المستشرقة البولندية بربارة ميخالاك: نتاج الأديبة الكويتية ليلى العثمان أساس أبحاثي العلمية

المستشرقة البولندية بربارة ميخالاك:  نتاج الأديبة الكويتية ليلى العثمان أساس أبحاثي العلمية

قلتُ‭ ‬لرئيسة‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وآدابها،‭ ‬رئيسة‭ ‬معهد‭ ‬الاستشراق‭ ‬بجامعة‭ ‬ياجيلونسكي‭ ‬في‭ ‬بولندا،‭ ‬د‭. ‬بربارة‭ ‬ميخالاك‭ ‬بيكولسكا‭: ‬مَن‭ ‬يتتبّع‭ ‬مسيرتك‭ ‬العلمية‭ ‬لا‭ ‬يظنّ‭ ‬أنّك‭ ‬غربية‭ ‬تخططين‭ ‬لما‭ ‬تريدين‭ ‬الوصول‭ ‬إليه،‭ ‬فالمصادفات‭ ‬في‭ ‬حياتك‭ ‬كثيرة،‭ ‬وذات‭ ‬انعطافات‭ ‬جوهرية‭!‬

‭- ‬ضحكت‭ ‬قائلة‭: ‬هذا‭ ‬حقيقي،‭ ‬لذلك‭ ‬عندما‭ ‬يسألني‭ ‬أحد‭: ‬لماذا‭ ‬اخترت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬أو‭ ‬لماذا‭ ‬الكويت؟‭ ‬أقول‭: ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والكويت‭ ‬هما‭ ‬اللتان‭ ‬اختاراني‭!‬

كنّا‭ ‬نتجوّل‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬وبصحبتنا‭ ‬الأستاذ‭ ‬الزائر‭ ‬بجامعة‭ ‬ياجيلونسكي،‭ ‬د‭. ‬شريف‭ ‬الجيار،‭ ‬ومدير‭ ‬إدارة‭ ‬المخطوطات‭ ‬بالمكتبة،‭ ‬د‭. ‬مدحت‭ ‬عيسى،‭ ‬وكانت‭ ‬الجولة‭ ‬سريعة،‭ ‬لأنّ‭ ‬الضيفة‭ ‬قادمة‭ ‬توًا‭ ‬من‭ ‬القاهرة،‭ ‬وبعد‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات‭ ‬ستلتقي‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬مثقفي‭ ‬الإسكندرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مختبر‭ ‬السرديات‭ ‬بالمكتبة،‭ ‬الذي‭ ‬أشرُف‭ ‬بإدارته،‭ ‬لتتحدّث‭ ‬إلينا‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬بولندا‭... ‬دراسات‭ ‬وترجمات‭.‬

كانت‭ ‬د‭. ‬بربارة‭ ‬منبهرة‭ ‬للغاية‭ ‬بما‭ ‬شاهدته‭ ‬من‭ ‬متاحف‭ ‬المكتبة،‭ ‬وأطلقت‭ ‬زفيرًا‭ ‬قويًّا‭ ‬قائلة‭: ‬هذه‭ ‬أجمل‭ ‬مكتبة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬رأيتها‭ ‬في‭ ‬حياتي‭!‬

د‭. ‬باربارة‭ ‬عضوة‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية‭ ‬والأوربية،‭ ‬وهيئات‭ ‬تحرير‭ ‬مجلات‭ ‬مهمة،‭ ‬فهي‭ ‬عضوة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬الأعلى‭ ‬لجمعية‭ ‬الاستشراق‭ ‬البولندية،‭ ‬وUnion‭ ‬Europeenne‭ ‬des‭ ‬Arabisants‭ ‬et‭ ‬Islamisants،‭ ‬وEuropean‭ ‬Association‭ ‬of‭ ‬Modern‭ ‬Arabic‭ ‬Literature،‭ ‬والسكرتيرة‭ ‬العامة،‭ ‬العضوة‭ ‬التنفيذية‭ ‬الممثّلة‭ ‬القومية‭ ‬لمنظمة‭ ‬الاستشراق‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬2012‭ ‬إلى‭ ‬2018م،‭ ‬وغيرها‭.‬

كما‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التكريمات‭ ‬والأوسمة؛‭ ‬ومنها‭: ‬صليب‭ ‬الاستحقاق‭ ‬الفضي‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬البولندي‭ ‬أليكسندر‭ ‬كفاشنيفسكي،‭ ‬ووسام‭ ‬فضّي‭ ‬تقديرًا‭ ‬لخدماتها‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العِلم‭.‬

 

مصادفة‭ ‬البداية

‭•‬‭ ‬كيف‭ ‬اختارتك‭ ‬اللغة‭ ‬العربية؟

‭- ‬قالت‭: ‬وُلدت‭ ‬في‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬عام‭ ‬1965‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬كوبيـيرنيتسي،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1984‭ ‬اجتزتُ‭ ‬امتحان‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭ ‬بنتيجة‭ ‬جيد‭ ‬جدًا،‭ ‬وتمشّيًا‭ ‬مع‭ ‬رغباتي‭ ‬واهتماماتي،‭ ‬قمت‭ ‬بالتسجيل‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وآدابها‭ ‬بمعهد‭ ‬الاستشراق‭ ‬بجامعة‭ ‬ياجيلونسكي‭ ‬في‭ ‬كراكوف‭.‬

بعد‭ ‬انتهائي‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬السنة‭ ‬الأولى،‭ ‬سافرت‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬لحضور‭ ‬دورة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬Oxford‭ ‬College‭ ‬of‭ ‬Further‭ ‬Education‭.‬

المصادفة‭ ‬وحدها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جمعتني‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬بالعالِم‭ ‬المصري‭ ‬الجليل‭ ‬د‭. ‬صبري‭ ‬حافظ،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لقائي‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬بداية‭ ‬التعرُّف‭ ‬الحقيقي‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وتعلُّمها‭.‬

وفي‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1987‭ ‬إلى‭ ‬1989‭ ‬سافرت‭ ‬في‭ ‬منحة‭ ‬دراسية‭ ‬حكومية‭ ‬إلى‭ ‬الكويت،‭ ‬السنة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنحة‭ ‬خصصتُها‭ ‬لتقوية‭ ‬معرفتي‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬حضرت‭ ‬دورة‭ ‬مكثفة‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬تعليم‭ ‬اللغات‭ ‬بجامعة‭ ‬الكويت،‭ ‬أنهيتها‭ ‬بنجاح‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المواد‭. ‬وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعلُّم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬شمل‭ ‬برنامج‭ ‬التعليم‭ ‬مواضيع‭ ‬متعلّقة‭ ‬بالأدب‭ ‬والثقافة‭ ‬والتاريخ‭ ‬العربي‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬المواد،‭ ‬اخترتُ‭ ‬الأدب‭ ‬العربي،‭ ‬لأنّه‭ ‬كان‭ ‬موضع‭ ‬اهتمامي‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬لهذا‭ ‬قررتُ‭ ‬تمديد‭ ‬إقامتي‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬التعرُّف‭ ‬إلى‭ ‬نتاج‭ ‬الأدب‭ ‬الكويتي‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الآداب‭ ‬بجامعة‭ ‬الكويت‭. ‬

وبفضل‭ ‬لقاءاتي‭ ‬المتعدّدة‭ ‬بالأدباء‭ ‬الكويتيين،‭ ‬تمكّنتُ‭ ‬من‭ ‬أخذ‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬والإلمام‭ ‬بمصادر‭ ‬نشاطهم‭ ‬الأدبي‭. ‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬بالذات‭ ‬تعرُّفت‭ ‬إلى‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكويتية‭ ‬القديرة‭ ‬ليلى‭ ‬العثمان،‭ ‬التي‭ ‬شكّل‭ ‬نتاجها‭ ‬الأدبي‭ ‬الأساس‭ ‬لأبحاثي‭ ‬العلمية،‭ ‬حيث‭ ‬اخترت‭ ‬موضوع‭ ‬رسالتي‭ ‬في‭ ‬الماجستير‭ ‬سنة‭ ‬1991‭ ‬‮«‬حياة‭ ‬وأعمال‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكويتية‭ ‬المعاصرة‭ ‬ليلى‭ ‬العثمان‮»‬‭ (‬تحليل‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬المختارة‭ ‬التي‭ ‬تصوّر‭ ‬حياة‭ ‬المرأة‭ ‬الكويتية‭ ‬المعاصرة‭). ‬

ومن‭ ‬الكويت‭ ‬سافرت‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬كمصر‭ ‬وتونس‭ ‬وجنوب‭ ‬إسبانيا،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ساعدني‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬إلمامي‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬جمعية‭ ‬الاستشراق‭ ‬البولندية‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬وارسو،‭ ‬وقدّمت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬بحثًا‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬بدايات‭ ‬الحركة‭ ‬الأدبية‭ ‬وتطوّر‭ ‬القصة‭ ‬الكويتية‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬نشرتُ‭ ‬ترجمة‭ ‬مجموعة‭ ‬ليلى‭ ‬العثمان‭ ‬القصصية‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬امرأة‭ ‬في‭ ‬إناء‮»‬‭.‬

 

اهتمام‭ ‬عريق

‭•‬‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬أوّل‭ ‬من‭ ‬ترجم‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬البولندية؟‭ ‬

‭- ‬الاهتمام‭ ‬البولندي‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي‭ ‬قديم‭ ‬وعريق،‭ ‬فقد‭ ‬اهتم‭ ‬واتسلاف‭ ‬جيفوسكي‭ (‬1785‭ - ‬1831‭) ‬بالاستشراق‭ ‬تأثرًا‭ ‬بعمّه‭ ‬يان‭ ‬بوتوتسكي‭. ‬كان‭ ‬أول‭ ‬مؤلف‭ ‬أدبي‭ ‬عرف‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬قد‭ ‬تعرَّف‭ ‬إلى‭ ‬الأدب‭ ‬العربي،‭ ‬والفولكلور‭ ‬البدوي،‭ ‬وجاء‭ ‬بعده‭ ‬كثيرون‭ ‬فتمّت‭ ‬ترجمة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬والشّعر‭ ‬العربي،‭ ‬ودراسة‭ ‬الأدب‭ ‬العربي،‭ ‬لكن‭ ‬لنعترف‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬كانت‭ ‬جهودًا‭ ‬فردية،‭ ‬لأنّ‭ ‬بولندا‭ ‬ليست‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬مثلًا‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬جالية‭ ‬عربية‭ ‬كبيرة،‭ ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬دعم‭ ‬مادي‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬مِنَح‭ ‬لدارسي‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والأدب‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬البولنديين،‭ ‬وهذه‭ ‬المشكلة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة،‭ ‬برغم‭ ‬مرور‭ ‬مئة‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وآدابها‭ ‬بجامعة‭ ‬ياجيلونسكي‭.‬

 

اهتمام‭ ‬أكثر‭ ‬بالسرد

‭ •‬‭ ‬من‭ ‬عناوين‭ ‬أبحاثك‭ ‬الأولى،‭ ‬يبدو‭ ‬اهتمامك‭ ‬بالقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الرواية‭.‬

‭- ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬ازدهارًا،‭ ‬وكنتُ‭ ‬مهتمة‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وقد‭ ‬قدّمتُ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1992،‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬العمل‭ ‬معيدةً‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وآدابها‭ ‬بمعهد‭ ‬اللغات‭ ‬الشرقية‭ ‬وآدابها‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ياجيلونسكي‭. ‬

ومنذ‭ ‬تاريخ‭ ‬بدء‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬اللغات‭ ‬الشرقية‭ ‬وآدابها‭ ‬حتى‭ ‬حصولي‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬العلمية،‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المؤتمرات‭ ‬داخل‭ ‬بولندا،‭ ‬قدّمت‭ ‬فيها‭ ‬محاضرات‭ ‬عدّة‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬الخليجي؛‭ ‬مثل‭: ‬الاتجاه‭ ‬الإبداعي‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬المعاصرة‭ ‬والقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬الكويتية‮»‬،‭ ‬و«الواقع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تجميل‭... ‬صورة‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭ ‬في‭ ‬قصص‭ ‬وليد‭ ‬الرجيب‮»‬،‭ ‬و«بدايات‭ ‬الحركة‭ ‬الأدبية‭ ‬وتطوّر‭ ‬شكل‭ ‬القصة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬حاولت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاركتي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المؤتمرات‭ ‬تقريب‭ ‬صورة‭ ‬الأدب‭ ‬المعاصر‭ ‬غير‭ ‬المعروف‭ ‬بعد‭ ‬للخليج‭ ‬العربي‭. ‬

وأثناء‭ ‬تحضيري‭ ‬للدكتوراه‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬مجلتي‭ ‬فوليا‭ ‬أورينتالنا‭ ‬وبشيغلوند‭ ‬أورينتالستيتشني‭ ‬مقالات‭ ‬باللغتين‭ ‬البولندية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬الكويتي‭ ‬المعاصر‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬وكان‭ ‬موضوعها‭ ‬‮«‬التقليد‭ ‬والإبداع‭ ‬في‭ ‬نتاج‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكويتية‭ ‬المعاصرة‭ ‬ليلى‭ ‬العثمان‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬نُشرت‭ ‬رسالتي‭ ‬هذه‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬كتاب‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬دار‭ ‬النشر‭ ‬المدى‭ ‬بدمشق‭ ‬عام‭ ‬1997م،‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬التراث‭ ‬والمعاصرة‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬ليلى‭ ‬العثمان‮»‬‭.‬

 

الحركة‭ ‬السردية‭ ‬الكويتية

‭•‬‭ ‬كانت‭ ‬الحركة‭ ‬السردية‭ ‬الكويتية‭ ‬ككل‭ ‬موضوع‭ ‬أطروحتك‭ ‬لدكتوراه‭ ‬الدولة‭.‬

‭- ‬في‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬قدّمت‭ ‬أطروحتي‭ ‬لدكتوراه‭ ‬الدولة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الرواية‭ ‬الكويتية‭ ‬المعاصرة‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬السّلْم‭ ‬والحرب،‭ ‬تحدد‭ ‬ملامح‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬المعاصرة‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬ذلك‭ ‬بتحديد‭ ‬صورة‭ ‬الكتّاب‭ ‬القديرين‭. ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تقسيمها‭ ‬إلى‭ ‬قسمين؛‭ ‬الأول‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الرواية‭ ‬الكويتية‭ ‬والقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬1929‭ - ‬1990‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬متعلّق‭ ‬بمنشأ‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬الكويتية،‭ ‬وهنا‭ ‬تظهر‭ ‬أسماء‭ ‬الكتّاب‭ ‬الأسلاف،‭ ‬أمثال‭ ‬خالد‭ ‬الفرج‭ ‬وفهد‭ ‬الدويري‭ ‬وفاضل‭ ‬خلف‭. ‬وتبيّن‭ ‬المراحل‭ ‬التالية‭ ‬من‭ ‬الرسالة‭ ‬تطور‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬الذي‭ ‬أدّى‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬فيه‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬سليمان‭ ‬الشطّي‭ ‬وسليمان‭ ‬الخليفي‭ ‬وإسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل‭. ‬

الفصل‭ ‬الفرعي‭ ‬التالي‭ ‬يبيّن‭ ‬ازدهار‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬الكويتية،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬أعمال‭ ‬ليلى‭ ‬العثمان،‭ ‬ووليد‭ ‬الرجيب،‭ ‬وثريّا‭ ‬البقصمي،‭ ‬ومحمد‭ ‬العجمي‭. ‬وأريد‭ ‬أن‭ ‬ألفت‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬فضلهم‭ ‬المميّز‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬الرواية‭ ‬الكويتية‭. ‬

في‭ ‬الفصل‭ ‬الفرعي‭ ‬الخاص‭ ‬بالجيل‭ ‬الجديد،‭ ‬يجدر‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬أسماء‭ ‬حمد‭ ‬الحمد،‭ ‬وطالب‭ ‬الرفاعي،‭ ‬وعالية‭ ‬شعيب،‭ ‬ومنى‭ ‬الصافي،‭ ‬وليلى‭ ‬محمد‭ ‬صالح‭. ‬

أمّا‭ ‬الجزء‭ ‬الإبداعي‭ ‬والأساسي‭ ‬في‭ ‬الرسالة،‭ ‬فهو‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1990‭ ‬إلى‭ ‬1995‭ ‬والذي‭ ‬يحمل‭ ‬العنوان‭ ‬‮«‬العدوان‭ ‬العراقي‭ ‬على‭ ‬الكويت‭... ‬الرؤية‭ ‬الأدبية‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬الكويتية‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬برغم‭ ‬أهميته،‭ ‬لم‭ ‬يحظَ‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬بأيّ‭ ‬عمل‭ ‬مهم‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬الكتّاب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬أذكر‭ ‬ثريّا‭ ‬البقصمي،‭ ‬وحمد‭ ‬الحمد،‭ ‬ووليد‭ ‬الرجيب،‭ ‬ومنى‭ ‬الشافعي،‭ ‬وليلى‭ ‬محمد‭ ‬صالح،‭ ‬وليلى‭ ‬العثمان‭.‬

يتم‭ ‬في‭ ‬قصصهم‭ ‬تحليل‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬واقع‭ ‬الحرب،‭ ‬والتي‭ ‬تبيّن‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬يحدق‭ ‬بالإنسان‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محتلّة‭. ‬ويتم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬وعجز‭ ‬الوحدة‭ ‬عند‭ ‬التماسّ‭ ‬بالمحتل‭. ‬معظم‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بتجاربهم‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬عاشوها،‭ ‬ويجب‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬الجهد‭ ‬الذي‭ ‬بذلوه،‭ ‬متناولين‭ ‬وصف‭ ‬الحرب‭ ‬بأقلامهم،‭ ‬وقد‭ ‬نال‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬تقييمات‭ ‬إيجابية‭ ‬محليّة‭ ‬وخارجية‭. ‬

 

القصة‭ ‬في‭ ‬الخليج

‭•‬‭ ‬قدّمت‭ ‬دراسات‭ ‬عديدة‭ ‬عن‭ ‬القصة‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬والسعودية‭ ‬والبحرين‭ ‬وعمان‭ ‬والإمارات‭ ‬وغيرها،‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬فما‭ ‬المشترك‭ ‬الأدبي‭ ‬بين‭ ‬الكتابات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يميّز‭ ‬أدب‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬منها‭ ‬عن‭ ‬أدب‭ ‬الأخرى؟

‭- ‬نعم‭ ‬معظم‭ ‬دراساتي‭ ‬تخصصت‭ ‬في‭ ‬أدب‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬والملاحظ‭ ‬هو‭ ‬اهتمام‭ ‬الكاتبات‭ ‬والكتّاب‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬بقضايا‭ ‬المرأة،‭ ‬وتعليمها‭ ‬وحرّيتها‭ ‬المسؤولة،‭ ‬وتاريخ‭ ‬التحول‭ ‬المفصلي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الخليجي،‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬النفط،‭ ‬وتغيّر‭ ‬الحياة‭ ‬وتطوّرها،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتاريخ‭ ‬الخليج،‭ ‬وهناك‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التشابه‭ ‬الموضوعاتي‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬السردية‭ ‬الخليجية،‭ ‬ومحاولة‭ ‬البعض‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬الحداثة‭ ‬الشكليّة‭ ‬للنصوص‭.‬

 

مراحل‭ ‬الأدب‭ ‬الخليجي

‭•‬‭ ‬ما‭ ‬أهم‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬بها‭ ‬الأدب‭ ‬الخليجي‭ ‬عمومًا‭ ‬والكويتي‭ ‬بالذات،‭ ‬وأهم‭ ‬خصائص‭ ‬كل‭ ‬مرحلة؟

‭- ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬مراحل‭ ‬تطوّر‭ ‬الأدب‭ ‬الخليجي‭ ‬متشابهة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬السرديّة،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بمحاكاة‭ ‬الكتابة‭ ‬المصرية،‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬مبكرًا،‭ ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬الكتّاب‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال‭ ‬المختلفة‭ ‬يطّلعون‭ ‬على‭ ‬الآداب‭ ‬العالمية،‭ ‬نتيجة‭ ‬لتطور‭ ‬التعليم‭ ‬والسفر‭ ‬إلى‭ ‬الخارج،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثمر‭ ‬حصول‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬المهمة،‭ ‬مثل‭ ‬البوكر‭.‬

‭•‬‭ ‬ما‭ ‬أوجه‭ ‬التشابه‭ ‬والاختلاف‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬الخليجي‭ ‬وأدب‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك؟

‭- ‬الأدب‭ ‬الخليجي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬مهمومًا‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬النفط،‭ ‬وما‭ ‬أحدثته‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬النصوص‭ ‬الروائية‭ ‬الحداثية،‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬جوائز‭ ‬البوكر‭ ‬وغيرها،‭ ‬والتي‭ ‬غاصت‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الخليجي،‭ ‬وأبرزت‭ ‬الجديد‭ ‬المجتمعي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬أدب‭ ‬المشرق‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬كثّف‭ ‬من‭ ‬التجريب‭ ‬الروائي‭ ‬والشّعري،‭ ‬لسبر‭ ‬أغوار‭ ‬الواقع‭ ‬بكلّ‭ ‬تناقضاته‭ ‬الحادة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات،‭ ‬التي‭ ‬هيمن‭ ‬كُتّابها‭ ‬ومبدعوها‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬العربي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثّر‭ ‬في‭ ‬أجيال‭ ‬كثيرة‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي‭.‬

 

إضافة‭ ‬حقيقية

‭•‬‭ ‬هل‭ ‬ترين‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬الآن‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إضافة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬مجرى‭ ‬الآداب‭ ‬العالمية،‭ ‬وكيف‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك؟

‭- ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬يمثّل‭ ‬جزءًا‭ ‬أصيلًا‭ ‬من‭ ‬الآداب‭ ‬العالمية،‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬‮«‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الميراث‭ ‬الثقافي‭ ‬والمعرفي‭ ‬العالمي،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬ترجم‭ ‬ثلثها‭ ‬المستشرق‭ ‬الفرنسي‭ ‬جان‭ ‬جالان‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الفرنسية‮»‬،‭ ‬تمّت‭ ‬ترجمتها‭ ‬من‭ ‬‮«‬الفرنسية‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬كلّ‭ ‬لغات‭ ‬العالم،‭ ‬وجدنا‭ ‬تأثيرها‭ ‬في‭ ‬كتّاب‭ ‬أوربا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬والعالم،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬كتّاب‭ ‬أدب‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬أفادوا‭ ‬من‭ ‬عوالمها‭ ‬الفانتازية‭ ‬والسحريّة،‭ ‬في‭ ‬إبداعاتهم‭ ‬للأطفال،‭ ‬واستثمار‭ ‬شخصياتها‭ ‬كعلاء‭ ‬الدين‭ ‬والسندباد‭ ‬وغيرهما،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬أدب‭ ‬الأطفال‭. ‬

وما‭ ‬ينتجه‭ ‬المبدع‭ ‬العربي‭ ‬الآن،‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬ورواية‭ ‬وقصة‭ ‬قصيرة،‭ ‬يلفت‭ ‬نظر‭ ‬الناقد‭ ‬الغربي،‭ ‬لا‭ ‬سيّما‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تنال‭ ‬شهرة‭ ‬عبر‭ ‬الجوائز‭ ‬العربيّة‭ ‬والعالمية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬ترجمة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬لغات‭ ‬العالم،‭ ‬خاصة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والفرنسية‭ ‬وغيرهما‭. ‬وعلى‭ ‬هذا،‭ ‬فإنّ‭ ‬ما‭ ‬يطرحه‭ ‬الجيل‭ ‬المعاصر‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬يهتم‭ ‬به‭ ‬الأكاديميون‭ ‬الغربيّون‭ ‬في‭ ‬أقسام‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ومعاهد‭ ‬الدراسات‭ ‬العربية‭ ‬عالميًّا،‭ ‬ويعضد‭ ‬هذا‭ ‬الأساتذة‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يدرسون‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬وأمريكا‭ ‬وآسيا‭.‬

 

بين‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬والبولندي

‭•‬‭ ‬ما‭ ‬وجه‭ ‬التشابه‭ ‬والاختلاف‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬ونظيره‭ ‬البولندي‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك؟‭ ‬وما‭ ‬أهم‭ ‬أنواع‭ ‬الكتابة‭ ‬الرائجة‭ ‬في‭ ‬بولندا،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالوطن‭ ‬العربي‭ ‬حيث‭ ‬تروج‭ ‬الرواية؟‭ ‬وما‭ ‬أوجه‭ ‬التشابه‭ ‬والاختلاف‭ ‬بين‭ ‬الحركة‭ ‬النقدية‭ ‬العربية‭ ‬والبولندية؟

‭- ‬كان‭ ‬للعلاقات‭ ‬الثقافية‭ ‬والتاريخية‭ ‬بين‭ ‬بولندا‭ ‬وأوربا‭ ‬والعرب،‭ ‬أثره‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬انتقال‭ ‬الموضوعات‭ ‬والأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الأوساط‭ ‬الأدبية‭ ‬الأوربيّة‭ ‬بوجه‭ ‬عام،‭ ‬والبولندية‭ ‬بوجه‭ ‬خاص،‭ ‬وتجلّى‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬الرحلات‭ ‬والترجمات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬‮«‬كليلة‭ ‬ودمنة‮»‬‭ ‬وقصص‭ ‬لقمان،‭ ‬وحكايات‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬ترجمتها‭ ‬البولندية،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬مشاجرات‭ ‬عربية‮»‬،‭ ‬والسندباد،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬راحت‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬البولندي‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬في‭ ‬أوربا؛‭ ‬حيث‭ ‬نفذ‭ ‬الاستشراق‭ ‬إلى‭ ‬الأدب‭ ‬البولندي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الأدب‭ ‬الغربي‭ ‬عمومًا،‭ ‬والأدب‭ ‬الفرنسي‭ ‬خصوصًا،‭ ‬وكان‭ ‬للكاتب‭ ‬البولندي‭ ‬إيجناتسي‭ ‬كراشيتسكي،‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤلّفات‭ ‬المقتبسة‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬الشرقي،‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تعميم‭ ‬الاستشراق‭ ‬بالأدب‭ ‬البولندي‭ ‬إبّان‭ ‬عصر‭ ‬التنوير،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الترجمات‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬البولندية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬فظهرت‭ ‬في‭ ‬بولندا‭ ‬أسماء‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬ومحمود‭ ‬تيمور‭ ‬وتوفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬ويوسف‭ ‬إدريس‭ ‬وإحسان‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬وزكريا‭ ‬تامر‭ ‬وغسان‭ ‬كنفاني‭ ‬ومحمود‭ ‬درويش‭ ‬وأبوالقاسم‭ ‬الشابي‭ ‬وعبدالسلام‭ ‬العجيلي،‭ ‬وغيرهم‭.‬

وبشكل‭ ‬مؤكد،‭ ‬هناك‭ ‬حركة‭ ‬تأثير‭ ‬وتأثُّر‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬البولندي‭ ‬والآداب‭ ‬العربية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬السرديّة‭ ‬منها،‭ ‬كـ‭ ‬‮«‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‮»‬،‭ ‬فنجد‭ ‬عوالم‭ ‬الواقعية‭ ‬السحرية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬البولندية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬اهتمام‭ ‬الرواية‭ ‬والشعر‭ ‬البولنديين‭ ‬بالتاريخ‭ ‬البولندي،‭ ‬عبر‭ ‬عقوده‭ ‬المختلفة‭. ‬

الإبداع‭ ‬البولندي‭ ‬متنوع‭ ‬وثريّ،‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الشعري‭ ‬والسردي‭ ‬بأنواعه،‭ ‬ونلحظ‭ ‬أن‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‭ ‬2018،‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬الروائية‭ ‬البولندية‭ ‬أولجا‭ ‬توكارتشوك،‭ ‬التي‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬واقعها‭ ‬عبر‭ ‬نص‭ ‬عابر‭ ‬للحدود‭. ‬

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬النقدية‭ ‬البولندية‭ ‬نشطة‭ ‬ومنفتحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬وهناك‭ ‬حركة‭ ‬نقدية‭ ‬عربية،‭ ‬عبر‭ ‬أجيال‭ ‬متتابعة‭.‬

 

مصدر‭ ‬إلهام

‭•‬‭ ‬كيف‭ ‬شكّلت‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬العربية‭ ‬مصدرًا‭ ‬للإلهام‭ ‬لدى‭ ‬الشعراء‭ ‬والكُتّاب‭ ‬البولنديين؟

‭- ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أننا‭ ‬تعرّفنا‭ ‬على‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬مبكّرة؛‭ ‬حيث‭ ‬نشرت‭ ‬القصائد‭ ‬العربية‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬بولندا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬البروفيسور‭ ‬يانوش‭ ‬دانتسكي‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬وارسو،‭ ‬فقد‭ ‬وضع‭ ‬كتابين‭ ‬مكرّسين‭ ‬للشعر‭ ‬العربي‭ ‬القديم؛‭ ‬أولهما‭ ‬بعنوان‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬وحتى‭ ‬الثامن،‭ ‬وقد‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬أوسولينسكس‭ ‬الشهيرة،‭ ‬بمدينة‭ ‬فروتسلاف‭ ‬عام‭ ‬1997م‭.‬

ومن‭ ‬شعراء‭ ‬هذا‭ ‬الإصدار‭ ‬امرؤ‭ ‬القيس‭ ‬وعمرو‭ ‬بن‭ ‬كلثوم‭ ‬والحارث‭ ‬بن‭ ‬حلزة‭ ‬وزهير‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سلمى‭ ‬وعنترة‭ ‬بن‭ ‬شداد‭ ‬والخنساء‭ ‬وقيس‭ ‬بن‭ ‬الملوّح‭ ‬وجميل‭ ‬بثينة‭ ‬وعمر‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬ربيعة‭ ‬والأخطل‭ ‬والفرزدق‭ ‬وأبو‭ ‬نواس‭ ‬وأبو‭ ‬العتاهية‭ ‬وابن‭ ‬الرومي،‭ ‬ويتضمّن‭ ‬هذا‭ ‬الإصدار‭ ‬أيضًا‭ ‬ترجمة‭ ‬لبعض‭ ‬السور‭ ‬القصيرة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭. ‬

ويحمل‭ ‬الكتاب‭ ‬الثاني‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬الشعر‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬العباسي‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬وحتى‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬وارسو‭ ‬1998م،‭ ‬ويتضمّن‭ ‬قصائد‭ ‬بشّار‭ ‬بن‭ ‬بُرد،‭ ‬وأبي‭ ‬تمام‭ ‬والبحتري‭ ‬وابن‭ ‬المعتز‭ ‬والمتنبي‭ ‬وأبي‭ ‬العلاء‭ ‬المعري‭.‬

وفضلًا‭ ‬عن‭ ‬ذلك؛‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬المستعرب‭ ‬البولندي‭ ‬البارز‭ ‬يوسف‭ ‬بيلافسكي‭ (‬1910‭ - ‬1997م‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬باللغة‭ ‬البولندية‭ ‬تاريخ‭ ‬الأدب‭ ‬العربي،‭ ‬القديم‭ ‬والحديث،‭ ‬معتمدًا‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬البداية؛‭ ‬حيث‭ ‬صدر‭ ‬كتابه‭ ‬في‭ ‬ورتسلاف‭ ‬عام‭ ‬1968م‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬وصدر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬وارسو‭ ‬عام‭ ‬1995م،‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬الكلاسيكي‮»‬‭.‬

وكان‭ ‬لارتباط‭ ‬بولندا‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ ‬بعلاقات‭ ‬حميمة‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬أثره‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬الاهتمام‭ ‬الكبير‭ ‬بالقرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬الذي‭ ‬ترجمه‭ ‬كاملًا‭ ‬للبولندية‭ ‬ميجاتاراك‭ ‬بوتشافسكي،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭. ‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذا،‭ ‬أصدر‭ ‬يوسف‭ ‬بيلافسكي‭ ‬ومجموعة‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬وارسو،‭ ‬كتابًا‭ ‬من‭ ‬جزأين،‭ ‬يهتمّ‭ ‬بتاريخ‭ ‬الأدب،‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‮»‬‭ (‬أدب‭ ‬المشرق‭ ‬العربي،‭ ‬وارسو‭ ‬1978م،‭ ‬وأدب‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬1989م‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬دراسة‭ ‬مهمة‭ ‬تهتم‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر،‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬أقطار‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬

جدير‭ ‬بالذّكر‭ ‬أن‭ ‬النقاد‭ ‬البولنديين‭ ‬أصدروا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬النقدية‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬العربي؛‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬نشره‭ ‬الأستاذ‭ ‬تاديوش‭ ‬كوفالكسي‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬نقدية‭ ‬عن‭ ‬ديوان‭ ‬كعب‭ ‬بن‭ ‬زهير،‭ ‬الذي‭ ‬قدّمه‭ ‬السكّري‭. ‬ويُذكر‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬البروفيسورة‭ ‬ماريا‭ ‬كوفالسكا‭ ‬نشرت‭ ‬كتابًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬أدب‭ ‬الرحلة‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى،‭ ‬وصدر‭ ‬في‭ ‬وارسو‭ - ‬كراكوف‭ ‬1973م‭. ‬

وهناك‭ ‬ترجمة‭ ‬للمعلّقات‭ ‬العربية‭ ‬باللغة‭ ‬البولندية،‭ ‬وتوالت‭ ‬الدراسات‭ ‬المهتمّة‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي،‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الدوائر‭ ‬الأكاديمية‭ ‬البولندية‭.‬

 

اهتمام‭ ‬كبير

‭•‬‭ ‬ما‭ ‬ملامح‭ ‬النظرة‭ ‬النقدية‭ ‬تجاه‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬بولندا؟

‭- ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬والأدب‭ ‬العربي،‭ ‬يأخذان‭ ‬اهتمامًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأوربية،‭ ‬لا‭ ‬سيّما‭ ‬البولندية‭ ‬منها،‭ ‬مثلما‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بمعهد‭ ‬الاستشراق‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ياجيلونيسكي‭ ‬التي‭ ‬أعمل‭ ‬بها،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بجامعة‭ ‬وارسو‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬جامعات‭ ‬بولندا،‭ ‬والدراسات‭ ‬النقدية‭ ‬لنقّاد‭ ‬ودارسين‭ ‬بولنديين‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬العربي،‭ ‬تتجلّى‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬تُنشر‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬الأوربية،‭ ‬مثلما‭ ‬فعلت‭ ‬كمتخصصة‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي؛‭ ‬حيث‭ ‬قدّمت‭ ‬دراسات‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬واللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬ومصر‭ ‬والسعودية‭ ‬والبحرين‭ ‬والإمارات‭ ‬وعُمان‭ ‬وقطر‭ ‬وغيرها،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬نقيمها‭ ‬في‭ ‬بولندا،‭ ‬أو‭ ‬نشارك‭ ‬فيها؛‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬المؤتمر‭ ‬الدولي‭ ‬للغات‭ ‬والحضارات‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬أخيرًا‭ ‬تحت‭ ‬إشرافي،‭ ‬بمناسبة‭ ‬مرور‭ ‬مئة‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬معهد‭ ‬الاستشراق‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ياجيلونيسكي،‭ ‬كراكوف،‭ ‬بولندا،‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬إلى‭ ‬16‭ ‬أكتوبر‭ ‬2019،‭ ‬وشارك‭ ‬فيه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬باحثًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬باحث‭ ‬مصري؛‭ ‬هو‭ ‬
د‭. ‬شريف‭ ‬الجيار،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أستاذًا‭ ‬زائرًا‭ ‬في‭ ‬جامعتنا‭ ‬العريقة‭.‬

 

تعاون‭ ‬أكاديمي‭ ‬جيد

‭ •‬‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬آفاق‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وآدابها،‭ ‬ومعهد‭ ‬الاستشراق‭ ‬بجامعة‭ ‬ياجيلونسكي‭ ‬وبين‭ ‬مثيلاتها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التعاون؟

‭- ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الأكاديمية‭ ‬البولندية‭ ‬والأكاديمية‭ ‬العربية‭ ‬عميق،‭ ‬وجيّد،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الاستشراق،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬الذي‭ ‬أشرُف‭ ‬برئاسته،‭ ‬لدينا‭ ‬تعاون‭ ‬أكاديمي‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬الأقسام‭ ‬المناظرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬ويتّضح‭ ‬هذا‭ ‬جليًّا‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النقّاد‭ ‬والكتّاب‭ ‬العرب‭ ‬البارزين‭ ‬إلى‭ ‬جامعتنا‭ ‬العريقة،‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الاستشراق،‭ ‬منهم‭ ‬الدكتور‭ ‬العماني‭ ‬محمد‭ ‬الحجري،‭ ‬الذي‭ ‬ألقى‭ ‬محاضرات‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬العمانية،‭ ‬وهو‭ ‬تعاون‭ ‬ثقافي‭ ‬وعلمي‭ ‬مُثمر،‭ ‬يفيد‭ ‬منه‭ ‬الجانبان،‭ ‬البولندي‭ ‬والعربي،‭ ‬عبر‭ ‬التداخل‭ ‬الثقافي،‭ ‬والمعرفي‭ ‬والعلمي‭. ‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذا،‭ ‬يفيد‭ ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬المُثمر‭ ‬الطلاب‭ ‬البولنديين،‭ ‬في‭ ‬التعرف‭ ‬إلى‭ ‬الثقافات‭ ‬العربية،‭ ‬والمدارس‭ ‬النقدية‭ ‬العربية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعلهم‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬مِنح‭ ‬للسفر‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬للدراسة‭ ‬وممارسة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭.‬

 

تركيز‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬السردي

‭•‬‭ ‬معظم‭ ‬أبحاثك‭ ‬وترجماتك‭ ‬تركّزت‭ ‬على‭ ‬القصة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تهملي‭ ‬الشّعر‭ ‬تمامًا،‭ ‬فلك‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الشعر‭ ‬المعاصر‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬فكيف‭ ‬ترين‭ ‬الحركة‭ ‬الشعرية‭ ‬الخليجية‭ ‬الراهنة،‭ ‬وما‭ ‬أهم‭ ‬ملامحها؟

‭- ‬فعلًا‭ ‬معظم‭ ‬أبحاثي‭ ‬تركّزت‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬السردي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬منذ‭ ‬الماجستير‭ ‬والدكتوراه‭ ‬وأبحاث‭ ‬الأستاذية،‭ ‬لكنّي‭ ‬لم‭ ‬أغفل‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬المعاصرة‭ ‬منها،‭ ‬فكتبتُ‭ ‬دراستي‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬المعاصر‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية؛‭ ‬لأنّني‭ ‬وجدتُ‭ ‬حراكًا‭ ‬شعريًّا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬لا‭ ‬يقلّ‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬القصة‭ ‬والرواية،‭ ‬ونستطيع‭ ‬من‭ ‬خلاله،‭ ‬أن‭ ‬نرصد‭ ‬الواقع‭ ‬الخليجي،‭ ‬وقضاياه‭ ‬المطروحة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬مثل‭ ‬قضايا‭ ‬المرأة،‭ ‬والتاريخ،‭ ‬والتغيرات‭ ‬التي‭ ‬شابت‭ ‬الشخصية‭ ‬الخليجية‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬النفط،‭ ‬والحداثة‭ ‬الحياتية،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬ثوب‭ ‬شعري‭ ‬تخييلي‭ ‬يتّسم‭ ‬بالحداثة‭ ‬الشعرية،‭ ‬ومحاولة‭ ‬التجريب‭ ‬النصي‭. ‬مثلما‭ ‬قدّمتُ‭ ‬محاضرة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬المحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬بالوحدة‭... ‬الموضوع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬قصائد‭ ‬الشاعر‭ ‬العماني‭ ‬سعيد‭ ‬الصقلاوي‮»‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المحاضرات‭ ‬والدراسات‭ ‬في‭ ‬المؤتمرات‭ ‬المختلفة‭.‬

 

دور‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية

‭•‬‭ ‬كيف‭ ‬ترين‭ ‬مستقبل‭ ‬تعليم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ودور‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة؟

‭- ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬المهمة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬ينكر‭ ‬ما‭ ‬قدّمته‭ ‬ثقافة‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬للميراث‭ ‬العالمي،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬تعليم‭ ‬‮«‬العربية‮»‬‭ ‬سيزداد،‭ ‬فهو‭ ‬الآن‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬جامعات‭ ‬أمريكا‭ ‬وأوربا‭ ‬وآسيا،‭ ‬وهناك‭ ‬أقسام‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬لها‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬جامعاتنا،‭ ‬مثل‭ ‬جامعة‭ ‬ياجيلونسكي،‭ ‬أقدم‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬بولندا‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬التسعينيات،‭ ‬وجدنا‭ ‬انتشارًا‭ ‬للثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬التي‭ ‬سهّلت‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬والأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬وأكدت‭ ‬الحضور‭ ‬الفاعل‭ ‬لهذه‭ ‬الثقافة‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬الميراث‭ ‬الثقافي‭ ‬الدولي،‭ ‬ولديّ‭ ‬بحث‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬مستقبل‭ ‬دراسات‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وآدابها‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬البولندية‮»‬،‭ ‬خلصت‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬زيادة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بدراسة‭ ‬العربية‭ ‬وآدابها‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬البولندية،‭ ‬نتيجة‭ ‬للعمق‭ ‬التاريخي‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬بولندا‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬وحب‭ ‬الدارس‭ ‬البولندي‭ ‬للأدب‭ ‬العربي،‭ ‬وتاريخه‭ ‬الطويل‭.‬

 

الحركة‭ ‬الفنية‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬الكويت

‭•‬‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأدب،‭ ‬لك‭ ‬اهتمام‭ ‬بالحركة‭ ‬الفنيّة‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬رجاء‭ ‬توضيح‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬ببعض‭ ‬التفصيل‭.‬

‭- ‬لقد‭ ‬قضيت‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬1994‭/‬1995‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬وسافرت‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬بدعوة‭ ‬من‭ ‬الكاتبة‭ ‬والرسّامة‭ ‬الكويتية‭ ‬ثريّا‭ ‬البقصمي،‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬إقامتي‭ ‬هناك‭ ‬تجميع‭ ‬أكبر‭ ‬قَدر‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬لوضع‭ ‬كتاب‭ ‬عن‭ ‬حياتها‭ ‬وأعمالها‭. ‬وقد‭ ‬أثمرت‭ ‬أعمالي‭ ‬هذه‭ ‬كتابًا‭ ‬صدر‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬بالكويت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1977،‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬ثريا‭ ‬البقصمي‭ ‬بين‭ ‬الريشة‭ ‬والقلم‮»‬‭.‬

وأثناء‭ ‬إقامتي‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬نشرت‭ ‬مقالات‭ ‬باللغتين‭ ‬العربية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬الأدبية‭ ‬والصحف‭ ‬الكويتية‭ ‬التالية‭: ‬‮«‬البيان‮»‬،‭ ‬و‮«‬عرب‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬و«السياسة‮»‬‭ ‬و«الطليعة‮»‬‭. ‬

وبعد‭ ‬بدء‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬اتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬الكويتيين،‭ ‬ألقيت‭ ‬هناك‭ ‬محاضرة‭ ‬بتاريخ‭ ‬26‭ ‬أبريل‭ ‬1995‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬الكويتي‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬كما‭ ‬أنّني‭ ‬لم‭ ‬أتوقّف‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬مؤتمرات‭ ‬عربية‭ ‬وأوربية،‭ ‬وتقديم‭ ‬الأبحاث‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬الخليجي‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬سعاد‭ ‬الصباح‭ ‬–In‭ ‬the‭ ‬Beginning‭ ‬was‭ ‬the‭ ‬Female‮»‬‭. ‬‮«‬والقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬عمان‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬الثمانينيات‭ ‬والتسعينيات‮»‬،‭ ‬و«الأصوليّة‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬وفي‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬الأخرى‮»‬،‭ ‬و‮«‬Symbols‭ ‬in‭ ‬the‭ ‬Art‭. ‬Of‭ ‬Kuwaiti‭ ‬Artist‭ ‬Turayya‭ ‬Al‭.-‬Baqsami‮»‬،‭ ‬تم‭ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬بودابست،‭ ‬و«العدوان‭ ‬العراقي‭ ‬على‭ ‬الكويت‭... ‬الرؤية‭ ‬الأدبية‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬الكويتية‭ ‬القصيرة‮»‬،‭ ‬و«الأحداث‭ ‬الحربية‭ ‬المأساوية‭ ‬كأساس‭ ‬للأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬عند‭ ‬الكتّاب‭ ‬الكويتيين‮»‬‭.‬

‭ ‬

مستقبل‭ ‬الأدب‭ ‬العربي

‭•‬‭ ‬كيف‭ ‬ترين‭ ‬مستقبل‭ ‬الأدب‭ ‬العربي،‭ ‬والفن‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬عمومًا،‭ ‬وفي‭ ‬الكويت‭ ‬بالذات؟

‭- ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر،‭ ‬قد‭ ‬حقّق‭ ‬تطورًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الشكلي‭ ‬والمضموني،‭ ‬فمثلًا‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬السردي‭ ‬الخليجي،‭ ‬لا‭ ‬سيّما‭ ‬الكويتي‭ ‬منه،‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬أدب‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬متمسكًا‭ ‬بالقضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬قالَب‭ ‬حداثي‭.‬

‭•‬‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬المهمة‭ ‬للرواية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬جائزة‭ ‬الملتقى‭ ‬الكويتية‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة،‭ ‬فما‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬الجوائز‭ ‬على‭ ‬الأدب‭ ‬برأيك؟

‭- ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬ألحظ‭ ‬وجود‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬الأدبية‭ ‬المهمة،‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬منها‭ ‬جوائز‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬المصرية‭ ‬للكتّاب‭ ‬العرب،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الجوائز‭ ‬العربية،‭ ‬مثل‭ ‬جوائز‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬والعويس‭ ‬وكتارا‭ ‬وجائزة‭ ‬الملتقى‭ ‬بالكويت،‭ ‬وكلّها‭ ‬جوائز‭ ‬مهمة‭ ‬لتحفيز‭ ‬المبدعين‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬الأدبي‭ ‬والفني‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬مساندتها‭ ‬للكتّاب‭ ‬العرب‭ ‬الشباب،‭ ‬الذين‭ ‬يسعدون‭ ‬بها‭ ‬جدًا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أنها‭ ‬تساعد‭ ‬الدارسين‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬الخريطة‭ ‬الإبداعية‭ ‬الجديدة‭ ‬للعالم‭ ‬العربي■