«وتبقى شجرةُ الصداقةِ مثمرةً» والكلمات شطآن اللانهاية!

«الكلماتُ هيَ رموزٌ لذكرياتٍ مشتركة»!
(بورخيس)
«إنَّ الكلمات الّتي لديّ قدْ تمرغتْ في مشاعرَ لا أدري كمْ عددها»!
(سارتر)
الكاتبة والشاعرة الكبيرة د. سعاد الصباح في كتابها «وتبقى شجرة الصداقة مثمرة»* تتفجّرُ نثرًا خرافيًا بعدَ الكلماتِ وبعدَ الخيال، إذ «هناك جانبٌ من المرح أشعرُ بهِ عندما أقولُ تلك الكلمات» - حسب تعبير آن إنرايت... وهيَ تغرسُ شجرة للصداقةِ ليست ككلّ الأشجار التي ترخصُ أغصانها وثمارها للرياح المداهمة... هي شجرة بجذور الروح وفي أعماق تربةِ العمر والزمن النَّضرة، طالما توافرت شمسُ وأمطارُ المحبة والوفاء، فقط لتحظى بانتصار غير مسبوقٍ على الزمنِ، انتصار مخمليّ يمدّ لسانهُ ساخرًا من الهزيمة.
والعمرُ والزمن تراهما الكاتبة الكبيرة محطاتٍ مظلمة رطبة باردة، تفوتها كلّ قطارات الكون والدنيا إذا لم يوقد فيها مصباح أزليّ لصديقٍ، وتُتلى في أركانها وزواياها آيات الصداقة وتتدبّر فيها مزاميرُ الحُبّ.
ترى الكاتبة في االصديقب هبةً، واالصداقةب ميناء السلام والسكينة، وكأنّي بها كانت الشاهد على الكاتب توماس جراي وهو يخطّ وصيّته بأصابع من وردٍ ومطر وريحان، أن يكتبَ على قبرهِ في الكنيسةِ الكاثوليكية: القدْ أعطاهُ اللهُ ما أراد، صديقًا من الأصدقاءب. وهي في شذرات كتابها الدافئة الإيقاع تتفجّر نثرًا حميميًا جميلًا وفي بلاغة ولُغة فاتنة تُعيدُ للروحِ عطرَ الأمان، وربيع التواصل، وهي ترى الأصدقاء: ايشبهون (دهن العود) كلّما مرّ بهِ الزمنُ، ومضتِ السنوات تعتّق وأصبح أطيبَ وأجودَب... (ص 7).
في اوتبقى شجرة الصداقة مثمرةب رسائل الأصدقاء لحظة محبة لا تشيخ، واالمحبة تنقذُ العالمَب، حسب جان ديفاس نياما، والكتابة عن الأصدقاء لحظة إنقاذ الكلمات من الانتحار... الكتابة تبقى! والكلماتُ لاتموت!
ذلك هو فِقهُ المحبة، وفقه الكتابة عن الأصدقاء، لدى الكاتبة الكبيرة، وليسَ هما السبب في طرب الروح وحسب، بلْ رقصة جسدٍ منتشٍ وهو يتنسمُ عطرًا في بستان العمر وأشجارهُ المثمرة أصدقاءُ حياةٍ... وموقفٍ... وقلم... وحُلمٍ مَن يعزفونَ نبض القلب بكلّ أنغام الحياة، حيث تصبح السعادة الأمنية شعورًا لا امتلاكًا واموطن السعادة الروحب، حسب شذرات فكر الكاتبة الصينية تشي لي.
اوتبقى شجرة الصداقة مثمرةب نوعٌ من الكتابة بقدر ما يحكّ على الجرحِ، يُبهج أيضًا، لحظة تنقية وتخليد للمشاعر... هذا الكاتب جان جانيه يذكرُ أنَّ دستوفسكي وهو يكتبُ روايته االإخوة كرامزوفب كان يبتسمُ، وسرعان ما جرفهُ الابتهاج والمرح فاستسلم له!
منجم ذهب العمر
الصداقة أيضًا لحظة إصغاء إلى القلب واحيث يوجد قلبك، يوجد كنزكب، حسب باولو كويلهو.
وأقرب الأصدقاء هبة الله، وزهرة الحياة، ومنجم ذهب العمر الصديق/ الزوج عبدالله المبارك، المواطن الكويتي الوفيّ، المنارة، والقنديل، والفارس، بلْ والملهم مَن اتطلّ صورته من علياء القصر الأبيض كصورةِ نسرٍ خرافيّب (ص 15) الصديق/ الزوج صاحب المآثر، المؤسّس الأول، وباني الكويت الحديثة، وهو يغرس أشجارَ الحداثةِ والحضارةِ والتقدمِ في تربة بلدهِ الخصبة - الكويت، وللتواريخ حديثها ذو الشجون في سيلٍ من الإنجازات الحضارية الإنسانية الكبيرة، وقد كانت ثمرة عقله وفكره... كلّ ضربة قدمٍ وخطوة نهارٍ مباركةٍ فوق تربة بلده مكّنتهُ من القيام بمهامّ كبرى في تسيير شؤون البلاد لتُسابقَ الزمن والمدن والأكوان... كان مثالًا للشخصية االكاريزماب المحتفى بهِ عربيًا ودوليًا... هو الصديق/ الزوج عبدالله المبارك وفترة حياة وعمر بين 1914 و1991وابين الولادة والوفاة نسجَ التاريخ حياة رجل ووطن وشعب، رجل حاول في فترة من أعقد مراحل تاريخ الكويت الحديث أنْ يخدمَ المُثُل العليا للأمة العربية، رجلٌ عصامي صنع نفسه، وساهمَ في صنع بلاده، وترك لقومهِ تراثًا يفاخرونَ بهِب... (ص19).
ورسالة الكاتبة الكبيرة للصديق/ الزوج، وهي تصوغ حروفَها من عناقيد ثمر شجرة الوفاء، بمنزلة درسٍ على سبّورةِ الوقتِ، ومأثورةٍ في ذاكرة الحياة: النتعلّم من الأمم كيف يصونون موتاهم، ولنتعلّم كيف يحفظون كبارهم في قارورةِ القلبب... (ص20).
وتتعدّد الرسائل وهي بطقس المزامير اللغوي الباذخ في تأمّلاته، والكاتبة الكبيرة تُعوّل على مفردات القصيدة، وتستلف كلّ ما بقي في اوادي عبقرب من مفردات الشِّعر وأخيلته وبلاغته في صوغ رسائل بعدَ الحميميةِ وبعدَ الصداقةِ وبعدَ الوفاء... وفي لغتها الفاتنة الماتعة تشكّل مزاميرَ جذبٍ ودهشة لكلّ كلمةٍ كتبها الجسدُ، وبإمضاء الروحِ التي تعيد صوغ وتؤرّخ في عطرها الذي لا ينفد لمبدأ وفلسفة شوبنهاور اأنا الآخرب، أو اأنا الآخرونب، على ضفة من ضفاف الحياة تزيّن أركانها حدائق الدفءِ والتواصل، واوستكون هذهِ اللغة من الروح إلى الروح، لغة تلخّص كلّ شيء... العطور والأصوات والألوانب حسب فقه رسالة الشاعر والرائي آرتور رامبو إلى بول دميني.
الرهان على الأصل
وتعظمُ لغة الرسائل وتفيضُ بلاغة، وهي تأخذ شكل أمنيّات وأحلام ملائكية، لا يوحي فسفور حروفها إلّا بصور الفراشات والورد وقطرات المطر وزهو الربيع، حين تكون لصديقٍ من نوع آخر... من لحم الروح، وأنين الرَّحمِ، ويختلف الأصدقاء في أخذ مواقعهم بمساحة القلب، كلٌّ لهُ مكانهُ الذي يليقُ به... وما يليق بالصديق/ الابن محمد لا يناسب غيره، ثورةَ محبة، وانتفاضةَ عطرِ حنانٍ، والكاتبة تذكّره بأنّ الانتماء إلى الأصل، بداية الطريق المضيء إلى الحقيقة: اأكتبُ لك هذهِ الرسالة باللغة العربية، لأؤكّد نقطة مهمة، وهي أنّ الحوار بين امرأة عربية وابنها يجب أنْ يكون باللغة العربية، وإلّا كان حوارًا زائفًا ومصطنعًاب...(ص33). وتفيض الرسائل للصديق/ الابن بمفردات التوجيه، بعيدًا عن سوط الأمر والنّهي، بحفيف أوراق شجرةٍ طموح، لكي يكونُ الرهان على الأصل هو الرابح والأساس، من دون التضحية أو إهمال التواصل مع العالم الواسع، افاللغة هي الوثيقة الوحيدة التي نحملها لإثبات هويتنا، وإثبات انتمائنا إلى أرضٍ ما... وشعبٍ ما... وحضارةٍ ماب... (ص34).
وهي اللغة نفسها بكامل فنون بلاغتها... وُمفردات ورؤى القصيدة الإنسانية التي مهّدت الطريق المضيء إلى الابن محمد، هي إلى أمنية وشيماء من دون أن يتخلّى الكلام الصباحيّ عن دفئهِ، وهو بعبق مطرٍ ليلي، حيث يفصح الكلام عن أسرار بلاغته وفصاحته من دون ترك أيّ خدشِ لذاكرة السامع، وإن بدا بحروفٍ كبيرة، لا يبتعدُ إيقاعها الحميمي عن أوركسترا قصيدة الحبّ والحياة والحرية والألفة والمستقبل: الا أحد يحرّر أحدًا، فالحرية من صنع الأحرار وحدهم... ولم يحدث في التاريخ أنّ شعبًا تحرّر بالمراسلة... أو أنّ امراةً تحرّرت بالتوسلات، وتقبيل الوجنات، وذرف الدموعب... (ص52).
مع د. سعاد الصباح لا تبدو الرسائل إلى الأصدقاء أدبًا فحسب، بل اميتافيزياء الكيان الإنسانيب! حين تأخذ بتقنية النثر - الشعري الباذخ في تعبيره الإيحائي الجمالي، ومن فارس الموقف... فارس المعرفة عبدالعزيز ملّا حسين... إلى صاحب تجليات العقل صالح محمد العجيري... إلى الشاعر المتميز محمد الفايز، يصبح لخيمةِ الكلام أوتاد ممتدة إلى شرايين الوطن حين يغدو الصديق هبة ًبحق، تحمل اسم شاعر الموقف والحنين والوفاء فائق عبدالجليل، مالئ سماء الكويت، وشاغل نهارات أهلها بعواطف الدفء والانتماء والوفاء، وهو يتحول إلى اقصيدة تمشي بقدمينب، وهو عنوان قصيدة - الوفاء إلى وطنه الكويت، فيما عاناه هذا المواطن المنتمي من طراز رفيع أثناء الغزو الصدامي لبلده الكويت، اختار الوطن، وقدّس حبَّهُ الذي يجهل بريقَ فسفور حروفهِ الطغاة والحكّام المستبدون.
فائق عبدالجليل، الشاعر الكبير ذهب بهِ حبّهُ لبلدهِ إلى اللاعودة، لكنّه حاز تذكرة وجائزة الوفاء، بلْ فردوس الخلود: القدْ قرّرَ أن يكونَ سحابة تسقينا من مطرها الشعريّ بين آنٍ وآخرب... (ص88).
طائرة الوفاء
وبراعة الانتقال النوعي الذي لا يفارق إيقاع حروفه ومهارته تقنية السرد وظلال القصيدة المتمردة على قوافيها، تطير الكاتبة الكبيرة على أجنحة من كريستال الإيحاء، ومن سماء الكويت الحافلة بكواكبَ تضيء لبعضها البعض، ولم يخفت بريقُها، إلى سماء العروبة، وتحط بها طائرة الوفاء في المطار الكونيّ الذي تغذي تربته بالأمان والدفء كلّ عربيّ قادمٍ وهو مثقل بهمومه وأحلامه وأفكاره في مصر العروبة... والبدء بالمحراب الآمن، بلْ والقديس الذي توزّعت معابده في أرواح القاصي والداني، سارق الشمس - جمال عبدالناصر: الم يحدث في التاريخ أن مات رجل، فظننا أنهُ أخذ معهُ الشمس والقمر والكواكب، وكلّ مصادر الإضاءة، وترك العالمَ في ظلمةٍ قوميةٍ شاملة إلّا جمال عبدالناصر.
امنذ أن تركنا هذا الرجل في 28 سبتمبر 1970 لم ترَ الأمة يومًا أبيض.
اخمسة عشر عامًا، والأرض تتشقّق عطشًا، والسنابل تنحني وجعًا، والعصافير تموت حزنًا، والبحرُ يستقيل احتجاجًا، والإنسان العربي تقوّسَ ظهره من شدة الألم والهوان، وشاخ في كلّ دقيقةٍ مئة عام...ب (ص 109).
والرسالة تستلف في تقنيتها كلّ مفردات وقوافي القصيدة المتمردة والثائرة... القصيدة/ الحلم المتلوّ بيقظةٍ مرعبة... وهي تدين الزمان والإنسان والمكان، ولا تتوسلُ الحياة أبدًا... قصيدة رثاء غير مسبوقة الوزن والقافية والكلمات والخيال، واحدة في رصاصها القاتل، وفوهتها وهدفها باتجاه الكلّ من دون استثناء: اإنَّ الإنسان العربي الغاضبَ أصبح موضة قديمة ومخلوقًا منقرضًا، حقنوه بعشرات العقاقير المخدرة، وقطعوا لسانه حتى لا يتكلم... وبتروا أصابعه حتى لا يكتب... واستأصلوا ذاكرته حتّى لا يُفكّرب! (ص110).
لا جرم أنَّ عبدالناصر الرجل/ القائد مؤسس من طراز رفيع للوعي والثورة والغضب، وهو يسقي المواطن العربي إكسير التمرّد وشروط الصلاة للحرية والكرامة والكبرياء، وهو يقتلع فيروس البلادة والسكون والتبعية: انعم... نعم بعد رحيل جمال عبدالناصر ألقي القبض على الشعب العربي... ولا يزال معتقلًا في السجن الانفرادي منذ خمسة عشر عامًا... ولا يزال التحقيق مستمرًاب (ص 110).
كتاب اوتبقى شجرة الصداقة مثمرةب بمنزلة ما يُسمّيه باولوكويلهو ابنك ردّ الجميلب: اأن تودعَ في حسابك لا ودائع نقدية، بلْ اتصالات وعلاقاتب (كتاب االظاهرب ص 48).
ومن الفضاء السياسي الرسمي العربي، حيث تأخذ الرسائل إلى الأصدقاء فضاءها الإبداعي الإنساني، الصورة الفوتوغرافية الناطقة للحياة والواقع العربي المعيش، تجسدهُ أقلام سفراء الكلمة والتعبير والإيحاء من نجيب محفوظ، سفير وعبقري الرواية، إلى إحسان عبدالقدوس، وفاء الحبّ وسلطة الكلمة، إلى ثروت عكاشة، حيث الثراء الثقافي والبندقية والريشة، إلى أحمد بهاء الدين، ماء الضمير ونار الثورة، إلى رجاء النقاش، والإبداع نقدًا... الفرسان الذين عاصرتهم الكاتبة/ الشاعرة، تعرّفت إليهم، وعاشت زمنهم الذهبي، وقِبلتها مصر العروبة، وهي التي تتلمذت على سحر وأسرار إبداعاتهم وسيرهم الخالدة... وفي مقدمة هؤلاء، أديب نوبل 1988 عبقري السرد والرواية العربية العالمي، نجيب محفوظ، الرمز والقيمة، وهو يرتفع بإبداعه الإنسانيّ الحضاري بالشخصية العربية، والاعتراف غير المشروط بأدبها وإبداعها وتاريخها وحضارتها عالميًا: اعندما تعطي الأكاديمية السويدية جائزتها لأستاذنا الكبير نجيب محفوظ، فكأنما أعطتها للعربِ جميعًا... إنني أؤكد على المعنى العربي للجائزةب (ص 119).
ونجيب محفوظ، الكاتب العربي الدم قبل أن يكون مصريًا، خرج بإبداعه السردي الإنسانيّ من الإقليمية والقومية إلى العالمية... لم يكتب تاريخ مصر وحسب، بل تاريخ العروبة مجتمعة: انجيب محفوظ هو الابن الشرعي لهذا الوطن العربي الممتد من الخليج إلى المحيطب (ص120).
ظلال القدّيسين
ولا تضلُّ أو تتوهُ بوصلة الكلمات، وماكنتها أصابع الكاتبة الكبيرة احتفاءً، وتخليدًا لِمَن مرّوا بظلال القدّيسين في دروب حياتها من الأصدقاء... ولمْ يكُنْ مرورهم طارئًا أبدًا، بل صاخبٌ صخبَ الكلماتِ مؤرّخٌ بطرب روحٍ ورعشة جسدٍ... ولا يبدو المرور تقليديًا حينما يكون بخطى الشعراء، ابتداءً من شاعر البحرين إبراهيم العرّيض إلى شاعر الرومانسية السعودية، ومالئ الليالي العربية حبًّا وعشقًا، وشاغل المحبين، الأمير عبدالله الفيصل، إلى الشاعر العربي الولادة والانتماء سلمان الفلّيح.
ومن بين هؤلاء كانت الرسالة للصديق تأخذ كيمياء شجرةٍ تزهو بأغصانها وثمارها وغناء عصافيرها، وهي لا تخطئ حروفها وكلماتها وعباراتها العنوان، وتكون للشاعر الكبير إبراهيم العرّيض:
اإبراهيم العرّيض شعلة أضاءت دربَ الشعر العربي، وأعطتنا صوتًا موسيقيًا رائعًا... فتحنا عيوننا على نشيده، وظلّ صوتهُ معناب (ص149).
اهناك لغة تتعدّى الكلماتب
(باولوكويلهو ذ االخيميائيب ص 37)!
حين تصبح كتابة الرسائل للأصدقاء على ورق أخضر، لما تفيضُ بهِ حروفها من أنغام/ أنشودة الحياة، ومَوسقة الكون، ولا تسعى لتغيير واقعٍ ما، عبر الكلمة الشاعرة، والخيال المنتج، بلْ تغيير العيون التي تراه!
ومن الأمير الحسن بن طلال، الوطني القومي العربي حتى النخاع، فكرًا وسلوكًا ومبادئ صلبة، لا أحد يساومه على صدقها وثباتها، إلى فلسطين الأمّ الثكلى، وهي تلدُ أطفالًا كبروا ولم يمروا - مرحين - في حدائق الطفولة، فهناك مَن حاربهم، وسلب منهم الطفولة، وعاقب فيهم البراءة، ودون أنْ يفهمَ لغة البراكين التي تفيض بها أرواحهم، وبقدر ما أوجعهم المحتل والغاصب، صنع منهم رجالًا بأرواح من الصوان، هويتهم الأرض التي لا تتعب من كثرة أشجار زيتونها وبرتقالها، وكتابة تاريخها... يحيى الفلسطيني ورفقاؤه أساتذة النضال/ أطفال الحجارة مَن يعبثون بماء العيون لرؤية جديدة لوطنٍ جديد، مثقلٍ بالصباح والفرح المؤجلين:
اماذا أحدثكم عن يحيى الفلسطيني؟
إنهُ سيّد كلّ الأطفال... وسيّدنا، إنهُ الفتى الجميل الذكي، الشجاع، الملهم، اللماح الذي جعلهُ اللهُ لنا، معلمًا وبشيرًاب... (ص 176).
والرسالة تراجع حبرها، وسطورها، ورسم حروفها مراتٍ ومراتٍ، حين تكون لـ ادينموب الصداقة الشعرية يوسف الخال، بداية الحداثة والتفجير في لغة الشعر والأدب والصحافة... حين تكون الرسالة إلى صديقٍ تلتقي معه الكاتبة شاعرًا مبدعًا، وتحتفي بهِ كاتبًا ومفجّرًا لأسلوب في الكتابة العربية، ومؤسّسًا لتيار جذب كبار نوابغ الشعراء من أدونيس إلى أنسي الحاج إلى محمد الماغوط وهو يحتضن أيضًا كبار الشعراء العرب من كلّ قطر في منبره الخالد مجلة شِعر التي أسسها عام 1957: امجلة شعر كانت انقلابًا شعريًا، زامنَ الانقلابات السياسية العربية التي حدثت في الخمسينياتب(ص193).
والرسالة البهيجة الحروف الراقصة الرؤى، حين يحملها ساعي البريد الافتراضي، هي لمؤرّخ وإعلامي وصحفي وسياسي، هو غسان تويني، الذي جمع بين الكلمة والفضاء السياسي في نزاهةٍ غير مسبوقةٍ... لا بدّ أن يتسلّم الرسالة مع باقة ورد وعلى طبقٍ من ذهب، فقط لتغيّر الدماء في شرايين مَن دخلوا السياسة من أبواب مقفلة ومجهولة في بيروت وغيرها من مدننا العربية، وهي على ضفاف يغمرها الضباب:
افي هذا البلد تعرّفتُ إلى أول دروس الحق والخير والجمال، فكرًا في حالة صراعٍ دائمٍ، وحيوية لا تهدأ في السعي من أجل بناء وطنٍ وإنسانب (ص 200).
إلى الشجاعة في شكلها الأسطوريّ، والنضال في لغةٍ بركانية أدهشت العدوّ والصديق معًا، حين تؤسّس فتاة الجنوب سناء محيدلي لزفافٍ غير مسبوق في طقوسه الكونيّة، وهي تُزفّ بكامل أناقتها وعطرها الذي لا ينفد إلى الوطن... إلى الأرض:
«جاءت سناء الجنوبية...
دخلت علينا سناء العربية بثوبها الكاكيّ المنقط، وشعرها الليلي المتناثر تحت قبعة حربية حمراء...
وابتسامتها الواثقة... لتدعو العالمَ إلى حضور حفلِ زفافها إلى الأرض» (ص 205).
أما حروف الرسالة وبلاغتها فسيكونان متحفزين قلقين... إنها في طريقها إلى دنيا شاعرٍ كبير، ظاهرة في شعرنا العربي... شاعر متفرد، لم يستلف من أحدٍ كلمة ولا رؤية، قاموس، بلْ منجم كلمات ورؤى، ملأ الدنيا وشغل الناس، قولًا جميلًا مستفِزًا، وفعلًا وانتماء صادقًا، بوّابة الإبداع الشعري التي مرّ من خلالها كثيرون أسلوبًا ولغة ورؤيةً... ظاهرة شعرية بحقّ أيقظت بياضَ الورق، في تحرُّشٍ مشروعٍ... كُتبت فيه أعظم الدراسات النقدية الرؤيوية... الشاعر الكبير نزار قباني وكفى...!
الرسالة للصديق نزار قباني لا تليق بهِ إلّا شعرًا، يوجع القلب حين يترجّل فارسه ذاهبًا إلى اللاعودة... وداخلًا في الغياب:
«يا صديقي على حدودِ الكبرياء
أبحثُ عن لغةٍ تكون على مستوى قامتك،
ولكنَك طويلٌ... طويلْ
واللغة قصيرة... قصيرة
يا مَن وسعت حقائبُ شعرهِ
الكونَ كلّه...
بشموسهِ... وأقمارهِ
وليلهِ... ونهارهِ
وغاباتهِ... وبحارهِ»... (ص 209).
ولا يعبثُ بأمواج بحار الكلمات، وهي تندلقُ من قريحة الكاتبة الكبيرة، وهي تحتفي وتؤرّخ لخُطى صديق، بل الأمس كان هنا، يقلق الأرض قصائد ثائرة متمردة... لا يعبث بأمواج بحر الكلمات الساحرة في زرقتها وأنغامها إلّا نوارسُ المحبة، وهي تفيض عليها بعطر أجنحة من ذهب.
المفكرون والأدباء
ومن الأصدقاء الشعراء إلى المفكّرين والمؤرخين الذينَ جمعوا بين الفكر والأدب، عبدالكريم غلّاب نورس الفكر والكفاح والنضال... إلى الحبيب الجنحاني، طائر الحرية، إلى محمود محمد طه، قائد مسيرة النضال والحرية، إلى الطيب صالح، رائد من روّاد السرد والرواية... ومن بين هؤلاء كانت الكلماتُ بعدَ الكلمات، وهي تكتبُ نفسها بنفسها، والرسالة من نوع االميتا - لغةب حين يذهب بها ساعي البريد الافتراضي إلى الطيب صالح:
اسعدتُ كثيرًا هذا الصباح، وأنا أقرأ (استراحة الخميس) التي حملت إلينا عطر كلمات الأديب الكبير الأستاذ الطيب صالح، في أوراق خصّ بها الكويت، بكلّ ما يحملهٌ صدرهُ من محبةٍ ووفاءٍب (ص 259).
ومن الأدباء والكتّاب والشعراء الأصدقاء الذين ألفت رسائلهم سِفرًا شائقًا، لا ليضاف إلى صفحاتِ التاريخ، أو يطرق أبوابه الدهرية خلسةً وفي غفلةٍ من الزمن المراوغ، بلْ ليكون هذا السِفر الجميل مرجعًا يستقي منهُ التاريخ ما فاته وغفل عنهُ من أحداث، ويجدّد ذاكرته كي لا يطالها صدأ النسيان... إلى رموز السياسة والفكر الذين جمعوا بين نزاهة السلطةِ والنضال الشاق، وهم يسعون إلى الرقيّ بشعوبهم، وصنع الحياة الآمنة لهم... من أنديرا غاندي، ضحية السلطة والنضال من دون مالٍ ولا عقارات، إلى أيقونة النضال والتضحية والصبر ونزاهة الفكر والسُّلطة، أعظم وأجمل وأصدق سجين في العالم، نيلسون مانديلا:
«هلْ يُمكن لأحدٍ أنْ يسجنَ الشمسَ سبعةً وعشرين عامًا؟
هلْ يُمكن لأحدٍ أنْ يحبسَ أمواجَ البحرِ في زجاجة؟
هلْ يُمكنُ لأحدٍ أنْ يطفئَ نار البرق ؟»... (ص 272).
وتختمُ الكاتبة/ الشاعرة الكبيرة سِفرها الشائق، ونثرها الشعريّ الخرافيّ المتفجّر في لغتهِ الفاتنة الماتعة الجاذبة برسائل القريبين والمحبين والأصدقاء، ليبدو عطرها باذخًا، وهو يفيضُ برائحة الدمِ وماء الرحم حينما تكون رسالة من الصديق/ الأب الكريم محمد صباح الصباح... ورسائل أخرى بكل تظاهرات المودّة والتواصل للرقيّ بمشروع ثقافي أو فكري أو إبداعي من دون أن تتخلّى مفرداتها وفنون بلاغتها عن الحميمية والشفافية والعمق في لقاءات تلوي عنق الزمن، لا تغيب ولا تشيخ، ومن هذه الرسائل على سبيل المثال لا الحصر االأمير خالد الفيصل، وسعدي يوسف، وعبدالرزاق البصير، وفيروز، وأحلام مستغانمي، وليلى الحر، ويوسف الخطيب، وعبدالحميد شومان، وعبدالله بشارة، وزليخة أبو ريشة... وغيرهمب.
ومن هذه الرسائل رسالة الشاعر الكبير سعدي يوسف: اأختي سعاد... يكبرُ العزاء كلّما ضاقت زاويته، كلما كانَ مطعنهُ أكثرَ مقتلًا... هلْ أقولُ لكِ إنني أسمعُ نحيبك؟ أي دموعٍ يحقّ لها أنْ تترجمَ حياة، أو تترحم على حياة، أو ترحم حياة؟ لنْ أقولَ أكثر... الفجيعة سرّ...!ب (ص 282).
وردّ الكاتبة ألكبيرة شذرة شعرية بفتافيت جسدٍ، يحيا على فيتامين الكلمات والإيحاء:
اأخي سعدي...
صدقت حينَ قلتَ في رسالتك المواسية: إنَّ الدموع لا يحقّ لها أنْ تترجمَ حياة... أو تترحّم على حياة... ثمّ صدقت أكثر حينَ قلت: الفجيعة سرّ... ولنْ يستطيع أن يفتحَ هذا السرّ إلّا الأصدقاء المتفردون بحساسيتهم ورهافة قلوبهم مثلك... شكرًا من القلب...!ب... (ص 283).
ومع كتاب اوتبقى شجرة الصداقة مثمرةًب للكاتبة الكبيرة د. سعاد الصباح، كنتُ في رحلةٍ، وكأنّني مكلفٌ بإحصاء وعدّ الأزهار والفراشات في حدائق الدنيا كلها... وأنا أعيش بينَ سطوره ربيع وقتي الذي فاتني، بلْ سرقهُ بعنادٍ وإصرارٍ، زمني المتوّج بالانكسارات والعذابات والهموم من كلّ صنفٍ ونوعٍ... وغربة - أفعى تلدغُ القلب بوقاحة!
هذا الكتاب كان لي - وأنا الكائن البيانيّ - أشبه بنهرٍ فتيّ هادرٍ، لهُ ورودهُ وعصافيرهُ ونسماته التي يفاخرُ بها كلّ ممالك الطبيعة والكون... الـسباحــة فـــيـهِ طربُ روحٍ، وانتشاءُ جسدٍ غير مسبوقٍ... وزرقة أمواجه تمنحك اللذة والمتعة - جوهر الجمال فيه، حيث تطلبُ المزيد من الوقتِ وأنت تتننقلُ من شاطئ إلى شاطئ! >
ترى الكاتبة في االصديقب هبةً، واالصداقةب ميناء السلام والسكينة، وكأنّي بها كانت الشاهد على الكاتب توماس جراي وهو يخطّ وصيّته بأصابع من وردٍ ومطر وريحان، أن يكتبَ على قبرهِ في الكنيسةِ الكاثوليكية: القدْ أعطاهُ اللهُ ما أراد، صديقًا من الأصدقاءب. وهي في شذرات كتابها الدافئة الإيقاع تتفجّر نثرًا حميميًا جميلًا وفي بلاغة ولُغة فاتنة تُعيدُ للروحِ عطرَ الأمان، وربيع التواصل، وهي ترى الأصدقاء: ايشبهون (دهن العود) كلّما مرّ بهِ الزمنُ، ومضتِ السنوات تعتّق وأصبح أطيبَ وأجودَب... (ص 7).
في اوتبقى شجرة الصداقة مثمرةب رسائل الأصدقاء لحظة محبة لا تشيخ، واالمحبة تنقذُ العالمَب، حسب جان ديفاس نياما، والكتابة عن الأصدقاء لحظة إنقاذ الكلمات من الانتحار... الكتابة تبقى! والكلماتُ لاتموت!
ذلك هو فِقهُ المحبة، وفقه الكتابة عن الأصدقاء، لدى الكاتبة الكبيرة، وليسَ هما السبب في طرب الروح وحسب، بلْ رقصة جسدٍ منتشٍ وهو يتنسمُ عطرًا في بستان العمر وأشجارهُ المثمرة أصدقاءُ حياةٍ... وموقفٍ... وقلم... وحُلمٍ مَن يعزفونَ نبض القلب بكلّ أنغام الحياة، حيث تصبح السعادة الأمنية شعورًا لا امتلاكًا واموطن السعادة الروحب، حسب شذرات فكر الكاتبة الصينية تشي لي.
اوتبقى شجرة الصداقة مثمرةب نوعٌ من الكتابة بقدر ما يحكّ على الجرحِ، يُبهج أيضًا، لحظة تنقية وتخليد للمشاعر... هذا الكاتب جان جانيه يذكرُ أنَّ دستوفسكي وهو يكتبُ روايته االإخوة كرامزوفب كان يبتسمُ، وسرعان ما جرفهُ الابتهاج والمرح فاستسلم له!
منجم ذهب العمر
الصداقة أيضًا لحظة إصغاء إلى القلب واحيث يوجد قلبك، يوجد كنزكب، حسب باولو كويلهو.
وأقرب الأصدقاء هبة الله، وزهرة الحياة، ومنجم ذهب العمر الصديق/ الزوج عبدالله المبارك، المواطن الكويتي الوفيّ، المنارة، والقنديل، والفارس، بلْ والملهم مَن اتطلّ صورته من علياء القصر الأبيض كصورةِ نسرٍ خرافيّب (ص 15) الصديق/ الزوج صاحب المآثر، المؤسّس الأول، وباني الكويت الحديثة، وهو يغرس أشجارَ الحداثةِ والحضارةِ والتقدمِ في تربة بلدهِ الخصبة - الكويت، وللتواريخ حديثها ذو الشجون في سيلٍ من الإنجازات الحضارية الإنسانية الكبيرة، وقد كانت ثمرة عقله وفكره... كلّ ضربة قدمٍ وخطوة نهارٍ مباركةٍ فوق تربة بلده مكّنتهُ من القيام بمهامّ كبرى في تسيير شؤون البلاد لتُسابقَ الزمن والمدن والأكوان... كان مثالًا للشخصية االكاريزماب المحتفى بهِ عربيًا ودوليًا... هو الصديق/ الزوج عبدالله المبارك وفترة حياة وعمر بين 1914 و1991وابين الولادة والوفاة نسجَ التاريخ حياة رجل ووطن وشعب، رجل حاول في فترة من أعقد مراحل تاريخ الكويت الحديث أنْ يخدمَ المُثُل العليا للأمة العربية، رجلٌ عصامي صنع نفسه، وساهمَ في صنع بلاده، وترك لقومهِ تراثًا يفاخرونَ بهِب... (ص19).
ورسالة الكاتبة الكبيرة للصديق/ الزوج، وهي تصوغ حروفَها من عناقيد ثمر شجرة الوفاء، بمنزلة درسٍ على سبّورةِ الوقتِ، ومأثورةٍ في ذاكرة الحياة: النتعلّم من الأمم كيف يصونون موتاهم، ولنتعلّم كيف يحفظون كبارهم في قارورةِ القلبب... (ص20).
وتتعدّد الرسائل وهي بطقس المزامير اللغوي الباذخ في تأمّلاته، والكاتبة الكبيرة تُعوّل على مفردات القصيدة، وتستلف كلّ ما بقي في اوادي عبقرب من مفردات الشِّعر وأخيلته وبلاغته في صوغ رسائل بعدَ الحميميةِ وبعدَ الصداقةِ وبعدَ الوفاء... وفي لغتها الفاتنة الماتعة تشكّل مزاميرَ جذبٍ ودهشة لكلّ كلمةٍ كتبها الجسدُ، وبإمضاء الروحِ التي تعيد صوغ وتؤرّخ في عطرها الذي لا ينفد لمبدأ وفلسفة شوبنهاور اأنا الآخرب، أو اأنا الآخرونب، على ضفة من ضفاف الحياة تزيّن أركانها حدائق الدفءِ والتواصل، واوستكون هذهِ اللغة من الروح إلى الروح، لغة تلخّص كلّ شيء... العطور والأصوات والألوانب حسب فقه رسالة الشاعر والرائي آرتور رامبو إلى بول دميني.
الرهان على الأصل
وتعظمُ لغة الرسائل وتفيضُ بلاغة، وهي تأخذ شكل أمنيّات وأحلام ملائكية، لا يوحي فسفور حروفها إلّا بصور الفراشات والورد وقطرات المطر وزهو الربيع، حين تكون لصديقٍ من نوع آخر... من لحم الروح، وأنين الرَّحمِ، ويختلف الأصدقاء في أخذ مواقعهم بمساحة القلب، كلٌّ لهُ مكانهُ الذي يليقُ به... وما يليق بالصديق/ الابن محمد لا يناسب غيره، ثورةَ محبة، وانتفاضةَ عطرِ حنانٍ، والكاتبة تذكّره بأنّ الانتماء إلى الأصل، بداية الطريق المضيء إلى الحقيقة: اأكتبُ لك هذهِ الرسالة باللغة العربية، لأؤكّد نقطة مهمة، وهي أنّ الحوار بين امرأة عربية وابنها يجب أنْ يكون باللغة العربية، وإلّا كان حوارًا زائفًا ومصطنعًاب...(ص33). وتفيض الرسائل للصديق/ الابن بمفردات التوجيه، بعيدًا عن سوط الأمر والنّهي، بحفيف أوراق شجرةٍ طموح، لكي يكونُ الرهان على الأصل هو الرابح والأساس، من دون التضحية أو إهمال التواصل مع العالم الواسع، افاللغة هي الوثيقة الوحيدة التي نحملها لإثبات هويتنا، وإثبات انتمائنا إلى أرضٍ ما... وشعبٍ ما... وحضارةٍ ماب... (ص34).
وهي اللغة نفسها بكامل فنون بلاغتها... وُمفردات ورؤى القصيدة الإنسانية التي مهّدت الطريق المضيء إلى الابن محمد، هي إلى أمنية وشيماء من دون أن يتخلّى الكلام الصباحيّ عن دفئهِ، وهو بعبق مطرٍ ليلي، حيث يفصح الكلام عن أسرار بلاغته وفصاحته من دون ترك أيّ خدشِ لذاكرة السامع، وإن بدا بحروفٍ كبيرة، لا يبتعدُ إيقاعها الحميمي عن أوركسترا قصيدة الحبّ والحياة والحرية والألفة والمستقبل: الا أحد يحرّر أحدًا، فالحرية من صنع الأحرار وحدهم... ولم يحدث في التاريخ أنّ شعبًا تحرّر بالمراسلة... أو أنّ امراةً تحرّرت بالتوسلات، وتقبيل الوجنات، وذرف الدموعب... (ص52).
مع د. سعاد الصباح لا تبدو الرسائل إلى الأصدقاء أدبًا فحسب، بل اميتافيزياء الكيان الإنسانيب! حين تأخذ بتقنية النثر - الشعري الباذخ في تعبيره الإيحائي الجمالي، ومن فارس الموقف... فارس المعرفة عبدالعزيز ملّا حسين... إلى صاحب تجليات العقل صالح محمد العجيري... إلى الشاعر المتميز محمد الفايز، يصبح لخيمةِ الكلام أوتاد ممتدة إلى شرايين الوطن حين يغدو الصديق هبة ًبحق، تحمل اسم شاعر الموقف والحنين والوفاء فائق عبدالجليل، مالئ سماء الكويت، وشاغل نهارات أهلها بعواطف الدفء والانتماء والوفاء، وهو يتحول إلى اقصيدة تمشي بقدمينب، وهو عنوان قصيدة - الوفاء إلى وطنه الكويت، فيما عاناه هذا المواطن المنتمي من طراز رفيع أثناء الغزو الصدامي لبلده الكويت، اختار الوطن، وقدّس حبَّهُ الذي يجهل بريقَ فسفور حروفهِ الطغاة والحكّام المستبدون.
فائق عبدالجليل، الشاعر الكبير ذهب بهِ حبّهُ لبلدهِ إلى اللاعودة، لكنّه حاز تذكرة وجائزة الوفاء، بلْ فردوس الخلود: القدْ قرّرَ أن يكونَ سحابة تسقينا من مطرها الشعريّ بين آنٍ وآخرب... (ص88).
طائرة الوفاء
وبراعة الانتقال النوعي الذي لا يفارق إيقاع حروفه ومهارته تقنية السرد وظلال القصيدة المتمردة على قوافيها، تطير الكاتبة الكبيرة على أجنحة من كريستال الإيحاء، ومن سماء الكويت الحافلة بكواكبَ تضيء لبعضها البعض، ولم يخفت بريقُها، إلى سماء العروبة، وتحط بها طائرة الوفاء في المطار الكونيّ الذي تغذي تربته بالأمان والدفء كلّ عربيّ قادمٍ وهو مثقل بهمومه وأحلامه وأفكاره في مصر العروبة... والبدء بالمحراب الآمن، بلْ والقديس الذي توزّعت معابده في أرواح القاصي والداني، سارق الشمس - جمال عبدالناصر: الم يحدث في التاريخ أن مات رجل، فظننا أنهُ أخذ معهُ الشمس والقمر والكواكب، وكلّ مصادر الإضاءة، وترك العالمَ في ظلمةٍ قوميةٍ شاملة إلّا جمال عبدالناصر.
امنذ أن تركنا هذا الرجل في 28 سبتمبر 1970 لم ترَ الأمة يومًا أبيض.
اخمسة عشر عامًا، والأرض تتشقّق عطشًا، والسنابل تنحني وجعًا، والعصافير تموت حزنًا، والبحرُ يستقيل احتجاجًا، والإنسان العربي تقوّسَ ظهره من شدة الألم والهوان، وشاخ في كلّ دقيقةٍ مئة عام...ب (ص 109).
والرسالة تستلف في تقنيتها كلّ مفردات وقوافي القصيدة المتمردة والثائرة... القصيدة/ الحلم المتلوّ بيقظةٍ مرعبة... وهي تدين الزمان والإنسان والمكان، ولا تتوسلُ الحياة أبدًا... قصيدة رثاء غير مسبوقة الوزن والقافية والكلمات والخيال، واحدة في رصاصها القاتل، وفوهتها وهدفها باتجاه الكلّ من دون استثناء: اإنَّ الإنسان العربي الغاضبَ أصبح موضة قديمة ومخلوقًا منقرضًا، حقنوه بعشرات العقاقير المخدرة، وقطعوا لسانه حتى لا يتكلم... وبتروا أصابعه حتى لا يكتب... واستأصلوا ذاكرته حتّى لا يُفكّرب! (ص110).
لا جرم أنَّ عبدالناصر الرجل/ القائد مؤسس من طراز رفيع للوعي والثورة والغضب، وهو يسقي المواطن العربي إكسير التمرّد وشروط الصلاة للحرية والكرامة والكبرياء، وهو يقتلع فيروس البلادة والسكون والتبعية: انعم... نعم بعد رحيل جمال عبدالناصر ألقي القبض على الشعب العربي... ولا يزال معتقلًا في السجن الانفرادي منذ خمسة عشر عامًا... ولا يزال التحقيق مستمرًاب (ص 110).
كتاب اوتبقى شجرة الصداقة مثمرةب بمنزلة ما يُسمّيه باولوكويلهو ابنك ردّ الجميلب: اأن تودعَ في حسابك لا ودائع نقدية، بلْ اتصالات وعلاقاتب (كتاب االظاهرب ص 48).
ومن الفضاء السياسي الرسمي العربي، حيث تأخذ الرسائل إلى الأصدقاء فضاءها الإبداعي الإنساني، الصورة الفوتوغرافية الناطقة للحياة والواقع العربي المعيش، تجسدهُ أقلام سفراء الكلمة والتعبير والإيحاء من نجيب محفوظ، سفير وعبقري الرواية، إلى إحسان عبدالقدوس، وفاء الحبّ وسلطة الكلمة، إلى ثروت عكاشة، حيث الثراء الثقافي والبندقية والريشة، إلى أحمد بهاء الدين، ماء الضمير ونار الثورة، إلى رجاء النقاش، والإبداع نقدًا... الفرسان الذين عاصرتهم الكاتبة/ الشاعرة، تعرّفت إليهم، وعاشت زمنهم الذهبي، وقِبلتها مصر العروبة، وهي التي تتلمذت على سحر وأسرار إبداعاتهم وسيرهم الخالدة... وفي مقدمة هؤلاء، أديب نوبل 1988 عبقري السرد والرواية العربية العالمي، نجيب محفوظ، الرمز والقيمة، وهو يرتفع بإبداعه الإنسانيّ الحضاري بالشخصية العربية، والاعتراف غير المشروط بأدبها وإبداعها وتاريخها وحضارتها عالميًا: اعندما تعطي الأكاديمية السويدية جائزتها لأستاذنا الكبير نجيب محفوظ، فكأنما أعطتها للعربِ جميعًا... إنني أؤكد على المعنى العربي للجائزةب (ص 119).
ونجيب محفوظ، الكاتب العربي الدم قبل أن يكون مصريًا، خرج بإبداعه السردي الإنسانيّ من الإقليمية والقومية إلى العالمية... لم يكتب تاريخ مصر وحسب، بل تاريخ العروبة مجتمعة: انجيب محفوظ هو الابن الشرعي لهذا الوطن العربي الممتد من الخليج إلى المحيطب (ص120).
ظلال القدّيسين
ولا تضلُّ أو تتوهُ بوصلة الكلمات، وماكنتها أصابع الكاتبة الكبيرة احتفاءً، وتخليدًا لِمَن مرّوا بظلال القدّيسين في دروب حياتها من الأصدقاء... ولمْ يكُنْ مرورهم طارئًا أبدًا، بل صاخبٌ صخبَ الكلماتِ مؤرّخٌ بطرب روحٍ ورعشة جسدٍ... ولا يبدو المرور تقليديًا حينما يكون بخطى الشعراء، ابتداءً من شاعر البحرين إبراهيم العرّيض إلى شاعر الرومانسية السعودية، ومالئ الليالي العربية حبًّا وعشقًا، وشاغل المحبين، الأمير عبدالله الفيصل، إلى الشاعر العربي الولادة والانتماء سلمان الفلّيح.
ومن بين هؤلاء كانت الرسالة للصديق تأخذ كيمياء شجرةٍ تزهو بأغصانها وثمارها وغناء عصافيرها، وهي لا تخطئ حروفها وكلماتها وعباراتها العنوان، وتكون للشاعر الكبير إبراهيم العرّيض:
اإبراهيم العرّيض شعلة أضاءت دربَ الشعر العربي، وأعطتنا صوتًا موسيقيًا رائعًا... فتحنا عيوننا على نشيده، وظلّ صوتهُ معناب (ص149).
اهناك لغة تتعدّى الكلماتب
(باولوكويلهو ذ االخيميائيب ص 37)!
حين تصبح كتابة الرسائل للأصدقاء على ورق أخضر، لما تفيضُ بهِ حروفها من أنغام/ أنشودة الحياة، ومَوسقة الكون، ولا تسعى لتغيير واقعٍ ما، عبر الكلمة الشاعرة، والخيال المنتج، بلْ تغيير العيون التي تراه!
ومن الأمير الحسن بن طلال، الوطني القومي العربي حتى النخاع، فكرًا وسلوكًا ومبادئ صلبة، لا أحد يساومه على صدقها وثباتها، إلى فلسطين الأمّ الثكلى، وهي تلدُ أطفالًا كبروا ولم يمروا - مرحين - في حدائق الطفولة، فهناك مَن حاربهم، وسلب منهم الطفولة، وعاقب فيهم البراءة، ودون أنْ يفهمَ لغة البراكين التي تفيض بها أرواحهم، وبقدر ما أوجعهم المحتل والغاصب، صنع منهم رجالًا بأرواح من الصوان، هويتهم الأرض التي لا تتعب من كثرة أشجار زيتونها وبرتقالها، وكتابة تاريخها... يحيى الفلسطيني ورفقاؤه أساتذة النضال/ أطفال الحجارة مَن يعبثون بماء العيون لرؤية جديدة لوطنٍ جديد، مثقلٍ بالصباح والفرح المؤجلين:
اماذا أحدثكم عن يحيى الفلسطيني؟
إنهُ سيّد كلّ الأطفال... وسيّدنا، إنهُ الفتى الجميل الذكي، الشجاع، الملهم، اللماح الذي جعلهُ اللهُ لنا، معلمًا وبشيرًاب... (ص 176).
والرسالة تراجع حبرها، وسطورها، ورسم حروفها مراتٍ ومراتٍ، حين تكون لـ ادينموب الصداقة الشعرية يوسف الخال، بداية الحداثة والتفجير في لغة الشعر والأدب والصحافة... حين تكون الرسالة إلى صديقٍ تلتقي معه الكاتبة شاعرًا مبدعًا، وتحتفي بهِ كاتبًا ومفجّرًا لأسلوب في الكتابة العربية، ومؤسّسًا لتيار جذب كبار نوابغ الشعراء من أدونيس إلى أنسي الحاج إلى محمد الماغوط وهو يحتضن أيضًا كبار الشعراء العرب من كلّ قطر في منبره الخالد مجلة شِعر التي أسسها عام 1957: امجلة شعر كانت انقلابًا شعريًا، زامنَ الانقلابات السياسية العربية التي حدثت في الخمسينياتب(ص193).
والرسالة البهيجة الحروف الراقصة الرؤى، حين يحملها ساعي البريد الافتراضي، هي لمؤرّخ وإعلامي وصحفي وسياسي، هو غسان تويني، الذي جمع بين الكلمة والفضاء السياسي في نزاهةٍ غير مسبوقةٍ... لا بدّ أن يتسلّم الرسالة مع باقة ورد وعلى طبقٍ من ذهب، فقط لتغيّر الدماء في شرايين مَن دخلوا السياسة من أبواب مقفلة ومجهولة في بيروت وغيرها من مدننا العربية، وهي على ضفاف يغمرها الضباب:
افي هذا البلد تعرّفتُ إلى أول دروس الحق والخير والجمال، فكرًا في حالة صراعٍ دائمٍ، وحيوية لا تهدأ في السعي من أجل بناء وطنٍ وإنسانب (ص 200).
إلى الشجاعة في شكلها الأسطوريّ، والنضال في لغةٍ بركانية أدهشت العدوّ والصديق معًا، حين تؤسّس فتاة الجنوب سناء محيدلي لزفافٍ غير مسبوق في طقوسه الكونيّة، وهي تُزفّ بكامل أناقتها وعطرها الذي لا ينفد إلى الوطن... إلى الأرض:
«جاءت سناء الجنوبية...
دخلت علينا سناء العربية بثوبها الكاكيّ المنقط، وشعرها الليلي المتناثر تحت قبعة حربية حمراء...
وابتسامتها الواثقة... لتدعو العالمَ إلى حضور حفلِ زفافها إلى الأرض» (ص 205).
أما حروف الرسالة وبلاغتها فسيكونان متحفزين قلقين... إنها في طريقها إلى دنيا شاعرٍ كبير، ظاهرة في شعرنا العربي... شاعر متفرد، لم يستلف من أحدٍ كلمة ولا رؤية، قاموس، بلْ منجم كلمات ورؤى، ملأ الدنيا وشغل الناس، قولًا جميلًا مستفِزًا، وفعلًا وانتماء صادقًا، بوّابة الإبداع الشعري التي مرّ من خلالها كثيرون أسلوبًا ولغة ورؤيةً... ظاهرة شعرية بحقّ أيقظت بياضَ الورق، في تحرُّشٍ مشروعٍ... كُتبت فيه أعظم الدراسات النقدية الرؤيوية... الشاعر الكبير نزار قباني وكفى...!
الرسالة للصديق نزار قباني لا تليق بهِ إلّا شعرًا، يوجع القلب حين يترجّل فارسه ذاهبًا إلى اللاعودة... وداخلًا في الغياب:
«يا صديقي على حدودِ الكبرياء
أبحثُ عن لغةٍ تكون على مستوى قامتك،
ولكنَك طويلٌ... طويلْ
واللغة قصيرة... قصيرة
يا مَن وسعت حقائبُ شعرهِ
الكونَ كلّه...
بشموسهِ... وأقمارهِ
وليلهِ... ونهارهِ
وغاباتهِ... وبحارهِ»... (ص 209).
ولا يعبثُ بأمواج بحار الكلمات، وهي تندلقُ من قريحة الكاتبة الكبيرة، وهي تحتفي وتؤرّخ لخُطى صديق، بل الأمس كان هنا، يقلق الأرض قصائد ثائرة متمردة... لا يعبث بأمواج بحر الكلمات الساحرة في زرقتها وأنغامها إلّا نوارسُ المحبة، وهي تفيض عليها بعطر أجنحة من ذهب.
المفكرون والأدباء
ومن الأصدقاء الشعراء إلى المفكّرين والمؤرخين الذينَ جمعوا بين الفكر والأدب، عبدالكريم غلّاب نورس الفكر والكفاح والنضال... إلى الحبيب الجنحاني، طائر الحرية، إلى محمود محمد طه، قائد مسيرة النضال والحرية، إلى الطيب صالح، رائد من روّاد السرد والرواية... ومن بين هؤلاء كانت الكلماتُ بعدَ الكلمات، وهي تكتبُ نفسها بنفسها، والرسالة من نوع االميتا - لغةب حين يذهب بها ساعي البريد الافتراضي إلى الطيب صالح:
اسعدتُ كثيرًا هذا الصباح، وأنا أقرأ (استراحة الخميس) التي حملت إلينا عطر كلمات الأديب الكبير الأستاذ الطيب صالح، في أوراق خصّ بها الكويت، بكلّ ما يحملهٌ صدرهُ من محبةٍ ووفاءٍب (ص 259).
ومن الأدباء والكتّاب والشعراء الأصدقاء الذين ألفت رسائلهم سِفرًا شائقًا، لا ليضاف إلى صفحاتِ التاريخ، أو يطرق أبوابه الدهرية خلسةً وفي غفلةٍ من الزمن المراوغ، بلْ ليكون هذا السِفر الجميل مرجعًا يستقي منهُ التاريخ ما فاته وغفل عنهُ من أحداث، ويجدّد ذاكرته كي لا يطالها صدأ النسيان... إلى رموز السياسة والفكر الذين جمعوا بين نزاهة السلطةِ والنضال الشاق، وهم يسعون إلى الرقيّ بشعوبهم، وصنع الحياة الآمنة لهم... من أنديرا غاندي، ضحية السلطة والنضال من دون مالٍ ولا عقارات، إلى أيقونة النضال والتضحية والصبر ونزاهة الفكر والسُّلطة، أعظم وأجمل وأصدق سجين في العالم، نيلسون مانديلا:
«هلْ يُمكن لأحدٍ أنْ يسجنَ الشمسَ سبعةً وعشرين عامًا؟
هلْ يُمكن لأحدٍ أنْ يحبسَ أمواجَ البحرِ في زجاجة؟
هلْ يُمكنُ لأحدٍ أنْ يطفئَ نار البرق ؟»... (ص 272).
وتختمُ الكاتبة/ الشاعرة الكبيرة سِفرها الشائق، ونثرها الشعريّ الخرافيّ المتفجّر في لغتهِ الفاتنة الماتعة الجاذبة برسائل القريبين والمحبين والأصدقاء، ليبدو عطرها باذخًا، وهو يفيضُ برائحة الدمِ وماء الرحم حينما تكون رسالة من الصديق/ الأب الكريم محمد صباح الصباح... ورسائل أخرى بكل تظاهرات المودّة والتواصل للرقيّ بمشروع ثقافي أو فكري أو إبداعي من دون أن تتخلّى مفرداتها وفنون بلاغتها عن الحميمية والشفافية والعمق في لقاءات تلوي عنق الزمن، لا تغيب ولا تشيخ، ومن هذه الرسائل على سبيل المثال لا الحصر االأمير خالد الفيصل، وسعدي يوسف، وعبدالرزاق البصير، وفيروز، وأحلام مستغانمي، وليلى الحر، ويوسف الخطيب، وعبدالحميد شومان، وعبدالله بشارة، وزليخة أبو ريشة... وغيرهمب.
ومن هذه الرسائل رسالة الشاعر الكبير سعدي يوسف: اأختي سعاد... يكبرُ العزاء كلّما ضاقت زاويته، كلما كانَ مطعنهُ أكثرَ مقتلًا... هلْ أقولُ لكِ إنني أسمعُ نحيبك؟ أي دموعٍ يحقّ لها أنْ تترجمَ حياة، أو تترحم على حياة، أو ترحم حياة؟ لنْ أقولَ أكثر... الفجيعة سرّ...!ب (ص 282).
وردّ الكاتبة ألكبيرة شذرة شعرية بفتافيت جسدٍ، يحيا على فيتامين الكلمات والإيحاء:
اأخي سعدي...
صدقت حينَ قلتَ في رسالتك المواسية: إنَّ الدموع لا يحقّ لها أنْ تترجمَ حياة... أو تترحّم على حياة... ثمّ صدقت أكثر حينَ قلت: الفجيعة سرّ... ولنْ يستطيع أن يفتحَ هذا السرّ إلّا الأصدقاء المتفردون بحساسيتهم ورهافة قلوبهم مثلك... شكرًا من القلب...!ب... (ص 283).
ومع كتاب اوتبقى شجرة الصداقة مثمرةًب للكاتبة الكبيرة د. سعاد الصباح، كنتُ في رحلةٍ، وكأنّني مكلفٌ بإحصاء وعدّ الأزهار والفراشات في حدائق الدنيا كلها... وأنا أعيش بينَ سطوره ربيع وقتي الذي فاتني، بلْ سرقهُ بعنادٍ وإصرارٍ، زمني المتوّج بالانكسارات والعذابات والهموم من كلّ صنفٍ ونوعٍ... وغربة - أفعى تلدغُ القلب بوقاحة!
هذا الكتاب كان لي - وأنا الكائن البيانيّ - أشبه بنهرٍ فتيّ هادرٍ، لهُ ورودهُ وعصافيرهُ ونسماته التي يفاخرُ بها كلّ ممالك الطبيعة والكون... الـسباحــة فـــيـهِ طربُ روحٍ، وانتشاءُ جسدٍ غير مسبوقٍ... وزرقة أمواجه تمنحك اللذة والمتعة - جوهر الجمال فيه، حيث تطلبُ المزيد من الوقتِ وأنت تتننقلُ من شاطئ إلى شاطئ! ■
د. سعاد الصباح