زمن ما بعدَ «كورونا»

زمن ما بعدَ «كورونا»

‭‬لا‭ ‬شكّ‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬العالَم‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬‭ ‬سيكون‭ ‬مختلفًا‭ ‬عمّا‭ ‬قبله،‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بات‭ ‬محسومًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬وذوي‭ ‬الاختصاص،‭ ‬لكن‭ ‬كيف‭ ‬تأثّر‭ ‬العالم‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬كورونا»؟‭ ‬وما‭ ‬النواحي‭ ‬التي‭ ‬تركّز‭ ‬تأثير‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء‭ ‬عليها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها،‭ ‬ولماذا؟‭ ‬وهل‭ ‬تعدّى‭ ‬كونه‭ ‬آنيًا‭ ‬واتصف‭ ‬بالديمومة‭ ‬والثبات،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬ممتدًا‭ ‬إلى‭ ‬فتراتٍ‭ ‬طويلةٍ‭  ‬قادمة؟‭ ‬وهل‭ ‬سيعيش‭ ‬البشر‭ - ‬بعد‭ ‬انقضاء‭ ‬الوباء‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ - ‬في‭ ‬زمن‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬اصطلاحًا‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا»؟‭!‬

لا‭ ‬جدال‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬تفشي‭ ‬الوباء‭ ‬وما‭ ‬صاحَبه‭ ‬من‭ ‬إجراءاتٍ‭ ‬احترازيةٍ‭ ‬واجبة‭ ‬لمنع‭ ‬تفاقم‭ ‬الوضع،‭ ‬أو‭ ‬زيادة‭ ‬أعداد‭ ‬المصابين‭ ‬والضحايا،‭ ‬ممّا‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬النظام‭ ‬الصحي‭ ‬القائم؛‭ ‬فلا‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قوّتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وجاهزيتها‭ ‬وجدّيتها‭ ‬ومهنيتها‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬حالات‭ ‬الطوارئ‭ ‬قادرة‭ ‬ومهيأة‭ ‬لأن‭ ‬تستقبل‭ ‬الحالات‭ ‬المتزايدة‭ ‬مثل‭ ‬سلسلة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي،‭ ‬والمحتاجة‭ ‬إلى‭ ‬رعاية‭ ‬طبية‭ ‬خاصة،‭ ‬وشروط‭ ‬عزل،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬يستدعي‭ ‬وضعها‭ ‬الحرج‭ ‬دخولها‭ ‬غرفة‭ ‬العناية‭ ‬المركزة‭ ‬وجهاز‭ ‬التنفس‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وهذه‭ ‬حقيقة‭ ‬أدركتها‭ ‬دولُ‭ ‬العالم‭ ‬كافة،‭ ‬فسعت‭ ‬بخطواتٍ‭ ‬متفاوتة‭ ‬لاحتواء‭ ‬الوباء،‭ ‬والتباعد‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ووسائل‭ ‬الوقاية؛‭ ‬مثل‭ ‬ارتداء‭ ‬الكمامات‭ ‬والقفازات‭ ‬وتعطيل‭ ‬العمل،‭ ‬وتوقّف‭ ‬عجلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وتعطيل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬والخاصة؛‭ ‬فالإنسان‭ ‬أهمّ‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭!‬

كان‭ ‬لهذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية‭ ‬المبررة‭ ‬صحيًا‭ ‬وإنسانيًا‭ ‬ثمنُها‭ ‬الباهظ‭ ‬وانعكاسها‭ ‬المباشر‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد؛‭ ‬فقد‭ ‬امتد‭ ‬تأثيرُ‭ ‬الفيروس‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُرى‭ ‬بالعين‭ ‬المجرّدة،‭ ‬ويسمى‭ ‬بـ‭ ‬االفيروس‭ ‬التاجيب،‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬شكله‭ ‬الذي‭ ‬يحوي‭ ‬تيجانًا‭ ‬متعددة؛‭ ‬فكأنّه‭ ‬يطمح‭ ‬لفرض‭ ‬سلطته‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تطول‭ ‬أمام‭ ‬جبهة‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي،‭ ‬وتكاتف‭ ‬الجهود‭ ‬وتوحُّد‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬استفحاله‭ ‬وتهديده‭ ‬لقدسية‭ ‬الحياة‭.‬

التأثيرُ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬هو‭ ‬الأبرز،‭ ‬والذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ذوي‭ ‬الاختصاص‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬نتائجه‭ ‬القريبة‭ ‬والبعيدة‭ ‬المدى،‭ ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الوضع،‭ ‬وفي‭ ‬تقديم‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬المال‭ ‬أو‭ ‬العكس‭!‬،‭ ‬والإشارة‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬استفادة‭ ‬جهات‭ ‬متعددة‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة؛‭ ‬ففي‭ ‬وقت‭ ‬الشدة‭ ‬والأزمات‭ ‬تغتني‭ ‬جهات‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أخرى،‭ ‬وثمّة‭ ‬مَن‭ ‬يستغل‭ ‬الوضع‭ ‬العام‭ ‬وخوف‭ ‬الناس،‭ ‬فيحتكر‭ ‬البضائع‭ ‬التي‭ ‬يتزايد‭ ‬عليها‭ ‬الطلب،‭ ‬مثل‭ ‬الكمامات‭ ‬والمعقمات‭ ‬والمواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الأساسية،‭ ‬وغيرها‭.‬

 

أثر‭ ‬الفيروس‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬

في‭ ‬بداية‭ ‬انتشاره‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنًا‭ ‬التكهن‭ ‬بما‭ ‬سيؤول‭ ‬إليه‭ ‬الوضع،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬تفاقم‭ ‬المرض‭ ‬وتفشّي‭ ‬العدوى،‭ ‬بدأت‭ ‬سلسلةٌ‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحتزارية‭ ‬والحظر‭ ‬والعزلة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬مما‭ ‬فرض‭ ‬الأوضاع‭ ‬الصعبة‭ ‬والاستثنائية‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المتأثرين،‭ ‬ووجد‭ ‬الفرد‭ ‬المعاصر‭ ‬نفسه‭ ‬مُجبرًا‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬ذاته‭ ‬المغيّبة‭ ‬والنظر‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬العالَم‭ ‬المشروخة‭! ‬

وجد‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬واقعٍ‭ ‬جديد‭ ‬مفروض‭ ‬بشكلٍ‭ ‬متسارع،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يتقبّله‭ ‬ويتعايش‭ ‬معه‭ ‬شاءَ‭ ‬أم‭ ‬أبى؛‭ ‬فبدأ‭ ‬البحثَ‭ ‬عن‭ ‬نوافذ‭ ‬للتنفيس‭ ‬عن‭ ‬حالةِ‭ ‬التأزم‭ ‬النفسي،‭ ‬بسبب‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المرض،‭ ‬والتخوف‭ ‬من‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬الأحباء،‭ ‬والقلق‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬المادي‭ ‬للعائلة،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬مهن‭ ‬وأبواب‭ ‬رزق‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المردود‭ ‬اليومي؛‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬البسيطة،‭ ‬مثل‭ ‬عمّال‭ ‬اليومية،‭ ‬أو‭ ‬أصحاب‭ ‬محالّ‭ ‬بيع‭ ‬الملابس‭ ‬والإكسسوارات،‭ ‬وحتى‭ ‬المهن‭ ‬الطبية،‭ ‬مثل‭ ‬أطباء‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وغيرهم،‭ ‬والأمثلة‭ ‬كثيرة،‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬لحصرها‭ ‬أو‭ ‬الإحاطة‭ ‬بها؛‭ ‬فالقلق‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬المادي‭ ‬جاء‭ ‬مصحوبًا‭ ‬بالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تخزين‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والمستلزمات‭ ‬الأساسية،‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الآتي‭ ‬المجهول‭ ‬المحمّل‭ ‬بكلّ‭ ‬الاحتمالات‭ ‬المغرقة‭ ‬في‭ ‬السوداوية؛‭ ‬والمتاحة‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬المفتوح‭ ‬أمام‭ ‬سيل‭ ‬الإشاعات‭ ‬والتكهّنات‭ ‬والمبالغات‭ ‬والتهويل‭ ‬غير‭ ‬المعتمد‭ ‬إلّا‭ ‬على‭ ‬الخيال‭ ‬أو‭ ‬التوقّع‭ ‬الشخصي‭ ‬من‭ ‬فئات‭ ‬يعجبها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬راويةً‭ ‬للقصة‭ ‬لا‭ ‬قارئة‭ ‬لها‭!‬

 

ضغوط‭ ‬هائلة

تعرّضت‭ ‬العائلةُ‭ ‬العربيةُ‭ ‬لضغوط‭ ‬هائلةٍ‭ ‬شملت‭ ‬جميع‭ ‬أفرادها؛‭ ‬صغيرها‭ ‬وكبيرها،‭ ‬وجاء‭ ‬القلق‭ ‬المادي‭ ‬مصاحبًا‭ ‬لحالة‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الإصابة‭ ‬بالمرض؛‭ ‬فإمكانية‭ ‬العدوى‭ ‬قائمة،‭ ‬والفيروس‭ ‬عدو‭ ‬غير‭ ‬مرئي‭ ‬ومجهول،‭ ‬ويعتمد‭ ‬على‭ ‬الجسم‭ ‬البشري‭ ‬ليكون‭ ‬حاضنًا‭ ‬وناقلاً‭ ‬له،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬لأقرب‭ ‬الناس‭ ‬التسبُّب‭ ‬لك‭ ‬بالأذى‭ ‬دونما‭ ‬قصد،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬مما‭ ‬أثار‭ ‬حالة‭ ‬مبررة‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬واالسرسبةب‭ ‬في‭ ‬التنظيف،‭ ‬وتصدّرت‭ ‬الأم‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬التضحية‭ ‬والقلق‭ ‬والتعقيم‭ ‬والتطهير،‭ ‬ومحاولة‭ ‬امتصاص‭ ‬قلق‭ ‬الزوج‭ ‬وعصبيته،‭ ‬وإرضاء‭ ‬الأبناء‭ ‬وحالات‭ ‬الصدام‭ ‬وغيرها؛‭ ‬فكانت‭ ‬صمام‭ ‬الأمان‭ ‬وبوصلة‭ ‬الأمن‭ ‬وخط‭ ‬الدفاع‭ ‬للعائلة‭.‬

وقد‭ ‬أدت‭ ‬حالة‭ ‬العزلة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المفروضة‭ ‬إلى‭ ‬التقوقع‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬والعائلة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وانتشار‭ ‬حالة‭ ‬عامة‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬مخالطة‭ ‬الآخرين‭ ‬ومن‭ ‬الإصابة‭ ‬بالعدوى،‭ ‬وتراوحت‭ ‬الحالةُ،‭ ‬وفق‭ ‬ثقافة‭ ‬الفرد‭ ‬وتنشئته‭ ‬ودرجة‭ ‬وعيه،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المرونة‭ ‬والحديّة‭ ‬والوسطية،‭ ‬مما‭ ‬خلّف‭ ‬أثرًا‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬هدمها‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيلها‭ ‬وفق‭ ‬منظور‭ ‬جديد‭ ‬بتفحُّص‭ ‬جدوى‭ ‬ديمومتها‭. ‬وتطورت‭ ‬فكرة‭ ‬غربلة‭ ‬الفرد‭ ‬لعلاقاته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬واتّخاذه‭ ‬منحى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬ماهية‭ ‬العلاقة،‭ ‬ووضعها‭ ‬تحت‭ ‬مجهر‭ ‬دقيق‭ ‬للفحص‭ ‬وضرورة‭ ‬اجتيازها‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬ااختبار‭ ‬كوروناب؛‭ ‬فالمحنة‭ ‬غربلت‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات،‭ ‬وأظهرت‭ ‬للفرد‭ ‬الذي‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬غارقًا‭ ‬في‭ ‬العزلة‭ ‬والوحدة‭ ‬والفراغ‭ ‬وثقل‭ ‬الهمّ‭ ‬المادي‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬العدوى،‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التعاطف‭ ‬والمحبة‭ ‬وطاقة‭ ‬المساندة‭ ‬من‭ ‬الآخرين،‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬يسأل‭ ‬ويتساءل‭ ‬عمّن‭ ‬استطاع‭ ‬حقًا‭ ‬مساعدته‭ ‬ومن‭ ‬مدَّ‭ ‬له‭ ‬بصدق‭ ‬يد‭ ‬العون؟‭!‬

 

أدبيات‭ ‬جديدة

يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬زمن‭ ‬اكوروناب‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬أدبيات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬التواصل‭ ‬والاتصال‭ ‬بين‭ ‬الناس؛‭ ‬فالاتصالات‭ ‬الهاتفية‭ ‬التي‭ ‬تزايدت‭ ‬الحاجة‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬العزلة‭ ‬المفروضة‭ ‬باتت‭ ‬تتمحور‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬حول‭ ‬المرض‭ ‬وظروف‭ ‬الحجْر‭ ‬ومعلّبات‭ ‬الشكوى‭ ‬المكرورة،‭ ‬وقلّة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أتقنت‭ ‬وسط‭ ‬الألم‭ ‬نسج‭ ‬ثوب‭ ‬الفرح،‭ ‬وبثّ‭ ‬الرجاء‭ ‬وإشراقة‭ ‬التفاؤل،‭ ‬رغم‭ ‬الألم‭ ‬الشخصي‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة‭ ‬النفسية‭ ‬والعاطفية،‭ ‬وبثّ‭ ‬الطاقة‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الآخر،‭ ‬لكنّ‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬تستسهل‭ ‬الشكوى‭ ‬والتذمّر‭ ‬دون‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أثره‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬المصغي‭ ‬بصبر‭! ‬وبعض‭ ‬المعزولين‭ ‬باتت‭ ‬اهتماماتهم‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬تتبُّع‭ ‬تحديث‭ ‬أرقام‭ ‬المصابين‭ ‬كلَّ‭ ‬يوم،‭ ‬وعدد‭ ‬المتوفين‭ ‬بالوباء،‭ ‬وبثّها‭ ‬للآخرين‭ ‬في‭ ‬رسائل‭ ‬أو‭ ‬مكالمات‭ ‬مطولة،‭ ‬وكأنَّهم‭ ‬وكالة‭ ‬الأنباء‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬ظلِّ‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬المتسارعة‭ ‬التطور،‭ ‬وشبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬تتناقل‭ ‬الأخبار‭ ‬في‭ ‬لحظات‭.‬

  ‬باتت‭ ‬المكالمات‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬مدروس‭ ‬ومنحى‭ ‬طبيعي،‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬السلام‭ ‬والسؤال‭ ‬المكرور‭ ‬عن‭ ‬الحال‭ ‬المعروف‭ ‬سلفًا،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظروف‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي،‭ ‬يليهما‭ ‬وجبة‭ ‬التذمّر‭ ‬والشكوى،‭ ‬وذكر‭ ‬المعلومات‭ ‬حول‭ ‬المرض؛‭ ‬الصحيحة‭ ‬منها‭ ‬والمغلوطة،‭ ‬وتناقل‭ ‬الإشاعات‭ ‬والفيديوهات‭ ‬والطرائف،‭ ‬وبات‭ ‬الحمل‭ ‬ثقيلًا‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬اضطراره‭ ‬للإصغاء‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين،‭ ‬أو‭ ‬الإصغاء‭ ‬لوسوسات‭ ‬نفسه‭ ‬وصوت‭ ‬قلقه‭ ‬الذي‭ ‬يعلو‭ ‬أكثر‭ ‬كلّ‭ ‬يوم‭ ‬وينداح‭ ‬في‭ ‬فراغ‭ ‬عميق،‭ ‬وبين‭ ‬ساعات‭ ‬يومه‭ ‬المكدّسة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يملأها‭ ‬بها،‭ ‬بعد‭ ‬اعتياده‭ ‬على‭ ‬روتين‭ ‬سارت‭ ‬عليه‭ ‬حياته؛‭ ‬فكأنّ‭ ‬زمن‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬اكوروناب‭ ‬سكّة‭ ‬قطار‭ ‬انقطعت‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مفاجئ،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬توقّف‭ ‬قطار‭ ‬الحياة‭ ‬ومكوثه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬سكون‭ ‬وتوقّف‭ ‬وترقُّب‭ ‬وقلق‭. ‬وبات‭ ‬تذكّرُ‭ ‬العملِ‭ ‬وزحمة‭ ‬السير‭ ‬والأزمة‭ ‬المرورية‭ ‬والجمعات‭ ‬والرحلات‭ ‬والأوقات‭ ‬الصاخبة‭ ‬في‭ ‬الأفراح‭ ‬والأعراس،‭ ‬وحتى‭ ‬تجمّعات‭ ‬ومراسم‭ ‬العزاء‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التحسّر‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬القريب،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أبعدَه‭!‬

 

البحث‭ ‬عن‭ ‬منافذ‭ ‬للتواصل

  ‬وقد‭ ‬أدت‭ ‬حالة‭ ‬العزلة‭ ‬والحصار‭ ‬المادي‭ ‬والنفسي‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬الجائحة‭ ‬بالكثيرين‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬منافذ‭ ‬للتواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخر؛‭ ‬فبدأ‭ ‬التواصل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أشخاص‭ ‬كانوا‭ ‬دائمي‭ ‬الانشغال‭ ‬والتشاغل،‭ ‬وبات‭ ‬الفراغُ‭ ‬يفرض‭ ‬عليهم‭ ‬إعادة‭ ‬نسج‭ ‬خيوط‭ ‬التحاور‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭. ‬وميل‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬بثّ‭ ‬الشكوى‭ ‬والتذمر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬ظاهرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬بارزة‭. ‬

تباينت‭ ‬درجةُ‭ ‬التأثر‭ ‬وكيفية‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الظرف‭ ‬الاستثنائي‭ ‬في‭  ‬فترة‭ ‬العزلة‭ ‬من‭ ‬فرد‭ ‬لآخر‭ ‬وفق‭ ‬عوامل‭ ‬عديدة؛‭ ‬منها‭ ‬عُمر‭ ‬الفرد‭ ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬الدراسة‭ ‬أو‭ ‬العمل،‭ ‬وطبيعة‭ ‬عمله‭ ‬مصدر‭ ‬رزقه‭ ‬الذي‭ ‬يمثّل‭ ‬الأمن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬له‭ ‬ولأسرته،‭ ‬وتنشئته‭ ‬ومدى‭ ‬ثقافته،‭ ‬وطبيعة‭ ‬الجو‭ ‬الأسري‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬غالبًا‭ ‬مشحونًا‭ ‬ومنفّرًا‭ ‬أو‭ ‬مستقرًا‭ ‬ومحاطًا‭ ‬ببيئة‭ ‬آمنة‭ ‬ودافئة‭.‬

  ‬كما‭ ‬احتلت‭ ‬الهواتفُ‭ ‬المتنقلة‭ ‬ومنصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬اكوروناب‭ ‬مكان‭ ‬الصدارة‭ ‬في‭ ‬متابعة‭ ‬الأخبار‭ ‬والمستجدات‭ ‬الأخيرة‭ ‬حول‭ ‬الوباء،‭ ‬والتواصل‭ ‬والنشر‭ ‬والتعبير،‭ ‬وكانت‭ ‬متنفسًا‭ ‬فسيحًا‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬وبلا‭ ‬حواجز،‭ ‬وامتلأت‭ ‬تلك‭ ‬المنصات‭ ‬بمنشورات‭ ‬البثّ‭ ‬المباشر،‭ ‬وعجّت‭ ‬بالآراء‭ ‬والتحليلات،‭ ‬وبمحاولة‭ ‬استغلال‭ ‬تفرُّغ‭ ‬الجميع،‭ ‬ويتفاوت‭ ‬المحتوى،‭ ‬بالطبع،‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التقديم‭ ‬بين‭ ‬الثري‭ ‬إلى‭ ‬الضعيف،‭ ‬وبين‭ ‬المستحق‭ ‬للمتابعة‭ ‬إلى‭ ‬العادي،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬طردية‭ ‬حاصلة‭ ‬بين‭ ‬ذلك‭ ‬وعدد‭ ‬المتابعين‭ ‬ومدى‭ ‬الصدى؛‭ ‬فلذلك‭ ‬عوامل‭ ‬متنوعة‭ ‬لا‭ ‬يتّسع‭ ‬المجال‭ ‬لذكرها‭. 

 

اختبار‭ ‬صعب

زادت‭ ‬نسبة‭ ‬العنف‭ ‬المنزلي؛‭ ‬فالتعامل‭ ‬والبقاء‭ ‬مع‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬كان‭ ‬ضمن‭ ‬فترة‭ ‬محددة‭ ‬قصيرة؛‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬وجبات‭ ‬الطعام‭ ‬أو‭ ‬خلال‭ ‬اللقاءات‭ ‬الصباحية‭ ‬السريعة،‭ ‬قبل‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬والمدارس‭ ‬والجامعات،‭ ‬لكن‭ ‬البقاء‭ ‬طوال‭ ‬أيام‭ ‬وأسابيع‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬مشحونة‭ ‬بالفراغ‭ ‬والقلق‭ ‬والخوف،‭ ‬وضع‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬في‭ ‬اختبارٍ‭ ‬صعبٍ،‭ ‬وكانت‭ ‬الأسئلةُ‭ ‬الأكثر‭ ‬صعوبة‭ ‬وإرهاقًا‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬الأم،‭ ‬باعتبارها‭ ‬المضطلعة‭ ‬بمهام‭ ‬النظافة‭ ‬والتعقيم‭ ‬والأكل‭ ‬والرعاية‭ ‬واحتواء‭ ‬حالات‭ ‬التشاحن‭ ‬والصدام‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة؛‭ ‬وربما‭ ‬بتنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬برامج‭ ‬تدريب‭ ‬ووضع‭ ‬خطة‭ ‬بديلة‭ ‬لحالات‭ ‬الطوارئ‭ ‬وكيفية‭ ‬التعاطي‭ ‬الإيجابي‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬المستجدة‭.‬

  ‬ورغم‭ ‬صعوبة‭ ‬زمن‭ ‬اكوروناب‭ ‬وما‭ ‬خلّفه‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬خاصة،‭ ‬فإنه‭ ‬فرض‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬المهمة،‭ ‬وترك‭ ‬بعض‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بالإيجابية؛‭ ‬فهو‭ ‬طرح‭ ‬بقوة‭ ‬قضية‭ ‬االتعلُّم‭ ‬عن‭ ‬بُعدب،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التربوية‭ ‬المهمة،‭ ‬وأضاء‭ ‬المساحة‭ ‬المعتمة‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬الحديث‭ ‬النظري‭ ‬والواقع‭ ‬العملي؛‭ ‬فهل‭ ‬نحن‭ ‬مستعدون‭ ‬فعلًا‭ ‬لتطبيق‭ ‬مُجدٍ‭ ‬للتعلّم‭ ‬عن‭ ‬بُعد؟‭ ‬وهل‭ ‬نمتلك‭ ‬الأدوات‭ ‬والأجهزة‭ ‬والرغبة‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬جعله‭ ‬فاعلًا‭ ‬وناجعًا؟‭ ‬أم‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تهيئة‭ ‬وتدريب‭ ‬وتوفير‭ ‬مستلزمات‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر؟

 

تقييم‭ ‬حقيقي

ألقت‭ ‬الأزمة‭ ‬الأسئلة‭ ‬على‭ ‬بساط‭ ‬البحث،‭ ‬وأضاءت‭ ‬الواقع،‭ ‬وأدخلت‭ ‬الكلام‭ ‬النظري‭ ‬إلى‭ ‬اختبار‭ ‬تقييم‭ ‬حقيقي‭ ‬بمعايير‭ ‬حيّة؛‭ ‬مما‭ ‬يشكّل‭ ‬فرصة‭ ‬حقيقة‭ ‬يمكن‭ ‬استغلالها‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬وتجاوز‭ ‬المعوقات‭ ‬والتحديات،‭ ‬وجعله‭ ‬ركنًا‭ ‬فاعلًا‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭.‬

  ‬كما‭ ‬ازداد‭ ‬تقديرُ‭ ‬الفرد‭ ‬المعاصر‭ ‬لأهمية‭ ‬ودور‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتعاظم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وهي‭ ‬تتطلّب‭ ‬الوعي‭ ‬والمواكبة‭ ‬والاستغلال‭ ‬الأمثل؛‭ ‬وإدراك‭ ‬أنها‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬وسيلة‭ ‬للتسلية‭ ‬والتواصل،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عنصرًا‭ ‬مؤثرًا‭ ‬وفاعلًا‭ ‬في‭ ‬الأزمات،‭ ‬ومصدرًا‭ ‬للأخبار‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬استقاؤها‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬مختلفة‭. ‬

  ‬ومن‭ ‬المأمول‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬بقضية‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الفائض‭ ‬عن‭ ‬الحاجة،‭ ‬وفي‭ ‬تقدير‭ ‬قيمة‭ ‬التقشف‭ ‬أو‭ ‬الاكتفاء،‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬والأفراد‭ ‬فوجئوا‭ ‬بإمكانية‭ ‬العيش‭ ‬باستهلاك‭ ‬أقلّ،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬الكماليات‭ ‬والإكسسوارات‭ ‬والألبسة‭ ‬والترفيه‭ ‬ووسائل‭ ‬الراحة‭ ‬والرفاهية‭ ‬المُبالغ‭ ‬فيها،‭ ‬والتي‭ ‬استمرت‭ ‬الحياة‭ ‬وتواصلت‭ ‬من‭ ‬دونها،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬صارت‭ ‬أكثر‭ ‬نقاء‭ ‬وصحة،‭ ‬فقد‭ ‬وسّع‭ ‬تقليل‭ ‬الاستهلاك‭ ‬المساحة‭ ‬في‭ ‬الذات‭ ‬للتأمل‭ ‬والتفكير‭ ‬والتفكُّر‭.‬

  ‬كما‭ ‬أسمهت‭ ‬الأزمة،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نأمل،‭ ‬في‭ ‬تثمين‭ ‬وتقدير‭ ‬قيمة‭ ‬الصحة‭ ‬وثروة‭ ‬العافية‭ ‬ومقارنتها‭ ‬بثروة‭ ‬المال‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتمكّن‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬أصحابه‭ ‬من‭ ‬الإصابة‭ ‬بالمرض،‭ ‬ولم‭ ‬يمنع‭ ‬حياتهم‭ ‬من‭ ‬التجمّد،‭ ‬ولم‭ ‬يصدّ‭ ‬عن‭ ‬فكرهم‭ ‬جحافلَ‭ ‬القلق‭ ‬والخوف،‭ ‬ووقفت‭ ‬ثروة‭ ‬المال‭ ‬عاجزة‭ ‬أمام‭ ‬اكتساح‭ ‬الوباء‭ ‬الذي‭ ‬سجن‭ ‬نصف‭ ‬سكان‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬خلف‭ ‬قضبان‭ ‬الخوف‭ ‬والترقّب‭ ‬والعزلة،‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬الأرصدة‭ ‬في‭ ‬البنوك‭ ‬شراء‭ ‬هواء‭ ‬نقي‭ ‬لرئة‭ ‬مُتعَبة‭! ‬

 

إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الأولويات

  ‬إن‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬أهمية‭ ‬المال‭ ‬وتقييم‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬قضية‭ ‬عجزت‭ ‬عشراتُ‭ ‬الكتب‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬استطاع‭ ‬فيروس‭ ‬لا‭ ‬يُرى‭ ‬بالعين‭ ‬المجرّدة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مقنعًا،‭ ‬ويجعل‭ ‬منها‭ ‬قضية‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عين‭ ‬ثاقبة‭ ‬لإدراكها‭!‬

  ‬وقد‭ ‬ساعد‭ ‬الوباء‭ ‬في‭ ‬كشف‭ ‬معادن‭ ‬الناس،‭ ‬وعرّى‭ ‬صورهم‭ ‬المستعارة‭ ‬من‭ ‬أطرها‭ ‬النفيسة‭ ‬والمزيّفة،‭ ‬ثمّة‭ ‬مَن‭ ‬أعطى‭ ‬من‭ ‬ماله‭ ‬ووقته‭ ‬وجهده،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬إلا‭ ‬القليل،‭ ‬وهناك‭ ‬مَن‭ ‬بخل‭ ‬وأغلق‭ ‬خزائنه‭ ‬وأرصدته،‭ ‬واختبأ‭ ‬خلف‭ ‬جدران‭ ‬خوفه‭ ‬وذاتيته‭ ‬المريضة؛‭ ‬فمِن‭ ‬القوي‭ ‬المستقوي‭ ‬على‭ ‬غيره‭ ‬إلى‭ ‬إنسان‭ ‬خائف‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬جدوى‭ ‬حياته‭ ‬السابقة،‭ ‬وقد‭ ‬كشف‭ ‬الوباء‭ ‬عن‭ ‬ضعف‭ ‬البشر‭ ‬أمام‭ ‬المرض،‭ ‬وعرّى‭ ‬هشاشتهم‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬سترتها‭ ‬الملابس‭ ‬الفاخرة‭ ‬والأقنعة‭. ‬

  ‬كما‭ ‬أسهمت‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬مفهوم‭ ‬أهمية‭ ‬العائلة،‭ ‬وأهمية‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬أفرادها،‭ ‬وتنامي‭ ‬الشعور‭ ‬بقرب‭ ‬وأهمية‭ ‬كلّ‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬العائلة‭ ‬الصغيرة‭ ‬والممتدة‭ ‬وحاجة‭ ‬الفرد‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين،‭ ‬وأهمية‭ ‬التكافل‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وهي‭ ‬اللبنة‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

  ‬وتعاظم‭ ‬تقدير‭ ‬أهمية‭ ‬صلة‭ ‬القربى‭ ‬والرّحم‭ ‬والعلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الصحية‭ ‬والصداقات‭ ‬الحقيقية؛‭ ‬لأنّ‭ ‬افتقادها‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬اكوروناب‭ ‬جعل‭ ‬الفرد‭ ‬يدرك‭ ‬أهميتها‭ ‬وحاجته‭ ‬إليها؛‭ ‬فليست‭ ‬البرودة‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الأشياء،‭ ‬لكنّه‭ ‬الدفء‭ ‬المحتمل‭■ !