القصة القصيرة في لبنان

القصة القصيرة في لبنان

‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬أو‭ ‬الأقصوصة‭ (‬Short‭ ‬Story‭) ‬بالإنجليزية،‭ ‬فن‭ ‬أدبي‭ ‬حديث‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وهو‭ ‬ظهر‭ ‬تقليدًا‭ ‬للأدب‭ ‬الغربي،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬اللغتين‭ ‬الفرنسية‭ ‬والإنجليزية‭.‬

  ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أوّل‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬من‭ ‬أدباء‭ ‬لبنان‭ ‬كان‭ ‬أدباء‭ ‬المهجر‭: ‬أمين‭ ‬الريحاني‭ ‬وجبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران‭ ‬وميخائيل‭ ‬نعيمة،‭ ‬الذي‭ ‬بلغت‭ ‬عنده‭ ‬نضجها‭.‬

في‭ ‬لبنان‭ ‬ساهمت‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬الأدبية،‭ ‬بعد‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تخصّص‭ ‬لها‭ ‬صفحات‭ ‬أو‭ ‬زوايا‭ ‬خاصة‭ ‬أمثال‭ ‬صحيفتي‭ ‬الأحرار‭ ‬والنداء،‭ ‬اللتين‭ ‬كان‭ ‬توفيق‭ ‬يوسف‭ ‬عواد‭ ‬ينشر‭ ‬فيهما‭ ‬بعض‭ ‬قصصه‭. ‬ومجلة‭ ‬المَعْرَض‭ (‬1921 ‭- ‬1936‭) ‬لميشال‭ ‬زكور‭ (‬1893‭-‬1937‭)‬،‭ ‬ومجلة‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ (‬1928 ‭- ‬1956‭) ‬لكرم‭ ‬ملحم‭ ‬كرم‭. ‬

ثم‭ ‬جاءت‭ ‬االمكشوفب‭ (‬1934 ‭- ‬1949‭) ‬لصاحبها‭ ‬فؤاد‭ ‬حبيش‭ (‬1904 ‭- ‬1973‭)‬،‭ ‬فاهتمت‭ ‬كسالفتها‭ ‬االمَعْرَضب‭ ‬بالقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬ومنحت‭ ‬الجوائز‭ ‬لكتّابها‭. ‬وقد‭ ‬نشرت‭ ‬ادار‭ ‬المكشوفب‭ ‬مجموعات‭ ‬قصصية‭ ‬أمثال‭: ‬االصبي‭ ‬الأعرجب‭ ‬واقميص‭ ‬الصوفب‭ ‬لتوفيق‭ ‬يوسف‭ ‬عوّاد‭. ‬واعشر‭ ‬قصص‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬الحياةب‭ ‬لخليل‭ ‬تقي‭ ‬الدين،‭ ‬واكان‭ ‬ياما‭ ‬كانب‭ ‬لميخائيل‭ ‬نعيمة‭ ‬وسواها‭. ‬كما‭ ‬أفسحت‭ ‬بالمجال‭ ‬لنقد‭ ‬هذه‭ ‬المؤلفات‭ ‬القصصية‭. ‬ثم‭ ‬مجلة‭ ‬الجمهور‭ (‬1936‭ - ‬1982‭) ‬لميشال‭ ‬أبو‭ ‬شهلا‭ (‬1898‭ - ‬1959‭). ‬فمجلة‭ ‬الطريق‭ (‬1941‭ - ‬2003‭) ‬مجلة‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭. ‬ثم‭ ‬مجلة‭ ‬الأديب‭ (‬1942‭-‬1983‭) ‬لصاحبها‭ ‬ألبير‭ ‬أديب‭ (‬1908‭ - ‬1985‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬اهتمت‭ ‬بنشر‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬على‭ ‬صفحاتها‭. ‬وتلتها‭ ‬مجلة‭ ‬الحكمة‭ ‬التابعة‭ ‬لجامعة‭ ‬الحكمة‭ (‬1951 ‭- ‬2000‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬مجلة‭ ‬الثقافة‭ ‬الوطنية‭ (‬1952 ‭- ‬1959‭) ‬التي‭ ‬أسَّسها‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي،‭ ‬فمجلة‭ ‬الآداب‭ (‬1953‭) ‬للدكتور‭ ‬سهيل‭ ‬إدريس‭ (‬1925‭ - ‬2008‭).‬

إن‭ ‬عناصر‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬هي‭: ‬الشخصيات،‭ ‬الأحداث،‭ ‬الزمان،‭ ‬المكان،‭ ‬الحبكة،‭ ‬النهاية‭.‬

ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تراعي‭ ‬المبادئ‭ ‬التالية‭:‬

٪‭ ‬الحبكة،‭ ‬أي‭ ‬مجرى‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬وسير‭ ‬حوادثها‭.‬

٪‭ ‬الذروة،‭ ‬وهي‭ ‬النقطة‭ ‬القصوى‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭.‬

٪‭ ‬الحل‭ ‬أو‭ ‬الخاتمة،‭ ‬وهو‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬تصل‭ ‬إليه‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭.‬

 

مميزات‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة

من‭ ‬مميزات‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬الإيجاز‭ ‬والابتكار‭ ‬ووحدة‭ ‬التأثير‭ ‬والمفاجأة‭. ‬وتُقرأ‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬واحدة،‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬ينقطع‭ ‬السياق‭ ‬ويضيع‭ ‬التأثير‭. ‬وهي‭ ‬قطعة‭ ‬أدبيّة‭ ‬فنية‭ ‬تشفّ‭ ‬عن‭ ‬نفس‭ ‬كاتبها‭ ‬وشخصيته،‭ ‬وتروي‭ ‬بجلاء‭ ‬حادثًا‭ ‬مؤثرًا‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬نواحي‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬فتأتي‭ ‬بأسلوب‭ ‬موجز‭ ‬متين،‭ ‬ومبتكر،‭ ‬وبليغ‭ ‬وتترك‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬القارئ‭ ‬أثرًا‭ ‬لا‭ ‬يُمحى‭.‬

ولا‭ ‬شكّ‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬قد‭ ‬مرّت‭ ‬بفترات‭ ‬ازدهار‭ ‬وتطور،‭ ‬بحيث‭ ‬أبدع‭ ‬بعض‭ ‬كتّابها‭ ‬وكاتباتها‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬شخصيات‭ ‬قصصهم،‭ ‬وامتازوا‭ ‬ببراعة‭ ‬السرد‭. ‬وامتلكوا‭ ‬ناصية‭ ‬الحبكة‭ ‬والتقنية‭ ‬وجمال‭ ‬الأسلوب‭ ‬ونسج‭ ‬الحوار‭ ‬المُشوّق‭ ‬وتصوير‭ ‬البيئة‭ ‬المحلّية‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬فيها‭ ‬أحداث‭ ‬الأقصوصة،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬باللون‭ ‬المحليّ،‭ ‬وكذلك‭ ‬البيئة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

ومهما‭ ‬يكن،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتّسم‭ ‬به‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬أدبية‭ ‬فنية،‭ ‬وأن‭ ‬تتمتع‭ ‬بروعة‭ ‬السرد‭ ‬والإخراج،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬انتزاع‭ ‬إعجاب‭ ‬القراء‭ ‬وإدهاشهم‭ ‬وحتى‭ ‬صدمهم‭.‬

ومن‭ ‬خصائها‭ ‬أيضًا‭ ‬الإيجاز،‭ ‬بحيث‭ ‬يستطيع‭ ‬القارئ‭ ‬إنجاز‭ ‬قراءتها‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬واحدة،‭ ‬ويكتفي‭ ‬بما‭ ‬تقدّمه‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تسلية‭ ‬ومعلومات‭ ‬وأحداث‭ ‬فيها‭ ‬متعة‭ ‬وفائدة‭. ‬وقد‭ ‬تتوخّى‭ ‬تقديم‭ ‬العِبرة‭ ‬أو‭ ‬الموعظة،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هدفها‭ ‬التسلية‭ ‬لا‭ ‬غير‭.‬

‭ ‬بعض‭ ‬كتّاب‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬يتقنون‭ ‬تقنيات‭ ‬القَصّ‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬في‭ ‬قيمة‭ ‬قصصهم‭ ‬الفنية،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يعتمد‭ ‬الخيال‭ ‬أو‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬استيحاء‭ ‬الخرافة‭ ‬أو‭ ‬الأسطورة‭ ‬أو‭ ‬الموعظة‭ ‬أو‭ ‬الحكاية‭ ‬الشعبية‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يكتب‭ ‬الأقصوصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جدًا،‭ ‬فهي‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬االمينيب‭ ‬أو‭ ‬االماكروب‭ ‬أقصوصة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬أو‭ ‬صفحتين،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬بضعة‭ ‬أسطر‭.‬

 

خصائص‭ ‬القصة‭ ‬اللبنانية

ولعل‭ ‬أبرز‭ ‬خصائص‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬اللبنانية‭ ‬أنها‭ ‬تتناول‭ ‬موضوع‭ ‬الأرض‭ ‬والطبيعة‭ ‬والمدينة‭ ‬والقرية‭ ‬الجبلية‭ ‬والهجرة‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭ ‬ورجال‭ ‬الإقطاع‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد،‭ ‬وتصوّر‭ ‬اللون‭ ‬المحلي‭ ‬للمجتمع‭ ‬اللبناني‭ ‬والحرب‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ (‬1975‭-‬1990‭)‬،‭ ‬والفساد‭ ‬والظلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمقاومة‭.‬

بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬القصّاصين‭ ‬انتقدوا‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬أمثال‭: ‬جبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران‭ ‬ومارون‭ ‬عبود‭ ‬وفؤاد‭ ‬كنعان‭ ‬وجواد‭ ‬صيداوي‭. ‬بعضهم‭ ‬كانوا‭ ‬جريئين‭ ‬بتناول‭ ‬موضوع‭ ‬الجنس‭ ‬في‭ ‬كتاباتهم‭ ‬أمثال‭: ‬فؤاد‭ ‬كنعان‭ ‬وليلى‭ ‬بعلبكي‭ ‬وحنان‭ ‬الشيخ‭... ‬وبعضهم‭ ‬تناول‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬القرية‭ ‬اللبنانية‭ ‬أمثال‭: ‬مارون‭ ‬عبود‭ ‬وخليل‭ ‬تقي‭ ‬الدين‭ ‬وتوفيق‭ ‬يوسف‭ ‬عواد‭ ‬وإملي‭ ‬نصر‭ ‬الله‭. ‬والبعض‭ ‬تخصّص‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬المرأة،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬حنان‭ ‬الشيخ‭.‬

وبعضهم‭ ‬ركَّز‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬اللبناني،‭ ‬مثل‭ ‬د‭. ‬علي‭ ‬حجازي‭ ‬وبعض‭ ‬الكتّاب‭ ‬الجنوبيّين،‭ ‬مع‭ ‬ندرة‭ ‬القصص‭ ‬البوليسية‭ ‬المثيرة‭.‬إن‭ ‬أغلب‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬الأرض،‭ ‬الريف،‭ ‬الفقر،‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وكفاحه‭ ‬للبقاء،‭ ‬المرأة‭ ‬والزواج،‭ ‬الحرب،‭ ‬الاستعمار،‭ ‬المقاومة،‭ ‬الظلم،‭ ‬فساد‭ ‬الحكم،‭ ‬وانتقاد‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الذين‭ ‬يستغلّون‭ ‬الدين‭. ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬تناولت‭ ‬المجاعة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قصص‭ ‬توفيق‭ ‬عوّاد‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬صورة‭ ‬المرأة‭ ‬تنوّعت‭ ‬عندهم،‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬يحترم‭ ‬المرأة‭ ‬وينظر‭ ‬إليها‭ ‬كأمّ‭ ‬وزوجة‭ ‬مناضلة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬عائلتها‭ ‬ووطنها‭. ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬شيطانًا‭ ‬وشهوة،‭ ‬وكذلك‭ ‬عند‭ ‬تناول‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬والخيانة‭ ‬الزوجية‭.‬

 

محمد‭ ‬عيتاني

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬محمد‭ ‬عيتاني‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬اأشياء‭ ‬لا‭ ‬تموت‭ ‬وقصص‭ ‬أخرىب‭ (‬1973‭) ‬كان‭ ‬الأكثر‭ ‬إبداعًا‭ ‬في‭ ‬تصوير‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬بالمدينة‭ (‬محلة‭ ‬رأس‭ ‬بيروت‭) ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتغير،‭ ‬يروي‭ ‬قصصهم‭ ‬وأخبارهم‭ ‬ويصور‭ ‬عاداتهم‭ ‬وسذاجتهم،‭ ‬مثل‭ ‬صيادي‭ ‬الأسماك،‭ ‬كما‭ ‬يتناول‭ ‬العلاقات‭ ‬الأسرية‭ ‬والعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭. ‬كما‭ ‬يسجل‭ ‬بعض‭ ‬المشاهد‭ ‬الحية‭ ‬من‭ ‬أنماط‭ ‬العيش‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يحياها‭ ‬بسطاء‭ ‬الناس‭ ‬وتصوير‭ ‬أحاسيسهم‭ ‬وآمالهم‭ ‬وطموحاتهم‭ ‬وكفاحهم‭ ‬وعاداتهم‭ ‬وحتى‭ ‬لغتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم‭.‬

وإليكم‭ ‬هذا‭ ‬المقطع‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬السخرية‭ ‬في‭ ‬أسلوبه‭ ‬القصصي‭ (‬ص‭ ‬48‭):‬

اأهالي‭ ‬رأس‭ ‬بيروت‭ ‬يصنعون‭ ‬فزاعات‭ ‬لتخويف‭ ‬الطيور،‭ ‬وذودها‭ ‬عن‭ ‬الثمار‭ ‬والحقول‭. ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬صليب‭ ‬من‭ ‬قصبتين،‭ ‬يكسونهما‭ ‬بسترة‭ ‬عتيقة،‭ ‬ويفضّل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬زاهية‭ ‬اللون،‭ ‬يعلوها‭ ‬طربوش‭ ‬أحمر‭. ‬ويخيل‭ ‬إليك‭ ‬أن‭ ‬رجلًا‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬البستان‭ ‬لحراسته‭.‬

الرجال،‭ ‬كانوا‭ ‬أحيانًا‭ ‬يأخذون‭ ‬الفزّاعة‭ ‬للشهادة‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭. ‬وترى‭ ‬نساء‭ ‬رأس‭ ‬بيروت،‭ ‬المحجبات‭ ‬المحافظات،‭ ‬إذا‭ ‬مررن‭ ‬في‭ ‬الصيف‭ ‬من‭ ‬قرب‭ ‬الفزاعة،‭ ‬المعلّقة‭ ‬أعلى‭ ‬شجرات‭ ‬التين،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بين‭ ‬مساكب‭ ‬الخضار،‭ ‬أنزلن‭ ‬حجاباتهن‭ ‬بسرعة،‭ ‬فهنَّ‭ ‬ايغطينَب‭ ‬على‭ ‬الغرباء‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬النساء‭ ‬عندنا‭ ‬كنّ‭ ‬يغطين‭ ‬رؤوسهن‭ ‬عند‭ ‬مرور‭ ‬طائرة‭ ‬في‭ ‬السماء‭. ‬أليس‭ ‬فيها‭ ‬طيار‭ ‬أجنبي؟ب‭.‬

وعبود‭ ‬عطية‭ ‬في‭ ‬احكايات‭ ‬من‭ ‬كورنيش‭ ‬المنارةب‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬حياة‭ ‬كورنيش‭ ‬المنارة‭ ‬غربي‭ ‬بيروت‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭.‬

 

بين‭ ‬الواقع‭ ‬والخرافة‭ ‬

‭ ‬بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬القصاصين‭ ‬عرفوا‭ ‬بثوريّتهم‭ ‬وواقعيتهم‭ ‬وبعضهم‭ ‬مزج‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬والخرافة‭ ‬والخيال‭. ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬تثير‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬القارئ‭ ‬مواقف‭ ‬مثيرة‭ ‬للجدل‭. ‬بعضها‭ ‬تناولت‭ ‬نساء‭ ‬ساقطات،‭ ‬وبعضها‭ ‬تناولت‭ ‬نساء‭ ‬شريفات‭. ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬تناولت‭ ‬قضايا‭ ‬سياسية‭ ‬وقومية،‭ ‬مثل‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬وثورة‭ ‬الجزائر‭ ‬والثورة‭ ‬المصرية‭ ‬وهزيمة‭ ‬حرب‭ ‬1967‭ ‬والحرب‭ ‬اللبنانية‭ ‬والاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭... ‬وكذلك‭ ‬موضوع‭ ‬الهجرة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬قرن‭ ‬ونصف‭ ‬القرن،‭ ‬وتزايدت‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬والتي‭ ‬يمثّلها‭ ‬سعيد‭ ‬تقي‭ ‬الدين‭. ‬والهجرة‭ ‬من‭ ‬القرية‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬قصص‭ ‬إملي‭ ‬نصر‭ ‬الله‭. ‬ثم‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬التي‭ ‬تناولها‭ ‬د‭. ‬جورج‭ ‬شامي‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مجموعاته‭ ‬القصصية‭ ‬بكتابه‭ ‬افي‭ ‬قفص‭ ‬الاتهامب‭ ‬دار‭ ‬نلسن‭ ‬2015‭ (‬ص‭ ‬301‭) ‬يقول‭: ‬

افي‭ ‬قصصي‭ ‬ورواياتي‭ ‬ناديت‭ ‬بالثورة‭ ‬ضد‭ ‬الظلم‭ ‬وضد‭ ‬الفقر‭ ‬والجوع،‭ ‬ضد‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬والتوتاليتارية‭ ‬وضد‭ ‬الاضطهاد،‭ ‬وتمنيت‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬قامت‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لا‭ ‬للقتل‭ ‬والتدمير‭ ‬وزرع‭ ‬البغضاء‭ ‬في‭ ‬النفوسب‭.  ‬والأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬لبنان‭ ‬ومازال‭ ‬اللبنانيون‭ ‬يعانون‭ ‬تداعياتها‭ ‬وويلاتها‭. ‬هناك‭ ‬قصص‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬الخير‭ ‬وتعظ‭ ‬بالمعروف‭ ‬وتكرّس‭ ‬للأخلاق‭ ‬واعتناق‭ ‬المُثل‭ ‬العليا‭. ‬وهناك‭ ‬قصص‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بذلك‭ ‬ولا‭ ‬ترى‭ ‬غير‭ ‬السواد‭. ‬بينما‭ ‬قصص‭ ‬أخرى‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الأمل‭ ‬والتفاؤل‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬أحصيت‭ ‬عدد‭ ‬اللبنانيين‭ ‬واللبنانيات‭ ‬الذين‭ ‬كتبوا‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬ونشروا‭ ‬ولو‭ ‬مؤلفًا‭ ‬واحدًا،‭ ‬بحيث‭ ‬يبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬المئة‭ ‬ثلثهم‭ ‬من‭ ‬النساء،‭ ‬وثلثهم‭ ‬ولدوا‭ ‬في‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الذين‭ ‬ألّفوا‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬من‭ ‬المجيدين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفن؛‭ ‬فالمبرزون‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عددهم‭ ‬عدد‭ ‬أصابع‭ ‬اليدين‭.‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الذين‭ ‬كتبوا‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬من‭ ‬اللبنانيين‭ ‬كتبوا‭ ‬كذلك‭ ‬الرواية،‭ ‬وهي‭ ‬حديثة‭ ‬في‭ ‬الأدب‭. ‬والكلمة‭ ‬تعني‭ ‬االجديدب،‭ ‬والتي‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬ازدهار‭ ‬مطّرد‭. ‬ومما‭ ‬تجدر‭ ‬ملاحظته‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬أخذت‭ ‬تتراجع‭ ‬أمام‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تلقى‭ ‬اهتمام‭ ‬الكتّاب‭ ‬والنقّاد‭ ‬بفضل‭ ‬أفلام‭ ‬السينما‭ ‬والمسلسلات‭ ‬التلفزيونية‭ - ‬وما‭ ‬أكثرها‭ - ‬والتي‭ ‬تتعدد‭ ‬شخصياتها‭ ‬وتتصارع‭ ‬وتتشابك‭ ‬أحداثها،‭ ‬وقد‭ ‬باتت‭ ‬تنافس‭ ‬الشعر‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬ديوان‭ ‬العرب■

أمين‭ ‬الريحاني