ذكرى الانقطاع وذكريات العودة

ذكرى الانقطاع  وذكريات العودة

يأتي‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬كلّ‭ ‬عام‭ ‬ليذكّرنا‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬بانقطاعها‭ ‬القسري‭ ‬عن‭ ‬الصدور‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا،‭ ‬نتيجة‭ ‬الاحتلال‭ ‬العراقي‭ ‬الغاشم‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت،‭ ‬ويأتي‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬أيضًا‭ ‬ليذكّرنا‭ ‬بأنه‭ ‬شهر‭ ‬التحضير‭ ‬النهائي‭ ‬لعودة‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬لقرائها‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1991،‭ ‬بعد‭ ‬انقطاع‭ ‬استمر‭ ‬عامًا‭ ‬كاملًا‭.‬

قد‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬وُلدت‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬تاريخها؛‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬1958،‭ ‬عندما‭ ‬صدر‭ ‬عددها‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الكويت،‭ ‬حتى‭ ‬أغسطس‭ ‬1990،‭ ‬والولادة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1991،‭ ‬عندما‭ ‬انطلقت‭ ‬كطائر‭ ‬الفينيق‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الكنانة‭ ‬مصر،‭ ‬واستمرت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬عام،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬عادت‭ ‬لتولد‭ ‬مجددًا‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الكويت‭ ‬المحررة‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬1993‬ .

لقد‭ ‬أرّخت‭ ‬صفحة‭ ‬‮«‬عزيزي‭ ‬القارئ‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تعدّ‭ ‬من‭ ‬الأبواب‭ ‬الثابتة‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬‮«‬العربي‮»‬،‭ ‬محطات‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬تاريخها‭ ‬الطويل،‭ ‬فمن‭ ‬خلالها‭ ‬تخاطب‭ ‬المجلة‭ ‬متابعيها‭ ‬عن‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تخصّها‭ ‬وتخصّهم‭ ‬وتخصّ‭ ‬الأحداث‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬والعالم،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭ ‬كارثة‭ ‬احتلال‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬نهاية‭ ‬صراع‭ ‬المعسكرين‭ ‬الرأسمالي‭ - ‬الشيوعي،‭ ‬وصعود‭ ‬قطب‭ ‬واحد‭ ‬ستهيمن‭ ‬أفكاره‭ ‬ورؤاه‭ ‬لاحقًا‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أرجاء‭ ‬المعمورة‭.‬

 

العودة‭ ‬المظفّرة‭ ‬من‭ ‬القاهرة

لقد‭ ‬اكتسبت‭ ‬صفحة‭ ‬‮«‬عزيزي‭ ‬القارئ‮»‬‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬سبتمبر‭ ‬1991،‭ ‬الذي‭ ‬دشّن‭ ‬عودة‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬أهميّة‭ ‬خاصة،‭ ‬لأنها‭ ‬وثّقت‭ ‬تلك‭ ‬العودة‭ ‬المظفرة‭ ‬بكلمات‭ ‬أطفأت‭ ‬نار‭ ‬الشوق‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬ومتابعيها،‭ ‬بعد‭ ‬انتظار‭ ‬طال‭ ‬أمدُه،‭ ‬كما‭ ‬حمل‭ ‬ذلك‭ ‬العدد‭ ‬المدمج‭ (‬382‭ ‬–‭ ‬394‭) ‬دلالة‭ ‬بليغة‭ ‬تؤكد‭ ‬أنّ‭ ‬عودة‭ ‬المجلة‭ ‬للصدور،‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬أولويات‭ ‬سياسة‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬التي‭ ‬انتهجتها‭ ‬الحكومة‭ ‬الكويتية،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنتظر‭ ‬عودة‭ ‬الحياة‭ ‬الاعتيادية‭ ‬في‭ ‬مرافق‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬وفضّلت‭ ‬عودة‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬بعد‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬تحرير‭ ‬دولة‭ ‬الكويت،‭ ‬عندما‭ ‬صدرت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬بشكل‭ ‬مؤقت‭.‬

أما‭ ‬العدد‭ ‬412‭ (‬مارس‭ ‬1993‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬فيه‭ ‬بصفحة‭ ‬‮«‬عزيزي‭ ‬القارئ‮»‬‭ ‬عن‭ ‬الميلاد‭ ‬الثالث‭ ‬لمجلة‭ ‬العربي،‭ ‬وأعلن‭ ‬فيه‭ ‬صدورها‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الكويت،‭ ‬فكان‭ ‬عددًا‭ ‬مميزًا‭ ‬في‭ ‬توقيته‭ ‬ومحتواه‭ ‬الذي‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث‭ ‬النوعي‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الترفُّع‭ ‬والنأي‭ ‬عن‭ ‬التوظيف‭ ‬السياسي‭ ‬له،‭ ‬واكتفى‭ ‬ببثّ‭ ‬ذلك‭ ‬الخبر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الصفحة،‭ ‬ودون‭ ‬أيّة‭ ‬إشارة‭ ‬على‭ ‬غلاف‭ ‬المجلة‭.‬

 

نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬تعطّلت

عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ذكرى‭ ‬الانقطاع‭ ‬وذكريات‭ ‬العودة‭ ‬لمجلة‭ ‬العربي،‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬الذهن‭ ‬أسئلة‭ ‬عن‭ ‬محتويات‭ ‬العدد‭ ‬الأخير‭ ‬للمجلة،‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬1990،‭ ‬وغابت‭ ‬بعده،‭ ‬هل‭ ‬يوجد‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬النظر‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعدّ‭ ‬مصادفة‭ ‬حملت‭ ‬توقّعات‭ ‬لشيء‭ ‬ما‭ ‬قادم؟

من‭ ‬دون‭ ‬مبالغة،‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬سوى‭ ‬التطلعات‭ ‬الواعدة‭ ‬للمستقبل‭ ‬والخطوات‭ ‬العملية‭ ‬لتطوير‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬الفنية‭ ‬داخل‭ ‬المجلة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬صفحة‭ ‬‮«‬عزيزي‭ ‬القارئ‮»‬‭ ‬سوى‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬أعلنت‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬تطلّعاتها‭.‬

حملت‭ ‬تلك‭ ‬الصفحة‭ ‬عنوانًا‭ ‬واعدًا‭ ‬هو‭ ‬‮«‬مساهمة‭ ‬في‭ ‬النقلة‭ ‬النوعية‮»‬‭ ‬وقرارًا‭ ‬مهمًا‭ ‬بمواكبة‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬للعصر،‭ ‬عبر‭ ‬استخدام‭ ‬التقنية‭ ‬المتطورة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الطبع‭.‬

لا‭ ‬أنكر‭ ‬أن‭ ‬الشعور‭ ‬بالحسرة‭ ‬يتملّكني‭ ‬كلّما‭ ‬قرأت‭ ‬أسطرها،‭ ‬وتذكّرت‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬نُشرت‭ ‬فيه،‭ ‬ولا‭ ‬أشكّ‭ ‬للحظة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬يخصّني‭ ‬وحدي،‭ ‬فقط‭ ‬يكفينا‭ ‬أن‭ ‬نتذكّر‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأسطر‭ ‬كُتبت‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬عن‭ ‬عالَم‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اندماج‭ ‬كامل‭ ‬مع‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬والسرعات‭ ‬الضوئية‭ ‬في‭ ‬التواصل‭.‬

أترككم‭ ‬قليلاً‭ ‬لنقرأ‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬‮«‬عزيزي‭ ‬القارئ‮»‬،‭ ‬وتذكّروا‭ ‬أنه‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬1990م‭.‬

‮«‬دخلت‭ ‬التقنية‭ ‬الحديثة‭ ‬عالَم‭ ‬النشر‭ ‬بقوّة،‭ ‬وباتّساع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متخيلًا‭ ‬حتى‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة،‭ ‬ونحن‭ - ‬المخضرمين‭ ‬في‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ - ‬درجنا‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬تحضير‭ ‬المادة‭ ‬للنشر‭ ‬من‭ ‬طباعة‭ ‬وتصحيح،‭ ‬ثم‭ ‬إعادة‭ ‬طباعة‭ ‬وتجهيز‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القصّ‭ ‬واللصق،‭ ‬ثم‭ ‬إخراج‭ ‬الصفحات‭ ‬وخطّها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الخطاطين،‭ ‬وإرسالها‭ ‬أخيرًا‭ ‬للمطبعة‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬البشَر‭ ‬ووقت‭ ‬طويل،‭ ‬أنهتها‭ ‬التقنية‭ ‬الحديثة‭ ‬بضغطة‭ ‬أصبع،‭ ‬إن‭ ‬صحّ‭ ‬التعبير،‭ ‬وذلك‭ ‬بوجود‭ ‬جهاز‭ ‬حاسوب‭ ‬متعدّد‭ ‬البرامج‭ ‬وبثمن،‭ ‬أيضًا،‭ ‬ليس‭ ‬كبيرًا،‭ ‬وعندما‭ ‬حاولنا‭ ‬التعرُّف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬الجديد،‭ ‬وجدنا‭ ‬أنّ‭ ‬التطور‭ ‬فيه‭ ‬يكاد‭ ‬لا‭ ‬يُصدّق‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬الإنتاج‭ ‬العربي‭ ‬ونظيره‭ ‬الغربي،‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬نقصد‭ ‬به‭ ‬ما‭ ‬يُسمّى‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬هارد‭ ‬وير‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬سوفت‭ ‬وير‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬إنتاج‭ ‬البرامج‭ ‬العربية،‭ ‬فأنت‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تُدخل‭ ‬النص‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحاسوب،‭ ‬ويقوم‭ ‬هو‭ ‬بتصحيحه‭ ‬عربيًا،‭ ‬حسب‭ ‬رغبة‭ ‬المصحح‭ ‬المبرمج،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ثمّة‭ ‬خطأ،‭ ‬ويعطيك‭ ‬خيارات‭ ‬في‭ ‬المفردات،‭ ‬ثم‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تُخرج‭ ‬الصفحات‭ ‬وأنت‭ ‬تشاهدها‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬الحاسوب،‭ ‬وتحدّد‭ ‬أنواع‭ ‬الخطوط‭ ‬التي‭ ‬تريدها،‭ ‬والمساحات‭ ‬المتروكة‭ ‬للصور‭. ‬وبسرعة‭ ‬تختصر‭ ‬الزمن،‭ ‬أي‭ ‬أنّ‭ ‬خطوات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الطبع‭ ‬تختصر‭ ‬الوقت‭ ‬والجهد‭ ‬اختصارًا‭ ‬شديدًا،‭ ‬وتقدّم‭ ‬نتيجة‭ ‬أفضل‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬الصفحات‭.‬

لماذا‭ ‬نقول‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬الآن؟‭ ‬لأننا‭ ‬في‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬قرّرنا‭ - ‬بمشيئة‭ ‬الله‭ ‬–‭ ‬مواكبةَ‭ ‬العصر،‭ ‬واستخدام‭ ‬التقنية‭ ‬المتطورة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الطبع،‭ ‬وسيجد‭ ‬القارئ،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬القادم،‭ ‬نتيجة‭ ‬هذا‭ ‬الاستخدام‭ ‬التقني‭ ‬ظاهرة‭ ‬بيّنة‭ ‬أمامه،‭ ‬لتقديم‭ ‬طباعة‭ ‬وإخراج‭ ‬أفضل‭.‬

هذه‭ ‬خطوة‭ ‬بسيطة‭ ‬صغيرة،‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬خطوات‭ ‬أكبر‭ ‬وأعظم‭ ‬تنتهجها‭ ‬دولة‭ ‬الكويت،‭ ‬تنفيذًا‭ ‬لرغبة‭ ‬أميرها‭ ‬المنفتح‭ ‬على‭ ‬العصر،‭ ‬والعارف‭ ‬بأهمية‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬فدعوته‭ ‬لنقلة‭ ‬حضارية‭ ‬متميّزة‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭ ‬شملت‭ ‬أركانًا‭ ‬ومشروعات‭ ‬عدّة‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬وأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬روحها‭ ‬قد‭ ‬سرَت‭ ‬لدى‭ ‬الجيل‭ ‬الطالع،‭ ‬الطامح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تحتّل‭ ‬بلاده‭ ‬مكانًا‭ ‬أفضل‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‮»‬‭.‬

انتهت‭ ‬الأسطر‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بالنقلة‭ ‬النوعية‭ ‬وإعلان‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬لمشروعها‭ ‬الطموح‭ ‬لمواكبة‭ ‬العصر،‭ ‬وفي‭ ‬الشهر‭ ‬نفسه‭ ‬وقع‭ ‬الغزو‭ ‬العراقي‭ ‬الغاشم‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت،‭ ‬وتعطل‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭.‬

 

المستقبل‭ ‬همّنا‭ ‬المشترك

بعد‭ ‬الانقطاع‭ ‬القسري،‭ ‬أتى‭ ‬العدد‭ ‬الأول‭ ‬لمجلة‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1991،‭ ‬مازجًا‭ ‬بين‭ ‬فرحة‭ ‬العودة‭ ‬وألم‭ ‬البُعاد،‭ ‬بين‭ ‬ضرورة‭ ‬توثيق‭ ‬الحدث‭ ‬العربي‭ ‬الدامي،‭ ‬ومواصلة‭ ‬الرسالة‭ ‬الثقافية‭ ‬الجامعة‭ ‬لكل‭ ‬العرب،‭ ‬لقد‭ ‬أجاب‭ ‬ذلك‭ ‬العدد‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬ثقيل‭ ‬لا‭ ‬مفرّ‭ ‬من‭ ‬طرحه،‭ ‬وهو‭ ‬هل‭ ‬ستكون‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬عودتها‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬الاحتلال‭ ‬العراقي‭ ‬الغاشم‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت؟

لقد‭ ‬كان‭ ‬جواب‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬مباشرًا‭ ‬في‭ ‬عنوان‭ ‬حديث‭ ‬الشهر‭ ‬لرئيس‭ ‬التحرير‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬الرميحي‭ ‬‮«‬نتسامح‭.. ‬ولا‭ ‬ننسى‮»‬،‭ ‬وعمليًا‭ ‬في‭ ‬محتويات‭ ‬ذلك‭ ‬العدد‭ ‬وأبوابه‭ ‬التي‭ ‬واصلت‭ ‬تقديم‭ ‬مواضيعها‭ ‬ومقالاتها‭ ‬الأدبية‭ ‬والثقافية‭ ‬وغيرها،‭ ‬مع‭ ‬حضور‭ ‬واضح‭ ‬للمواضيع‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بجريمة‭ ‬احتلال‭ ‬الكويت‭.‬

أما‭ ‬صفحة‭ ‬‮«‬عزيزي‭ ‬القارئ‮»‬‭ ‬فتضمّنت‭ ‬ما‭ ‬يعدّ‭ ‬جوهر‭ ‬سياسة‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬ستأتي‭: ‬‮«‬لن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الماضي‭ ‬إلّا‭ ‬بمقدار‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬حديثنا‭ ‬المستقبلي،‭ ‬فالمستقبل‭ ‬هو‭ ‬هّمنا‭ ‬المشترك‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬أجابت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬الثقيل،‭ ‬وكرّست‭ ‬سياستها‭ ‬التحريرية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أعدادها‭ ‬اللاحقة،‭ ‬رغم‭ ‬شدة‭ ‬الألم‭ ‬ومرارة‭ ‬الحدث،‭ ‬ولعلّ‭ ‬كلمات‭ ‬صفحة‭ ‬‮«‬عزيزي‭ ‬القارئ‮»‬‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬سبتمبر‭ ‬1991‭ ‬تؤكد‭ ‬ذلك،‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬فيها‭:‬

‭ ‬‮«‬ونعود‭ ‬إليك‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭...‬

نعود‭ ‬إليك‭ ‬أكثر‭ ‬لهفة‭ ‬وأشد‭ ‬شوقًا‭ ‬وأعظم‭ ‬طموحًا‭...‬

نعود‭ ‬وقد‭ ‬اختزن‭ ‬كل‭ ‬منّا‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬عامًا‭ ‬كاملًا‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬تاريخنا‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭ ‬لها‭ ‬مثيلًا‭.‬

في‭ ‬أغسطس‭ (‬آب‭) ‬1990،‭ ‬صدر‭ ‬العدد‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬مجلتك‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬من‭ ‬الكويت،‭ ‬كويت‭ ‬الثقافة‭ ‬وكويت‭ ‬العروبة‭ ‬وكويت‭ ‬الإسلام‭. ‬وفي‭ ‬سبتمبر‭ (‬أيلول‭) ‬1991‭ ‬تستأنف‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬صدورها‭ ‬مؤقتًا‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الكنانة‭ ‬مصر،‭ ‬مصر‭ ‬الثقافة‭ ‬ومصر‭ ‬العروبة‭ ‬ومصر‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهذا‭ ‬الانقطاع‭ ‬القسري،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عام‭ ‬كامل،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬وقفًا‭ ‬على‭ ‬مجلتك‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬وحدها،‭ ‬إنّما‭ ‬طال‭ ‬الحياة‭ ‬العربية‭ ‬بأسرها‭ ‬ثقافة‭ ‬وفكرًا‭ ‬وسياسة‭ ‬واقتصادًا‭.‬

عدوان‭ ‬النظام‭ ‬العراقي‭ ‬على‭ ‬الكويت‭ ‬استهدف‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬استهدف‭ ‬الثقافة؛‭ ‬لأنّ‭ ‬الثقافة‭ ‬هي‭ ‬منارة‭ ‬الشعوب‭. ‬وكانت‭ ‬قوات‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬تريد‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬منارات،‭ ‬أرضًا‭ ‬للموت‭ ‬والخراب‭ ‬والظلام،‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستغربًا‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬‮«‬العربي‮»‬،‭ ‬وسواها‭ ‬من‭ ‬المنابر‭ ‬الثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬إلى‭ ‬أهداف‭ ‬عسكرية،‭ ‬تُنْهَبُ‭ ‬وتُحْرَقُ‭ ‬وتُدَمَّرُ،‭ ‬ولا‭ ‬يبقى‭ ‬لها‭ ‬أثر‭.‬

‭ ‬وانتصرت،‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ،‭ ‬قضية‭ ‬الكويت،‭ ‬انتصرت‭ ‬بكَ‭ ‬ومعك،‭ ‬وكان‭ ‬قرار‭ ‬إعادة‭ ‬إصدار‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الأولويات،‭ ‬لأنّ‭ ‬دروس‭ ‬المحنة‭ ‬علّمتنا‭ ‬أن‭ ‬الاستبداد‭ ‬والإرهاب‭ ‬والغزو‭ ‬واجتياح‭ ‬الشقيق‭ ‬العربي‭ ‬المسالم‭ ‬كلّها‭ ‬من‭ ‬ثمار‭ ‬عصور‭ ‬الانحطاط،‭ ‬وعصور‭ ‬الظلام‭ ‬وعصور‭ ‬العقم‭ ‬العربي،‭ ‬وأن‭ ‬الانتصار‭ ‬عليها‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلّا‭ ‬بالمعرفة‭ ‬والثقافة‭ ‬والتنوير‭.‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬نعود‭ ‬إليك‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬كل‭ ‬شهر،‭ ‬لن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬الماضي‭ ‬إلّا‭ ‬بمقدار‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬حديثنا‭ ‬المستقبلي،‭ ‬فالمستقبل‭ ‬هو‭ ‬هّمنا‭ ‬المشترك،‭ ‬ومعك،‭ ‬وبمشاركتك،‭ ‬سوف‭ ‬نسعى‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬الغد‭ ‬الأجمل‭ ‬لنا‭ ‬جميعًا،‭ ‬ولعلّ‭ ‬في‭ ‬آلاف‭ ‬الرسائل‭ ‬والمقالات‭ ‬التي‭ ‬تناولتها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ - ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأسود،‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬إغناء‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬والدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬بالذات،‭ ‬في‭ ‬مواكبة‭ ‬التيارات‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬اتساعها‭ - ‬ما‭ ‬يعيننا‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬الدرب‭ ‬الطويل‭ ‬معك‭. ‬وإلى‭ ‬اللقاء‭ ‬دائمًا‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬كل‭ ‬شهر‮»‬‭.‬

 

الميلاد‭ ‬الثالث‭ ‬والأخير

بعنوان‭ ‬‮«‬الميلاد‭ ‬الثالث‮»‬‭ ‬أعلنت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬412‭ (‬مارس‭ ‬1993‭) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صفحة‭ ‬‮«‬عزيزي‭ ‬القارئ‮»‬،‭ ‬عن‭ ‬نهاية‭ ‬مرحلة‭ ‬صدورها‭ ‬المؤقت‭ ‬من‭ ‬القاهرة،‭ ‬وبدء‭ ‬صدور‭ ‬أول‭ ‬أعدادها‭ ‬من‭ ‬مكتبها‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬وهي‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستمرة،‭ ‬بفضل‭ ‬الله،‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬في‭ ‬الفقرة‭ ‬الأولى،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تأكيد‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مؤكدًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬هوية‭ ‬المجلة‭ ‬وطبيعة‭ ‬رسالتها،‭ ‬ولكن‭ ‬آثار‭ ‬غبار‭ ‬الاحتلال‭ ‬وتضارُب‭ ‬المواقف‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬احتلال‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬فرضت‭ ‬بعض‭ ‬التوضيحات،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سنجده‭ ‬في‭ ‬الأسطر‭ ‬التالية‭: ‬

‮«‬يأتيك‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬صادرًا‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الكويت،‭ ‬ليكتب‭ ‬تاريخ‭ ‬الميلاد‭ ‬الثالث‭ ‬لمجلة‭ ‬تمثّل‭ ‬صورة‭ ‬مضيئة‭ ‬لوطن‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬وطن‭ ‬أكبر‭ ‬تشمله‭ ‬الحروف‭ ‬العربية‭ ‬بظلال‭ ‬حناياها‭ ‬واستقاماتها‭ ‬وانكساراتها‭ ‬أيضًا‭.‬

ولعل‭ ‬تاريخ‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬المعاصر‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬مجلة‭ ‬ظاهرة‭ ‬كهذه‭ ‬المجلة،‭ ‬التي‭ ‬رسم‭ ‬مسار‭ ‬ظهورها‭ ‬واحتجابها‭ ‬وعودتها‭ ‬تخطيطًا‭ ‬للوحة‭ ‬كبيرة،‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬آمال‭ ‬وآلام‭ ‬الضمير‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬رحلة‭ ‬هذه‭ ‬المجلة‭.‬

فمنذ‭ ‬قرابة‭ ‬خمسة‭ ‬وثلاثين‭ ‬عامًا،‭ ‬وُلدت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬لتكون‭ ‬صرحًا‭ ‬كويتيًا‭ ‬لجامعة‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الثقافة،‭ ‬وظلّت‭ ‬تتألّق‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً،‭ ‬تحرسها‭ ‬عين‭ ‬الكويت‭ ‬وترعاها‭ ‬قلوب‭ ‬العرب،‭ ‬حتى‭ ‬تعرّضت‭ ‬للاغتيال‭ ‬ضمن‭ ‬محاولة‭ ‬الدكتاتور‭ ‬لاغتيال‭ ‬مهدها‭... ‬الكويت‭.‬

لكنّها‭ ‬نجت‭ ‬مع‭ ‬نجاة‭ ‬الكويت،‭ ‬وكان‭ ‬ميلادها‭ ‬الثاني‭ ‬شجيًّا‭ ‬كأفراح‭ ‬القلب‭ ‬المترع‭ ‬بالأحزان،‭ ‬فقد‭ ‬استضافتها‭ ‬عاصمة‭ ‬العرب‭ - ‬القاهرة‭ - ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬الكويت‭ ‬تضمّد‭ ‬جراحها‭. ‬وها‭ ‬هي‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬تعود‭ ‬لتُولد‭ ‬مرة‭ ‬ثالثة‭ ‬كويتية‭ ‬القلب،‭ ‬عربية‭ ‬العقل‭ ‬والضمير،‭ ‬رغم‭ ‬جسامة‭ ‬الجرح‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬الفؤاد‭ ‬العربي‭ ‬بفعل‭ ‬خنجر‭ ‬مسموم‭ ‬لدكتاتور‭ ‬تُثبت‭ ‬الأيام‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إلّا‭ ‬ظاهرة‭ ‬ضد‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‮»‬‭.‬

 

أغسطس‭ ‬مختلف

بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬تقريبًا‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬تلك‭ ‬الأسطر‭ ‬سقط‭ ‬الدكتاتور‭ ‬ومعه‭ ‬نظام‭ ‬البعث،‭ ‬لتدخل‭ ‬العلاقات‭ ‬الكويتية‭ ‬–‭ ‬العراقية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬و«العربي‮»‬‭ ‬مع‭ ‬قرائها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬برز‭ ‬أوّل‭ ‬ملامحها‭ ‬في‭ ‬صفحة‭ ‬‮«‬عزيزي‭ ‬القارئ‮»‬‭ (‬أغسطس‭ ‬2003‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬أغسطس‭ ‬مختلف‮»‬،‭ ‬كشفت‭ ‬فيها‭ ‬دخولها‭ ‬لبعض‭ ‬المدن‭ ‬العراقية‭ ‬وتوزيعها‭ ‬بالمجان‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬العدد‭ ‬التاريخي‭ ‬هو‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يحلّ‭ ‬على‭ ‬الكويت‭ ‬والعراق‭ ‬و«العربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬النظام‭ ‬الباغي،‭ ‬وقد‭ ‬أجادت‭ ‬‮«‬عزيزي‭ ‬القارئ‮»‬‭ ‬توثيق‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث،‭ ‬وهذا‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬فيها‭:‬

‮«‬يصدر‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬وسط‭ ‬متغيّرات‭ ‬كثيرة،‭ ‬فشهر‭ ‬أغسطس‭ ‬الذي‭ ‬تعوّدنا‭ ‬أن‭ ‬يذكّرنا‭ ‬بتجربة‭ ‬الاجتياح‭ ‬الغاشم‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬نظام‭ ‬البعث‭ ‬العراقي‭ ‬ضد‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1990،‭ ‬تحلّ‭ ‬الذكرى‭ ‬وهذا‭ ‬النظام‭ ‬المتعجرف‭ ‬قد‭ ‬هوى،‭ ‬وأصبح‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬التاريخ،‭ ‬وتحرّر‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬أخيرًا‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الاستبداد‭ ‬والقمع‭ ‬والمقابر‭ ‬الجماعية‭ ‬للرجال‭ ‬والنساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬كانت‭ ‬نتيجتها‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬نراه،‭ ‬حروبًا‭ ‬ودمارًا‭ ‬وخرابًا‭ ‬ضد‭ ‬العراق‭ ‬وجيرانه،‭ ‬ثم‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬أيضًا،‭ ‬ولم‭ ‬ينته‭ ‬الأمر‭ ‬إلا‭ ‬وقوات‭ ‬التحالف‭ ‬الغربي‭ ‬تقيم‭ ‬على‭ ‬أرضه‭.‬

إننا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬الثالثة‭ ‬عشرة‭ ‬ندعو‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنزاح‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬المضطربة‭ ‬من‭ ‬عُمر‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬وجيرانه‭ ‬وأشقائه،‭ ‬وأن‭ ‬يظفر‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بكامل‭ ‬حريّته‭.‬

ومنذ‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬ومجلة‭ ‬العربي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬العراقية،‭ ‬وتوزع‭ ‬بالمجان،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منها‭ ‬لتعويض‭ ‬سنوات‭ ‬القحط‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬حوصر‭ ‬فيها‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬الباسل،‭ ‬ومنعت‭ ‬عنه‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬المطبوعات‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقرأ‭ ‬ولا‭ ‬يسمع‭ ‬رأيًا‭ ‬يخالف‭ ‬رأي‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحكم‭.‬

الآن‭ ‬تعود‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬للقيام‭ ‬بدورها‭ ‬في‭ ‬لمّ‭ ‬شمل‭ ‬وردم‭ ‬هوّة‭ ‬القطيعة‭ ‬بين‭ ‬المثقفين‭ ‬العراقيين‭ ‬وزملائهم‭ ‬العرب،‭ ‬وهي‭ ‬تؤمن‭ ‬بأنّ‭ ‬أفضل‭ ‬وسيلة‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬قدرة‭ ‬المواطن‭ ‬العراقي‭ ‬على‭ ‬استشراف‭ ‬المستقبل‭ ‬هي‭ ‬إحساسه‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬وحيدًا،‭ ‬وبأن‭ ‬هناك‭ ‬رصيدًا‭ ‬عربيًّا‭ ‬له‭ ‬سوف‭ ‬يؤازره‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات‮»‬‭.‬

في‭ ‬الختام،‭ ‬لقد‭ ‬تبدلت‭ ‬الأحوال‭ ‬فيما‭ ‬أتى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬نظام‭ ‬البعث‭ ‬العراقي،‭ ‬وفُتحت‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬مشرقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬الشقيقين؛‭ ‬الكويت‭ ‬والعراق،‭ ‬لتعود‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬الشعبين،‭ ‬وليحلّ‭ ‬الإخاء‭ ‬مكان‭ ‬الجفاء،‭ ‬وتنتهي‭ ‬حقبة‭ ‬الجمود‭ ‬والقلق‭ ‬والتوتر‭.‬

وفي‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لم‭ ‬تتأثر‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الكويت‭ ‬والعراق‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬سوى‭ ‬بالانقطاع‭ ‬عن‭ ‬التواصل‭ ‬المباشر،‭ ‬وقد‭ ‬اختارت‭ ‬الكويت‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬حصر‭ ‬الخلاف‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬البائد،‭ ‬وأخرجت‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬من‭ ‬المعادلة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬التغيير‭ ‬المنشود،‭ ‬لتثبت‭ ‬الكويت‭ ‬أن‭ ‬قلبها‭ ‬مفتوح‭ ‬للعراق‭ ‬والعراقيين‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة،‭ ‬وآخرها‭ ‬تنظيم‭ ‬الكويت‭ ‬المؤتمر‭ ‬الدولي‭ ‬لإعادة‭ ‬إعمار‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬2018م‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬ألّا‭ ‬تكون‭ ‬لمجلة‭ ‬العربي‭ ‬سوى‭ ‬ولادة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الكويت،‭ ‬لكن‭ ‬شاءت‭ ‬الأقدار‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬الأمور‭ ‬بطريق‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬الصدور‭ ‬قسرًا،‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬مجددًا‭ ‬وتطبع‭ ‬18‭ ‬عددًا،‭ ‬ثم‭ ‬تعود‭ ‬لتصدر‭ ‬من‭ ‬الكويت،‭ ‬لتثبت‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬والتجدد،‭ ‬ويثبت‭ ‬عشاقها‭ ‬ومتابعوها‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬قلوبهم‭ ■