عقلٌ جديد

تركتُ ذكائي لطفلٍ جديدٍ
حذفتُ خيوطَ التعاسة
أبقيتُ نهرَ السعادة يجري
فسبعونَ عامًا مضتْ كالثواني
وما من جديدٍ بنهر الأغاني
رَشَشْتُ عليه
قُطيرات نُبلٍ ومَجْدٍ
وبعضَ تفاؤلْ
ولونَ النجوم
وتسبيحَ سائلْ
وأبقيتُهُ في خيالي
وأطعمْتُه من غيوم الغُبار المُشعّ
على العالَمينَ
ليُصبحَ طفلًا يُسابقُ عصرَهُ
يعرفُ سرَّ المعارف،
سرَّ القلوب المُشعَّة تحت العيون
وسرَّ انفجارِ الشّفاه
إذا جاءَ نَجمٌ شديدُ الضياء
يقبّلُ كفَّ الحنين
ويعرفُ تاريخَ هذا السديم
***
تركتُ ذكائي لعقلٍ جديدٍ
يُرتّبُ أوضاعَ كلّ البشَرْ
يُعدّلُ من ذكريات القَدَرْ
ومن جاذبيّة هذا القَمَرْ
ويحذفُ صفرَ المَشاعر
من عُمق هذا الصَّخَرْ
يُعيدُ الحياةَ لسالبِ بعض الحَجَرْ
يدورُ مع الشمس في حزمةٍ
من ضياء السَّحَر
وفي رقصةٍ من ربيع الشَّجَرْ
***
تركتُ ذكائي لطفلٍ يطوّرُ هذا الذكاءَ
لعقلٍ تخلَّى عن الحاسبات
وراحَ يغيّرُ موجات ضغط الهواء
يُزيحُ الخيالَ القديمَ
عن الأمنيات
ويكتبُ شعرًا جديدًا
قصائدَ من روح أحلامنا
وليستْ من المتنبيّ
ولا من صلاحٍ
ولا أدونيسَ
ولا بودليرَ
قصائدَ عن أحرفٍ صاغَها الضوءُ
قبل انتحار المدار على كوكبٍ
من شموعْ
قصائدَ ليستْ تضيعُ
ولا تحترقْ...
ولا تنطلقْ...
من فراغٍ عقيمْ
***
تركتُ ذكائي لطفلٍ يتيمْ
يُنظّمُ أفكارَه في دمَاغي
يشفُّ كما الماء
يعلو على الصَّنَمية كي يَكتملْ
ويقرأُ كلَّ العقول
ونبضَ القلوب
بدون انتقاءْ
ويعرفُ أسرارَ رملِ الصَّحارى
ورمل الشواطي
يُوشْوشُ موجَ البحار
ويعكسُ ضوءَ الشموس على جبهتي
ويطوي الفضاءَ كطَيّ السّجل
ويدخلُ كالمُحّ في جوف بيضةْ
يُعيدُ اكتشافَ المَدارْ
بُعَيد انشطارٍ، بُعَيد انفجارْ
يُهندسُ كونًا سيبزغُ بعد غيومٍ
وبعدَ بروقٍ، صواعقَ، مستنقعاتٍ،
وطول انصهارْ
هو الطفلُ يرنو إليَّ
ويخشى ذكائي وعقلي وفكري
يقولُ لأترابه بعد انْحسار الرياح:
هذا الرجلُ حزينٌ
ويرى العالمَ فيلمًا سينمائيًّا
بخيالٍ لا علميّ
ويظنُّ بأنَّ دمائي ليستْ بشريَّة
وأني أملكُ تقنيات الليزر
وعيونًا مغناطيسيَّة
معْ أنّ عيوني عسَليَّة -
أو أملكُ روحًا شيطانيَّة
أو روحَ ملاكٍ تسري في الأشياء
وفي الأنهار وفي الأجواءْ
تتنزَّلُ بَردًا وسَلامًا عند صلاة الفجر
***
لم يدرِ الرَّجلُ بأنّي
لستُ ذكيّا
لستُ نبيّا
أنّي ألتزمُ العزلةَ عن عالمهم
وأجيءُ هنا كلَّ خميسٍ لأقابلَكم
كي أتنفَّسَ بحرَا
أتنفَّسَ وردَا
أتنفسَ حرّيَّة
وأُقابلَ حبّي الأوحدَ
وهْو يريدُ يُكبّلُني بذكاءٍ رَجعي
أرْوعَ لحظات حياتي
أن أرتشفَ الشايَ أمامَ البحر
لا أن أعرفَ ممَّا يتكوّنُ هذا الشايُ
وكيفَ أحلّلُ قطرةَ ماءٍ
بعد رجوع المَدّ
وأُخلّصُها من أوجاع الرَّمل
لستُ ذكيًّا بالقدر الكافي
لأصاحبَ هذا الرجلَ الواهمَ
فأنا لستُ نبيًّا
وهْو... ليسَ الخضر ■