«حافلة الفن» لزوجين تغيِّر ألوان الحياة في غزّة
أبدع الفنان الفلسطيني عمار أبو شمالة وزوجته أروى، وتمكّنا معًا من نقل الفن الفلسطيني إلى الشارع، من خلال فكرة خلّاقة جعلتهما حديث الناس، وصارت قصتهما حديث قطاع غزة. وكان اللافت والجديد أن زوجين من غزة يوصّلان الفن إلى الأزقّة، عبر معرض متنقل يجوب شوارع القطاع، ليعدّ هذا أول معرض متنقل في فلسطين بإمكانات ذاتية بحتة.
مضى الزوجان لتحقيق حلمهما القديم، بعدما تقاسما أدوات الرسم والريشة وأبسط الإمكانات فيما بينهما، ليخرجا بلوحات فنية غاية في الروعة والإتقان، مفجّرين بذلك موهبة كادت الظروف الصعبة تعصف بها.
اليأس كلمة لم تدخل حياة عمار وأروى، وهما في بداية العقد الثالث من عمريهما، فقد عاهدا نفسيهما على الكفاح بشكل مستمر، واستغلال أوقات فراغهما في رسم لوحاتهما التي يضفيان فيها رونق الجمال والإبداع للمناظر الطبيعية والأزهار الخلابة والوجوه للأشخاص وغيرها، من خلال رسوماتهما الفنية.
من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، أصبحا النموذج الأول في فلسطين الذي يحاكي فكرة المعرض المتنقل للصور واللوحات الفنية، فبعد أن جمعتهما ريشة وفنّ وقلب، تشاركا معًا لينتجا تجربة زوجية فريدة من نوعها بموهبة مشتركة.
الفن والحب يصنعان الإبداع
قرّبت اللوحات الطريق إلى قلب الزوجين، وانبهر عمار بصور أروى الفنية الجذابة والمتقنة، ورغم صعوبة الحياة، فإنهما قررا أن يتحدياها بمساعدة بعضهما البعض في إعداد اللوحات والرسومات الفنية المختلفة.
تقول أروى عن زواجها من عمار: التقيت به مصادفة، حيث كان اللقاء الأول داخل غرفتي الصغيرة في منزل عائلتي لمشاهدة لوحاتي التي كان ينوي أن يصطحب بعضها للمشاركة في معرض محلّي، وقتها لم نكن نعرف أن حب الفن سيجمعنا تحت سقف واحد، وأننا سنواجه الحياة معًا.
وتتابع: شدني في عمار عزيمته القوية، ورغبته العارمة في الوصول إلى ما يريد، وتعلّقت به بعدما سحرني فنّه وإبداعاته، وهو ما وُلد لديه أيضًا، وبقي الأمر سرًّا في عيوننا، إلى أن تجرّأ يومًا معترفًا لي بما يدور في عقله، فوجد لديّ ما كان ينتظره.
وتضيف أروى: منذ بدايـــة زواجنا تعاهدنا أن نكمل المشوار معًا، وألّا نترك شيئًا يقف في وجه حلمنا، آمنّا بموهبة بعضنا البعض وتقاسمنا الإمكانات البسيطة حتى في أحلك الظروف.
حافلة الفن... توصّل الفن إلى الشارع
وبعد سنوات من الشراكة الفنية بين الزوجين، جاءت فكرة خلّاقة وُلدت بينهما، لمحاربة أزمة البطالة الحادة، خصوصًا في أوساط خريجي الجامعات.
وبالإيمان والصبر والثقة بالنجاح، كان للزوجين ما أرادا، وأصبح مشروعهما حديث كثير من الناس والمهتمين بالفن في غزة، وتحوّل منزل أبو شمالة المتواضع، الذي لا تزيد مساحته على 60 متراً مربعاً في مخيم الشابورة للاجئين، إلى قِبلةٍ يرتادها الصحافيون والزوّار من عشاق الفن.
عادة ما تؤدي الظروف الصعبة إلى اليأس، أو تكون سببًا في تفجُّر الإبداع، وهذا ما حدث مع الزوجين عمار وأروى، حيث خصصا غرفة صغيرة داخل منزلهما لتكون ورشة فنية، يقضيان فيها ساعات طويلة مع بعض الأصدقاء، ويحوّلون الأفكار إلى لوحات تتناول زوايا مختلفة.
ولادة الفكرة جاءت بعد أن اضطرتهما الظروف المتردية الناجمة عن الحصار الإسرائيلي إلى إغلاق معرضهما الفنّي الدائم، فحوّل الزوجان حافلة صغيرة إلى معرض فنّي متنقّل، يجوب فيها كل الشوارع والأزقّة والأماكن الحيوية في قطاع غزة، لتسويقها والبحث عن لقمة العيش، حيث بات مألوفًا ذلك في شوارع مدن القطاع وميادينه.
اصورة وتذكارب هو الاسم الذي اختاره عمار وزوجته للمعرض الفني المتنقل، وأصبح مصدر رزقهما الوحيد لإعالة أسرتهما المكونة من 6 أفراد.
وعن بداية الفكرة يقول عمار: في ظل ما نعيشه من ظروف كان لا بُدّ من التفكير في مبادرات خلّاقة وإبداعية، وبلُغة الفن والألوان استحضرت فكرة المعرض المتنقّل، وفاتحتُ زوجتي في الأمر، فشجّعتني وبادلتني الرأي لنقل الفكرة إلى حيز التنفيذ، حيــث تتميّز زوجتي بموهبة عالية في الرسم، ولهــا صديقة فنانة تشكيلية، وأنا أساعدهما في صناعة الإطارات واختيار أفكار اللوحات الجلدية من صفحات عبر الإنترنت.
الأولى في فلسطين
ويضيف: تتلخص رسالة الحافلة في استغلالنا موهبتنا في الرسم، وقمنا معًا بالتسويق للوحاتنا لكي تصل إلى كل مكان في قطاع غزة.
ويقول: فكرة المعرض المتنقل غريبة على غزة، لكنّ الناس اعتادوها شيئًا فشيئًا، ونجحنا في بيع أكثر من 150 لوحة منذ انــطلاق المـــشروع، ويتـــراوح سعر اللوحة بين 15 و40 شيكلًا، لكنّنا نأمل أن تتحسّن الأوضاع وتزدهر ثقافة حب الفن.
قاطعتنا أروى، رغم انشغالها برسم إحدى اللوحات، لتحدّثنا عن دورها في المشروع الجديد، قائلة: لا أدّعي أنني فنانة، لكنّ هذا ما أطمح إليه، وأعتبر نفسي أقرب لأن أكون مبادِرةً وصاحبة مشروع ريادي يحتاج إلى الاحتضان الرسمي والشعبي.
وتضيف: كان الفن، ولا يزال، موهبتي الأولى والأخيرة، بدأت بممارستها في منزلي، بعدما فقدت أيّ أمل في إيجاد فرصة عمل لي، وبعد تشجيع زوجي جاءت فكرة الخروج إلى الناس وعرض اللوحات التي أرسمها بنفسي، أو التي ترسمها صديقاتي معي أحيانًا عندما نجتمع معًا؛ نحاول رسم كل ما يتطلّع له الزبائن ويطلبونه خاصة في الفترة الحالية، التي نركّز فيها على رسم ما يعيلنا ويساعدنا في حياتنا اليومية، في ظل واقع المعاناة الذي نعيشه.
وتلفت أروى إلى أن فكرة مشروع اصورة وتذكارب بدأت بمبادرة فردية لها ولزوجها، وأن الفكرة كانت تحمل الكثير من التحدي للظروف، في ظل عدم توافر فرص عمل، وتدنّي مستوى الدخل، وهو السبب نفسه الذي يرجع إلى العامل المادي، وعدم انتشار ثقافة اقتناء اللوحات ووضعها في المنازل.
وتشير إلى أنه بالرغم من هذا، فإنّ كثيرًا من الزبائن طلبوا رسم بورتريه (صورة شخصية) لهم، وهو ما بدأت فعلًا بإنجازه، وسيتكفل زوجي بإيصالها لهم عبر الحافلة.
طموح الألوان
آمال الزوجين لا حدود لها، ويتوقّعان لفت الأنظار من خلال المعرض المتنقل من قبل الجهات المسؤولة لمعاناة الخريجين، وتسليط الضوء على الأفكار الإبداعية التي يمكن لكل أسرة أو فرد تنفيذها لتغيير الواقع.
ويطمح أبو شمالة وزوجته في توسيع مشروعهما في الأيام القادمة، والمشاركة بلوحاتهما الفنية الجمالية في المعارض الفنية العربية والدولية، لنقل رسالة قضيتهم الفلسطينية السامية والمظلومة من وسط الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ ما يزيد على 14 عامًا إلى دول وبلدان العالم، للوقوف معها ومؤازرتها ■
الفنان الفلسطيني عمار أبو شمالة وزوجته الفنانة أروى