البحرين تحتضن النقد والأدب أنور الياسين تصوير : عبدالله الخال

البحرين تحتضن النقد والأدب

لقد جاءوا جميعا دفعة واحدة مثلما تجيء أسراب العصافير إلى شجرة في وسط الصحراء. هكذا يصف الدكتور علوي الهاشمي كوكبة المفكرين والأدباء والشعراء العرب وهم على أرض البحرين في مؤتمر النقد الأدبي الذي احتضنته جامعة البحرين في أبريل الماضي.

لم تكن البحرين العربية في يوم ما - على الرغم من وقوعها على الطرف القصي من خارطة الوطن العربي - بعيدة ثقافيا على نحو خاص عن هموم الثقافة العربية والمثقف العربي، خاصة في العصر الحديث، حتى وإن جهل شأنها أو تجاهل واقعها الثقافي قسم كبير من مثقفي العرب في أول الأمر.

لقد حمل عبء الاعتذار عن أدباء العرب ومثقفيهم أمين الريحاني في عام 1922 في كتابه "ملوك العرب" عقب زيارته للبحرين، مندهشا مما شهده فيها من تطور ثقافي وغنى أدبي وتفتح فكري مبكر "ما أخطأت الظن مرة ببلاد عربية مثل خطئي بالبحرين.أما وإنني أمقت الادعاء فلا أحاول إخفاء جهلي وهو جهل يكاد يشمل كل أدباء العرب، أني اعترف عني وعنهم".

لقد عاد بعد أكثر من سبعين عاما الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة في مصر الدكتور جابر عصفور ليقول في حضور رئيس الوزراء البحريني الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة: إن البحرين وهي تحتضن هذا الحشد الكبير والخليط من الوطن العربي إنما تضرب مثلا حيا في أنها هي بؤرة إبداعية وواحة للعلم والأدب والثقافة.

نقد أدبي

المؤتمر يحمل اسم "نحو رؤية جديدة لنظريات النقد الأدبي" جلساته امتدت على مدى أربعة أيام - الداعي قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب، جامعة البحرين في الفترة من 17 - 19 أبريل 1993.

أبحاث المؤتمر بلغت 30 بحثا. حضر معظم مقدمي الأوراق إلى البحرين، واعتذرت قلة من المدعوين. لقد استعدت جامعة البحرين بمبناها الجميل جدا في منطقة الصخير التي تبعد عن قلب العاصمة 35 كم. تنقل خلالها الحضور في حافلة أعدت لهم خصيصا، فكانت تخترق شوارع العاصمة على ساحل الخليج دخولا بين أشجار الحدائق، إلى مدينة حمد النموذجية. إنها رحلة مفيدة وجميلة.

اتجهت أبحاث المؤتمر إلى التركيز على استخلاص نتائج فكرية ومنهجية من مسيرة النقد الأدبي العربي. سواء القديم منه أم الحديث، كما أنها وقفت طويلا عند الأدوات المنهجية المستخدمة، ولاحظت ضعف هذه الأدوات وتخلفها عن مواكبة ثورة التقنيات في الغرب.

المحاور الأساسية

انقسم المؤتمر إلى ثلاثة محاور أساسية، المحور الأول: التراث النقدي العربي مرتكزا للرؤية الجديدة، والمحور الثاني: نظريات الأدب العالمية ودورها في تكوين النقد العربي، والمحور الثالث الإبداع العربي بؤرة التنظير النقدي الحديث.

افتتح المؤتمر الدكتور علي محمد فخرو وزير التربية والتعليم رئيس مجلس أمناء جامعة البحرين بكلمة ركز فيها على دور الوحدة الثقافية للأمة العربية، باعتبارها المحرك للتفاعل والتكامل بين مختلف عناصر الوحدة ومكوناتها على الصعيدين العربي والإنساني العالمي.

وقال د. فخرو: إن الوحدة الثقافية ليست مسألة تطابق وتناسخ تقليدي، واجترار للمخلفات الثقافية بقضها وقضيضها. وإنما هي إعادة النظر باستمرار فيما اكتسبناه من منظومات أفكار، وما أتيناه من ممارسات في ضوء حاجاتنا القومية والإنسانية، حاليا ومستقبليا. فهل إرثنا الثقافي الحالي، بالمعنى الواسع للثقافة يفي بحاجاتنا، ويتناسب مع مستقبلنا المنتظر؟ أم أنه بحاجة إلى إثراء وإغناء بمنظومات فكرية جديدة، وممارسات اجتماعية خلاقة؟

وقال وزير التربية: إن أهمية المؤتمر تكمن في أن النقد الأدبي يقف أمام خضم زاخر متلاطم الأمواج، عميق القرار، لاتصاله بشتى العلوم والفنون والفلسفات الاجتماعية. فهل نطمح في أن تغوصوا على درره ولآلئه، وتطرحوا سفاسفه وترهاته؟ إن مفاهيم النقد الأدبي وديناميكياته مستقاة في معظمها حتى اليوم، من معين الثقافة الغربية. وهي تحاول حل الإشكاليات المطروحة في ميادين المعرفة الغربية. فإلى أي حد تصلح لحل المشكلات التي ينبغي أن تطرح على الساحة العربية؟ وإلى أي حد نستطيع أن ستفيد من جوهرها، ونكف عن العبث بقشورها ورموزها وشعاراتها. التراث النقدي الجلسة الأولى كان محورها: التراث النقدي مرتكزا للرؤية الجديدة وقد ترأس الجلسة الدكتور شكري عياد، وقدمت فيها ثلاث أوراق، الأولى للدكتور جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بجمهورية مصر العربية وكانت بعنوان: "في البدء كان الإنسان.. قراءة في التراث النقدي العربي" وطرح فيها فكرة المفهوم العرقي في فهم النقد الأدبي، من حيث تعصب بعض العرب ضد غير العرب. ذلك أن العروبة كانت تنطوي على فريقين، فريق كان منغلقا وهو يمثل النقاء الذي لا يمس، وفريق آخر منفتح على الآخر لا يرى لنفسه تحققا إلا مع العرب. ومن ثم فعندما نتحدث عن العروبة بهذا المعنى، فنحن إزاء مفهوم أوسع حيال العروبة. فإذا أعدنا النظر فسنجد مفاهيم متعددة للنزعة العرقية حيث يدخل النقاش في مناطق أكثر خصوبة، فالنزعة العرقية هذه، ليست مقصورة على العرب، ففيها غير العرب. ثم إنه من المؤكد أن لكل فعل رد فعل، مساويا له في المقدار ومضادا له في الاتجاه. فينبغي أن نتحدث عن نزعات عرقية داخل ثقافات مختلفة. ويختتم د. عصفور كلمته. بقوله: فنحن ركزنا على النزعات العرقية غير العربية ولم نلتفت إلى النزعات العرقية العربية.

تفكيك التراث

بحث الدكتور سعيد السريحي من جامعة أم القرى بمكة المكرمة وهو ثاني المتحدثين في اليوم الأول كان بعنوان: "من الخطاب إلى التجربة" وفيه تأكيد على أن دراسته هي محاولة لإعادة قراءة التراث الإبداعي العربي في ضوء ما انتهت إليه إنجازات الفكر النقدي الحديث، على أن تحقق الأهداف التالية:

أولها: تجاوز تلك الغربة الناشئة من وهم أن هذه النظريات والمناهج "الغربية" لا تحمل على الأخذ بها إلا ضرورة فهم هذه النصوص الحديثة "الغريبة".

ثانيها: بلورة النظرية النقدية الحديثة وإعادة صياغتها انطلاقا من مقتضيات الأسئلة التي يطرحها الإبداع العربي وما يحمله من الخصائص المتصلة بالثقافة العربية.

ثالثها: إكساب هذه المناهج النقدية مشروعيتها من خلال الكشف عن قدرتها على مواجهة النص الإبداعي الذي لا مجال للتشكيك في شرعيته.

رابعها: إثراء الموروث الإبداعي العربي، بالكشف عن الجوانب التي لم تستطع مقولات النقاد والبلاغيين اكتشافها.

ثقافة الناقد

البحث الثالث قدمه الدكتور قاسم المومني من جامعة اليرموك، وكان بعنوان "ثقافة الناقد في التصور النقدي القديم"، ويؤكد فيه أن النظرية النقدية المعاصرة تؤكد أهمية الثقافة بالنسبة للناقد، وترد هذه الأهمية إلى عدة عوامل، فهي - من جهة - أداة الناقد أو آلته في عملية التوصيل ما بين مبدع النص ومتلقيه، وهي من - جهة ثانية - الواسطة التي نلوذ بها لاستكشاف عوالم المباع والمتلقي الذاتية والموضوعية على السواء، والثقافة هي من جهة ثالثة التي يترتب عليها غنى العملية النقدية ونجاحها أو تخلفها وفشلها. لقد اختار البحث "ثقافة الناقد في التصور النقدي القديم"، وظل يعزز هذا الاختيار لديه ويدعمه إحساس قوي عميق بجدوى الثقافة على صعيد التشكيل والتأثير، ورأى البحث أن الكشف عن الثقافة في التصور القديم لا يتم إلا بدراسة جانبين متداخلين هما: المفهوم والوظيفة، وبدا للبحث أن التوقف عند النقاد الذين يعرضون للثقافة باللمحة والإشارة أو بالبحث والدراسة صعب إن لم يكن مستحيلا، وأنه لا مفر - في هذه الحالة - من الإعادة والتكرار، فما يقوله السابق قد يردده اللاحق، وما ينتهي إليه المتقدم قد لا يزيد عليه المتأخر.

الجلسة الثانية وكان محورها "نظريات الأدب العالمية ودورها في تكوين النقد"، وقد ترأس الجلسة عميد كلية الآداب بجامعة البحرين الدكتور هلال الشايجي حيث قدم الدكتور سعد البازعي من كلية الآداب، جامعة الملك سعود بالرياض بحثا بعنوان "المراوحة المنهجية: ملاحظات حول البنيوية في النقد العربي المعاصر" عالج فيه الخط النقدي الآخذ في التنامي في السنوات القليلة الماضية، والذي يستهدف مسألة الحضور النقدي الغربي في النقد العربي الحديث، والكشف عن إشكالياته المختلفة.

الماركسية..والأدب

وفي الجلسة الثالثة قدم الدكتور محيي الدين صبحي من لبنان بحثا بعنوان "حداثتان وتراثان: خطاطة فنية لتاريخ الشعر العربي" ويقدم فيه منهجا جديدا سماه المنهج المقترح في تأريخ الشعر العربي على أساس تذوق الأنماط الفنية وتتبع التطورات التي تطرأ على فنون القول الشعري التي تجسر الفجوة بين الأدب والتاريخ، بين المقاربات الجمالية والتاريخية.

أما البحث الثالث فكان للدكتور عبدالخالق محمود عبدالخالق من كلية الآداب جامعة البحرين، وكان حول "سيكولوجية الإبداع في الشعر الصوفي".

الجلسة الرابعة ترأسها الدكتور حسام الخطيب من سوريا ويعمل بجامعة تعز باليمن وشارك فيها كل من الدكتور عز الدين إسماعيل الناقد العربي من القطر المصري بورقة كان عنوانها "نظرية الأدب الماركسية بين التحول والتكييف" ويقول الدكتور عز الدين إسماعيل إن دراسته هذه هي دراسة تخطيطية لجزء من مشروع أشمل يحيط بنظريات الأدب المختلفة التي عرفها العصر الحديث، خصوصا في القرن العشرين، وتقف على ذلك التنوع الهائل في الرؤى، والأفكار في أصولها ومراجعاتها، لا من أجل رفضها أو اختزالها، ولا من أجل الإعظام من شأنها أو التهوين منه، بل من أجل فهمها في إطار دوافعها وشروطها الموضوعية والفكرية الخاصة، وليكون هذا الفهم وسيلة لفهم أعم، وقدم أطروحات عديدة للنظريات الأدبية المرتبطة بالنظرية الماركسية بصفة عامة.

ويقول د. عز الدين إسماعيل إن الماركسية وجدت نفسها مضطرة أمام المؤثرات الكثيرة التي تعرضت لها خلال هذا القرن - وعلى وجه الخصوص خلال العقود الثلاثة الأخيرة منه - إلى أن تطرح عنها نموذجها التقليدي وأن تستجيب للمتغيرات التي طرأت على ساحة الفكر والحياة في العالم.

كما أثير نقاش طويل حول الورقة المقدمة من الدكتور حسن مرحمة من قسم اللغة الإنجليزية بجامعة البحرين والدكتور محمد ديب من قسم اللغة العربية بجامعة البحرين، والتي عنوانها "الموقف النقدي من أدب العالم الثالث "والقضية التي طرحها الباحثان في دراستهما هي صورة الأدب متعددة الأبعاد من خلال نموذجين من نماذج أدب العالم الثالث كما يراها النقاد الغربيون، ويقدم الباحثان نموذجين لاثنين من رواد أدب العالم الثالث: تشنوا اتشبيني ودريك ولكوت.

نقد النقد

والبحث الأخير في الجلسة كان للدكتور سعيد علوش الذي قدم ورقة حول "نقد النقد" وهو عبارة عن قراءة لكتابات النقاد - وخاصة خلال العقدين الأخيرين - وكذلك الكتب النظرية، حيث بين أن أغلب هذه الكتب هي في الواقع كتب مترجمة.

كما تتبع المؤتمر محورا آخر وهو: "الإبداع العربي بؤرة التنظير النقدي"، وكان رئيس الجلسة الدكتور عز الدين إسماعيل حيث قدم الدكتور كمال الدين أبوديب من جامعة لندن بحثا حول تشابك الفضاءات الإبداعية، حددها في أنه لا يستطيع أن يتبنى الإشارة إلى أي ثقافة لا تنتج وجدانية وثقافة متعددة.

أما الدكتور علوي الهاشمي من قسم اللغة العربية بجامعة البحرين فقد قدم ورقة بعنوان "لغة الشعر بين التركيب والتخييل" وقال إنهما طرفا إشكالية اللغة الشعرية، باعتبارهما حدا لغويا تشكلا بطريقة خاصة وأسلوب متميز. وبين التركيب والتخييل تكمن فجوة أو مسافة توتر وحركة مضطربة، لا تستقر على حال أو وضع، إلا وتعود إلى توترها واضطرابها بحثا عن حال جديد ووضع مغاير.

أما المحور الآخر الذي أثار نقاشا واسعا فهو حول التراث النقدي مرتكزا للرؤية الجديدة. وترأس الجلسة الدكتورة يمنى العيد من لبنان حيث نوقشت ورقتان الأولى للدكتور محمد أبوموسى من كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر والتي كانت تحمل عنوان "منهج غائب في تراث عبد القاهر الجرجاني" حيث يقول الباحث إنه يحاول أن يلتفت إلى منهج كان قد أحكمه علماؤنا في القرون التي أسسوا فيها المعرفة، وهذا المنهج الذي أحكموه هو الذي أعانهم على صفة المعرفة، وهي تقوم على دراسة التراث. أما الدكتور كمال لاشين من قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة البحرين فإن بحثه المعنون "السبق الشعري.. بحث في أصول صنعة الشعر ونقده عند العرب" وهو أيضا بحث في تراث "علم الشعر" عند العرب وعلم التراث كله باب عمي من العلم - كما يقول - بعيد الغور فإما أن يؤخذ بحقه، أو لا فيترك لأهله.

من أشد الجلسات إثارة كانت مناقشة الأوراق المقدمة من الدكتور عبد الله الغذامي من كلية الآداب جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية وورقة الدكتور إبراهيم عبد الرحمن من جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية حول الأصول الغربية للنقد العربي الحديث (قراءة في نقد الشعر في مصر) وقد ترأس الجلسة د.عفت الشرقاوي من قسم اللغة العربية بجامعة البحرين.

المعنى في بطن القارئ

وورقة الدكتور عبد الله الغذامي كانت بعنوان "المعنى في بطن القارئ" وهي موغلة في الرمزية. أما الدكتور إبراهيم عبد الرحمن فهو يقدم ملاحظات على الحركة النقدية العربية ويقسمها إلى 3 مراحل: تيار النقد التقليدي الذي يعتمد على الذوق الانطباعي والثاني تيار النقد الحديث الذي نشأ بفضل احتكاك الثقافة العربية في صورتها التراثية بالثقافة الغربية والثالث تيار النقد الجديد أو تيار الحداثة.

وحول نظريات الأدب العالمية ودورها في تكوين النقد خصصت ثلاث أوراق: الأولى مقدمة من الدكتور حسام الخطيب وهي تحمل عنوان "الترجمات النقدية من اللغة الإنجليزية في بلاد الشام.. متابعة وتحليل وببليوغرافيا" والثانية للدكتور عبد السلام المسدي من الجامعة التونسية بعنوان "النظريات النقدية الحديثة ونشوئية المنهج التاريخي" والورقة الثالثة للدكتور محمد ديب من كلية الآداب جامعة البحرين بعنوان "الجنس الأدبي بين الموهبة الفردية والرافد الغربي" حيث تعرض بالدراسة لقضية الجنس الأدبي، ولقصيدة النثر بنوع خاص، ومن منظور الأدب المقارن، وهوية قصيدة النثر وشجرة نسبها في الأدب العربي محل لاختلاف كثير من وجهات النظر.

وحول محور "الإبداع العربي بؤرة التنظير النقدي" قدمت الدكتورة يمنى العيد من لبنان دراسة بعنوان "نقدنا: غربة مع الأدب وكسور في التاريخ" في جلسة ترأسها الدكتور عبد السلام المسدي وشارك فيها أيضا الدكتور صلاح فضل من قسم اللغة العربية بجامعة البحرين بورقة تحمل عنوان "أنماط الشعرية المعاصرة" كما قدم الدكتور صبري حافظ من جامعة لندن بالمملكة المتحدة ورقة بعنوان "تغير الحساسية الأدبية وتحولات الخطاب الروائي المعاصر".

وفي المحور نفسه وخلال الجلسة التي ترأسها الدكتور منصور الحازمي من المملكة العربية السعودية قدمت ثلاث أوراق، الأولى للدكتور سعيد يقطين من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط بالمملكة المغربية حول "المعرفة والنص والمجتمع.. من أجل نظرية تفاعلية" وتتبعت الورقة ثلاثة محاور هي: النقد العربي والخلفية المعرفية الغربية. والنص العربي في مرآة النقد العربي الجديد، والعوائق والآفاق من أجل رؤية نقدية تفاعلية. كما قدم الدكتور عبدالواحد لؤلؤة ورقة بعنوان "أزمة المصطلح في النقد العربي الحديث" حذر فيها من التعسف في محاولة إخضاع نسق الكلام العربي للمصطلح الأجنبي في بعض ما يسمى بالصفات المترابطة كالتي تفيد الزمانية والمكانية، كأن يقال في هذا المعنى "الزمكانية"! وقال إن الذوق العربي لا يسيغ مثل هذا الاستعمال.

أزمة المصطلح النقدي

وحول "أزمة المصطلح النقدي في الوسيلة الأدبية للمرصفي "قدم الدكتور سامي البدراوي من قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة البحرين دراسة حول أحد رواد النقد الأدبي في القرن الماضي وهو حسين المرصفي في كتابه "الوسيلة الأدبية" من خلال استكناه هيكل تصوره للشعر والقصيدة الشعرية من خلال ما كتبه عن شعر محمود سامي البارودي من تعميمات نظرية ووقفات تطبيقية.

والجلسة الأخيرة تركت لمحور نظريات الأدب العالمية ودورها في تكوين النقد قدم فيها الدكتور عبد الرحمن بن زيدان الناقد المسرحي المغربي دراسة عن إشكالية المصطلح في النقد المسرحي العربي، وكذلك قدم الدكتور معجب سعيد الزهراني من قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود بالرياض بالمملكة العربية السعودية بحثا بعنوان "تأثيرات نظرية الرواية الغربية في النقد الروائي العربي" حيث درست الورقة أبرز الأطروحات حول نظرية الرواية الغربية منذ بدايات تشكلها في كتابات هيجل وغوتة إلى اليوم، ويرى أن نظريات الرواية الغربية لم تظهر بكل الوضوح في النقد الروائي العربي إلا في العقدين الأخيرين من هذا القرن. لقد كان مؤتمرا غنيا بأبحاثه، مكثفا بالمناقشات والحضور المتميز، حيث حرص كل الأدباء والمهتمين في البحرين على حضوره واستقبال الأدباء والنقاد المشاركين فيه.

يقول الدكتور إبراهيم غلوم رئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية رئيس المؤتمر: "إن اجتماع عدد كبير من المشتغلين بالفكر النقدي في المراكز العلمية والجامعات العربية والأجنبية هو في حد ذاته إنجاز يحق لنا في جامعة البحرين أن نفخر به، إن وجودهم بالتأكيد يمثل في جملته تنمية واضحة وتطويرا ملموسا لإنجازاتهم الفكرية في مجالات النقد الأدبي.

ولما كانت آفاق العمل في تشكيل هذه الرؤى الجديدة، تتطلب سعيا موصولا، لتأطير منظومة متسقة، تستوعب النتائج التي انبثقت من الملتقيات السابقة، وتبلورت في أعمال هذا المؤتمر، فإن المشاركين فيه، قد التقت رغبتهم وتضافرت على بناء تصور حيوي يقوم على استراتيجية طويلة المدى، لعقد دورات متوالية لمؤتمر النقد الأدبي مرة كل عامين تحتضنها إحدى الجامعات العربية المعنية وتتولى دعمها المؤسسات الثقافية بمستوياتها الدولية والإقليمية والمحلية.

ويضيف د.غلوم: "ومن ثم فقد توجه المشاركون في أعمال المؤتمر لتشكيل لجنة دائمة لمتابعة الاتصالات بجميع الهيئات المرشحة بطبيعة نشاطها لدعم هذا المشروع الحيوي، مثل اتحاد الجامعات العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمنظمة الإسلامية واليونسكو وبعض المؤسسات الثقافية الخاصة في الوطن العربي.

الدورة القادمة

وستتلقى هذه اللجنة المقترحات لتحديد مكان انعقاد الدورة القادمة، ومتابعة ترتيب أولويات المحاور التالية، طبقا لضرورات الحركة النقدية في الوطن العربي. ويبدو من توافر العمل على طرح الإشكاليات العاجلة أن قضية "المصطلح النقدي" مرشحة لتكون مجال استكشاف للجوانب المعرفية والآليات التواصلية لهذه الرؤى الجديدة في الدورة القادمة. وإذا كان العمل في لجنة المتابعة تطوعيا، ينبع من الإيمان بضرورة تكثيف الجهود للتنظيم الدوري لمؤتمر النقد الأدبي، فإننا جميعا مدعوون - كل في جامعته - لتمثيل هذه اللجنة، وتنشيط السعي لإنجاح مشروعها".

لقد أراد الحضور شيئا واحدا سيظل حلما، وهو أن يكون النقد في مستوى العصر، أي أن تواكب الحركة النقدية حركة الإبداع العربي، لا من خلال التنظير فحسب، وإنما أيضا وبدرجة أكبر من خلال التطبيق.

 

أنور الياسين