ثريّا جامع القرويين بمدينة فاس من عصور الأنوار إلى عاصمة الأنوار

ثريّا جامع القرويين بمدينة فاس من عصور الأنوار إلى عاصمة الأنوار

  تزخر المساجد العتيقة في مختلف الحواضر الإسلامية الكبرى بنفائس القطع الأثرية النادرة، كالمنابر والمخطوطات والمصاحف والثريات، وسنتناول في هذا المقال ثريا جامع القرويين بمدينة فاس.

 

 

  ‬تعد‭ ‬الثريا‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬جامع‭ ‬القرويين‭ ‬تحفة‭ ‬أثرية‭ ‬لا‭ ‬تقدّر‭ ‬بثمن،‭ ‬فهي‭ ‬العينُ‭ ‬المبصرة‭ ‬لهذا‭ ‬الجامع‭ ‬الذي‭ ‬بنته‭ ‬فاطمة‭ ‬الفهرية‭ ‬عام‭ ‬245‭ ‬هجرية،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬جامعة‭ ‬تستقطب‭ ‬آلاف‭ ‬الطلاب‭ ‬عبر‭ ‬العالم،‭ ‬فانتشر‭ ‬صيتها‭ ‬في‭ ‬الآفاق‭ ‬وارتفع‭ ‬شأنها،‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬كانت‭ ‬أوربا‭ ‬تعيش‭ ‬عصر‭ ‬الظلمات،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬الأنوار‭ ‬تشعّ‭ ‬من‭ ‬عاصمة‭ ‬العلم‭ ‬والعلماء‭ ‬مدينة‭ ‬فاس،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجامع،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬ثريّاته‭ ‬تضيء‭ ‬بكؤوس‭ ‬الزيت‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكن‭ ‬بما‭ ‬يحفل‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬الجامع‭ ‬من‭ ‬حلقات‭ ‬العلم‭ ‬والمذاكرة،‭ ‬وبما‭ ‬يُلقى‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الدروس‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬العلوم،‭ ‬فكان‭ ‬بحقّ‭ ‬ملتقى‭ ‬الأنوار‭ ‬ونبع‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬طوال‭ ‬قرون،‭ ‬أنجبت‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭ ‬علماء‭ ‬أجلاء‭ ‬ونوابغ‭ ‬عبر‭ ‬العالم،‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬الأنوار‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬مدينة‭ ‬فاس‭.‬

شاء‭ ‬القدر‭ ‬أن‭ ‬ترحل‭ ‬هذه‭ ‬الثريا،‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭ (‬عاصمة‭ ‬الأنوار‭)‬،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬كانت‭ ‬محدّدة‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬وكانت‭ ‬بغرض‭ ‬التواصل‭ ‬والانفتاح،‭ ‬فإنها‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬جوانب‭ ‬مشرقة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب،‭ ‬فالتقت‭ ‬أنوار‭ ‬الثريّا‭ ‬الكبرى‭ ‬بأنوار‭ ‬القاعة‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬اللوفر،‭ ‬وبحضور‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬وممثلة‭ ‬ملك‭ ‬المغرب‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬الأميرة‭ ‬للامريم،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬شخصيات‭ ‬سياسية‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬وثقافية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وفنية‭.‬

  ‬منذ‭ ‬إنشاء‭ ‬الثريا‭ ‬الكبرى‭ ‬عام‭ ‬600‭ ‬هـ‭/‬1204‭ ‬للميلاد،‭ ‬لم‭ ‬تغادر‭ ‬قاعة‭ ‬الصلاة‭ ‬بجامع‭ ‬القرويين،‭ ‬إلا‭ ‬سنة‭ ‬2015،‭ ‬عندما‭ ‬رحلت‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬عالمي‭ ‬يحكي‭ ‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى،‭ ‬حيث‭ ‬نجح‭ ‬هذا‭ ‬المعرض‭ ‬في‭ ‬تحطيم‭ ‬الرقم‭ ‬القياسي‭ ‬لزوّاره‭ ‬بمتحف‭ ‬اللوفر‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬فقد‭ ‬حجّ‭ ‬إليه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬170‭ ‬ألف‭ ‬زائر،‭ ‬انبهروا‭ ‬بغنى‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وتنوّع‭ ‬مظاهر‭ ‬تفرّدها‭ ‬وأصالتها،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الثريّا‭ ‬الكبرى‭ ‬وحدها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المعرض،‭ ‬بل‭ ‬رافقتها‭ ‬300‭ ‬قطعة‭ ‬أثرية‭ ‬أخرى‭ ‬تمثّل‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬تختزنه‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬معالم‭ ‬وتجليّات‭ ‬علمية‭ ‬وفنية‭ ‬وجمالية،‭ ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬المعرض‭ ‬أوّل‭ ‬ملتقى‭ ‬لحضارة‭ ‬الإسلام‭ ‬
عبر‭ ‬الأزمنة،‭ ‬يسافر‭ ‬إلى‭ ‬أوربا‭ ‬وينقل‭ ‬رسالة‭ ‬الإسلام‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬التسامح‭ ‬والسلام‭ ‬ومحبة‭ ‬الحكمة‭.‬

‭ ‬عادت‭ ‬الثريا‭ ‬الكبرى‭ ‬إلى‭ ‬مكانها‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬جامع‭ ‬القرويين،‭ ‬يوم‭ ‬22‭ ‬سبتمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬وقد‭ ‬تكلّفت‭ ‬بنقلها‭ ‬من‭ ‬متحف‭ ‬البطحاء،‭ ‬تعاونية‭ ‬الأصالة‭ ‬بمدينة‭ ‬فاس،‭ ‬وفي‭ ‬عناية‭ ‬تامة‭ ‬حرصًا‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬جميع‭ ‬القطع‭ ‬التي‭ ‬تتكون‭ ‬منها‭ ‬هذه‭ ‬الثريا‭ ‬الكبرى،‭ ‬والتي‭ ‬يتجاوز‭ ‬وزنها‭ ‬17‭ ‬قنطارًا،‭ ‬وقُطرها‭ ‬متران،‭ ‬تتخذ‭ ‬شكلًا‭ ‬مخروطيًّا‭ ‬يتدرّج‭ ‬على‭ ‬سطحه‭ ‬12‭ ‬صفّاً‭ ‬من‭ ‬قناديل‭ ‬الزيت،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬مجموعه‭ ‬327‭ ‬قنديلًا،‭ ‬وفي‭ ‬أطراف‭ ‬قاعدة‭ ‬المخروط‭ ‬شرافات‭ ‬مسنّنة،‭ ‬وتتوسطها‭ ‬أقواس‭ ‬ذات‭ ‬زخارف‭ ‬نباتية‭ ‬مخرّمة،‭ ‬وتحدّها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬حاملات‭ ‬ترتبط‭ ‬بالصحن‭ ‬المتدرّج،‭ ‬وفي‭ ‬داخل‭ ‬الثريا‭ ‬قبّة‭ ‬صغيرة‭ ‬ذات‭ ‬تعاريق‭ ‬من‭ ‬ألواح‭ ‬مثلثة‭ ‬وأخرى‭ ‬معيّنة،‭ ‬وزخارف‭ ‬نباتية‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الدقة‭ ‬والجمال،‭ ‬كما‭ ‬تُزيّن‭ ‬الثريا‭ ‬عدة‭ ‬كتابات‭ ‬منقوشة،‭ ‬صُنع‭ ‬بعضها‭ ‬بخط‭ ‬نسخي‭ ‬مزيّن‭ ‬بعناصر‭ ‬مستمدة‭ ‬من‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬بخطّ‭ ‬كوفي‭ ‬بديع،‭ ‬ومما‭ ‬نجده‭ ‬مكتوبًا‭ ‬فيها‭: ‬‮«‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أمر‭ ‬به‭ ‬الخليفة‭ ‬المنصور‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬أبو‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين،‭ ‬أدام‭ ‬الله‭ ‬تأييدهم‭ ‬ونصرهم‮»‬،‭ ‬و‮«‬كان‭ ‬الفراغ‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬جمادى‭ ‬الأولى‭ ‬سنة‭ ‬ستمئة‮»‬‭. ‬

 

تحفة‭ ‬فنية‭ ‬ووثيقة‭ ‬تاريخية

هناك‭ ‬عدة‭ ‬آيات‭ ‬بيّنات‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬قد‭ ‬نقشت‭ ‬عليها،‭ ‬وأيضًا‭ ‬بعض‭ ‬العبارات‭ ‬والأذكار‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬وازدهار‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬فقد‭ ‬كُتب‭ ‬في‭ ‬الدائرة‭ ‬الأولى‭ ‬كلمات‭: ‬‮«‬العظمة‭ ‬لله‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬الدائرة‭ ‬الثانيــــة‭ ‬كلمات‭: ‬‮«‬العزّة‭ ‬لله‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬الثالثة‭: ‬‮«‬السعادة‭ ‬والإقبال‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬الثريا‭ ‬تتجاوز‭ ‬كونها‭ ‬قطعة‭ ‬نحاسية‭ ‬تؤدي‭ ‬وظيفة‭ ‬الإنارة‭ ‬داخل‭ ‬المسجد،‭ ‬إلى‭ ‬كونها‭ ‬تحفة‭ ‬فنية‭ ‬ووثيقة‭ ‬تاريخية‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬مجد‭ ‬عظيم‭ ‬عرفته‭ ‬مدينة‭ ‬فاس،‭ ‬وعرفه‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬فتراته‭ ‬التاريخية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬إنشاء‭ ‬هذه‭ ‬الثريا‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬الموحدي،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الخليفة‭ ‬الناصر‭ ‬لدين‭ ‬الله‭ ‬أبو‭ ‬محمد‭ ‬عبدالله،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬عمره‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬عندما‭ ‬تولى‭ ‬حكم‭ ‬المغرب‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬والده‭ ‬السلطان‭ ‬المنصور‭ ‬الموحّدي‭ ‬الذي‭ ‬لقي‭ ‬ربه‭ ‬عام‭ ‬595‭ ‬هـ‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬الأربعين‭ ‬سنة،‭ ‬بعدما‭ ‬حكم‭ ‬المغرب‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬سنة،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬عصيب‭ ‬شهد‭ ‬توترًا‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭ ‬بسبب‭ ‬التهديد‭ ‬النصراني‭ ‬الإسباني،‭ ‬ووجود‭ ‬حروب‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة،‭ ‬عمل‭ ‬السلطان‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬أركان‭ ‬الدولة‭ ‬وحماية‭ ‬وحدتها‭ ‬وقوتها،‭ ‬بالاستمرار‭ ‬في‭ ‬البناء،‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬أسلافه‭ ‬من‭ ‬الخلفاء‭ ‬السابقين،‭ ‬فكانت‭ ‬العناية‭ ‬كبيرة‭ ‬بإصلاح‭ ‬المساجد‭ ‬وتوسيعها‭.‬

ففي‭ ‬سنة‭ ‬600هـ‭ ‬قام‭ ‬هذا‭ ‬السلطان‭ ‬الموحدي‭ ‬بإصلاح‭ ‬وتجديد‭ ‬جامع‭ ‬عدوة‭ ‬الأندلس‭ ‬بفاس،‭ ‬وأمر‭ ‬بفتح‭ ‬الباب‭ ‬الكبير،‭ ‬وعمل‭ ‬السقاية‭ ‬والميضات،‭ ‬وجلب‭ ‬الماء‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬أيضًا‭ ‬هذه‭ ‬الثريا‭ ‬الكبرى،‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬فكرة‭ ‬إنشائها‭ ‬من‭ ‬اقتراح‭ ‬خطيب‭ ‬هذا‭ ‬الجامع‭ ‬القاضي‭ ‬أبو‭ ‬محمد‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬موسى،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬عمره‭ ‬عندما‭ ‬ولي‭ ‬الخطابة‭ ‬وصعد‭ ‬منبر‭ ‬القرويين‭ ‬ثماني‭ ‬عشرة‭ ‬سنة،‭ ‬كان‭ ‬عالمًا‭ ‬وزاهدًا،‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬الصلاح‭ ‬والورع،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬له‭ ‬صبوة‭ ‬في‭ ‬شبابه،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬دائم‭ ‬الاشتغال‭ ‬بالعلم،‭ ‬فاستحق‭ ‬بذلك‭ ‬شرف‭ ‬صعود‭ ‬منبر‭ ‬القرويين،‭ ‬ودخول‭ ‬محرابها‭ ‬إمامًا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬صغر‭ ‬سنّه،‭ ‬حيث‭ ‬تذكر‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ،‭ ‬ومنها‭ ‬كتاب‭: ‬الأنيس‭ ‬المطرب‭ ‬روض‭ ‬القرطاس‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬ملوك‭ ‬المغرب‭ ‬وتاريخ‭ ‬مدينة‭ ‬فاس،‭ ‬للشيخ‭ ‬أبي‭ ‬الحسن‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬زرع‭ ‬الفاسي،‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يدخل‭ ‬محراب‭ ‬القرويين‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬بني‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬إمام‭ ‬شاب‭ ‬دون‭ ‬اللحية‭ ‬سواه،‭ ‬ويقصد‭ ‬القاضي‭ ‬أبو‭ ‬محمد‭ ‬عبدالله،‭ ‬مبرّرا‭ ‬ذلك‭ ‬باجتماع‭ ‬صفات‭ ‬الخير‭ ‬فيه‭ ‬وإجماع‭ ‬الناس‭ ‬عليه،‭ ‬ولم‭ ‬يزل‭ ‬خطيبا‭ ‬للقرويين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توفي‭ ‬عام‭ ‬611‭ ‬هـ‭.‬

 

دليل‭ ‬عافية‭ ‬الشعوب

لا‭ ‬يخفى‭ ‬أن‭ ‬صغر‭ ‬السنّ‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬الأنوار،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬تحمّل‭ ‬المسؤولية‭ ‬وطلب‭ ‬المعالي،‭ ‬فهذا‭ ‬سلطان‭ ‬المغرب‭ ‬آنذاك‭ ‬يعتلي‭ ‬عرش‭ ‬مملكته‭ ‬وعمره‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬ليحكم‭ ‬أمة‭ ‬تمتد‭ ‬أطرافها‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة،‭ ‬لكن‭ ‬قوة‭ ‬شخصيته‭ ‬وحزمه‭ ‬أهّلاه‭ ‬ليكون‭ ‬قائدًا‭ ‬مجاهدًا،‭ ‬وهذا‭ ‬خطيب‭ ‬جامع‭ ‬القرويين‭ ‬يصعد‭ ‬المنبر‭ ‬وعمره‭ ‬ثمانية‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬أدهش‭ ‬الناس‭ ‬بجوامع‭ ‬الكلم‭ ‬وصِفات‭ ‬الورع‭ ‬وسعة‭ ‬العِلم،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ثمرة‭ ‬تحصيل‭ ‬العلم‭ ‬وتزكية‭ ‬النفس‭ ‬بفضائل‭ ‬الأخلاق،‭ ‬والتزام‭ ‬الاستقامة‭ ‬وعلوّ‭ ‬الهمة،‭ ‬فالشباب‭ ‬عمدة‭ ‬البلاد،‭ ‬وهُم‭ ‬شهودٌ‭ ‬على‭ ‬أوطانهم،‭ ‬وإنَّ‭ ‬حال‭ ‬الأمم‭ ‬اليوم‭ ‬يُقاس‭ ‬بطبيعة‭ ‬اهتمامات‭ ‬الشباب‭ ‬وكيف‭ ‬تقضي‭ ‬الناشئة‭ ‬أوقاتها،‭ ‬فالانشغال‭ ‬بتحصيل‭ ‬العلم‭ ‬وخدمة‭ ‬الروح‭ ‬بالتديّن‭ ‬الوسطي‭ ‬والسليم،‭ ‬وتنمية‭ ‬العقل‭ ‬بالقراءة‭ ‬المفيدة‭ ‬والبحث‭ ‬المستمر‭ ‬والتكوين‭ ‬الدائم،‭ ‬وتحسين‭ ‬السلوك‭ ‬بمكارم‭ ‬الأخلاق،‭ ‬واحترام‭ ‬الشيوخ‭ ‬والعلماء‭ ‬والأساتذة،‭ ‬دليل‭ ‬عافية‭ ‬الشعوب،‭ ‬فمَن‭ ‬أراد‭ ‬رؤية‭ ‬المستقبل‭ ‬فلينظر‭ ‬كيف‭ ‬يقضي‭ ‬الشباب‭ ‬أوقاتهم‭.‬

  ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬مستوى‭ ‬الدقة‭ ‬والإتقان‭ ‬الذي‭ ‬صُنِعت‭ ‬به‭ ‬ثريا‭ ‬جامع‭ ‬القرويين،‭ ‬لا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬تقدم‭ ‬الفنون‭ ‬والصنائع‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬التاريخية،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أيضًا‭ ‬سيادة‭ ‬أخلاق‭ ‬الإحسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شأن‭ ‬من‭ ‬شؤون‭ ‬الحياة،‭ ‬وتحلّي‭ ‬أهل‭ ‬المهن‭ ‬والحرف‭ ‬بأخلاق‭ ‬الصدق‭ ‬والأمانة،‭ ‬وهذا‭ ‬مظهر‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الحضارة‭ ‬الحقيقية‭ ‬

زخارف‭ ‬ثريا‭ ‬جامع‭ ‬القرويين

زخارف‭ ‬هندسية‭ ‬في‭ ‬ثريا‭ ‬جامع‭ ‬القرويين

ثريا‭ ‬جامع‭ ‬القرويين‭ ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬بالمسجد‭ ‬بمدينة‭ ‬فاس‭  ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2019

جامع‭ ‬القرويين‭ ‬الذي‭ ‬أسسته‭ ‬فاطمة‭ ‬الفهرية‭ ‬عام‭ ‬245‭ ‬هجرية