الأمهاتُ خط الدفاع الأول

الأمهاتُ خط الدفاع الأول

عندما‭ ‬بدأ‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬اكوروناب‭ ‬في‭ ‬التصاعد،‭ ‬وتفاقم‭ ‬الوضع‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬اللجوء‭ ‬لفرض‭ ‬العزلة‭ ‬واشتراطات‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وما‭ ‬صاحب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬توقف‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القطاعات،‭ ‬وإيقاف‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والفعاليات‭ ‬الثقافية‭ ‬درءًا‭ ‬لتفشي‭ ‬الفيروس،‭ ‬وغاب‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مفاجئ‭ ‬الروتين‭ ‬المعتاد،‭ ‬وتغير‭ ‬نظام‭ ‬العائلة‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬ووصل‭ ‬جريان‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬السكون،‭ ‬وجدت‭ ‬العائلةُ‭ ‬العربية‭ ‬نفسها‭ ‬مجتمِعة‭ ‬ومحوطة‭ ‬بجدران‭ ‬البيت،‭ ‬في‭ ‬تواجدٍ‭ ‬لجميع‭ ‬أفرادها‭ ‬دون‭ ‬غيابٍ‭ ‬أو‭ ‬تغيب،‭ ‬وأمامها‭ ‬الوقت‭ ‬ممتدًا‭ ‬بخياراتٍ‭ ‬محصورةٍ‭ ‬بين‭ ‬غرف‭ ‬البيت،‭ ‬وضمن‭ ‬احترازاتٍ‭ ‬صحية‭ ‬واجبة،‭ ‬إضافة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التعليم‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬وظروف‭ ‬التسوق‭ ‬للتخزين،‭ ‬ومتابعة‭ ‬الأخبار‭ ‬وتتبع‭ ‬عدد‭ ‬المصابين‭ ‬ومن‭ ‬شُفي‭ ‬منهم،‭ ‬ومن‭ ‬تسبّبت‭ ‬مضاعفاتُ‭ ‬إصابته‭ ‬بالفيروس‭ ‬بالوفاة،‭ ‬احتقنت‭ ‬النفوسُ‭ ‬بمزيجٍ‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والسأم‭ ‬والترقب‭ ‬والتخوف‭ ‬من‭ ‬القادم،‭ ‬فكانت‭ ‬الأمهات‭ ‬وسط‭ ‬عاصفة‭ ‬التقلبات‭ ‬هي‭ ‬الملاذ‭. ‬

الأم‭ ‬صمام‭ ‬الأمان‭ ‬للعائلة‭ ‬العربية،‭ ‬فهي‭ ‬المنجبة‭ ‬والمربية‭ ‬والمدبرة‭ ‬لشؤون‭ ‬الأسرة،‭ ‬والقائمة‭ ‬بالأعمال‭ ‬البيتية‭ ‬بكل‭ ‬ودٍ‭ ‬وتفانٍ،‭ ‬وهي‭ ‬الموظفة‭ ‬العاملة‭ ‬أحيانًا‭ ‬خارج‭ ‬المنزل،‭ ‬والتي‭ ‬تجمع‭ ‬وتوازن‭ ‬بين‭ ‬دَوريها‭ ‬داخل‭ ‬البيت‭ ‬وخارجه‭ ‬بتجلّد،‭ ‬وفي‭ ‬ظلّ‭ ‬المنظومة‭ ‬القيمية‭ ‬القائمة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬الاضطراب،‭ ‬وتبقي‭ ‬مركب‭ ‬العائلة‭ ‬طافيًا‭ ‬مواصلًا‭ ‬رحلته‭ ‬عبر‭ ‬عاصفة‭ ‬الحياة‭ ‬وتقلباتها‭.‬

في‭ ‬زمن‭ ‬اكوروناب‭ ‬واجهت‭ ‬الأم‭ ‬تحدياتٍ‭ ‬كبيرة،‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتعقيم‭ ‬والتنظيف‭ ‬بدرجة‭ ‬مضاعفة،‭ ‬ومتابعة‭ ‬الغسل‭ ‬والمسح‭ ‬واستخدام‭ ‬المعقّمات‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬طيلة‭ ‬اليوم‭. ‬تصنع‭ ‬الأطعمة‭ ‬متفننة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الموارد‭ ‬في‭ ‬المطبخ؛‭ ‬فتبتكر‭ ‬ما‭ ‬يؤكل‭ ‬بطبق‭ ‬شهي‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬موجود،‭ ‬تضيف‭ ‬له‭ ‬نكهة‭ ‬أمومتها‭ ‬وبركة‭ ‬حبها،‭ ‬وتغسل‭ ‬الأواني‭ ‬وهي‭ ‬تبتسم،‭ ‬وتستمع‭ ‬وتساعد،‭ ‬وتقدّم‭ ‬الحب‭ ‬صافيًا‭ ‬دافئًا،‭ ‬وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تحتمل‭ ‬عصبية‭ ‬الأب‭ ‬غير‭ ‬المعتاد‭ ‬على‭ ‬حصار‭ ‬الجدران،‭ ‬والمثقل‭ ‬بقلق‭ ‬المصروف‭ ‬والالتزامات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الثقيلة،‭ ‬وتحل‭ ‬المشاحنات‭ ‬بين‭ ‬الأولاد،‭ ‬وتمتص‭ ‬التوتر،‭ ‬وتحتمل‭ ‬الضغوطات‭ ‬بصبر‭ ‬وسعة‭ ‬صدر‭ ‬وبعد‭ ‬نظر‭ ‬وقلب‭ ‬كبير‭.‬

أثبتت‭ ‬الأم‭ ‬في‭ ‬محنة‭ ‬كورونا‭ ‬مساحة‭ ‬الحب‭ ‬التي‭ ‬تختزنها،‭ ‬وحجم‭ ‬التضحيات‭ ‬الكبيرة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬منحها،‭ ‬وامتلاك‭ ‬حكمة‭ ‬القيادة‭ ‬وتوجيه‭ ‬العائلة‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة‭ ‬والاستثنائية‭ ‬بحكمة‭ ‬واقتدار‭ ‬وحب‭ ‬نحو‭ ‬واحة‭ ‬الأمان‭. ‬وأظهرت‭ ‬مدى‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التأقلم‭ ‬وابتكار‭ ‬خطة‭ ‬طوارئ،‭ ‬ونسج‭ ‬الفرح‭ ‬من‭ ‬خيوط‭ ‬اللحظات‭ ‬المكررة،‭ ‬وإضاءة‭ ‬قنديل‭ ‬الأمل‭ ‬بين‭ ‬جدران‭ ‬البيت‭ ‬كلّ‭ ‬ليلٍ‭ ‬جديد‭.‬

فتحية‭ ‬للمرأة‭ ‬وللأم‭ ‬العربية‭ ‬وهي‭ ‬تحفظ‭ ‬مكانتها‭ ‬ومكانها‭ ‬لتكون‭ ‬السند‭ ‬الروحي‭ ‬لعائلتها،‭ ‬وصمام‭ ‬الأمن‭ ‬النفسي‭ ‬والعاطفي‭ ‬والبوصلة‭ ‬التي‭ ‬تؤشر‭ ‬دائمًا‭ ‬إلى‭ ‬الفرح‭ ‬والفرج،‭ ‬والتي‭ ‬تثير‭ ‬دهشة‭ ‬القلب‭ ‬ليصفق‭ ‬لها‭ ‬تقديرًا‭ ‬لعطائها،‭ ‬حين‭ ‬تثبت‭ ‬التحديات‭ ‬بأنها‭ ‬ناعمةٌ‭ ‬كنسمةٍ‭ ‬وقويةٌ‭ ‬وقت‭ ‬الشدة‭ ‬كقبضةِ‭ ‬مقاتل‭ ■