولي. رفضت أن تقتصر صلتي بالقراءة على فهم ما أقرأه، كنت حريصًا على أن تكون أفعالي تعبيرًا عما تعلّمته، وأفدت منه. تواتيني رغبة في أن أفعل ما يجتذب انتباه الآخرين، أثير قلقهم، أو سخطهم، أو أدفعهم إلى الضحك، أفعل ما لا يتوقّعونه.
أزمعت أن أدعو أصدقاء إلى جلسات القراءة في قهوة رأس التين المطلة على خليج الأنفوشي، ما نقتنيه من الكتب ونستعيره، ما قرأناه، نعرضه، ونناقشه، فتعمّ الفائدة.
لامست يدٌ كتفي، ضغطت بما دفعني للاستدارة:
اصطدمت نظرتي بعيني الرجل المقتحمتين، غلبني الارتباك. شعرت أن ساقيّ ثقيلتان، مشدودتان إلى الأرض، وأني أريد أن أقعد.
وهو يشير إلى الحواجز الخشبية بعرض الطريق إلى قصر رأس التين:
- هنا آخر ما يصل إليه المشاة.
سرَت رجفةٌ في عمودي الفقري، وتحرّك في بشرتي آلاف من النمل. حرصت ألا يرى الرجل خوفي في نظرة عيني، وأنا أمضي إلى الناحية المقابلة.
ألقي حولي نظرات متوجسة، أسير متلفتًا كأن أحدًا يلاحقني، أشعر أن الأعين تراقبني من خلف ظهري. تحيط بي دوامات القلق والخوف والأحلام والكوابيس والقهر، لا أكاد أفلت من دوامة حتى تلحقني أخرى.
تيقنت أن ما أقوله، أو أفعله، تحاصره، تراقبه، قوى هائلة، مسيطرة، لا شيء محددًا يقودني إلى المعنى، لكنني ألامسه فيما ألاحظه من الأقوال والتصرفات والإيماءات المعبّرة.
أحرص أن تملأ البسمة وجهي، فلا يفطن أحد إلى ما أعانيه، أغلق فمي، ولا أتلفتُ بعيدًا عن تنبّه الأعين والآذان. خيالي - باستغراقي في الشرود - يصنع أشباحًا وأطيافًا ورؤى، تبدو حقيقية، وأخاف منها.
قال لى أيمن عبدالعظيم:
- الخوف عدْوى .. إذا ظللت خائفًا فأنت تخيف من حولك!
رمقته بارتياب، خمّنت أنه يضمر ما لم يقله.
أخرج عم حجازي - من رصات الكتب فوق الأرفف - كراسة صغيرة، فردها أمامه. أعاد قراءة عنوان الكتاب، وسجّله:
- طلبوا أن أدوّن أسماء الكتب التي تشتريها.
وافتعل ضحكة قصيرة:
- هل هي خصومة؟!
المكتبة الحجازية
اعتدت التردد على المكتبة الحجازية، في التقاء شارعي الميدان وإسماعيل صبري، أحاول - برفع صوتي - أن أنفذ من زحام المترددين على المكتبة، وتلاغط أصوات الطريق. إذا لم أجد الكتاب الذي أريده، فإني أنصرف بوعد تسلّمه في الزيارة التالية.
لم أناقش عم حجازي في ما وراء الكلمات. إضمار المعنى باب موارب إلى الأسماء المخفية، لا أريد أن أعبره.
لما فتحت باب الشقة للطرقات العنيفة، المتوالية، طالعني الرجل، يتبعه آخرون. في عينيه بريق حرّك الخوف داخلي.
تحسست - وأنا أفتح عيني - موضع فتاحة الكتب على الكومودينو إلى جواري، أزمعت أن تكون أداتي في دفع اقترابه.
أغمضت عينيّ وفتحتهما، أتبيّن ما إذا كنت نائمًا وصحوت، أم أن الحلم استغرقني. اختفى من ذهني كل ما قرأته، وشاهدته، واستمعت إليه. خلت الصفحات تمامًا. اتجهت - بجانب عيني - نحو النافذة، إن حاصرني الخطر قفزت منها إلى الطريق.
بعثرة مكتبتي الصغيرة هي أول ما حرصوا عليه في مداهمتهم الشقة، مختلفي السّحَن والقامات والأعمار، وإن علت الجهامة الوجوه، على أجسادهم بدل صيفية، أو بنطلونات جينز تعلوها قمصان قصيرة الأكمام. تصرفوا في المكان، كأنهم يمتلكونه، سحبوا الكتب من الأرفف، قلبوا صفحاتها، قذفوا بها على الأرض، فتحوا الأدراج، فتشوها، قلبوا ما فيها، وما في الدولاب.
غالبت الحزن لتعثّرهم في كومات الكتب، لا يحاذرون فتطؤها أقدامهم.
قال ذو الشارب المتدلّي على جانبي فمه:
- ماذا تفعل بهذه الكتب؟
تملكتني حيرة، فظللت صامتًا. أدركت أنه لا قدرة لي على المقاومة، ولا أستطيع الهرب، جمدت ساقاي في مكانهما، والتصق اللسان بحلقي، ففقدت القدرة على النطق.
فحّ من بين أسنانه:
- أصابك الخرس؟!
أشعلت الصفعة في خدي نيران الألم، تلتها ركلات بالقدمين، وضربات موجعة على ما تصل إليه يداه في رأسي وجسدي، اهتزت وقفتي وأنا أضع أصابعي أمام وجهي أتقي الضرب. أحسست أن الأرض تميد بي، والمرئيات تشحب، أكاد لا أرى أو أسمع شيئًا، وإن اختلطت - في رأسي - أصداء الكتب والدوريات والصحف والوثائق والرسائل والمخطوطات، استدعيتُ ما أذكره، وما كنت نسيته من الأقوال والمواقف والتصرّفات، وصلْتُه بمعاودة التذكّر.
تحرّك في عافيتي ما صار هامدًا، حاولت الزحف إلى الجدار، أتساند عليه في النهوض من موضعي ■