المستشرقة البولندية بربارة ميخالاك: نتاج الأديبة الكويتية ليلى العثمان أساس أبحاثي العلمية
قلتُ لرئيسة قسم اللغة العربية وآدابها، رئيسة معهد الاستشراق بجامعة ياجيلونسكي في بولندا، د. بربارة ميخالاك بيكولسكا: مَن يتتبّع مسيرتك العلمية لا يظنّ أنّك غربية تخططين لما تريدين الوصول إليه، فالمصادفات في حياتك كثيرة، وذات انعطافات جوهرية!
- ضحكت قائلة: هذا حقيقي، لذلك عندما يسألني أحد: لماذا اخترت اللغة العربية، أو لماذا الكويت؟ أقول: اللغة العربية والكويت هما اللتان اختاراني!
كنّا نتجوّل في مكتبة الإسكندرية، وبصحبتنا الأستاذ الزائر بجامعة ياجيلونسكي، د. شريف الجيار، ومدير إدارة المخطوطات بالمكتبة، د. مدحت عيسى، وكانت الجولة سريعة، لأنّ الضيفة قادمة توًا من القاهرة، وبعد ثلاث ساعات ستلتقي نخبة من مثقفي الإسكندرية من خلال مختبر السرديات بالمكتبة، الذي أشرُف بإدارته، لتتحدّث إلينا عن الأدب العربي في بولندا... دراسات وترجمات.
كانت د. بربارة منبهرة للغاية بما شاهدته من متاحف المكتبة، وأطلقت زفيرًا قويًّا قائلة: هذه أجمل مكتبة في العالم رأيتها في حياتي!
د. باربارة عضوة بارزة في العديد من الهيئات الثقافية العربية والأوربية، وهيئات تحرير مجلات مهمة، فهي عضوة في مجلس الإدارة الأعلى لجمعية الاستشراق البولندية، وUnion Europeenne des Arabisants et Islamisants، وEuropean Association of Modern Arabic Literature، والسكرتيرة العامة، العضوة التنفيذية الممثّلة القومية لمنظمة الاستشراق الدولية من 2012 إلى 2018م، وغيرها.
كما حصلت على العديد من التكريمات والأوسمة؛ ومنها: صليب الاستحقاق الفضي من الرئيس البولندي أليكسندر كفاشنيفسكي، ووسام فضّي تقديرًا لخدماتها الطويلة في مجال العِلم.
مصادفة البداية
• كيف اختارتك اللغة العربية؟
- قالت: وُلدت في الحادي عشر من فبراير عام 1965 في بلدة كوبيـيرنيتسي، وفي عام 1984 اجتزتُ امتحان الشهادة الثانوية العامة بنتيجة جيد جدًا، وتمشّيًا مع رغباتي واهتماماتي، قمت بالتسجيل في قسم اللغة العربية وآدابها بمعهد الاستشراق بجامعة ياجيلونسكي في كراكوف.
بعد انتهائي من دراسة السنة الأولى، سافرت إلى بريطانيا لحضور دورة في اللغة الإنجليزية في Oxford College of Further Education.
المصادفة وحدها هي التي جمعتني في لندن بالعالِم المصري الجليل د. صبري حافظ، الذي كان لقائي به هو بداية التعرُّف الحقيقي على اللغة العربية وتعلُّمها.
وفي الفترة من 1987 إلى 1989 سافرت في منحة دراسية حكومية إلى الكويت، السنة الأولى من هذه المنحة خصصتُها لتقوية معرفتي باللغة العربية، حيث حضرت دورة مكثفة في مركز تعليم اللغات بجامعة الكويت، أنهيتها بنجاح في جميع المواد. وإضافة إلى تعلُّم اللغة العربية، شمل برنامج التعليم مواضيع متعلّقة بالأدب والثقافة والتاريخ العربي.
ومن بين كلّ هذه المواد، اخترتُ الأدب العربي، لأنّه كان موضع اهتمامي منذ فترة طويلة، لهذا قررتُ تمديد إقامتي في الكويت، والتركيز على التعرُّف إلى نتاج الأدب الكويتي الحديث في كلية الآداب بجامعة الكويت.
وبفضل لقاءاتي المتعدّدة بالأدباء الكويتيين، تمكّنتُ من أخذ قدر كبير من المعرفة والإلمام بمصادر نشاطهم الأدبي.
في هذه الفترة بالذات تعرُّفت إلى الكاتبة الكويتية القديرة ليلى العثمان، التي شكّل نتاجها الأدبي الأساس لأبحاثي العلمية، حيث اخترت موضوع رسالتي في الماجستير سنة 1991 «حياة وأعمال الكاتبة الكويتية المعاصرة ليلى العثمان» (تحليل لعدد من القصص المختارة التي تصوّر حياة المرأة الكويتية المعاصرة).
ومن الكويت سافرت إلى عدد من الدول كمصر وتونس وجنوب إسبانيا، الأمر الذي ساعدني على توسيع إلمامي بالأدب العربي.
وفي عام 1991، شاركت في مؤتمر جمعية الاستشراق البولندية الذي أقيم في وارسو، وقدّمت في هذا المؤتمر بحثًا بعنوان «بدايات الحركة الأدبية وتطوّر القصة الكويتية». وفي العام نفسه نشرتُ ترجمة مجموعة ليلى العثمان القصصية بعنوان «امرأة في إناء».
اهتمام عريق
• هل أنت أوّل من ترجم الأدب العربي إلى البولندية؟
- الاهتمام البولندي بالأدب العربي قديم وعريق، فقد اهتم واتسلاف جيفوسكي (1785 - 1831) بالاستشراق تأثرًا بعمّه يان بوتوتسكي. كان أول مؤلف أدبي عرف اللغة العربية، قد تعرَّف إلى الأدب العربي، والفولكلور البدوي، وجاء بعده كثيرون فتمّت ترجمة القرآن الكريم، والشّعر العربي، ودراسة الأدب العربي، لكن لنعترف بأن هذه في معظمها كانت جهودًا فردية، لأنّ بولندا ليست مثل فرنسا مثلًا التي بها جالية عربية كبيرة، كما أنّه لا يوجد دعم مادي من الدول العربية في صورة مِنَح لدارسي اللغة العربية والأدب العربي من البولنديين، وهذه المشكلة لا تزال قائمة، برغم مرور مئة عام على إنشاء قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة ياجيلونسكي.
اهتمام أكثر بالسرد
• من عناوين أبحاثك الأولى، يبدو اهتمامك بالقصة القصيرة أكثر من الرواية.
- يبدو أن القصة كانت أكثر ازدهارًا، وكنتُ مهتمة بها في الكويت وغيرها من دول الخليج العربي، وقد قدّمتُ العديد من الأبحاث منذ عام 1992، عندما بدأت العمل معيدةً في قسم اللغة العربية وآدابها بمعهد اللغات الشرقية وآدابها في جامعة ياجيلونسكي.
ومنذ تاريخ بدء عملي في معهد اللغات الشرقية وآدابها حتى حصولي على درجة الدكتوراه العلمية، شاركت في عدد من المؤتمرات داخل بولندا، قدّمت فيها محاضرات عدّة عن الأدب الخليجي؛ مثل: الاتجاه الإبداعي في القصة المعاصرة والقصة القصيرة الكويتية»، و«الواقع من دون تجميل... صورة الحياة المعاصرة في قصص وليد الرجيب»، و«بدايات الحركة الأدبية وتطوّر شكل القصة في البحرين والمملكة العربية السعودية». وقد حاولت من خلال مشاركتي في هذه المؤتمرات تقريب صورة الأدب المعاصر غير المعروف بعد للخليج العربي.
وأثناء تحضيري للدكتوراه نشرت في مجلتي فوليا أورينتالنا وبشيغلوند أورينتالستيتشني مقالات باللغتين البولندية والإنجليزية عن الأدب الكويتي المعاصر.
وفي عام 1994 حصلت على درجة الدكتوراه، وكان موضوعها «التقليد والإبداع في نتاج الكاتبة الكويتية المعاصرة ليلى العثمان»، وقد نُشرت رسالتي هذه على شكل كتاب باللغة العربية من قِبَل دار النشر المدى بدمشق عام 1997م، بعنوان «التراث والمعاصرة في إبداع ليلى العثمان».
الحركة السردية الكويتية
• كانت الحركة السردية الكويتية ككل موضوع أطروحتك لدكتوراه الدولة.
- في عام 1998 قدّمت أطروحتي لدكتوراه الدولة بعنوان «الرواية الكويتية المعاصرة في سنوات السّلْم والحرب، تحدد ملامح القصة القصيرة المعاصرة في الكويت، وتقوم على خلفية ذلك بتحديد صورة الكتّاب القديرين. وقد تم تقسيمها إلى قسمين؛ الأول بعنوان «الرواية الكويتية والقصة القصيرة في السنوات 1929 - 1990»، وهو متعلّق بمنشأ القصة القصيرة الكويتية، وهنا تظهر أسماء الكتّاب الأسلاف، أمثال خالد الفرج وفهد الدويري وفاضل خلف. وتبيّن المراحل التالية من الرسالة تطور القصة القصيرة الذي أدّى دورًا كبيرًا فيه كلّ من سليمان الشطّي وسليمان الخليفي وإسماعيل فهد إسماعيل.
الفصل الفرعي التالي يبيّن ازدهار القصة القصيرة الكويتية، وخصوصًا أعمال ليلى العثمان، ووليد الرجيب، وثريّا البقصمي، ومحمد العجمي. وأريد أن ألفت هنا إلى فضلهم المميّز في رفع مستوى الرواية الكويتية.
في الفصل الفرعي الخاص بالجيل الجديد، يجدر أن نذكر أسماء حمد الحمد، وطالب الرفاعي، وعالية شعيب، ومنى الصافي، وليلى محمد صالح.
أمّا الجزء الإبداعي والأساسي في الرسالة، فهو الجزء الثاني الذي يشمل الفترة من 1990 إلى 1995 والذي يحمل العنوان «العدوان العراقي على الكويت... الرؤية الأدبية للحرب في القصص القصيرة الكويتية»، وهذا الموضوع، برغم أهميته، لم يحظَ إلى الآن بأيّ عمل مهم.
ومن بين أبرز الكتّاب في تلك الفترة أذكر ثريّا البقصمي، وحمد الحمد، ووليد الرجيب، ومنى الشافعي، وليلى محمد صالح، وليلى العثمان.
يتم في قصصهم تحليل الصور التي تظهر واقع الحرب، والتي تبيّن الخطر الذي يحدق بالإنسان في الكويت التي كانت محتلّة. ويتم التركيز على ضعف وعجز الوحدة عند التماسّ بالمحتل. معظم القصص القصيرة مرتبطة بتجاربهم الشخصية التي عاشوها، ويجب التأكيد على الجهد الذي بذلوه، متناولين وصف الحرب بأقلامهم، وقد نال هذا العمل تقييمات إيجابية محليّة وخارجية.
القصة في الخليج
• قدّمت دراسات عديدة عن القصة في الكويت والسعودية والبحرين وعمان والإمارات وغيرها، من دول الخليج، فما المشترك الأدبي بين الكتابات في هذه الدول، وما الذي يميّز أدب كل دولة منها عن أدب الأخرى؟
- نعم معظم دراساتي تخصصت في أدب الخليج العربي، والملاحظ هو اهتمام الكاتبات والكتّاب في الخليج العربي، بقضايا المرأة، وتعليمها وحرّيتها المسؤولة، وتاريخ التحول المفصلي في الواقع الخليجي، بعد ثورة النفط، وتغيّر الحياة وتطوّرها، فضلًا عن الاهتمام بتاريخ الخليج، وهناك حالة من التشابه الموضوعاتي في النصوص السردية الخليجية، ومحاولة البعض التأكيد على الحداثة الشكليّة للنصوص.
مراحل الأدب الخليجي
• ما أهم المراحل التي مرّ بها الأدب الخليجي عمومًا والكويتي بالذات، وأهم خصائص كل مرحلة؟
- أعتقد أن مراحل تطوّر الأدب الخليجي متشابهة، لا سيما في النصوص السرديّة، التي بدأت بمحاكاة الكتابة المصرية، التي نشأت مبكرًا، ثم بدأ الكتّاب عبر الأجيال المختلفة يطّلعون على الآداب العالمية، نتيجة لتطور التعليم والسفر إلى الخارج، وهو ما أثمر حصول البعض على عدد من الجوائز المهمة، مثل البوكر.
• ما أوجه التشابه والاختلاف بين الأدب الخليجي وأدب المشرق العربي من وجهة نظرك؟
- الأدب الخليجي ما زال مهمومًا بالتعبير عن القضايا الاجتماعية، التي ظهرت بعد ثورة النفط، وما أحدثته التكنولوجيا في الجيل الجديد، فضلًا عن بعض النصوص الروائية الحداثية، التي حصلت على جوائز البوكر وغيرها، والتي غاصت في الواقع الخليجي، وأبرزت الجديد المجتمعي، وهو ما يشبه أدب المشرق العربي، الذي كثّف من التجريب الروائي والشّعري، لسبر أغوار الواقع بكلّ تناقضاته الحادة، لا سيما في فترة الستينيات، التي هيمن كُتّابها ومبدعوها على المشهد العربي، وهو ما أثّر في أجيال كثيرة بالعالم العربي.
إضافة حقيقية
• هل ترين أن الأدب العربي الآن قادر على أن يكون إضافة حقيقية في مجرى الآداب العالمية، وكيف يحدث ذلك؟
- في الواقع أن الأدب العربي يمثّل جزءًا أصيلًا من الآداب العالمية، منذ عقود طويلة، ولا ننسى ما فعلته «ألف ليلة وليلة» في الميراث الثقافي والمعرفي العالمي، فبعد أن ترجم ثلثها المستشرق الفرنسي جان جالان إلى «الفرنسية»، تمّت ترجمتها من «الفرنسية» إلى كلّ لغات العالم، وجدنا تأثيرها في كتّاب أوربا وأمريكا اللاتينية والعالم، فضلًا عن كتّاب أدب الأطفال الذين أفادوا من عوالمها الفانتازية والسحريّة، في إبداعاتهم للأطفال، واستثمار شخصياتها كعلاء الدين والسندباد وغيرهما، في سياق أدب الأطفال.
وما ينتجه المبدع العربي الآن، من شعر ورواية وقصة قصيرة، يلفت نظر الناقد الغربي، لا سيّما تلك الأعمال التي تنال شهرة عبر الجوائز العربيّة والعالمية، فضلًا عن ترجمة العديد من النصوص العربية إلى لغات العالم، خاصة الإنجليزية والفرنسية وغيرهما. وعلى هذا، فإنّ ما يطرحه الجيل المعاصر من الكتّاب في العالم العربي، يهتم به الأكاديميون الغربيّون في أقسام اللغة العربية ومعاهد الدراسات العربية عالميًّا، ويعضد هذا الأساتذة العرب الذين يدرسون الأدب العربي في أوربا وأمريكا وآسيا.
بين الأدب العربي والبولندي
• ما وجه التشابه والاختلاف بين الأدب العربي ونظيره البولندي من وجهة نظرك؟ وما أهم أنواع الكتابة الرائجة في بولندا، مقارنة بالوطن العربي حيث تروج الرواية؟ وما أوجه التشابه والاختلاف بين الحركة النقدية العربية والبولندية؟
- كان للعلاقات الثقافية والتاريخية بين بولندا وأوربا والعرب، أثره الكبير في انتقال الموضوعات والأجناس الأدبية العربية إلى الأوساط الأدبية الأوربيّة بوجه عام، والبولندية بوجه خاص، وتجلّى ذلك عبر الرحلات والترجمات، لا سيما «كليلة ودمنة» وقصص لقمان، وحكايات ألف ليلة وليلة التي ظهرت ترجمتها البولندية، تحت عنوان «مشاجرات عربية»، والسندباد، تلك التي راحت تظهر في الأدب البولندي منذ مطلع عصر النهضة في أوربا؛ حيث نفذ الاستشراق إلى الأدب البولندي عن طريق الأدب الغربي عمومًا، والأدب الفرنسي خصوصًا، وكان للكاتب البولندي إيجناتسي كراشيتسكي، الذي وضع العديد من المؤلّفات المقتبسة من الأدب الشرقي، دور كبير في تعميم الاستشراق بالأدب البولندي إبّان عصر التنوير، فضلًا عن الترجمات العربية إلى البولندية في القرن العشرين، فظهرت في بولندا أسماء نجيب محفوظ ومحمود تيمور وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وزكريا تامر وغسان كنفاني ومحمود درويش وأبوالقاسم الشابي وعبدالسلام العجيلي، وغيرهم.
وبشكل مؤكد، هناك حركة تأثير وتأثُّر بين الأدب البولندي والآداب العربية، لا سيما السرديّة منها، كـ «ألف ليلة وليلة»، فنجد عوالم الواقعية السحرية العربية في الرواية البولندية، فضلًا عن اهتمام الرواية والشعر البولنديين بالتاريخ البولندي، عبر عقوده المختلفة.
الإبداع البولندي متنوع وثريّ، على الصعيدين الشعري والسردي بأنواعه، ونلحظ أن جائزة نوبل للآداب 2018، حصلت عليها الروائية البولندية أولجا توكارتشوك، التي تعبّر عن واقعها عبر نص عابر للحدود.
أعتقد أن الحركة النقدية البولندية نشطة ومنفتحة على كل ما هو جديد في أوربا وأمريكا، وهناك حركة نقدية عربية، عبر أجيال متتابعة.
مصدر إلهام
• كيف شكّلت الأعمال الأدبية العربية مصدرًا للإلهام لدى الشعراء والكُتّاب البولنديين؟
- حقيقة الأمر أننا تعرّفنا على الأدب العربي القديم في فترة مبكّرة؛ حيث نشرت القصائد العربية القديمة في بولندا على يد البروفيسور يانوش دانتسكي من جامعة وارسو، فقد وضع كتابين مكرّسين للشعر العربي القديم؛ أولهما بعنوان الشعر العربي منذ القرن السادس وحتى الثامن، وقد صدر في دار أوسولينسكس الشهيرة، بمدينة فروتسلاف عام 1997م.
ومن شعراء هذا الإصدار امرؤ القيس وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة وزهير بن أبي سلمى وعنترة بن شداد والخنساء وقيس بن الملوّح وجميل بثينة وعمر بن أبي ربيعة والأخطل والفرزدق وأبو نواس وأبو العتاهية وابن الرومي، ويتضمّن هذا الإصدار أيضًا ترجمة لبعض السور القصيرة من القرآن الكريم.
ويحمل الكتاب الثاني عنوان «الشعر في العصر العباسي من القرن الثامن وحتى الثالث عشر»، وقد صدر في وارسو 1998م، ويتضمّن قصائد بشّار بن بُرد، وأبي تمام والبحتري وابن المعتز والمتنبي وأبي العلاء المعري.
وفضلًا عن ذلك؛ لا ننسى المستعرب البولندي البارز يوسف بيلافسكي (1910 - 1997م)، وهو أول من كتب باللغة البولندية تاريخ الأدب العربي، القديم والحديث، معتمدًا على مصادر عربية في البداية؛ حيث صدر كتابه في ورتسلاف عام 1968م بعنوان «تاريخ الأدب العربي»، وصدر مرة أخرى في وارسو عام 1995م، بعنوان «الأدب العربي الكلاسيكي».
وكان لارتباط بولندا منذ زمن بعيد بعلاقات حميمة مع العالم العربي، أثره الواضح في الاهتمام الكبير بالقرآن الكريم، الذي ترجمه كاملًا للبولندية ميجاتاراك بوتشافسكي، وذلك في منتصف القرن التاسع عشر.
إلى جانب هذا، أصدر يوسف بيلافسكي ومجموعة من الأساتذة في جامعة وارسو، كتابًا من جزأين، يهتمّ بتاريخ الأدب، بعنوان «الأدب العربي الحديث والمعاصر» (أدب المشرق العربي، وارسو 1978م، وأدب المغرب العربي 1989م)، وهو دراسة مهمة تهتم بالأدب العربي المعاصر، في معظم أقطار العالم العربي.
جدير بالذّكر أن النقاد البولنديين أصدروا العديد من المؤلفات النقدية عن الأدب العربي؛ مثل ما نشره الأستاذ تاديوش كوفالكسي بعد الحرب العالمية الثانية، من دراسة نقدية عن ديوان كعب بن زهير، الذي قدّمه السكّري. ويُذكر أيضًا أن البروفيسورة ماريا كوفالسكا نشرت كتابًا في مجال أدب الرحلة العربية خلال القرون الوسطى، وصدر في وارسو - كراكوف 1973م.
وهناك ترجمة للمعلّقات العربية باللغة البولندية، وتوالت الدراسات المهتمّة بالأدب العربي، حتى يومنا هذا، لا سيما في الدوائر الأكاديمية البولندية.
اهتمام كبير
• ما ملامح النظرة النقدية تجاه الأدب العربي في بولندا؟
- في الحقيقة أن اللغة العربية، والأدب العربي، يأخذان اهتمامًا كبيرًا في الجامعات الأوربية، لا سيّما البولندية منها، مثلما نرى في قسم اللغة العربية بمعهد الاستشراق في جامعة ياجيلونيسكي التي أعمل بها، فضلًا عن قسم اللغة العربية بجامعة وارسو وغيرها من جامعات بولندا، والدراسات النقدية لنقّاد ودارسين بولنديين عن الأدب العربي، تتجلّى في العديد من الدراسات التي تُنشر في المجلات الأوربية، مثلما فعلت كمتخصصة في الأدب العربي؛ حيث قدّمت دراسات عن الأدب العربي واللغة العربية في الكويت ومصر والسعودية والبحرين والإمارات وعُمان وقطر وغيرها، فضلًا عن المؤتمرات الدولية التي نقيمها في بولندا، أو نشارك فيها؛ مثل «المؤتمر الدولي للغات والحضارات»، الذي عقد أخيرًا تحت إشرافي، بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس معهد الاستشراق في جامعة ياجيلونيسكي، كراكوف، بولندا، من 14 إلى 16 أكتوبر 2019، وشارك فيه أكثر من 70 باحثًا من كل دول العالم، كما شارك فيه باحث مصري؛ هو
د. شريف الجيار، الذي كان أستاذًا زائرًا في جامعتنا العريقة.
تعاون أكاديمي جيد
• ما هي آفاق التعاون بين قسم اللغة العربية وآدابها، ومعهد الاستشراق بجامعة ياجيلونسكي وبين مثيلاتها في العالم العربي؟ وما الذي يعود على كلا الجانبين من هذا التعاون؟
- التعاون بين الأكاديمية البولندية والأكاديمية العربية عميق، وجيّد، ونحن في معهد الاستشراق، لا سيما في قسم اللغة العربية، الذي أشرُف برئاسته، لدينا تعاون أكاديمي كبير مع الأقسام المناظرة في العالم العربي، ويتّضح هذا جليًّا في زيارة عدد من النقّاد والكتّاب العرب البارزين إلى جامعتنا العريقة، في معهد الاستشراق، منهم الدكتور العماني محمد الحجري، الذي ألقى محاضرات عن الثقافة العمانية، وهو تعاون ثقافي وعلمي مُثمر، يفيد منه الجانبان، البولندي والعربي، عبر التداخل الثقافي، والمعرفي والعلمي.
إلى جانب هذا، يفيد هذا التعاون المُثمر الطلاب البولنديين، في التعرف إلى الثقافات العربية، والمدارس النقدية العربية، وهو ما يجعلهم يحصلون على مِنح للسفر إلى العديد من الدول العربية، للدراسة وممارسة اللغة العربية.
تركيز على الخطاب السردي
• معظم أبحاثك وترجماتك تركّزت على القصة، ومع ذلك لم تهملي الشّعر تمامًا، فلك كتاب بعنوان «الشعر المعاصر في الإمارات العربية المتحدة»، فكيف ترين الحركة الشعرية الخليجية الراهنة، وما أهم ملامحها؟
- فعلًا معظم أبحاثي تركّزت على الخطاب السردي، لا سيما في منطقة الخليج العربي، منذ الماجستير والدكتوراه وأبحاث الأستاذية، لكنّي لم أغفل القصيدة العربية، لا سيما المعاصرة منها، فكتبتُ دراستي عن الشعر المعاصر في دولة الإمارات العربية؛ لأنّني وجدتُ حراكًا شعريًّا في منطقة الخليج، لا يقلّ أهمية عن القصة والرواية، ونستطيع من خلاله، أن نرصد الواقع الخليجي، وقضاياه المطروحة، في الوقت الراهن، مثل قضايا المرأة، والتاريخ، والتغيرات التي شابت الشخصية الخليجية بعد ثورة النفط، والحداثة الحياتية، كل هذا جاء في ثوب شعري تخييلي يتّسم بالحداثة الشعرية، ومحاولة التجريب النصي. مثلما قدّمتُ محاضرة بعنوان «المحكوم عليهم بالوحدة... الموضوع الفلسطيني في قصائد الشاعر العماني سعيد الصقلاوي»، وغيرها من المحاضرات والدراسات في المؤتمرات المختلفة.
دور الثقافة العربية
• كيف ترين مستقبل تعليم اللغة العربية، ودور الثقافة العربية في عصر العولمة؟
- اللغة العربية من اللغات المهمة على مستوى العالم، ولا أحد ينكر ما قدّمته ثقافة هذه اللغة للميراث العالمي، وأعتقد أن تعليم «العربية» سيزداد، فهو الآن موجود في معظم جامعات أمريكا وأوربا وآسيا، وهناك أقسام للغة العربية، لها تاريخ طويل في جامعاتنا، مثل جامعة ياجيلونسكي، أقدم جامعة في بولندا.
وفي ظل العولمة التي عاشها العالم منذ فترة التسعينيات، وجدنا انتشارًا للثقافة العربية، لا سيما مع ظهور الثورة التكنولوجية، التي سهّلت التواصل بين الشعوب، والأجيال الجديدة، وأكدت الحضور الفاعل لهذه الثقافة المهمة في الميراث الثقافي الدولي، ولديّ بحث عنوانه «مستقبل دراسات اللغة العربية وآدابها في الجامعات البولندية»، خلصت فيه إلى ضرورة زيادة الاهتمام بدراسة العربية وآدابها في الجامعات البولندية، نتيجة للعمق التاريخي الكبير بين بولندا والعالم العربي، والثقافة العربية، وحب الدارس البولندي للأدب العربي، وتاريخه الطويل.
الحركة الفنية النسائية في الكويت
• إضافة إلى الأدب، لك اهتمام بالحركة الفنيّة النسائية في الكويت، رجاء توضيح هذه التجربة ببعض التفصيل.
- لقد قضيت العام الدراسي 1994/1995 في الكويت، وسافرت إلى هناك بدعوة من الكاتبة والرسّامة الكويتية ثريّا البقصمي، وكان الهدف من إقامتي هناك تجميع أكبر قَدر من المعلومات لوضع كتاب عن حياتها وأعمالها. وقد أثمرت أعمالي هذه كتابًا صدر باللغة العربية بالكويت في عام 1977، بعنوان «ثريا البقصمي بين الريشة والقلم».
وأثناء إقامتي في الكويت نشرت مقالات باللغتين العربية والإنجليزية في المجلات الأدبية والصحف الكويتية التالية: «البيان»، و«عرب تايمز»، و«السياسة» و«الطليعة».
وبعد بدء التعاون مع اتحاد الأدباء الكويتيين، ألقيت هناك محاضرة بتاريخ 26 أبريل 1995 عن الأدب الكويتي بعد فترة الاحتلال، كما أنّني لم أتوقّف عن المشاركة في مؤتمرات عربية وأوربية، وتقديم الأبحاث عن الأدب الخليجي مثل «سعاد الصباح –In the Beginning was the Female». «والقصة القصيرة في عمان في سنوات الثمانينيات والتسعينيات»، و«الأصوليّة في الكويت وفي بلدان الخليج الأخرى»، و«Symbols in the Art. Of Kuwaiti Artist Turayya Al.-Baqsami»، تم نشره في بودابست، و«العدوان العراقي على الكويت... الرؤية الأدبية للحرب في القصص الكويتية القصيرة»، و«الأحداث الحربية المأساوية كأساس للأعمال الأدبية عند الكتّاب الكويتيين».
مستقبل الأدب العربي
• كيف ترين مستقبل الأدب العربي، والفن في الخليج عمومًا، وفي الكويت بالذات؟
- أرى أن الأدب العربي المعاصر، قد حقّق تطورًا كبيرًا، على الصعيدين الشكلي والمضموني، فمثلًا في الخطاب السردي الخليجي، لا سيّما الكويتي منه، أرى أنه أدب ما زال متمسكًا بالقضايا الاجتماعية والتاريخية، لكن في قالَب حداثي.
• نشأت في السنوات الأخيرة عدد من الجوائز المهمة للرواية، إضافة إلى جائزة الملتقى الكويتية في القصة القصيرة، فما تأثير هذه الجوائز على الأدب برأيك؟
- في حقيقة الأمر، ألحظ وجود العديد من الجوائز الأدبية المهمة، في مصر والعالم العربي، منها جوائز وزارة الثقافة المصرية للكتّاب العرب، فضلًا عن الجوائز العربية، مثل جوائز الشيخ زايد والعويس وكتارا وجائزة الملتقى بالكويت، وكلّها جوائز مهمة لتحفيز المبدعين على المزيد من العطاء الأدبي والفني بشكل عام، فضلًا عن مساندتها للكتّاب العرب الشباب، الذين يسعدون بها جدًا، إلى جانب أنها تساعد الدارسين على معرفة الخريطة الإبداعية الجديدة للعالم العربي■