الأمراض الجماعية والإبداع.. الوباء حقٌّ لكل مواطن!

وصار العالم صغيرًا جدًا، في غضون أيام قليلة انتقل الوباء عبر السفن والطائرات وأجسام البشر، وارتفعت أرقام ضحاياه، وأطلقوا عليه العديد من الأسماء العلمية والشعبيّة، لكنّه يبقى في النهاية وباء، وهذه المرة شاهده الناس عن قُرب، في ضحاياه والمصابين به، والناجين منه، وبدا عنيفًا قويًا كأنه يسخر من البشرية التي تسيّدت العالَم والتاريخ، وانتشر فينا ومن حولنا، كأنه يردّد بكل قوة:
أنا المرضُ الجديد... حقٌّ لكل البشر!
لم يكن الأمر بالجديد تمامًا، فمنذ أن رحل الممثل روك هدسون بسبب مرض فقدان المناعة (الإيدز) والبشرية تلاحقها الأخطار الجسيمة في صورة أوبئة قاتلة مخيفة متتابعة ومتعددة الأسماء، مرّة اسارسب، ومرة إنفلونزا الطيور، أو إنفلونزا الخنازير، ثم يأتي اكوفيد التاسع عشرب!
ومَن يتابع الإبداع البشري سيجد أن الإنسان كان يقدّم قرابينه للعدوى الجماعية في صورة إبداع، خاصة في الرواية، التي تحوّل أغلبها إلى أفلام، وأيضًا في الشّعر، والمسرح، وبالطبع السينما التي لم تتوقف قطّ عن تتبُّع هذه الأمراض من فيلم إلى آخر، ولعلّ أبلغ مشهد في هذا النطاق ما رأيناه في نهاية فيلم اعلى الشاطئب، إخراج ستانلي كرامر عام 1959، وتمثيل جريجوري بيك وإيفا جاردنر وأنتوني بيركنز، حيث إن الوباء هنا كيميائي بسبب انتشار الغبار الذرّي في كل أنحاء العالم، ولم يَنجُ منه أحد، لدرجة أنّ الناس وقفت طوابير طويلة جدًا أمام المستشفيات للحصول على العلاج المنشود، وبدت الحال بائسة للغاية، وهذا المشهد البالغ القسوة لم يحدث مثله، ولله الحمد، في الشهور الأخيرة، لكن تُرى هل يمكننا رؤيته لو صار لـ اكوروناب أكثر من جيل في الفترة القادمة؟
تعالوا نرى كيف جسّدت السينما العديد من صراعات الإنسان مع الأوبئة أيًا كانت أسماؤها، وذلك عبر الإبداع البشري، ففي حين تلاشت الأمراض الإنسانية الجماعية، أو ولدت غيرها، فإنّ الإبداع ماثل لنا شاهدًا على ما عاشه الإنسان.
تطورات سريعة ومخيفة
فوجئ أبناء هذا الجيل وصُدموا بشدّة من التطورات السريعة المخيفة للغاية لسرعة تغلغل الوباء القاتل الذي حلّ علينا ضيفًا ثقيلًا لا نكاد نراه أو نلمسه، لكنّه موجود في حياتنا بشكل مكثف، يسيطر علينا، ويهددنا دون أن يُخرج لنا لسانه!
لقد أتانا كي يحقق خيالات المبدعين في القرنين العشرين والواحد والعشرين في مجالات متعددة، منها الرواية والسينما وأيضًا الدراما التلفزيونية، وبالطبع الفنّ التشكيلي، فيما يسمى بالإبداع التحذيري، أو التنبؤي، إنه قادم إلينا من كل مكان إلى كل الأنحاء، ومن دون استئذان، وهو يجلب معه قدرًا من الأدوات والمصطلحات، منها العدوى والكمامات، وأرقام الإصابة، وأعداد الوفيات، وينتقل بلا هوادة إلى أماكن كثيرة كانت حتى الأمس القريب مكتظة بالحياة، فصارت مظلمة تمامًا بما فيها من خواء وظلام وأشباح مرئية وغير ذلك.
الأمر يختلف بالنسبة للقارئ أو المشاهد، فكل من قرأ الروايات المهمة، أو شاهد الأفلام الضخمة محليًّا وعربيًّا وعالميًّا يعرف جيدًا كيف تكون الحياة تحت السماوات المسكونة الآن بكل أنواع الوباء، وهذا ما سوف نتحدث عنه في البداية من خلال بعض الأمور المشتركة.
لفت الوباء أنظار كتّابٍ بالغي الأهمية في المكانة الإنسانية، ورغم ذلك فإن كتّابًا مهمين آخرين مرّت عليهم الأمور فتجاهلوها تمامًا، بل إن واحدًا منهم، هو أكثرهم أهمية، استخدم اسم وباء في عنوان إحدى رواياته، ومن دون أن تكون هناك كوليرا حقيقية، وهو جابرييل جارثيا ماركيز في روايته االحب في زمن الكوليراب، وفي مصر، حيث زارها أكثر من وباء عبر القرون، فإن أصحاب أقلام كبيرة لم يلتفتوا إلى الوباء الذي حصد الأرواح من آلاف وملايين الأحياء الذين عاشوا معهم، ومنهم في مصر المعاصرة نجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، ويوسف السباعي، وغيرهم، فإن التجربة تركت أثرها لدى كاتبة مصرية كانت تكتب بالفرنسية، هي أندريه شديد، التي كتبت واحدة من الروايات العالمية المشهورة عن وباء الكوليرا 1947، بالتفاصيل الدقيقة، علمًا بأنه في تلك الفترة كان محفوظ ينشر ازقاق المدقب، واخان الخليليب، ويكتب االسرابب، أما السباعي فنشر االسقّا ماتب واأرض النفاقب، والأمثلة كثيرة.
حق للجميع!
بكل الصدمة، فإنّ الوباء حق للجميع، ومهما اختفى فسيظهر من جديد، هو أو غيره، إنه ظاهرة حياتية قديمة جدًّا ارتبطت في أغلب الأحوال بالحروب الطويلة والغزوات المتتابعة التي اشتعلت بين الشعوب منذ أيام اطروادةب، حين قام جنود اليونان بمحاصرة المدينة شهورًا عديدة، وتفشّت الأمراض تارة بين أهل طروادة وبين جنود اليونان، حتى تفتّق ذهن قائد من اليونان لابتكار فكرة الحصان الخشبي، فتم الفتح في أسوأ حالات النصر والهزيمة، وقد سجّل هوميروس بعض هذه الآثار في ملحمته االإلياذةب، مشيرًا إلى أن الأوبئة جاءت أثناء الانتظار الطويل.
وعبر التاريخ البشري كان نيكولاي جوجول أكثر وعيًا وهو يصوّر الحصار الذي قام به تراس بولبا حول المدينة التي يسكن فيها ابنه، الذي خان العهد في رواية اتراس بولباب، في حين أن تولستوي لم يهتم أبدًا بأن هناك وباء أم لا في روايته احرب وسلامب، لكن في روايات أخرى متعددة كان الوباء موجودًا في ظروف مختلفة، وفي القرن التاسع عشر كانت هناك إشارة إلى أن السلّ أو الدّرن تحوّل إلى وباء مرَضي انتقل إلى الغانية مرجريت جوتييه، عبر علاقاتها ولياليها الماجنة، مما جعل الأب دوفال يخشى على ابنه، فذهب إلى الغانية، وتوسّل إليها أن تبتعد عن ابنه.
وفي القرن التاسع عشر أيضًا عبّر الأدباء عن معاناة البشر مع الأوبئة، مثلما فعلت الروائية البريطانية ماري شيلي في رواية االإنسان الأخيرب، ومثلما كتب إدجار ألن بو قصته االموت الأحمرب.
الوباء في الأدب العالمي
وفي الأدب العالمي بالقرن العشرين، لدينا الكثير من الفائزين بجائزة نوبل كتبوا عن الوباء، ومنهم الألماني توماس مان وروايته االموت في فينسياب، ثم الروائي الفرنسي ألبير كامي ورواية االطاعونب، كما أن جابرييل جارثيا ماركيز هو صاحب رواية االحب في زمن الكوليراب التي أشرنا إليها من قبل.
وفي عام 2010 نشر الفرنسي لوكليزيو روايته ازمن المرض المعلّقب، وإضافة إلى هذه الأسماء، هناك أيضًا جان جيونو في روايته االفارس على السطحب، ومارسيل بانيول وفيليب روث.
ولم تكن السينما بعيدة عن الحقل، فكثير من هذه الأعمال تحوّل إلى أفلام سينمائية، ورغم صعوبة هذه الأعمال وقسوة موضوعاتها، فإنّ المخرجين الذين قدّموها لنا هم الأساتذة؛ ابتداء من لوكينو فيسكونتي االموت في فينسياب، ويوسف شاهين في االيوم السادسب، ثم توفيق صالح الذي أخرج اصراع الأبطالب عن رواية أمريكية تدور أحداثها في أدغال إفريقيا.
في بداية العقد الثالث من القرن الحالي، يوجد حولنا، في أنفاسنا، وأطعمتنا، وملابسنا، ومشاعرنا، وأفئدتنا، كأنه الرفيق الذي مهما توارى فلا بدّ من حضوره وظهوره من وقت لآخر، مثل كل الأشباح التي تسكن الظلام، وينثر الموت والرعب من حوله، كي يختفي مجددًا، ليعود حاملًا اسمًا جديدًا.
بيئة خصبة
الكائنات الحية هي البيئة الخصبة لهذه الفيروسات، تهدد استمرار الحياة على مدى التاريخ، ورغم شراسة تلك الفيروسات وقدرتها الفائقة على تطبيق شعارها أن المرض للجميع، خاصة الأوبئة، نتائجها وآثارها، فإنّ الحياة مازالت مستمرة.
وفي عصر السينما حكت القصص ما حدث للإنسان من الأوبئة وما نتج عنها من المآسي الجماعية بين البشر والمخلوقات الحيّة، والكثيرون منّا لم يعيشوا أوبئة التاريخ، خصوصًا في القرن العشرين، إلّا أننا شاهدنا السينما تعيد تجسيد تلك الظواهر وكأننا كنّا هناك، رغم بشاعة الأمر، والكآبة التي تسبّبها الأفلام للمشاهدين، فقد نقلت السينما العالمية الكثير من الروايات التي تحدّثت عن الأوبئة في أفلام مثل اساحرات ساليمب عن مسرحية لآرثر ميلر، واالطاعونب عن رواية للكاتب الفرنسي ألبير كامي، وأيضًا رواية االموت في فينسياب لتوماس مان.
وفي مصر لم تكن الأوبئة التي عاشها الناس بالبشاعة نفسها، كما حدث في أوربا مثلًا أو في آسيا.
والغريب أن الأفلام التي قدّمتها السينما أغلبها عن روايات عالمية، حتى رواية اليوم السادس للكاتبة أندريه شديد المكتوبة بالفرنسية، فهي رواية عربية في المقام الأول، حيث تدور حول وباء الكوليرا الذي أصاب المدن المصرية عام 1947.
أما الفيلمان المأخوذان عن رواية الطريق اللولبي، فمع الأسف لم تتم الإشارة إلى المصدر العالمي، والفيلمان هما اعاصفة على الريفب إخراج توجو مزراحي عام 1941، ثم اصراع الأبطالب إخراج توفيق صالح (1963)، وكذلك فإن فيلم امن أحبب، الذي أخرجته ماجدة عام 1965، لم تتم فيه الإشارة إلى أنه مقتبس عن رواية وفيلم اذهب مع الريحب.
بين الخيال السياسي والعلمي
وقبل الحديث عن الأفلام التي تناولت الأوبئة التي اجتاحت بلادنا العربية، وأهمها وباء الطاعون، ثم الكوليرا في الأربعينيات، وباعتبار أن الوباء ظاهرة عالمية تنتقل بسهولة بين الأوطان، فإنّ السينما العالمية كلّها قدّمت صورًا متعددة للوباء، وإذا كان البعض يتصور أنها من أفلام الخيال السياسي، وهي نوع من الأفلام منبثقة عن أفلام الخيال العلمي، فإنّ هناك فرقًا ملحوظًا بين أفلام الحرب الجرثومية التي يشنّها البشر في الدول المتقدمة من أجل السيطرة على العالم، ومنها فيلم كوكب القردة، الذّي يحذّر من الحرب العالمية الثالثة، أو لعلّه الغبار الذرّي الذي ينتشر في كل العالم مثل فيلم اعلى الشاطئب، واعالم وجسد وشيطانب، أو هي حروب يشنّها علماء مجانين في أفلام كثيرة، ومنها اعدوىب، فإنّ هذا النوع من الأعمال يسمى بسينما التحذير. بمعنى أنّها تتضمن تحذيرات للقادة السياسيين: اإياكم والحروب الجرثوميةب.
أما النوع الثاني من الأفلام، فهو مأخوذ عن حكايات دارت في التاريخ، خصوصًا في البيئات البدائية، كما أشرنا، مثل مسرحية اساحرات ساليمب، التي تحولت إلى فيلم أكثر من مرة، آخرها عام 1993، لكنّ رواية االموت في فينسياب هي الأكثر أهمية لعدّة أسباب؛ منها أن مؤلّفها توماس مان حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1929، وهي رواية قصيرة مستوحاة من حياة الموسيقار الألماني جوستاف مالر، الذي تحوّل في الرواية إلى أديب يحمل اسم آشنباخ، والسبب الثاني أن المخرج الإيطالي لوكينو فيسكونتي هو الذي حوّلها إلى فيلم عام 1969، من بطولة ديرك بوجارد وسيلفانا مانجانو، والفيلم أعاد الشخصية الرئيسة إلى موسيقار، وهو موجود في مدينة البندقية (فينيسيا)، التي يذهب إليها في رحلة، وتصاب المدينة في أثناء وجوده بوباء يغلّفه ضباب كثيف، وأجواء ترقّب الموت والخوف الممزوج بالصمت الذي يملأ الشوارع، لذا فإن المصابيح مضاءة ليل نهار، ومن الصعب السيطرة على أي شيء إلى أن يموت آشنباخ وسط طرقات المدينة، ولا يلتفت إليه أحد، ويبدو الجميع مصابًا بمرض آخر معدٍ اسمه اللامبالاة.
الوباء في السينما المصرية
لدينا في القائمة المصرية فيلمان مأخوذان عن مصدر واحد، دون أن يذكر ذلك أحد، الأول هو اعاصفة على الريفب، وهو يدور في الريف المصري، في فترة إنتاجه عام 1941، من إخراج توجو مزراحي، والفيلم يخرج عن الخط المعروف في أفلام مزراحي، سواء السينما الكوميدية، أو التاريخية، أو الغنائية.
ففي وسط الريف المصري، يصل طبيب شاب يجسّده يوسف وهبي، تعاني القرية مظاهر الفقر والتخلّف الشديدة، مما يؤدي إلى انتشار مرض وبائي، ومع الأسف، فإن الفيلم غير متوافر لدينا، لكنّ الرواية التي كتبها الأمريكي جان دو هارتوج باسم االطريق الحلزونيب كانت قد نُشرت في الثلاثينيات، وأغلب الظنّ أن مزراحي قرأها أو قرأ عنها أو شاهد الفيلم، لكنّ المؤكد بالنسبة لنا أن السينما الأمريكية أعادت إخراج الرواية مرة أخرى عام 1962، في فيلم من إخراج روبرت موليجان، وبطولة روك هدسون حول طبيب يذهب إلى غابات إفريقيا لمكافحة وباء يرفض أبناء الغابة الاعتراف به.
وللعلم، فإن مكانة موليجان في السينما الأمريكية مقاربة لمكانة توفيق صالح، فهو صاحب فيلم امقتل طائر برّيب، الذي فاز في العام نفسه بالعديد من جوائز الأوسكار، وقد استوحى ثلاثة كتّاب مصريون القصة من الفيلم الأمريكي، وهم عزالدين ذوالفقار (منتج الفيلم)، ومحمد أبو يوسف، وعبدالحي أديب، في حين كتب السيناريو المخرج توفيق صالح، وذلك في فيلم اصراع الأبطالب، الذي قام فيه شكري سرحان بدور الطبيب الذي يتوصّل إلى مصدر الوباء، إنه طعام أهل القرية، فهو الذي يوّلد وباء الكوليرا الذي اجتاح إحدى قرى الدلتا في مصر، ويُصدم عندما يجد أن المعسكر البريطاني يقدّم نفاياه طعامًا لسكان القرية، فيأتي المرض الذي يصيب الجميع.
ويرى الفيلم أن الوباء ينتشر بسبب خطأ بشري، فالإقطاعي هو الذي يتّفق مع رجال الاحتلال على بيع االدبشب إلى الناس، كما أنه يلعب دورًا في منع مغادرة الأهالي لقريتهم.
«ذهب مع الريح»
أما الطبيب شكري فإنه يواجه أكثر من خصم؛ أوّلهم التقاليد القديمة، والجهل، وأطماع الإقطاعي، وإصرار الدلّالة الكبرى على أن يستمر الأمر على قديمه، حتى لا تخسر مكاسبها، كما يضطر الطبيب إلى الزواج من فتاة تطاردها إشاعات علاقة قديمة مع الإقطاعي عادل، في وقت تأتي نتائج تحليل العيّنات مخالفة لتوقّعاته، إلا أنه لا يستسلم للفشل، حتى يأتي الخبر اليقين بأن القرية واقعة تحت سيطرة وباء، وسرعان ما تأتي قوات الأمن للمحاصرة، باعتبار أن الموضوع صار خارج السيطرة، وأنه صار الآن بين يدي الحكومة.
ومن المهم الإشارة إلى أن فيلم امن أحبب، الذي أخرجته ماجدة عام 1965مأخوذ عن الفيلم الأمريكي اذهب مع الريحب لفيكتور فلنمج (1939)، وهو يدور في إطار الحرب الأهلية التي استغرقت أكثر من خمس سنوات، مثل الحرب العالمية الثانية، علمًا بأن مصر لم تمرّ بحروب طويلة كهذه. ولذا، فإن أحداث الفيلم بدأت في عام 1947، حين ذهب الرجال لمواجهة وباء الكوليرا، وفي الليلة نفسها التي خرج الرجال لمكافحة الوباء كان حفل زفاف المرأة على رجل لا تحبه، وامتدت الأحداث إلى حرب فلسطين حتى زمن العدوان الثلاثي عام 1956، ولذا فإنّ وباء الكوليرا كان جزءًا من أحداث تمرّ بها أسرة ريفية تقع في أثنائها المرأة في حب رجل آخر يتزوج غيرها، ويترك المرأتين مسافرًا من وباء إلى حرب ثم أخرى.
«اليوم السادس»
وسوف يظل هذا الوباء يؤرق المصريين، والغريب أننا لم نقرأ في الأدب المصري نصًّا تدور أحداثه عن وباء ذلك العام، لكن من يقرأ الأعمال الروائية للكاتبة أندريه شديد، وهي من أصل لبناني، وعاشت طويلًا في مصر، تكتب الشعر والرواية والمسرحية بالفرنسية، فإن أعمالها دومًا كانت ترصد جوانب غير مألوفة من حياة المصريين، مثلما فعلت في رواية انوم الخلاصب، أما االيوم السادسب فهي كلها عن وباء الكوليرا، وقد ترجم د. حمادة إبراهيم الرواية في أوائل السبعينيات إلى العربية في سلسلة االرواية العالميةب، وهي رواية قصيرة بطلتها الجدة صدّيقة التي تعيش في أحد أحياء القاهرة الفقيرة، وتصاب المدينة بالكوليرا، وتنتقل العدوى إلى حفيدها، بسبب إهماله أثناء سفرها لحضور عزاء بمدينة أخرى، وأمام رغبتها في إنقاذ الحفيد، فإنها تقلّ مركب صيد فوق نهر النيل متجهًا إلى البحر المتوسط، باعتبار أن الوباء ينحسر عند الوصول إلى الماء المالح، وأنّ أمام المريض ستة أيام فقط كي تُكتب له النجاة، وقد انتصرت الكاتبة للحياة، وتم إنقاذ الطفل حسن في نهاية الرواية.
أما الفيلم الذي أخرجه يوسف شاهين عام 1986، وقامت ببطولته داليدا قبل انتحارها بأشهر قليلة، فقد انتصر فيه الموت، حين مات الصغير بين ذراعي جدته، وقد أشرنا إلى أننا أمام رواية قصيرة، لأنّ السيناريو أضاف الكثير من الشخصيات التي لم تكن في الرواية، ومنها صاحب دار السينما المعجب بالراقص جين كيلي، وأيضًا الممثلة التي تعشق الشاب الصغير، وكذا لاعب القرود عوكا المعجب بالعجوز صدّيقة، ويتتبعها في رحلتها فوق النهر، وقد صوّر الفيلم الكوليرا مغلّفة بضباب الوباء، حيث ينتشر الموت، ويتساقط المصريون، وعلى رأسهم الأستاذ الذي يعتبره الطفل حسن رمزًا للحياة والعبور إلى مرحلة الشفاء، وتبدأ الحياة من جديد ■