متلازمة النّصّاب
في عام 1978، وصفت كلُّ من د. باولين كلانس ود. سوزان إميس، المتخصصتين في علم النفس العيادي، مصطلح ظاهرة/ متلازمة النصاب الذي يُستخدم للإشارة إلى خبرة باطنية للزّيف الفكري الذي ينتشر بصفة خاصة بين النساء الناجحات.
فرغم التفوق الأكاديمي والإنجاز المهني، تصرّ النساء المصابات بهذه المتلازمة على الاعتقاد بأنهن لسن ذكيّات وخدعن كل من يعتقد أنهن غير ذلك. وتفشل الإنجازات المتفوقة الجليّة في التأثير على هذا الاعتقاد. ولحُسن الحظ توجد مداخل علاجية متعددة لتغيير مفهوم الذات لدى المصابات.
خلال خمس سنوات، درست الباحثتان المذكورتان أكثر من 150 حالة لنساء ناجحات حصلن على درجة الدكتوراه في مختلف المجالات، وشغلن وظائف مرموقة في تخصصاتهن. وطالبات متميزات أكاديميًا اجتزن امتحانات دولية صعبة، وحققن مراتب شرف، غير أنهنّ جميعًا لا يشعرن في داخلهن بالنجاح، بل يعتبرن أنفسهن نصّابات نجحن بامتياز في إقناع الناس بما هو غير حقيقي. ومن بينهن من تعتقد أن تخرّجهن ونجاحهن في الحصول على وظائف محترمة حدث بسبب خطأ ما أو ضربة حظ!
وكثيرات قُلن إنهن غير مؤهلات للتدريس بالجامعة، لأنهن غير ذكيات، وعَبّرن عن مخاوفهن بأن يكتشف زيفهن الفكري في نهاية المطاف. لكنهنّ وصفن كشف زيفهن- إن حدث - بالمريح، لأن انكشاف االحقيقةب سيحرّرهن من الخوف المقيم.
الرجال أيضًا
بعد مواصلة دراسة الظاهرة، اتضح أنها أوسع انتشارًا مما كان متوقعًا، فهي لا تقتصر على النساء، بل تنال الرجال أيضًا. وتشير دراسات إلى أن 70 بالمئة من الناس قد شعروا في فترة ما من حياتهم بأنهم نصّابون ومزيّفون ولا يستحقون ما حصلوا عليه. ولعلّ في مقولة برتراند رسل التي اعتبر فيها أن اكل مشكلة العالم تكمن في أن الأغبياء والمتعصبين دائمًا واثقون بأنفسهم، في حين يمتلئ الأشخاص الأكثر حكمة بالشكب، في إشارة إلى إصابة الحكماء بهذه الظاهرة أكثر من سواهم.
ويعترف المصابون بظاهرة النصاب بأنهم عانوا سرًّا من تأثيرات سلبية على حيواتهم اليومية والعملية وعلى علاقاتهم، وأصيبوا بأعراض كالقلق العام، وقصور الثقة بالنفس، والاكتئاب، والإحباط المتعلّق بعدم القدرة على مقابلة معايير الإنجاز الذاتية، بسبب معتقدات خاطئة يمكن أن تجعل أستاذة جامعية حاصلة على الدكتوراه من جامعة مرموقة تشعر بالغباء، على سبيل المثال.
اختبار
ولمعرفة ما إذا كان المرء مصابًا بهذه المتلازمة يمكن إجراء اختبار تتضمن أسئلته ما يلي:
•هل تُرجِع نجاحك لضَربة حظ، أو لملاءمة التوقيت، أو لخطأ ما؟
• هل تعتقد أنك إذا استطعت عمل ذلك، أي شخص آخر يستطيع؟
• هل تعاني بسبب وجود أصغر العيوب في عملك؟
• هل تتحطم حتى بالنقد البنّاء، وتراه دليلًا على فشلك؟
• عندما تنجح، هل تشعر سرًّا بأنك قد خدعتهم مرة أخرى؟
• هل تقلق وتشعر أنها مسألة وقت واسينكشف أمرُكب؟
إذا كانت الإجابة عن أي من الأسئلة السابقة بـانعمب، فهذا يعني أنّه رغم أن كثيرًا من الناس يرون هذا الشخص ذكيًّا أو موهوبًا وربّما عبقريًّا، فإنه لا يصدّق هو ذلك، ولديه الكثير من الشكوك العميقة في قدراته، برغم إنجازاته المتحققة بالفعل، وبرغم آراء الناس الإيجابية فيه؛ بل هو مقتنع تمامًا بأنّه نصّاب ومزيّف ومحتال.
من أين تأتي المعتقدات الخاطئة؟
تطرح فالاري ينغ في كتابها اأفكار سريّة لنساء ناجحاتب - الذي تناقش فيه هذه الظاهرة - أسئلة حول سبب وقوع نساء ورجال أذكياء ومنجزين بمختلف أنحاء العالم في براثن التفكير الخاطئ والمعتقدات الخاطئة. ولإبطال مفعول هذه المعتقدات والتخلص منها، تقترح معرفة مصدرها أولًا.
وترى أن للأسرة والمعلمين والأشخاص المهمين في حياتنا دورًا في تشكيل توقّعاتنا الذاتية في وقت مبكّر من العمر، مما يؤثر على مستويات الثقة وتحقيق النجاح في المراحل اللاحقة من الحياة، فالرسائل المحبطة والمقارنات الظالمة يبقى أثرها فينا بمعظم الأحيان.
وتؤدي نقاط التحول في مراحل الحياة وثقافة المؤسسات التي ننتمي إليها دورًا أيضًا في تعزيز الثقة أو تراجُعها؛ كالطالب المتألق والمتفوق في مدرسته الذي يجد نفسه فجأة شخصًا عاديًا ومجهولًا في الجامعة، وسط أجواء من المنافسة الشرسة وقصور التوجيه. أو يجد شخص آخر نفسه يخوض تجربة جديدة لم يسبقه أحد إليها أو يمثّل في ريادته مجموعة ما ويشعر بمسؤولية جسيمة وخوف من أن يكون إعلانًا سيئًا عمّن يمثّلهم.
كما يمكن أن يساهم عمل المرء مستقلًا أو في عزلة مهنية من دون معايير معيّنة ولا رئيس يتلقّى منه ملاحظات أو إطراء في زرع الشك بالذّات. ونظرًا لصعوبة تحقيق الرضا، ومواجهة الانتقادات في المجالات الإبداعية، يتعرّض المبدعون للإصابة بالمتلازمة المذكورة. كما يساعد غياب الشعور بالانتماء وتنامي أحاسيس الغربة على الإصابة وتراجُع الثقة بالنفس.
الدفاع عن الذات
لحُسن الحظ، هناك فرص للعلاج أثبتت جدارتها بعد خضوع الأفراد المصابين للعلاج النفسي ضمن مجموعة أو على انفراد وإفشاء ذلك السرّ المكنون، واكتشاف أنهم ليسوا وحدهم في المعاناة من هذا الشعور والمعتقدات الخاطئة. فإذا كان المصاب يشعر بأنه قد خدع الناس واحتال عليهم حتى بات يتوقّع حضور شرطة اانعدام الموهبةب في أيّ وقت لاعتقاله - كما هي الحال مع الممثل والمغني وكاتب السيناريو الكندي مايك مير- ينصح بالاستعداد للدفاع عن نفسه أمام الشرطة، بإعداد وثائق وأدلّة تثبت نزاهته. وهكذا يساعد إدراج الإنجازات على التخلّص من مشاعر عدم الملاءمة.
كما يوجّه المصابون لاستكشاف أسباب القلق الذي يمنعهم من التقدم في حياتهم العملية بطرح أسئلة حول مدى ملاءمة العمل لهم من حيث درجة التعقيد والوقت الذي يستغرقه وارتباطه بمهاراتهم ومواهبهم الطبيعية، وأسئلة أخرى لاستكشاف العمل الذي يودون القيام به، ومعنى النجاح بالنسبة إليهم، والتضحيات التي لا يمكن الإقدام عليها مقابل المال أو المنصب أو السلطة، وأثر ذلك على تقدُّمهم.
وعادة ما يتبنّى بعض المصابين بمتلازمة النصاب آليات مواكبة مختلفة لحماية أنفسهم، مثل إدمان العمل، أو التسويف والانسحاب من المواجهة، أو كتابة سِيَر ذاتية مهنية متواضعة، حتى لا يرتفع سقف التوقعات أكثر مما يرغبون.
تظاهر بالأمر حتى يحدُث
بعد مرحلة من العلاج، يمكن أن يتحسّن المصاب بعض الشيء، ليرى نفسه ذكيًا وقديرًا وناجحًا مثلما يراه الناس، ولكن بصورة غير ثابتة. ولكي يتقدّم في تحسّنه ينصح بأن يتظاهر طوال الوقت بأنه كذلك، ويتصرف على نحو واثق، متجاهلًا الشكوك التي تنتابه بين وقت وآخر. ورغم انطواء هذه الاستراتيجية على مفارقة تدفع الشخص الذي يتهم نفسه بالخداع والزيف إلى مزيد من التظاهر بالتألق، يساعد التمثيل، أحيانًا، على أن يتقمص الممثل الدور ويصدقّه. وقد سجلت هذه الحيلة نجاحًا أكّده كاتب الأغاني جيمس تايلور، الفائز بجائزة جرامي، حيث تظاهر في بداياته بالقدرة على هذا النوع من الكتابة حتى نجح بالفعل، ثم ولّد النجاح ثقة حقيقية مع مرور الوقت؛ مثلما نمثّل الضحك، ثم نضحك ونُضحك الآخرين معنا بالفعل.
ومن النصائح الأخرى لمواجهة شعور الزيف، أخذ الأمور ببساطة وتقبُّل النقد كجزء ضروري من عملية التطور، والتعامل مع أشخاص مساندين موثوق برأيهم، والتسامح مع ارتكاب الأخطاء بوصفه أمرًا طبيعيًا، وتجنّب رصد عيوب الذات ومقارنتها بالآخرين، وتعلُّم المخاطرة الآمنة لتعزيز الثقة والشعور بالنجاح ■
تصر النساء المصابات بمتلازمة النصاب بأنهن لسن ذكيات وخدعن كل من يعتقد أنهن غير ذلك