غلافناالجوِّي

دعونا نفترضُ أننا غرباء، جئنا من مجرَّةٍ أخرى، نفتِّشُ عن كوكب يصلحُ للعيش فيه. فبمجرد دخولنا إلى المنظومة الشمسية المتميزة، يسترعي اهتمامنا من الوهلة الأولى كوكبان هائلان مدهشان، هما المُشترَي وزُحل، بما يزينهما من حلقات رائعة وأقمار كثيرة، بينما تبدو الأرضُ من بعيد نقطة زرقاء باهتة، مقارنة بهذين الكوكبين. فإن اقتربنا أكثر، مدققين، اكتشفنا ملمحين من ملامح الأرض الرئيسية، هما السحب البيضاء في حركتها الدوامية العشوائية، ومحيطات شاسعة تغطي نحو سبعين في المئة من مساحة سطح الكوكب. ولكل من الملمحين أهمية حيوية بالنسبة لملمح ثالث، هو الأكثر إثارة للدهشة، ويتمثل في تنوع عظيم في أشكال الحياة، لا غنى لها عن الماء في هيئته السائلة. ويعني وجود الماء بوفرة على سطح الأرض في هذه الهيئة أن درجات الحرارة تراوح بين ارتفاع وانخفاض في مدى محدود نسبيًا.
يختلف كوكب الأرض عن جاريه االزهرةب واالمريخب، إذ لا يعــرف الحــرارة البالغة أو البرودة الشديدة؛ ومصدر طاقته الرئيسي الشمسُ، غير أن هذا الكوكب كان يمكن أن يكون بحالة بالغة الشدة من البـــرودة بالنسبة لمعظم سكانه، لو لم يكــن له غلافه الجوي، الذي هو ستار رقيق من غازات شفافة، يحيطُ بالعالم كله، وإن نحن شبَّهنا الأرض بثمرة تفاح، فإن الغلاف الجوي يكون في سماكة قشرتها، ويؤدي وظيفة الدرع الذي يوفر الحماية من الأشعة فوق البنفسجية الخطيرة، الداخلة في تكوين ضوء الشمس، وذلك عن طريق تفاعل معقَّد يجري فيه، بين فوتونات الضوء وجزيئات الهواء.
ويمكن النظر إلى الغلاف الجوي للأرض على أنه بمنزلة مظلة تعكس ضوء الشمس، ليحتفظ الكوكب بشيء من البرودة؛ وعلى أنه دثار تحتبس تحته الحرارة المنبعثة من سطح الأرض، فيحفظ الدفء لأجسامنا؛ وذلك الدثار هو ما يُعرفُ بظاهرة بيت النباتات الزجاجي (الدفيئة)، أو بالاحتباس الحراري، واعتمادُه ليس على غازي النيتروجين والأكسجين، وهما الأكثر وفرة فيه، ولكن على غازات تتواجد فيه بكميات ضئيلة، فلا تمـثــل سوى جزء يسير منه؛ وعلى سبيل المثال، تبلغ نسبة تواجد أحدها، وهو ثاني أكسيد الكربون، 0.035 في المئة. أما أهم غازات الدفيئة فبخارُ الماء.
تأثير ظاهرة الدفيئة
وإن قُيِّضَ لدرجات حرارة الغلاف الجوي أن ترتفع بمقدار طفيف، لازداد بخر المحيطات، مفضيًا إلى زيادة في تركيز بخار الماء في الغلاف الجوي. ويترتب على ذلك زيادة في نشاط ظاهرة الدفيئة، تعمل بدورها على مزيد من الارتفاع في درجات الحرارة، التي تتسبب في بخر أكثر، ومن ثم إلى درجات حرارة أعلى، وهلُم جرَّا. ويمكن أن تكون مغبَّةُ ذلك شططٌ في تأثير ظاهرة الدفيئة؛ ويُعتقدُ أن هذا هو سبب خلو كوكب الزهرة من الماء الآن. وقد اتقت الأرض شرَّ هذا المصير نتيجة لكونها أبعد من الزهرة بالنسبة للشمس، ولأن هواءها على درجة من البرودة كافية لأن تجعله يتشبع ببخار الماء، وهــي الحــالـة التي تتكون عندها السحب.
وهنا، يستوقفنا سؤال بخصوص السحب، هو: هل مردودها النهائي تبريدي، مترتب على قدرتها بأن تعكس أشعة الشمس، أم أنها تجلب الدفء بإسهامها في ظاهرة الدفيئة؟ وتتحدد الإجابة وفقًا لنوع السحاب، الذي تتبين منه النظراتُ العارضةُ للسماء أنواعًا كثيرة جدًا. ويأتي جانب كبير من الحيرة بشأن مستقبل الاحترار العالمي من الشكوك المكتنفة لأنواع السحب التي يحتمل أن تكون مرتبطة بعالم أكثر دفئًا.
وتمثل عملية نمذجة هذه الأجسام الخيالية المتلاشية أكبر تحدٍ يواجهه علماءٌ يحاولون إنتاج نمذجيات حاسوبية للمناخ. ولو كان الغلاف الجوي ساكنًا لتحدد أمامنا مجال في نطاق خطوط العرض الوسطى، لأن المناطق المدارية ستكون شديدة الحرارة، والقطبية شديدة البرودة.
نطاقات مناخية مميزة
ومن يُمن الطالع أن رياحًا تتخلل الغلاف الجوي تعملُ على إعادة توزيع الحرارة، ومعها الرطوبة، منتهيةً إلى تبريد خطوط العرض السفلية، وتدفئ ذ في الوقت ذاته ذ خطوط العرض الأعلى.
وتشتمل الدورانات المؤثرة في عمليات إعادة التوزيع هذه على الرياح السطحية التي تهب من الشرق في المناطــق المدارية، متجهة إلى الغرب، ولا تلبث أن تتقارب محتشدةً في المناطق ذات درجة الحرارة القصوى عند خط الاستواء، حيث يتحول الهواء إلى أبراج عالية من سحب ركامية تحمل أمطارًا غزيرة. ويتدفق الهواء في الطبقات الأعلى من الغلاف الجوي متجهًا إلى القطبين، حيث يبردُ ويهبطُ فوق الصحارى شبه الاستوائية؛ في حين يستمر بعضٌ منه متوغلًا إلى المناطق القطبية ليلتقي بتيارات متدفقة قادمة من الغرب.
وبالرغم مما لهذه الدورانات في الغلاف الجوي من جوانب فوضوية نسميها الطقس، فإنها تعمل على تخليق نطاقات مناخية مميزة، مثل الغابات والصحاري والبراري والسافانا، تتيح الفرصة لأن ينمو بها تنوع حيوي هائل.
وتعتمدُ دورانات الغلاف الجوي، ومن ثم توزيع النطاقات المناخية، في المناطق المدارية، اعتمادًا كبيرًا، على أنماط درجة حرارة المياه السطحية في البحار، فهي التي تحدد الكمية التي تحملها الرياح من المياه المتبخرة من المحيط، والتي تحبل بها السحب المطيرة ■