علاج الاكتئاب في المطبخ!
من الغريب أن كل ما نعرفه عن ارتباط حالتنا المزاجية بما نتناوله من طعام هو تلك الفكرة السينمائية القديمة؛ أننا إذا اختلّ مزاجنا أو شعرنا باكتئاب نهرع لتناول أكبر قدر مُمكن من الطعام فنزداد بدانة؛ وفضلًا عن أنّ هذه المعلومة ناقصة (إذ قد يتسبّب الاكتئاب في فقدان تام للشهية)، فإنّ الأمر أيضًا أشمل من ذلك، وأعقد بكثير.
في البداية يجب أن تعرفَ أن العلاقة بين ما نأكله وبين حالتنا المزاجية علاقة مراوغة ومشحونة بالتفاصيل التي لا يمكن تجاهلها، فالرغبة في تناول الطعام في غير أوقات الوجبات الطبيعية قد تزيد بفعل الراحة النفسية والنزهات الخلوية المناسبات السعيدة والولائم، كما أنّ عملية الإشباع النفسي تساعد على إتمام التخسيس لدى الأشخاص الذين يُعالَجون من السمنة.
وللجهاز العصبي دورٌ لا يستهان به في هذا الموضوع، وهو دور أساسي يبدأ بانتقال الإشارات الكهربية بين الخلايا العصبية عن ناقلات عصبية عديدة مثل الإندورفين، وهو المورفين الطبيعي الذي يُطلقه الجسم في حالات الألم والكبت والضغط النفسي. والسيروتونين، وهو مادة هرمونية تعمل كناقل عصبي لعمليات تهدئة النفس والثبات العاطفي والوجداني، فإذا اختلّ مقداره ظهرت سلوكيات شاذة مثل إدمان الخمر والمهدئات والجوع المرضي؛ هذا الهرمون تساعد على إفرازه الكربوهيدرات سريعة الاحتراق (ذات المؤشر الجليسيمي المرتقع)، والتي تتحوّل بسرعة إلى جلوكوز، لذلك يرتبط تناول الشوكولاته وأكياس البطاطس المقلية، ورقائق الذرة الـ (كورن فلكس) بشعور من الراحة والنشوة، خصوصًا بعد تحرُّر الأنسولين بسرعة في الدم فيدخل السكّر في جدار الخلية، كما يحدث مع شرب الشاي والكاكاو والمشروبات الغازية والسجائر واللبن، ثم يعود المزاج المتكدّر بسرعة عندما يبدأ مستوى السكر في الانخفاض، لذلك فإننا، ولتأمين مستوى ثابت من السيروتونين بالجسم لفترة لا بأس بها، يفضّل أن نتناول الأغذية التي تحتوي على السكريات المركّبة ذات المعدل الجليسمي منخفض الحرق، والتي تتحول إلى جلوكوز ببطء، مثل الزبادي والمكرونة والفاكهة والخبز، درءًا للانخفاض المباغت لسكّر الدم، فيصبح معدّله ثابتًا، وبالتالي يبقى السيروتونين لوقت طويل مع راحة مزاجية أكثر دوامًا! قد يلجأ البعض إلى تناول حبوب الفيتامينات لدعم حالته الغذائية، وبالتالي تحسين مزاجه، لكنّ المشكلة هنا أننا لا يمكن أن نعبث بمستوى الفيتامينات والمعادن لا بالزيادة ولا بالنقصان، ويجب معرفة ماذا نريد منها وبأي قدر.
على سبيل المثال؛ من أفضل الفيتامينات والمعادن دعمًا لعملية تصنيع الناقلات العصبية، مجموعتا فيتامينَي ابب واهـب ومعادن الحديد والماغنسيوم والسيلينيوم، فضلًا عن أن فيتامين اهـب يقي الخلايا العصبية من التلف.
الأسماك وزيادة الذكاء
من أين جاء المعتقد أن تناول الأسماك يسبّب زيادة الذكاء؟ في الواقع، توجد علاقة مباشرة بين تناول الأسماك والكائنات البحرية عمومًا، مثل السلمون والتونة، والشعور بأحاسيس إيجابية، إذ تحتوي هذه الكائنات والأسماك البحرية على مادة الأوميجا 3، التي تقوم بدور العقاقير المضادة للاكتئاب، وعدم استهلاك كميات كافية من البوري والسردين والسلمون يعرّضنا لطائفة من أنواع الاكتئاب المختلفة وحالات الفصام، والنشاط المفرط للأطفال، إذ يؤدي نقص الحمض الدهني اأوميجا 3ب إلى تعطيل آلية انتقال المعلومات بين الخلايا العصبية، كما تصبح مهمة السيروتونين عسيرة على مستوى الخلايا. كما يساعد اأوميجا 3ب على زيادة تدفّق الدم في الشرايين والأوردة وتهدئة الأعصاب، فضلًا عن أنه يزيد من إفراز هرمون السيروتونين، وتناول السمك بمعدل منتظم يؤدي إلى تحسُّن واضح للحالة النفسية، ويقلل من أعراض القلق والشعور بالانزعاج واضطرابات النوم والميول الانتحارية.
يلي ذلك في الأهمية زيت الكتّان المعروف في السوق والمطبخ باسم الزيت الحارّ، وهو من أغنى الزيوت النباتية، ثم الموز الذي يضمّ العديد من المركّبات الكيميائية النباتية المعروفة بأشباه القلويات وحمض التريبتوفان الأميني وفيتامين ب 6، الذي ينشط الجهاز العصبي ويساعد على إفراز هرمون السيروتونين وإكساب الإنسان الثقة بالنفس. كما أن العديد من الناقلات العصبية يدخل في تركيبها أساسًا أحماض أمينية، وهي الوحدة النباتية للبروتين، وعندما يقلّ استهلاكنا من هذه الأحماض تقلّ بالتالي التوصيلية بين الناقلات العصبية، مما يسبب الاكتئاب والقلق وتقلّبات المزاج ونقص القدرة على التركيز وضعف التفكير، وظهور الأفكار الهدّامة المظلمة.
صيدلية كاملة
ومن هذه الأحماض الأمينية: الهستيدين، وهو حمض أميني أساسي، بمعنى أنّ جسم الإنسان لا يستطيع تكوينه من مواد أخرى، ولا بدّ من تناوله من خلال الطعام، ويساهم وجوده في الشعور بالنشوة وانطلاق الشهية الرغبة في تناول الطعام. والحمض الأميني التيروسين الذي يتحوّل بمساعدة الماغنسيوم وفيتامين ب 6 إلى مادة الدوبامين التي تحسّن المزاج، أما فقدانه فيؤدي إلى نقص التركيز، بل وظهور الشّلل الرعاش!
في الثلاجة وخزانة المطبخ صيدلية كاملة لتحسين الحالة المزاجية وعلاج الاكتئاب، وتشمل، على سبيل المثال لا الحصر:
- بذور دوّار الشمس، المعروفة بالّلب السوري، تساعد على إنتاج الدوبامين المسؤول عن الشعور بالبهجة.
- الشوفان هو أحد أكثر الحبوب الغذائية المحبوبة لدى الأطفال، وهو غذاء الدماغ من دون جدال، ويعتبر الشوفان مصدرًا ممتازًا للطاقة للدماغ، مما يجعله أساسيًا للأطفال عند الفطور، إضافةً إلى غناه بالألياف التي تُشعر الطفل بالشبع طوال فترة قبل الظهر. دون أن ننسى أن الشوفان يعتبر مصدرًا مهمًا لفيتامينَي هـ، وب، والبوتاسيوم والزنك، وكلّها تسمح للجسم والدماغ بالعمل بطاقة كبيرة.
- الفراولة والكرز والتوت البرّي وتوت العلّيق، كلّها حافلة بمضادات التأكسد التي تساعد على الوقاية من السرطان، خصوصًا الفيتامين ج، وبقدر ما يكون اللون قويًّا، يكون التوت غنيًا أكثر بالمغذيات المفيدة. وأظهرت الدراسات نموًا في الذاكرة لدى الأشخاص الذين يُكثرون من تناول الفراولة والتوت. كما أن بذور التوت والريز تعتبر غنية بالأحماض الدهنية أوميجا - 3.
العسل والبقوليات
- العسل مضاد للتوتر والاكتئاب والميول السوداوية: المواد الحلوة عمومًا أو السكريات في التمر والزبيب والفاكهة المجففة والعسل تعمل على تمدد الدماغ، وتشعرنا بالاسترخاء.
- السكريات المركّبة من سكريات بطيئة الاحتراق إلى الحبوب الكاملة والبقوليات والخضراوات الحلوة، كلها تعمل كعوامل تهدئة، لكن بينما يظهر تأثير السكريات بعد خمس دقائق من أكلها، تظهر نتائج الحبوب والبقول والخضراوات الحلوة بعد نصف الساعة، مع ملاحظة عدم مزج البروتين مع السكريات، فحتى القليل من البروتين في الحليب يمكن أن يعطّل عمل الشوفان كمهدئ إذا أضيف إليه، أيضًا يجب عدم إضافة الدسم إلى السكريات التي ستعمل عمل التهدئة، لأن الدسم يستغرق وقتًا أطول لتفكيكه وهضمه، خصوصًا بعد ساعات العمل الطويلة أو الدراسة الدقيقة، فالأفضل مواد غنية بالسكريات فقيرة بالدسم والبروتين، مثل كعك القمح أو الشعير، أو أطعمة حبوب دوما على الإفطار، وتناول حلويات طبيعية كالتمر الذي يحتوي على الفوسفور ومركبات فيتامين ب، أو العسل الغني بالفيتامينات، والأفضل مزج الاثنين معًا في أطعمة مصنوعة من حلويات طبيعية وحبوب كاملة كأقراص التمر المصنوعة من الطحين الكامل.
- البقوليات: تتميّز بغناها بالبروتينات والنشويات المركّبة والألياف، إضافةً إلى الفيتامينات والمعادن التي تحتوي عليها، لذلك تعتبر غذاءً أمثل للدماغ، لكونها تحفظ طاقة الطفل ومستوى التفكير لديه في مستوى مرتفع طوال فترة بعد الظهر، في حال تناولها خلال وجبة الغداء. وتجدر الإشارة إلى أن الفاصوليا البيضاء تحتوي على المزيد من الأحماض الدهنية اأوميجا - 3ب مقارنةً بالبقول الأخرى■