عمر فرّوخ دارسًا وناظمًا للشعر

عمر فرّوخ دارسًا وناظمًا للشعر

للمربّي‭ ‬والأديب‭ ‬والشاعر‭ ‬اللبناني‭ ‬د‭. ‬عمر‭ ‬فروخ‭ (‬1906‭ ‬–‭ ‬1987‭) ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مئة‭ ‬كتاب‭ ‬مطبوع‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والأدب‭ ‬العربي‭ ‬والشّعر،‭ ‬أبرزها‭: ‬تاريخ‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ (‬6‭ ‬مجلدات‭)‬،‭ ‬وتاريخ‭ ‬الفكر‭ ‬العربي،‭ ‬والتبشير‭ ‬والاستعمار،‭ ‬والتصوف‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬وعبقرية‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬الإسلام‭ ‬والتاريخ،‭ ‬والأسرة‭ ‬في‭ ‬الشرع‭ ‬الإسلامي،‭ ‬والعرب‭ ‬والفلسفة،‭ ‬وفي‭ ‬الشعر‭ ‬له‭ ‬كتابان،‭ ‬الأول‭: ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث،‭ ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬مجموعته‭ ‬الشعرية‭ ‬فجر‭ ‬وشفق‭. ‬يقول‭ ‬فروخ‭ ‬إن‭ ‬التأليف‭ ‬فنّ‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬المعرفة‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الإحاطة‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬المعرفة‭ ‬الأخرى،‭ ‬على‭ ‬كثرة‭ ‬أو‭ ‬قلّة،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يستخدم‭ ‬المؤلف‭ ‬هذه‭ ‬المعارف‭ ‬استخدامًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬الذي‭ ‬يؤلّف‭ ‬فيه،‭ ‬لأنّ‭ ‬الإحاطة‭ ‬بفنون‭ ‬كثيرة‭ ‬توسّع‭ ‬أفق‭ ‬المؤلف،‭ ‬وتجعل‭ ‬كتبه‭ ‬أكثر‭ ‬صحة‭ ‬ودقة‭.‬

عُرف‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬أنه‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬به‭ ‬مكتبة،‭ ‬وأهله‭ ‬يتقنون‭ ‬ثلاث‭ ‬لغات،‭ ‬وهو‭ ‬درس‭ ‬بالجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬متخصصًا‭ ‬بالأدب‭ ‬العربي‭ ‬والتاريخ،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتابع‭ ‬دراسته‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬ويحصل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬دكتوراه‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المستشرق‭ ‬البروفيسور‭ ‬يوسف‭ ‬هيل‭.‬

ويتابع‭ ‬عمر‭ ‬قائلًا‭: ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬المعارف‭ ‬الفكرية‭ ‬عماد‭ ‬كل‭ ‬تأليف،‭ ‬فإنّ‭ ‬الأسلوب،‭ ‬أي‭ ‬عرض‭ ‬المادة،‭ ‬هو‭ ‬المبرر‭ ‬للتأليف،‭ ‬فعلى‭ ‬المؤلف‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬الوضوح‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الوضوح‭ ‬في‭ ‬التعبير‭.‬

هذا‭ ‬‮«‬البيان‮»‬‭ ‬أو‭ ‬النظرية‭ ‬في‭ ‬التأليف،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬اعتمده‭ ‬عمر‭ ‬في‭ ‬نظمه‭ ‬الشعر‭ ‬أيضًا،‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يؤلّف‭ ‬كتابًا‭ ‬إلا‭ ‬وذكر‭ ‬تبرير‭ ‬تأليفه،‭ ‬والمنهج‭ ‬المتبع،‭ ‬والإضافة‭ ‬التي‭ ‬يتوخاها‭.‬

ففي‭ ‬كتبه‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وآدابها‭ ‬يكتب‭ ‬أنه‭ ‬يفتخر‭ ‬بعروبته‭ ‬و«بتاريخ‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين،‭ ‬لذلك‭ ‬دأب‭ ‬على‭ ‬نبش‭ ‬التراث‭ ‬الذي‭ ‬يعتز‭ ‬به،‭ ‬مجاهدًا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬لغته‭ ‬وكنوزها،‭ ‬ومحاربًا‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬العامية‭ ‬والشعر‭ ‬الحديث،‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬القائل‭:‬

أم‭ ‬اللغات‭ ‬نُفدّيها‭ ‬وتفدينا‭ 

والروح‭ ‬عزّت‭ ‬ولكنّا‭ ‬نؤدِّيها

فيا‭ ‬رؤومًا‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬تبدّيها‭ 

إذا‭ ‬افترقنا،‭ ‬حنانيك،‭ ‬أمِدّينا

بعروة‭ ‬منك‭ ‬وثقى‭ ‬لا‭ ‬انفصام‭ ‬لها

 

في‭ ‬نقد‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث

كتاب‭ ‬فروخ‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث‮»‬‭ (‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬لبنان‭ ‬للطباعة‭ ‬والنشر،‭ ‬بيروت‭ ‬1978‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬مقدّمة‭ ‬لمجموعته‭ ‬الشعرية،‭ ‬ثم‭ ‬وسّعها‭ ‬فباتت‭ ‬كتابًا‭ ‬مستقلًا،‭ ‬ثار‭ ‬فيه‭ ‬عمر‭ ‬على‭ ‬مدّعي‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث،‭ ‬مفصلًا‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬الشعر‭ ‬الأوربي،‭ ‬ومؤكدًا‭ ‬أنه‭ ‬موزون‭ ‬مقفّى،‭ ‬مؤسس‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬الشعر‭ ‬اليوناني،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬أمثال‭ ‬عزرا‭ ‬باوند،‭ ‬وإليوت،‭ ‬وولت‭ ‬وتمان،‭ ‬الذين‭ ‬شوّهوا‭ ‬الشعر،‭ ‬فسار‭ ‬على‭ ‬نهجهم‭ ‬شعراء‭ ‬عرب‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬والمهاجر،‭ ‬فزادوا‭ ‬التشويه،‭ ‬بجهلهم‭ ‬باللغة‭ ‬والتاريخ،‭ ‬متغربين‭ ‬رغبة‭ ‬بالتميز‭ ‬السطحي،‭ ‬مدفوعين‭ ‬بتعصُّب‭ ‬أعمى‭.‬

ويدرس‭ ‬عمر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬بدايات‭ ‬الشعر‭ ‬المطلق،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أسبقية‭ ‬منير‭ ‬الحسامي،‭ ‬الذي‭ ‬أصدر‭ ‬ديوانه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1925،‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬كتبه‭ ‬قبل‭ ‬سنتين‭ ‬وقرأه‭ ‬على‭ ‬عمر‭ ‬وزملاء‭ ‬آخرين،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬أمين‭ ‬الريحاني‭ ‬في‭ ‬‮«‬عرش‭ ‬الحب‭ ‬والجمال‮»‬‭ ‬وبدر‭ ‬شاكر‭ ‬السياب‭ ‬ونازك‭ ‬الملائكة‭ ‬وجبران‭ ‬والمهجريّين،‭ ‬علمًا‭ ‬بأن‭ ‬الريحاني‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬مقدمة‭ ‬ديوان‭ ‬الحسامي‭.‬

يعرف‭ ‬عمر‭ ‬الشعر‭ ‬بأنه‭ ‬نشاط‭ ‬ذهني‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خاصًا‭ ‬بالعرب‭ ‬ولا‭ ‬بغيرهم،‭ ‬وهناك‭ ‬عند‭ ‬العرب‭: ‬نثر‭ ‬مسجوع‭ ‬ونثر‭ ‬مطلق‭ ‬وخطب‭ ‬وأمثال،‭ ‬أما‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يعلنون‭ ‬أنهم‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يزيدوا‭ ‬في‭ ‬ثروة‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬أشياء‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬الإفرنجي‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يشوّهوا‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭. ‬

ويستعرض‭ ‬عمر‭ ‬شعرًا‭ ‬حديثًا‭ ‬وضعه‭ ‬بنفسه‭ ‬ليؤكد‭ ‬سهولة‭ ‬نظم‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الشعر،‭ ‬ومما‭ ‬يقوله‭ ‬في‭ ‬الشعراء‭ ‬هؤلاء‭: ‬‮«‬أولئك‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬تطمئن‭ ‬نفوسهم‭ ‬إلى‭ ‬التشويه‭ ‬لا‭ ‬يكونون‭ ‬عادة‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬النهج‭ ‬السويّ‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬المنطق‭ ‬في‭ ‬التفكير‮»‬،‭ ‬و«كل‭ ‬ما‭ ‬أرجوه‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬الشّعر‭ ‬الحُر‭ ‬وأنصار‭ ‬الشعر‭ ‬المنثور‭ ‬وأنصار‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬اسمًا‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يوجدوا‭ ‬لما‭ ‬يتخيّلونه‭ ‬اسمًا‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬قبل‮»‬‭.‬

وإن‭ ‬كان‭ ‬عمر‭ ‬قد‭ ‬خلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حريّة‭ ‬التعبير‭ ‬تسمح‭ ‬للجميع‭ ‬أن‭ ‬يقولوا‭ ‬ما‭ ‬يريدون،‭ ‬وأن‭ ‬يضعوا‭ ‬لذلك‭ ‬ما‭ ‬يرغبون‭ ‬من‭ ‬تسميات،‭ ‬فالقراء‭ ‬أخيرًا‭ ‬هم‭ ‬الحكام،‭ ‬مضيفًا‭ ‬بل‭ ‬معترفًا‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬ليس‭ ‬بحثًا‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث،‭ ‬بل‭ ‬عرضًا‭ ‬لمستوى‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث‭.‬

 

في‭ ‬نظمه‭ ‬الشعر

نظم‭ ‬عمر‭ ‬الشعر‭ ‬باكرًا،‭ ‬وهو‭ ‬طالب‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عام‭ ‬1920،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬تقدّمه‭ ‬في‭ ‬السن،‭ ‬وانصرافه‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬الفلسفة‭ ‬والعلوم‭ ‬الطبيعية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬خفّفا‭ ‬من‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬نظم‭ ‬الشعر،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يخفّفا‭ ‬من‭ ‬مقدرته‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬حين‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يقيم‭ ‬الدليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث‭ ‬يستطيعه‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬أثبت‭ ‬في‭ ‬مجموعته‭ ‬‮«‬فجر‭ ‬وشفق‮»‬‭ ‬كثيرًا‭ ‬منه‭.‬

وفي‭ ‬مجموعته‭ ‬هذه،‭ ‬لم‭ ‬يثبت‭ ‬تلك‭ ‬القصائد‭ ‬الأولى،‭ ‬فأول‭ ‬قصيدة‭ ‬فيه‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1923‭ ‬وعنوانها‭ ‬‮«‬المكانس‭ ‬الأوربية‮»‬‭.‬

وقصائد‭ ‬عمر‭ ‬هي‭ ‬قصائــــد‭ ‬مناسبات‭: ‬غزوة‭ ‬الأحزاب،‭ ‬وبدء‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬لبنــــان،‭ ‬وتأبيــــن‭ ‬عمر‭ ‬الداعوق،‭ ‬ورثـــاء‭ ‬الملك‭ ‬فيصل،‭ ‬ونهاية‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬في‭ ‬نابلس‭ (‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يعلّم‭)‬،‭ ‬ومهــــرجان‭ ‬د‭. ‬وجيه‭ ‬البارودي،‭ ‬وإلى‭ ‬عارف‭ ‬أبي‭ ‬شـقرا،‭ ‬وقصائد‭ ‬أخرى‭ ‬عبّر‭ ‬فيها‭ ‬عــن‭ ‬لواعـــج‭ ‬نفسه،‭ ‬وعن‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والإنســـان،‭ ‬وفيها‭ ‬كلها‭ ‬نجد‭ ‬صورًا‭ ‬لتجارب‭ ‬عمـــر‭ ‬في‭ ‬حياته‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬القصائد‭ ‬كلّها‭ ‬خط‭ ‬واحد‭ ‬جامع،‭ ‬هو‭ ‬مقاربته‭ ‬المثالية‭ ‬في‭ ‬السلوك،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الجد،‭ ‬والأخلاق‭ ‬الرفيعة،‭ ‬والاعتزاز‭ ‬بالقيم‭ ‬الدينية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والحضّ‭ ‬على‭ ‬اتّباعها‭ ‬وتعليمها،‭ ‬وعمر‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬العربي‭ ‬المسلم‭ ‬المترفع،‭ ‬والمثقف‭ ‬الموسوعي‭ ‬المعتز‭ ‬بذاته،‭ ‬انتماء‭ ‬وعصامية‭ ‬وسلوكًا‭.‬

كتب‭ ‬في‭ ‬‮«‬الإهداء‮»‬‭: ‬‮«‬إلى‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬تفسد‭ ‬أذواقهم‭ ‬بالفن‭ ‬المشوّه‭ ‬وبالشعر‭ ‬المشوّه،‭ ‬وإلى‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬معيار‭ ‬الجودة‭ ‬عندهم‭ ‬الفكر‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬الأسلوب‭ ‬النقي،‭ ‬وإلى‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬تنزل‭ ‬في‭ ‬صدورهم‭ ‬أوهام‭ ‬الفارغين‭ ‬وأماني‭ ‬العاجزين‮»‬‭.‬

 

في‭ ‬شعره‭ ‬الوطني‭ ‬

كان‭ ‬عمر‭ ‬يحمل‭ ‬عبء‭ ‬التاريخ،‭ ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬هو‭ ‬صورة‭ ‬الماضي،‭ ‬وقلّة‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يستذكرونه‭ ‬أو‭ ‬يستلهمونه،‭ ‬يقول‭: ‬ولأنني‭ ‬صريح‭ ‬وواضح‭ ‬أصرخ‭ ‬في‭ ‬العرب‭:‬

أيها‭ ‬العُرب،‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬المسير؟

ضلّ‭ ‬فينا‭ ‬الهادي‭ ‬وساء‭ ‬المصير

قد‭ ‬ورثنا‭ ‬البلاد‭ ‬وهي‭ ‬جنان‭ ‬

فرآها‭ ‬أبناؤنا‭ ‬وهي‭ ‬بور

‭ ‬

وفي‭ ‬رؤيته‭ ‬للوطن‭ ‬كتب‭:‬

وطني‭ ‬كل‭ ‬بقعة‭ ‬عاش‭ ‬فيهــا‭ 

عربي‭ ‬اللســـان‭ ‬والإيمــــــان

وطني‭ ‬الشرق‭ ‬كلّه‭ ‬يتجلّــى‭  

في‭ ‬جهود‭ ‬من‭ ‬الأماني‭ ‬الحسان

وطني‭ ‬الغرب‭ ‬حيثما‭ ‬حلّ‭ ‬في‭ ‬الـ

غرب‭ ‬شموس‭ ‬العلى‭ ‬بنو‭ ‬مروان

وهو‭ ‬حين‭ ‬يروي‭ ‬قصة‭ ‬العروبة،‭ ‬يتوقّف‭ ‬عند‭ ‬محطات‭ ‬تاريخية‭ ‬يفتخر‭ ‬بها،‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬المعيب‭ ‬الذي‭ ‬نحياه‭. ‬وكي‭ ‬لا‭ ‬نظنه‭ ‬حبيس‭ ‬فكرة‭ ‬الانتماء‭ ‬والإحباط،‭ ‬وهو‭ ‬العصامي‭ ‬المثقف،‭ ‬فقد‭ ‬نظم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬في‭: ‬الإنسان،‭ ‬وفي‭ ‬دعاة‭ ‬السلام،‭ ‬وفي‭ ‬ضرورة‭ ‬استقبال‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬بفرح‭.‬

 

في‭ ‬مواقفه‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬

وكان‭ ‬ينظم‭ ‬قصائده‭ ‬بنَفَس‭ ‬المعلّم‭ ‬الرسول‭:‬

خذ‭ ‬من‭ ‬سرورك‭ ‬باليمين‭ ‬

إني‭ ‬سئمت‭ ‬من‭ ‬الأنين‭ ‬

وابسُم‭ ‬إذا‭ ‬طلع‭ ‬النّها‭ ‬

رُ،‭ ‬وسِرْ‭ ‬به‭ ‬طلق‭ ‬الجبين

 

وفي‭ ‬الشباب‭ ‬نظم‭:‬

خلّ‭ ‬الصبا‭ ‬يتريـــــــــث‭  

ودَعِ‭ ‬الهوى‭ ‬يتحدث

ما‭ ‬كنت‭ ‬أعشق‭ ‬لو‭ ‬علم‭  

ت‭ ‬بأننــــــي‭ ‬أتلوث

 

وفي‭ ‬تقدُّم‭ ‬العمر‭ ‬نظم‭:‬

وقالوا‭: ‬صرت‭ ‬شيخًا‭ ‬ذا‭ ‬وقار

كبيرًا‭ ‬همة‭ ‬وكـبير‭ ‬سن

وما‭ ‬السبعون‭ ‬مع‭ ‬عقل‭ ‬فتيّ

سوى‭ ‬سبع‭ ‬لدى‭ ‬الطفل‭ ‬الأغنّ

أمرّ‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬مجال‭ ‬أنس‭ ‬

وأمضي‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬زعيم‭ ‬جنّ

وكلّ‭ ‬لذائذ‭ ‬الدنيا‭ ‬هبـــــــــاء‭ 

إذا‭ ‬قيست‭ ‬بلذة‭ ‬مطمئــــــــــــنّ

 

في‭ ‬التعليم‭ ‬والتربية‭ ‬

وعمر‭ ‬المطمئــن‭ ‬إلـــى‭ ‬قيمـــه‭ ‬وسلوكـــه،‭ ‬لم‭ ‬يفُته،‭ ‬وهو‭ ‬المعلم‭ ‬والمثقف‭ ‬الذي‭ ‬يتقن‭ ‬عدة‭ ‬لغات،‭ ‬أن‭ ‬يضم‭ ‬فـــي‭ ‬ديوانــــه‭ ‬أفضـــل‭ ‬ما‭ ‬قرأه‭ ‬مــن‭ ‬شعر‭ ‬أجنبي‭ ‬مترجمًا‭ ‬عن‭ ‬الألمانية‭ ‬لجوته،‭ ‬وعن‭ ‬الإنجليزية‭ ‬لشكسبير‭ ‬وتينيســون‭ ‬وجونســـون،‭ ‬وعن‭ ‬الفارسية‭ ‬لمحمد‭ ‬إقبال‭ ‬وجلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومي‭.‬

وعمر‭ ‬المعلّم‭ ‬ينصح‭ ‬عن‭ ‬تجربة،‭ ‬فأبلغ‭:‬

تطلب‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬حظ‭ ‬القوي‭ ‬

وإياك‭ ‬والهمة‭ ‬الوانية

إذا‭ ‬أنت‭ ‬لم‭ ‬تبغ‭ ‬في‭ ‬ذي‭ ‬الحياة‭ 

ستقتلك‭ ‬الفئة‭ ‬الباغية

وربّ‭ ‬قوي‭ ‬ينادي‭ ‬الحياة

فتمنحه‭ ‬العيشة‭ ‬الراضية

فلبِّ‭ ‬النداء‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬عـــــلا‭ 

ولا‭ ‬تحقر‭ ‬الدعوة‭ ‬الآتية

 

وفي‭ ‬جدِّيته،‭ ‬حين‭ ‬يرثي‭ ‬أو‭ ‬يمدح،‭ ‬يشرح‭ ‬الكلمات‭ ‬مباشرة،‭ ‬نظـــم‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭:‬

حسب‭ ‬ذا‭ ‬السيف‭ ‬في‭ ‬العلا‭ ‬ما‭ ‬يعاني‭  

بلغ‭ ‬الشأو‭ ‬واستوى‭ ‬في‭ ‬العنان‭ ‬

كلّما‭ ‬ملت‭ ‬السيوف‭ ‬ضرابــــــــًا‭ ‬

في‭ ‬غمار‭ ‬ردت‭ ‬إلى‭ ‬الأجفان

‭ (‬العنان‭: ‬كبد‭ ‬السماء‭ - ‬الجفن‭: ‬قراب‭ ‬السيف‭)‬

 

وفي‭ ‬عرضه‭ ‬لمقدرته‭ ‬في‭ ‬نظم‭ ‬الشعر،‭ ‬نظم‭ ‬قصائد‭ ‬عمودية،‭ ‬وأخرى‭ ‬منثورة،‭ ‬وأخرى‭ ‬بلا‭ ‬قافية،‭ ‬كذلك‭ ‬نظم‭ ‬مسدسات‭ ‬مطلقة،‭ ‬ومفردات‭ ‬ومثاني‭.‬

من‭ ‬مفرداته‭:‬

إن‭ ‬هذي‭ ‬الحياة‭ ‬عبء‭ ‬ثقيل‭ ‬

وأراني‭ ‬لا‭ ‬أحمل‭ ‬العبء‭ ‬وحدي

 

ومن‭ ‬مثانيه‭: ‬

عبثًا‭ ‬أحمل‭ ‬دائي‭ 

وأرى‭ ‬رأي‭ ‬طـــبيبي

إنني‭ ‬أحتاج‭ ‬يا‭ ‬نَفـ‭  

سُ‭ ‬إلى‭ ‬رأي‭ ‬حـبيبي

 

وفي‭ ‬كتابه‭: ‬غبار‭ ‬السنين‭ (‬الصادر‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الأندلس‭ ‬عام‭ ‬1985‭) ‬كان‭ ‬ينهي‭ ‬بعض‭ ‬نصوصه‭ ‬بأبيات‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬العمودي،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭:‬

كأن‭ ‬النيل‭ ‬لم‭ ‬يكُ‭ ‬قبل‭ ‬شوقي‭ ‬

يفيض‭ ‬على‭ ‬ثرى‭ ‬الهرمين‭ ‬تبرا

ولا‭ ‬فرعون‭ ‬في‭ ‬قوم‭ ‬أباة‭ 

ولا‭ ‬الهرمان‭ ‬من‭ ‬خوفو‭ ‬وخفرا

خلقت‭ ‬لها‭ ‬الخلود‭ ‬وكل‭ ‬خُلد‭ 

تمنّى‭ ‬من‭ ‬قريضك‭ ‬فيه‭ ‬شطرا

 

في‭ ‬نقد‭ ‬شعره

عمر‭ ‬فروخ‭ ‬الذي‭ ‬هاجم‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث‭ ‬نظم‭ ‬على‭ ‬منواله‭ ‬متحديًا،‭ ‬ومعلمًا،‭ ‬ومعترفًا‭ ‬أنّ‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث‭ ‬جمالًا،‭ ‬وشعره‭ ‬كلّه‭ ‬مدرسي‭ ‬عقليّ،‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬صور‭ ‬شعرية‭ ‬أو‭ ‬خيال‭ ‬مجنح،‭ ‬أو‭ ‬عاطفة‭ ‬لاهبة‭... ‬هو‭ ‬جاد،‭ ‬ينشد‭ ‬القيم‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬صحيحة‭ ‬ومفردات‭ ‬مختارة،‭ ‬وقافية‭ ‬لا‭ ‬عيوب‭ ‬فيها‭. ‬

وكان‭ ‬عمر‭ ‬يوثّق‭ ‬قصائده‭ ‬زمانًا‭ ‬ومكانًا،‭ ‬وقد‭ ‬يوطئ‭ ‬بفقرة‭ ‬نثرية‭ ‬تشرح،‭ ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬عقله‭ ‬المنظم‭ ‬وسلوكه‭ ‬التعليمي‭ ‬الجدي،‭ ‬أما‭ ‬حواشي‭ ‬صفحاته‭ ‬فغنيّة‭ ‬بتفسير‭ ‬المفردات،‭ ‬والتعريف‭ ‬بالأعلام‭ ‬والأماكن‭ ‬وما‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬سيغلق‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ■