حسن الإمام السينما الرومانسـية تمتزج بالمآسي الاجتماعية

حسن الإمام السينما الرومانسـية تمتزج بالمآسي الاجتماعية

  ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬عام‭ ‬مضت‭ ‬على‭ ‬ميلاد‭ ‬مخرج‭ ‬الروائع‭ ‬حسن‭ ‬الإمام،‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬تاركًا‭ ‬تراثًا‭ ‬سينمائيًا‭ ‬ذا‭ ‬سمات‭ ‬خاصة‭. ‬وُلد‭ ‬عام‭ ‬1919‭ ‬ورحل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬وبين‭ ‬الميلاد‭ ‬والرحيل‭ ‬مسيرة‭ ‬فنيّة‭ ‬غنيّة‭ ‬بالعمل‭ ‬والتفرّد،‭ ‬قدّم‭ ‬خلالها‭ ‬أعمالًا‭ ‬مائزةً‭ ‬وضعت‭ ‬اسمه‭ ‬بين‭ ‬كبار‭ ‬مخرجي‭ ‬السينما‭ ‬العربية‭. ‬

منذ‭ ‬أن‭ ‬رشّحه‭ ‬صلاح‭ ‬أبو‭ ‬سيف‭ ‬لإخراج‭ ‬فيلم‭ ‬زقاق‭ ‬المدق‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬عن‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬الاسم‭ ‬نفسه،‭ ‬ثم‭ ‬إخراجه‭ ‬ثلاثة‭ ‬أفلام‭ ‬أخرى‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الثلاثية»؛‭ ‬أصبح‭ ‬ضمن‭ ‬أبرز‭ ‬مخرجي‭ ‬الواقعيّة‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬أخرجها‭ ‬حسن‭ ‬الإمام‭ ‬حوالي‭ ‬100‭ ‬فيلم‭ ‬جعلته‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬مخرجي‭ ‬السينما‭ ‬غزارة،‭ ‬يأتي‭ ‬بعده‭ ‬مخرجون‭ ‬كبار‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬هنري‭ ‬بركات،‭ ‬وفطين‭ ‬عبدالوهاب،‭ ‬وصلاح‭ ‬أبو‭ ‬سيف‭. ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬عدد‭ ‬الأفلام‭ ‬ليس‭ ‬معيارًا‭ ‬للقيمة‭ ‬الفنيّة،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬الإمام‭ ‬قدّم‭ ‬عديدًا‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬جعلته‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أهمّ‭ ‬المخرجين‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬لاسيّما‭ ‬أنه‭ ‬اهتمّ‭ ‬بقضايا‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬

  ‬لم‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬لقب‭ ‬مخرج‭ ‬الروائع‭ ‬من‭ ‬فراغ؛‭ ‬فقد‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يحوز‭ ‬الاهتمام‭ ‬بمجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الروائية‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ - ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬مختلفة‭ - ‬حيوات‭ ‬الإنسان‭ ‬وما‭ ‬يمرّ‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬صراعات‭ ‬وطموح‭ ‬ورؤى‭ ‬متباينة‭ ‬للواقع‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه،‭ ‬ولذلك‭ ‬قدّم‭ ‬سمات‭ ‬إنسانيّة‭ ‬منبثقة‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬حقيقي‭ ‬بالواقع‭ ‬وبالإنسان‭. ‬والمتأمّل‭ ‬لشخصياته‭ ‬يلمح‭ ‬تعدّد‭ ‬الوجوه‭ ‬واختلافها،‭ ‬فنجد‭ ‬صورة‭ ‬المرأة‭ ‬الضحية،‭ ‬والرجل‭ ‬الازدواجي،‭ ‬والمستكبر‭ ‬المختال،‭ ‬والابن‭ ‬العاقّ،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬أدهشت‭ ‬المشاهد‭.‬

لذا،‭ ‬فإنّ‭ ‬أعماله‭ ‬تحفل‭ ‬بشخصيات‭ ‬مفارقة‭ ‬للواقع‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬كينونتها‭ ‬ووجودها‭ ‬عبْر‭ ‬المثابرة‭ ‬والدأب‭ ‬في‭ ‬دروب‭ ‬الحياة،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬في‭ ‬واقعها‭ ‬المرير‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬زوزو‮»‬،‭ ‬و«أميرة‮»‬‭. ‬وهناك‭ ‬شخصيات‭ ‬أخرى‭ ‬تجنح‭ ‬باختيارها‭ ‬إلى‭ ‬انحراف‭ ‬أخلاقي‭ ‬نتيجة‭ ‬إصابتها‭ ‬بآفة‭ ‬الاستعلاء‭ ‬وزيف‭ ‬الفحولة‭ ‬المفتعلة،‭ ‬مثل‭ ‬السيد‭ ‬أحمد‭ ‬عبدالجواد‭. ‬

 

تناقضات‭ ‬لافتة

جاءت‭ ‬الدهشة‭ ‬والانجذاب‭ ‬إلى‭ ‬شخصياته‭ ‬وعوالمها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مفارقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬عبّرت‭ ‬عن‭ ‬تناقضات‭ ‬لافتة؛‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬التكوين‭ ‬النفسي‭ ‬والدرامي،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬بائعة‭ ‬الخبز‮»‬،‭ ‬وأثر‭ ‬موقف‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬زينب‭ ‬في‭ ‬‮«‬خلّي‭ ‬بالك‭ ‬من‭ ‬زوزو‮»‬،‭ ‬والسلطانة‭ ‬في‭ ‬‮«‬سلطانة‭ ‬الطرب‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬جاءت‭ ‬النظرة‭ ‬السلبية‭ ‬تجاه‭ ‬المرأة‭ ‬رغم‭ ‬معاناتها،‭ ‬وأيضًا‭ ‬شخصيتا‭ ‬السيد‭ ‬أحمد‭ ‬عبدالجواد،‭ ‬وياسين‭ ‬في‭ ‬‮«‬الثلاثية‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬لفت‭ ‬الأول‭ ‬الأنظار‭ ‬بمفهومه‭ ‬الضيّق‭ ‬للمرأة‭ ‬وازدواجية‭ ‬هذه‭ ‬النظرة،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬المرأة‭ ‬زوجة‭ ‬أو‭ ‬ابنة‭ ‬أو‭ ‬صديقة‭. ‬أمّا‭ ‬ياسين‭ ‬فقد‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬نظرة‭ ‬كلاسيكية‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬فحولة‭ ‬بدائية‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬المرأة‭ ‬إلّا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭.‬

وقد‭ ‬تناولت‭ ‬أفلامه‭ ‬قضايا‭ ‬الإنسان‭ ‬وأزماته‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬فجاءت‭ ‬الشخصيات‭ ‬نماذج‭ ‬معبّرة‭ ‬عن‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬زمنية‭ ‬مختلفة‭ ‬وظروف‭ ‬اجتماعية‭ ‬متباينة،‭ ‬وعبّرت‭ ‬الأفلام‭ ‬عن‭ ‬أزمات‭ ‬إنسانية‭ ‬محددة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬زمنية،‭ ‬أي‭ ‬أنّ‭ ‬المرحلة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬عبّرت‭ ‬عنها‭ ‬شخصيات‭ ‬مثل‭ ‬أمينة،‭ ‬والسيد‭ ‬أحمد‭ ‬عبدالجواد،‭ ‬وكمال،‭ ‬وفهمي‭ ‬في‭ ‬‮«‬الثلاثية»؛‭ ‬اختلفت‭ ‬عنها‭ ‬كليّة‭ ‬مثيلاتها‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬واقعًا‭ ‬مغايرًا‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬زمنية‭ ‬أخرى،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬أفلامه‭ ‬خلال‭ ‬السبعينيات‭ ‬والثمانينيات‭. ‬

وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يتناول‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬زقاق‭ ‬المدق‮»‬‭ ‬أزمة‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شخصية‭ ‬حميدة‭ ‬التي‭ ‬تتطلّع‭ ‬إلى‭ ‬التحقق‭ ‬والثراء‭ ‬بحسب‭ ‬وعيها،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬بدأت‭ ‬انطلاقتها‭ ‬نحو‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬وميادين‭ ‬العمل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يتّضح‭ ‬الأثر‭ ‬السلبي‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬تأخُّر‭ ‬التعليم‭ ‬وتأثيره‭ ‬على‭ ‬مصيرها،‭ ‬حيث‭ ‬تتكشف‭ ‬الثقافة‭ ‬السطحية‭ ‬للمرأة‭ ‬وقلّة‭ ‬وعيها‭.‬

‭ ‬

تنوّع‭ ‬وثراء

كذلك‭ ‬تعبّر‭ ‬أفلام‭ ‬‮«‬بين‭ ‬القصرين‮»‬‭ (‬1964‭)‬،‭ ‬و«قصر‭ ‬الشوق‮»‬‭ (‬1967‭)‬،‭ ‬و«السكّرية‮»‬‭ (‬1974‭) ‬عمّا‭ ‬تمرّ‭ ‬به‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬لدورها،‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬فاعلية‭ ‬حقيقية‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬دورها‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬التقليدي‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬ورعاية‭ ‬الأولاد‭.‬

تميّزت‭ ‬تجربة‭ ‬الإمام‭ ‬بالتنوع‭ ‬والثراء،‭ ‬بسبب‭ ‬مروره‭ ‬بمراحل‭ ‬فنيّة‭ ‬مختلفة‭ ‬اهتم‭ ‬خلالها‭ ‬بالقصص‭ ‬المأسوية،‭ ‬والسينما‭ ‬الواقعية،‭ ‬والأفلام‭ ‬الغنائية‭. ‬

وتميّزت‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ - ‬في‭ ‬كل‭ ‬اتجاهاتها‭ ‬ومراحلها‭ - ‬بالاحتفاء‭ ‬بقضايا‭ ‬البسطاء،‭ ‬والتعبير‭ ‬بصدق‭ ‬عن‭ ‬الحدث‭ ‬الدرامي‭ ‬وسلوك‭ ‬الشخصيات‭. ‬واستمرت‭ ‬رحلته‭ ‬الفنية‭ ‬نحو‭ ‬40‭ ‬عامًا‭ ‬بدأها‭ ‬عام‭ ‬1947‭ ‬بفيلمي‭ ‬‮«‬ملائكة‭ ‬في‭ ‬جهنم‮»‬،‭ ‬و«الستات‭ ‬عفاريت‮»‬،‭ ‬واختتمها‭ ‬عام‭ ‬1986‭ ‬بفيلمي‭ ‬‮«‬عصر‭ ‬الحب‮»‬،‭ ‬و«بكره‭ ‬أحلى‭ ‬من‭ ‬النهاردة‮»‬،‭ ‬وتميّز‭ ‬بكتابة‭ ‬قصص‭ ‬وسيناريوهات‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أفلامه‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬يتناولها‭. ‬وتم‭ ‬اختيار‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬أفلامه‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬أفضل‭ ‬100‭ ‬فيلم‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬السينما‭ ‬المصرية،‭ ‬هي‭ ‬‮«‬خلي‭ ‬بالك‭ ‬من‭ ‬زوزو‮»‬،‭ ‬و«الخطايا‮»‬،‭ ‬و«بين‭ ‬القصرين‮»‬‭.‬

تحتفظ‭ ‬الذاكرة‭ ‬الشعبية‭ ‬بعديد‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬أخرجها‭ ‬حسن‭ ‬الإمام،‭ ‬وترتبط‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي‭ ‬بأحداث‭ ‬ومواقف‭ ‬وأزمات‭ ‬مرّ‭ ‬بها‭ ‬المصريّون‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي،‭ ‬وتمثّل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بصمة‭ ‬خاصة،‭ ‬فلا‭ ‬يذكر‭ ‬اسمه‭ ‬إلّا‭ ‬وتقفز‭ ‬إلى‭ ‬الذّاكرة‭ ‬أفلامه‭ ‬عن‭ ‬ثلاثية‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬كتوثيق‭ ‬سينمائي‭ ‬لمرحلة‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭.‬

 

رؤية‭ ‬فنيّة‭ ‬واعية

كذلك‭ ‬أفلام‭ ‬‮«‬بائعة‭ ‬الخبز‮»‬‭ (‬1953‭)‬،‭ ‬و«التلميذة‮»‬‭ ‬و«الخرساء‮»‬‭ (‬1961‭)‬،‭ ‬و«شفيقة‭ ‬القبطية‮»‬‭ (‬1963‭)‬،‭ ‬و«الراهبة‮»‬‭ (‬1965‭)‬،‭ ‬و«بمبة‭ ‬كشّر‮»‬‭ (‬1974‭)‬،‭ ‬و«بالوالدين‭ ‬إحسانًا‮»‬‭ (‬1976‭)‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬ترسّخت‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬وخاطبت‭ ‬المشاعر‭ ‬الإنسانية‭. ‬

لفت‭ ‬الأنظار‭ ‬مبكرًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬اليتيمتين‮»‬‭ (‬1948‭) ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬وثريا‭ ‬حلمي،‭ ‬وهو‭ ‬الفيلم‭ ‬الثالث‭ ‬في‭ ‬مسيرته،‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬هنري‭ ‬بركات،‭ ‬وشارك‭ ‬الإمام‭ ‬في‭ ‬كتابته‭. ‬تضمّن‭ ‬مشاهد‭ ‬تمثيلية‭ ‬مؤثرة‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬قدرات‭ ‬إخراجية‭ ‬كبيرة‭ ‬نابعة‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬فنيّة‭ ‬واعية،‭ ‬وسيناريو‭ ‬متماسك‭ ‬فنيًا،‭ ‬حيث‭ ‬جعل‭ ‬الشخصية‭ ‬المحورية‭ ‬نعمت‭ ‬تمرُّ‭ ‬بمآزق‭ ‬عديدة،‭ ‬بدأت‭ ‬من‭ ‬تركها‭ ‬طفلة‭ ‬رضيعة‭ ‬أمام‭ ‬الجامع،‭ ‬ثم‭ ‬رحيل‭ ‬الرجل‭ ‬الطيب‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬رعايتها،‭ ‬ثم‭ ‬سعيها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬قوت‭ ‬يومها،‭ ‬وحتى‭ ‬فقدان‭ ‬بصرها‭ ‬ووقوعها‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬امرأة‭ ‬بلا‭ ‬ضمير،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬مأساة‭ ‬البطلة‭ ‬أكثر‭ ‬بروزًا‭ ‬وإلحاحًا،‭ ‬ويجعل‭ ‬المشاهد‭ ‬متعاطفًا‭ ‬معها‭ ‬ومتفاعلًا‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭. ‬وهو‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬تآزر‭ ‬صور‭ ‬القهر‭ ‬التي‭ ‬يصوغها‭ ‬الفيلم‭.‬

 

السينما‭ ‬وحركة‭ ‬المجتمع

ترتبط‭ ‬أفلام‭ ‬الإمام‭ ‬بحركة‭ ‬المجتمع‭ ‬وتفاصيله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تداخل‭ ‬السياسي‭ ‬مع‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتقاطع‭ ‬الشخصي‭ ‬بالعام،‭ ‬ورصْد‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬تجاه‭ ‬ما‭ ‬تمرّ‭ ‬به‭ ‬الشخصيات‭ ‬المحورية‭ ‬من‭ ‬مآزق‭ ‬وأحداث،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬البسطاء‭ ‬يقتربون‭ ‬من‭ ‬عالمه‭ ‬ويجدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬أفلامه‭ ‬ويشعرون‭ ‬بأبطاله،‭ ‬واستطاع‭ ‬بقدرته‭ ‬الفنيّة‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬بالممثل‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬المصداقية؛‭ ‬فكم‭ ‬بكى‭ ‬المشاهدون‭ ‬في‭ ‬مشاهد‭ ‬إنسانية‭ ‬تعرّضت‭ ‬فيها‭ ‬الشخصيات‭ ‬للعنف‭ ‬النفسي،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الخطايا‮»‬،‭ ‬وكم‭ ‬استاء‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬السخرية‭ ‬التي‭ ‬تعرّض‭ ‬لها‭ ‬الفقراء‭ ‬بمجتمع‭ ‬الأثرياء‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬خلي‭ ‬بالك‭ ‬من‭ ‬زوزو‮»‬،‭ ‬والحزن‭ ‬من‭ ‬عقوق‭ ‬الوالدين‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬وبالوالدين‭ ‬إحسانًا‮»‬‭... ‬وغيرها؛‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الإمام‭ ‬من‭ ‬أهمّ‭ ‬المخرجين‭ ‬الذين‭ ‬ترتكز‭ ‬أعمالهم‭ ‬على‭ ‬المشاعر‭ ‬الإنسانية‭ ‬ومخاطبة‭ ‬الوجدان‭. ‬تضطلع‭ ‬غالبية‭ ‬أفلامه‭ ‬بمهمة‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬الناس‭ ‬وأزماتهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قصصهم‭ ‬ويومياتهم،‭ ‬وينأى‭ ‬بأفلامه‭ ‬عن‭ ‬التجريد‭ ‬وهاجس‭ ‬الصورة‭ ‬كلوحة‭ ‬تشكيلية،‭ ‬فتنبع‭ ‬أهمية‭ ‬الصورة‭ ‬من‭ ‬مقتضيات‭ ‬التكوين‭ ‬الذي‭ ‬يتشكّل‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬الدرامي‭ ‬وهموم‭ ‬الشخصيات‭.‬

اهتم‭ ‬أيضًا‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬مسيرته‭ ‬الفنية‭ ‬بتقديم‭ ‬الأفلام‭ ‬المأسوية،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬أسرار‭ ‬الناس‮»‬،‭ ‬و«حُكم‭ ‬القوي‮»‬،‭ ‬و«كاس‭ ‬العذاب‮»‬،‭ ‬و‮«‬غضب‭ ‬الوالدين‮»‬،‭ ‬و«في‭ ‬شرع‭ ‬مين‮»‬‭ ‬وغيرها،‭ ‬حيث‭ ‬اهتم‭ ‬بالحالات‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تصطدم‭ ‬فيها‭ ‬الصفات‭ ‬الحميدة‭ ‬بالمعاناة،‭ ‬متكئًا‭ ‬على‭ ‬مرور‭ ‬الشخصيات‭ - ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬المرأة‭ - ‬بمآزق‭ ‬الحياة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬جليًا‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬بنت‭ ‬ناس‮»‬،‭ ‬و‮«‬الخرساء‮»‬،‭ ‬و«ظلموني‭ ‬الناس‮»‬،‭ ‬و«أنا‭ ‬بنت‭ ‬مين‮»‬،‭ ‬وغيرها،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬فيلمي‭ ‬‮«‬الخطايا‮»‬،‭ ‬و«ابن‭ ‬مين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬اتّسمت‭ ‬الرؤية‭ ‬فيهما‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬صورة‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬حالة‭ ‬التشتت‭ ‬والضياع‭. 

 

أزمة‭ ‬وجود‭ ‬ومصير

تتلخص‭ ‬الرؤية‭ ‬الفنية‭ ‬لجلّ‭ ‬أفلام‭ ‬الإمام‭ ‬المأسوية‭ ‬بأحداث‭ ‬تتعلّق‭ ‬بشخصية‭ ‬بطل‭ ‬محوري‭ ‬يمرّ‭ ‬بأزمة‭ ‬وجود‭ ‬تتجاوز‭ ‬كل‭ ‬المشكلات‭ ‬الطارئة‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬الحبيبة‭ ‬أو‭ ‬الصديق‭ ‬أو‭ ‬الزوجة‭ ‬أو‭ ‬السلطة‭... ‬إلخ،‭ ‬طرفها‭ ‬الآخر؛‭ ‬إلى‭ ‬مشكلة‭ ‬تتعلّق‭ ‬بالمصير‭. ‬

فثمة‭ ‬معاناة‭ ‬حقيقية‭ ‬تمرّ‭ ‬بها‭ ‬شخصية‭ ‬البطل‭ ‬وتهدد‭ ‬مصيره‭ ‬بغدٍ‭ ‬معتم‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬فيه‭ ‬اسم‭ ‬أو‭ ‬عائلة‭ ‬أو‭ ‬نسب،‭ ‬أو‭ ‬السقوط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كنعيمة‭ ‬في‭ ‬‮«‬وكر‭ ‬الملذات‮»‬،‭ ‬وزينب‭ ‬في‭ ‬‮«‬خلي‭ ‬بالك‭ ‬من‭ ‬زوزو‮»‬،‭ ‬وأميرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬أميرة‭ ‬حبي‭ ‬أنا‮»‬،‭ ‬ونعمت‭ ‬في‭ ‬‮«‬اليتيمتين‮»‬،‭ ‬وعفاف‭ ‬في‭ ‬‮«‬سلطانة‭ ‬الطرب‮»‬،‭ ‬وحمادة‭ ‬الحلواني‭ ‬في‭ ‬‮«‬ابن‭ ‬مين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‮»‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬تعاني‭ ‬سقوطًا‭ ‬اجتماعيًا‭ ‬نجده‭ ‬انشغل‭ ‬بها‭ ‬وبمصائرها‭ ‬في‭ ‬أعماله‭. ‬

يتناول‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬اليتيمتين‮»‬‭ - ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ - ‬ثيمة‭ ‬فنيّة‭ ‬تمتزج‭ ‬فيها‭ ‬تجليات‭ ‬الضعف‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬فقر،‭ ‬وفقد،‭ ‬وعجز،‭ ‬ووحدة،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬الانتهازية‭ ‬والجبروت‭ ‬وعدم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ويكشف‭ ‬الفيلم‭ ‬عن‭ ‬شكل‭ ‬مختلف‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬القهر،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬قهر‭ ‬المرأة‭ ‬للمرأة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وتضافر‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬المواتية‭ ‬لإنتاج‭ ‬ثيمة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬فنعمت‭ ‬وُجدت‭ ‬أمام‭ ‬الجامع‭ (‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬طفلة‭ ‬غير‭ ‬شرعية‭)‬،‭ ‬وعندما‭ ‬يموت‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬رعايتها؛‭ ‬فإنّها‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬مرّة‭ ‬أخرى‭ ‬سعيًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬قوت‭ ‬يومها،‭ ‬وتصاب‭ ‬بفقدان‭ ‬بصرها،‭ ‬وتقع‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬امرأة‭ ‬شريرة‭. ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط‭ ‬والتعدد‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬القهر‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أثر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬الحالة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تعبّر‭ ‬عنها‭ ‬الشخصية‭. ‬

 

هاجس‭ ‬إثبات‭ ‬الوجود

في‭ ‬تصوري‭ ‬أن‭ ‬الرؤية‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الخطايا‮»‬‭ (‬1962‭) ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬عبدالحليم‭ ‬حافظ،‭ ‬فالتطور‭ ‬الدرامي‭ ‬لشخصية‭ ‬نعمت‭ ‬قريب‭ ‬التشابه‭ - ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬ما‭ - ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬الدرامي‭ ‬لشخصية‭ ‬حسين،‭ ‬فكلاهما‭ ‬يعاني‭ ‬اليُتم،‭ ‬والفقد،‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬الأب،‭ ‬كذلك‭ ‬شخصية‭ ‬حمادة‭ ‬الحلواني‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬ابن‭ ‬مين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‮»‬،‭ ‬وعفاف‭ ‬في‭ ‬‮«‬سلطانة‭ ‬الطرب‮»‬‭. ‬والثيمة‭ ‬نفسها‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬الإمام،‭ ‬بما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬انشغال‭ ‬خاص‭ ‬بمصائر‭ ‬شخصيات‭ ‬تمرّ‭ ‬بأزمات‭ ‬اجتماعية‭. ‬يتوقف‭ ‬‮«‬الخطايا‮»‬‭ ‬عند‭ ‬حالة‭ ‬إنسانية‭ ‬شديدة‭ ‬التعقيد‭ ‬لشاب‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬يُصدم‭ ‬بواقع‭ ‬مرير،‭ ‬حيث‭ ‬تحرمه‭ ‬الظروف‭ ‬من‭ ‬أمّه‭ ‬وأخيه‭ ‬وحبيبته،‭ ‬ويصبح‭ ‬بلا‭ ‬مأوى‭. ‬

وإذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬الشخصية،‭ ‬سنجد‭ ‬أنّ‭ ‬نعمت‭ ‬واجهت‭ ‬جبروت‭ ‬المرأة‭ ‬صاحبة‭ ‬القلب‭ ‬المتحجر،‭ ‬وواجه‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬‮«‬الخطايا‮»‬‭ ‬جبروت‭ ‬الأب‭ ‬الذي‭ ‬سئم‭ ‬تمثيل‭ ‬الدور،‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬كبح‭ ‬جموح‭ ‬ذاته‭ ‬المتصلبّة‭ ‬إزاء‭ ‬ابنه‭ ‬بالتبنّي،‭ ‬ليواجه‭ ‬حسين‭ ‬التشرد‭ ‬والوحدة‭ ‬والفقد‭. ‬وفي‭ ‬‮«‬أميرة‭ ‬حبّي‭ ‬أنا‮»‬‭ (‬1974‭) ‬تقع‭ ‬أميرة‭ ‬في‭ ‬مشكلة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها‭ ‬زوجة،‭ ‬وتعاني‭ ‬الشخصيات‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬‮«‬بائعة‭ ‬الخبز‮»‬،‭ ‬والتلميذة‮»‬،‭ ‬و«بالوالدين‭ ‬إحسانًا‮»‬،‭ ‬و«ابن‭ ‬مين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‮»‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬أزمات‭ ‬مشابهة،‭ ‬ويكاد‭ ‬هاجس‭ ‬إثبات‭ ‬الوجود‭ ‬وتحرّي‭ ‬المصير‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬المسيطر‭ ‬على‭ ‬جلّ‭ ‬أفلامه،‭ ‬إذ‭ ‬تعاني‭ ‬الشخصيات‭ ‬أزمات‭ ‬النّسَب‭ ‬والسقوط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والفقد‭.‬

 

سينما‭ ‬المآزق‭ ‬الإنسانية

حينما‭ ‬انتقل‭ ‬الإمام‭ ‬إلى‭ ‬مراحل‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬الفنية،‭ ‬سواء‭ ‬مرحلة‭ ‬السينما‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬الستينيات،‭ ‬أو‭ ‬مرحلة‭ ‬الأفلام‭ ‬الغنائية‭ ‬في‭ ‬السبعينيات؛‭ ‬لم‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬المآسي‭ ‬الإنسانية،‭ ‬لاسيما‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بقهر‭ ‬المرأة،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬أعماله‭ ‬قد‭ ‬ارتبطت‭ ‬في‭ ‬حقبتي‭ ‬الأربعينيات‭ ‬والخمسينيات‭ ‬بهذه‭ ‬الهواجس؛‭ ‬فإنّها‭ ‬لازمت‭ ‬عالمه‭ ‬الفني‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأخرى،‭ ‬وظلّ‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الفواجِع‭ ‬بأغلب‭ ‬أعماله‭ ‬حتى‭ ‬الغنائية‭ ‬منها،‭ ‬فقد‭ ‬تمحورت‭ ‬أيضًا‭ ‬حول‭ ‬ظروف‭ ‬مأسويّة‭ ‬تمرّ‭ ‬بها‭ ‬المرأة،‭ ‬مثل‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬حكايتي‭ ‬مع‭ ‬الزمان‮»‬‭ (‬1973‭)‬،‭ ‬و«أميرة‭ ‬حبّي‭ ‬أنا‮»‬‭ (‬1974‭) ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬امتزجت‭ ‬فيها‭ ‬الأغنية‭ ‬بالاستعراض،‭ ‬ولاقت‭ ‬نجاحًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬خلي‭ ‬بالك‭ ‬من‭ ‬زوزو‮»‬‭. ‬

 

ملمح‭ ‬أساسي

من‭ ‬السمات‭ ‬الفريدة‭ ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬ملمحًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬في‭ ‬سينما‭ ‬حسن‭ ‬الإمام؛‭ ‬أنه‭ ‬يمزج‭ ‬بين‭ ‬الرومانسية‭ ‬والمأساة،‭ ‬فمن‭ ‬ذروة‭ ‬الألم‭ ‬والإحساس‭ ‬بالغبن‭ ‬تتولّد‭ ‬الرومانسية‭ ‬لتخفّف‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الأيام‭ ‬وبؤسها،‭ ‬ولتشعرنا‭ ‬بقيمة‭ ‬الحياة‭ ‬ودفء‭ ‬الإحساس‭ ‬بالحب‭ ‬الذي‭ ‬يُعين‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬المشقّات‭ ‬والمصاعب،‭ ‬ونجد‭ ‬هذا‭ ‬البناء‭ ‬الدرامي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أفلامه،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬اليتيمتين‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أحبت‭ ‬نعمت‭ ‬حسونة‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬إحساسها‭ ‬بالظلم‭ ‬والألم‭ ‬النفسي‭. ‬وفي‭ ‬‮«‬خلّي‭ ‬بالك‭ ‬من‭ ‬زوزو‮»‬،‭ ‬أحبت‭ ‬زوزو‭ ‬سعيد‭ ‬كامل،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬من‭ ‬زملائها‭ ‬الذين‭ ‬نصّبوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬أوصياء‭ ‬عليها،‭ ‬وفي‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬أميرة‭ ‬حبّي‭ ‬أنا‮»‬‭ ‬وقعت‭ ‬أميرة‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬عادل،‭ ‬رغم‭ ‬ظروفها‭ ‬الحياتية‭ ‬وصعوبة‭ ‬العيش‭ ‬ويُتمها‭ ‬وتولّيها‭ ‬مسؤولية‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬الأسرة،‭ ‬كذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬‮«‬الخرساء‮»‬،‭ ‬و«بياعة‭ ‬الجرايد‮»‬،‭ ‬و«حب‭ ‬وكبرياء‮»‬،‭ ‬و‮«‬ابن‭ ‬مين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‮»‬،‭ ‬وحتى‭ ‬‮«‬عصر‭ ‬الحب‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اصطدمت‭ ‬فيه‭ ‬الرومانسية‭ ‬بحدّة‭ ‬الزمن‭.  

تعبّر‭ ‬الثيمات‭ ‬الفنية‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬الإمام‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الثلاثية‭ ‬كانت‭ ‬أزمة‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬والاستقلال،‭ ‬وعبّرت‭ ‬غالبية‭ ‬الشخصيات‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬ظروف‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسياسية‭ ‬معيّنة‭. ‬وفي‭ ‬‮«‬اليتيمتين‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬نجمة‭ ‬إبراهيم‭ ‬تحاول‭ ‬هدم‭ ‬شخصية‭ ‬الفتاة،‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬صُنع‭ ‬شخصية‭ ‬أخرى،‭ ‬متسولة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أبت‭ ‬الفتاة‭ ‬وسعت‭ ‬إلى‭ ‬خَلاصها‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬كينونتها،‭ ‬رغم‭ ‬الضعف‭ ‬وقلّة‭ ‬الحيلة،‭ ‬كذلك‭ ‬حاول‭ ‬عماد‭ ‬حمدي‭ ‬هدم‭ ‬ابنه‭ ‬بالتبني،‭ ‬بالإفصاح‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬قديمة‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لذكرها،‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬نلحظه‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬ظلموني‭ ‬الناس‮»‬،‭ ‬و«أنا‭ ‬بنت‭ ‬مين‮»‬‭.‬

لم‭ ‬تسيطر‭ ‬ثيمة‭ ‬المأساة‭ ‬على‭ ‬أفلام‭ ‬الإمام‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وخمسينياته‭ ‬فحسْب،‭ ‬مثل‭ ‬أفلام‭ ‬‮«‬البوسطجي‮»‬،‭ ‬و«ظلموني‭ ‬الناس‮»‬،‭ ‬و«حُكم‭ ‬القوي‮»‬،‭ ‬و‮«‬غضب‭ ‬الوالدين‮»‬،‭ ‬و«وكر‭ ‬الملذات‮»‬،‭ ‬و«بائعة‭ ‬الخبز‮»‬،‭ ‬وغيرها؛‭ ‬إنما‭ ‬استمرت‭ ‬هذه‭ ‬الثيمة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أفلامه‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬الستينيات،‭ ‬وكانت‭ ‬مؤشرًا‭ ‬قويًا‭ ‬على‭ ‬ارتباط‭ ‬أعماله‭ ‬بالفواجع‭ ‬وعدم‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬مآسي‭ ‬الشخصيات،‭ ‬وظهر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأفلام،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬زقاق‭ ‬المدق‮»‬،‭ ‬و«بياعة‭ ‬الجرايد‮»‬،‭ ‬و«بين‭ ‬القصرين‮»‬،‭ ‬و«قصر‭ ‬الشوق‮»‬،‭ ‬وغيرها‭. ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬الغنائية‭ ‬والاستعراضية‭ ‬التي‭ ‬استهلها‭ ‬بفيلم‭ ‬‮«‬الخطايا»؛‭ ‬لم‭ ‬يبتعد‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬المأساة،‭ ‬وبدا‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬‮«‬خلي‭ ‬بالك‭ ‬من‭ ‬زوزو‮»‬،‭ ‬و«أميرة‭ ‬حبي‭ ‬أنا‮»‬،‭ ‬و«حكايتي‭ ‬مع‭ ‬الزمان‮»‬،‭ ‬و«سلطانة‭ ‬الطرب‮»‬،‭ ‬و«ابن‭ ‬مين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‮»‬‭ ‬‭‬ ■