تناقض الذات

تناقض الذات

    ‬عندما‭ ‬تغلبنا‭ ‬مشاعر‭ ‬القلق‭ ‬والخوف‭ ‬والخيبة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الأزمات‭ ‬والمرض‭ ‬والشك،‭ ‬يميل‭ ‬بعضنا‭ ‬إلى‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬مشوار‭ ‬حياته‭ ‬كاملًا‭. ‬تتابع‭ ‬لقطات‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬فائتة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬بحلوها‭ ‬ومرها،‭ ‬وتطفو‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬أحلام‭ ‬وآمال‭ ‬وطموحات‭ ‬لم‭ ‬تتحقق؛‭ ‬وواجبات‭ ‬لم‭ ‬تنجز‭ ‬بعد،‭ ‬بعضها‭ ‬فات‭ ‬أوانه‭. ‬وقد‭ ‬يتراكم‭ ‬الندم‭ ‬ويجر‭ ‬خلفه‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬لو‮»‬‭. ‬بعض‭ ‬الندم‭ ‬يكتسي‭ ‬بغلالة‭ ‬رومانسية‭ ‬باقية،‭ ‬وبعضه‭ ‬يزول‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭. ‬بعض‭ ‬الندم‭ ‬يُعلِّم‭ ‬صاحبه‭ ‬ويغيره،‭ ‬ويلهم‭ ‬الآخرين‭ ‬ليتغيروا‭ ‬ويعيدوا‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬حيواتهم‭.   

بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬رعاية‭ ‬المرضى‭ ‬رعاية‭ ‬تلطيفية‭ ‬خلال‭ ‬الشهور‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬ألفت‭ ‬الممرضة‭ ‬الأسترالية‭ ‬بروني‭ ‬وير‭ ‬كتابًا،‭ ‬أدرجت‭ ‬فيه‭ ‬أكثر‭ ‬الجوانب‭ ‬المثيرة‭ ‬للندم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬مرضاها‭ ‬الذين‭ ‬نضجوا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الموت،‭ ‬وتحولت‭ ‬مشاعرهم‭ ‬تدريجيًا‭ ‬من‭ ‬الإنكار‭ ‬والغضب‭ ‬والاستياء‭ ‬إلى‭ ‬القبول‭ ‬والسلام‭ ‬السابق‭ ‬للمغادرة‭. ‬

 

أمنيات‭ ‬وندم

أجمع‭ ‬المرضى‭ ‬على‭ ‬أمنيات‭ ‬خمس‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬ندم،‭ ‬تقول‭ ‬أولاها‭: ‬اأتمنى‭ ‬لو‭ ‬امتلكت‭ ‬شجاعة‭ ‬عيش‭ ‬الحياة‭ ‬كما‭ ‬أريد‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬يتوقع‭ ‬مني‭ ‬الآخرونب‭. ‬قال‭ ‬المرضى‭ ‬إن‭ ‬أحلامهم‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬بسبب‭ ‬خياراتهم‭ ‬الشخصية،‭ ‬وأوصوا‭ ‬بالتمسك‭ ‬بالأحلام‭ ‬قبل‭ ‬استحالتها‭ ‬بسبب‭ ‬اعتلال‭ ‬الصحة‭. ‬وثانيتها‭: ‬اأتمنى‭ ‬لو‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أعمل‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغيب،‭ ‬فقد‭ ‬عبر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬العاملات‭ ‬عن‭ ‬أسفهم‭ ‬على‭ ‬ضياع‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬طاحونة‭ ‬العمل،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتية‭ ‬جميلة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يستمتعوا‭ ‬بها‭ ‬لو‭ ‬تواجدوا‭ ‬بين‭ ‬أولادهم‭ ‬وعائلاتهم‭ ‬أكثر‭. ‬ورأوا‭ ‬أن‭ ‬تبسيط‭ ‬أساليب‭ ‬الحياة‭ ‬كفيل‭ ‬بتحقيق‭ ‬السعادة‭ ‬بدخل‭ ‬أقل‭ ‬لا‭ ‬يستدعي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬والإرهاق‭. ‬وفي‭ ‬الأمنية‭ ‬الثالثة‭ ‬تمنوا‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬تحلوا‭ ‬بشجاعة‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬مشاعرهم،‭ ‬ولم‭ ‬يتجنبوا‭ ‬ذلك‭ ‬لمجرد‭ ‬الفوز‭ ‬بسلام‭ ‬زائف‭ ‬هش‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬واعترفوا‭ ‬أن‭ ‬كبت‭ ‬المشاعر‭ ‬أورثهم‭ ‬أمراضًا‭ - ‬سببها‭ ‬شعورهم‭ ‬بالمرارة‭ ‬والاستياء‭ - ‬وأهدر‭ ‬طاقاتهم‭ ‬ومواهبهم‭. ‬ولو‭ ‬عاد‭ ‬بهم‭ ‬الزمن‭ ‬سيفضلون‭ ‬المواجهة‭ ‬إما‭ ‬ليحسنوا‭ ‬علاقات‭ ‬سوية،‭ ‬وإما‭ ‬ليتخلصوا‭ ‬من‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬سوية‭. ‬

في‭ ‬المرتبة‭ ‬الرابعة،‭ ‬جاء‭ ‬الندم‭ ‬على‭ ‬صداقات‭ ‬جيدة‭ ‬فرطوا‭ ‬فيها،‭ ‬بسبب‭ ‬انشغالهم،‭ ‬وعدم‭ ‬بذلهم‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬للحفاظ‭ ‬عليها،‭ ‬واعتقدوا‭ ‬أن‭ ‬حب‭ ‬الأصدقاء‭ ‬ورعايتهم‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬والنجاح‭ ‬المهني‭ ‬الذي‭ ‬لطالما‭ ‬سعوا‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقه‭.‬

أما‭ ‬الندم‭ ‬الخامس‭ ‬في‭ ‬القائمة،‭ ‬فهو‭ ‬ندم‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬السماح‭ ‬لأنفسهم‭ ‬بأن‭ ‬يكونوا‭ ‬سعداء،‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬ينتبهوا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الشعور‭ ‬بالسعادة‭ ‬اختيار‭ ‬ممكن،‭ ‬وفضلوا‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬عاداتهم‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الراحة‭ ‬والمألوف‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬التغيير‭. ‬وتمنوا‭ ‬وهم‭ ‬على‭ ‬فراش‭ ‬الموت‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬لعالم‭ ‬أرحب‭ ‬وأسعد‭. 

آخرون‭ ‬تمنوا‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬ادخروا‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لحياة‭ ‬مريحة‭ ‬عند‭ ‬التقاعد،‭ ‬وندموا‭ ‬على‭ ‬تقاعسهم‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬مشكلاتهم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتفاقم‭. ‬وتمنوا‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬قدموا‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬المحبة‭ ‬الصادقة‭ ‬للمحيطين‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء‭ ‬والناس‭ ‬عمومًا،‭ ‬ولو‭ ‬أنهم‭ ‬تشاركوا‭ ‬الأحلام‭ ‬والآمال‭ ‬والنجاح‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬وساهموا‭ ‬بمواهبهم‭ ‬وطاقاتهم‭ ‬لجعل‭ ‬العالم‭ ‬أفضل،‭ ‬كما‭ ‬تمنوا‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬قدموا‭ ‬بكرم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬بإمكانهم‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬وطعام‭ ‬وطيبة‭ ‬للمحتاجين،‭ ‬وتسلحوا‭ ‬بإيمان‭ ‬أعمق،‭ ‬واقتربوا‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬أكثر‭ ‬لينعموا‭ ‬بشعور‭ ‬السلام‭. ‬

 

من‭ ‬أين‭ ‬يأتي‭ ‬الندم؟

تقترح‭ ‬نظرية‭ ‬تناقض‭ ‬الذات‭ - ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬أستاذ‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬بجامعة‭ ‬كولومبيا،‭ ‬إدوارد‭ ‬هيغينز‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1987‭ - ‬وجود‭ ‬نوعين‭ ‬من‭ ‬التناقضات‭ ‬والفجوات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالخبرات‭ ‬الشعورية‭ ‬المختلفة‭. ‬يأتي‭ ‬النوع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬مقارنة‭ ‬الذات‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬مفهوم‭ ‬الذات‭ ‬الأساسي‭ - ‬الاتجاهات‭ ‬والمميزات‭ ‬والمعتقدات‭ - ‬بما‭ ‬يود‭ ‬المرء‭ ‬أن‭ ‬يكونه‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مثالي‭ - ‬الذات‭ ‬المثالية‭ - ‬المتصلة‭ ‬بالمساهمات‭ ‬والأمنيات‭ ‬وأهداف‭ ‬المستقبل‭ - ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بتناقض‭ ‬الذات‭ ‬الحقيقية‭/‬المثالية‭. ‬بينما‭ ‬يحدث‭ ‬النوع‭ ‬الثاني‭ ‬بسبب‭ ‬تناقض‭ ‬الذات‭ ‬الحقيقية‭ ‬وذات‭ ‬الواجب‭ - ‬التي‭ ‬تتضمن‭ ‬الالتزامات‭ ‬والواجبات‭ ‬التي‭ ‬يفرضها‭ ‬العرف‭ ‬والمجتمع‭ - ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بتناقض‭ ‬الحقيقي‭/‬الواجب‭. ‬

وتنبأ‭ ‬هيغينز‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬بمستوى‭ ‬ذاته‭ ‬المثالية،‭ ‬سيعيش‭ ‬خبرة‭ ‬شعورية‭ ‬مثيرة‭ ‬للاكتئاب‭ ‬وخيبة‭ ‬الأمل‭ ‬وعدم‭ ‬الرضا‭. ‬ومن‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬بمستوى‭ ‬ذات‭ ‬الواجب،‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يخبر‭ ‬الشعور‭ ‬بالذنب‭ ‬واحتقار‭ ‬الذات‭. ‬

وأثبت‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬الندم‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬قصور‭ ‬العيش‭ ‬وفقًا‭ ‬للذات‭ ‬المثالية‭ ‬أعمق‭ ‬وأبقى،‭ ‬مقارنة‭ ‬بندم‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬وفقًا‭ ‬لذات‭ ‬الواجب‭. ‬وردًا‭ ‬على‭ ‬سؤال‭: ‬لماذا‭ ‬تشعل‭ ‬تناقضات‭ ‬الذات‭ ‬الحقيقية‭/‬المثالية‭ ‬هذا‭ ‬الندم‭ ‬المستمر؟‭ ‬تؤكد‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬التصرف‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬مثالي،‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬جهدًا‭ ‬أكبر‭ ‬لتحقيق‭ ‬التوافق‭ ‬السلوكي‭ ‬والنفسي‭ ‬مقارنة‭ ‬بالتوافق‭ ‬مع‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬التصرف‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬الواجب‭. ‬فالناس‭ ‬أكثر‭ ‬قابلية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬تعينهم‭ ‬على‭ ‬تخطي‭ ‬الندم‭ ‬المتعلق‭ ‬بالواجب،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬تخطي‭ ‬ندم‭ ‬الطموحات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬بيسر‭. ‬وهكذا‭ ‬يصبح‭ ‬ندم‭ ‬الواجب‭ ‬أكثر‭ ‬قابلية‭ ‬للتلاشي‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬بينما‭ ‬يبقى‭ ‬ندم‭ ‬ضياع‭ ‬الأحلام‭ ‬مقيمًا‭ ‬في‭ ‬العقول‭. ‬

 

الندم‭ ‬الأكبر‭ 

تم‭ ‬سؤال‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬دراسات‭ ‬عن‭ ‬ندمهم‭ ‬الأكبر،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يتعلق‭ ‬بالفشل‭ ‬للعيش‭ ‬وفقًا‭ ‬للذات‭ ‬المثالية،‭ ‬أو‭ ‬وفقًا‭ ‬لذات‭ ‬الواجب،‭ ‬ومدى‭ ‬صعوبة‭ ‬التوافق‭ ‬مع‭ ‬كلا‭ ‬النوعين‭ ‬من‭ ‬الندم‭. ‬وكما‭ ‬افترضت‭ ‬الدراسات،‭ ‬أكدت‭ ‬الغالبية‭ ‬وجود‭ ‬علاقة‭ ‬بالذات‭ ‬المثالية،‭ ‬وزيادة‭ ‬صعوبة‭ ‬التوافق‭ ‬مع‭ ‬الندم‭ ‬المتعلق‭ ‬بالذات‭ ‬المثالية‭. ‬وذكر‭ ‬كثيرون‭ ‬أن‭ ‬الندم‭ ‬المتعلق‭ ‬بذات‭ ‬الواجب‭ ‬يمكن‭ ‬إصلاحه‭ ‬بصورة‭ ‬أسهل،‭ ‬بسبب‭ ‬ضغوط‭ ‬مجتمعية،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬أب‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬حفل‭ ‬تخرج‭ ‬ابنته،‭ ‬مثلًا،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعتذر‭ ‬لها‭ ‬ويحتفل‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬طريقته‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يبدد‭ ‬ندم‭ ‬تخلفه‭ ‬عن‭ ‬الحضور‭. ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يحافظ‭ ‬المرء‭ ‬على‭ ‬موهبته،‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يبادر‭ ‬شخص‭ ‬بطلب‭ ‬يد‭ ‬فتاة‭ ‬أحلامه‭ ‬حتى‭ ‬سبقه‭ ‬آخر‭ ‬إليها،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬يتبدد‭ ‬الندم‭. ‬وما‭ ‬يؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬70‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬قالوا‭ ‬إن‭ ‬ندمهم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يفعلوا‭ ‬ليحققوا‭ ‬أحلامهم‭ ‬المتماشية‭ ‬مع‭ ‬الذات‭ ‬المثالية‭ ‬أكبر‭ ‬مقارنة‭ ‬بندم‭ ‬التخلف‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬الواجب‭. ‬

ويرجع‭ ‬المتخصصون‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬نوعي‭ ‬الندم‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬بلوغ‭ ‬أحلام‭ ‬وآمال‭ ‬وطموحات‭ ‬الذات‭ ‬المثالية‭ ‬أمر‭ ‬يصعب‭ ‬تحقيقه‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان؛‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬تحققت‭ ‬بعض‭ ‬الأحلام،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يسعى‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬التطلع‭ ‬لطموحات‭ ‬أكبر،‭ ‬وهكذا‭ ‬تستمر‭ ‬المطاردة‭ ‬دون‭ ‬توقف،‭ ‬ومعها‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل؛‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬الغالبية‭ ‬إلى‭ ‬التطلع‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬المسؤوليات‭ ‬والواجبات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يصعب‭ ‬تخيلها‭. ‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬تقاد‭ ‬الذات‭ ‬المثالية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأوقات‭ ‬بقيم‭ ‬مجردة،‭ ‬بينما‭ ‬ما‭ ‬يحكم‭ ‬ذات‭ ‬الواجب‭ ‬قيود‭ ‬سلوكية‭ ‬ملموسة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يخفف‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الشعور‭ ‬بالندم‭. ‬ونظرًا‭ ‬لاعتماد‭ ‬ذات‭ ‬الواجب‭ ‬على‭ ‬السياقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والأعراف‭ ‬المختلفة،‭ ‬يسهل‭ ‬التعامل‭ ‬معها،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالذات‭ ‬المثالية‭ ‬المتحررة‭ ‬من‭ ‬السياقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬نسبيًا،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬الندم‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬بصورة‭ ‬مثالية‭.‬

   

طريق‭ ‬لم‭ ‬يسلك

من‭ ‬نتائج‭ ‬الدراسات‭ ‬أيضًا،‭ ‬أن‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬ذواتنا‭ ‬الحقيقية‭ ‬وذواتنا‭ ‬المثالية‭ ‬تختصر‭ ‬كلما‭ ‬تقدمنا‭ ‬في‭ ‬العمر‭. ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الناس،‭ ‬يظل‭ ‬أملًا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬حدة‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬نشعر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ندم،‭ ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬دراسة‭ ‬لباحثين‭ ‬بجامعة‭ ‬كورنيل‭ ‬بعنوان‭ ‬االطريق‭ ‬المثالي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يسلكب‭. 

وعلى‭ ‬أية‭ ‬حال،‭ ‬قد‭ ‬يفيد‭ ‬تحليلنا‭ ‬لمصادر‭ ‬الندم‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬معرفتنا‭ ‬لذواتنا‭ ‬وتناقضاتها‭. ‬وبدلًا‭ ‬من‭ ‬بقائنا‭ ‬عالقين‭ ‬نفكر‭ ‬بأسى‭ ‬فيما‭ ‬فاتنا‭ ‬وما‭ ‬ضاع‭ ‬منا،‭ ‬نمضي‭ ‬في‭ ‬طريقنا‭ ‬نتطلع‭ ‬لأيام‭ ‬قادمة‭ ‬محملة‭ ‬بالخير‭ ‬والتغيير‭ ‬والتوفيق‭ ■‬

أجمع‭ ‬المرضى‭ ‬على‭ ‬أمنيات‭ ‬خمس‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬ندم،‭ ‬تقول‭ ‬أولاها‭: ‬‮«‬أتمنى‭ ‬لو‭ ‬امتلكت‭ ‬شجاعة‭ ‬عيش‭ ‬الحياة‭ ‬كما‭ ‬أريد‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬يتوقع‭ ‬مني‭ ‬الآخرون