«وتبقى شجرةُ الصداقةِ مثمرةً» والكلمات شطآن اللانهاية!

«وتبقى شجرةُ الصداقةِ مثمرةً» والكلمات شطآن اللانهاية!

‮«‬الكلماتُ‭ ‬هيَ‭ ‬رموزٌ‭ ‬لذكرياتٍ‭ ‬مشتركة‮»‬‭! ‬

‭(‬بورخيس‭)‬

‮«‬إنَّ‭ ‬الكلمات‭ ‬الّتي‭ ‬لديّ‭ ‬قدْ‭ ‬تمرغتْ‭ ‬في‭ ‬مشاعرَ‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬كمْ‭ ‬عددها‮»‬‭! ‬

‭(‬سارتر‭)‬

الكاتبة‭ ‬والشاعرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬د‭. ‬سعاد‭ ‬الصباح‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬‮«‬وتبقى‭ ‬شجرة‭ ‬الصداقة‭ ‬مثمرة‮»‬*‭ ‬تتفجّرُ‭ ‬نثرًا‭ ‬خرافيًا‭ ‬بعدَ‭ ‬الكلماتِ‭ ‬وبعدَ‭ ‬الخيال،‭ ‬إذ‭ ‬‮«‬هناك‭ ‬جانبٌ‭ ‬من‭ ‬المرح‭ ‬أشعرُ‭ ‬بهِ‭ ‬عندما‭ ‬أقولُ‭ ‬تلك‭ ‬الكلمات‮»‬‭ - ‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬آن‭ ‬إنرايت‭... ‬وهيَ‭ ‬تغرسُ‭ ‬شجرة‭ ‬للصداقةِ‭ ‬ليست‭ ‬ككلّ‭ ‬الأشجار‭ ‬التي‭ ‬ترخصُ‭ ‬أغصانها‭ ‬وثمارها‭ ‬للرياح‭ ‬المداهمة‭... ‬هي‭ ‬شجرة‭ ‬بجذور‭ ‬الروح‭ ‬وفي‭ ‬أعماق‭ ‬تربةِ‭ ‬العمر‭ ‬والزمن‭ ‬النَّضرة،‭ ‬طالما‭ ‬توافرت‭ ‬شمسُ‭ ‬وأمطارُ‭ ‬المحبة‭ ‬والوفاء،‭ ‬فقط‭ ‬لتحظى‭ ‬بانتصار‭ ‬غير‭ ‬مسبوقٍ‭ ‬على‭ ‬الزمنِ،‭ ‬انتصار‭ ‬مخمليّ‭ ‬يمدّ‭ ‬لسانهُ‭ ‬ساخرًا‭ ‬من‭ ‬الهزيمة‭. ‬

‭ ‬والعمرُ‭ ‬والزمن‭ ‬تراهما‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬محطاتٍ‭ ‬مظلمة‭ ‬رطبة‭ ‬باردة،‭ ‬تفوتها‭ ‬كلّ‭ ‬قطارات‭ ‬الكون‭ ‬والدنيا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يوقد‭ ‬فيها‭ ‬مصباح‭ ‬أزليّ‭ ‬لصديقٍ،‭ ‬وتُتلى‭ ‬في‭ ‬أركانها‭ ‬وزواياها‭ ‬آيات‭ ‬الصداقة‭ ‬وتتدبّر‭ ‬فيها‭ ‬مزاميرُ‭ ‬الحُبّ‭.‬

ترى‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ ‬االصديقب‭ ‬هبةً،‭ ‬واالصداقةب‭ ‬ميناء‭ ‬السلام‭ ‬والسكينة،‭ ‬وكأنّي‭ ‬بها‭ ‬كانت‭ ‬الشاهد‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬توماس‭ ‬جراي‭ ‬وهو‭ ‬يخطّ‭ ‬وصيّته‭ ‬بأصابع‭ ‬من‭ ‬وردٍ‭ ‬ومطر‭ ‬وريحان،‭ ‬أن‭ ‬يكتبَ‭ ‬على‭ ‬قبرهِ‭ ‬في‭ ‬الكنيسةِ‭ ‬الكاثوليكية‭: ‬القدْ‭ ‬أعطاهُ‭ ‬اللهُ‭ ‬ما‭ ‬أراد،‭ ‬صديقًا‭ ‬من‭ ‬الأصدقاءب‭. ‬وهي‭ ‬في‭ ‬شذرات‭ ‬كتابها‭ ‬الدافئة‭ ‬الإيقاع‭ ‬تتفجّر‭ ‬نثرًا‭ ‬حميميًا‭ ‬جميلًا‭ ‬وفي‭ ‬بلاغة‭ ‬ولُغة‭ ‬فاتنة‭ ‬تُعيدُ‭ ‬للروحِ‭ ‬عطرَ‭ ‬الأمان،‭ ‬وربيع‭ ‬التواصل،‭ ‬وهي‭ ‬ترى‭ ‬الأصدقاء‭: ‬ايشبهون‭ (‬دهن‭ ‬العود‭) ‬كلّما‭ ‬مرّ‭ ‬بهِ‭ ‬الزمنُ،‭ ‬ومضتِ‭ ‬السنوات‭ ‬تعتّق‭ ‬وأصبح‭ ‬أطيبَ‭ ‬وأجودَب‭... (‬ص‭ ‬7‭).‬

‭ ‬في‭ ‬اوتبقى‭ ‬شجرة‭ ‬الصداقة‭ ‬مثمرةب‭ ‬رسائل‭ ‬الأصدقاء‭ ‬لحظة‭ ‬محبة‭ ‬لا‭ ‬تشيخ،‭ ‬واالمحبة‭ ‬تنقذُ‭ ‬العالمَب،‭ ‬حسب‭ ‬جان‭ ‬ديفاس‭ ‬نياما،‭ ‬والكتابة‭ ‬عن‭ ‬الأصدقاء‭ ‬لحظة‭ ‬إنقاذ‭ ‬الكلمات‭ ‬من‭ ‬الانتحار‭... ‬الكتابة‭ ‬تبقى‭! ‬والكلماتُ‭ ‬لاتموت‭!‬

‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬فِقهُ‭ ‬المحبة،‭ ‬وفقه‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬لدى‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وليسَ‭ ‬هما‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬طرب‭ ‬الروح‭ ‬وحسب،‭ ‬بلْ‭ ‬رقصة‭ ‬جسدٍ‭ ‬منتشٍ‭ ‬وهو‭ ‬يتنسمُ‭ ‬عطرًا‭ ‬في‭ ‬بستان‭ ‬العمر‭ ‬وأشجارهُ‭ ‬المثمرة‭ ‬أصدقاءُ‭ ‬حياةٍ‭... ‬وموقفٍ‭... ‬وقلم‭... ‬وحُلمٍ‭ ‬مَن‭ ‬يعزفونَ‭ ‬نبض‭ ‬القلب‭ ‬بكلّ‭ ‬أنغام‭ ‬الحياة،‭ ‬حيث‭ ‬تصبح‭ ‬السعادة‭ ‬الأمنية‭ ‬شعورًا‭ ‬لا‭ ‬امتلاكًا‭ ‬واموطن‭ ‬السعادة‭ ‬الروحب،‭ ‬حسب‭ ‬شذرات‭ ‬فكر‭ ‬الكاتبة‭ ‬الصينية‭ ‬تشي‭ ‬لي‭.‬

اوتبقى‭ ‬شجرة‭ ‬الصداقة‭ ‬مثمرةب‭ ‬نوعٌ‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يحكّ‭ ‬على‭ ‬الجرحِ،‭ ‬يُبهج‭ ‬أيضًا،‭ ‬لحظة‭ ‬تنقية‭ ‬وتخليد‭ ‬للمشاعر‭... ‬هذا‭ ‬الكاتب‭ ‬جان‭ ‬جانيه‭ ‬يذكرُ‭ ‬أنَّ‭ ‬دستوفسكي‭ ‬وهو‭ ‬يكتبُ‭ ‬روايته‭ ‬االإخوة‭ ‬كرامزوفب‭ ‬كان‭ ‬يبتسمُ،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬جرفهُ‭ ‬الابتهاج‭ ‬والمرح‭ ‬فاستسلم‭ ‬له‭!‬

 

منجم‭ ‬ذهب‭ ‬العمر

‭ ‬الصداقة‭ ‬أيضًا‭ ‬لحظة‭ ‬إصغاء‭ ‬إلى‭ ‬القلب‭ ‬واحيث‭ ‬يوجد‭ ‬قلبك،‭ ‬يوجد‭ ‬كنزكب،‭ ‬حسب‭ ‬باولو‭ ‬كويلهو‭.‬

وأقرب‭ ‬الأصدقاء‭ ‬هبة‭ ‬الله،‭ ‬وزهرة‭ ‬الحياة،‭ ‬ومنجم‭ ‬ذهب‭ ‬العمر‭ ‬الصديق‭/ ‬الزوج‭ ‬عبدالله‭ ‬المبارك،‭ ‬المواطن‭ ‬الكويتي‭ ‬الوفيّ،‭ ‬المنارة،‭ ‬والقنديل،‭ ‬والفارس،‭ ‬بلْ‭ ‬والملهم‭ ‬مَن‭ ‬اتطلّ‭ ‬صورته‭ ‬من‭ ‬علياء‭ ‬القصر‭ ‬الأبيض‭ ‬كصورةِ‭ ‬نسرٍ‭ ‬خرافيّب‭ (‬ص‭ ‬15‭) ‬الصديق‭/ ‬الزوج‭ ‬صاحب‭ ‬المآثر،‭ ‬المؤسّس‭ ‬الأول،‭ ‬وباني‭ ‬الكويت‭ ‬الحديثة،‭ ‬وهو‭ ‬يغرس‭ ‬أشجارَ‭ ‬الحداثةِ‭ ‬والحضارةِ‭ ‬والتقدمِ‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬بلدهِ‭ ‬الخصبة‭ - ‬الكويت،‭ ‬وللتواريخ‭ ‬حديثها‭ ‬ذو‭ ‬الشجون‭ ‬في‭ ‬سيلٍ‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬الحضارية‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬ثمرة‭ ‬عقله‭ ‬وفكره‭... ‬كلّ‭ ‬ضربة‭ ‬قدمٍ‭ ‬وخطوة‭ ‬نهارٍ‭ ‬مباركةٍ‭ ‬فوق‭ ‬تربة‭ ‬بلده‭ ‬مكّنتهُ‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بمهامّ‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭ ‬لتُسابقَ‭ ‬الزمن‭ ‬والمدن‭ ‬والأكوان‭... ‬كان‭ ‬مثالًا‭ ‬للشخصية‭ ‬االكاريزماب‭ ‬المحتفى‭ ‬بهِ‭ ‬عربيًا‭ ‬ودوليًا‭... ‬هو‭ ‬الصديق‭/ ‬الزوج‭ ‬عبدالله‭ ‬المبارك‭ ‬وفترة‭ ‬حياة‭ ‬وعمر‭ ‬بين‭ ‬1914‭ ‬و1991وابين‭ ‬الولادة‭ ‬والوفاة‭ ‬نسجَ‭ ‬التاريخ‭ ‬حياة‭ ‬رجل‭ ‬ووطن‭ ‬وشعب،‭ ‬رجل‭ ‬حاول‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬أعقد‭ ‬مراحل‭ ‬تاريخ‭ ‬الكويت‭ ‬الحديث‭ ‬أنْ‭ ‬يخدمَ‭ ‬المُثُل‭ ‬العليا‭ ‬للأمة‭ ‬العربية،‭ ‬رجلٌ‭ ‬عصامي‭ ‬صنع‭ ‬نفسه،‭ ‬وساهمَ‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬بلاده،‭ ‬وترك‭ ‬لقومهِ‭ ‬تراثًا‭ ‬يفاخرونَ‭ ‬بهِب‭... (‬ص19‭). ‬

‭ ‬ورسالة‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬للصديق‭/ ‬الزوج،‭ ‬وهي‭ ‬تصوغ‭ ‬حروفَها‭ ‬من‭ ‬عناقيد‭ ‬ثمر‭ ‬شجرة‭ ‬الوفاء،‭ ‬بمنزلة‭ ‬درسٍ‭ ‬على‭ ‬سبّورةِ‭ ‬الوقتِ،‭ ‬ومأثورةٍ‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الحياة‭: ‬النتعلّم‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬كيف‭ ‬يصونون‭ ‬موتاهم،‭ ‬ولنتعلّم‭ ‬كيف‭ ‬يحفظون‭ ‬كبارهم‭ ‬في‭ ‬قارورةِ‭ ‬القلبب‭... (‬ص20‭).‬

وتتعدّد‭ ‬الرسائل‭ ‬وهي‭ ‬بطقس‭ ‬المزامير‭ ‬اللغوي‭ ‬الباذخ‭ ‬في‭ ‬تأمّلاته،‭ ‬والكاتبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬تُعوّل‭ ‬على‭ ‬مفردات‭ ‬القصيدة،‭ ‬وتستلف‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬اوادي‭ ‬عبقرب‭ ‬من‭ ‬مفردات‭ ‬الشِّعر‭ ‬وأخيلته‭ ‬وبلاغته‭ ‬في‭ ‬صوغ‭ ‬رسائل‭ ‬بعدَ‭ ‬الحميميةِ‭ ‬وبعدَ‭ ‬الصداقةِ‭ ‬وبعدَ‭ ‬الوفاء‭... ‬وفي‭ ‬لغتها‭ ‬الفاتنة‭ ‬الماتعة‭ ‬تشكّل‭ ‬مزاميرَ‭ ‬جذبٍ‭ ‬ودهشة‭ ‬لكلّ‭ ‬كلمةٍ‭ ‬كتبها‭ ‬الجسدُ،‭ ‬وبإمضاء‭ ‬الروحِ‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬صوغ‭ ‬وتؤرّخ‭ ‬في‭ ‬عطرها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينفد‭ ‬لمبدأ‭ ‬وفلسفة‭ ‬شوبنهاور‭ ‬اأنا‭ ‬الآخرب،‭ ‬أو‭ ‬اأنا‭ ‬الآخرونب،‭ ‬على‭ ‬ضفة‭ ‬من‭ ‬ضفاف‭ ‬الحياة‭ ‬تزيّن‭ ‬أركانها‭ ‬حدائق‭ ‬الدفءِ‭ ‬والتواصل،‭ ‬واوستكون‭ ‬هذهِ‭ ‬اللغة‭ ‬من‭ ‬الروح‭ ‬إلى‭ ‬الروح،‭ ‬لغة‭ ‬تلخّص‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭... ‬العطور‭ ‬والأصوات‭ ‬والألوانب‭ ‬حسب‭ ‬فقه‭ ‬رسالة‭ ‬الشاعر‭ ‬والرائي‭ ‬آرتور‭ ‬رامبو‭ ‬إلى‭ ‬بول‭ ‬دميني‭.‬

‭ ‬

الرهان‭ ‬على‭ ‬الأصل

وتعظمُ‭ ‬لغة‭ ‬الرسائل‭ ‬وتفيضُ‭ ‬بلاغة،‭ ‬وهي‭ ‬تأخذ‭ ‬شكل‭ ‬أمنيّات‭ ‬وأحلام‭ ‬ملائكية،‭ ‬لا‭ ‬يوحي‭ ‬فسفور‭ ‬حروفها‭ ‬إلّا‭ ‬بصور‭ ‬الفراشات‭ ‬والورد‭ ‬وقطرات‭ ‬المطر‭ ‬وزهو‭ ‬الربيع،‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬لصديقٍ‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭... ‬من‭ ‬لحم‭ ‬الروح،‭ ‬وأنين‭ ‬الرَّحمِ،‭ ‬ويختلف‭ ‬الأصدقاء‭ ‬في‭ ‬أخذ‭ ‬مواقعهم‭ ‬بمساحة‭ ‬القلب،‭ ‬كلٌّ‭ ‬لهُ‭ ‬مكانهُ‭ ‬الذي‭ ‬يليقُ‭ ‬به‭... ‬وما‭ ‬يليق‭ ‬بالصديق‭/ ‬الابن‭ ‬محمد‭ ‬لا‭ ‬يناسب‭ ‬غيره،‭ ‬ثورةَ‭ ‬محبة،‭ ‬وانتفاضةَ‭ ‬عطرِ‭ ‬حنانٍ،‭ ‬والكاتبة‭ ‬تذكّره‭ ‬بأنّ‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الأصل،‭ ‬بداية‭ ‬الطريق‭ ‬المضيء‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة‭: ‬اأكتبُ‭ ‬لك‭ ‬هذهِ‭ ‬الرسالة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬لأؤكّد‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة،‭ ‬وهي‭ ‬أنّ‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬امرأة‭ ‬عربية‭ ‬وابنها‭ ‬يجب‭ ‬أنْ‭ ‬يكون‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وإلّا‭ ‬كان‭ ‬حوارًا‭ ‬زائفًا‭ ‬ومصطنعًاب‭...(‬ص33‭). ‬وتفيض‭ ‬الرسائل‭ ‬للصديق‭/ ‬الابن‭ ‬بمفردات‭ ‬التوجيه،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬سوط‭ ‬الأمر‭ ‬والنّهي،‭ ‬بحفيف‭ ‬أوراق‭ ‬شجرةٍ‭ ‬طموح،‭ ‬لكي‭ ‬يكونُ‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬الأصل‭ ‬هو‭ ‬الرابح‭ ‬والأساس،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التضحية‭ ‬أو‭ ‬إهمال‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الواسع،‭ ‬افاللغة‭ ‬هي‭ ‬الوثيقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬نحملها‭ ‬لإثبات‭ ‬هويتنا،‭ ‬وإثبات‭ ‬انتمائنا‭ ‬إلى‭ ‬أرضٍ‭ ‬ما‭... ‬وشعبٍ‭ ‬ما‭... ‬وحضارةٍ‭ ‬ماب‭... (‬ص34‭).‬

وهي‭ ‬اللغة‭ ‬نفسها‭ ‬بكامل‭ ‬فنون‭ ‬بلاغتها‭... ‬وُمفردات‭ ‬ورؤى‭ ‬القصيدة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬مهّدت‭ ‬الطريق‭ ‬المضيء‭ ‬إلى‭ ‬الابن‭ ‬محمد،‭ ‬هي‭ ‬إلى‭ ‬أمنية‭ ‬وشيماء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتخلّى‭ ‬الكلام‭ ‬الصباحيّ‭ ‬عن‭ ‬دفئهِ،‭ ‬وهو‭ ‬بعبق‭ ‬مطرٍ‭ ‬ليلي،‭ ‬حيث‭ ‬يفصح‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬أسرار‭ ‬بلاغته‭ ‬وفصاحته‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ترك‭ ‬أيّ‭ ‬خدشِ‭ ‬لذاكرة‭ ‬السامع،‭ ‬وإن‭ ‬بدا‭ ‬بحروفٍ‭ ‬كبيرة،‭ ‬لا‭ ‬يبتعدُ‭ ‬إيقاعها‭ ‬الحميمي‭ ‬عن‭ ‬أوركسترا‭ ‬قصيدة‭ ‬الحبّ‭ ‬والحياة‭ ‬والحرية‭ ‬والألفة‭ ‬والمستقبل‭: ‬الا‭ ‬أحد‭ ‬يحرّر‭ ‬أحدًا،‭ ‬فالحرية‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الأحرار‭ ‬وحدهم‭... ‬ولم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬أنّ‭ ‬شعبًا‭ ‬تحرّر‭ ‬بالمراسلة‭... ‬أو‭ ‬أنّ‭ ‬امراةً‭ ‬تحرّرت‭ ‬بالتوسلات،‭ ‬وتقبيل‭ ‬الوجنات،‭ ‬وذرف‭ ‬الدموعب‭... (‬ص52‭).‬

مع‭ ‬د‭. ‬سعاد‭ ‬الصباح‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬الرسائل‭ ‬إلى‭ ‬الأصدقاء‭ ‬أدبًا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬اميتافيزياء‭ ‬الكيان‭ ‬الإنسانيب‭! ‬حين‭ ‬تأخذ‭ ‬بتقنية‭ ‬النثر‭ - ‬الشعري‭ ‬الباذخ‭ ‬في‭ ‬تعبيره‭ ‬الإيحائي‭ ‬الجمالي،‭ ‬ومن‭ ‬فارس‭ ‬الموقف‭... ‬فارس‭ ‬المعرفة‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬ملّا‭ ‬حسين‭... ‬إلى‭ ‬صاحب‭ ‬تجليات‭ ‬العقل‭ ‬صالح‭ ‬محمد‭ ‬العجيري‭... ‬إلى‭ ‬الشاعر‭ ‬المتميز‭ ‬محمد‭ ‬الفايز،‭ ‬يصبح‭ ‬لخيمةِ‭ ‬الكلام‭ ‬أوتاد‭ ‬ممتدة‭ ‬إلى‭ ‬شرايين‭ ‬الوطن‭ ‬حين‭ ‬يغدو‭ ‬الصديق‭ ‬هبة‭ ‬ًبحق،‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬شاعر‭ ‬الموقف‭ ‬والحنين‭ ‬والوفاء‭ ‬فائق‭ ‬عبدالجليل،‭ ‬مالئ‭ ‬سماء‭ ‬الكويت،‭ ‬وشاغل‭ ‬نهارات‭ ‬أهلها‭ ‬بعواطف‭ ‬الدفء‭ ‬والانتماء‭ ‬والوفاء،‭ ‬وهو‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬اقصيدة‭ ‬تمشي‭ ‬بقدمينب،‭ ‬وهو‭ ‬عنوان‭ ‬قصيدة‭ - ‬الوفاء‭ ‬إلى‭ ‬وطنه‭ ‬الكويت،‭ ‬فيما‭ ‬عاناه‭ ‬هذا‭ ‬المواطن‭ ‬المنتمي‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬رفيع‭ ‬أثناء‭ ‬الغزو‭ ‬الصدامي‭ ‬لبلده‭ ‬الكويت،‭ ‬اختار‭ ‬الوطن،‭ ‬وقدّس‭ ‬حبَّهُ‭ ‬الذي‭ ‬يجهل‭ ‬بريقَ‭ ‬فسفور‭ ‬حروفهِ‭ ‬الطغاة‭ ‬والحكّام‭ ‬المستبدون‭.‬

فائق‭ ‬عبدالجليل،‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬ذهب‭ ‬بهِ‭ ‬حبّهُ‭ ‬لبلدهِ‭ ‬إلى‭ ‬اللاعودة،‭ ‬لكنّه‭ ‬حاز‭ ‬تذكرة‭ ‬وجائزة‭ ‬الوفاء،‭ ‬بلْ‭ ‬فردوس‭ ‬الخلود‭: ‬القدْ‭ ‬قرّرَ‭ ‬أن‭ ‬يكونَ‭ ‬سحابة‭ ‬تسقينا‭ ‬من‭ ‬مطرها‭ ‬الشعريّ‭ ‬بين‭ ‬آنٍ‭ ‬وآخرب‭... (‬ص88‭).‬

 

طائرة‭ ‬الوفاء

‭ ‬وبراعة‭ ‬الانتقال‭ ‬النوعي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفارق‭ ‬إيقاع‭ ‬حروفه‭ ‬ومهارته‭ ‬تقنية‭ ‬السرد‭ ‬وظلال‭ ‬القصيدة‭ ‬المتمردة‭ ‬على‭ ‬قوافيها،‭ ‬تطير‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬على‭ ‬أجنحة‭ ‬من‭ ‬كريستال‭ ‬الإيحاء،‭ ‬ومن‭ ‬سماء‭ ‬الكويت‭ ‬الحافلة‭ ‬بكواكبَ‭ ‬تضيء‭ ‬لبعضها‭ ‬البعض،‭ ‬ولم‭ ‬يخفت‭ ‬بريقُها،‭ ‬إلى‭ ‬سماء‭ ‬العروبة،‭ ‬وتحط‭ ‬بها‭ ‬طائرة‭ ‬الوفاء‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬الكونيّ‭ ‬الذي‭ ‬تغذي‭ ‬تربته‭ ‬بالأمان‭ ‬والدفء‭ ‬كلّ‭ ‬عربيّ‭ ‬قادمٍ‭ ‬وهو‭ ‬مثقل‭ ‬بهمومه‭ ‬وأحلامه‭ ‬وأفكاره‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬العروبة‭... ‬والبدء‭ ‬بالمحراب‭ ‬الآمن،‭ ‬بلْ‭ ‬والقديس‭ ‬الذي‭ ‬توزّعت‭ ‬معابده‭ ‬في‭ ‬أرواح‭ ‬القاصي‭ ‬والداني،‭ ‬سارق‭ ‬الشمس‭ - ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭: ‬الم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬مات‭ ‬رجل،‭ ‬فظننا‭ ‬أنهُ‭ ‬أخذ‭ ‬معهُ‭ ‬الشمس‭ ‬والقمر‭ ‬والكواكب،‭ ‬وكلّ‭ ‬مصادر‭ ‬الإضاءة،‭ ‬وترك‭ ‬العالمَ‭ ‬في‭ ‬ظلمةٍ‭ ‬قوميةٍ‭ ‬شاملة‭ ‬إلّا‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭.‬

‭ ‬امنذ‭ ‬أن‭ ‬تركنا‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬سبتمبر‭ ‬1970‭ ‬لم‭ ‬ترَ‭ ‬الأمة‭ ‬يومًا‭ ‬أبيض‭.‬

اخمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬والأرض‭ ‬تتشقّق‭ ‬عطشًا،‭ ‬والسنابل‭ ‬تنحني‭ ‬وجعًا،‭ ‬والعصافير‭ ‬تموت‭ ‬حزنًا،‭ ‬والبحرُ‭ ‬يستقيل‭ ‬احتجاجًا،‭ ‬والإنسان‭ ‬العربي‭ ‬تقوّسَ‭ ‬ظهره‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الألم‭ ‬والهوان،‭ ‬وشاخ‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬دقيقةٍ‭ ‬مئة‭ ‬عام‭...‬ب‭ (‬ص‭ ‬109‭).‬

والرسالة‭ ‬تستلف‭ ‬في‭ ‬تقنيتها‭ ‬كلّ‭ ‬مفردات‭ ‬وقوافي‭ ‬القصيدة‭ ‬المتمردة‭ ‬والثائرة‭... ‬القصيدة‭/ ‬الحلم‭ ‬المتلوّ‭ ‬بيقظةٍ‭ ‬مرعبة‭... ‬وهي‭ ‬تدين‭ ‬الزمان‭ ‬والإنسان‭ ‬والمكان،‭ ‬ولا‭ ‬تتوسلُ‭ ‬الحياة‭ ‬أبدًا‭... ‬قصيدة‭ ‬رثاء‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬الوزن‭ ‬والقافية‭ ‬والكلمات‭ ‬والخيال،‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬رصاصها‭ ‬القاتل،‭ ‬وفوهتها‭ ‬وهدفها‭ ‬باتجاه‭ ‬الكلّ‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭: ‬اإنَّ‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬الغاضبَ‭ ‬أصبح‭ ‬موضة‭ ‬قديمة‭ ‬ومخلوقًا‭ ‬منقرضًا،‭ ‬حقنوه‭ ‬بعشرات‭ ‬العقاقير‭ ‬المخدرة،‭ ‬وقطعوا‭ ‬لسانه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتكلم‭... ‬وبتروا‭ ‬أصابعه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكتب‭... ‬واستأصلوا‭ ‬ذاكرته‭ ‬حتّى‭ ‬لا‭ ‬يُفكّرب‭! (‬ص110‭).‬

  ‬لا‭ ‬جرم‭ ‬أنَّ‭ ‬عبدالناصر‭ ‬الرجل‭/ ‬القائد‭ ‬مؤسس‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬رفيع‭ ‬للوعي‭ ‬والثورة‭ ‬والغضب،‭ ‬وهو‭ ‬يسقي‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬إكسير‭ ‬التمرّد‭ ‬وشروط‭ ‬الصلاة‭ ‬للحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والكبرياء،‭ ‬وهو‭ ‬يقتلع‭ ‬فيروس‭ ‬البلادة‭ ‬والسكون‭ ‬والتبعية‭: ‬انعم‭... ‬نعم‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬ألقي‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭... ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬معتقلًا‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬الانفرادي‭ ‬منذ‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا‭... ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬التحقيق‭ ‬مستمرًاب‭ (‬ص‭ ‬110‭). ‬

‭ ‬كتاب‭ ‬اوتبقى‭ ‬شجرة‭ ‬الصداقة‭ ‬مثمرةب‭ ‬بمنزلة‭ ‬ما‭ ‬يُسمّيه‭ ‬باولوكويلهو‭ ‬ابنك‭ ‬ردّ‭ ‬الجميلب‭: ‬اأن‭ ‬تودعَ‭ ‬في‭ ‬حسابك‭ ‬لا‭ ‬ودائع‭ ‬نقدية،‭ ‬بلْ‭ ‬اتصالات‭ ‬وعلاقاتب‭ (‬كتاب‭ ‬االظاهرب‭ ‬ص‭ ‬48‭).‬

‭ ‬ومن‭ ‬الفضاء‭ ‬السياسي‭ ‬الرسمي‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬تأخذ‭ ‬الرسائل‭ ‬إلى‭ ‬الأصدقاء‭ ‬فضاءها‭ ‬الإبداعي‭ ‬الإنساني،‭ ‬الصورة‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬الناطقة‭ ‬للحياة‭ ‬والواقع‭ ‬العربي‭ ‬المعيش،‭ ‬تجسدهُ‭ ‬أقلام‭ ‬سفراء‭ ‬الكلمة‭ ‬والتعبير‭ ‬والإيحاء‭ ‬من‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬سفير‭ ‬وعبقري‭ ‬الرواية،‭ ‬إلى‭ ‬إحسان‭ ‬عبدالقدوس،‭ ‬وفاء‭ ‬الحبّ‭ ‬وسلطة‭ ‬الكلمة،‭ ‬إلى‭ ‬ثروت‭ ‬عكاشة،‭ ‬حيث‭ ‬الثراء‭ ‬الثقافي‭ ‬والبندقية‭ ‬والريشة،‭ ‬إلى‭ ‬أحمد‭ ‬بهاء‭ ‬الدين،‭ ‬ماء‭ ‬الضمير‭ ‬ونار‭ ‬الثورة،‭ ‬إلى‭ ‬رجاء‭ ‬النقاش،‭ ‬والإبداع‭ ‬نقدًا‭... ‬الفرسان‭ ‬الذين‭ ‬عاصرتهم‭ ‬الكاتبة‭/ ‬الشاعرة،‭ ‬تعرّفت‭ ‬إليهم،‭ ‬وعاشت‭ ‬زمنهم‭ ‬الذهبي،‭ ‬وقِبلتها‭ ‬مصر‭ ‬العروبة،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تتلمذت‭ ‬على‭ ‬سحر‭ ‬وأسرار‭ ‬إبداعاتهم‭ ‬وسيرهم‭ ‬الخالدة‭... ‬وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬هؤلاء،‭ ‬أديب‭ ‬نوبل‭ ‬1988‭ ‬عبقري‭ ‬السرد‭ ‬والرواية‭ ‬العربية‭ ‬العالمي،‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬الرمز‭ ‬والقيمة،‭ ‬وهو‭ ‬يرتفع‭ ‬بإبداعه‭ ‬الإنسانيّ‭ ‬الحضاري‭ ‬بالشخصية‭ ‬العربية،‭ ‬والاعتراف‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭ ‬بأدبها‭ ‬وإبداعها‭ ‬وتاريخها‭ ‬وحضارتها‭ ‬عالميًا‭: ‬اعندما‭ ‬تعطي‭ ‬الأكاديمية‭ ‬السويدية‭ ‬جائزتها‭ ‬لأستاذنا‭ ‬الكبير‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬فكأنما‭ ‬أعطتها‭ ‬للعربِ‭ ‬جميعًا‭... ‬إنني‭ ‬أؤكد‭ ‬على‭ ‬المعنى‭ ‬العربي‭ ‬للجائزةب‭ (‬ص‭ ‬119‭).‬

‭ ‬ونجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬الكاتب‭ ‬العربي‭ ‬الدم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصريًا،‭ ‬خرج‭ ‬بإبداعه‭ ‬السردي‭ ‬الإنسانيّ‭ ‬من‭ ‬الإقليمية‭ ‬والقومية‭ ‬إلى‭ ‬العالمية‭... ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬تاريخ‭ ‬العروبة‭ ‬مجتمعة‭: ‬انجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬هو‭ ‬الابن‭ ‬الشرعي‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الممتد‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬إلى‭ ‬المحيطب‭ (‬ص120‭).‬

 

ظلال‭ ‬القدّيسين

‭ ‬ولا‭ ‬تضلُّ‭ ‬أو‭ ‬تتوهُ‭ ‬بوصلة‭ ‬الكلمات،‭ ‬وماكنتها‭ ‬أصابع‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬احتفاءً،‭ ‬وتخليدًا‭ ‬لِمَن‭ ‬مرّوا‭ ‬بظلال‭ ‬القدّيسين‭ ‬في‭ ‬دروب‭ ‬حياتها‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭... ‬ولمْ‭ ‬يكُنْ‭ ‬مرورهم‭ ‬طارئًا‭ ‬أبدًا،‭ ‬بل‭ ‬صاخبٌ‭ ‬صخبَ‭ ‬الكلماتِ‭ ‬مؤرّخٌ‭ ‬بطرب‭ ‬روحٍ‭ ‬ورعشة‭ ‬جسدٍ‭... ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬المرور‭ ‬تقليديًا‭ ‬حينما‭ ‬يكون‭ ‬بخطى‭ ‬الشعراء،‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬شاعر‭ ‬البحرين‭ ‬إبراهيم‭ ‬العرّيض‭ ‬إلى‭ ‬شاعر‭ ‬الرومانسية‭ ‬السعودية،‭ ‬ومالئ‭ ‬الليالي‭ ‬العربية‭ ‬حبًّا‭ ‬وعشقًا،‭ ‬وشاغل‭ ‬المحبين،‭ ‬الأمير‭ ‬عبدالله‭ ‬الفيصل،‭ ‬إلى‭ ‬الشاعر‭ ‬العربي‭ ‬الولادة‭ ‬والانتماء‭ ‬سلمان‭ ‬الفلّيح‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانت‭ ‬الرسالة‭ ‬للصديق‭ ‬تأخذ‭ ‬كيمياء‭ ‬شجرةٍ‭ ‬تزهو‭ ‬بأغصانها‭ ‬وثمارها‭ ‬وغناء‭ ‬عصافيرها،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تخطئ‭ ‬حروفها‭ ‬وكلماتها‭ ‬وعباراتها‭ ‬العنوان،‭ ‬وتكون‭ ‬للشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬إبراهيم‭ ‬العرّيض‭:‬

اإبراهيم‭ ‬العرّيض‭ ‬شعلة‭ ‬أضاءت‭ ‬دربَ‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬وأعطتنا‭ ‬صوتًا‭ ‬موسيقيًا‭ ‬رائعًا‭... ‬فتحنا‭ ‬عيوننا‭ ‬على‭ ‬نشيده،‭ ‬وظلّ‭ ‬صوتهُ‭ ‬معناب‭ (‬ص149‭).‬

اهناك‭ ‬لغة‭ ‬تتعدّى‭ ‬الكلماتب‭ ‬

‭(‬باولوكويلهو‭ ‬ذ‭ ‬االخيميائيب‭ ‬ص‭ ‬37‭)!‬

حين‭ ‬تصبح‭ ‬كتابة‭ ‬الرسائل‭ ‬للأصدقاء‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬أخضر،‭ ‬لما‭ ‬تفيضُ‭ ‬بهِ‭ ‬حروفها‭ ‬من‭ ‬أنغام‭/ ‬أنشودة‭ ‬الحياة،‭ ‬ومَوسقة‭ ‬الكون،‭ ‬ولا‭ ‬تسعى‭ ‬لتغيير‭ ‬واقعٍ‭ ‬ما،‭ ‬عبر‭ ‬الكلمة‭ ‬الشاعرة،‭ ‬والخيال‭ ‬المنتج،‭ ‬بلْ‭ ‬تغيير‭ ‬العيون‭ ‬التي‭ ‬تراه‭!‬

ومن‭ ‬الأمير‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬طلال،‭ ‬الوطني‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬حتى‭ ‬النخاع،‭ ‬فكرًا‭ ‬وسلوكًا‭ ‬ومبادئ‭ ‬صلبة،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يساومه‭ ‬على‭ ‬صدقها‭ ‬وثباتها،‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬الأمّ‭ ‬الثكلى،‭ ‬وهي‭ ‬تلدُ‭ ‬أطفالًا‭ ‬كبروا‭ ‬ولم‭ ‬يمروا‭ - ‬مرحين‭ - ‬في‭ ‬حدائق‭ ‬الطفولة،‭ ‬فهناك‭ ‬مَن‭ ‬حاربهم،‭ ‬وسلب‭ ‬منهم‭ ‬الطفولة،‭ ‬وعاقب‭ ‬فيهم‭ ‬البراءة،‭ ‬ودون‭ ‬أنْ‭ ‬يفهمَ‭ ‬لغة‭ ‬البراكين‭ ‬التي‭ ‬تفيض‭ ‬بها‭ ‬أرواحهم،‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬أوجعهم‭ ‬المحتل‭ ‬والغاصب،‭ ‬صنع‭ ‬منهم‭ ‬رجالًا‭ ‬بأرواح‭ ‬من‭ ‬الصوان،‭ ‬هويتهم‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتعب‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬أشجار‭ ‬زيتونها‭ ‬وبرتقالها،‭ ‬وكتابة‭ ‬تاريخها‭... ‬يحيى‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ورفقاؤه‭ ‬أساتذة‭ ‬النضال‭/ ‬أطفال‭ ‬الحجارة‭ ‬مَن‭ ‬يعبثون‭ ‬بماء‭ ‬العيون‭ ‬لرؤية‭ ‬جديدة‭ ‬لوطنٍ‭ ‬جديد،‭ ‬مثقلٍ‭ ‬بالصباح‭ ‬والفرح‭ ‬المؤجلين‭:‬

اماذا‭ ‬أحدثكم‭ ‬عن‭ ‬يحيى‭ ‬الفلسطيني؟

إنهُ‭ ‬سيّد‭ ‬كلّ‭ ‬الأطفال‭... ‬وسيّدنا،‭ ‬إنهُ‭ ‬الفتى‭ ‬الجميل‭ ‬الذكي،‭ ‬الشجاع،‭ ‬الملهم،‭ ‬اللماح‭ ‬الذي‭ ‬جعلهُ‭ ‬اللهُ‭ ‬لنا،‭ ‬معلمًا‭ ‬وبشيرًاب‭... (‬ص‭ ‬176‭).‬

والرسالة‭ ‬تراجع‭ ‬حبرها،‭ ‬وسطورها،‭ ‬ورسم‭ ‬حروفها‭ ‬مراتٍ‭ ‬ومراتٍ،‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬لـ‭ ‬ادينموب‭ ‬الصداقة‭ ‬الشعرية‭ ‬يوسف‭ ‬الخال،‭ ‬بداية‭ ‬الحداثة‭ ‬والتفجير‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬الشعر‭ ‬والأدب‭ ‬والصحافة‭... ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬صديقٍ‭ ‬تلتقي‭ ‬معه‭ ‬الكاتبة‭ ‬شاعرًا‭ ‬مبدعًا،‭ ‬وتحتفي‭ ‬بهِ‭ ‬كاتبًا‭ ‬ومفجّرًا‭ ‬لأسلوب‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬العربية،‭ ‬ومؤسّسًا‭ ‬لتيار‭ ‬جذب‭ ‬كبار‭ ‬نوابغ‭ ‬الشعراء‭ ‬من‭ ‬أدونيس‭ ‬إلى‭ ‬أنسي‭ ‬الحاج‭ ‬إلى‭ ‬محمد‭ ‬الماغوط‭ ‬وهو‭ ‬يحتضن‭ ‬أيضًا‭ ‬كبار‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬قطر‭ ‬في‭ ‬منبره‭ ‬الخالد‭ ‬مجلة‭ ‬شِعر‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬عام‭ ‬1957‭: ‬امجلة‭ ‬شعر‭ ‬كانت‭ ‬انقلابًا‭ ‬شعريًا،‭ ‬زامنَ‭ ‬الانقلابات‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬الخمسينياتب‭(‬ص193‭).‬

والرسالة‭ ‬البهيجة‭ ‬الحروف‭ ‬الراقصة‭ ‬الرؤى،‭ ‬حين‭ ‬يحملها‭ ‬ساعي‭ ‬البريد‭ ‬الافتراضي،‭ ‬هي‭ ‬لمؤرّخ‭ ‬وإعلامي‭ ‬وصحفي‭ ‬وسياسي،‭ ‬هو‭ ‬غسان‭ ‬تويني،‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬الكلمة‭ ‬والفضاء‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬نزاهةٍ‭ ‬غير‭ ‬مسبوقةٍ‭... ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يتسلّم‭ ‬الرسالة‭ ‬مع‭ ‬باقة‭ ‬ورد‭ ‬وعلى‭ ‬طبقٍ‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬فقط‭ ‬لتغيّر‭ ‬الدماء‭ ‬في‭ ‬شرايين‭ ‬مَن‭ ‬دخلوا‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬أبواب‭ ‬مقفلة‭ ‬ومجهولة‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مدننا‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬يغمرها‭ ‬الضباب‭:‬

افي‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬تعرّفتُ‭ ‬إلى‭ ‬أول‭ ‬دروس‭ ‬الحق‭ ‬والخير‭ ‬والجمال،‭ ‬فكرًا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬صراعٍ‭ ‬دائمٍ،‭ ‬وحيوية‭ ‬لا‭ ‬تهدأ‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬وطنٍ‭ ‬وإنسانب‭ (‬ص‭ ‬200‭).‬

‭ ‬إلى‭ ‬الشجاعة‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الأسطوريّ،‭ ‬والنضال‭ ‬في‭ ‬لغةٍ‭ ‬بركانية‭ ‬أدهشت‭ ‬العدوّ‭ ‬والصديق‭ ‬معًا،‭ ‬حين‭ ‬تؤسّس‭ ‬فتاة‭ ‬الجنوب‭ ‬سناء‭ ‬محيدلي‭ ‬لزفافٍ‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬طقوسه‭ ‬الكونيّة،‭ ‬وهي‭ ‬تُزفّ‭ ‬بكامل‭ ‬أناقتها‭ ‬وعطرها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينفد‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭... ‬إلى‭ ‬الأرض‭:‬

‮«‬جاءت‭ ‬سناء‭ ‬الجنوبية‭...‬

دخلت‭ ‬علينا‭ ‬سناء‭ ‬العربية‭ ‬بثوبها‭ ‬الكاكيّ‭ ‬المنقط،‭ ‬وشعرها‭ ‬الليلي‭ ‬المتناثر‭ ‬تحت‭ ‬قبعة‭ ‬حربية‭ ‬حمراء‭...‬

‭ ‬وابتسامتها‭ ‬الواثقة‭... ‬لتدعو‭ ‬العالمَ‭ ‬إلى‭ ‬حضور‭ ‬حفلِ‭ ‬زفافها‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‮»‬‭ (‬ص‭ ‬205‭).‬

‭ ‬أما‭ ‬حروف‭ ‬الرسالة‭ ‬وبلاغتها‭ ‬فسيكونان‭ ‬متحفزين‭ ‬قلقين‭... ‬إنها‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬دنيا‭ ‬شاعرٍ‭ ‬كبير،‭ ‬ظاهرة‭ ‬في‭ ‬شعرنا‭ ‬العربي‭... ‬شاعر‭ ‬متفرد،‭ ‬لم‭ ‬يستلف‭ ‬من‭ ‬أحدٍ‭ ‬كلمة‭ ‬ولا‭ ‬رؤية،‭ ‬قاموس،‭ ‬بلْ‭ ‬منجم‭ ‬كلمات‭ ‬ورؤى،‭ ‬ملأ‭ ‬الدنيا‭ ‬وشغل‭ ‬الناس،‭ ‬قولًا‭ ‬جميلًا‭ ‬مستفِزًا،‭ ‬وفعلًا‭ ‬وانتماء‭ ‬صادقًا،‭ ‬بوّابة‭ ‬الإبداع‭ ‬الشعري‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬كثيرون‭ ‬أسلوبًا‭ ‬ولغة‭ ‬ورؤيةً‭... ‬ظاهرة‭ ‬شعرية‭ ‬بحقّ‭ ‬أيقظت‭ ‬بياضَ‭ ‬الورق،‭ ‬في‭ ‬تحرُّشٍ‭ ‬مشروعٍ‭... ‬كُتبت‭ ‬فيه‭ ‬أعظم‭ ‬الدراسات‭ ‬النقدية‭ ‬الرؤيوية‭... ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬وكفى‭...!‬

‭ ‬الرسالة‭ ‬للصديق‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بهِ‭ ‬إلّا‭ ‬شعرًا،‭ ‬يوجع‭ ‬القلب‭ ‬حين‭ ‬يترجّل‭ ‬فارسه‭ ‬ذاهبًا‭ ‬إلى‭ ‬اللاعودة‭... ‬وداخلًا‭ ‬في‭ ‬الغياب‭:‬

‮«‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬على‭ ‬حدودِ‭ ‬الكبرياء‭ ‬

أبحثُ‭ ‬عن‭ ‬لغةٍ‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬قامتك،

ولكنَك‭ ‬طويلٌ‭... ‬طويلْ

واللغة‭ ‬قصيرة‭... ‬قصيرة

يا‭ ‬مَن‭ ‬وسعت‭ ‬حقائبُ‭ ‬شعرهِ

الكونَ‭ ‬كلّه‭...‬

بشموسهِ‭... ‬وأقمارهِ

وليلهِ‭... ‬ونهارهِ‭ ‬

وغاباتهِ‭... ‬وبحارهِ‮»‬‭... (‬ص‭ ‬209‭).‬

‭ ‬ولا‭ ‬يعبثُ‭ ‬بأمواج‭ ‬بحار‭ ‬الكلمات،‭ ‬وهي‭ ‬تندلقُ‭ ‬من‭ ‬قريحة‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وهي‭ ‬تحتفي‭ ‬وتؤرّخ‭ ‬لخُطى‭ ‬صديق،‭ ‬بل‭ ‬الأمس‭ ‬كان‭ ‬هنا،‭ ‬يقلق‭ ‬الأرض‭ ‬قصائد‭ ‬ثائرة‭ ‬متمردة‭... ‬لا‭ ‬يعبث‭ ‬بأمواج‭ ‬بحر‭ ‬الكلمات‭ ‬الساحرة‭ ‬في‭ ‬زرقتها‭ ‬وأنغامها‭ ‬إلّا‭ ‬نوارسُ‭ ‬المحبة،‭ ‬وهي‭ ‬تفيض‭ ‬عليها‭ ‬بعطر‭ ‬أجنحة‭ ‬من‭ ‬ذهب‭.‬

 

المفكرون‭ ‬والأدباء

‭ ‬ومن‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الشعراء‭ ‬إلى‭ ‬المفكّرين‭ ‬والمؤرخين‭ ‬الذينَ‭ ‬جمعوا‭ ‬بين‭ ‬الفكر‭ ‬والأدب،‭ ‬عبدالكريم‭ ‬غلّاب‭ ‬نورس‭ ‬الفكر‭ ‬والكفاح‭ ‬والنضال‭... ‬إلى‭ ‬الحبيب‭ ‬الجنحاني،‭ ‬طائر‭ ‬الحرية،‭ ‬إلى‭ ‬محمود‭ ‬محمد‭ ‬طه،‭ ‬قائد‭ ‬مسيرة‭ ‬النضال‭ ‬والحرية،‭ ‬إلى‭ ‬الطيب‭ ‬صالح،‭ ‬رائد‭ ‬من‭ ‬روّاد‭ ‬السرد‭ ‬والرواية‭... ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانت‭ ‬الكلماتُ‭ ‬بعدَ‭ ‬الكلمات،‭ ‬وهي‭ ‬تكتبُ‭ ‬نفسها‭ ‬بنفسها،‭ ‬والرسالة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬االميتا‭ - ‬لغةب‭ ‬حين‭ ‬يذهب‭ ‬بها‭ ‬ساعي‭ ‬البريد‭ ‬الافتراضي‭ ‬إلى‭ ‬الطيب‭ ‬صالح‭:‬

اسعدتُ‭ ‬كثيرًا‭ ‬هذا‭ ‬الصباح،‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ (‬استراحة‭ ‬الخميس‭) ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬إلينا‭ ‬عطر‭ ‬كلمات‭ ‬الأديب‭ ‬الكبير‭ ‬الأستاذ‭ ‬الطيب‭ ‬صالح،‭ ‬في‭ ‬أوراق‭ ‬خصّ‭ ‬بها‭ ‬الكويت،‭ ‬بكلّ‭ ‬ما‭ ‬يحملهٌ‭ ‬صدرهُ‭ ‬من‭ ‬محبةٍ‭ ‬ووفاءٍب‭ (‬ص‭ ‬259‭).‬

‭ ‬ومن‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتّاب‭ ‬والشعراء‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الذين‭ ‬ألفت‭ ‬رسائلهم‭ ‬سِفرًا‭ ‬شائقًا،‭ ‬لا‭ ‬ليضاف‭ ‬إلى‭ ‬صفحاتِ‭ ‬التاريخ،‭ ‬أو‭ ‬يطرق‭ ‬أبوابه‭ ‬الدهرية‭ ‬خلسةً‭ ‬وفي‭ ‬غفلةٍ‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬المراوغ،‭ ‬بلْ‭ ‬ليكون‭ ‬هذا‭ ‬السِفر‭ ‬الجميل‭ ‬مرجعًا‭ ‬يستقي‭ ‬منهُ‭ ‬التاريخ‭ ‬ما‭ ‬فاته‭ ‬وغفل‭ ‬عنهُ‭ ‬من‭ ‬أحداث،‭ ‬ويجدّد‭ ‬ذاكرته‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يطالها‭ ‬صدأ‭ ‬النسيان‭... ‬إلى‭ ‬رموز‭ ‬السياسة‭ ‬والفكر‭ ‬الذين‭ ‬جمعوا‭ ‬بين‭ ‬نزاهة‭ ‬السلطةِ‭ ‬والنضال‭ ‬الشاق،‭ ‬وهم‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬الرقيّ‭ ‬بشعوبهم،‭ ‬وصنع‭ ‬الحياة‭ ‬الآمنة‭ ‬لهم‭... ‬من‭ ‬أنديرا‭ ‬غاندي،‭ ‬ضحية‭ ‬السلطة‭ ‬والنضال‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مالٍ‭ ‬ولا‭ ‬عقارات،‭ ‬إلى‭ ‬أيقونة‭ ‬النضال‭ ‬والتضحية‭ ‬والصبر‭ ‬ونزاهة‭ ‬الفكر‭ ‬والسُّلطة،‭ ‬أعظم‭ ‬وأجمل‭ ‬وأصدق‭ ‬سجين‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭:‬

‮«‬هلْ‭ ‬يُمكن‭ ‬لأحدٍ‭ ‬أنْ‭ ‬يسجنَ‭ ‬الشمسَ‭ ‬سبعةً‭ ‬وعشرين‭ ‬عامًا؟

‭ ‬هلْ‭ ‬يُمكن‭ ‬لأحدٍ‭ ‬أنْ‭ ‬يحبسَ‭ ‬أمواجَ‭ ‬البحرِ‭ ‬في‭ ‬زجاجة؟

هلْ‭ ‬يُمكنُ‭ ‬لأحدٍ‭ ‬أنْ‭ ‬يطفئَ‭ ‬نار‭ ‬البرق‭ ‬؟‮»‬‭... (‬ص‭ ‬272‭).‬

‭ ‬وتختمُ‭ ‬الكاتبة‭/ ‬الشاعرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬سِفرها‭ ‬الشائق،‭ ‬ونثرها‭ ‬الشعريّ‭ ‬الخرافيّ‭ ‬المتفجّر‭ ‬في‭ ‬لغتهِ‭ ‬الفاتنة‭ ‬الماتعة‭ ‬الجاذبة‭ ‬برسائل‭ ‬القريبين‭ ‬والمحبين‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬ليبدو‭ ‬عطرها‭ ‬باذخًا،‭ ‬وهو‭ ‬يفيضُ‭ ‬برائحة‭ ‬الدمِ‭ ‬وماء‭ ‬الرحم‭ ‬حينما‭ ‬تكون‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬الصديق‭/ ‬الأب‭ ‬الكريم‭ ‬محمد‭ ‬صباح‭ ‬الصباح‭... ‬ورسائل‭ ‬أخرى‭ ‬بكل‭ ‬تظاهرات‭ ‬المودّة‭ ‬والتواصل‭ ‬للرقيّ‭ ‬بمشروع‭ ‬ثقافي‭ ‬أو‭ ‬فكري‭ ‬أو‭ ‬إبداعي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتخلّى‭ ‬مفرداتها‭ ‬وفنون‭ ‬بلاغتها‭ ‬عن‭ ‬الحميمية‭ ‬والشفافية‭ ‬والعمق‭ ‬في‭ ‬لقاءات‭ ‬تلوي‭ ‬عنق‭ ‬الزمن،‭ ‬لا‭ ‬تغيب‭ ‬ولا‭ ‬تشيخ،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬االأمير‭ ‬خالد‭ ‬الفيصل،‭ ‬وسعدي‭ ‬يوسف،‭ ‬وعبدالرزاق‭ ‬البصير،‭ ‬وفيروز،‭ ‬وأحلام‭ ‬مستغانمي،‭ ‬وليلى‭ ‬الحر،‭ ‬ويوسف‭ ‬الخطيب،‭ ‬وعبدالحميد‭ ‬شومان،‭ ‬وعبدالله‭ ‬بشارة،‭ ‬وزليخة‭ ‬أبو‭ ‬ريشة‭... ‬وغيرهمب‭.‬

ومن‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬رسالة‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬سعدي‭ ‬يوسف‭: ‬اأختي‭ ‬سعاد‭... ‬يكبرُ‭ ‬العزاء‭ ‬كلّما‭ ‬ضاقت‭ ‬زاويته،‭ ‬كلما‭ ‬كانَ‭ ‬مطعنهُ‭ ‬أكثرَ‭ ‬مقتلًا‭... ‬هلْ‭ ‬أقولُ‭ ‬لكِ‭ ‬إنني‭ ‬أسمعُ‭ ‬نحيبك؟‭ ‬أي‭ ‬دموعٍ‭ ‬يحقّ‭ ‬لها‭ ‬أنْ‭ ‬تترجمَ‭ ‬حياة،‭ ‬أو‭ ‬تترحم‭ ‬على‭ ‬حياة،‭ ‬أو‭ ‬ترحم‭ ‬حياة؟‭ ‬لنْ‭ ‬أقولَ‭ ‬أكثر‭... ‬الفجيعة‭ ‬سرّ‭...!‬ب‭ (‬ص‭ ‬282‭).‬

وردّ‭ ‬الكاتبة‭ ‬ألكبيرة‭ ‬شذرة‭ ‬شعرية‭ ‬بفتافيت‭ ‬جسدٍ،‭ ‬يحيا‭ ‬على‭ ‬فيتامين‭ ‬الكلمات‭ ‬والإيحاء‭:‬

اأخي‭ ‬سعدي‭...‬

صدقت‭ ‬حينَ‭ ‬قلتَ‭ ‬في‭ ‬رسالتك‭ ‬المواسية‭: ‬إنَّ‭ ‬الدموع‭ ‬لا‭ ‬يحقّ‭ ‬لها‭ ‬أنْ‭ ‬تترجمَ‭ ‬حياة‭... ‬أو‭ ‬تترحّم‭ ‬على‭ ‬حياة‭... ‬ثمّ‭ ‬صدقت‭ ‬أكثر‭ ‬حينَ‭ ‬قلت‭: ‬الفجيعة‭ ‬سرّ‭... ‬ولنْ‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفتحَ‭ ‬هذا‭ ‬السرّ‭ ‬إلّا‭ ‬الأصدقاء‭ ‬المتفردون‭ ‬بحساسيتهم‭ ‬ورهافة‭ ‬قلوبهم‭ ‬مثلك‭... ‬شكرًا‭ ‬من‭ ‬القلب‭...!‬ب‭... (‬ص‭ ‬283‭).‬

‭ ‬ومع‭ ‬كتاب‭ ‬اوتبقى‭ ‬شجرة‭ ‬الصداقة‭ ‬مثمرةًب‭ ‬للكاتبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬د‭. ‬سعاد‭ ‬الصباح،‭ ‬كنتُ‭ ‬في‭ ‬رحلةٍ،‭ ‬وكأنّني‭ ‬مكلفٌ‭ ‬بإحصاء‭ ‬وعدّ‭ ‬الأزهار‭ ‬والفراشات‭ ‬في‭ ‬حدائق‭ ‬الدنيا‭ ‬كلها‭... ‬وأنا‭ ‬أعيش‭ ‬بينَ‭ ‬سطوره‭ ‬ربيع‭ ‬وقتي‭ ‬الذي‭ ‬فاتني،‭ ‬بلْ‭ ‬سرقهُ‭ ‬بعنادٍ‭ ‬وإصرارٍ،‭ ‬زمني‭ ‬المتوّج‭ ‬بالانكسارات‭ ‬والعذابات‭ ‬والهموم‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬صنفٍ‭ ‬ونوعٍ‭... ‬وغربة‭ - ‬أفعى‭ ‬تلدغُ‭ ‬القلب‭ ‬بوقاحة‭!‬

‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬كان‭ ‬لي‭ - ‬وأنا‭ ‬الكائن‭ ‬البيانيّ‭ - ‬أشبه‭ ‬بنهرٍ‭ ‬فتيّ‭ ‬هادرٍ،‭ ‬لهُ‭ ‬ورودهُ‭ ‬وعصافيرهُ‭ ‬ونسماته‭ ‬التي‭ ‬يفاخرُ‭ ‬بها‭ ‬كلّ‭ ‬ممالك‭ ‬الطبيعة‭ ‬والكون‭... ‬الـسباحــة‭ ‬فـــيـهِ‭ ‬طربُ‭ ‬روحٍ،‭ ‬وانتشاءُ‭ ‬جسدٍ‭ ‬غير‭ ‬مسبوقٍ‭... ‬وزرقة‭ ‬أمواجه‭ ‬تمنحك‭ ‬اللذة‭ ‬والمتعة‭ - ‬جوهر‭ ‬الجمال‭ ‬فيه،‭ ‬حيث‭ ‬تطلبُ‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوقتِ‭ ‬وأنت‭ ‬تتننقلُ‭ ‬من‭ ‬شاطئ‭ ‬إلى‭ ‬شاطئ‭! >‬

ترى‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ ‬االصديقب‭ ‬هبةً،‭ ‬واالصداقةب‭ ‬ميناء‭ ‬السلام‭ ‬والسكينة،‭ ‬وكأنّي‭ ‬بها‭ ‬كانت‭ ‬الشاهد‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬توماس‭ ‬جراي‭ ‬وهو‭ ‬يخطّ‭ ‬وصيّته‭ ‬بأصابع‭ ‬من‭ ‬وردٍ‭ ‬ومطر‭ ‬وريحان،‭ ‬أن‭ ‬يكتبَ‭ ‬على‭ ‬قبرهِ‭ ‬في‭ ‬الكنيسةِ‭ ‬الكاثوليكية‭: ‬القدْ‭ ‬أعطاهُ‭ ‬اللهُ‭ ‬ما‭ ‬أراد،‭ ‬صديقًا‭ ‬من‭ ‬الأصدقاءب‭. ‬وهي‭ ‬في‭ ‬شذرات‭ ‬كتابها‭ ‬الدافئة‭ ‬الإيقاع‭ ‬تتفجّر‭ ‬نثرًا‭ ‬حميميًا‭ ‬جميلًا‭ ‬وفي‭ ‬بلاغة‭ ‬ولُغة‭ ‬فاتنة‭ ‬تُعيدُ‭ ‬للروحِ‭ ‬عطرَ‭ ‬الأمان،‭ ‬وربيع‭ ‬التواصل،‭ ‬وهي‭ ‬ترى‭ ‬الأصدقاء‭: ‬ايشبهون‭ (‬دهن‭ ‬العود‭) ‬كلّما‭ ‬مرّ‭ ‬بهِ‭ ‬الزمنُ،‭ ‬ومضتِ‭ ‬السنوات‭ ‬تعتّق‭ ‬وأصبح‭ ‬أطيبَ‭ ‬وأجودَب‭... (‬ص‭ ‬7‭).‬

‭ ‬في‭ ‬اوتبقى‭ ‬شجرة‭ ‬الصداقة‭ ‬مثمرةب‭ ‬رسائل‭ ‬الأصدقاء‭ ‬لحظة‭ ‬محبة‭ ‬لا‭ ‬تشيخ،‭ ‬واالمحبة‭ ‬تنقذُ‭ ‬العالمَب،‭ ‬حسب‭ ‬جان‭ ‬ديفاس‭ ‬نياما،‭ ‬والكتابة‭ ‬عن‭ ‬الأصدقاء‭ ‬لحظة‭ ‬إنقاذ‭ ‬الكلمات‭ ‬من‭ ‬الانتحار‭... ‬الكتابة‭ ‬تبقى‭! ‬والكلماتُ‭ ‬لاتموت‭!‬

‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬فِقهُ‭ ‬المحبة،‭ ‬وفقه‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬لدى‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وليسَ‭ ‬هما‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬طرب‭ ‬الروح‭ ‬وحسب،‭ ‬بلْ‭ ‬رقصة‭ ‬جسدٍ‭ ‬منتشٍ‭ ‬وهو‭ ‬يتنسمُ‭ ‬عطرًا‭ ‬في‭ ‬بستان‭ ‬العمر‭ ‬وأشجارهُ‭ ‬المثمرة‭ ‬أصدقاءُ‭ ‬حياةٍ‭... ‬وموقفٍ‭... ‬وقلم‭... ‬وحُلمٍ‭ ‬مَن‭ ‬يعزفونَ‭ ‬نبض‭ ‬القلب‭ ‬بكلّ‭ ‬أنغام‭ ‬الحياة،‭ ‬حيث‭ ‬تصبح‭ ‬السعادة‭ ‬الأمنية‭ ‬شعورًا‭ ‬لا‭ ‬امتلاكًا‭ ‬واموطن‭ ‬السعادة‭ ‬الروحب،‭ ‬حسب‭ ‬شذرات‭ ‬فكر‭ ‬الكاتبة‭ ‬الصينية‭ ‬تشي‭ ‬لي‭.‬

اوتبقى‭ ‬شجرة‭ ‬الصداقة‭ ‬مثمرةب‭ ‬نوعٌ‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يحكّ‭ ‬على‭ ‬الجرحِ،‭ ‬يُبهج‭ ‬أيضًا،‭ ‬لحظة‭ ‬تنقية‭ ‬وتخليد‭ ‬للمشاعر‭... ‬هذا‭ ‬الكاتب‭ ‬جان‭ ‬جانيه‭ ‬يذكرُ‭ ‬أنَّ‭ ‬دستوفسكي‭ ‬وهو‭ ‬يكتبُ‭ ‬روايته‭ ‬االإخوة‭ ‬كرامزوفب‭ ‬كان‭ ‬يبتسمُ،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬جرفهُ‭ ‬الابتهاج‭ ‬والمرح‭ ‬فاستسلم‭ ‬له‭!‬

 

منجم‭ ‬ذهب‭ ‬العمر

‭ ‬الصداقة‭ ‬أيضًا‭ ‬لحظة‭ ‬إصغاء‭ ‬إلى‭ ‬القلب‭ ‬واحيث‭ ‬يوجد‭ ‬قلبك،‭ ‬يوجد‭ ‬كنزكب،‭ ‬حسب‭ ‬باولو‭ ‬كويلهو‭.‬

وأقرب‭ ‬الأصدقاء‭ ‬هبة‭ ‬الله،‭ ‬وزهرة‭ ‬الحياة،‭ ‬ومنجم‭ ‬ذهب‭ ‬العمر‭ ‬الصديق‭/ ‬الزوج‭ ‬عبدالله‭ ‬المبارك،‭ ‬المواطن‭ ‬الكويتي‭ ‬الوفيّ،‭ ‬المنارة،‭ ‬والقنديل،‭ ‬والفارس،‭ ‬بلْ‭ ‬والملهم‭ ‬مَن‭ ‬اتطلّ‭ ‬صورته‭ ‬من‭ ‬علياء‭ ‬القصر‭ ‬الأبيض‭ ‬كصورةِ‭ ‬نسرٍ‭ ‬خرافيّب‭ (‬ص‭ ‬15‭) ‬الصديق‭/ ‬الزوج‭ ‬صاحب‭ ‬المآثر،‭ ‬المؤسّس‭ ‬الأول،‭ ‬وباني‭ ‬الكويت‭ ‬الحديثة،‭ ‬وهو‭ ‬يغرس‭ ‬أشجارَ‭ ‬الحداثةِ‭ ‬والحضارةِ‭ ‬والتقدمِ‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬بلدهِ‭ ‬الخصبة‭ - ‬الكويت،‭ ‬وللتواريخ‭ ‬حديثها‭ ‬ذو‭ ‬الشجون‭ ‬في‭ ‬سيلٍ‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬الحضارية‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬ثمرة‭ ‬عقله‭ ‬وفكره‭... ‬كلّ‭ ‬ضربة‭ ‬قدمٍ‭ ‬وخطوة‭ ‬نهارٍ‭ ‬مباركةٍ‭ ‬فوق‭ ‬تربة‭ ‬بلده‭ ‬مكّنتهُ‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بمهامّ‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭ ‬لتُسابقَ‭ ‬الزمن‭ ‬والمدن‭ ‬والأكوان‭... ‬كان‭ ‬مثالًا‭ ‬للشخصية‭ ‬االكاريزماب‭ ‬المحتفى‭ ‬بهِ‭ ‬عربيًا‭ ‬ودوليًا‭... ‬هو‭ ‬الصديق‭/ ‬الزوج‭ ‬عبدالله‭ ‬المبارك‭ ‬وفترة‭ ‬حياة‭ ‬وعمر‭ ‬بين‭ ‬1914‭ ‬و1991وابين‭ ‬الولادة‭ ‬والوفاة‭ ‬نسجَ‭ ‬التاريخ‭ ‬حياة‭ ‬رجل‭ ‬ووطن‭ ‬وشعب،‭ ‬رجل‭ ‬حاول‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬أعقد‭ ‬مراحل‭ ‬تاريخ‭ ‬الكويت‭ ‬الحديث‭ ‬أنْ‭ ‬يخدمَ‭ ‬المُثُل‭ ‬العليا‭ ‬للأمة‭ ‬العربية،‭ ‬رجلٌ‭ ‬عصامي‭ ‬صنع‭ ‬نفسه،‭ ‬وساهمَ‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬بلاده،‭ ‬وترك‭ ‬لقومهِ‭ ‬تراثًا‭ ‬يفاخرونَ‭ ‬بهِب‭... (‬ص19‭). ‬

‭ ‬ورسالة‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬للصديق‭/ ‬الزوج،‭ ‬وهي‭ ‬تصوغ‭ ‬حروفَها‭ ‬من‭ ‬عناقيد‭ ‬ثمر‭ ‬شجرة‭ ‬الوفاء،‭ ‬بمنزلة‭ ‬درسٍ‭ ‬على‭ ‬سبّورةِ‭ ‬الوقتِ،‭ ‬ومأثورةٍ‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الحياة‭: ‬النتعلّم‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬كيف‭ ‬يصونون‭ ‬موتاهم،‭ ‬ولنتعلّم‭ ‬كيف‭ ‬يحفظون‭ ‬كبارهم‭ ‬في‭ ‬قارورةِ‭ ‬القلبب‭... (‬ص20‭).‬

وتتعدّد‭ ‬الرسائل‭ ‬وهي‭ ‬بطقس‭ ‬المزامير‭ ‬اللغوي‭ ‬الباذخ‭ ‬في‭ ‬تأمّلاته،‭ ‬والكاتبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬تُعوّل‭ ‬على‭ ‬مفردات‭ ‬القصيدة،‭ ‬وتستلف‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬اوادي‭ ‬عبقرب‭ ‬من‭ ‬مفردات‭ ‬الشِّعر‭ ‬وأخيلته‭ ‬وبلاغته‭ ‬في‭ ‬صوغ‭ ‬رسائل‭ ‬بعدَ‭ ‬الحميميةِ‭ ‬وبعدَ‭ ‬الصداقةِ‭ ‬وبعدَ‭ ‬الوفاء‭... ‬وفي‭ ‬لغتها‭ ‬الفاتنة‭ ‬الماتعة‭ ‬تشكّل‭ ‬مزاميرَ‭ ‬جذبٍ‭ ‬ودهشة‭ ‬لكلّ‭ ‬كلمةٍ‭ ‬كتبها‭ ‬الجسدُ،‭ ‬وبإمضاء‭ ‬الروحِ‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬صوغ‭ ‬وتؤرّخ‭ ‬في‭ ‬عطرها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينفد‭ ‬لمبدأ‭ ‬وفلسفة‭ ‬شوبنهاور‭ ‬اأنا‭ ‬الآخرب،‭ ‬أو‭ ‬اأنا‭ ‬الآخرونب،‭ ‬على‭ ‬ضفة‭ ‬من‭ ‬ضفاف‭ ‬الحياة‭ ‬تزيّن‭ ‬أركانها‭ ‬حدائق‭ ‬الدفءِ‭ ‬والتواصل،‭ ‬واوستكون‭ ‬هذهِ‭ ‬اللغة‭ ‬من‭ ‬الروح‭ ‬إلى‭ ‬الروح،‭ ‬لغة‭ ‬تلخّص‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭... ‬العطور‭ ‬والأصوات‭ ‬والألوانب‭ ‬حسب‭ ‬فقه‭ ‬رسالة‭ ‬الشاعر‭ ‬والرائي‭ ‬آرتور‭ ‬رامبو‭ ‬إلى‭ ‬بول‭ ‬دميني‭.‬

‭ ‬

الرهان‭ ‬على‭ ‬الأصل

وتعظمُ‭ ‬لغة‭ ‬الرسائل‭ ‬وتفيضُ‭ ‬بلاغة،‭ ‬وهي‭ ‬تأخذ‭ ‬شكل‭ ‬أمنيّات‭ ‬وأحلام‭ ‬ملائكية،‭ ‬لا‭ ‬يوحي‭ ‬فسفور‭ ‬حروفها‭ ‬إلّا‭ ‬بصور‭ ‬الفراشات‭ ‬والورد‭ ‬وقطرات‭ ‬المطر‭ ‬وزهو‭ ‬الربيع،‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬لصديقٍ‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭... ‬من‭ ‬لحم‭ ‬الروح،‭ ‬وأنين‭ ‬الرَّحمِ،‭ ‬ويختلف‭ ‬الأصدقاء‭ ‬في‭ ‬أخذ‭ ‬مواقعهم‭ ‬بمساحة‭ ‬القلب،‭ ‬كلٌّ‭ ‬لهُ‭ ‬مكانهُ‭ ‬الذي‭ ‬يليقُ‭ ‬به‭... ‬وما‭ ‬يليق‭ ‬بالصديق‭/ ‬الابن‭ ‬محمد‭ ‬لا‭ ‬يناسب‭ ‬غيره،‭ ‬ثورةَ‭ ‬محبة،‭ ‬وانتفاضةَ‭ ‬عطرِ‭ ‬حنانٍ،‭ ‬والكاتبة‭ ‬تذكّره‭ ‬بأنّ‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الأصل،‭ ‬بداية‭ ‬الطريق‭ ‬المضيء‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة‭: ‬اأكتبُ‭ ‬لك‭ ‬هذهِ‭ ‬الرسالة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬لأؤكّد‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة،‭ ‬وهي‭ ‬أنّ‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬امرأة‭ ‬عربية‭ ‬وابنها‭ ‬يجب‭ ‬أنْ‭ ‬يكون‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وإلّا‭ ‬كان‭ ‬حوارًا‭ ‬زائفًا‭ ‬ومصطنعًاب‭...(‬ص33‭). ‬وتفيض‭ ‬الرسائل‭ ‬للصديق‭/ ‬الابن‭ ‬بمفردات‭ ‬التوجيه،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬سوط‭ ‬الأمر‭ ‬والنّهي،‭ ‬بحفيف‭ ‬أوراق‭ ‬شجرةٍ‭ ‬طموح،‭ ‬لكي‭ ‬يكونُ‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬الأصل‭ ‬هو‭ ‬الرابح‭ ‬والأساس،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التضحية‭ ‬أو‭ ‬إهمال‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الواسع،‭ ‬افاللغة‭ ‬هي‭ ‬الوثيقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬نحملها‭ ‬لإثبات‭ ‬هويتنا،‭ ‬وإثبات‭ ‬انتمائنا‭ ‬إلى‭ ‬أرضٍ‭ ‬ما‭... ‬وشعبٍ‭ ‬ما‭... ‬وحضارةٍ‭ ‬ماب‭... (‬ص34‭).‬

وهي‭ ‬اللغة‭ ‬نفسها‭ ‬بكامل‭ ‬فنون‭ ‬بلاغتها‭... ‬وُمفردات‭ ‬ورؤى‭ ‬القصيدة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬مهّدت‭ ‬الطريق‭ ‬المضيء‭ ‬إلى‭ ‬الابن‭ ‬محمد،‭ ‬هي‭ ‬إلى‭ ‬أمنية‭ ‬وشيماء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتخلّى‭ ‬الكلام‭ ‬الصباحيّ‭ ‬عن‭ ‬دفئهِ،‭ ‬وهو‭ ‬بعبق‭ ‬مطرٍ‭ ‬ليلي،‭ ‬حيث‭ ‬يفصح‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬أسرار‭ ‬بلاغته‭ ‬وفصاحته‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ترك‭ ‬أيّ‭ ‬خدشِ‭ ‬لذاكرة‭ ‬السامع،‭ ‬وإن‭ ‬بدا‭ ‬بحروفٍ‭ ‬كبيرة،‭ ‬لا‭ ‬يبتعدُ‭ ‬إيقاعها‭ ‬الحميمي‭ ‬عن‭ ‬أوركسترا‭ ‬قصيدة‭ ‬الحبّ‭ ‬والحياة‭ ‬والحرية‭ ‬والألفة‭ ‬والمستقبل‭: ‬الا‭ ‬أحد‭ ‬يحرّر‭ ‬أحدًا،‭ ‬فالحرية‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الأحرار‭ ‬وحدهم‭... ‬ولم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬أنّ‭ ‬شعبًا‭ ‬تحرّر‭ ‬بالمراسلة‭... ‬أو‭ ‬أنّ‭ ‬امراةً‭ ‬تحرّرت‭ ‬بالتوسلات،‭ ‬وتقبيل‭ ‬الوجنات،‭ ‬وذرف‭ ‬الدموعب‭... (‬ص52‭).‬

مع‭ ‬د‭. ‬سعاد‭ ‬الصباح‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬الرسائل‭ ‬إلى‭ ‬الأصدقاء‭ ‬أدبًا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬اميتافيزياء‭ ‬الكيان‭ ‬الإنسانيب‭! ‬حين‭ ‬تأخذ‭ ‬بتقنية‭ ‬النثر‭ - ‬الشعري‭ ‬الباذخ‭ ‬في‭ ‬تعبيره‭ ‬الإيحائي‭ ‬الجمالي،‭ ‬ومن‭ ‬فارس‭ ‬الموقف‭... ‬فارس‭ ‬المعرفة‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬ملّا‭ ‬حسين‭... ‬إلى‭ ‬صاحب‭ ‬تجليات‭ ‬العقل‭ ‬صالح‭ ‬محمد‭ ‬العجيري‭... ‬إلى‭ ‬الشاعر‭ ‬المتميز‭ ‬محمد‭ ‬الفايز،‭ ‬يصبح‭ ‬لخيمةِ‭ ‬الكلام‭ ‬أوتاد‭ ‬ممتدة‭ ‬إلى‭ ‬شرايين‭ ‬الوطن‭ ‬حين‭ ‬يغدو‭ ‬الصديق‭ ‬هبة‭ ‬ًبحق،‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬شاعر‭ ‬الموقف‭ ‬والحنين‭ ‬والوفاء‭ ‬فائق‭ ‬عبدالجليل،‭ ‬مالئ‭ ‬سماء‭ ‬الكويت،‭ ‬وشاغل‭ ‬نهارات‭ ‬أهلها‭ ‬بعواطف‭ ‬الدفء‭ ‬والانتماء‭ ‬والوفاء،‭ ‬وهو‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬اقصيدة‭ ‬تمشي‭ ‬بقدمينب،‭ ‬وهو‭ ‬عنوان‭ ‬قصيدة‭ - ‬الوفاء‭ ‬إلى‭ ‬وطنه‭ ‬الكويت،‭ ‬فيما‭ ‬عاناه‭ ‬هذا‭ ‬المواطن‭ ‬المنتمي‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬رفيع‭ ‬أثناء‭ ‬الغزو‭ ‬الصدامي‭ ‬لبلده‭ ‬الكويت،‭ ‬اختار‭ ‬الوطن،‭ ‬وقدّس‭ ‬حبَّهُ‭ ‬الذي‭ ‬يجهل‭ ‬بريقَ‭ ‬فسفور‭ ‬حروفهِ‭ ‬الطغاة‭ ‬والحكّام‭ ‬المستبدون‭.‬

فائق‭ ‬عبدالجليل،‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬ذهب‭ ‬بهِ‭ ‬حبّهُ‭ ‬لبلدهِ‭ ‬إلى‭ ‬اللاعودة،‭ ‬لكنّه‭ ‬حاز‭ ‬تذكرة‭ ‬وجائزة‭ ‬الوفاء،‭ ‬بلْ‭ ‬فردوس‭ ‬الخلود‭: ‬القدْ‭ ‬قرّرَ‭ ‬أن‭ ‬يكونَ‭ ‬سحابة‭ ‬تسقينا‭ ‬من‭ ‬مطرها‭ ‬الشعريّ‭ ‬بين‭ ‬آنٍ‭ ‬وآخرب‭... (‬ص88‭).‬

 

طائرة‭ ‬الوفاء

‭ ‬وبراعة‭ ‬الانتقال‭ ‬النوعي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفارق‭ ‬إيقاع‭ ‬حروفه‭ ‬ومهارته‭ ‬تقنية‭ ‬السرد‭ ‬وظلال‭ ‬القصيدة‭ ‬المتمردة‭ ‬على‭ ‬قوافيها،‭ ‬تطير‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬على‭ ‬أجنحة‭ ‬من‭ ‬كريستال‭ ‬الإيحاء،‭ ‬ومن‭ ‬سماء‭ ‬الكويت‭ ‬الحافلة‭ ‬بكواكبَ‭ ‬تضيء‭ ‬لبعضها‭ ‬البعض،‭ ‬ولم‭ ‬يخفت‭ ‬بريقُها،‭ ‬إلى‭ ‬سماء‭ ‬العروبة،‭ ‬وتحط‭ ‬بها‭ ‬طائرة‭ ‬الوفاء‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬الكونيّ‭ ‬الذي‭ ‬تغذي‭ ‬تربته‭ ‬بالأمان‭ ‬والدفء‭ ‬كلّ‭ ‬عربيّ‭ ‬قادمٍ‭ ‬وهو‭ ‬مثقل‭ ‬بهمومه‭ ‬وأحلامه‭ ‬وأفكاره‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬العروبة‭... ‬والبدء‭ ‬بالمحراب‭ ‬الآمن،‭ ‬بلْ‭ ‬والقديس‭ ‬الذي‭ ‬توزّعت‭ ‬معابده‭ ‬في‭ ‬أرواح‭ ‬القاصي‭ ‬والداني،‭ ‬سارق‭ ‬الشمس‭ - ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭: ‬الم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬مات‭ ‬رجل،‭ ‬فظننا‭ ‬أنهُ‭ ‬أخذ‭ ‬معهُ‭ ‬الشمس‭ ‬والقمر‭ ‬والكواكب،‭ ‬وكلّ‭ ‬مصادر‭ ‬الإضاءة،‭ ‬وترك‭ ‬العالمَ‭ ‬في‭ ‬ظلمةٍ‭ ‬قوميةٍ‭ ‬شاملة‭ ‬إلّا‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭.‬

‭ ‬امنذ‭ ‬أن‭ ‬تركنا‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬سبتمبر‭ ‬1970‭ ‬لم‭ ‬ترَ‭ ‬الأمة‭ ‬يومًا‭ ‬أبيض‭.‬

اخمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬والأرض‭ ‬تتشقّق‭ ‬عطشًا،‭ ‬والسنابل‭ ‬تنحني‭ ‬وجعًا،‭ ‬والعصافير‭ ‬تموت‭ ‬حزنًا،‭ ‬والبحرُ‭ ‬يستقيل‭ ‬احتجاجًا،‭ ‬والإنسان‭ ‬العربي‭ ‬تقوّسَ‭ ‬ظهره‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الألم‭ ‬والهوان،‭ ‬وشاخ‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬دقيقةٍ‭ ‬مئة‭ ‬عام‭...‬ب‭ (‬ص‭ ‬109‭).‬

والرسالة‭ ‬تستلف‭ ‬في‭ ‬تقنيتها‭ ‬كلّ‭ ‬مفردات‭ ‬وقوافي‭ ‬القصيدة‭ ‬المتمردة‭ ‬والثائرة‭... ‬القصيدة‭/ ‬الحلم‭ ‬المتلوّ‭ ‬بيقظةٍ‭ ‬مرعبة‭... ‬وهي‭ ‬تدين‭ ‬الزمان‭ ‬والإنسان‭ ‬والمكان،‭ ‬ولا‭ ‬تتوسلُ‭ ‬الحياة‭ ‬أبدًا‭... ‬قصيدة‭ ‬رثاء‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬الوزن‭ ‬والقافية‭ ‬والكلمات‭ ‬والخيال،‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬رصاصها‭ ‬القاتل،‭ ‬وفوهتها‭ ‬وهدفها‭ ‬باتجاه‭ ‬الكلّ‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭: ‬اإنَّ‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬الغاضبَ‭ ‬أصبح‭ ‬موضة‭ ‬قديمة‭ ‬ومخلوقًا‭ ‬منقرضًا،‭ ‬حقنوه‭ ‬بعشرات‭ ‬العقاقير‭ ‬المخدرة،‭ ‬وقطعوا‭ ‬لسانه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتكلم‭... ‬وبتروا‭ ‬أصابعه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكتب‭... ‬واستأصلوا‭ ‬ذاكرته‭ ‬حتّى‭ ‬لا‭ ‬يُفكّرب‭! (‬ص110‭).‬

  ‬لا‭ ‬جرم‭ ‬أنَّ‭ ‬عبدالناصر‭ ‬الرجل‭/ ‬القائد‭ ‬مؤسس‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬رفيع‭ ‬للوعي‭ ‬والثورة‭ ‬والغضب،‭ ‬وهو‭ ‬يسقي‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬إكسير‭ ‬التمرّد‭ ‬وشروط‭ ‬الصلاة‭ ‬للحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والكبرياء،‭ ‬وهو‭ ‬يقتلع‭ ‬فيروس‭ ‬البلادة‭ ‬والسكون‭ ‬والتبعية‭: ‬انعم‭... ‬نعم‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬ألقي‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭... ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬معتقلًا‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬الانفرادي‭ ‬منذ‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا‭... ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬التحقيق‭ ‬مستمرًاب‭ (‬ص‭ ‬110‭). ‬

‭ ‬كتاب‭ ‬اوتبقى‭ ‬شجرة‭ ‬الصداقة‭ ‬مثمرةب‭ ‬بمنزلة‭ ‬ما‭ ‬يُسمّيه‭ ‬باولوكويلهو‭ ‬ابنك‭ ‬ردّ‭ ‬الجميلب‭: ‬اأن‭ ‬تودعَ‭ ‬في‭ ‬حسابك‭ ‬لا‭ ‬ودائع‭ ‬نقدية،‭ ‬بلْ‭ ‬اتصالات‭ ‬وعلاقاتب‭ (‬كتاب‭ ‬االظاهرب‭ ‬ص‭ ‬48‭).‬

‭ ‬ومن‭ ‬الفضاء‭ ‬السياسي‭ ‬الرسمي‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬تأخذ‭ ‬الرسائل‭ ‬إلى‭ ‬الأصدقاء‭ ‬فضاءها‭ ‬الإبداعي‭ ‬الإنساني،‭ ‬الصورة‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬الناطقة‭ ‬للحياة‭ ‬والواقع‭ ‬العربي‭ ‬المعيش،‭ ‬تجسدهُ‭ ‬أقلام‭ ‬سفراء‭ ‬الكلمة‭ ‬والتعبير‭ ‬والإيحاء‭ ‬من‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬سفير‭ ‬وعبقري‭ ‬الرواية،‭ ‬إلى‭ ‬إحسان‭ ‬عبدالقدوس،‭ ‬وفاء‭ ‬الحبّ‭ ‬وسلطة‭ ‬الكلمة،‭ ‬إلى‭ ‬ثروت‭ ‬عكاشة،‭ ‬حيث‭ ‬الثراء‭ ‬الثقافي‭ ‬والبندقية‭ ‬والريشة،‭ ‬إلى‭ ‬أحمد‭ ‬بهاء‭ ‬الدين،‭ ‬ماء‭ ‬الضمير‭ ‬ونار‭ ‬الثورة،‭ ‬إلى‭ ‬رجاء‭ ‬النقاش،‭ ‬والإبداع‭ ‬نقدًا‭... ‬الفرسان‭ ‬الذين‭ ‬عاصرتهم‭ ‬الكاتبة‭/ ‬الشاعرة،‭ ‬تعرّفت‭ ‬إليهم،‭ ‬وعاشت‭ ‬زمنهم‭ ‬الذهبي،‭ ‬وقِبلتها‭ ‬مصر‭ ‬العروبة،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تتلمذت‭ ‬على‭ ‬سحر‭ ‬وأسرار‭ ‬إبداعاتهم‭ ‬وسيرهم‭ ‬الخالدة‭... ‬وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬هؤلاء،‭ ‬أديب‭ ‬نوبل‭ ‬1988‭ ‬عبقري‭ ‬السرد‭ ‬والرواية‭ ‬العربية‭ ‬العالمي،‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬الرمز‭ ‬والقيمة،‭ ‬وهو‭ ‬يرتفع‭ ‬بإبداعه‭ ‬الإنسانيّ‭ ‬الحضاري‭ ‬بالشخصية‭ ‬العربية،‭ ‬والاعتراف‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭ ‬بأدبها‭ ‬وإبداعها‭ ‬وتاريخها‭ ‬وحضارتها‭ ‬عالميًا‭: ‬اعندما‭ ‬تعطي‭ ‬الأكاديمية‭ ‬السويدية‭ ‬جائزتها‭ ‬لأستاذنا‭ ‬الكبير‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬فكأنما‭ ‬أعطتها‭ ‬للعربِ‭ ‬جميعًا‭... ‬إنني‭ ‬أؤكد‭ ‬على‭ ‬المعنى‭ ‬العربي‭ ‬للجائزةب‭ (‬ص‭ ‬119‭).‬

‭ ‬ونجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬الكاتب‭ ‬العربي‭ ‬الدم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصريًا،‭ ‬خرج‭ ‬بإبداعه‭ ‬السردي‭ ‬الإنسانيّ‭ ‬من‭ ‬الإقليمية‭ ‬والقومية‭ ‬إلى‭ ‬العالمية‭... ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬تاريخ‭ ‬العروبة‭ ‬مجتمعة‭: ‬انجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬هو‭ ‬الابن‭ ‬الشرعي‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الممتد‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬إلى‭ ‬المحيطب‭ (‬ص120‭).‬

 

ظلال‭ ‬القدّيسين

‭ ‬ولا‭ ‬تضلُّ‭ ‬أو‭ ‬تتوهُ‭ ‬بوصلة‭ ‬الكلمات،‭ ‬وماكنتها‭ ‬أصابع‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬احتفاءً،‭ ‬وتخليدًا‭ ‬لِمَن‭ ‬مرّوا‭ ‬بظلال‭ ‬القدّيسين‭ ‬في‭ ‬دروب‭ ‬حياتها‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭... ‬ولمْ‭ ‬يكُنْ‭ ‬مرورهم‭ ‬طارئًا‭ ‬أبدًا،‭ ‬بل‭ ‬صاخبٌ‭ ‬صخبَ‭ ‬الكلماتِ‭ ‬مؤرّخٌ‭ ‬بطرب‭ ‬روحٍ‭ ‬ورعشة‭ ‬جسدٍ‭... ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬المرور‭ ‬تقليديًا‭ ‬حينما‭ ‬يكون‭ ‬بخطى‭ ‬الشعراء،‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬شاعر‭ ‬البحرين‭ ‬إبراهيم‭ ‬العرّيض‭ ‬إلى‭ ‬شاعر‭ ‬الرومانسية‭ ‬السعودية،‭ ‬ومالئ‭ ‬الليالي‭ ‬العربية‭ ‬حبًّا‭ ‬وعشقًا،‭ ‬وشاغل‭ ‬المحبين،‭ ‬الأمير‭ ‬عبدالله‭ ‬الفيصل،‭ ‬إلى‭ ‬الشاعر‭ ‬العربي‭ ‬الولادة‭ ‬والانتماء‭ ‬سلمان‭ ‬الفلّيح‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانت‭ ‬الرسالة‭ ‬للصديق‭ ‬تأخذ‭ ‬كيمياء‭ ‬شجرةٍ‭ ‬تزهو‭ ‬بأغصانها‭ ‬وثمارها‭ ‬وغناء‭ ‬عصافيرها،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تخطئ‭ ‬حروفها‭ ‬وكلماتها‭ ‬وعباراتها‭ ‬العنوان،‭ ‬وتكون‭ ‬للشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬إبراهيم‭ ‬العرّيض‭:‬

اإبراهيم‭ ‬العرّيض‭ ‬شعلة‭ ‬أضاءت‭ ‬دربَ‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬وأعطتنا‭ ‬صوتًا‭ ‬موسيقيًا‭ ‬رائعًا‭... ‬فتحنا‭ ‬عيوننا‭ ‬على‭ ‬نشيده،‭ ‬وظلّ‭ ‬صوتهُ‭ ‬معناب‭ (‬ص149‭).‬

اهناك‭ ‬لغة‭ ‬تتعدّى‭ ‬الكلماتب‭ ‬

‭(‬باولوكويلهو‭ ‬ذ‭ ‬االخيميائيب‭ ‬ص‭ ‬37‭)!‬

حين‭ ‬تصبح‭ ‬كتابة‭ ‬الرسائل‭ ‬للأصدقاء‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬أخضر،‭ ‬لما‭ ‬تفيضُ‭ ‬بهِ‭ ‬حروفها‭ ‬من‭ ‬أنغام‭/ ‬أنشودة‭ ‬الحياة،‭ ‬ومَوسقة‭ ‬الكون،‭ ‬ولا‭ ‬تسعى‭ ‬لتغيير‭ ‬واقعٍ‭ ‬ما،‭ ‬عبر‭ ‬الكلمة‭ ‬الشاعرة،‭ ‬والخيال‭ ‬المنتج،‭ ‬بلْ‭ ‬تغيير‭ ‬العيون‭ ‬التي‭ ‬تراه‭!‬

ومن‭ ‬الأمير‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬طلال،‭ ‬الوطني‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬حتى‭ ‬النخاع،‭ ‬فكرًا‭ ‬وسلوكًا‭ ‬ومبادئ‭ ‬صلبة،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يساومه‭ ‬على‭ ‬صدقها‭ ‬وثباتها،‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬الأمّ‭ ‬الثكلى،‭ ‬وهي‭ ‬تلدُ‭ ‬أطفالًا‭ ‬كبروا‭ ‬ولم‭ ‬يمروا‭ - ‬مرحين‭ - ‬في‭ ‬حدائق‭ ‬الطفولة،‭ ‬فهناك‭ ‬مَن‭ ‬حاربهم،‭ ‬وسلب‭ ‬منهم‭ ‬الطفولة،‭ ‬وعاقب‭ ‬فيهم‭ ‬البراءة،‭ ‬ودون‭ ‬أنْ‭ ‬يفهمَ‭ ‬لغة‭ ‬البراكين‭ ‬التي‭ ‬تفيض‭ ‬بها‭ ‬أرواحهم،‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬أوجعهم‭ ‬المحتل‭ ‬والغاصب،‭ ‬صنع‭ ‬منهم‭ ‬رجالًا‭ ‬بأرواح‭ ‬من‭ ‬الصوان،‭ ‬هويتهم‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتعب‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬أشجار‭ ‬زيتونها‭ ‬وبرتقالها،‭ ‬وكتابة‭ ‬تاريخها‭... ‬يحيى‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ورفقاؤه‭ ‬أساتذة‭ ‬النضال‭/ ‬أطفال‭ ‬الحجارة‭ ‬مَن‭ ‬يعبثون‭ ‬بماء‭ ‬العيون‭ ‬لرؤية‭ ‬جديدة‭ ‬لوطنٍ‭ ‬جديد،‭ ‬مثقلٍ‭ ‬بالصباح‭ ‬والفرح‭ ‬المؤجلين‭:‬

اماذا‭ ‬أحدثكم‭ ‬عن‭ ‬يحيى‭ ‬الفلسطيني؟

إنهُ‭ ‬سيّد‭ ‬كلّ‭ ‬الأطفال‭... ‬وسيّدنا،‭ ‬إنهُ‭ ‬الفتى‭ ‬الجميل‭ ‬الذكي،‭ ‬الشجاع،‭ ‬الملهم،‭ ‬اللماح‭ ‬الذي‭ ‬جعلهُ‭ ‬اللهُ‭ ‬لنا،‭ ‬معلمًا‭ ‬وبشيرًاب‭... (‬ص‭ ‬176‭).‬

والرسالة‭ ‬تراجع‭ ‬حبرها،‭ ‬وسطورها،‭ ‬ورسم‭ ‬حروفها‭ ‬مراتٍ‭ ‬ومراتٍ،‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬لـ‭ ‬ادينموب‭ ‬الصداقة‭ ‬الشعرية‭ ‬يوسف‭ ‬الخال،‭ ‬بداية‭ ‬الحداثة‭ ‬والتفجير‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬الشعر‭ ‬والأدب‭ ‬والصحافة‭... ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬الرسالة‭ ‬إلى‭ ‬صديقٍ‭ ‬تلتقي‭ ‬معه‭ ‬الكاتبة‭ ‬شاعرًا‭ ‬مبدعًا،‭ ‬وتحتفي‭ ‬بهِ‭ ‬كاتبًا‭ ‬ومفجّرًا‭ ‬لأسلوب‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬العربية،‭ ‬ومؤسّسًا‭ ‬لتيار‭ ‬جذب‭ ‬كبار‭ ‬نوابغ‭ ‬الشعراء‭ ‬من‭ ‬أدونيس‭ ‬إلى‭ ‬أنسي‭ ‬الحاج‭ ‬إلى‭ ‬محمد‭ ‬الماغوط‭ ‬وهو‭ ‬يحتضن‭ ‬أيضًا‭ ‬كبار‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬قطر‭ ‬في‭ ‬منبره‭ ‬الخالد‭ ‬مجلة‭ ‬شِعر‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬عام‭ ‬1957‭: ‬امجلة‭ ‬شعر‭ ‬كانت‭ ‬انقلابًا‭ ‬شعريًا،‭ ‬زامنَ‭ ‬الانقلابات‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬الخمسينياتب‭(‬ص193‭).‬

والرسالة‭ ‬البهيجة‭ ‬الحروف‭ ‬الراقصة‭ ‬الرؤى،‭ ‬حين‭ ‬يحملها‭ ‬ساعي‭ ‬البريد‭ ‬الافتراضي،‭ ‬هي‭ ‬لمؤرّخ‭ ‬وإعلامي‭ ‬وصحفي‭ ‬وسياسي،‭ ‬هو‭ ‬غسان‭ ‬تويني،‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬الكلمة‭ ‬والفضاء‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬نزاهةٍ‭ ‬غير‭ ‬مسبوقةٍ‭... ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يتسلّم‭ ‬الرسالة‭ ‬مع‭ ‬باقة‭ ‬ورد‭ ‬وعلى‭ ‬طبقٍ‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬فقط‭ ‬لتغيّر‭ ‬الدماء‭ ‬في‭ ‬شرايين‭ ‬مَن‭ ‬دخلوا‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬أبواب‭ ‬مقفلة‭ ‬ومجهولة‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مدننا‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬يغمرها‭ ‬الضباب‭:‬

افي‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬تعرّفتُ‭ ‬إلى‭ ‬أول‭ ‬دروس‭ ‬الحق‭ ‬والخير‭ ‬والجمال،‭ ‬فكرًا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬صراعٍ‭ ‬دائمٍ،‭ ‬وحيوية‭ ‬لا‭ ‬تهدأ‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬وطنٍ‭ ‬وإنسانب‭ (‬ص‭ ‬200‭).‬

‭ ‬إلى‭ ‬الشجاعة‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الأسطوريّ،‭ ‬والنضال‭ ‬في‭ ‬لغةٍ‭ ‬بركانية‭ ‬أدهشت‭ ‬العدوّ‭ ‬والصديق‭ ‬معًا،‭ ‬حين‭ ‬تؤسّس‭ ‬فتاة‭ ‬الجنوب‭ ‬سناء‭ ‬محيدلي‭ ‬لزفافٍ‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬طقوسه‭ ‬الكونيّة،‭ ‬وهي‭ ‬تُزفّ‭ ‬بكامل‭ ‬أناقتها‭ ‬وعطرها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينفد‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭... ‬إلى‭ ‬الأرض‭:‬

‮«‬جاءت‭ ‬سناء‭ ‬الجنوبية‭...‬

دخلت‭ ‬علينا‭ ‬سناء‭ ‬العربية‭ ‬بثوبها‭ ‬الكاكيّ‭ ‬المنقط،‭ ‬وشعرها‭ ‬الليلي‭ ‬المتناثر‭ ‬تحت‭ ‬قبعة‭ ‬حربية‭ ‬حمراء‭...‬

‭ ‬وابتسامتها‭ ‬الواثقة‭... ‬لتدعو‭ ‬العالمَ‭ ‬إلى‭ ‬حضور‭ ‬حفلِ‭ ‬زفافها‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‮»‬‭ (‬ص‭ ‬205‭).‬

‭ ‬أما‭ ‬حروف‭ ‬الرسالة‭ ‬وبلاغتها‭ ‬فسيكونان‭ ‬متحفزين‭ ‬قلقين‭... ‬إنها‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬دنيا‭ ‬شاعرٍ‭ ‬كبير،‭ ‬ظاهرة‭ ‬في‭ ‬شعرنا‭ ‬العربي‭... ‬شاعر‭ ‬متفرد،‭ ‬لم‭ ‬يستلف‭ ‬من‭ ‬أحدٍ‭ ‬كلمة‭ ‬ولا‭ ‬رؤية،‭ ‬قاموس،‭ ‬بلْ‭ ‬منجم‭ ‬كلمات‭ ‬ورؤى،‭ ‬ملأ‭ ‬الدنيا‭ ‬وشغل‭ ‬الناس،‭ ‬قولًا‭ ‬جميلًا‭ ‬مستفِزًا،‭ ‬وفعلًا‭ ‬وانتماء‭ ‬صادقًا،‭ ‬بوّابة‭ ‬الإبداع‭ ‬الشعري‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬كثيرون‭ ‬أسلوبًا‭ ‬ولغة‭ ‬ورؤيةً‭... ‬ظاهرة‭ ‬شعرية‭ ‬بحقّ‭ ‬أيقظت‭ ‬بياضَ‭ ‬الورق،‭ ‬في‭ ‬تحرُّشٍ‭ ‬مشروعٍ‭... ‬كُتبت‭ ‬فيه‭ ‬أعظم‭ ‬الدراسات‭ ‬النقدية‭ ‬الرؤيوية‭... ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬وكفى‭...!‬

‭ ‬الرسالة‭ ‬للصديق‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بهِ‭ ‬إلّا‭ ‬شعرًا،‭ ‬يوجع‭ ‬القلب‭ ‬حين‭ ‬يترجّل‭ ‬فارسه‭ ‬ذاهبًا‭ ‬إلى‭ ‬اللاعودة‭... ‬وداخلًا‭ ‬في‭ ‬الغياب‭:‬

‮«‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬على‭ ‬حدودِ‭ ‬الكبرياء‭ ‬

أبحثُ‭ ‬عن‭ ‬لغةٍ‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬قامتك،

ولكنَك‭ ‬طويلٌ‭... ‬طويلْ

واللغة‭ ‬قصيرة‭... ‬قصيرة

يا‭ ‬مَن‭ ‬وسعت‭ ‬حقائبُ‭ ‬شعرهِ

الكونَ‭ ‬كلّه‭...‬

بشموسهِ‭... ‬وأقمارهِ

وليلهِ‭... ‬ونهارهِ‭ ‬

وغاباتهِ‭... ‬وبحارهِ‮»‬‭... (‬ص‭ ‬209‭).‬

‭ ‬ولا‭ ‬يعبثُ‭ ‬بأمواج‭ ‬بحار‭ ‬الكلمات،‭ ‬وهي‭ ‬تندلقُ‭ ‬من‭ ‬قريحة‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وهي‭ ‬تحتفي‭ ‬وتؤرّخ‭ ‬لخُطى‭ ‬صديق،‭ ‬بل‭ ‬الأمس‭ ‬كان‭ ‬هنا،‭ ‬يقلق‭ ‬الأرض‭ ‬قصائد‭ ‬ثائرة‭ ‬متمردة‭... ‬لا‭ ‬يعبث‭ ‬بأمواج‭ ‬بحر‭ ‬الكلمات‭ ‬الساحرة‭ ‬في‭ ‬زرقتها‭ ‬وأنغامها‭ ‬إلّا‭ ‬نوارسُ‭ ‬المحبة،‭ ‬وهي‭ ‬تفيض‭ ‬عليها‭ ‬بعطر‭ ‬أجنحة‭ ‬من‭ ‬ذهب‭.‬

 

المفكرون‭ ‬والأدباء

‭ ‬ومن‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الشعراء‭ ‬إلى‭ ‬المفكّرين‭ ‬والمؤرخين‭ ‬الذينَ‭ ‬جمعوا‭ ‬بين‭ ‬الفكر‭ ‬والأدب،‭ ‬عبدالكريم‭ ‬غلّاب‭ ‬نورس‭ ‬الفكر‭ ‬والكفاح‭ ‬والنضال‭... ‬إلى‭ ‬الحبيب‭ ‬الجنحاني،‭ ‬طائر‭ ‬الحرية،‭ ‬إلى‭ ‬محمود‭ ‬محمد‭ ‬طه،‭ ‬قائد‭ ‬مسيرة‭ ‬النضال‭ ‬والحرية،‭ ‬إلى‭ ‬الطيب‭ ‬صالح،‭ ‬رائد‭ ‬من‭ ‬روّاد‭ ‬السرد‭ ‬والرواية‭... ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانت‭ ‬الكلماتُ‭ ‬بعدَ‭ ‬الكلمات،‭ ‬وهي‭ ‬تكتبُ‭ ‬نفسها‭ ‬بنفسها،‭ ‬والرسالة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬االميتا‭ - ‬لغةب‭ ‬حين‭ ‬يذهب‭ ‬بها‭ ‬ساعي‭ ‬البريد‭ ‬الافتراضي‭ ‬إلى‭ ‬الطيب‭ ‬صالح‭:‬

اسعدتُ‭ ‬كثيرًا‭ ‬هذا‭ ‬الصباح،‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ (‬استراحة‭ ‬الخميس‭) ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬إلينا‭ ‬عطر‭ ‬كلمات‭ ‬الأديب‭ ‬الكبير‭ ‬الأستاذ‭ ‬الطيب‭ ‬صالح،‭ ‬في‭ ‬أوراق‭ ‬خصّ‭ ‬بها‭ ‬الكويت،‭ ‬بكلّ‭ ‬ما‭ ‬يحملهٌ‭ ‬صدرهُ‭ ‬من‭ ‬محبةٍ‭ ‬ووفاءٍب‭ (‬ص‭ ‬259‭).‬

‭ ‬ومن‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتّاب‭ ‬والشعراء‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الذين‭ ‬ألفت‭ ‬رسائلهم‭ ‬سِفرًا‭ ‬شائقًا،‭ ‬لا‭ ‬ليضاف‭ ‬إلى‭ ‬صفحاتِ‭ ‬التاريخ،‭ ‬أو‭ ‬يطرق‭ ‬أبوابه‭ ‬الدهرية‭ ‬خلسةً‭ ‬وفي‭ ‬غفلةٍ‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬المراوغ،‭ ‬بلْ‭ ‬ليكون‭ ‬هذا‭ ‬السِفر‭ ‬الجميل‭ ‬مرجعًا‭ ‬يستقي‭ ‬منهُ‭ ‬التاريخ‭ ‬ما‭ ‬فاته‭ ‬وغفل‭ ‬عنهُ‭ ‬من‭ ‬أحداث،‭ ‬ويجدّد‭ ‬ذاكرته‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يطالها‭ ‬صدأ‭ ‬النسيان‭... ‬إلى‭ ‬رموز‭ ‬السياسة‭ ‬والفكر‭ ‬الذين‭ ‬جمعوا‭ ‬بين‭ ‬نزاهة‭ ‬السلطةِ‭ ‬والنضال‭ ‬الشاق،‭ ‬وهم‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬الرقيّ‭ ‬بشعوبهم،‭ ‬وصنع‭ ‬الحياة‭ ‬الآمنة‭ ‬لهم‭... ‬من‭ ‬أنديرا‭ ‬غاندي،‭ ‬ضحية‭ ‬السلطة‭ ‬والنضال‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مالٍ‭ ‬ولا‭ ‬عقارات،‭ ‬إلى‭ ‬أيقونة‭ ‬النضال‭ ‬والتضحية‭ ‬والصبر‭ ‬ونزاهة‭ ‬الفكر‭ ‬والسُّلطة،‭ ‬أعظم‭ ‬وأجمل‭ ‬وأصدق‭ ‬سجين‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭:‬

‮«‬هلْ‭ ‬يُمكن‭ ‬لأحدٍ‭ ‬أنْ‭ ‬يسجنَ‭ ‬الشمسَ‭ ‬سبعةً‭ ‬وعشرين‭ ‬عامًا؟

‭ ‬هلْ‭ ‬يُمكن‭ ‬لأحدٍ‭ ‬أنْ‭ ‬يحبسَ‭ ‬أمواجَ‭ ‬البحرِ‭ ‬في‭ ‬زجاجة؟

هلْ‭ ‬يُمكنُ‭ ‬لأحدٍ‭ ‬أنْ‭ ‬يطفئَ‭ ‬نار‭ ‬البرق‭ ‬؟‮»‬‭... (‬ص‭ ‬272‭).‬

‭ ‬وتختمُ‭ ‬الكاتبة‭/ ‬الشاعرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬سِفرها‭ ‬الشائق،‭ ‬ونثرها‭ ‬الشعريّ‭ ‬الخرافيّ‭ ‬المتفجّر‭ ‬في‭ ‬لغتهِ‭ ‬الفاتنة‭ ‬الماتعة‭ ‬الجاذبة‭ ‬برسائل‭ ‬القريبين‭ ‬والمحبين‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬ليبدو‭ ‬عطرها‭ ‬باذخًا،‭ ‬وهو‭ ‬يفيضُ‭ ‬برائحة‭ ‬الدمِ‭ ‬وماء‭ ‬الرحم‭ ‬حينما‭ ‬تكون‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬الصديق‭/ ‬الأب‭ ‬الكريم‭ ‬محمد‭ ‬صباح‭ ‬الصباح‭... ‬ورسائل‭ ‬أخرى‭ ‬بكل‭ ‬تظاهرات‭ ‬المودّة‭ ‬والتواصل‭ ‬للرقيّ‭ ‬بمشروع‭ ‬ثقافي‭ ‬أو‭ ‬فكري‭ ‬أو‭ ‬إبداعي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتخلّى‭ ‬مفرداتها‭ ‬وفنون‭ ‬بلاغتها‭ ‬عن‭ ‬الحميمية‭ ‬والشفافية‭ ‬والعمق‭ ‬في‭ ‬لقاءات‭ ‬تلوي‭ ‬عنق‭ ‬الزمن،‭ ‬لا‭ ‬تغيب‭ ‬ولا‭ ‬تشيخ،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬االأمير‭ ‬خالد‭ ‬الفيصل،‭ ‬وسعدي‭ ‬يوسف،‭ ‬وعبدالرزاق‭ ‬البصير،‭ ‬وفيروز،‭ ‬وأحلام‭ ‬مستغانمي،‭ ‬وليلى‭ ‬الحر،‭ ‬ويوسف‭ ‬الخطيب،‭ ‬وعبدالحميد‭ ‬شومان،‭ ‬وعبدالله‭ ‬بشارة،‭ ‬وزليخة‭ ‬أبو‭ ‬ريشة‭... ‬وغيرهمب‭.‬

ومن‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬رسالة‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬سعدي‭ ‬يوسف‭: ‬اأختي‭ ‬سعاد‭... ‬يكبرُ‭ ‬العزاء‭ ‬كلّما‭ ‬ضاقت‭ ‬زاويته،‭ ‬كلما‭ ‬كانَ‭ ‬مطعنهُ‭ ‬أكثرَ‭ ‬مقتلًا‭... ‬هلْ‭ ‬أقولُ‭ ‬لكِ‭ ‬إنني‭ ‬أسمعُ‭ ‬نحيبك؟‭ ‬أي‭ ‬دموعٍ‭ ‬يحقّ‭ ‬لها‭ ‬أنْ‭ ‬تترجمَ‭ ‬حياة،‭ ‬أو‭ ‬تترحم‭ ‬على‭ ‬حياة،‭ ‬أو‭ ‬ترحم‭ ‬حياة؟‭ ‬لنْ‭ ‬أقولَ‭ ‬أكثر‭... ‬الفجيعة‭ ‬سرّ‭...!‬ب‭ (‬ص‭ ‬282‭).‬

وردّ‭ ‬الكاتبة‭ ‬ألكبيرة‭ ‬شذرة‭ ‬شعرية‭ ‬بفتافيت‭ ‬جسدٍ،‭ ‬يحيا‭ ‬على‭ ‬فيتامين‭ ‬الكلمات‭ ‬والإيحاء‭:‬

اأخي‭ ‬سعدي‭...‬

صدقت‭ ‬حينَ‭ ‬قلتَ‭ ‬في‭ ‬رسالتك‭ ‬المواسية‭: ‬إنَّ‭ ‬الدموع‭ ‬لا‭ ‬يحقّ‭ ‬لها‭ ‬أنْ‭ ‬تترجمَ‭ ‬حياة‭... ‬أو‭ ‬تترحّم‭ ‬على‭ ‬حياة‭... ‬ثمّ‭ ‬صدقت‭ ‬أكثر‭ ‬حينَ‭ ‬قلت‭: ‬الفجيعة‭ ‬سرّ‭... ‬ولنْ‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفتحَ‭ ‬هذا‭ ‬السرّ‭ ‬إلّا‭ ‬الأصدقاء‭ ‬المتفردون‭ ‬بحساسيتهم‭ ‬ورهافة‭ ‬قلوبهم‭ ‬مثلك‭... ‬شكرًا‭ ‬من‭ ‬القلب‭...!‬ب‭... (‬ص‭ ‬283‭).‬

‭ ‬ومع‭ ‬كتاب‭ ‬اوتبقى‭ ‬شجرة‭ ‬الصداقة‭ ‬مثمرةًب‭ ‬للكاتبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬د‭. ‬سعاد‭ ‬الصباح،‭ ‬كنتُ‭ ‬في‭ ‬رحلةٍ،‭ ‬وكأنّني‭ ‬مكلفٌ‭ ‬بإحصاء‭ ‬وعدّ‭ ‬الأزهار‭ ‬والفراشات‭ ‬في‭ ‬حدائق‭ ‬الدنيا‭ ‬كلها‭... ‬وأنا‭ ‬أعيش‭ ‬بينَ‭ ‬سطوره‭ ‬ربيع‭ ‬وقتي‭ ‬الذي‭ ‬فاتني،‭ ‬بلْ‭ ‬سرقهُ‭ ‬بعنادٍ‭ ‬وإصرارٍ،‭ ‬زمني‭ ‬المتوّج‭ ‬بالانكسارات‭ ‬والعذابات‭ ‬والهموم‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬صنفٍ‭ ‬ونوعٍ‭... ‬وغربة‭ - ‬أفعى‭ ‬تلدغُ‭ ‬القلب‭ ‬بوقاحة‭!‬

‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬كان‭ ‬لي‭ - ‬وأنا‭ ‬الكائن‭ ‬البيانيّ‭ - ‬أشبه‭ ‬بنهرٍ‭ ‬فتيّ‭ ‬هادرٍ،‭ ‬لهُ‭ ‬ورودهُ‭ ‬وعصافيرهُ‭ ‬ونسماته‭ ‬التي‭ ‬يفاخرُ‭ ‬بها‭ ‬كلّ‭ ‬ممالك‭ ‬الطبيعة‭ ‬والكون‭... ‬الـسباحــة‭ ‬فـــيـهِ‭ ‬طربُ‭ ‬روحٍ،‭ ‬وانتشاءُ‭ ‬جسدٍ‭ ‬غير‭ ‬مسبوقٍ‭... ‬وزرقة‭ ‬أمواجه‭ ‬تمنحك‭ ‬اللذة‭ ‬والمتعة‭ - ‬جوهر‭ ‬الجمال‭ ‬فيه،‭ ‬حيث‭ ‬تطلبُ‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوقتِ‭ ‬وأنت‭ ‬تتننقلُ‭ ‬من‭ ‬شاطئ‭ ‬إلى‭ ‬شاطئ‭! ■‬

د‭. ‬سعاد‭ ‬الصباح