محمود درويش وسليم بركات

محمود درويش وسليم بركات

حين‭ ‬بدا‭ ‬للشاعر‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬بداياته‭ ‬الشعرية‭ ‬الأولى،‭ ‬بأن‭ ‬إمكانية‭ ‬تأثره‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬الشعري‭ ‬الأول‭ ‬‮«‬عصافير‭ ‬بلا‭ ‬أجنحة‮»‬‭ ‬بالشاعر‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬واردة،‭ ‬ضحى‭ ‬بهذا‭ ‬‏الديوان‭ ‬الشعري‭ ‬رغم‭ ‬جماليته‭ ‬الشعرية‭ ‬المتحققة،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬إلى‭ ‬نشره‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ولم‭ ‬يضمه‭ ‬إلى‭ ‬أعماله‭ ‬الشعرية‭ ‬الكاملة،‭ ‬وقد‭ ‬منع‭ ‬نفسه‭ ‬بأن‭ ‬يتأثر‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬بكتابات‭ ‬سليم‭ ‬‏بركات،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬هذا‭ ‬الأخير،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الشاعر‭ ‬فيه‭. ‬حتى‭ ‬شعراء‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬قد‭ ‬قرأهم‭ ‬الشاعر‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬ومنع‭ ‬‏الشاعر‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬التأثر‭ ‬بهم‭. ‬لقد‭ ‬أثر‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬سليم‭ ‬بركات‭ ‬نفسه‭ ‬رغم‭ ‬عمق‭ ‬لغته‭ ‬واتساع‭ ‬جماليتها‭ ‬المذهلة،‭ ‬لكنه‭ ‬ظل‭ ‬يصارع‭ ‬لغته‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتأثر‭ ‬بغيره،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬تأثر‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬بشعراء‭ ‬عالميين‭ ‬كبار،‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬الشعراء‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬قديمًا‭ ‬وحديثًا‭.‬

إن‭ ‬الكاتب‭ ‬الحقيقي،‭ ‬شاعرًا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬ناثرًا،‭ ‬يخشى‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عناوين‭ ‬كتبه‭ ‬‏متأثرة‭ ‬بعناوين‭ ‬كتب‭ ‬أخرى،‭ ‬فيسعى‭ ‬لعملية‭ ‬تغييرها‭ ‬إما‭ ‬باستبدالها‭ ‬نهائيًا،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بإضافة‭ ‬كلمات‭ ‬إليها‭ ‬أو‭ ‬حذف‭ ‬كلمات‭ ‬أخرى‭ ‬منها،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يأخذها‭ ‬‏كما‭ ‬هي‭ ‬بشكل‭ ‬كلي‭. ‬‏إن‭ ‬الكتابة‭ ‬عملية‭ ‬صعبة‭ ‬ومتعبة،‭ ‬والقلق‭ ‬يلازمها‭ ‬باستمرار،‭ ‬أقصد‭ ‬هنا،‭ ‬قلق‭ ‬التأثير‭. ‬وما‭ ‬من‭ ‬كاتب‭ ‬حقيقي‭ ‬يكتب‭ ‬إلا‭ ‬وهو‭ ‬يعيش‭ ‬هذا‭ ‬القلق‭ ‬المضني‭ ‬كلما‭ ‬انغمس‭ ‬في‭ ‬معمعان‭ ‬الكتابة‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬الشخصية‭ ‬للشاعر‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬فهي‭ ‬تبقى‭ ‬خاصة‭ ‬به،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بشعره،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬الشاعر‭ ‬سليم‭ ‬بركات‭ ‬نفسه‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬الآخرين‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأسرار‭ ‬الشخصية‭ ‬لكل‭ ‬واحد‭ ‬منهما‭ ‬تبقى‭ ‬خاصة‭ ‬به،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الناس،‭ ‬أو‭ ‬معظمهم‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬يريدون‭ ‬معرفة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمشاهير،‭ ‬سواء‭ ‬المشاهير‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬الفنون‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬الآداب‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفعهم‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمام‭ ‬بما‭ ‬قاله‭ ‬سليم‭ ‬بركات‭ ‬عن‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬بخصوص‭ ‬بعض‭ ‬أسرار‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحياته‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬مقاله‭ ‬‮«‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬وأنا‮»‬‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬لوعة‭ ‬كالرياضيات‭ ‬وحنين‭ ‬كالهندسة‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬كتب‭ ‬الشاعر‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬قصائد‭ ‬شعرية‭ ‬قوية‭ ‬جدًا‭ ‬بوأته‭ ‬مكانة‭ ‬رفيعة‭ ‬ضمن‭ ‬شعراء‭ ‬العالم‭ ‬بأجمعه،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬الشاعر‭ ‬أدونيس،‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬أحد‭ ‬نجوم‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬الكبار‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬وإن‭ ‬صدر‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬يصبح،‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬وفاته،‭ ‬مثار‭ ‬نقاش‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العادية‭ ‬المعروفة،‭ ‬وأيضًا‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬حيث‭ ‬يُدلي‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬التواصلية‭ ‬بدلوه‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الشؤون‭ ‬الثقافية‭ ‬وغيرها‭.‬

هكذا‭ ‬تبدو‭ ‬أسرار‭ ‬هؤلاء‭ ‬النجوم،‭ ‬نجوم‭ ‬الثقافة،‭ ‬محط‭ ‬اهتمام‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬الناس،‭ ‬الكل‭ ‬يتحدث‭ ‬عنهم‭ ‬وعن‭ ‬أسرارهم‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬أسرارًا‭ ‬حقيقية‭ ‬أو‭ ‬أسرارًا‭ ‬مزعومة‭ ‬حتى‭. ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬فعلى‭ ‬النجم‭ ‬الثقافي‭ ‬أو‭ ‬الفني‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قدوة‭ ‬في‭ ‬مساره‭ ‬الإنساني،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬حياته‭ ‬مرآة‭ ‬لهذا‭ ‬المسار‭ ‬الإنساني،‭ ‬وأن‭ ‬يسعى‭ ‬باستمرار‭ ‬لتجاوز‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يقع‭ ‬فيها‭ ‬مثل‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬الكائن‭ ‬البشري‭  ■