ما قبل جورج فلويد وما بعده الحكاية الجارحة للضمير الإنساني

ما قبل جورج فلويد وما بعده الحكاية الجارحة للضمير الإنساني

مَن‭ ‬منّا‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬كونتا‭ ‬كونتي‭ ‬بطل‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الجذور‮»‬‭ ‬الشهيرة‭ ‬لكاتبها‭ ‬أليكس‭ ‬هيلي،‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬عشرين‭ ‬طبعة‭ ‬خلال‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬صدورها‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬والتي‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬مسلسل‭ ‬ناجح‭ ‬حقق‭ ‬أعلى‭ ‬نسبة‭ ‬مشاهدة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬بلغت‭ ‬130‭ ‬مليون‭ ‬مشاهد‭ (‬ويكيبيديا‭)‬؟

‮«‬كونتا‮»‬‭ ‬الصغير‭ ‬المولود‭ ‬في‭ ‬جامبيا‭ ‬هو‭ ‬حفيد‭ ‬كيرابا‭ ‬كونتا‭ ‬كونتي،‭ ‬الموريتاني‭ ‬المسلم،‭ ‬ووالده‭ ‬أمور،‭ ‬وربما‭ ‬أصل‭ ‬الاسم‭ ‬عُمر‭! ‬ووالدته‭ ‬اسمها‭ ‬بنتا،‭ ‬غير‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬كلمة‭ ‬البنت‭! ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تهدهد‭ ‬ولدها‭ ‬في‭ ‬حضنها‭ ‬وتغنّي‭ ‬له‭ ‬بحنانٍ‭ ‬أبيضَ‭ ‬كلون‭ ‬حليب‭ ‬ثديها‭:‬

يا‭ ‬طفلي‭ ‬المبتسم

المُسمّى‭ ‬على‭ ‬اسم‭ ‬جدٍ‭ ‬نبيل

صياد‭ ‬عظيم‭ ‬أو‭ ‬محارب‭ ‬ستصبح‭ ‬يومًا

وستعطي‭ ‬والدك‭ ‬الفخر

ولكن‭ ‬دائما‭ ‬سأتذكرك‭ ‬هكذا

‮«‬كونتا‮»‬‭ ‬الصغير‭ ‬يُختطف‭ ‬ويباع‭ ‬كعبد‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬وينسى‭ ‬مثل‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬أمثاله‭ ‬معنى‭ ‬الابتسام،‭ ‬وأمّه‭ ‬التي‭ ‬أرادت‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صيّادا‭ ‬قد‭ ‬خاب‭ ‬أملها‭ ‬حينما‭ ‬اصطاد‭ ‬تجار‭ ‬الرقيق‭ ‬ابنها‭ ‬من‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬الغربي،‭ ‬لكنّه‭ ‬على‭ ‬رغم‭ ‬محنته‭ ‬وشقائه‭ ‬ومصائبه‭ ‬ومعاناته،‭ ‬يحقق‭ ‬لوالده‭ ‬وللأفارقة‭ ‬السود‭ ‬وللإنسانية‭ ‬جمعاء‭ ‬ملحمة‭ ‬فخار‭ ‬وعزّ،‭ ‬وبطولة‭ ‬قلَّ‭ ‬مثيلها،‭ ‬وألحق‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬أبدية‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬الإنسان‭ ‬الأبيض،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬سيرته‭ ‬التاريخية‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬تلطخ‭ ‬خصلات‭ ‬الشعر‭ ‬الشقراء‭ ‬بالسواد‭ ‬والقار‭.‬

 

ظلال‭ ‬من‭ ‬الأمس‭ ‬البعيد

خمسة‭ ‬قرون،‭ ‬وعذاب‭ ‬السود‭ ‬الأفارقة‭ ‬يلاحقهم‭ ‬كلعنة‭ ‬أبدية‭ ‬بسبب‭ ‬زيادة‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬مادة‭ ‬الميلانين‭ ‬في‭ ‬بشرتهم‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وزمان‭ ‬وفي‭ ‬أعتى‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الشقراء،‭ ‬وفي‭ ‬تاريخنا‭ ‬كعرب،‭ ‬ومنذ‭ ‬العصر‭ ‬الجاهلي،‭ ‬والوعي‭ ‬الإنساني‭ ‬المنحرف‭ ‬يمارس‭ ‬أبشع‭ ‬أشكال‭ ‬الدناءة‭ ‬ضد‭ ‬غربان‭ ‬العرب،‭ ‬وأقصد‭ ‬السلّيك‭ ‬والشّنفرى‭ ‬وعنترة‭ ‬بن‭ ‬زبيبة‭ ‬الحبشية‭ ‬الذي‭ ‬صرخ‭ ‬واحتج‭: ‬

 

تعيّرني‭ ‬العدا‭ ‬بسَواد‭ ‬جلدي‭ 

وبيض‭ ‬خصائلي‭ ‬تمحو‭ ‬السّوادا

وكما‭ ‬اصطاد‭ ‬القراصنة‭ ‬الأنجلوسكسون‭ ‬والإسبان‭ ‬والبرتغاليون‭ ‬والهولنديون‭ ‬بالشباك‭ ‬زنوج‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬لنقلهم‭ ‬إلى‭ ‬القارة‭ ‬الجديدة‭ ‬المُكتشفة‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى‭ ‬للاتجار‭ ‬والبيع‭ ‬في‭ ‬المزادات‭ ‬العلنية،‭ ‬فعل‭ ‬العرب‭ ‬واصطادوا‭ ‬زنوج‭ ‬الساحل‭ ‬الشرقي‭ ‬وأحضروهم‭ ‬عبيدًا‭ ‬وخدمًا‭ ‬وأُجراء‭ ‬أرض‭ ‬وأرقّاء‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬البصرة،‭ ‬حاضرة‭ ‬الدولة‭ ‬العباسية،‭ ‬وهناك‭ ‬انتفض‭ ‬اللون‭ ‬الأسود‭ ‬وثار‭ ‬الزنج‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬الميلادي،‭ ‬وأقاموا‭ ‬دولة‭ ‬امتدت‭ ‬حدودها‭ ‬إلى‭ ‬مشارف‭ ‬بغداد،‭ ‬ونكّل‭ ‬الرقيق‭ ‬السود‭ ‬بالسادة‭ ‬البيض‭ ‬ونهشوا‭ ‬لحومهم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يفعله‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬زنوج‭ ‬أمريكا‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬عبيدًا‭ ‬وأرقّاء،‭ ‬قبل‭ ‬مقتل‭ ‬جورج‭ ‬فلويد‭ ‬وبعده،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يدري‭ ‬إلى‭ ‬متى‭.‬

يقول‭ ‬د‭. ‬فيصل‭ ‬السامر‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬ثورة‭ ‬الزنج‮»‬‭: ‬‮«‬عُرف‭ ‬الرقّ‭ ‬كمظهر‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬البشرية‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬العصور‭. ‬الحرب‭ ‬كانت‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭. ‬وهكذا‭ ‬نجد‭ ‬الاسترقاق‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭ ‬ووادي‭ ‬الرافدين،‭ ‬وفي‭ ‬الهند،‭ ‬حيث‭ ‬اعترفت‭ ‬به‭ ‬شريعة‭ ‬مانو،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬وفارس‭ ‬وبلاد‭ ‬العبرانيين،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبره‭ ‬أنبياء‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الثروة‭ ‬والغنى‮»‬‭.‬

‭ ‬ويتجاوز‭ ‬مفهوم‭ ‬الرقّ،‭ ‬في‭ ‬جوهره،‭ ‬فلسفيًا‭ ‬وفكريًا‭ ‬واجتماعيًا،‭ ‬لون‭ ‬البشرة،‭ ‬لكنّ‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬تاريخيًا‭ ‬تماهى‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬مع‭ ‬لون‭ ‬البشرة‭ ‬السوداء،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬تناول‭ ‬د‭. ‬محمود‭ ‬السمرة‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬87‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬وكتب‭ ‬‮«‬الإقطاعيون‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البصرة‭ ‬ذات‭ ‬الأراضي‭ ‬الشاسعة‭ ‬الواسعة،‭ ‬أخذوا‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬أيد‭ ‬عاملة‭ ‬رخيصة،‭ ‬فوجدوا‭ ‬ضالّتهم‭ ‬في‭ ‬زنج‭ ‬شرقيّ‭ ‬إفريقية،‭ ‬فأخذوا‭ ‬يجلبونهم‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬البصرة‭ ‬بعشرات‭ ‬الألوف‮»‬‭.‬

  ‬وازدهرت‭ ‬أسواق‭ ‬النخاسة،‭ ‬على‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬هيّأ‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬عادلة‭ ‬تكفل‭ ‬للعبيد‭ ‬حقوقهم‭ ‬الشرعية،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬السود‭ ‬صحابة‭ ‬وفقهاء،‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬هؤلاء‭ ‬الحبشي‭ ‬بلال‭ ‬الذي‭ ‬دعاه‭ ‬نبينا‭ ‬محمد‭ [ ‬لإقامة‭ ‬الأذان‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرّفة‭ ‬بعد‭ ‬فتح‭ ‬مكة،‭ ‬وصلّى‭ ‬مع‭ ‬الرسول‭ ‬العربي‭ ‬الكريم‭ ‬داخلها‭.‬

 

عبيد‭ ‬الأرض

منذ‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬الأمريكية‭ ‬حوالي‭ ‬الأعوام‭ ‬1861‭ - ‬1865‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬لينكولن،‭ ‬كان‭ ‬عبيد‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬الجنوبية‭ ‬هم‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬اندلاعها،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬الشمالية‭ ‬رغبت‭ ‬في‭ ‬تحريرهم‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الولايات‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وذلك‭ ‬لتشغيلهم‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬الشمال‭ ‬الصناعية،‭ ‬وخلال‭ ‬قرن‭ ‬ونصف‭ ‬القرن‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬والسود‭ ‬الأفارقة‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الثورة‭ ‬المؤجلة‭. ‬

أمّا‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تنفجر‭ ‬الثورة‭ ‬السوداء‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬بعدما‭ ‬علّمهم‭ ‬كونتا‭ ‬كونتي‭ ‬فلسفة‭ ‬التمرد،‭ ‬فإنّ‭ ‬الأمر‭ ‬يعزى‭ ‬إلى‭ ‬فلسفة‭ ‬القسّ‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينغ‭ ‬المسالمة‭ ‬والنابذة‭ ‬لسلوك‭ ‬العنف،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬اغتيل‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬قال‭: ‬‮«‬العنف‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬منحطًا‭ ‬أخلاقيًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عقيم‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العملية‭ ‬أيضًا‮»‬،‭ ‬ويعزى‭ ‬أيضًا‭ ‬لعقيدة‭ ‬السود‭ ‬المسلمين‭ - ‬عدا‭ ‬حركة‭ ‬النمور‭ ‬السود‭ ‬الراديكالية‭ ‬التي‭ ‬تعقّبتها‭ ‬قوى‭ ‬الأمن‭ ‬الفدرالي‭ ‬واجتثتها‭ ‬اجتثاثًا‭ - ‬لأنّ‭ ‬القياديين‭ ‬المسلمين‭ ‬جنحوا‭ ‬إلى‭ ‬المطالبة‭ ‬بحقوقهم‭ ‬المدنية‭ ‬التي‭ ‬نصّت‭ ‬عليها‭ ‬التعديلات‭ ‬الدستورية‭ ‬رقم‭ ‬13‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1865،‭ ‬والتي‭ ‬ألغت‭ ‬الرقّ‭ ‬رسميًا،‭ ‬ثم‭ ‬التعديلان‭ ‬14‭ ‬و15‭ ‬لتأكيد‭ ‬حق‭ ‬التصويت‭ ‬والانتخاب‭ ‬للسود،‭ ‬وهذه‭ ‬التعديلات‭ ‬المنصفة‭ ‬أجّلت‭ ‬احتمال‭ ‬اندلاع‭ ‬العنف‭ ‬والعصيان،‭ ‬وربما‭ ‬الثورة‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬الحراك‭ ‬كان‭ - ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ - ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬المدونات‭ ‬والأدبيات،‭ ‬أما‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعتمل‭ ‬في‭ ‬النفوس،‭ ‬فقد‭ ‬جسّده‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬الفيديو‭ ‬القصير‭ ‬للضابط‭ ‬الأبيض‭ ‬وهو‭ ‬يضع‭ ‬ركبته‭ ‬على‭ ‬عنق‭ ‬الأسود‭ ‬جورج‭ ‬فلويد‭ ‬وهو‭ ‬يستجير‭ ‬ويصرخ‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬دعني‭ ‬أتنفس‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬لاحقًا‭ ‬إلى‭ ‬موته‭.‬

 

أمريكا‭ ‬بلد‭ ‬المتناقضات

هذا‭ ‬عنوان‭ ‬كتاب‭ ‬مهم‭ ‬وموضوعي‭ ‬ورصين‭ ‬وشامل‭ ‬للأستاذ‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬جنوب‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬د‭.‬مازن‭ ‬موفق‭ ‬هاشم،‭ ‬وهو‭ ‬باحث‭ ‬قدير‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أشرت‭ ‬إلى‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مقالاتي‭ ‬الشهرية‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أكتبها‭ ‬لمجلة‭ ‬الكويت،‭ ‬وأنقل‭ ‬من‭ ‬فصله‭ ‬الثالث‭ ‬وعنوانه‭ ‬‮«‬الإثنيات‭ ‬الأصلية‭ ‬بين‭ ‬الاعتراف‭ ‬والنكران‮»‬‭ ‬مقتطفات‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬خفي‭ ‬في‭ ‬الصدور‭ ‬البيضاء،‭ ‬ضد‭ ‬لون‭ ‬وضمير‭ ‬وفكر‭ ‬وسلوك‭ ‬العرق‭ ‬الأسود‭ ‬بالمطلق‭.‬

يكتب‭ ‬الباحث‭ ‬هاشم،‭ ‬نقلاً‭ ‬عن‭ ‬مراجع‭ ‬إنكليزية‭ ‬موثوقة‭:‬

‭- ‬إن‭ ‬صلب‭ ‬حركة‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬قضية‭ ‬الأفارقة‭ ‬المظلومين‭ ‬الذين‭ ‬جمعهم‭ ‬الأسى‭ ‬وتاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬والقهر‭ ‬والتنكيل‮»‬‭.‬

‭- ‬وجود‭ ‬الأفارقة‭ ‬السود‭ ‬مرّ‭ ‬بمراحل،‭ ‬آخرها‭ ‬‮«‬مرحلة‭ ‬العولمة‭ ‬والنكوص‭ ‬عن‭ ‬إنجازات‭ ‬حركة‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭... ‬منذ‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.. ‬وعودة‭ ‬العصبية‭ ‬البيضاء‭ ‬التي‭ ‬تبغي‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬امتيازاتها‮»‬‭.‬

‭- ‬وفي‭ ‬البدايات‭ ‬كانت‭ ‬قوافل‭ ‬السود‭ ‬تُساق‭ ‬‮«‬إلى‭ ‬أسواق‭ ‬النخاسة،‭ ‬حيث‭ ‬يوضع‭ ‬الفرد‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الشراء‭ ‬يتفحصون‭ ‬عضلاته‭ ‬وقدراته‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬كما‭ ‬يفحصون‭ ‬قدرته‭ ‬الإنجابية‮»‬‭.‬

‭- ‬وكان‭ ‬الظلم‭ ‬الفادح‭ ‬قد‭ ‬دفع‭ ‬بعض‭ ‬السود‭ ‬إلى‭ ‬أفعال‭ ‬غير‭ ‬محمودة‭ (‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬انتحر‭ ‬راميًا‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬بعض‭ ‬النساء‭ ‬بإجهاض‭ ‬حملهنّ‭ ‬كيلا‭ ‬يعرّضن‭ ‬جيلًا‭ ‬آخر‭ ‬للعبودية‭).‬

‭- ‬والمجموعة‭ ‬البيضاء‭ ‬‮«‬بدأت‭ ‬تُسنّ‭ ‬القوانين‭ ‬بشأن‭ ‬السود‭ ‬الآبقين‭ ‬خاصة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الاعتقاد‭ ‬السائد‭ ‬بأن‭ ‬السود‭ ‬ذوو‭ ‬طبيعة‭ ‬شريرة،‭ ‬واعتقاد‭ ‬الكنيسة‭ ‬أنهم‭ ‬ليست‭ ‬لهم‭ ‬روح،‭ ‬والاعتقاد‭ ‬العلمي‭ ‬آنذاك‭ ‬بأنهم‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬أدنى‭ ‬في‭ ‬سلّم‭ ‬التطور‭ ‬البشري‭ ‬الدارويني‮»‬‭.‬

‭- ‬‮«‬أضحت‭ ‬التجارة‭ ‬بالرقيق‭ ‬مربحة‭ ‬في‭ ‬حدّ‭ ‬ذاتها،‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬ضيقت‭ ‬على‭ ‬السود‭ ‬واعتبرتهم‭ ‬أرقاء‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‮»‬‭.‬

‭- ‬ومن‭ ‬العوامل‭ ‬الضاغطة‭ ‬‮«‬تزايد‭ ‬عدد‭ ‬السود‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭... ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬حفيظة‭ ‬البيض‭ ‬وجعلهم‭ ‬يتهيّبون‭ ‬من‭ ‬السود،‭ ‬ويشعرون‭ ‬بالتهديد‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬وجودهم‭ ‬الطاغي‭ ‬واحتمال‭ ‬ثورتهم‮»‬‭.‬

‭- ‬‮«‬وفيما‭ ‬بين‭ ‬أعوام‭ ‬1660‭ - ‬1860‭ ‬جرت‭ ‬200‭ ‬انتفاضة‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬1200‭ ‬عملية‭ ‬خُطّط‭ ‬لها،‭ ‬ولم‭ ‬يُتمكن‭ ‬من‭ ‬تنفيذها‮»‬‭.‬

‭- ‬‮«‬إن‭ ‬كلًّا‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬والجنوب‭ ‬كانا‭ ‬يعتقدان‭ ‬بأن‭ ‬السود‭ ‬مهيؤون‭ ‬خلقة‭ ‬للاستعباد‭ ‬والخدمة‮»‬،‭ ‬و«توجّس‭ ‬الخطر‭ ‬من‭ ‬ثورة‭ ‬السود‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬الفئة‭ ‬البيضاء‮»‬،‭ ‬و«تعلم‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬كان‭ ‬محرّمًا‭ ‬على‭ ‬السود‮»‬‭.‬

‭- ‬ومرَّ‭ ‬السود‭ ‬بمراحل‭ ‬محرجة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬التفرقة‭ ‬Segregation‭ ‬‮«‬لأنّ‭ ‬لهم‭ ‬منزلة‭ ‬مقررة‭ ‬كجنس‭ ‬منحط‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬بشرية‭ ‬البيض‭ ‬والأوربيين‭. ‬وحوصروا‭ - ‬بأعراف‭ ‬عنصرية‭ ‬جديدة‭ ‬تحفظ‭ ‬نظام‭ ‬فصل‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ - ‬من‭ ‬المطعم‭ ‬إلى‭ ‬المرحاض‮»‬،‭ ‬وانبثقت‭ ‬عصابات‭ ‬إرهابية‭ ‬من‭ ‬البيض‭ ‬لتقتص‭ ‬من‭ ‬المخالفين‭ ‬السود،‭ ‬‮«‬وأشهر‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬هي‭ ‬عصابة‭ ‬الـ‭ ‬Ku‭  ‬Klux Klan‭ ‬التي‭ ‬شكّلت‭ ‬عام‭ ‬1866‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الصفاء‭ ‬العرقي‭ ‬الأبيض‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬انتمى‭ ‬إليها‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬البيض‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬المقتطفات‭ ‬الحرفية‭ ‬غيض‭ ‬من‭ ‬فيض،‭ ‬إذ‭ ‬جرى‭ ‬خلال‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬تدجين‭ ‬الأفارقة‭ ‬وتدمير‭ ‬ثقافتهم،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬جرى‭ ‬تدمير‭ ‬ثقافة‭ ‬سكان‭ ‬أمريكا‭ ‬الأصليين‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭ ‬الهمجيين،‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬رفع‭ ‬سويتهم‭ ‬الحضارية‭. ‬وما‭ ‬وضع‭ ‬ركبة‭ ‬الضابط‭ ‬الأبيض‭ ‬فوق‭ ‬عنق‭ ‬جورج‭ ‬فلويد،‭ ‬سوى‭ ‬حصيلة‭ ‬قهرٍ‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬وثقافة‭ ‬رأسمالية‭ ‬بيضاء‭ ‬مريضة‭ ‬بداء‭ ‬المنافع‭ ‬والمصالح‭ ‬والاعتزاز‭ ‬الزائف‭ ‬بعلوّ‭ ‬العرق‭ ‬الأبيض‭ ‬الأنجلوسكسوني‭ ‬البروتستانتي‭ (‬الواسب‭) ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أودى‭ ‬بحياة‭ ‬الأسود‭ ‬فلويد‭.‬

 

مطارحات‭ ‬في‭ ‬السياق

من‭ ‬المؤلم‭ ‬حقًا‭ ‬أن‭ ‬السود‭ ‬أيضًا‭ ‬تناحروا‭ ‬وانقسموا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬بعد‭ ‬اغتيال‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينغ،‭ ‬وتاجروا‭ ‬بانتهازية‭ ‬مفضوحة‭ ‬بكل‭ ‬حقوقهم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وقد‭ ‬نشرت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬دراسة‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ (‬العدد‭ ‬200‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬علم‭ ‬الهدى‭ ‬حماد‭: ‬‮«‬أصبح‭ ‬الثوريون‭ ‬السود‭ ‬مشغولين‭ ‬بالصراع‭ ‬والحرب‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬وليس‭ ‬لديهم‭ ‬الوقت‭ ‬والطاقة‭ ‬لخوض‭ ‬المعركة‭ ‬الأصلية‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬البيض‮»‬‭.‬

‭ ‬والأكثر‭ ‬إيلامًا‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬تكرّر‭ ‬بألوان‭ ‬وأطياف‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬بحكم‭ ‬العدوى،‭ ‬وعلى‭ ‬يد‭ ‬الإسبان‭ ‬والبرتغاليين‭ ‬والوسطاء‭ ‬الهولنديين‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬د‭. ‬محمود‭ ‬علي‭ ‬مكي‭ ‬نقلًا‭ ‬عن‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬222‭: ‬‮«‬أصبحت‭ ‬بلاد‭ ‬إفريقيا‭ ‬السوداء‭ ‬بمنزلة‭ ‬نهر‭ ‬غزير‭ ‬يغترف‭ ‬البرتغاليون‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬شاؤوا‭ ‬من‭ ‬عبيد،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬أصبحت‭ ‬تجارة‭ ‬الرقيق‭ ‬تتمتع‭ ‬بحماية‭ ‬العرش‭ ‬البرتغالي‭... ‬ومنذ‭ ‬سنة‭ ‬1662‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسبانية‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬منح‭ ‬تراخيص‭ ‬احتكار‭ ‬تجارة‭ ‬الرقيق‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الأوربية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وقد‭ ‬ظفرت‭ ‬المؤسسات‭ ‬الهولندية‭ ‬بنصيب‭ ‬الأسد‭. ‬وتعهّد‭ ‬‮«‬الموردون‮»‬‭ ‬الهولنديون‭ ‬بإدخال‭ ‬عدد‭ ‬سنوي‭ ‬من‭ ‬الرؤوس‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬3500‭ ‬و6000‭ ‬قطعة‭... ‬وهكذا‭ ‬كان‭ ‬يسمّى‭ ‬الرأس‭ ‬من‭ ‬رؤوس‭ ‬العبيد‮»‬‭. ‬

ومجلة‭ ‬العربي‭ ‬السبّاقة‭ ‬دائمًا‭ ‬إلى‭ ‬مواكبة‭ ‬الوقائع‭ ‬والأحداث‭ ‬والأفكار،‭ ‬تناولت‭ ‬بقلم‭ ‬مؤسسها‭ ‬ورئيس‭ ‬تحريرها‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬زكي،‭ ‬يرحمه‭ ‬الله،‭ ‬إشكالية‭ ‬العنصرية‭ ‬بكل‭ ‬أبعادها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والجغرافية،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬افتتاحية‭ ‬العدد‭ ‬96‭ ‬عام‭ ‬1966،‭ ‬ونبّه‭ ‬الكاتب‭ ‬المرموق‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬قائلًا‭: ‬‮«‬لون‭ ‬الجلد‭ ‬قسّم‭ ‬الدنيا‭ ‬اليوم‭ ‬فصارت‭ ‬دَنْيَوَيْن‭... ‬فليس‭ ‬في‭ ‬أمة‭ ‬البيض‭ ‬مَن‭ ‬لا‭ ‬يخشى‭ ‬يقظة‭ ‬الصُّفر‭ ‬والسُّمر‭ ‬والسود‭... ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الدنيا‭ ‬اليوم،‭ ‬وقد‭ ‬تقسمت،‭ ‬وسوف‭ ‬تزيدها‭ ‬الأيام‭ ‬تقسيمًا‭. ‬ولا‭ ‬ينجّيها‭ ‬من‭ ‬وبال‭ ‬ذلك‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬تتقارب‭ ‬الثقافات‭ ‬وتتشكل‭ ‬المدنيات‮»‬‭. ‬

 

شهدَ‭ ‬شاهدٌ‭ ‬من‭ ‬أهلها‭ ‬

‭ ‬تلعب‭ ‬الصورة‭ ‬المعززة‭ ‬بالمهارة‭ ‬وسرعة‭ ‬الانتشار‭ ‬والتداول‭ ‬الواسع‭ ‬دورًا‭ ‬هائلًا‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬توجّهات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحاضر،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الفيديو‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬ضجة‭ ‬كبيرة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الكلمة‭ ‬أن‭ ‬تفعله،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تراجع‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬أصقاع‭ ‬العالم‭ ‬كافة،‭ ‬وعلى‭ ‬رُغم‭ ‬ذلك‭ ‬يبقى‭ ‬للكلمة‭ ‬أنصارها،‭ ‬وأنا‭ ‬منهم‭.‬

في‭ ‬كتاب‭ ‬مايكل‭ ‬مور‭ ‬الشهير‭ ‬بعنوانه‭ ‬اللافت‭ ‬‮«‬رجال‭ ‬بيض‭ ‬أغبياء‮»‬،‭ ‬يروي‭ ‬الكاتب‭ ‬قصصًا‭ ‬وحكايات‭ ‬كثيرة‭ ‬موثقة‭ ‬غريبة‭ ‬عن‭ ‬استهداف‭ ‬البيض‭ ‬للسود‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وسجنهم‭ ‬أو‭ ‬قتلهم‭ ‬بالخطأ،‭ ‬وهم‭ ‬أبرياء‭ ‬تمامًا،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ترفّ‭ ‬جفونهم‭. ‬

الحكاية‭ ‬الأولى‭ ‬حول‭ ‬مقتل‭ ‬الأسود‭ ‬البريء‭ ‬جون‭ ‬آدامز‭ ‬مساء‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬ليبانون،‭ ‬بعد‭ ‬مداهمة‭ ‬واقتحام‭ ‬وحدة‭ ‬من‭ ‬مكافحة‭ ‬المخدرات‭ ‬منزله‭ ‬الكائن‭ ‬في‭ ‬70‭ ‬شارع‭ ‬جوزيف،‭ ‬وإطلاق‭ ‬النار‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬كرسيه‭ ‬الجلدي‭ ‬المتحرك‭ ‬لمشاهدة‭ ‬أخبار‭ ‬المساء‭ ‬على‭ ‬التلفاز‭. ‬لقد‭ ‬أخطأت‭ ‬شرطة‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬عنوان‭ ‬المنزل،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬المقصود‭ ‬في‭ ‬المداهمة‭ ‬المنزل‭ ‬الكائن‭ ‬في‭ ‬1120‭ ‬شارع‭ ‬جوزيف‭! ‬

الحكاية‭ ‬الثانية‭ ‬حول‭ ‬إصدار‭ ‬الحكم‭ ‬بالسجن‭ ‬المؤبد‭ ‬لمئتي‭ ‬عام‭ (!) ‬على‭ ‬اللص‭ ‬الأسود‭ ‬أنتوني‭ ‬ليمار‭ ‬تايلور،‭ ‬الذي‭ ‬انتحل‭ ‬شخصية‭ ‬أسود‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬نجم‭ ‬الغولف‭ ‬تايغر‭ ‬وودس،‭ ‬واستخدم‭ ‬شهادة‭ ‬سواقة‭ ‬وبطاقات‭ ‬اعتماد‭ ‬مزورة،‭ ‬وذلك‭ ‬بحجة‭ ‬قانون‭ ‬‮«‬الضربات‭ ‬الثلاث‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬الحكم‭ ‬بالمؤبد‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يرتكب‭ ‬ثلاثة‭ ‬أفعال‭ ‬جُرمية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬الفقراء‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الأفارقة‭! ‬ويعلّق‭ ‬مور‭ ‬ساخرًا‭: ‬‮«‬لم‭ ‬يُرسل‭ ‬أي‭ ‬مسؤول‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭ ‬المؤبد‭ ‬بعد‭ ‬إمساكه‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬يلوّث‭ ‬نهرًا‭ ‬أو‭ ‬يسرق‭ ‬زبائنه‮»‬‭.‬

الحكاية‭ ‬الثالثة‭ ‬حول‭ ‬المختل‭ ‬عقليًا‭ ‬الأسود‭ ‬كيري‭ ‬ساندرز،‭ ‬من‭ ‬أهالي‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬المصحات‭ ‬العقلية‭ ‬للعلاج‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يشفى‭. ‬فقد‭ ‬اعتُقل‭ ‬الرجل‭ ‬لتعدّيه‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬لا‭ ‬يحق‭ ‬له‭ ‬دخوله‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬ولسوء‭ ‬حظه‭ ‬تزامن‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬هرب‭ ‬مجرم‭ ‬أسود‭ ‬وقاتل‭ ‬من‭ ‬سجن‭ ‬نيويورك‭ ‬اسمه‭ ‬روبرت‭ ‬ساندرز،‭ ‬ويجمع‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬تطابق‭ ‬يوم‭ ‬ميلاديهما‭ ‬فقط‭.‬

‭ ‬ولأنّ‭ ‬كيري‭ ‬غير‭ ‬مُدرك‭ ‬لأفعاله‭ ‬ومجنون‭ ‬ومختل،‭ ‬فإنه‭ ‬يوقّع‭ ‬بخربشة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬وثيقة‭ ‬يعترف‭ ‬فيها‭ ‬بأنه‭ ‬هو‭ ‬روبرت‭ ‬ساندرز،‭ ‬وتسلّمه‭ ‬شرطة‭ ‬لوس‭ ‬أنجلوس‭ ‬إلى‭ ‬شرطة‭ ‬نيويورك‭ ‬لإكمال‭ ‬محكومية‭ ‬المجرم‭ ‬الهارب‭ ‬روبرت‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬مزود‭ ‬بتدابير‭ ‬أمنية‭ ‬مشددة،‭ ‬حيث‭ ‬يقضي‭ ‬سنتين‭ ‬تعرّض‭ ‬خلالهما‭ ‬للاعتداء‭ ‬الجنسي‭ ‬من‭ ‬مسجونين‭ ‬آخرين،‭ ‬ولم‭ ‬يكشف‭ ‬الخطأ‭ ‬الفادح‭ ‬إلّا‭ ‬بعد‭ ‬إلقاء‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬المجرم‭ ‬الفارّ‭ ‬روبرت‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬وأفرج‭ ‬عن‭ ‬كيري‭ ‬المسكين‭ ‬بعد‭ ‬إعادة‭ ‬التحقيق‭. ‬يقول‭ ‬مور‭ ‬في‭ ‬كتابه‭. ‬‮«‬ولكن،‭ ‬هاي،‭ ‬إنهم‭ ‬السود‭ ‬جميعًا‭ ‬متشابهون،‭ ‬أليس‭ ‬كذلك؟‮»‬‭.‬

 

خاتمة

أمريكا‭ ‬فعلًا‭ ‬مُحيّرة،‭ ‬إمبراطورية‭ ‬عُظمى‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬التاريخ‭ ‬لها‭ ‬مثيلًا،‭ ‬أغنى‭ ‬وأقوى‭ ‬دولة،‭ ‬وتقود‭ ‬خُطى‭ ‬العلم‭ ‬والصناعة‭ ‬والتجارة‭ ‬والزراعة‭ ‬والمصارف‭ ‬والإعلام‭ ‬والسينما‭ ‬والتطوير،‭ ‬ويصل‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬رئيس‭ ‬لا‭ ‬يتقن‭ ‬الكتابة‭ ‬والقراءة‭ ‬هو‭ ‬الرئيس‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬أندرو‭ ‬جونسون‭! ‬

بلد‭ ‬تحتل‭ ‬جامعاته‭ ‬المراكز‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬وفيه‭ ‬أعلى‭ ‬نسبة‭ ‬مساجين‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ويعاني‭ ‬انتشار‭ ‬آفات‭ ‬مرعبة‭ ‬كالمخدرات‭ ‬والشذوذ‭.‬

أمريكا‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬كونتا‭ ‬كونتي‭ ‬إلى‭ ‬جورج‭ ‬فلويد،‭ ‬تقود‭ ‬الكون‭ ‬وتملي‭ ‬ثقافتها‭ ‬عليه،‭ ‬وهي‭ ‬الشرطي‭ ‬المتين‭ ‬الذي‭ ‬يضع‭ ‬ركبته‭ ‬على‭ ‬عنق‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تتنفس‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬رئة‭ ‬دولارها‭ ‬الباذخ،‭ ‬وتئن‭ ‬الساحات‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬وثقل‭ ‬صوت‭ ‬‮«‬البنتاغون‮»‬‭ ‬على‭ ‬مسامعها‭. ‬أمريكا‭ ‬الرائعة،‭ ‬تبدو‭ ‬اليوم‭ ‬جامعة‭ ‬مانعة‭ ‬طامعة‭ ‬وبالعة‭! ‬■