فدوى طوقان أم الشعر الفلسطيني

فدوى طوقان أم الشعر الفلسطيني

لم‭ ‬يهدأ‭ ‬الشعراء‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬منذ‭ ‬النكبة‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬وهم‭ ‬يناضلون‭ ‬بالكلمة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إخوانهم‭ ‬المجاهدين،‭ ‬الذين‭ ‬يستعملون‭ ‬شتى‭ ‬وسائل‭ ‬المواجهة‭ ‬ضد‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وإشعاره‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬اغتصبها‭ ‬ليست‭ ‬له،‭ ‬وأن‭ ‬لها‭ ‬أصحابًا‭ ‬شرعيين‭ ‬مستعدون‭ ‬للدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬استردادها‭ ‬بشتى‭ ‬الوسائل‭ ‬والإمكانات،‭ ‬والشعر‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬الاستمرارية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬حية‭ ‬من‭ ‬مستلزمات‭ ‬الثورة‭ ‬وحيويتها‭.‬

مارس‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬ومازالوا‭ ‬يناضلون‭ ‬بحيوية‭ ‬وإصرار‭ ‬لاسترجاع‭ ‬الأرض‭ ‬المغتصبة،‭ ‬ولا‭ ‬يمر‭ ‬يوم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬للمناضلين‭ ‬عمل‭ ‬ضد‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬بالسيف‭ ‬والبندقية‭ ‬أو‭ ‬بالقصيدة‭ ‬والكلمة‭ ‬والإعلان،‭ ‬وقد‭ ‬مارست‭ ‬الشاعرة‭ ‬فدوى‭ ‬طوقان‭ ‬دورها‭ ‬الطليعي‭ ‬منذ‭ ‬نشوئها‭ ‬وحتى‭ ‬آخر‭ ‬حياتها‭ ‬مدافعة‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بقصائدها‭ ‬وكلماتها‭ ‬المعبرة،‭ ‬وتمثل‭ ‬الحرية‭ ‬والصمود‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أعمدة‭ ‬النضال‭ ‬والفداء‭ ‬عندها،‭ ‬يتمثل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نشيدٍ‭ ‬معبر‭:‬

حريتي‭ ‬حريتي‭ ‬حريتي

صوت‭ ‬أردده‭ ‬بملء‭ ‬فم‭ ‬الغضب

تحت‭ ‬الرصاص‭ ‬وفي‭ ‬اللهب

وأظل‭ ‬محمولًا‭ ‬على‭ ‬مدِّ‭ ‬الغضب

وأنا‭ ‬أناضل‭ ‬داعيًا‭ ‬حريتي

هنا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يردد‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬مطلب‭ ‬كل‭ ‬فلسطيني‭ ‬يشعر‭ ‬بالذل‭ ‬والهوان‭: ‬

ويردد‭ ‬النهر‭ ‬المقدس‭ ‬والجسور‭ ‬حريتي

والضفتان‭ ‬ترددان‭ ‬حريتي‭ ‬

ومعابر‭ ‬الريح‭ ‬الغضوب

ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬المقطع‭ ‬أروع‭ ‬آيات‭ ‬الإصرار‭ ‬والصمود‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬المنشود‭: ‬

ومعابر‭ ‬الريح‭ ‬الغضوب‭ ‬

والرعد‭ ‬والأمطار‭ ‬في‭ ‬وطني

ترددها‭ ‬معي‭: ‬حريتي‭ ‬حريتي‭ ‬

طلبت‭ ‬الحرية،‭ ‬والحرية‭ ‬لا‭ ‬تنال‭ ‬بغير‭ ‬النضال‭ ‬والمقاومة‭ ‬وليس‭ ‬بالقعود‭ ‬والانهزام،‭ ‬إذ‭ ‬ترى‭ ‬فدوى‭ ‬طوقان‭ ‬أن‭ ‬الخيانة‭ ‬كادت‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬العزيمة‭ ‬وتُحبط‭ ‬الآمال‭ ‬بعودة‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬أصحابها‭ ‬الشرعيين،‭ ‬يوم‭ ‬رأينا‭ ‬الخيانة‭ ‬والموت،‭ ‬تراجعَ‭ ‬المدُّ،‭ ‬وأغلقت‭ ‬أبواب‭ ‬السماء،‭ ‬وأمسكت‭ ‬أنفاسها‭ ‬المدينة‭ ‬يوم‭ ‬انحدار‭ ‬الموج،‭ ‬وما‭ ‬تراجع‭ ‬المد‭ ‬هنا‭ ‬إلا‭ ‬انكفاء‭ ‬الثوار‭ ‬الذي‭ ‬حبس‭ ‬أنفاس‭ ‬المدينة،‭ ‬حيث‭ ‬بدا‭ ‬كأنه‭ ‬غضب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬قيدوا‭ ‬حركة‭ ‬الثورة‭ ‬ومنعوا‭ ‬عودة‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭ ‬العربية‭: ‬

يوم‭ ‬رأينا‭ ‬الموت‭ ‬والخيانة

تراجع‭ ‬المد‭ ‬

وأغلقت‭ ‬نوافذ‭ ‬السماء

يوم‭ ‬انحدار‭ ‬الموج،‭ ‬يوم‭ ‬أسلمت

بشاعة‭ ‬القيعان‭ ‬للضياء‭ ‬وجهها

ترمَّد‭ ‬الرجاء‭ ‬

واختنقت‭ ‬بغصّة‭ ‬البلاء

مدينتي‭ ‬الحزينة

‭... ‬أواه‭ ‬يا‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف

لكن‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬النصر‭ ‬لفلسطين‭ ‬وتعود‭ ‬دولة‭ ‬حرة‭ ‬ينعم‭ ‬أهلها‭ ‬بالاستقرار‭ ‬والحرية،‭ ‬ويتبين‭ ‬لنا‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬قصيدتها‭ ‬احيٌّ‭ ‬أبدًاب‭:‬

يا‭ ‬وطني‭ ‬الحبيب‭... ‬لا‭ ‬مهما‭ ‬تدر

‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬متاهة‭ ‬الظلم

‭ ‬طاحونة‭ ‬العذاب‭ ‬والألم

‭ ‬لن‭ ‬يستطيعوا‭ ‬يا‭ ‬حبيبنا

‭ ‬أن‭ ‬يفقأوا‭ ‬عينيك

‭ ‬ليقتلوا‭ ‬الأحلام‭ ‬والأمل

فالثائرون‭ ‬المقاومون‭ ‬في‭ ‬قصيدتها‭ ‬اأنشودة‭ ‬الصيرورةب‭ ‬كبار‭ ‬عمالقة،‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬سنوات‭ ‬العمر،‭ ‬كبروا‭ ‬مع‭ ‬الشجر‭ ‬والحناء،‭ ‬حملوا‭ ‬أحرفها‭ ‬إنجيلًا‭ ‬قرآنا‭ ‬يُتلى‭ ‬بالهمس،‭ ‬صاروا‭ ‬زهرة‭ ‬عباد‭ ‬الشمس،‭ ‬صاروا‭ ‬الصوت‭ ‬الرافض‭ ‬والغضب‭ ‬المشتعل،‭ ‬صاروا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الشعر‭. ‬

 

حب‭ ‬الوطن‭ ‬

بهذا‭ ‬الحس‭ ‬الوطني‭ ‬الرائع‭ ‬تصف‭ ‬فدوى‭ ‬بطولة‭ ‬وشجاعة‭ ‬الفلسطينين‭ ‬وحماسهم‭ ‬المنقطع‭ ‬النظير‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬شعري‭ ‬ينضج‭ ‬بحب‭ ‬الوطن،‭ ‬وعشق‭ ‬الشهادة‭ ‬في‭ ‬سبيله،‭ ‬مقدمة‭ ‬الغالي‭ ‬والنفيس‭ ‬دفاعًا‭ ‬عن‭ ‬حريته‭ ‬وعن‭ ‬حماس‭ ‬جنود‭ ‬فلسطين‭ ‬الأشاوس،‭ ‬حين‭ ‬نادى‭ ‬أحد‭ ‬المجاهدين‭ ‬ايا‭ ‬فلسطين‭ ‬اطمئني،‭ ‬أنا‭ ‬والدار‭ ‬وأولادي‭ ‬قرابين‭ ‬خلاصكب‭. 

تصوِّر‭ ‬الشاعرة‭ ‬هنا‭ ‬استبسال‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬داره‭ ‬ومنزله‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬مصادرة‭ ‬الأرض‭ ‬ظلمًا‭ ‬وبهتانًا‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬والعالم‭ ‬أجمع‭: ‬

طوَّق‭ ‬الجند‭ ‬حواشي‭ ‬الدار

وتعالت‭ ‬طَرَقات‭ ‬آمرة

‭(‬اتركوا‭ ‬الدار‭)!‬

فتح‭ ‬الشرفات‭ ‬حمزة

تحت‭ ‬عين‭ ‬الجند‭ ‬للشمس‭ ‬وكبرَّ

‮«‬يا‭ ‬فلسطين‭ ‬اطمئني

أنا‭ ‬والدار‭ ‬وأولادي‭ ‬قرابين‭ ‬خلاصك‮»‬

وسرت‭ ‬في‭ ‬عصب‭ ‬البلدة‭ ‬هزّه

حينما‭ ‬رد‭ ‬الصدى‭ ‬صرخة‭ ‬حمزه

وطوى‭ ‬الدار‭ ‬خشوع‭ ‬وسكون‭ ‬

ويبقى‭ ‬الأمل‭ ‬الحلم‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬تصر‭ ‬الشاعرة‭ ‬عليه،‭ ‬ينبض‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬فلسطيني‭ ‬تعيش‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬دمه،‭ ‬وتطمئن‭ ‬الشاعرة‭ ‬وطنها‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬سينتصر‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬و‭ ‬أن‭ ‬أحلام‭ ‬النصر‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬طمسها‭ ‬وإطفاء‭ ‬شعلتها‭: ‬

يا‭ ‬وطني‭ ‬الحبيب‭ ‬لا،‭ ‬مهما‭ ‬تدر

عليك‭ ‬في‭ ‬متاهة‭ ‬الظلم

طاحونة‭ ‬العذاب‭ ‬والألم

لن‭ ‬يستطيعوا‭ ‬يا‭ ‬حبيبنا

أن‭ ‬يفقأوا‭ ‬عينيك‭ ‬لن

يقتلوا‭ ‬الأحلام‭ ‬والأمل

يا‭ ‬جرحنا‭ ‬العميق‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬عذابنا

يا‭ ‬حبنا‭ ‬الوحيد

آه‭ ‬يا‭ ‬حبي‭ ‬الغريب‭ ‬آه‭ ‬يا‭ ‬حبي‭ ‬لماذا

وطني‭ ‬أصبح‭ ‬بابًا‭ ‬للسفر

توظف‭ ‬الشاعرة‭ ‬هنا‭ ‬آيات‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬تضمنها‭ ‬أبياتها‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬المأساة‭ ‬التي‭ ‬يحياها‭ ‬الوطن،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬‭{‬إلا‭ ‬أصحاب‭ ‬اليمين‭ ‬في‭ ‬جنات‭ ‬يتساءلون‭ ‬عن‭ ‬المجرمين‭ ‬ماسلككم‭ ‬من‭ ‬سقر،‭ ‬قالوا‭ ‬لم‭ ‬نك‭ ‬من‭ ‬المصلين‭ ‬ولم‭ ‬نك‭ ‬نطعم‭ ‬المسكين‭} (‬سورة‭ ‬المدثر‭: ‬39‭-‬44‭).‬

وتستمر‭ ‬الشاعرة‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬الهذيان،‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬آلامها‭ ‬النفسية،‭ ‬لذلك‭ ‬تستفسر‭ ‬حائرة‭ ‬قلقة‭:‬

ولماذا‭ (‬شجر‭ ‬التفاح‭ ‬صار‭ ‬اليوم‭ ‬زقومًا،‭ ‬لماذا

لم‭ ‬يعد‭ ‬ضوء‭ ‬القمر‭ ‬مستحمًا‭ ‬لبساتين‭ ‬الزهر‭?)‬

وتجمع‭ ‬الشاعرة‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬صغير‭ ‬شتى‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬يعانيها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬طغيان‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭:‬

عرب،‭ ‬فوضى،‭ ‬كلاب

ارجعوا،‭ ‬لا‭ ‬تقربوا‭ ‬الحاجز،‭ ‬عودوا‭ ‬يا‭ ‬كلاب

ويدٌ‭ ‬تصفق‭ ‬شباك‭ ‬التصاريح

‭ ‬تسد‭ ‬الدروب‭ ‬في‭ ‬وجهِ‭ ‬الزحام

إنها‭ ‬المأساة‭ ‬بعينها‭ ‬والذل‭ ‬بأحدِّ‭ ‬صوره،‭ ‬ولا‭ ‬تملك‭ ‬الشاعرة،‭ ‬وهي‭ ‬تمثل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المناضل،‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تقول‭: ‬

آه‭ ‬وامعتصماه‭!‬

كل‭ ‬ما‭ ‬أملكه‭ ‬اليوم‭ ‬انتظار

بحر‭ ‬اليأس‭ ‬والضياع

ويكاد‭ ‬اليأس‭ ‬يخطف‭ ‬الإحساس‭ ‬بالنصر‭ ‬والبطولة،‭ ‬حيث‭ ‬نرى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مقطع‭ ‬متأزم،‭ ‬تقول‭ ‬فدوى‭: ‬

‭... ‬وأنا‭ ‬أهذي‭ ‬أهذي

  ‬آهٍ‭ ‬يا‭ ‬حبي‭ ‬لماذا

‭ ‬هجر‭ ‬الله‭ ‬بلادي؟‭ ‬ولماذا

حبس‭ ‬النور،‭ ‬تخلّى‭ ‬عن‭ ‬بلادي

‭ ‬لبحار‭ ‬الظلمات؟‭!‬

فالشاعرة‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬اليأس‭ ‬والضياع،‭ ‬وهكذا‭ ‬تراءى‭ ‬لها،‭ ‬وهي‭ ‬ترى‭ ‬لا‭ ‬خلاص‭ ‬من‭ ‬اليأس‭ ‬والظمأ‭ ‬إلى‭ ‬النصر‭ ‬والحرية،‭ ‬إلا‭ ‬بالقيامة‭ ‬التي‭ ‬ستحيي‭ ‬العزيمة،‭ ‬وتقود‭ ‬إلى‭ ‬النصر‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬استرجاع‭ ‬فلسطين‭.                                                                                        ‬إنا‭ ‬سنبقى‭ ‬ظامئين،‭ ‬عند‭ ‬الينابيع‭ ‬الحزينة،‭ ‬سوف‭ ‬نبقى‭ ‬ظامئين‭ ‬حتى‭ ‬قيامتهم‭ ‬مع‭ ‬الفجر،‭ ‬والفجر‭ ‬هنا‭ ‬بزوغ‭ ‬النصر،‭ ‬والعودة‭ ‬لذلك‭ ‬تدعو‭ ‬الشاعرة‭ ‬إلى‭ ‬الانتفاضة‭ ‬والثورة‭ ‬بالسحاب‭ ‬الهاطل‭ ‬والمطر‭ ‬الهدار،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬خلاص‭ ‬إلا‭ ‬بإعادة‭ ‬البوصلة‭ ‬إلى‭ ‬اتجاهها‭ ‬الصحيح‭:                              

‮«‬هبي‭ ‬وسوقي‭ ‬نحونا‭ ‬السحاب‭ ‬يا‭ ‬رياح،‭ ‬وأنزلي‭ ‬الأمطار‭ ‬تُطهِّر‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬مدينتي،‭ ‬وتغسل‭ ‬البيوت‭ ‬والجبال‭ ‬والأشجار‮»‬‭. ‬

وحول‭ ‬هذه‭ ‬المعاني‭ ‬نفسها‭ ‬تستخدم‭ ‬الشاعرة‭ ‬التناقض‭ ‬الديني‭ ‬للتعبير‭ ‬عما‭ ‬يعتريها‭ ‬من‭ ‬قلق‭ ‬وحيرة،‭ ‬حيث‭ ‬تقول‭:                                                                             

لماذا‭ ‬شجر‭ ‬التفاح‭ ‬صار‭ ‬اليوم

زقومًا،‭ ‬لماذا

لم‭ ‬يعد‭ ‬ضوء‭ ‬القمر

مستحمًا‭ ‬لبساتين‭ ‬الزهر

وواضح‭ ‬كم‭ ‬تحمل‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬الماذاب‭ ‬من‭ ‬تساؤلات‭ ‬دامية‭ ‬وحزينة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المعاش،‭ ‬فشجر‭ ‬التفاح‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬لذة‭ ‬للآكلين،‭ ‬ذو‭ ‬طعم‭ ‬لذيذ‭ ‬صار‭ ‬زقومًا‭ ‬شديد‭ ‬المرارة،‭ ‬تحول‭ ‬فيه‭ ‬التفاح‭ ‬الذي‭ ‬نبتت‭ ‬شجرته‭ ‬في‭ ‬الجنة‭ ‬إلى‭ ‬طعام‭ ‬مر،‭ ‬رديف‭ ‬لجهنم‭ ‬لمرارة‭ ‬طعمها‭ ‬وطعامها‭:        

‭{‬ثم‭ ‬أنكم‭ ‬أيها‭ ‬الضالون‭ ‬المكذبون‭ ‬لآكلون‭ ‬من‭ ‬شجر‭ ‬من‭ ‬زقوم‭ ‬فمالئون‭ ‬منها‭ ‬البطون‭} (‬سورة‭ ‬الواقعة‭: ‬51‭-‬52‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الحالة‭ ‬المرة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬حياة‭ ‬قلما‭ ‬يشبهها‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬وتريد‭ ‬الشاعرة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬تحذير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬مغبّة‭ ‬الاستسلام‭ ‬للعدو‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬وقفت‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬يافا‭ ‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬دُورها‭ ‬حطامًا،‭ ‬مستحضرة‭ ‬قول‭ ‬امرئ‭ ‬القيس‭:                                      

قِفا‭ ‬نبك‭ ‬من‭ ‬ذكرى‭ ‬حبيب‭ ‬ومنزل

بسقط‭ ‬اللوى‭ ‬بين‭ ‬الدخول‭ ‬فحومل

تحذير‭ ‬لشدِّ‭ ‬عزيمة‭ ‬الفلسطينين‭ ‬وإعادتهم‭ ‬الى‭ ‬البوصلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬استمرار‭ ‬النضال‭ ‬وعدم‭ ‬الاستسلام‭ ‬بغية‭ ‬إعادة‭ ‬فلسطين‭ ‬الى‭ ‬أصحابها‭ ‬الشرعيين‭ ‬بقولها‭ ‬الصارخ‭:‬

ولتنزل‭ ‬الأمطار،‭ ‬ولتنزل‭ ‬الأمطار

ولتنزل‭ ‬الأمطار‭ ‬والرعد‭ ‬والإعصار

في‭ ‬وطني‭ ‬ولتنزل‭ ‬الأمطار‭ ■‬