سعاد محمد صوت كبير حاصره الطابع الكلثومي

سعاد محمد  صوت كبير حاصره الطابع الكلثومي

  ‬لا‭ ‬شكّ‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬التحاق‭ ‬الصوت‭ ‬النسائي‭ ‬الكبير‭ (‬فيروز‭) ‬المبكّر‭ ‬بالمؤسسة‭ ‬الرحبانية،‭ ‬وتحوّله‭ ‬إلى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الثالوث‭ ‬الذي‭ ‬شكّل‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الموسيقية‭ ‬قد‭ ‬أدّى‭ ‬دورًا‭ ‬في‭ ‬حجب‭ ‬الشهرة‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬اللبنانية‭ ‬القادرة،‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬إسهامات‭ ‬بنهضة‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بين‭ ‬القاهرة‭ ‬وبيروت،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الصوت‭ ‬الكبير‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬عرف‭ ‬كيف‭ ‬ينتزع‭ ‬حقّه‭ ‬من‭ ‬الشهرة،‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬العطاء‭ ‬وبعد‭ ‬الرحيل،‭ ‬هو‭ ‬صوت‭ ‬صباح‭. ‬أما‭ ‬الكوكبة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬لحقها‭ ‬الظلم‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬العطاء‭ ‬وبعد‭ ‬الرحيل،‭ ‬فتضمّ‭ ‬مجموعة‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬بلا‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬الصوتان‭ ‬النسائيان‭ ‬اللبنانيان،‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭ ‬ونور‭ ‬الهدى،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أصوات‭ ‬مهمّة‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬نجاح‭ ‬سلام‭ ‬ووداد‭.‬

  ‬سنخصص‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬لصوت‭ ‬المطربة‭ ‬الكبيرة‭ ‬سعاد‭ ‬محمد،‭ ‬آملين‭ ‬أن‭ ‬يكشف‭ ‬النقاد‭ ‬والمؤرّخون‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬قيمة‭ ‬صوتها‭ ‬وعطائه،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬زميلاتها‭ ‬الأخريات‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬غير‭ ‬بعيد،‭ ‬يوم‭ ‬تستعيد‭ ‬النهضة‭ ‬الموسيقية‭ ‬العربية‭ ‬انطلاقتها،‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬خمود‭.‬

اسمها‭ ‬الحقيقي‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭ ‬المصري،‭ ‬كدلالة‭ ‬على‭ ‬أصولها‭ ‬المصرية،‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬صوتها‭ ‬وأداءها،‭ ‬رغم‭ ‬هجرة‭ ‬عائلتها‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭.‬

لمع‭ ‬صوت‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكّر‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬كسائر‭ ‬الأصوات‭ ‬الكبيرة‭ ‬النسائية‭ ‬والرجالية،‭ ‬وكان‭ ‬الموسيقار‭ ‬اللبناني‭ ‬توفيق‭ ‬الباشا،‭ ‬يروي‭ ‬لي‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬تنبّه‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكّر‭ ‬إلى‭ ‬الأهمية‭ ‬الاستثنائية‭ ‬لصوت‭ ‬سعاد‭ ‬محمد،‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬تؤدي‭ ‬رائعة‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ (‬من‭ ‬ألحان‭ ‬محمد‭ ‬القصبجي‭) ‬‮«‬ليه‭ ‬تلاوعيني‭ ‬وانتِ‭ ‬نور‭ ‬عيني‮»‬،‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬تتجاوز‭ ‬سنواتها‭ ‬العشر‭ ‬بسنتين‭ ‬فقط‭. ‬وقد‭ ‬ظلّ‭ ‬لهذه‭ ‬العلاقة‭ ‬المبكّرة‭ ‬أثرها‭ ‬المهم‭ ‬عندما‭ ‬عادت‭ ‬سعاد‭ ‬من‭ ‬هجرتها‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬لتعاود‭ ‬مزاولة‭ ‬الغناء‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬تزوّجت‭ ‬خلالها‭ ‬الشاعر‭ ‬الغنائي‭ ‬اللبناني‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬فتوح،‭ ‬قبل‭ ‬عودتها‭ ‬الثانية‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬واستقرارها‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬الرحيل‭.‬

 

اكتشاف‭ ‬مبكّر

قليلون‭ ‬مَن‭ ‬يعلمون‭ ‬أن‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭ ‬انتسبت،‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬شبابها‭ ‬الأول‭ ‬بعقد‭ ‬الأربعينيات،‭ ‬إلى‭ ‬رعيل‭ ‬الفنانات‭ ‬اللبنانيات‭ ‬اللواتي‭ ‬ارتحلن‭ ‬مبكرًا‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬الشهرة،‭ ‬عقب‭ ‬نضج‭ ‬النهضة‭ ‬الموسيقية‭ ‬هناك‭ (‬بعد‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭)‬،‭ ‬وارتباط‭ ‬هذه‭ ‬النهضة‭ ‬شديد‭ ‬الإغراء‭ ‬بنهضة‭ ‬الأفلام‭ ‬الغنائية‭ ‬السينمائية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُغري‭ ‬كلّ‭ ‬صوت‭ ‬جميل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬بالانتقال‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬وضمّت‭ ‬كوكبة‭ ‬الراحلين‭ ‬من‭ ‬بيروت‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬كلّا‭ ‬من‭ ‬لور‭ ‬دكاش‭ ‬ونور‭ ‬الهدى‭ ‬وصباح‭ ‬وسعاد‭ ‬محمد،‭ ‬وحتى‭ ‬وديع‭ ‬الصافي‭.‬

ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أنّه‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬اكتشاف‭ ‬مبكّر‭ ‬لروعة‭ ‬الصوت‭ ‬النسائي‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬لبنان،‭ ‬دون‭ ‬الاهتمام‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تتمتّع‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الموهبة‭ ‬الصوتية،‭ ‬بموهبة‭ ‬تمثيلية،‭ ‬حتى‭ ‬تصلح‭ ‬للقيام‭ ‬ببطولة‭ ‬أفلام‭ ‬غنائية‭.‬

وعندما‭ ‬توجّه‭ ‬المنتجون‭ ‬مع‭ ‬نكبة‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬أول‭ ‬فيلم‭ ‬عن‭ ‬النكبة‭ (‬فتاة‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬اهتمامهم‭ ‬يتركّز،‭ ‬بلا‭ ‬شك،‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭ ‬المدهش،‭ ‬دون‭ ‬أيّ‭ ‬التفات‭ ‬إلى‭ ‬موهبتها‭ ‬التمثيلية،‭ ‬بدليل‭ ‬القيمة‭ ‬الموسيقية‭ ‬والغنائية‭ ‬للأغاني‭ ‬التي‭ ‬لحّنها‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬زكريا‭ ‬أحمد‭ ‬ورياض‭ ‬السنباطي،‭ ‬وهي‭ ‬قيمة‭ ‬الأداء‭ ‬الرائع‭ ‬المبكّر‭ ‬لسعاد‭ ‬محمد،‭ ‬مقارنةً‭ ‬بالتواضع‭ ‬الشديد‭ ‬لمستوى‭ ‬الفيلم‭ ‬ومستوى‭ ‬التمثيل‭ ‬فيه،‭ ‬خاصّة‭ ‬تمثيل‭ ‬النجمة‭ ‬الجديدة‭.‬

أصبحت‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭ ‬بهذا‭ ‬الفيلم‭ ‬ثالث‭ ‬فنانة‭ ‬لبنانية‭ ‬تغزو‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬الغنائية،‭ ‬بأفلام‭ ‬قامت‭ ‬فيها‭ ‬بدور‭ ‬البطولة،‭ ‬بعد‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬وصباح‭.‬

 

أجمل‭ ‬ما‭ ‬غنّت‭ ‬سعاد

‭ ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬شكّ‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬أداء‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭ ‬الغنائي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬الأول،‭ ‬قد‭ ‬غطّى‭ ‬على‭ ‬ضحالة‭ ‬موهبتها‭ ‬التمثيلية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدّى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بسنوات‭ ‬قليلة،‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬استقطابها‭ ‬لفيلم‭ ‬ثانٍ‭ ‬تولّى‭ ‬التلحين‭ ‬فيه‭ ‬كلٌّ‭ ‬من‭ ‬زكريا‭ ‬أحمد‭ ‬ورياض‭ ‬السنباطي‭ ‬ومحمود‭ ‬الشريف،‭ ‬وقدّمت‭ ‬فيه‭ ‬سعاد‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬غنّت‭ ‬في‭ ‬حياتها،‭ ‬مثل‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬وحدي‮»‬‭ (‬عنوان‭ ‬الفيلم‭) ‬من‭ ‬ألحان‭ ‬السنباطي،‭ ‬و‮«‬فتح‭ ‬الهوى‭ ‬شبّاك‮»‬‭ ‬له‭ ‬أيضًا‭.‬

وأدت‭ ‬سعاد‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬ألحان‭ ‬العبقري‭ ‬المظلوم‭ ‬الآخر‭ ‬محمود‭ ‬الشريف‭ ‬لحنه‭ ‬الرائع،‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬غنّت‭ ‬سعاد‭ ‬في‭ ‬حياتها‭: ‬

‭ ‬‮«‬مين‭ ‬السّبب‭ ‬في‭ ‬الحب‭... ‬القلب‭ ‬والّا‭ ‬العين»؟

لكن‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬حظ‭ ‬سعاد‭ ‬أن‭ ‬الروعة‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬أدائها‭ ‬الغنائي،‭ ‬لملحّنين‭ ‬من‭ ‬الكبار،‭ ‬قد‭ ‬تراجعت‭ ‬أمام‭ ‬الضعف‭ ‬الشديد‭ ‬لموهبتها‭ ‬التمثيلية،‭ ‬فكان‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬وحدي‮»‬‭ ‬ثاني‭ ‬وآخر‭ ‬أفلامها‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬ولم‭ ‬يُكتب‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تُظهر‭ ‬صوتها‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬جماهيرية،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬زميلتاها‭ ‬اللبنانيتان‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬وصباح‭.‬

‭ ‬ولعلّ‭ ‬التنقّل‭ ‬بين‭ ‬القاهرة‭ ‬وبيروت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬المبكر،‭ ‬قد‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬صوت‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭ ‬الكبير،‭ ‬وواحد‭ ‬من‭ ‬أنجب‭ ‬المواهب‭ ‬الموسيقية‭ ‬السورية‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬الأربعينيات،‭ ‬هو‭ ‬محمد‭ ‬محسن‭ (‬الناشف‭)‬،‭ ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬قد‭ ‬أثمر‭ ‬عددًا‭ ‬قليلاً‭ ‬من‭ ‬الأغاني،‭ ‬فإن‭ ‬موهبة‭ ‬محمد‭ ‬محسن‭ ‬التلحينيّة‭ ‬المتأثرة‭ ‬بوضوح‭ ‬بالموسيقار‭ ‬الكبير‭ ‬رياض‭ ‬السنباطي،‭ ‬وعبقرية‭ ‬سعاد‭ ‬الغنائية‭ ‬قد‭ ‬وقعتا‭ ‬في‭ ‬أسر‭ ‬الطابع‭ ‬الكلثومي‭ ‬بالغناء‭ ‬النسائي‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬أنتج‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬أروع‭ ‬ما‭ ‬لحّن‭ ‬محسن،‭ ‬وأروع‭ ‬ما‭ ‬غنّت‭ ‬سعاد‭ ‬طوال‭ ‬حياتها‭: ‬دمعة‭ ‬على‭ ‬خد‭ ‬الزمن،‭ ‬والعمر‭ ‬يوم،‭ ‬ومظلومة‭ ‬يا‭ ‬ناس،‭ ‬المتأثّرة‭ ‬كثيرًا‭ ‬برائعة‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬والسنباطي‭ ‬‮«‬ظلموني‭ ‬الناس‮»‬‭.‬

وبعد‭ ‬النجاح‭ ‬المدهش‭ ‬لهذه‭ ‬الأغنيات‭ ‬المبكّرة،‭ ‬وبعد‭ ‬فشل‭ ‬سعاد‭ ‬السينمائي‭ ‬الواضح،‭ ‬رغم‭ ‬روعة‭ ‬صوتها‭ ‬في‭ ‬أغاني‭ ‬فيلميها‭ ‬الأوّلين‭ ‬والأخيرين،‭ ‬وربما‭ ‬ظروف‭ ‬أخرى‭ ‬أيضًا،‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬سعاد‭ ‬للاستقرار‭ ‬في‭ ‬بيروت‭.‬

 

خامة‭ ‬عبقرية

حتى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭ ‬المبكّر‭ ‬في‭ ‬لفت‭ ‬الأنظار‭ ‬والأسماع‭ ‬إلى‭ ‬عبقرية‭ ‬خامتها‭ ‬الصوتية‭ ‬وأدائها‭ ‬الغنائي،‭ ‬فإنّ‭ ‬الذين‭ ‬دهشوا‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الغنائية‭ ‬الجديدة،‭ ‬تنبّهوا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عبقرية‭ ‬الصوت‭ ‬والأداء‭ ‬لدى‭ ‬سعاد‭ ‬محمد،‭ ‬هي‭ ‬الابنة‭ ‬الشرعية‭ ‬للطابع‭ ‬الكلثومي،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬الصوت،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬الغنائي،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬الملحن‭ ‬الكبير‭ ‬حليم‭ ‬الرومي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يمنح‭ ‬صوت‭ ‬سعاد‭ ‬لحنه‭ ‬الخالد‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬الشعب‭ ‬يومًا‭ ‬أراد‭ ‬الحياة‮»‬،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الاكتشاف‭ ‬قد‭ ‬أسعدَ‭ ‬سعاد‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنّها‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬تتابع‭ ‬رسم‭ ‬خطّ‭ ‬مستقبل‭ ‬في‭ ‬الغناء‭ ‬عن‭ ‬الطابع‭ ‬الكلثومي‭ ‬الباهر،‭ ‬فإنّها‭ ‬غرقت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التشابه،‭ ‬فراحت‭ ‬تخصّص‭ ‬ظهورها‭ ‬الفني‭ ‬لإعادة‭ ‬أداء‭ ‬ما‭ ‬يشتهر‭ ‬جماهيريًا‭ ‬من‭ ‬أغنيات‭ ‬أم‭ ‬كلثوم،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬الحفلات‭ ‬الرائعة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقدّمها‭ ‬في‭ ‬الملاهي‭ ‬الليلية‭. ‬وقد‭ ‬قدّر‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أستمتع‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السهرات‭ ‬الغنائية‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬فيها‭ ‬سعاد‭ ‬بعبقرية‭ ‬صوتية،‭ ‬أغنيات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬شمس‭ ‬الأصيل‮»‬،‭ ‬و«عوّدت‭ ‬عيني‮»‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬روائع‭ ‬السنباطي‭ ‬لصوت‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬العبقري‭.‬

وما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬التشابه‭ ‬الوحيد‭ ‬بين‭ ‬الطابع‭ ‬الكلثومي‭ ‬والطابع‭ ‬الذي‭ ‬التزمت‭ ‬به‭ ‬سعاد،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يجتهد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الملحنين‭ ‬بالتعاون‭ ‬معها،‭ ‬كانت‭ ‬تتّجه‭ ‬في‭ ‬أغنياتها‭ ‬الخاصة‭ ‬إلى‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الاستغراق‭ ‬بالطابع‭ ‬الكلثومي‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬تنبّهت‭ ‬سعاد،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬متأخر‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬حياتها‭ ‬الفنية،‭ ‬إلى‭ ‬أنّها‭ ‬قد‭ ‬استغرقت‭ ‬في‭ ‬اللون‭ ‬الكلثومي‭ ‬بطريقة‭ ‬مُبالغ‭ ‬فيها،‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬محاصرة‭ ‬خصوصية‭ ‬الإبداع‭ ‬الغنائي‭ ‬العبقري‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تؤديه‭ ‬بصوتها‭ ‬الكبير‭.‬

ففي‭ ‬بيروت‭ ‬مثلًا،‭ ‬حظيت‭ ‬سعاد‭ ‬باهتمام‭ ‬أحد‭ ‬مكتشفيها‭ ‬الأوائل،‭ ‬توفيق‭ ‬الباشا،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يبذل‭ ‬جهودًا‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬تحف‭ ‬التراث‭ ‬الموسيقي‭ ‬العربي‭ ‬صياغة‭ ‬جديدة،‭ ‬من‭ ‬الموشحات‭ ‬والأدوار،‭ ‬فأتحفنا‭ ‬بصوت‭ ‬سعاد‭ ‬الكبير‭ ‬بأداء‭ ‬رائع‭ ‬لدور‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬هويت‮»‬‭ ‬لسيّد‭ ‬درويش،‭ ‬فجاء‭ ‬تحفة‭ ‬غنائية‭ ‬جديدة‭ ‬لهذا‭ ‬الدور‭ ‬التراثي‭.‬

وقد‭ ‬روت‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭ ‬لشقيقي‭ ‬المايسترو‭ ‬سليم‭ ‬سحّاب،‭ ‬أنها‭ ‬عندما‭ ‬حملت‭ ‬تسجيلها‭ ‬لأداء‭ ‬دور‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬هويت‮»‬‭ ‬بصياغة‭ ‬توفيق‭ ‬الباشا،‭ ‬إلى‭ ‬الموسيقار‭ ‬محمد‭ ‬عبدالوهاب،‭ ‬أدّت‭ ‬دهشة‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬بما‭ ‬سمع،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يخاطب‭ ‬سعاد‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬يا‭ ‬مُجرمة‮»‬‭!‬

 

سعاد‭ ‬وعبدالوهاب

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬سعاد،‭ ‬رغم‭ ‬اهتمام‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬زكريا‭ ‬أحمد‭ ‬والسنباطي‭ ‬بصوتها،‭ ‬وتقديمهما‭ ‬لها‭ ‬بعض‭ ‬روائع‭ ‬ألحانهما،‭ ‬فإنّها‭ ‬كانت‭ ‬تتمنّى‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ولو‭ ‬لحنًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬محمد‭ ‬عبدالوهاب‭. ‬ولعلّها‭ ‬كانت‭ ‬تقصد‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬أسمعته‭ ‬تسجيل‭ ‬دور‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬هويت‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أنّني‭ ‬استمعت‭ ‬في‭ ‬الخمسينيات‭ ‬إلى‭ ‬مشاركة‭ ‬لسعاد‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬على‭ ‬الناصية‮»‬‭ ‬المصري‭ ‬الشهير،‭ ‬فطلبت‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬رائعة‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬الجديدة‭ ‬وقتها‭ ‬‮«‬بافكّر‭ ‬في‭ ‬اللي‭ ‬ناسيني‮»‬،‭ ‬ودعت‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يعاود‭ ‬نشاطه‭ ‬ويقدّم‭ ‬لنا‭ ‬روائع‭ ‬جديدة‭ ‬مثلها،‭ ‬وكان‭ ‬ينقص‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ (‬خجلًا‭) ‬أن‭ ‬تضيف‭ ‬سعاد‭: ‬‮«‬وأنا‭ ‬مستعدة‭ ‬للغناء‮»‬‭.‬

لكنّها‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬عودتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬للإقامة‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬حظيت‭ ‬باهتمام‭ ‬توفيق‭ ‬الباشا،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يهتم‭ ‬بتقديم‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬الألحان‭ ‬العربية‭ ‬الجادة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صوتين‭ ‬كبيرين‭ ‬هما‭ ‬صوتا‭ ‬نور‭ ‬الهدى‭ ‬وسعاد،‭ ‬فاستمعنا‭ ‬بصوت‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الموشّحات‭ ‬التراثية،‭ ‬التي‭ ‬أعاد‭ ‬صياغتها‭ ‬الباشا،‭ ‬وكان‭ ‬أجملها‭ ‬بصوت‭ ‬سعاد‭ ‬موشح‭ ‬‮«‬ملا‭ ‬الكاسات‮»‬‭ ‬محمد‭ ‬عثمان،‭ ‬و«ما‭ ‬احتيالي‮»‬‭ ‬لأبو‭ ‬خليل‭ ‬القباني‭.‬

كمّا‭ ‬أن‭ ‬الباشا‭ ‬وضع‭ ‬لها‭ ‬لحنًا‭ ‬جميلًا‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬الطابع‭ ‬المصري‭ ‬واللبناني،‭ ‬وهي‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬أجمل‭ ‬سلام‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬أتيح‭ ‬لسعاد‭ ‬أن‭ ‬تقدّم‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬بعض‭ ‬نجاحاتها‭ ‬الغنائية،‭ ‬مثل‭ ‬لحن‭ ‬‮«‬أوعدك‮»‬‭ ‬لمحمد‭ ‬سلطان،‭ ‬الذي‭ ‬تفوّق‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬ألحانه‭ ‬لزوجته‭ ‬فايزة‭ ‬أحمد،‭ ‬ثم‭ ‬إعادة‭ ‬تقديم‭ ‬لحن‭ ‬رائع‭ ‬لفريد‭ ‬الأطرش‭ ‬‮«‬بقى‭ ‬عايز‭ ‬تنساني‮»‬،‭ ‬برأيي‭ ‬أنّها‭ ‬تفوّقت‭ ‬في‭ ‬أدائه‭ ‬على‭ ‬صاحب‭ ‬الأغنية‭ ‬الأصلي‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬ذروة‭ ‬ما‭ ‬حظيت‭ ‬به‭ ‬سعاد‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬هي‭ ‬الأغنية‭ ‬الاستثنائية‭ ‬لصوتها‭,‬‭ ‬القصيدة‭ ‬التي‭ ‬لحّنها‭ ‬لها‭ ‬الموسيقار‭ ‬رياض‭ ‬السنباطي‭ ‬من‭ ‬أشعار‭ ‬محمود‭ ‬حسن‭ ‬إسماعيل‭ (‬شاعر‭ ‬النهر‭ ‬الخالد‭ ‬ودعاء‭ ‬الشرق‭ ‬لعبدالوهاب‭): ‬قومي‭ ‬إلى‭ ‬الصلاة،‭ ‬وهي‭ ‬رائعة‭ ‬موجّهة‭ ‬إلى‭ ‬القدس،‭ ‬بعد‭ ‬وقوعها‭ ‬في‭ ‬نير‭ ‬الاحتلال‭ ‬عام‭ ‬1967‭. ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬التحفة‭ ‬الفنيّة‭ ‬أروع‭ ‬ما‭ ‬قدّمته‭ ‬سعاد‭ ‬إثباتًا‭ ‬لقيمة‭ ‬صوتها‭ ‬الاستثنائي‭ ‬ولتجارب‭ ‬عباقرة‭ ‬الموسيقى‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الصوت‭.‬

 

أبرز‭ ‬الأصوات‭ ‬النسائية‭ ‬

خلاصة‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬صوت‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭ ‬هو‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬الأصوات‭ ‬النسائية‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬الغناء‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وإن‭ ‬صاحبة‭ ‬هذا‭ ‬الصوت‭ ‬قد‭ ‬ظلمته‭ ‬بإبقائه‭ ‬في‭ ‬أسر‭ ‬الطابع‭ ‬الكلثومي‭ ‬الغنائي،‭ ‬على‭ ‬عظمة‭ ‬هذا‭ ‬الطابع‭ ‬طبعًا،‭ ‬لكنّ‭ ‬ذلك‭ ‬الأسر‭ ‬بقي‭ ‬قيدًا‭ ‬يحجب‭ ‬عن‭ ‬المستمع‭ ‬العربي‭ ‬خصوصية‭ ‬صوت‭ ‬نسائي‭ ‬كبير‭ ‬هو‭ ‬صوت‭ ‬سعاد‭ ‬محمد‭.‬

وشاءت‭ ‬الظروف‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬لسعاد‭ ‬محمد،‭ ‬وهي‭ ‬تعيش‭ ‬شيخوختها‭ ‬الإنسانية‭ ‬والفنية‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬مناسبة‭ ‬تقدّم‭ ‬فيها‭ ‬مشهدًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬تؤدي‭ ‬فيه‭ ‬خلاصة‭ ‬لائقة‭ ‬بتاريخيها‭ ‬الفني‭ ‬المجيد،‭ ‬فقد‭ ‬أتيح‭ ‬لسعاد‭ ‬أن‭ ‬تقدّم‭ ‬حفلة‭ ‬أولى‭ ‬وأخيرة‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬فصعدت‭ ‬إلى‭ ‬المسرح‭ ‬بشيخوختها‭ ‬الجليلة‭ ‬وهي‭ ‬ترتدي‭ ‬النظارات‭ ‬الطبية،‭ ‬فكان‭ ‬استقبال‭ ‬جمهور‭ ‬القاهرة‭ ‬لها‭ ‬تاريخيًا‭ ‬في‭ ‬حفلة‭ ‬قدّمت‭ ‬فيها‭ ‬أغنيتين‭ ‬فقط،‭ ‬كأنهما‭ ‬خلاصة‭ ‬مفيدة‭ ‬وقيّمة‭ ‬لما‭ ‬قدّمته‭ ‬من‭ ‬غناء‭ ‬مجيد‭ ‬طوال‭ ‬حياتها‭ ‬الفنية،‭ ‬وذلك‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬المايسترو‭ ‬سليم‭ ‬سحاب‭ ‬الذي‭ ‬يعشق‭ ‬صوت‭ ‬سعاد‭ ‬ويقدّره‭ ‬عظيم‭ ‬التقدير،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬استقبال‭ ‬جمهور‭ ‬دار‭ ‬أوبرا‭ ‬القاهرة‭ ‬لها‭ ‬تاريخيًا‭ ‬في‭ ‬الأغنيتين‭ ‬التي‭ ‬أحسنت‭ ‬اختيارهما‭ ‬للتقديم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحفلة‭ ‬التاريخية،‭ ‬وكأنها‭ ‬تقدّم‭ ‬خلاصة‭ ‬لكلّ‭ ‬ما‭ ‬قدّمته‭ ‬في‭ ‬حياتها،‭ ‬فأدت‭ ‬لحن‭ ‬الملحن‭ ‬الكبير‭ ‬أحمد‭ ‬صدقي‭ ‬الخاص‭ ‬بها‭:‬

من‭ ‬غير‭ ‬حب‭ ‬الدنيا‭ ‬دي‭ ‬إيه

من‭ ‬غير‭ ‬حب‭ ‬نعيش‭ ‬على‭ ‬إيه

ثم‭ ‬ختمت‭ ‬الحفلة‭ ‬برائعة‭ ‬زكريا‭ ‬أحمد‭ ‬الأخيرة‭ ‬لأم‭ ‬كلثوم‭ ‬‮«‬الهوى‭ ‬غلّاب‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬
كانت‭ ‬حرارة‭ ‬استقبال‭ ‬جمهور‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬لسعاد‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬مشهدًا‭ ‬
تاريخيًا‭ ‬ختاميًا‭ ‬يليق‭ ‬بسعاد‭ ‬محمد‭ ‬وكلّ‭ ‬ما‭ ‬قدّمت،‭ ‬ختمه‭ ‬المايسترو‭ ‬سحاب‭ ‬بالانحناء‭ ‬وتقبيل‭ ‬يد‭ ‬المطربة‭ ‬التي‭ ‬وصفها‭ ‬بأنّها‭ ‬صاحبة‭ ‬الصوت‭ ‬العظيم ■