تحديات للاقتصادات العربية!

تحديات  للاقتصادات العربية!

واجهت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬كافة‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬خلال‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬كورونا،‭ ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬تحجيم‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬الموازنات‭ ‬الحكومية،‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬حدّ‭ ‬لفقد‭ ‬الوظائف‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬نتيجة‭ ‬لتراجع‭ ‬الأعمال‭ ‬والأنشطة‭ ‬بسبب‭ ‬الحظر‭ ‬والتوقّف‭ ‬الذي‭ ‬ألزمته‭ ‬السلطات‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان،‭ ‬ويعتقد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬أن‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ستظل‭ ‬قائمة‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬انقشاع‭ ‬أزمة‭ ‬الوباء‭ ‬وعودة‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتها‭ ‬بعد‭ ‬شهور‭ ‬عدّة،‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬العام‭ ‬المقبل،‭ ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬لأوضاع‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬القادمة؟‭ ‬

كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬أن‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العربية‭ ‬ظلّت‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬مواردها‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتجارة‭ ‬أحيانًا،‭ ‬كما‭ ‬أنّها‭ ‬مكنت‭ ‬قطاع‭ ‬الخدمات‭ ‬من‭ ‬المساهمة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬وظل‭ ‬النفط‭ ‬المحرك‭ ‬الأساسي‭ ‬لاقتصادات‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬عدة،‭ ‬ومنها‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬والكويت‭ ‬والعراق‭ ‬والجزائر‭ ‬وليبيا،‭ ‬وإلى‭ ‬حدّ‭ ‬ما‭ ‬مصر،‭ ‬وتونس‭ ‬وعمان‭ ‬وسورية‭ ‬والبحرين‭.‬

وقد‭ ‬أدّى‭ ‬الغاز‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاقتصادات،‭ ‬لكنّ‭ ‬أهمها‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬القطري،‭ ‬وشكّلت‭ ‬إيرادات‭ ‬النفط‭ ‬المصدر‭ ‬المهم‭ ‬للخزائن‭ ‬العامة‭ ‬والممول‭ ‬المحوري‭ ‬للإنفاق‭ ‬العام،‭ ‬الرأسمالي‭ ‬والجاري،‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬عدة‭.‬

يعاني‭ ‬العالم‭ ‬الآن‭ ‬الركود،‭ ‬فقد‭ ‬تراجعت‭ ‬الأنشطة‭ ‬وانخفض‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات،‭ ‬وبذلك‭ ‬تعطّل‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬مهمة‭. ‬وقد‭ ‬شهد‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الوباء‭ ‬خلال‭ ‬شهري‭ ‬مارس‭ ‬وأبريل‭ ‬الماضيين،‭ ‬تراجع‭ ‬الطلب‭ ‬بدرجة‭ ‬قياسية،‭ ‬بما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬سعر‭ ‬البرميل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬العشرين‭ ‬دولارًا‭. ‬وربما‭ ‬أسعف‭ ‬قرار‭ ‬‮«‬أوبك‮»‬‭ ‬والبلدان‭ ‬الأخرى‭ ‬المصدّرة‭ ‬للنفط،‭ ‬مثل‭ ‬المكسيك‭ ‬وروسيا،‭ ‬بتخفيض‭ ‬العرض‭ ‬اليومي‭ ‬بمعدل‭ ‬9‭.‬6‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬إلى‭ ‬تماسك‭ ‬الأسعار‭ ‬قليلًا‭ ‬وتحسّنها‭ ‬حتى‭ ‬بلغت‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬40‭ ‬دولارًا‭ ‬للبرميل‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬أغسطس‭ ‬2020‭.‬

بيد‭ ‬أن‭ ‬الإيرادات‭ ‬المتحصلة‭ ‬من‭ ‬تصدير‭ ‬النفط‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬المصدّرة‭ ‬للنفط‭ ‬ظلت‭ ‬دون‭ ‬مستويات‭ ‬الإنفاق‭ ‬الجاري‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان،‭ ‬بما‭ ‬حقّق‭ ‬عجوزات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الموازنات‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬أصبحت‭ ‬تواجه‭ ‬خيارات‭ ‬صعبة‭ ‬لتمويل‭ ‬العجوزات،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظلت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬مهتمّة‭ ‬بالإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الهيكلي‭ ‬وتنويع‭ ‬القاعدة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وترشيد‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬أزمة‭ ‬النفط‭ ‬ناتجة‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬الوباء،‭ ‬لكنّها‭ ‬أزمة‭ ‬بدأت‭ ‬ملامحها‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬حيث‭ ‬مثّل‭ ‬النفط‭ ‬الصخري‭ ‬ورديفه‭ ‬الغاز‭ ‬تحديات‭ ‬مهمة‭ ‬للنفوط‭ ‬العربية‭ ‬التقليدية،‭ ‬وقد‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬التراجع‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬الأسعار‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬خلق‭ ‬أزمة‭ ‬العجوزات‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬الموازنات‭ ‬الحكومية‭. ‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬تحدّي‭ ‬الطاقات‭ ‬البديلة‭ ‬والتطور‭ ‬التقني‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬السيارات‭ ‬والتوجه‭ ‬نحو‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬والاشتراطات‭ ‬البيئية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تمثّل‭ ‬قلقًا‭ ‬لكل‭ ‬مصدّري‭ ‬النفط‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬والعقود‭ ‬القادمة‭.‬

ولا‭ ‬يعني‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬وإيراداته‭ ‬البلدان‭ ‬المصدّرة‭ ‬للنفط‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يشمل‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬والقروض‭ ‬الميسّرة‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬النفطية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬الخليجية‭.‬

معضلة‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬مركّبة،‭ ‬حيث‭ ‬تعاني‭ ‬محدودية‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬وارتفاع‭ ‬أعداد‭ ‬السكان‭ ‬وضيق‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬وتدنّي‭ ‬القدرات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬ظلت‭ ‬محكومة‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬سياسية‭ ‬شمولية‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬واعتمدت‭ ‬اقتصادات‭ ‬مبنيّة‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭.‬

تلك‭ ‬الأنظمة‭ ‬الشمولية‭ ‬عطّلت‭ ‬دور‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬ووأدت‭ ‬إمكانات‭ ‬توظيف‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أنشطة‭ ‬ذات‭ ‬جدوى‭ ‬وميزات‭ ‬نسبية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المعنيّة‭.‬

 

أمثلة‭ ‬واضحة

نتج‭ ‬عن‭ ‬تأميم‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الخاصة‭ ‬تحوّل‭ ‬المؤسسات‭ ‬إلى‭ ‬أجهزة‭ ‬بيروقراطية‭ ‬عقيمة‭ ‬تعاني‭ ‬الخسائر‭ ‬المستمرة،‭ ‬وتواجه‭ ‬احتمالات‭ ‬التصفية‭ ‬والإفلاس‭ ‬نتيجة‭ ‬لسوء‭ ‬الإدارة‭. ‬هناك‭ ‬أمثلة‭ ‬واضحة‭ ‬للتدهور‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وتراجع‭ ‬الإنتاجية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬وسورية‭ ‬والعراق‭ ‬والسودان‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توصف‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العربية‭ ‬بأنها‭ ‬ذات‭ ‬إمكانات‭ ‬تكاملية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بُذلت‭ ‬منذ‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬السوق‭ ‬العربية‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1964‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬علاقات‭ ‬ذات‭ ‬فائدة‭ ‬لأيّ‭ ‬بلدين‭ ‬عربيين‭ ‬متجاورين،‭ ‬فقد‭ ‬تغلّبت‭ ‬الاعتبارات‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬المتطلبات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وحتى‭ ‬التعاون‭ ‬أو‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬قدّمته‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬النفطية‭ ‬لبلدان‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬وسورية‭ ‬والأردن‭ ‬ولبنان‭ ‬والسودان‭ ‬وتونس‭ ‬وغيرها،‭ ‬كان‭ ‬ناتجًا‭ ‬عن‭ ‬الظروف‭ ‬السياسية،‭ ‬وتمكين‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬التزاماتها‭ ‬تجاه‭ ‬المتطلبات‭ ‬المعيشية‭ ‬والخدماتية‭ ‬لشعوبها‭.‬

وقدمت‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬مباشرة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آليات‭ ‬القروض‭ ‬التي‭ ‬اضطلعت‭ ‬بها‭ ‬مؤسسات‭ ‬إنمائية،‭ ‬مثل‭ ‬الصندوق‭ ‬الكويتي‭ ‬للتنمية‭ ‬أو‭ ‬الصندوق‭ ‬العربي‭ ‬وصندوق‭ ‬أبوظبي‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الإنمائية‭ ‬السعودية،‭ ‬قروضًا‭ ‬مهمة‭ ‬لمشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والمرافق‭ ‬والتعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭.‬

وقد‭ ‬شاركت‭ ‬مؤسسات‭ ‬من‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬منذ‭ ‬الصدمة‭ ‬النفطية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1974،‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬بقطاعات‭ ‬الصناعة‭ ‬التحويلية‭ ‬والسياحة‭ ‬والعقار،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬قطاعات‭ ‬خدمية‭ ‬مباشرة،‭ ‬أو‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬مؤسسات‭ ‬حكومية‭ ‬أو‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المضيفة،‭ ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬الاستثمارات‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬النتائج‭ ‬المرجوة‭ ‬التي‭ ‬يتوقّعها‭ ‬المستثمرون‭ ‬التقليديون‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬بيئة‭ ‬استثمارية‭ ‬ملائمة‭. ‬

 

إصلاحات‭ ‬مصر

يعتبر‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصري‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحجم،‭ ‬إذ‭ ‬قدّر‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬لمصر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬بنحو‭ ‬302‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬102‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭.‬

وقد‭ ‬تمكّنت‭ ‬الإدارة‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬تحسين‭ ‬أداء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصري‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الماضية،‭ ‬بعد‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬مهمة‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬تعويم‭ ‬سعر‭ ‬صرف‭ ‬الجنيه‭ ‬المصري،‭ ‬وترشيد‭ ‬دعم‭ ‬الوقود‭ ‬والسلع‭ ‬الغذائية،‭ ‬والتعامل‭ ‬بحزم‭ ‬مع‭ ‬مسائل‭ ‬التوظيف‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭. ‬وقد‭ ‬مكّنت‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قروض‭ ‬بقيمة‭ ‬12‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬وتحسن‭ ‬ثقة‭ ‬المستثمرين،‭ ‬بما‭ ‬عزّز‭ ‬أداء‭ ‬سوق‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية‭.‬

كما‭ ‬ارتفعت‭ ‬أرصدة‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬العملات‭ ‬الخارجية‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬جيدة،‭ ‬وبلغت‭ ‬أخيرًا‭ ‬38‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬لكنّ‭ ‬هناك‭ ‬أشواطاً‭ ‬طويلة‭ ‬ومعضلات‭ ‬مهمة‭ ‬يجب‭ ‬تجاوزها‭ ‬لكي‭ ‬يصبح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصري‭ ‬متعافيًا‭ ‬بشكل‭ ‬سليم‭.‬

تبلغ‭ ‬الديون‭ ‬الخارجية‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬113‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وذلك‭ ‬عبء‭ ‬ثقيل‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصري،‭ ‬ويتعين‭ ‬توفير‭ ‬مصادر‭ ‬دخل‭ ‬لتساعد‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬خدمة‭ ‬هذه‭ ‬الديون‭ ‬الخارجية‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تطوير‭ ‬الأعمال‭ ‬الخاصة‭ ‬مازال‭ ‬بطيئًا،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الوظائف‭ ‬الجديدة‭ ‬مازالت‭ ‬محدودة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تقدّر‭ ‬البطالة‭ ‬بنحو‭ ‬10‭.‬3‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬قوة‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬البلاد‭. ‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭ ‬أن‭ ‬تحويلات‭ ‬العاملين‭ ‬المصريين‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬قد‭ ‬تتراجع‭ ‬نظرًا‭ ‬لأوضاع‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬يعملون‭ ‬فيها،‭ ‬مثل‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تضطر‭ ‬للاستغناء‭ ‬عن‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭.‬

على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬كان‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الخليجي‭ ‬المكون‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العربي‭ ‬نتيجة‭ ‬لمساهمة‭ ‬القطاع‭ ‬النفطي،‭ ‬ويقدّر‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬لبلدان‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬بنحو‭ ‬1‭.‬5‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬يمثّل‭ ‬55‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الناتج‭ ‬الإجمالي‭ ‬لكل‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الخليجي‭ ‬قد‭ ‬تعرّض‭ ‬للتراجع‭ ‬بفعل‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬وانخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تراجع‭ ‬الإيرادات‭. ‬وتعاني‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬صعوبة‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬اقتصاد‭ ‬متنوع‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الاعتماد‭ ‬شبه‭ ‬الكلّي‭ ‬على‭ ‬إيرادات‭ ‬النفط‭.‬

 

تضخّم‭ ‬القطاع‭ ‬العام

هناك‭ ‬بلدان‭ ‬قطعت‭ ‬شوطًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬هياكلها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬واتّباع‭ ‬سياسات‭ ‬مالية‭ ‬حازمة‭ ‬لوقف‭ ‬الهدر‭ ‬وإصلاح‭ ‬عمليات‭ ‬التوظيف‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام،‭ ‬وكذلك‭ ‬ترشيد‭ ‬عمليات‭ ‬الدعم،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬والسعودية‭ ‬وعمان‭.‬

لكن‭ ‬هناك‭ ‬بلدانًا‭ ‬مازالت‭ ‬تعاني‭ ‬تضخّم‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬وتشوّه‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬والاعتماد‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬الإنفاق‭ ‬العام‭ ‬وأدواته،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬ندرج‭ ‬الكويت‭ ‬وقطر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللائحة‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬مازالت‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬ومتطلبات‭ ‬توطين‭ ‬الوظائف‭ ‬والحرف‭ ‬ومعالجة‭ ‬أنظمة‭ ‬التعليم‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬ملائمة‭ ‬لمعالجة‭ ‬الاختلالات‭ ‬البنيوية‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬عمالة‭ ‬وافدة‭ ‬كبيرة‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أوضاع‭ ‬اقتصادات‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭ ‬وسورية‭ ‬ولبنان‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬وغيرها‭ ‬أحسن‭ ‬حالًا‭. ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬عانت‭ ‬الاضطراب‭ ‬السياسي‭ ‬والعنف‭ ‬المحلي‭ ‬والتناقض‭ ‬بين‭ ‬متطلبات‭ ‬الإصلاح‭ ‬وسلوكيات‭ ‬الإدارة‭ ‬الحاكمة‭. ‬أيضًا،‭ ‬توجه‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬مشكلات‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬وتراجع‭ ‬الإمكانات‭ ‬المالية‭.‬

وقد‭ ‬واجه‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬مشكلات‭ ‬الفساد‭ ‬السياسي‭ ‬وهدر‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬بعد‭ ‬زيادة‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط،‭ ‬ناهيك‭ ‬بالصراع‭ ‬الذي‭ ‬عانته‭ ‬البلاد‭ ‬مع‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ (‬داعش‭)‬،‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2014‭ ‬حتى‭ ‬2018،‭ ‬ودمار‭ ‬مدن‭ ‬مثل‭ ‬الفلوجة‭ ‬والرمادي‭ ‬والموصل،‭ ‬وهناك‭ ‬أهمية‭ ‬لدعم‭ ‬الجهود‭ ‬الهادفة‭ ‬للاستقرار‭ ‬وانتخاب‭ ‬مجلس‭ ‬نيابي‭ ‬يمكّن‭ ‬من‭ ‬تولي‭ ‬حكومة‭ ‬إصلاحية‭ ‬تراعي‭ ‬مصالح‭ ‬الشعب‭ ‬بكل‭ ‬مكوناته،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بما‭ ‬يرفع‭ ‬الكفاءة‭ ‬والتمكن‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للمتدفقين‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬الشباب‭.‬

أما‭ ‬سورية،‭ ‬فإنّ‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقد‭ ‬الماضي،‭ ‬وما‭ ‬زال،‭ ‬قد‭ ‬دمّر‭ ‬البنيتين‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتحتية،‭ ‬بما‭ ‬يتطلّب‭ ‬توفير‭ ‬مئات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬لإعادة‭ ‬الإعمار،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬متوافق‭ ‬عليه‭ ‬ومقبول‭ ‬شعبيًا‭.‬

هناك‭ ‬معضلات‭ ‬عدة‭ ‬تواجه‭ ‬قطاعات‭ ‬مهمة‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬والمغرب،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬فإن‭ ‬اقتصادات‭ ‬السياحة‭ ‬والسفر‭ ‬تضررت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬خلال‭ ‬الشهور‭ ‬الماضية،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإنّ‭ ‬أعداد‭ ‬السياح‭ ‬القادمين‭ ‬إلى‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬تراجعت‭ ‬بفعل‭ ‬الإجراءات‭ ‬والمخاوف‭ ‬من‭ ‬الإصابات،‭ ‬لكن‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬يمثّل‭ ‬مصدرًا‭ ‬مهمًا‭ ‬لإيراداتها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القطاع‭ ‬يشكّل‭ ‬مشغلًا‭ ‬مهمًا‭ ‬لتوظيف‭ ‬أعداد‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬العمل‭.‬

 

معالجات‭ ‬بنيوية

مهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر،‭ ‬فإنّ‭ ‬إحياء‭ ‬القطاع‭ ‬السياحي‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬يتطلّب‭ ‬جهودًا‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الخدمات‭ ‬وإبداعًا‭ ‬في‭ ‬التسويق‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬منافسة‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬ذات‭ ‬إمكانية‭ ‬جذب‭ ‬سياحي‭. ‬ويتوقّع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬سلوكيات‭ ‬السفر‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬القادم،‭ ‬وربما‭ ‬تؤدي‭ ‬الإجراءات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالوقاية‭ ‬الصحية‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬تدفق‭ ‬السياح‭ ‬بين‭ ‬البلدان،‭ ‬تواجه‭ ‬بلدان‭ ‬مهمة‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬مشكلات‭ ‬في‭ ‬إنعاش‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬ببلدان‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭ ‬وتونس؟‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تأكيده‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العربي‭ ‬يتطلب‭ ‬معالجات‭ ‬بنيوية‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تعظيم‭ ‬المردود‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة‭ ‬ذات‭ ‬الجدوى‭ ‬والميزات‭ ‬النسبية،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬أوضاع‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬تتطلب‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬وتصحيح‭ ‬المفاهيم‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتعليم،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬فائدة‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬خريجي‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تدنّي‭ ‬أعداد‭ ‬المهنيين‭ ‬والحرفيين‭ ‬وذوي‭ ‬المهارات‭.‬

لن‭ ‬تتمكن‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬الانتعاش‭ ‬وتعزيز‭ ‬فرص‭ ‬التوظف‭ ‬أمام‭ ‬الشباب‭ ‬وتحسين‭ ‬ظروف‭ ‬المعيشة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬ومحاربة‭ ‬والفساد‭ ‬وهيمنة‭ ‬حكومات‭ ‬تتمتع‭ ‬بالنزاهة‭ ‬والصدقية‭ ‬وثقة‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية ■