البريد والإرشاد الصحّي في كويت الستينيات
بعد إتمام السنة الأولى من المرحلة الانتقالية في تولّي الكويت إدارة البريد الداخلي، من 1 فبراير 1958 إلى 31 يناير 1959، تبعها في السنة الثانية تولّيها مسؤولية البريد الخارجي، التي انتهت في 31 يناير 1960، وأعلن بعدها انتقال كامل مسؤولية الخدمات البريدية إلى حكومة الكويت، بناء على خطة التأميم المتّفق عليها بين الإدارة البريطانية وإدارة حكومة الكويت، لتحقيق انتقال سلس ومدروس يتمّ من خلاله تبادل الخبرات، وأوّل إجراء اتخذته الكويت بعد الانتهاء من تأميم البريد هو الانضمام إلى اتحاد البريد العالمي في فبراير 1960، والذي جاء قبل نيلها الاستقلال في 19 يونيو 1961، في حين جاء انضمامها إلى اتحاد البريد العربي في 26 يونيو 1961 .
شهدت الخدمة البريدية في الكويت منذ البدايات الأولى من تولّي الإدارة الوطنية للبريد نقلة نوعية لافتة وتطورًا ملحوظًا على أرض الواقع، سواء من حيث عدد مكاتب البريد التي افتُتحت، ليرتفع من خمسة إلى ثلاثة عشر مكتبًا، أو من حيث إصدارات الطوابع المختلفة التي كانت تصدر وفقًا للمناسبات الوطنية والعربية والعالمية. وكذلك تنوّع أشكال الأختام البريدية التي كانت توضع على الطوابع، مثل الأختام اليدوية والآلية، والأختام التي تحمل شعارات توعية، وغيرها.
ومثلما حصلت الكويت على العضوية بالاتحاد العالمي للبريد في فبراير 1960 قبل نَيل الاستقلال، عمدت كذلك للحصول على عضوية منظمة الصحة العالمية في 9 مايو 1960، مما أدى إلى مواكبة «صحة الكويت» لتعليمات المنظمة ونصائحها، وكذلك الاسترشاد بتوجيهات طرق نشر التوعية من الأمراض في المجتمع، وكيفية التعامل مع الأوبئة للحيلولة دون تفشّيها من خلال تطعيم السكان.
يُذكر أنه عندما تفشى وباء الجدري في العالم منتصف عام 1962، نجحت «صحة الكويت» في حماية الناس بواسطة التلقيح ضد الوباء، ولم تسجل حالة وفاة نتيجة الوقاية ضده.
وكان لإدارة بريد الكويت في أوائل ستينيات القرن الماضي دور لافت في نشر التوعية والثقافة الصحية بالمجتمع، جنبًا إلى جنب مع بقية الجهات الحكومية الأخرى، كلٌّ وفق طريقة تواصله مع الجمهور، سواء من خلال الاتصال السمعي والمرئي كالبثّ الإذاعي والتلفزيوني، أو بواسطة النشر الصحافي وطباعة النشرات والكتيبات، إلى جانب عقد الندوات التي كانت تقام في الأسابيع الصحية السنوية وتنظّمها شعبة الإرشاد والتثقيف الصحي، التي أنشأتها وزارة الصحة عام 1960، وكانت تهدف إلى «نشر الوعي الصحي بين مختلف فئات المجتمع، والدعوة إلى العادات الصحية حتى تصبح تقاليد».
ومن الوسائل التي تبنّتها إدارة البريد لنشر الوعي الصحي في تلك الأسابيع الصحية وضع أختام تحمل عبارات وإرشادات صحية وتثقيفية وتوعوية، بعضها على شكل مربّع ثنائي اللغة أو نصّ مكتوب باللغة العربية، وتلك الأختام كانت توضع على الرسائل، ولا تستخدم على الطوابع، وذلك لفترة زمنية محددة مرتبطة بالمناسبة الصحية.
الأختام الإرشادية
في عام 1961، تبنّت منظمة الصحة العالمية موضوع «الحوادث والوقاية منها» كمناسبة توعية في «يوم الصحة العالمية»، الذي تحتفل به في اليوم السابع من شهر أبريل الموافق لذكرى تأسيسها عام 1948، على اعتبار أن الوفيات الناتجة عن الحوادث تأتي في المرتبة الثالثة على مستوى العالم، على الرغم من الخطوات المبذولة التي حققتها الاكتشافات الطبية واللقاحات التي تقدّم لمحاصرة الأمراض ومكافحة الأوبئة، وفي المقابل كانت نسبة الحوادث في المجتمعات تتزايد مخلّفة وراءها الوفيات والإعاقات الناتجة عن الحوادث، وكان لا بدّ من تسليط الضوء ولفت الانتباه لهذه الأخطار لتجنّبها والحد منها باتّباع الحذَر وشروط السلامة.
وجاءت المشاركة الأولى لبريد الكويت بمناسبة يوم الصحة العالمية في حملة «الحوادث والوقاية منها»، عن طريق إصدار أختام مربعة الشكل باللغتين العربية والإنجليزية، مذيّلة باسم منظمة الصحة العالمية، لتوضع على الرسائل الصادرة والواردة، ولم يصدر طابع خاص بالمناسبة، لكن تم رصد ختمين فقط بين 27 أبريل و3 مايو 1961:
الأول: الحوادث يمكن تفاديها/ يوم الصحة العالمية
Accidents can be Prevented/ W. H. O
الثاني: امنعوا الحوادث
Accidents need not happen / W. H. O
أما المشاركة الثانية لبريد الكويت فقد جاءت مع حملة «الحفاظ على البصر/ منع العمى»، التي أتت بمناسبة يوم الصحة العالمية في 7 أبريل 1962، وطرحت خلالها خمسة أختام لتوضع على الرسائل الصادرة والواردة خلال أسبوع الصحة العالمية، ولم نتمكّن من التوصل إلى مصدر لمعرفة محتوى الأختام، وهل وضعت من قبل وزارة الصحة أم بإرشادات من منظمة الصحة العالمية؟
وقد نشرت مجلة «هنا الكويت»، الصادرة عن وزارة الإرشاد في عدد فبراير 1963، تحقيقًا نشر تفاصيل دقيقة تحت عنوان «طابع البريد في الكويت» بموجب التعاون بين وزارة الإرشاد والأنباء (الإعلام حاليًا) وإدارة البريد، للتعريف بدور الخدمة البريدية لحملة «الحفاظ على البصر» في أسبوع الصحة، جاء فيه:
«أختام لخدمة الصحة العامة: وصنعت الكويت أيضًا خمسة أختام تحمل عبارات وإرشادات صحية بمناسبة أسبوع الصحة العالمية، التي ساهمت به الكويت في 7 أبريل 1962، وذلك بختم المراسلات الصادرة عن الكويت والواردة إليها خلال هذا الأسبوع».
وكانت الأختام تحمل العبارات التالية:
- الذباب عدوك قد ينقل الرمد إلى عينيك.
- عند أية إصابة في العين راجع الطبيب فورًا.
- سلامة عينيك جمال ونور.
- لا تبصقوا على الأرض فتنتشر الأمراض.
- مصرع الصغار إهمال الكبار.
إلى جانب ملصقات خاصة أصدرتها إدارة البريد تحمل رسمًا يدلّ على العمى، إضافة إلى الشعارات السابقة، وجرى توزيعها على الطلاب والطالبات للاستفادة منها خلال أسبوع الصحة.
حملة مكافحة الملاريا والسلّ
يمكن القول بأن الكويت استطاعت، بعد فترة قصيرة من تولّيها إدارة البريد، أن تسمو برسالته وترتفع بها، من مجرّد طابع جمالي يُستوفى به الأجر المستحق على مغلف يحمل خطابًا، إلى وسيلة حضارية تحمل مشاعر إنسانية وتقدم رسالة نبيلة ترتقي بوعي المجتمع العام، وذلك من خلال تبنّي إصدار طوابع تسلّط الضوء على مرض ما، أو نشر عبارات محددة تختم بها الرسائل الواردة والصادرة ليتعرّف متلقي الرسائل على خطورة الأمراض المنتشرة وسبل الوقاية منها.
وإذا فحصنا الطوابع المتعلقة بالصحة التي صدرت في السنوات العشر الأولى، نجد أن هناك التزامًا رفيعًا من قبل إدارة بريد الكويت بالقضايا الصحية السنوية التي كانت منظمة الصحة العالمية لمكافحة الأمراض تتبناها، والتي كان يتم وضع خطط أسابيعها بالتعاون مع وزارة الصحة الكويتية آنذاك.
ويعدّ طابع «العالم يتكتل لاستئصال الملاريا»،
الذي صدر في 1 أغسطس 1962، أول طابع دولي مشترك تتبناه إدارة بريد الكويت، بالتنسيق مع اتحاد البريد العالمي ومنظمة الصحة العالمية، والهدف من هذا الإصدار هو المساعدة في تمويل برنامج «القضاء على الملاريا»، وكان يُعد أكبر حملة قادها أعضاء منظمة الصحة آنذاك، وتم التحضير لها قبل سنتين من انطلاقها، وكانت تهدف إلى نشر الوعي عن خطورة الملاريا، مع الدعوة إلى توحيد الطاقات الدولية من أجل القضاء عليه والتخلص منه نهائيًا، من خلال إصدار طابع بريدي في معظم مكاتب بريد العالم، حيث تحصل المنظمة على نسبة مئوية من عائد مبيعات الطوابع لدعم برنامجها، أو التبرع بالطوابع للمنظمة، إلى جانب الدعم المالي من كبار أعضاء المنظمة.
مكافحة السل
في 27 يوليو 1963، أصدر بريد الكويت طوابع بعنوان «مكافحة السل»،
وهو إصدار دولي مشترك بالتنسيق مع اتحاد البريد العالمي ومنظمة الصحة العالمية لدعم مشروع مكافحة السل وتثقيف المجتمع بخطورته، وجاء الإصدار مكونًا من 4 فئات بلون لكلّ فئة، وحمل رسمًا لشعار دولة الكويت وشعار منظمة الصحة العالمية، وبينهما رسم تخطيطي للرئة.
ولم يكتفِ بريد الكويت، آنذاك، بإصدار الطابع، فقد وضعت أختام توعوية بمرض السل لتختم بها الرسائل، وتم رصد ختم باللغة العربية يحمل عبارة «السل مرض يمكن القضاء عليه»، ومن المرجح أنه تم وضع أكثر من ختم في الأسبوع الذي طرح فيه الإصدار، لكن لم يتم رصدها.
يُذكر أن حملة مكافحة الملاريا ومكافحة السل لم تحقق القضاء التام على المرضين، ومازالت منظمة الصحة العالمية تقود حملاتها الصحية لمكافحتهما، إضافة إلى حملات المكافحة الأخرى، مثل اليوم العالمي من غير تدخين، واليوم العالمي لالتهاب الكبد الوبائي، واليوم العالمي للمتبرعين بالدم... إلخ.
والآن، ومع انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، فمن المرجّح أن تسعى منظمة الصحة العالمية لإضافة الفيروس إلى خطتها السنوية لحملات مكافحة الأمراض، وذلك عقب انتشار الوباء، منذ اكتشافه بمدينة ووهان الصينية في ديسمبر العام الماضي، وعجز الصين عن السيطرة عليه، لينتقل ويصيب أغلب بلدان العالم وينتشر كانتشار النار في الهشيم، مما أدى إلى توقّف عجلة الحياة حول العالم، ومهّد لدخول الدول الكبرى في نفق الركود الاقتصادي، ولا نزال نعاني تبعاته حتى الآن، حيث أسفر عن إصابة أكثر من 30 مليون شخص حول العالم، وتسبّب في حصد أرواح مليون شخص ويزيد، أغلبهم من كبار السن، وممن يعانون أمراضًا مزمنة.
إصدارات «يوم الصحة العالمية»
هي طوابع تذكارية صدرت كلّها في السابع من شهر أبريل تحت عنوان «يوم الصحة العالمية»، بالتزامن مع إصدارات أغلب دول العالم من أجل إحياء ذكرى تأسيس منظمة الصحة العالمية عام 1948.
وإصدار الطوابع ليس ملزمًا على إدارات بريد دول العالم، فلها الحق بالامتناع عن إصدارها، وبريد الكويت، كما يتبين لنا من الرصد اللاحق للإصدارات، تبنّى مجمل الطوابع حسب مناسباتها كل عام، بالتعاون مع وزارة الصحة، وجاءت كالآتي:
1 - إصدار تحت عنوان «السلّ»
بمناسبة «يوم الصحة العالمية» في 7 أبريل 1964، ويتكوّن من طابعين متماثلين لكل منهما لون مختلف، ويحملان رسمًا لممرضة تطعّم مواطنًا، وتم تصميم ختم خاص بالمناسبة ليوضع على البريد الصادر والوارد، حمل عبارة «أيها الأب طعّم أولادك ضد السل».
يُذكر أن منظمة الصحة العالمية اختارت «لا هدنة مع السل» شعارًا للمناسبة، بعد أن وجدت انخفاضًا بنسبة الوفاة بسبب السل، لكن عدد الإصابات بالمرض كان في تزايد، وبخاصة في صفوف الصغار الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة.
2 - إصدار حمل عنوان «الإنسان والمدينة»
بمناسبة «يوم الصحة العالمية» في 7 أبريل 1966، ويتكون من طابعين متماثلين في الشكل، يحملان رسمًا لوسائل النقل ومنصات النفط، ومداخن مصانع وعمارات، ومظاهر التلوث في السماء.
ومن ضمن الأسباب الداعية إلى اختيار «الإنسان والبيئة» عنــوانًا للسنــة، تزايد الهجرة من الأرياف إلـــى المــــدن نتيــجـــة التوسع الحضري، الذي انعكس على صحة قاطني المدن بسبب تلوّث المصانع والمركـــبات والضوضاء، إلى جانب نشوء مشاكل نفسية، وانتشار الجريمة والإدمان والاضطرابات بسبب المشـــاكل الناتجة عن عدم توافر فُرص العمل، وتزايد الأحياء الفقيرة وظهور المدن العشوائية، ومـــن ثمّ جــاءت دعوة منظمة الصحة للتنبيه إلى تلك المخاطر.
3 - إصدار يحمل عنوان «مستشفى الصباح وبعض العمليات الطبية»
بمناسبة «يوم الصحة العالمية» في 7 أبريل 1967، ويتكوّن من طابعين متماثلين يحملان صورة مستشفى الصباح، وفني مختبر، وطبيب يفحص مريضًا، وأطباء وممرضة في غرفة العمليات.
واختارت منظمة الصحة العالمية شعار «شركاء في الصحـة» للتنبـــيه بأن كـــفـــاءة المؤسسة الصحية (المستشفيات) تعتمد على كفاءة الأطباء، وجهاز التمريض المدرب، والموظفين العاملين الذين يقدّمــــون الخدمات الصحيــــة، مع الإشارة إلى حاجة المناطـــق الفقيرة في العالم للرعاية الصحية العاليــــة الجودة في بناء المستشفيات لعلاج المرضى وتجهيزها.
زيادة الوعي
4 - إصدار تحت عنوان «الذكرى العشرون لمنظمة الصحة العالمية»
بمناسبة «يوم الصحة العالمية»، وحمل الطابع رسمًا لأمير الكويت آنذاك، الشيخ صباح السالم الصباح، مع شعار دولة الكويت، وشعار منظمة الصحة العالمية، في 7 أبريل 1968، ويتكوّن الإصدار من طابعين متماثلين في الشكل، ولكل طابع منهما لون مختلف.
5 - إصدار «ابن سينا» بمناسبة «يوم الصحة العالمية»
في 7 أبريل 1969، وحمل شعار منظمة الصحة العالمية ميكروسكوبًا، ومريضًا مع ممرضة، ورسمًا لابن سينا، ويتكون من طابعين متماثلين في الشكل، ولكل طابع منهما لون مختلف.
وقد اختار بريد الكويت رسمًا لابن سينا مع الميكروسكوب والممرضة للتعبير عن معنى الشعار الذي اتّخذ ليوم الصحة العالمية عام 1969 بعنوان «الصحة والعمل والإنتاجية».
6 - إصدار حمل عنوان «مكافحة السرطان»
بمناسبة «يوم الصحة العالمية» في 7 أبريل 1970، وحمل رسم خطين متقاطعين، يشير بالسهم إلى سرطان البحر، واختير السرطان للتدليل اللفظي على المرض، ويتكون الإصدار من طابعين متماثلين في الشكل، ولكلّ طابع منهما لون مختلف.
والشعار الذي اختارته منظمة الصحة العالمية للسنة هو «الكشف المبكر للسرطان ينقذ الحياة»، حيث إن الكشف المبكر عن طريق الفحص والتشخيص يزيد من فرص الحياة، كما أنّ زيادة الوعي بالعلامات المبكرة للسرطان لها تأثير كبير على درجة الشفاء.
يذكر أن إدارة بريد الكويت أصدرت في 3 مايو عام 1966 طابعًا خاصًا لمنظمة الصحة العالمية، لكنّه ليس مرتبطًا بيوم الصحة العالمية، ولا بمكافحة الأمراض.
اشتركت في إصدار الطابع معظم إدارات بريد العالم، وجاء بمناسبة افتتاح المقر الجديد لمنظمة الصحة العالمية في جنيف، واحتوى على رسم للمبنى. وقد استمرت العلاقة بين بريد الكويت ووزارة الصحة، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، في إصدار الطوابع الخاصة بيوم الصحة العالمي حتى نهاية تسعينيات القرن الماضي ■