فاوستو زونارو خاتم المصورين في بلاط العثمانيين

فاوستو زونارو خاتم المصورين في بلاط العثمانيين

‮«‬الآن‭ ‬أشتاق‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬الحزينة‭ ‬التي‭ ‬يؤلمني‭ ‬تذكرها‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأوقات‭ ‬العصيبة‭ ‬لم‭ ‬تحطمني‭ ‬ولن‭ ‬تحطمني‭ ‬أبدًا‭. ‬فسأظل‭ ‬أعمل‭ ‬بكل‭ ‬قواي‭. ‬وسأظل‭ ‬أولي‭ ‬فني‭ ‬كل‭ ‬احترامي‭ ‬وعاطفتي‭. ‬ولكن‭ ‬غموض‭ ‬الشرق‭ ‬لايزال‭ ‬يستلبني‭ ‬ويأسرني‭ ‬في‭ ‬قبضته‮»‬‭. ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬كلمات‭ ‬الفنان‭ ‬‮«‬فاوستو‭ ‬زونارو‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬أودعها‭ ‬مذكراته‭ ‬واصفًا‭ ‬مشاعره‭ ‬المختلطة‭ ‬لدى‭ ‬تذكره‭ ‬لحظات‭ ‬فراقه‭ ‬مدينة‭ ‬إسطنبول‭ ‬التي‭ ‬عشقها‭ ‬وارتبط‭ ‬بها‭ ‬لسنين‭ ‬طوال‭.‬

قضى‭ ‬فاوستو‭ ‬زونارو‭ ‬طفولته‭ ‬وصباه‭ ‬في‭ ‬بلدية‭ ‬اماسيب‭ ‬بمقاطعة‭ ‬ابادوفاب،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬الحكم‭ ‬النمساوي‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬1866،‭ ‬ثم‭ ‬أصبحت‭ ‬تابعة‭ ‬لإيطاليا‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬أبواه‭ ‬ميسورَيْ‭ ‬الحال؛‭ ‬فقد‭ ‬عمل‭ ‬أبوه‭ ‬بنّاء‭ ‬وأراد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬بنّاء‭ ‬مثله،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الابن‭ ‬أظهر‭ ‬شغفًا‭ ‬بفن‭ ‬الرسم‭ ‬والتصوير،‭ ‬وتفتقت‭ ‬موهبته‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬باكرة،‭ ‬فراح‭ ‬يدرس‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬بمدينة‭ ‬افيروناب،‭ ‬ذلك‭ ‬المعهد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يديره‭ ‬الفنان‭ ‬الإيطالي‭ ‬نابوليوني‭ ‬ناني‭. ‬وقد‭ ‬زامله‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬دالوكا‭ ‬بيانكا‭ ‬وجاكومو‭ ‬فافريتو،‭ ‬وغيرهما‭ ‬ممن‭ ‬ذاع‭ ‬صيتهم‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬اللاحقة‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أتم‭ ‬زونارو‭ ‬خدمته‭ ‬العسكرية‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬بروما،‭ ‬وظل‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1885‭ ‬و1888‭ ‬يقضي‭ ‬أوقاته‭ ‬بين‭ ‬مدينتي‭ ‬االبندقيةب‭ ‬وانابوليب؛‭ ‬إذ‭ ‬استهواه‭ ‬تصوير‭ ‬مختلف‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬نابولي‭. ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬البندقية‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬لبيع‭ ‬لوحاته‭. ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬الأثناء‭ ‬أبدع‭ ‬لوحته‭ ‬الرائعة‭ ‬امنادي‭ ‬المدينةب،‭ ‬التي‭ ‬تصور‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الموكل‭ ‬إليه‭ ‬إذاعة‭ ‬الأخبار‭ ‬للعامة‭. ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1888‭ ‬سافر‭ ‬زونارو‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭ ‬وقضى‭ ‬بها‭ ‬عامًا‭ ‬استأجر‭ ‬خلاله‭ ‬مرسمًا،‭ ‬وكان‭ ‬المذهب‭ ‬الانطباعي‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬حينذاك‭ ‬ملء‭ ‬السمع‭ ‬والبصر،‭ ‬فتأثر‭ ‬به‭ ‬زونارو‭ ‬تأثرًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬البندقية‭ ‬وأنشأ‭ ‬بها‭ ‬مدرسة‭ ‬صغيرة‭ ‬لتعليم‭ ‬الرسم،‭ ‬وهناك‭ ‬تعرف‭ ‬إلى‭ ‬إليزابيتا‭ ‬بانته،‭ ‬تلميذته‭ ‬التي‭ ‬أحبها‭ ‬وتزوجها‭ ‬لاحقًا‭. ‬وقد‭ ‬استهوى‭ ‬الحبيبان‭ ‬سحر‭ ‬الشرق‭ ‬وقرآ‭ ‬كتبًا‭ ‬عن‭ ‬إسطنبول‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬اغوتييهب‭ ‬والوتيب‭. ‬كما‭ ‬قرآ‭ ‬كتاب‭ ‬االقسطنطينيةب‭ ‬لـاإدموندو‭ ‬دي‭ ‬أميجيسب،‭ ‬الذي‭ ‬شحذ‭ ‬لديهما‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬الساحرة‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لديهما‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬حينذاك‭ ‬إلا‭ ‬القليل‭. ‬وكانت‭ ‬القسطنطينية‭ ‬وقتئذٍ‭ ‬عاصمة‭ ‬لإمبراطورية‭ ‬مترامية‭ ‬الأطراف‭ ‬هي‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬من‭ ‬البصرة‭ ‬إلى‭ ‬البوسنة،‭ ‬ومن‭ ‬طرابلس‭ ‬حتى‭ ‬طرابزون،‭ ‬وكانت‭ ‬مركزًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬وتجاريًا‭ ‬وثقافيًا‭ ‬لمنطقة‭ ‬البلقان‭ ‬والشرق‭ ‬الأدنى‭. ‬وقد‭ ‬زاد‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬على‭ ‬خمسة‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أتراك‭ ‬وأكراد‭ ‬وعرب‭ ‬ويونانيين‭ ‬وإيطاليين‭ ‬وأرمن،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المدن‭ ‬الكوزموبوليتانية‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬العالم؛‭ ‬ففيها‭ ‬يرى‭ ‬المرء‭ ‬الأزياء‭ ‬الإفرنجية‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬الأزياء‭ ‬الشرقية،‭ ‬ويرى‭ ‬المعممين‭ ‬بجانب‭ ‬المطربشين‭ ‬ومعتمري‭ ‬القبعات‭. ‬فإسطنبول‭ ‬كانت‭ ‬كالبوتقة‭ ‬التي‭ ‬انصهر‭ ‬بها‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬وامتزج‭ ‬فيها‭ ‬الشرق‭ ‬بالغرب‭. ‬

وسافرت‭ ‬إليزابيتا‭ ‬إلى‭ ‬إسطنبول‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1891،‭ ‬وكانت‭ ‬ذات‭ ‬حماسة‭ ‬متقدة‭ ‬فشرعت‭ ‬تكسب‭ ‬قوتها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إعطاء‭ ‬دروس‭ ‬في‭ ‬الرسم‭ ‬واللغة‭ ‬الإيطالية‭. ‬كذا‭ ‬فقد‭ ‬كونت‭ ‬دائرة‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والمعارف‭ ‬هناك‭. ‬وبعد‭ ‬حوالي‭ ‬شهرين‭ ‬لحق‭ ‬بها‭ ‬زونارو،‭ ‬ليتزوج‭ ‬الحبيبان‭ ‬ويستقرا‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬بمنطقة‭ ‬اتقسيمب،‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬جبانة‭ ‬عياض‭ ‬باشا‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الذين‭ ‬تعرف‭ ‬إليهم‭ ‬زونارو‭ ‬لدى‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬إسطنبول‭ ‬امحمود‭ ‬بكب،‭ ‬مدير‭ ‬الجمارك‭ ‬الذي‭ ‬ساعده‭ ‬كثيرًا‭. ‬إذ‭ ‬لدى‭ ‬الوصول‭ ‬كان‭ ‬زونارو‭ ‬يحمل‭ ‬معه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬قبلًا،‭ ‬فسأله‭ ‬مدير‭ ‬الجمارك‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬رسومًا‭ ‬جمركية‭ ‬لقاء‭ ‬تلك‭ ‬اللوحات،‭ ‬فأفهمه‭ ‬زونارو‭ ‬أنها‭ ‬جميعًا‭ ‬من‭ ‬إبداعه‭ ‬هو،‭ ‬لذا‭ ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬يدفع‭ ‬رسومًا‭ ‬جمركية‭. ‬وقد‭ ‬تفهم‭ ‬الرجل‭ ‬ذلك‭ ‬وقنع‭ ‬منه‭ ‬برسوم‭ ‬رمزية‭. ‬وتناولا‭ ‬معًا‭ ‬فنجانين‭ ‬من‭ ‬القهوة‭ ‬التركية‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬نشأت‭ ‬بينهما‭ ‬صداقة‭ ‬وثيقة‭ ‬العرى‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬اللوحات‭ ‬التي‭ ‬قدم‭ ‬بها‭ ‬زونارو‭ ‬إلى‭ ‬إسطنبول‭ ‬لوحة‭ ‬افتاة‭ ‬تحمل‭ ‬يقطينةب،‭ ‬التي‭ ‬أنجزها‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1889‭. ‬ويصور‭ ‬فيها‭ ‬زونارو‭ ‬فتاة‭ ‬جميلة‭ ‬رشيقة‭ ‬تبدو‭ ‬عليها‭ ‬سيماء‭ ‬النقاء‭ ‬والبراءة‭ ‬ترتدي‭ ‬ثوبًا‭ ‬أبيض‭. ‬وتظهر‭ ‬الفتاة‭ ‬حاملة‭ ‬بيديها‭ ‬الجميلتين‭ ‬يقطينة‭ - ‬كبيرة‭ ‬نسبيًا‭ - ‬في‭ ‬خفة‭ ‬ورشاقة‭ ‬ترمزان‭ ‬إلى‭ ‬مرح‭ ‬الشباب‭ ‬وحيويته‭.‬

 

لوحات‭ ‬صادقة

وفي‭ ‬مستهل‭ ‬حياة‭ ‬الزوجين‭ ‬بإسطنبول‭ ‬واجهتهما‭ ‬مصاعب‭ ‬جمة؛‭ ‬إذ‭ ‬شرعا‭ ‬يكسبان‭ ‬قوتهما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬رسم‭ ‬لوحاتٍ‭ ‬بألوان‭ ‬مائية،‭ ‬وإصلاح‭ ‬إطارات‭ ‬بعض‭ ‬اللوحات،‭ ‬وطباعة‭ ‬صور‭ ‬فوتوغرافية‭. ‬وشرع‭ ‬زونارو‭ ‬يبيع‭ ‬ما‭ ‬يرسم‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬كان‭ ‬يمتلكها‭ ‬رجل‭ ‬يدعى‭ ‬زليتش،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬زونارو‭: ‬القد‭ ‬وضع‭ ‬الرجل‭ ‬لوحاتي‭ ‬في‭ ‬نافذة‭ ‬عرضه‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وثمّن‭ ‬كل‭ ‬لوحة‭ ‬بليرة‭ ‬واحدة،‭ ‬فباع‭ ‬أربعة‭ ‬منها‭ ‬وأنقدني‭ ‬الثمن‭ ‬على‭ ‬الفور،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬أول‭ ‬مبلغ‭ ‬أتقاضاه‭ ‬في‭ ‬إسطنبولب‭. ‬

لقد‭ ‬فتنت‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬الساحرة‭ ‬زونارو‭ ‬وخلبت‭ ‬لبه‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬وصفها‭ ‬بجنة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬أرضه،‭ ‬فراح‭ ‬يصور‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬وقعت‭ ‬عليه‭ ‬عيناه‭ ‬فيها،‭ ‬ولم‭ ‬يدع‭ ‬مظهرًا‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬إسطنبول‭ ‬إلا‭ ‬وصوره‭ ‬في‭ ‬لوحاته‭. ‬لذا‭ ‬فإننا‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬لوحات‭ ‬زونارو‭ ‬أصدق‭ ‬تمثيل‭ ‬للناس‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والمعمار،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الملابس‭ ‬والاحتفالات‭ ‬والمراسم‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المظاهر‭ ‬التي‭ ‬تند‭ ‬عن‭ ‬الحصر‭. ‬وقد‭ ‬استطاع‭ ‬الفنان‭ ‬بمعونة‭ ‬زوجته‭ ‬أن‭ ‬ينشر‭ ‬صورًا‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬الفنية‭. ‬وبذا‭ ‬لفت‭ ‬إليه‭ ‬الأنظار‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والمجتمعات‭ ‬الراقية‭ ‬بإسطنبول،‭ ‬وذاع‭ ‬صيته‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬السفير‭ ‬الروسي‭ ‬بإسطنبول‭ ‬األيكساندر‭ ‬نيليدوفب‭ - ‬من‭ ‬شدة‭ ‬إعجابه‭ ‬بأعماله‭ - ‬قد‭ ‬خصص‭ ‬له‭ ‬غرفة‭ ‬في‭ ‬السفارة‭ ‬الروسية‭ ‬لإقامة‭ ‬مدرسة‭ ‬لتعليم‭ ‬الرسم‭ ‬لأبناء‭ ‬الطبقة‭ ‬الأرستقراطية‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أولئك‭ ‬الأرستقراطيين‭ ‬ابنة‭ ‬السفير‭ ‬البلجيكي‭ ‬آنذاك،‭ ‬وأيضًا‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الأتراك‭ ‬الذين‭ ‬ذاعت‭ ‬شهرتهم‭ ‬لاحقًا‭. ‬وقد‭ ‬تعرّف‭ ‬زونارو‭ ‬إلى‭ ‬الفنان‭ ‬المرموق‭ ‬وقتذاك‭ ‬عثمان‭ ‬بك‭ ‬حمدي،‭ ‬وأعجب‭ ‬بدماثة‭ ‬الرجل‭ ‬وثقافته،‭ ‬فجمعتهما‭ ‬صداقة‭ ‬حميمة‭ ‬وشرعا‭ ‬يذهبان‭ ‬لصيد‭ ‬السمك‭ ‬معًا‭ ‬في‭ ‬البوسفور‭. ‬فكان‭ ‬زونارو‭ ‬يتفكه‭ ‬قائلًا‭: ‬الم‭ ‬تعد‭ ‬زرقة‭ ‬البوسفور‭ ‬الرائقة‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬تسعدني‭ ‬بل‭ ‬سمكه‭ ‬اللذيذ‭ ‬أيضًاب‭. ‬

أما‭ ‬نقطة‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬زونارو‭ ‬فكانت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1896‭ ‬حينما‭ ‬عرض‭ ‬السفيران‭ ‬الإيطالي‭ ‬ابانزاب‭ ‬والروسي‭ ‬انيليدوفب‭ ‬لوحة‭ ‬افرسان‭ ‬كتيبة‭ ‬أرطغرل‭ ‬يعبرون‭ ‬جسر‭ ‬غالاتاب‭ ‬على‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مهتمًا‭ ‬بالفن‭ ‬والثقافة‭ ‬اهتمامًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬فأعجب‭ ‬بها‭ ‬أيما‭ ‬إعجاب‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬ابتاعها‭ ‬منه‭ ‬وقلده‭ ‬النيشان‭ ‬المجيدي‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬الثانية،‭ ‬وفي‭ ‬اللوحة‭ ‬نرى‭ ‬حشدًا‭ ‬من‭ ‬الفرسان‭ ‬العثمانيين‭ ‬يعبرون‭ ‬جسر‭ ‬غالاتا‭ ‬على‭ ‬صهوات‭ ‬جيادهم‭ ‬البيضاء،‭ ‬يشهدهم‭ ‬جمع‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬ويظهر‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬طفل‭ ‬رفقة‭ ‬أمه‭ ‬يلبس‭ ‬طربوشًا،‭ ‬بينما‭ ‬تشير‭ ‬أمه‭ ‬نحوهم‭ ‬كيما‭ ‬يراهم‭ ‬الطفل‭. ‬ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬اللوحة‭ ‬قد‭ ‬أعجب‭ ‬بها‭ ‬ابول‭ ‬ديشانيلب،‭ ‬عضو‭ ‬البرلمان‭ ‬الفرنسي‭ ‬آنذاك،‭ ‬إعجابًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬لدى‭ ‬حضوره‭ ‬الحفل‭ ‬المقام‭ ‬لمناسبة‭ ‬اليوبيل‭ ‬الفضي‭ ‬لجلوس‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني‭ ‬على‭ ‬العرش،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬السلطان‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أهداها‭ ‬له‭ ‬وكلف‭ ‬زونارو‭ ‬بعمل‭ ‬نسخة‭ ‬أخرى‭. ‬ويذكر‭ ‬زونارو‭ ‬في‭ ‬مذكراته‭ ‬أن‭ ‬اللوحة‭ ‬الأصلية‭ ‬عُلقت‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬البرلمان‭ ‬الفرنسي‭ ‬بباريس‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬بوربون‭. ‬

 

مصور‭ ‬البلاط‭ ‬العثماني

أما‭ ‬منصب‭ ‬مصور‭ ‬البلاط‭ ‬فكان‭ ‬لايزال‭ ‬شاغرًا‭ ‬منذ‭ ‬وفاة‭ ‬الويجي‭ ‬أكوارونب،‭ ‬فلم‭ ‬يلبث‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني‭ ‬أن‭ ‬عين‭ ‬زونارو‭ ‬مصورًا‭ ‬للبلاط‭ ‬العثماني‭ ‬خلفا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬طفق‭ ‬زونارو‭ ‬ينغمس‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬التركية‭ ‬فارتدى‭ ‬الطربوش،‭ ‬وتعلم‭ ‬اللغة‭ ‬التركية،‭ ‬وأبدع‭ ‬بورتريهات‭ ‬لأفراد‭ ‬حاشية‭ ‬البلاط‭ ‬العثماني‭. ‬وشرع‭ ‬يعطي‭ ‬دروسًا‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬للأمراء‭ ‬بمرسمه‭ ‬المقام‭ ‬في‭ ‬فناء‭ ‬قصر‭ ‬ايلدزب‭. ‬وكان‭ ‬فناء‭ ‬ذلك‭ ‬القصر‭ ‬حينذاك‭ ‬يضم‭ ‬سرادقًا‭ ‬بمنزلة‭ ‬معهدٍ‭ ‬للفنون‭ ‬يعمل‭ ‬فيه‭ ‬الفنانون‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الجنسيات‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬عرقي‭. ‬كما‭ ‬أقيم‭ ‬فيه‭ ‬أيضًا‭ ‬مصنع‭ ‬للخزف‭ ‬الملكي‭ ‬لإنتاج‭ ‬التحف‭ ‬الخزفية‭ ‬وأدوات‭ ‬المائدة‭ ‬وهدايا‭ ‬من‭ ‬الخزف‭ ‬للسفراء‭. ‬وقد‭ ‬عمل‭ ‬أهم‭ ‬فناني‭ ‬إسطنبول‭ ‬في‭ ‬زخرفة‭ ‬خزف‭ ‬المصنع،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬زونارو‭. ‬وقد‭ ‬أعجب‭ ‬مدير‭ ‬المصنع‭ ‬بالوحدات‭ ‬الخزفية‭ ‬التي‭ ‬زخرفها‭ ‬زونارو،‭ ‬وابتاع‭ ‬معظمها،‭ ‬لذا‭ ‬فلم‭ ‬يتبق‭ ‬منها‭ ‬سوى‭ ‬طبق‭ ‬واحد‭ ‬معروض‭ ‬الآن‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬قصر‭ ‬يلدز‭ ‬الخزفية‭ ‬بمتحف‭ ‬قصر‭ ‬اطوب‭ ‬قابيب‭. ‬وكان‭ ‬الابن‭ ‬الأكبر‭ ‬للسلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬اشهزاد‭ ‬برهان‭ ‬الدين‭ ‬أفنديب‭ ‬ممن‭ ‬يرتادون‭ ‬فناء‭ ‬القصر‭ ‬لرؤية‭ ‬زونارو‭ ‬وهو‭ ‬يعمل،‭ ‬وقد‭ ‬اشترى‭ ‬منه‭ ‬عدة‭ ‬لوحات،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬لوحتا‭ ‬اذيل‭ ‬الشيطانب‭ ‬التي‭ ‬أحضرها‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬إيطاليا،‭ ‬واالأرجوحةب‭ ‬التي‭ ‬أبدعها‭ ‬في‭ ‬إسطنبول‭. ‬هذا،‭ ‬ومما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تشجيع‭ ‬السلطان‭ ‬للفنون‭ ‬ورعايته‭ ‬إياها،‭ ‬إقامته‭ ‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1883،‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬للمعهد‭ ‬الفنان‭ ‬التركي‭ ‬اعثمان‭ ‬بك‭ ‬حمديب‭.‬

هذا،‭ ‬وقد‭ ‬حازت‭ ‬انتصارات‭ ‬العثمانيين‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬نصيب‭ ‬الأسد‭ ‬من‭ ‬لوحات‭ ‬زونارو،‭ ‬فها‭ ‬هي‭ ‬لوحة‭ ‬االسلطان‭ ‬محمد‭ ‬الثاني‭ ‬يفتح‭ ‬القسطنطينيةب‭ ‬يصور‭ ‬فيها‭ ‬زونارو‭ ‬السلطان‭ ‬محمد‭ ‬الفاتح‭ ‬ممتطيًا‭ ‬صهوة‭ ‬جواده،‭ ‬وبجواره‭ ‬جنده‭ ‬وحاشيته،‭ ‬وقبالته‭ ‬جثث‭ ‬القتلى‭ ‬من‭ ‬الأعداء‭. ‬وقد‭ ‬صوره‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬لوحة‭ ‬احصار‭ ‬القسطنطينيةب‭. ‬أما‭ ‬لوحة‭ ‬اهجومب‭ ‬التي‭ ‬أبدعها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1897‭ ‬فصور‭ ‬بطولة‭ ‬الجيش‭ ‬العثماني‭ ‬وبسالته‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العثمانية‭ - ‬اليونانية؛‭ ‬إذ‭ ‬يظهر‭ ‬الجند‭ ‬وقد‭ ‬تملكتهم‭ ‬روح‭ ‬الاستماتة‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬غير‭ ‬عابئين‭ ‬بالموت‭. ‬وإبان‭ ‬عمل‭ ‬زونارو‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللوحة‭ ‬طلب‭ ‬أن‭ ‬يزور‭ ‬بنفسه‭ ‬ساحة‭ ‬القتال،‭ ‬لكن‭ ‬طلبه‭ ‬قوبل‭ ‬بالرفض،‭ ‬فطلب‭ ‬بعض‭ ‬الجنود‭ ‬للمثول‭ ‬أمامه‭ ‬كي‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬اللوحة‭ ‬كما‭ ‬ينبغي،‭ ‬وقد‭ ‬أجيب‭ ‬سؤله‭ ‬وأرسل‭ ‬إليه‭ ‬رحمي‭ ‬باشا‭ ‬كبير‭ ‬المعلمين‭ ‬بالمدرسة‭ ‬الحربية‭ ‬أربعة‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬الأشداء‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭. ‬ولشدة‭ ‬ما‭ ‬أحب‭ ‬السلطان‭ ‬تلك‭ ‬اللوحة‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬قلد‭ ‬زونارو‭ ‬وسامًا‭ ‬عثمانيًا‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬الرابعة،‭ ‬وأنزله‭ ‬في‭ ‬مسكن‭ ‬فاخر‭ ‬بشارع‭ ‬اأكاريتليرب،‭ ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬خلف‭ ‬قصر‭ ‬اضلمة‭ ‬باغتشهب‭ ‬مباشرة،‭ ‬ذلك‭ ‬المسكن‭ ‬الذي‭ ‬أقام‭ ‬زونارو‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬معرضًا‭ ‬دائمًا‭ ‬عرض‭ ‬فيه‭ ‬معظم‭ ‬لوحاته،‭ ‬وسمح‭ ‬للزوار‭ ‬بزيارته‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الظهيرة،‭ ‬وكان‭ ‬أولئك‭ ‬الزوار‭ ‬من‭ ‬صفوة‭ ‬المجتمع‭ ‬التركي‭ ‬ومثقفيه‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭ ‬والأجانب،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬أولئك‭ ‬الزوار‭ ‬أنور‭ ‬باشا،‭ ‬وونستون‭ ‬تشرشل‭. ‬وكانت‭ ‬زوجته‭ ‬تقدم‭ ‬إليهم‭ ‬ما‭ ‬تطهو‭ ‬من‭ ‬الأكلات‭ ‬الإيطالية‭ ‬الشهية‭ ‬فيفتنون‭ ‬بروعة‭ ‬الفن‭ ‬وطيب‭ ‬الطعام‭ ‬معًا‭. ‬لقد‭ ‬أحبّ‭ ‬زونارو‭ ‬زوجته‭ ‬حبًا‭ ‬جمًا‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬أبدع‭ ‬بورتريها‭ ‬لها‭ ‬مبرزًا‭ ‬جمالها‭ ‬الباهر‭ ‬وحيويتها‭ ‬البادية‭.‬

‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬زونارو‭ ‬الفنان‭ ‬الأوربي‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬حاز‭ ‬مكانة‭ ‬رفيعة‭ ‬في‭ ‬البلاط‭ ‬العثماني،‭ ‬بل‭ ‬سبقه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصورين‭ ‬الأوربيين‭ ‬كان‭ ‬أولهم‭ ‬المصور‭ ‬الإيطالي‭ ‬جنتيلي‭ ‬بيلليني،‭ ‬الذي‭ ‬حاز‭ ‬المجد‭ ‬والشهرة‭ ‬والمال‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬البلاط،‭ ‬وأبدع‭ ‬بورتريها‭ ‬للسلطان‭ ‬امحمد‭ ‬الفاتحب‭ ‬معروضًا‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬لندن‭ ‬الوطني‭. ‬أما‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الذي‭ ‬حكم‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1861‭-‬1876‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يهوى‭ ‬الموسيقى‭ ‬والتصوير‭. ‬وحينما‭ ‬زار‭ ‬فرنسا‭ ‬وإنجلترا‭ ‬ابتاع‭ ‬عددًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬الفنية‭ ‬لأشهر‭ ‬الفنانين،‭ ‬ليزين‭ ‬بها‭ ‬جدران‭ ‬قصره،‭ ‬كما‭ ‬دعا‭ ‬المصور‭ ‬الروسي‭ ‬إيفازوفسكي‭ ‬إلى‭ ‬إسطنبول‭ ‬وطلب‭ ‬إليه‭ ‬تصوير‭ ‬أربعين‭ ‬لوحة‭ ‬تصف‭ ‬مدى‭ ‬ضخامة‭ ‬جيشه‭ ‬وأسطوله‭. ‬وكذا‭ ‬فقد‭ ‬عين‭ ‬الفنان‭ ‬البولندي‭ ‬اشليبوفسكيب‭ ‬مصورًا‭ ‬للبلاط‭ ‬آنذاك‭. ‬وقد‭ ‬أبدع‭ ‬له‭ ‬الفنان‭ ‬الفرنسي‭ ‬ابيير‭ ‬ديزيريه‭ ‬غيميب‭ ‬بورتريهًا‭ ‬حصل‭ ‬لقاءه‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬سلطاني‭ ‬لإقامة‭ ‬معهد‭ ‬للفنون‭ ‬في‭ ‬ابك‭ ‬أوغلوب‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1874‭. ‬كما‭ ‬طلب‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬من‭ ‬النحات‭ ‬الإنجليزي‭ ‬تشارلز‭ ‬فولر‭ ‬خلال‭ ‬زيارته‭ ‬إسطنبول‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1869‭ ‬نحت‭ ‬تمثال‭ ‬صغير‭ ‬له‭ ‬ممتطيًا‭ ‬صهوة‭ ‬جواده‭ ‬وتمثال‭ ‬آخر‭ ‬نصفي‭ ‬له‭.‬

 

مصور‭ ‬لمظاهر‭ ‬الحياة

أما‭ ‬زونارو‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬كسابقيه‭ ‬ممن‭ ‬شغلوا‭ ‬منصب‭ ‬مصور‭ ‬البلاط؛‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬برسم‭ ‬ما‭ ‬يُطلب‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬البلاط‭ ‬من‭ ‬تصوير‭ ‬انتصارات‭ ‬الدولة‭ ‬وشخصياتها‭ ‬البارزة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لقد‭ ‬صور‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬إسطنبول‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬آنفًا‭. ‬فقد‭ ‬صور‭ ‬مآذن‭ ‬الجوامع‭ ‬تعانق‭ ‬زرقة‭ ‬السماء،‭ ‬وصور‭ ‬الفتيات‭ ‬التركيات‭ ‬وهن‭ ‬يجمعن‭ ‬الأزهار‭ ‬من‭ ‬المروج،‭ ‬والقمر‭ ‬وضوءه‭ ‬المتلألئ‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬البوسفور،‭ ‬والأسر‭ ‬في‭ ‬المتنزهات‭ ‬والحمامات‭ ‬العامة‭. ‬وصوّر‭ ‬كذلك‭ ‬الدراويش‭ ‬والباعة‭ ‬الجائلين‭ ‬وسائقي‭ ‬المركبات‭ ‬والسقائين‭ ‬والصيادين‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬لوحة‭ ‬اصيادون‭ ‬يجمعون‭ ‬صيدهمب‭.‬‭ ‬ومن‭ ‬المواكب‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬أثارت‭ ‬إعجاب‭ ‬زونارو‭ ‬أيضا‭ ‬موكب‭ ‬المحمل‭ ‬الشريف‭ ‬أو‭ ‬موكب‭ ‬الصرة‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬الحج‭ ‬كل‭ ‬عام‭... ‬وهو‭ ‬الموكب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يوليه‭ ‬السلاطين‭ ‬العثمانيون‭ ‬اهتمامًا‭ ‬بالغًا؛‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬المحمل‭ ‬يحوي‭ ‬أستار‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة‭ ‬وهدايا‭ ‬ثمينة‭ ‬وصرة‭ ‬سلطانية‭ ‬كبيرة‭ ‬مملوءة‭ ‬بأموال‭ ‬وقطع‭ ‬ذهبية‭ ‬توزع‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬الحجاز،‭ ‬وتصلح‭ ‬لهم‭ ‬الطرق‭ ‬ومرافق‭ ‬الحرم‭ ‬الشريف‭. ‬وكان‭ ‬يحيط‭ ‬بالمحمل‭ ‬كتائب‭ ‬من‭ ‬الفرسان‭ ‬المسلحين‭ ‬في‭ ‬موكب‭ ‬جليل‭ ‬مهيب‭ ‬يغادر‭ ‬إسطنبول‭ ‬صوب‭ ‬الحجاز‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬لوحات‭ ‬زونارو‭ ‬كذلك‭ ‬ما‭ ‬يتناول‭ ‬تيمة‭ ‬تصوير‭ ‬النساء‭ ‬وهن‭ ‬يقمن‭ ‬بالأعمال‭ ‬المنزلية‭ ‬اليومية‭ ‬داخل‭ ‬بيوتهن‭ ‬كلوحة‭ ‬اامرأة‭ ‬تلف‭ ‬خيطًا‭ ‬من‭ ‬الصوفب؛‭ ‬إذ‭ ‬يصور‭ ‬زونارو‭ ‬امرأة‭ ‬منهمكة‭ ‬في‭ ‬لف‭ ‬الخيط‭ ‬وهي‭ ‬جالسة‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬صغير‭ ‬وظهرها‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬المُشاهد‭. ‬وقد‭ ‬شاعت‭ ‬تلك‭ ‬التيمة‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬في‭ ‬لوحات‭ ‬المصور‭ ‬الهولندي‭ ‬فيرمير؛‭ ‬وتجدد‭ ‬ظهورها‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬في‭ ‬لوحات‭ ‬بعض‭ ‬الواقعيين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬دومييه‭ ‬وكوربيه‭ ‬وكذا‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬بعض‭ ‬الانطباعيين،‭ ‬مثل‭ ‬إدغار‭ ‬ديغا،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬لوحته‭ ‬اامرأة‭ ‬تكويب‭. ‬ويبدو‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬قدرة‭ ‬زونارو‭ ‬على‭ ‬إظهار‭ ‬وضعية‭ ‬الجسد‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬توافق‭ ‬نوع‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬تؤديه‭ ‬المرأة،‭ ‬وهو‭ ‬هنا‭ ‬لف‭ ‬خيوط‭ ‬الصوف؛‭ ‬فنجد‭ ‬قدمي‭ ‬المرأة‭ ‬متأخرتين‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬لإحداث‭ ‬توازن‭ ‬مع‭ ‬ذراعيها‭ ‬وكتفيها‭ ‬المشدودة‭ ‬والمائلة‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬لإنجاز‭ ‬العمل‭. ‬وثمة‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬يغشى‭ ‬اللوحة‭ ‬مرده‭ ‬الخلفية‭ ‬الداكنة‭ ‬والإضاءة‭ ‬الهادئة‭ ‬الخافتة‭. ‬وفي‭ ‬لوحة‭ ‬ااسترخاء‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬البحرب‭ ‬يصور‭ ‬سيدة‭ ‬تجلس‭ ‬وحيدة‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬بجانب‭ ‬البحر،‭ ‬تعبث‭ ‬ببعض‭ ‬الأزهار‭ ‬على‭ ‬حجرها،‭ ‬وتبدو‭ ‬مستغرقة‭ ‬في‭ ‬أفكارها‭ ‬وتعلو‭ ‬محياها‭ ‬أمارات‭ ‬الحزن‭ ‬والشعور‭ ‬بالوحدة،‭ ‬غير‭ ‬ملقية‭ ‬بالًا‭ ‬لجمال‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬حولها‭. ‬ويبدو‭ ‬تناغم‭ ‬خفي‭ ‬بين‭ ‬الأزهار‭ ‬الصفراء‭ ‬والخضرة‭ ‬الكثيفة‭ ‬حول‭ ‬السيدة‭. ‬وثمة‭ ‬كلب‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬يشارك‭ ‬السيدة‭ ‬شعور‭ ‬الوحدة‭ ‬ذاته‭. ‬أما‭ ‬الحمائم‭ ‬التي‭ ‬تطير‭ ‬ثم‭ ‬تحط‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬فتضفي‭ ‬شعورًا‭ ‬بالحركة‭ ‬إلى‭ ‬اللوحة‭ ‬التي‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬طابع‭ ‬الحزن‭ ‬والركود‭.‬

 

العودة‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا

وقد‭ ‬عُلق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬لوحات‭ ‬زونارو‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬اضلمة‭ ‬باغتشهب‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬القصور‭ ‬الوطنية‭ ‬كقصر‭ ‬اطوب‭ ‬كابيب‭ ‬ومتحف‭ ‬إسطنبول‭ ‬العسكري‭ ‬ومتحف‭ ‬ابيراب‭ ‬ومتحف‭ ‬اشكيب‭ ‬صبنجيب‭ ‬وهي‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬براعة‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭. ‬ومن‭ ‬القصور‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬أعمال‭ ‬الفنان‭ ‬خارج‭ ‬تركيا‭ ‬قصر‭ ‬االأمير‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬بالمنيلب‭ ‬بمدينة‭ ‬القاهرة‭. ‬هذا،‭ ‬وقد‭ ‬ارتبط‭ ‬اسم‭ ‬زونارو‭ ‬باسم‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني؛‭ ‬إذ‭ ‬ظل‭ ‬مصور‭ ‬البلاط‭ ‬طيلة‭ ‬أربعة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا‭. ‬ولطالما‭ ‬كان‭ ‬يود‭ ‬لو‭ ‬يصور‭ ‬بورتريها‭ ‬للسلطان،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إقناعه‭ ‬بذلك،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬الدستور‭ ‬الثاني‭. ‬وبالفعل‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬ثلاثة‭ ‬بورتريهات‭ ‬للسلطان‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬أوضاع‭ ‬متباينة‭. ‬ويذكر‭ ‬زونارو‭ ‬أن‭ ‬السلطان‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الجلسات‭ ‬صامتًا‭ ‬مفكرًا‭ ‬مقطبًا‭ ‬مهزومًا،‭ ‬ولا‭ ‬عجب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬القلاقل‭ ‬وأحداث‭ ‬التمرد‭ ‬بادية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بقعة‭ ‬من‭ ‬بقاع‭ ‬السلطنة‭ ‬حينذاك‭. ‬وقد‭ ‬فرغ‭ ‬زونارو‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬خلال‭ ‬أحداث‭ ‬التمرد‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1909‭. ‬وما‭ ‬لبثت‭ ‬القلاقل‭ ‬والاضطرابات‭ ‬أن‭ ‬تزايدت‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وخُلع‭ ‬السلطان‭ ‬في‭ ‬27‭ ‬أبريل‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬نفسه،‭ ‬ونُفي‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬اسالونيكاب‭ ‬باليونان‭. ‬ونُصّب‭ ‬السلطان‭ ‬محمد‭ ‬رشاد‭ ‬سلطانًا‭ ‬على‭ ‬البلاد‭. ‬وهكذا‭ ‬لم‭ ‬تجر‭ ‬الرياح‭ ‬بما‭ ‬اشتهت‭ ‬سفن‭ ‬زونارو،‭ ‬فقد‭ ‬أُعفي‭ ‬من‭ ‬منصبه‭. ‬ولم‭ ‬يطب‭ ‬له‭ ‬المقام‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬إسطنبول؛‭ ‬إذ‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬سُحبت‭ ‬منه‭ ‬الامتيازات‭ ‬التي‭ ‬حازها‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬السلطان‭ ‬المخلوع،‭ ‬ونشبت‭ ‬خلافات‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بها‭ ‬حركة‭ ‬اتركيا‭ ‬الفتاةب‭ ‬بشأن‭ ‬مسكنه،‭ ‬ما‭ ‬اضطره‭ ‬في‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1910‭ ‬إلى‭ ‬مغادرة‭ ‬إسطنبول‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا‭ ‬بلا‭ ‬رجعة‭ ‬وقلبه‭ ‬يتفطر‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والأسى،‭ ‬ليقيم‭ ‬في‭ ‬روما‭ ‬فترة‭ ‬ثم‭ ‬يتركها‭ ‬ليستقر‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬سان‭ ‬ريمو‭ ‬حتى‭ ‬وافته‭ ‬المنية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1929‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬انكباب‭ ‬زونارو‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1911‭ ‬إلى‭ ‬1920‭ ‬على‭ ‬تصوير‭ ‬مناظر‭ ‬إيطاليا‭ ‬الطبيعية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬لوحاته‭ ‬التي‭ ‬صورت‭ ‬إسطنبول‭ ‬كانت‭ ‬الأشهر‭ ‬والأكثر‭ ‬مبيعًا،‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬إسطنبول‭ ‬تملأ‭ ‬قلبه‭ ‬وروحه‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬وطنه؛‭ ‬فعكف‭ ‬على‭ ‬نسخ‭ ‬اللوحات‭ ‬التي‭ ‬تركها‭ ‬في‭ ‬إسطنبول؛‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يحتفظ‭ ‬بألبومات‭ ‬تحوي‭ ‬صورًا‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬لها‭. ‬

كان‭ ‬زونارو‭ ‬يعد‭ ‬ضمن‭ ‬المستشرقين‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الذين‭ ‬افتتنوا‭ ‬بسحر‭ ‬الشرق‭ ‬وغموضه،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬اتبع‭ ‬أسلوبًا‭ ‬خاصًا‭ ‬في‭ ‬التصوير‭ ‬ميّزه‭ ‬عن‭ ‬غيره؛‭ ‬فكان‭ ‬يمزج‭ ‬بين‭ ‬الانطباعية‭ ‬والواقعية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أعماله‭ ‬قد‭ ‬نَزَعت‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬إقامته‭ ‬في‭ ‬إسطنبول‭ ‬إلى‭ ‬الدقة‭ ‬التي‭ ‬طغت‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال،‭ ‬لكنها‭ ‬نضجت‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا‭ ‬وأضحت‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬اتباع‭ ‬المذهب‭ ‬الانطباعي‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أكبر‭. ‬

وقد‭ ‬أسهم‭ ‬مع‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬إسهامًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬بتركيا‭. ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬ثلاثين‭ ‬معرضًا‭. ‬كما‭ ‬أقام‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬معرضًا‭ ‬فرديًا،‭ ‬أقيم‭ ‬أربعة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬إسطنبول‭. ‬وفي‭ ‬معرضه‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬نظمه‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬تجهيزاته‭ ‬للرحيل‭ ‬عن‭ ‬مدينته‭ ‬الأثيرة‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬لوحة‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭. ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1977‭ ‬أقام‭ ‬ورثته‭ ‬معرضًا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬فلورنسا‭ ‬ضم‭ ‬ثلاثمئة‭ ‬عمل‭ ‬آخر،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬مئتا‭ ‬عمل‭ ‬يصور‭ ‬فيها‭ ‬إسطنبول،‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬استمد‭ ‬منها‭ ‬الإلهام‭. ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1987‭ ‬صدر‭ ‬كتاب‭ ‬االمستشرقون‭ ‬الإيطاليونب‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬الكاتبة‭ ‬والمؤرخة‭ ‬الفنية‭ ‬كارولين‭ ‬جوليه،‭ ‬وقد‭ ‬أتت‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬زونارو،‭ ‬واصفة‭ ‬إياه‭ ‬بأنه‭: ‬افنان‭ ‬يشع‭ ‬الدفء‭ ‬من‭ ‬لوحاته‭ ‬بلا‭ ‬تعقيدب‭.‬

كما‭ ‬صدر‭ ‬كتاب‭ ‬عن‭ ‬زونارو‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2010،‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إيرول‭ ‬مخزوم‭ ‬وعثمان‭ ‬أونديش‭ ‬بمناسبة‭ ‬المعرض‭ ‬الاستعادي‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬له‭. ‬لقد‭ ‬ظلت‭ ‬تلك‭ ‬الأعوام‭ ‬العشرون‭ ‬التي‭ ‬قضاها‭ ‬زونارو‭ ‬في‭ ‬إسطنبول‭ ‬وصور‭ ‬خلالها‭ ‬المدينة‭ ‬والحياة‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬أصدق‭ ‬تصوير،‭ ‬هي‭ ‬النبع‭ ‬الذي‭ ‬رفده‭ ‬بالفن‭ ‬والإبداع،‭ ‬حتى‭ ‬استحق‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬لقب‭ ‬امصور‭ ‬البوسفورب‭ ■‬

‭ ‬فاوستو‭ ‬زونارو‭ ‬بريشته

لوحة‭ ‬فتاة‭ ‬تحمل‭ ‬يقطينة‭ ‬1889