مجموعة «سيرة القلب» لنجلاء علام مكاشفة وجدانية عن تجليات العلاقة بالآخر

مجموعة «سيرة القلب» لنجلاء علام مكاشفة وجدانية عن تجليات العلاقة بالآخر

تقتفي المجموعة القصصية «سيرة القلب»، للكاتبة نجلاء علّام، سيرة الإنسان الوجدانية في ذروة توهّجها أو ما يمكن التعبير عنه بلحظات التحوّل التاريخية للشخصيات، وهي المنطقة الأكثر حضورًا وإشعاعًا في حياة الإنسان، وتتجلّى في «أنا» الشخصية أثناء مرورها بمنعطفات الحياة ومباغتاتها، أو في العلاقة مع الآخر؛ وبالتالي فالقصص ترصُد عديدًا من المواقف والعلاقات، وتكشف عن كُنه هذه العلاقات. 
أوّل ما يطالعنا هو العنوان الذي يرتكز على البُعد الرومانسي الأكثر حضورًا، بما تعبّر عنه المفردتان «السيرة»، و«القلب» من حالة وجدانية، وما تنسجان حولهما من دلالات رمزية وموضوعية؛ فلا تخرُج مفردة السيرة عن دلالات الحياة، وما يمرّ بها من شخصيات وعلاقات وأحداث، بينما القلب هو الضامن لاستمرارية هذه الحياة وصيرورة العلاقات، وهو أيضًا الأكثر وجعًا وتأثرًا في جسم الإنسان إزاء ما يمرّ به من ظروف.

 

لا‭ ‬‮«‬سيرة‮»‬‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حياة،‭ ‬ولا‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬‮«‬قلب‮»‬،‭ ‬فالجسم‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يذوق‭ ‬الألم،‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬القهر‭ ‬والتعذيب،‭ ‬بينما‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬وجع‮»‬‭ ‬القلوب‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬علاقاتنا‭ ‬وصدمتنا‭ ‬في‭ ‬الآخر،‭ ‬والمجموعة‭ ‬وهي‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬حسّ‭ ‬وجداني‭ ‬ونفسي‭ ‬عميق؛‭ ‬فإنها‭ ‬تحتفي‭ ‬بالحياة‭ ‬والحب،‭ ‬وتتّسم‭ ‬بانفتاحها‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬هي‭ ‬الثيمة‭ ‬الرئيسة‭ ‬لجلّ‭ ‬النصوص‭. 

كما‭ ‬يكشف‭ ‬العنوان‭ ‬عمّا‭ ‬تكتنزه‭ ‬النصوص‭ ‬من‭ ‬عاطفة‭ ‬تجاه‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬العلاقات،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭ ‬زوجًا،‭ ‬أو‭ ‬حبيبًا‭ ‬غائبًا،‭ ‬أو‭ ‬أخًا،‭ ‬أو‭ ‬امرأة،‭ ‬والمتأمل‭ ‬للقصص‭ ‬يشعر‭ ‬بأنّ‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬سيرة‭ ‬القلب‮»‬‭ ‬يصحّ‭ ‬جعله‭ ‬عنوانًا‭ ‬لكلّ‭ ‬قصة‭ ‬من‭ ‬القصص‭.‬

فالسيرة‭ ‬التي‭ ‬تطرحها‭ ‬المجموعة‭ ‬هي‭ ‬سيرة‭ ‬رومانسية‭ ‬وإنسانية‭ ‬لشخوص‭ ‬مفعمة‭ ‬بالحياة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬طموحها‭ ‬وصعودها،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬هزائمها‭ ‬وانكساراتها،‭ ‬وأيضًا‭ ‬في‭ ‬صدمتها‭ ‬في‭ ‬الآخر‭ ‬وإحساسها‭ ‬به،‭ ‬فلا‭ ‬تكون‭ ‬المسألة‭ ‬مجرد‭ ‬معايشة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬هي‭ ‬المحكّ‭ ‬الكاشف‭ ‬عن‭ ‬كُنه‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬تجلّيات‭ ‬متباينة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬حفاوة‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬ضد‭ ‬المعايشة‭ ‬من‭ ‬رفضٍ‭ ‬للواقع‭ ‬وتنكُّر‭ ‬لصلات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التنكّر‭ ‬لها،‭ ‬مثل‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬طيور‭ ‬الأرض‮»‬‭.‬

‭ ‬تنأى‭ ‬المجموعة‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬النمطية‭ ‬والسائدة،‭ ‬فالنصوص‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬التكثيف‭ ‬والوصف،‭ ‬وتتّسم‭ ‬بسرد‭ ‬منفتح‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬وشخصيات‭ ‬غير‭ ‬منغلقة‭ ‬فنيًّا؛‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬دائمًا‭ ‬آفاق‭ ‬أخرى‭ ‬للسرد‭ ‬تشير‭ ‬إليها‭ ‬الأحداث،‭ ‬وتسمح‭ ‬للمتلقي‭ ‬بالتأمل‭ ‬والاستشراف؛‭ ‬فيأتي‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬سردي‭ ‬متقن‭ ‬يحوز‭ ‬اهتمام‭ ‬القارئ‭ ‬ويجعله‭ ‬يُطلق‭ ‬العنان‭ ‬لخياله‭ ‬عبْر‭ ‬فضاء‭ ‬متَّسع‭ ‬يوظّف‭ ‬المشاهد‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬والقرية،‭ ‬ويوظّف‭ ‬مشاهد‭ ‬الطبيعة‭ ‬الساحرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬المتخيل‭ ‬بتوظيف‭ ‬الحلم،‭ ‬وتوظيف‭ ‬صراع‭ ‬الحياة‭ ‬والموت‭.‬

 

بناء‭ ‬رصين

يتميز‭ ‬البناء‭ ‬السردي،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ (‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬آخر‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬بدائل‭ ‬للنشر‭) ‬بأنه‭ ‬بناء‭ ‬رصين‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬الأبعاد‭ ‬الزمنية‭ ‬والمكانية‭ ‬للحدث‭ ‬ويحفّز‭ ‬القارئ‭ ‬على‭ ‬الاستدعاء‭ ‬والتخيّل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ترك‭ ‬مساحات‭ ‬تتوقف‭ ‬عندها‭ ‬الكاتبة‭ ‬بالإشارات‭ ‬فقط،‭ ‬لتكون‭ ‬حريّة‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬التخيّل‭ ‬والاستكمال‭.‬

واعتمدت‭ ‬القاصة‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬النصوص‭ ‬القصيرة‭ ‬المكثفة‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬الشعرية‭ ‬والتركيز‭ ‬الشديد‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬القصة‭ ‬كالومضة‭ ‬الشعرية‭ ‬مثل‭ ‬قصص‭ ‬‮«‬أول‭ ‬الليل‮»‬،‭ ‬‮«‬انتظار‮»‬،‭ ‬و«معاودة»؛‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬‮«‬معاودة‮»‬‭ ‬بها‭ ‬سمات‭ ‬سردية‭ ‬مختلفة،‭ ‬وشخصيتان‭ ‬محوريتان‭ ‬لرجل‭ ‬وامرأة،‭ ‬فالقاصة‭ ‬أبدعت‭ ‬فيها‭ ‬لتخرج‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬الشعري‭.‬

ارتكزت‭ ‬الكاتبة‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬الظلال‭ ‬والضوء،‭ ‬مثل‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬انتظار‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬يستحيل‭ ‬النص‭ ‬إلى‭ ‬لقطة‭ ‬سينمائية،‭ ‬توظف‭ ‬التقنيات‭ ‬الفنية‭ ‬للسينما‭ ‬وتعي‭ ‬قيمة‭ ‬الضوء‭ ‬والظلال‭... ‬‮«‬أنزلت‭ ‬عينيها‭ ‬عن‭ ‬الصورة‭ ‬المعلّقة،‭ ‬ونظرت‭ ‬من‭ ‬الشباك،‭ ‬السحب‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تتجمع‭ ‬كما‭ ‬الماضي،‭ ‬نور‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭ ‬يشعّ،‭ ‬فترى‭ ‬انكساره‭ ‬وظلّه‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬عندما‭ ‬تشقّه‭ ‬البنايات‭ ‬العالية‮»‬‭.‬

‭ ‬تتميز‭ ‬النصوص‭ ‬بابتعادها‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬التقليدية،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬اللغة،‭ ‬أو‭ ‬أسلوب‭ ‬السرد،‭ ‬وجاءت‭ ‬بلغة‭ ‬رصينة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬المباشرة‭ ‬والسطحية‭ ‬ورتابة‭ ‬التصاعد‭ ‬الدرامي‭ ‬ويومياته‭ ‬الزاعقة‭ ‬التي‭ ‬نلمسها‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬التقليدية،‭ ‬فهي‭ ‬سيرة‭ ‬‮«‬قلب‮»‬،‭ ‬ولذا‭ ‬جاءت‭ ‬شعرية‭ ‬مشهدية‭ ‬وإنسانية،‭ ‬احتفت‭ ‬بالوصف‭ ‬ونحتت‭ ‬شخوصها‭ ‬الفنية‭ ‬بمقدرة‭ ‬كبيرة‭. ‬

  ‬ليست‭ ‬‮«‬المعايشة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الثيمة‭ ‬المهيمنة،‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬عدم‭ ‬سيطرة‭ ‬هذه‭ ‬الثيمة،‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬منذ‭ ‬النص‭ ‬الأول،‭ ‬حيث‭ ‬ينقطع‭ ‬الأخ‭ ‬عن‭ ‬أخيه‭ ‬وتتفرّق‭ ‬بهم‭ ‬السُّبل،‭ ‬فيتحول‭ ‬الأول‭ (‬الرومانسي‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬محور‭ ‬القص،‭ ‬إلى‭ ‬قاتل‭ ‬وخادم‭ ‬لدى‭ ‬سيّده،‭ ‬ثم‭ ‬يتبرأ‭ ‬من‭ ‬أخيه‭ ‬عندما‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القصة،‭ ‬فهذه‭ ‬الثيمة‭ ‬غائبة‭ ‬تمامًا،‭ ‬بينما‭ ‬يحضر‭ ‬التمرّد‭ ‬والقهر،‭ ‬فالشخصية‭ ‬المركزية‭ ‬شهدت‭ ‬تحولًا‭ ‬حادًا‭ ‬ولم‭ ‬تتعايش‭ ‬مع‭ ‬أحد،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬اسمها‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬بتغييره‭ ‬من‭ ‬عباس‭ ‬إلى‭ ‬مروان،‭ ‬وتنكرت‭ ‬بمحض‭ ‬إرادتها‭ ‬للأخ‭ ‬الذي‭ ‬‮«‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬الصعيد‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬عمّه‭ ‬وتجارته‭ ‬الواسعة،‭ ‬وبقيت‭ ‬أنا‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬أصارع‭ ‬الأيام‮»‬‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬طيور‭ ‬الأرض‮»‬‭. ‬

والمتأمل‭ ‬يجد‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تتعايش‭ ‬مع‭ ‬المكان‭ ‬ولا‭ ‬الأخ‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬الاسم،‭ ‬فهي‭ ‬متمردة‭ ‬رافضة‭ ‬للواقع‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬بيّنته‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬فيض‭ ‬عاطفي‭ ‬تجاه‭ ‬المكان‭ ‬ومفرداته‭ ‬البسيطة‭. ‬وتقول‭ ‬الشخصية‭ ‬المحورية‭ ‬التي‭ ‬يأتي‭ ‬السرد‭ ‬على‭ ‬لسانها‭: ‬‮«‬أما‭ ‬رجال‭ ‬العائلة‭ ‬فقد‭ ‬تفرّقوا‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬اتجاه،‭ ‬عائلة‭ ‬أبي‭ ‬انقطعت‭ ‬أخبارها‭ ‬بموته،‭ ‬وعائلتها‭ ‬أيضًا‭ ‬انقطعت‭ ‬أخبارها‭ ‬بموته،‭ ‬فلستَ‭ ‬مرغوبًا‭ ‬فيك‭ ‬وأنت‭ ‬تعول‭ ‬طفلين‭ ‬صغيرين،‭ ‬وهكذا‭ ‬تم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬ببعض‭ ‬الجيران‮»‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬تتوفّر‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬المعايشة‭. ‬

 

لحظات‭ ‬التحوّل‭ ‬التاريخية

‭ ‬أما‭ ‬لحظات‭ ‬التحول‭ ‬التاريخية،‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬سطوتها‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشخوص‭ ‬الفنيّة‭ ‬المحورية،‭ ‬في‭ ‬مسيرتها‭ ‬الحياتية‭ ‬وتؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬مصائرها،‭ ‬فإنها‭ ‬تأخذ‭ ‬الشخصية‭ ‬إلى‭ ‬منحًى‭ ‬آخر‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬مصيرها‭ ‬الحياتي‭ ‬المتوقع‭ ‬لها‭ ‬كالتّبدل‭ ‬الفُجائي‭ ‬أو‭ ‬الموت،‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬تحوّل‭ ‬أصاب‭ ‬عباس‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬طيور‭ ‬الأرض‮»‬‭ ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬إلى‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬عمل‭ ‬بها،‭ ‬وتحوّله‭ ‬من‭ ‬إنسان‭ ‬رومانسي‭ ‬حالم‭ ‬يتأمل‭ ‬السماء‭ ‬ويراقب‭ ‬الطيور؛‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬قاتل،‭ ‬وأداة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬صاحب‭ ‬المؤسسة،‭ ‬وجاء‭ ‬على‭ ‬لسانه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القصة‭ ‬‮«‬كنت‭ ‬أتبادل‭ ‬حمل‭ ‬النعش‭ ‬أنا‭ ‬وأخي‭ ‬إبراهيم‭ ‬وكانت‭ ‬الطيور‭ ‬تحلّق‭ ‬حولنا‭ ‬وتدور‭ ‬وكأنها‭ ‬تودعها،‭ ‬وكأنها‭ ‬تلقي‭ ‬لها‭ ‬بالرسالة‭ ‬الأخيرة‮»‬،‭ ‬وبعد‭ ‬لحظات‭ ‬التحول‭ ‬تخلّى‭ ‬عن‭ ‬رومانسيته‭ ‬وتنكّر‭ ‬لأخيه‭. ‬

وتتنقل‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬بين‭ ‬عوالم‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التطور‭ ‬الدرامي‭ ‬للشخصيات،‭ ‬والنهاية‭ ‬المفتوحة‭ ‬والتحولات‭ ‬التي‭ ‬تحدث،‭ ‬فالرومانسي‭ ‬المحبّ‭ ‬المثابر‭ ‬الدؤوب‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬خادم‭ ‬وأداة،‭ ‬ويتخلّى‭ ‬عن‭ ‬أخيه،‭ ‬وعن‭ ‬الطيور‭ ‬التي‭ ‬أحبها‭ ‬صغيرًا‭.‬

  ‬وفي‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬ذكريات‭ ‬نبتسم‭ ‬لها‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬غيّرت‭ ‬حورية‭ ‬رأيها‭ ‬في‭ ‬ضرتها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أساءت‭ ‬بها‭ ‬الظن،‭ ‬وأصبحتا‭ ‬إلى‭ ‬بعضهما‭ ‬أقرب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تقابلتا‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭.‬

وفي‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬سيرة‭ ‬القلب‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬لحظة‭ ‬الإعدام‭ ‬للبطلة‭ ‬هي‭ ‬الحدث‭ ‬التاريخي‭ ‬الأهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها،‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬إيقاع‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬لحظة‭ ‬تصوير‭ ‬المرأة‭ ‬تحت‭ ‬الشجرة‭ ‬ووجودها‭ ‬داخل‭ ‬الكادر‭ ‬وما‭ ‬يمثّله‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها،‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمرأة‭ ‬التي‭ ‬جذب‭ ‬صوتها‭ ‬الرخيم‭ ‬الجالسين‭ ‬في‭ ‬الحديقة‭ ‬والماريّن‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬المحيطة،‭ ‬ولحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬أيضًا‭ ‬للمذيعة‭ ‬والمخرج‭ ‬الذي‭ ‬‮«‬أيقن‭ ‬أنّه‭ ‬المشهد‭ ‬الوحيد‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬سيصوره‭ ‬في‭ ‬حياته‮»‬،‭... ‬وغيرها‭.‬

‭ ‬

البناء‭ ‬الفلسفي‭ ‬لصور‭ ‬الحياة‭ ‬والموت

‭ ‬تتميز‭ ‬القصص‭ ‬بتعدُد‭ ‬الخيوط‭ ‬الدرامية،‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بالحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬وقيم‭ ‬الوجود‭ ‬الإنساني‭ ‬حيث‭ ‬الحياة‭ ‬والفاعلية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتّضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرموز‭ ‬الموحية‭ ‬التي‭ ‬وظفتها‭ ‬الكاتبة‭ ‬بقدرة‭ ‬كبيرة‭ ‬وعبّرت‭ ‬عن‭ ‬أبعاد‭ ‬دلالية‭ ‬لصور‭ ‬الموت‭ ‬التي‭ ‬يقابلها‭ ‬معنى‭ ‬الحياة‭ ‬بتجلياتها،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قصص‭ (‬طيور‭ ‬الأرض،‭ ‬وسيرة‭ ‬القلب،‭ ‬وذكريات‭ ‬نبتسم‭ ‬لها،‭ ‬وشجرة‭ ‬هنا‭ ‬وشجرة‭ ‬هناك،‭ ‬والنعشان،‭ ‬وهو‭ ‬وهي،‭ ‬وربما،‭ ‬والمقامات‭). ‬

وتتردد‭ ‬ثنائية‭ ‬الحياة‭ ‬والموت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬انشغال‭ ‬الكتابة‭ ‬بهذه‭ ‬الثنائية‭ ‬اللافتة؛‭ ‬سواء‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬بصور‭ ‬فلسفية،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬‮«‬إيقاع‮»‬،‭ ‬و«هو‭ ‬وهي‮»‬،‭ ‬و«معاودة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ارتكزت‭ ‬على‭ ‬انتهاء‭ ‬علاقة‭/ ‬موتها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬زعم‭ ‬الآخر‭ ‬ولادتها‭ ‬مجددًا‭.‬

‭ ‬وتصل‭ ‬بنية‭ ‬الاستخدام‭ ‬الفلسفي‭ ‬إلــى‭ ‬ذروتها‭ ‬في‭ ‬تجلّي‭ ‬صور‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬خــلال‭ ‬توظيــف‭ ‬مفردة‭ ‬العيش‭ ‬بطرائـــق‭ ‬مختلفة‭ ‬تنمّ‭ ‬عن‭ ‬حيوية‭ ‬أكثــــر‭ ‬دفئًا‭ ‬وتفــاؤلًا،‭ ‬وأكثــــر‭ ‬تأثيـــرًا‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬مفردة‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬تدلّ‭ ‬على‭ ‬المعنى‭ ‬بشكل‭ ‬عفوي‭ ‬تقليدي‭ ‬يقصد‭ ‬به‭ ‬الحياة‭ ‬مجـــردة،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬فكرة‭ ‬الوجود‭ ‬الإنساني‭ ‬خاليًا‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬فاعليـة،‭ ‬ففي‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬أول‭ ‬الليل‮»‬‭ ‬مثلًا‭: ‬‮«‬أي‭ ‬عيـــش‭ ‬لنا‭ ‬دون‭ ‬الليل‮»‬‭ ‬فالعيش‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬الحياة‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬يقصدها‭ ‬المعنى،‭ ‬أي‭ ‬النشاط‭ ‬والفاعلية،‭ ‬وفي‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬بساق‭ ‬وحيدة‭ ‬أمشي‮»‬‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬تغمض‭ ‬عينها‭ ‬وتعيش‭ ‬في‭ ‬الأحلام‮»‬‭ ‬فالعيـــش‭ ‬هــــو‭ ‬الحــياة‭ ‬بحيويتها،‭ ‬وفي‭ ‬قصـــة‭ ‬‮«‬سيرة‭ ‬القلب‮»‬‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬في‭ ‬الليل‭ ‬وحده‭ ‬أعيش‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬دلالة‭ ‬أخرى‭ ‬تنفتح‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ (‬الليل‭) ‬كدال‭ ‬لحياة‭ ‬حقيقية‭ ‬أكثر‭ ‬فاعليـــة،‭ ‬أسمتها‭ ‬الكاتبة‭ (‬العيش‭).  

ولذلك‭ ‬تقول‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬النعشان‮»‬‭: ‬‮«‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬شابان‭ ‬لا‭ ‬يكبران‮»‬‭ ‬فالشباب‭ (‬يعيش‭) ‬بمعنى‭ ‬يتفاعل‭ ‬ولا‭ ‬يحيا‭ (‬حياة‭) ‬عادية‭ ‬كالتي‭ ‬يحياها‭ ‬طفل‭ ‬رضيع‭ ‬أو‭ ‬عجوز،‭ ‬وفي‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬هو‭ ‬وهي‮»‬‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬يحارب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‮»‬،‭ ‬ومعروف‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الدارجة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬أن‭ ‬‮«‬لقمة‭ ‬العيش‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يتحصل‭ ‬عليها‭ ‬بالحياة‭ ‬فقط،‭ ‬إنما‭ ‬بالتفاعل‭ ‬والسعي،‭ ‬وهو‭ ‬المقصود‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬العيش،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬المصريين‭ ‬هم‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬يسمي‭ ‬الخبز‭ ‬عيشًا،‭ ‬فلا‭ ‬عمل‭ ‬أو‭ ‬حيوية‭ ‬أو‭ ‬دأب‭ ‬أو‭ ‬فاعلية‭ ‬بلا‭ ‬طعام،‭ ‬أي‭ ‬بلا‭ ‬خبز،‭ ‬وخلال‭ ‬قصص‭ ‬المجموعة‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬كلمات‭ (‬الحياة‭) ‬أو‭ (‬العيش‭) ‬إلا‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬الدلالة‭. ‬

كذلك‭ ‬فإن‭ ‬الحكمة‭ ‬والمقولات‭ ‬الفلسفية‭ ‬تتناثر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬النصوص،‭ ‬وتتضح‭ ‬بجلاء‭ ‬مقولة‭ ‬النفري‭ ‬‮«‬كلما‭ ‬اتسعت‭ ‬الرؤية‭ ‬ضاقت‭ ‬العبارة‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬القصص‭: ‬‮«‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬الموت‭ ‬نَفَس،‭ ‬لا‭ ‬حياة‮»‬،‭ ‬و«مَن‭ ‬يمسّه‭ ‬ماء‭ ‬السماء‭ ‬لا‭ ‬يعطي‭ ‬نفسه‭ ‬أديم‭ ‬الأرض‮»‬،‭ ‬وغيرها‭. ‬

وهناك‭ ‬سعي‭ ‬إلى‭ ‬كشف‭ ‬الجوهر‭ ‬العميق‭ ‬أو‭ ‬القيمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬مثل‭ ‬المرأة‭ ‬المتسولة‭ ‬وصوتها‭ ‬الرخيم‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬إيقاع‮»‬،‭ ‬والعقد‭ ‬الفالصو‭ ‬وقيمة‭ ‬الذاكرة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الأصالة‭ ‬والزيف‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬معاودة‮»‬،‭ ‬وتشبيه‭ ‬الذاكرة‭ ‬بالصندوق‭ ‬الموشّى،‭ ‬وتمنح‭ ‬الكاتبة‭ ‬الأشياء‭ ‬بعدًا‭ ‬فلسفيًا‭ ‬آخر،‭ ‬إذ‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬العقد‭ ‬كان‭ ‬لامعًا‭ ‬وأصبح‭ ‬منطفئًا‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أننا‭ ‬مَن‭ ‬نعطي‭ ‬الأشياء‭ ‬قيمة‭ ‬بإحساسنا‭.‬

 

العطاء‭ ‬والصور‭ ‬المثالية‭ ‬للمرأة

اتكأت‭ ‬النصوص‭ - ‬غالبًا‭ - ‬على‭ ‬واقعية‭ ‬الأحداث؛‭ ‬وكتبت‭ ‬بحسّ‭ ‬رومانسي،‭ ‬وتبدو‭ ‬العلاقة‭ ‬شاعرية‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة،‭ ‬وتعتمد‭ ‬على‭ ‬تصوير‭ ‬المرأة‭ ‬مخلوقًا‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الظروف،‭ ‬ولا‭ ‬يشكّل‭ ‬عجزها‭ ‬الجسدي‭ ‬أيّ‭ ‬مشكلة‭ ‬أو‭ ‬تحدٍ‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬به،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تعميق‭ ‬الصورة‭ ‬المثالية‭ ‬للمرأة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬ضرتين‭ ‬‮«‬ذكريات‭ ‬نبتسم‭ ‬لها‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬أظهرتهما‭ ‬كأيقونتين‭ ‬للمثالية،‭ ‬والعمل‭ ‬والدأب،‭ ‬ففي‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬بساق‭ ‬وحيدة‭ ‬أمشي‮»‬‭ ‬تهرب‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬ضغوط‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الأحلام‭ ‬ليس‭ ‬لأنها‭ ‬معاقة،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬ضغوط‭ ‬الحياة،‭ ‬فقيم‭ ‬العطاء‭ ‬والتضحية‭ ‬والمثالية‭ ‬هي‭ ‬الصفات‭ ‬الغالبة‭ ‬على‭ ‬المرأة،‭ ‬بينما‭ ‬تبدو‭ ‬صورة‭ ‬الرجل‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭.‬

  ‬والمرأة‭ ‬تقود‭ ‬الرجل‭ ‬إلى‭ ‬النجاح،‭ ‬ففي‭ ‬‮«‬إيقاع‮»‬‭ ‬وجهته‭ ‬للتصوير‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المناسب‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬ذكريات‭ ‬نبتسم‭ ‬لها‮»‬‭ ‬دفعته‭ ‬للنجاح‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬وحينما‭ ‬تزوج‭ ‬بأخرى،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الأخرى‭ ‬أيضًا‭ ‬ساعدته‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التحقق،‭ ‬والمرأة‭ ‬تفرض‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬الكادر‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬ضعيفة‭ ‬ومستكينة‭ ‬في‭ ‬الحديقة،‭ ‬فهي‭ ‬أيضًا‭ ‬إنسانة‭ ‬وموجودة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬إيقاع‮»‬‭.‬

  ‬وتبدو‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظات‭ ‬الخاصة‭ ‬بكل‭ ‬قصة‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬ففي‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬بساق‭ ‬وحيدة‭ ‬أمشي‮»‬،‭ ‬تتجلى‭ ‬حالة‭ ‬ميتافيزيقية،‭ ‬فالقصة‭ ‬تدور‭ ‬أحداثها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬الواقع،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأحلام‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬إليها‭ ‬البطلة‭ ‬هربًا‭ ‬من‭ ‬ضجيج‭ ‬الواقع،‭ ‬وجاءت‭ ‬اللغة‭ ‬رشيقة‭ ‬واحتفت‭ ‬بصور‭ ‬ومفردات‭ ‬شعرية‭ ‬لعالم‭ ‬آخر،‭ ‬حيث‭ ‬بدا‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬ساحرًا‭ ‬‮«‬أغمضت‭ ‬عيني‭ ‬فإذا‭ ‬بفتيات‭ ‬كالملائكة‭ ‬يقُلن‭: ‬‮«‬أقبلي‭ ‬أيتها‭ ‬العروس‮»‬،‭ ‬ووجدتهن‭ ‬يحملنني‭ ‬عارية،‭ ‬ويضعنني‭ ‬على‭ ‬شط‭ ‬جدول‭ ‬للماء‭ ‬رائق‭ ‬وطيب،‭ ‬تجري‭ ‬مياهه‭ ‬بين‭ ‬صخور‭ ‬كستها‭ ‬أعشاب،‭ ‬قيل‭ ‬‮«‬استشعري‭ ‬عذوبة‭ ‬الماء‭ ‬ونقاءه‮»‬‭ ‬كان‭ ‬أمام‭ ‬الجدول‭ ‬جبل،‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬نهاية،‭ ‬ارتفعت‭ ‬درجاته‭ ‬حتى‭ ‬بلغت‭ ‬السماء‮»‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬سماء‭ ‬بنفسجية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتميّز‭ ‬بالقصر‭ ‬والتكثيف‭ ‬وتدور‭ ‬حول‭ ‬الحلم‭ ‬وميتافيزيقا‭ ‬عن‭ ‬طفلة‭ ‬وأبيها‭ ‬وعالم‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬أرضي‭. ‬

 

نسيج‭ ‬من‭ ‬الذكريات

‭ ‬وقد‭ ‬عبّرت‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬ذكريات‭ ‬نبتسم‭ ‬لها‮»‬‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬إنسانية،‭ ‬فالقصة‭ ‬تحمل‭ ‬شخوصًا‭ ‬عدةّ‭ ‬للمرأة،‭ ‬وعلاقات‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬التأمل،‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬في‭ ‬قلبي‭ ‬غرام‮»‬‭ ‬سرد‭ ‬لحالة‭ ‬مفعمة‭ ‬بالألفة،‭ ‬وتوظيف‭ ‬للأغنية‭ ‬والصوت،‭ ‬فالقاصّة‭ ‬تكتب‭ ‬عن‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬صور‭ ‬وتجليات‭ ‬عدّة،‭ ‬وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬نجد‭ ‬المرأة‭ ‬معاقة‭ ‬جسديًا‭ ‬أو‭ ‬نفسيًا،‭ ‬فهي‭ ‬عرجاء‭ ‬في‭ ‬‮«‬ذكريات‭ ‬نبتسم‭ ‬لها‮»‬،‭ ‬وبساق‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬‮«‬بساق‭ ‬وحيدة‭ ‬أمشي‮»‬،‭ ‬ومتسولة‭ ‬في‭ ‬‮«‬إيقاع‮»‬‭. ‬

كما‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬السرد‭ ‬حالة‭ ‬رومانسية‭ ‬ونسيج‭ ‬من‭ ‬الذكريات‭ ‬بين‭ ‬الشخوص،‭ ‬وحالة‭ ‬من‭ ‬الانتظار‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬القصص‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ ‬‮«‬معاودة‮»‬،‭ ‬و«أول‭ ‬الليل‮»‬،‭ ‬و«انتظار‮»‬،‭ ‬و«هي‭ ‬وهو‮»‬،‭ ‬وغيرها‭.‬

اختارت‭ ‬الكاتبة‭ ‬لغة‭ ‬النصوص‭ ‬بعناية‭ ‬شديدة،‭ ‬وفضلًا‭ ‬عمّا‭ ‬ذكرنا‭ ‬من‭ ‬توظيف‭ ‬اللغة‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬تضفي‭ ‬بعدًا‭ ‬رومانسيًا،‭ ‬فإن‭ ‬المجموعة‭ ‬رغم‭ ‬عمقها‭ ‬الفني‭ ‬والإنساني؛‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬دقيقة‭ ‬في‭ ‬لغتها،‭ ‬ووظّفت‭ ‬مفردات‭ ‬دارجة،‭ ‬لتحقيق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬موضوع‭ ‬السرد‭ ‬ولُغته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الانتباه‭ ‬لدى‭ ‬القارئ،‭ ‬فتمّ‭ ‬توظيف‭ ‬لغة‭ ‬سلسة‭ ‬ومفردات‭ ‬قريبة‭ ‬مثل‭: ‬التُرَب‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬المقابر،‭ ‬البرّاد‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الوعاء،‭ ‬وعديد‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬لضمناها‮»‬،‭ ‬و«شَلتة‮»‬‭... ‬إلخ‭. ‬

صدرت‭ ‬لنجلاء‭ ‬علام‭ ‬عدة‭ ‬أعمال‭ ‬قصصية‭ ‬وروائية،‭ ‬منها‭ ‬‮«‬أفيال‭ ‬صغيرة‭ ‬لم‭ ‬تمُت‭ ‬بعد‮»‬،‭ ‬و«روح‭ ‬تحوّم‭ ‬آتية‮»‬،‭ ‬و«نصف‭ ‬عين‮»‬،‭ ‬و«الخروج‭ ‬إلى‭ ‬النهار‮»‬،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الإصدارات‭ ‬الخاصة‭ ‬بأدب‭ ‬الأطفال‭‬ ■