المسرح العربي بين النصّ والعَرض الصيغة الجادة كفعل إدانة للواقع

المسرح العربي بين النصّ والعَرض  الصيغة الجادة كفعل إدانة للواقع

في‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬وحين،‭ ‬يصدر‭ ‬النصّ‭ ‬المسرحي‭ ‬عن‭ ‬كونه بؤرة‭ ‬تيه‭ ‬بانورامية‭ ‬الدّهشة‭ ‬والتّخييل،‭ ‬ودائمة‭ ‬التجدّد‭ ‬بالدلالات‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الكاتب‭ ‬على‭ ‬نسيم‭ ‬الخواطر‭ ‬الثّرّة‭ ‬التي‭ ‬يتوّجها‭ ‬الانطباع‭ ‬البصري‭ ‬إبداعًا‭ ‬يحاكي‭ ‬الجمهور‭ ‬وجاهيًا‭ ‬فوق‭ ‬الخشبة‭ ‬بإمكانية‭ ‬المخرج‭ ‬الفذّ‭.‬

ولو‭ ‬تجرّدنا‭ ‬في‭ ‬فكرة‭ ‬النقد‭ ‬التي‭ ‬تكرّس‭ ‬حقيقة‭ ‬الانتماء‭ ‬المسرحي‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬الثقافي‭ ‬السائد،‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نتقوّل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬مخيبة‭ ‬للآمال‭ ‬والرؤى‭ ‬سياسيًا‭ ‬واجتماعيًا‭ ‬واقتصاديًا‭ ‬انعكست‭ ‬على سلوكيات‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المسرح‭ ‬تأسّيًا‭ ‬بمشهدية‭ ‬الخواء‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬العام‭. ‬

وإذ‭ ‬يجب‭ ‬ألّا‭ ‬نتأخر‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬مسرحيًا‭ ‬عن‭ ‬توجهات‭ ‬وقضايا‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي،‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬والهامشية‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الدرامي‭ ‬القابض‭ ‬على‭ ‬هوية‭ ‬الفن‭ ‬المسرحي‭ ‬اليوم،‭ ‬إلى‭ ‬بؤرة‭ ‬الابتكار‭ ‬والإبداع‭ ‬المحليّين‭ ‬نصًّا‭ ‬وعرضًا‭.‬

لقد‭ ‬اكتمل‭ ‬المسرح‭ ‬العربيّ‭ ‬فنّيًا‭ ‬منذ‭ ‬استنبات‭ ‬مفهوم‭ ‬الإخراج‭ ‬المسرحيّ‭ ‬كوظيفة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬المسرحي‭ ‬المصري‭ ‬اللبناني‭ ‬الأصل‭ ‬عزيز‭ ‬عيد،‭ ‬الذي‭ ‬مارسها‭ ‬بفطرة‭ ‬المسرحي‭ ‬المخضرم‭ ‬لاحقةً‭ ‬بوظيفتي‭ ‬الكاتب‭ ‬والممثّل‭ ‬اللّتين‭ ‬سبقتا‭ ‬الإخراج‭ ‬في‭ ‬استقلاليّة‭ ‬كلّ‭ ‬منهما،‭ ‬ليتمّ‭ ‬بذلك‭ ‬البناء‭ ‬النّاجز‭ ‬للعملية‭ ‬المسرحيّة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬‮«‬ترويكا‮»‬‭ ‬تلك‭ ‬الوظائف‭ ‬الثّلاث‭.‬

ولمّا‭ ‬انطلقت‭ ‬فكرة‭ ‬الإخراج‭ ‬وتطورت،‮ ‬باعتبارها‭ ‬فنّ‭ ‬إدارة‭ ‬الممثّلين‭ ‬وتنفيذ‭ ‬السّينوغرافيا‭ ‬وحتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬بالتّعالق‭ ‬توافقًا‭ ‬أو‭ ‬اختلافًا‭ ‬مع‭ ‬أفكار‭ ‬المّؤلّف‭ ‬المسرحي‭ ‬لإنجاح‭ ‬العرض،‭ ‬فإنّ‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة بحاجة‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬ابتعاث‭ ‬متجدّد‭ ‬بالدراما‭ ‬يتبنّى‭ ‬الصّيغة‭ ‬الجادّة‭ ‬لمسرحنا‭ ‬كفعل‭ ‬إدانة‭ ‬للواقع‭ ‬المأسويّ‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬الخاص‭ ‬منه‭ ‬والعام‭ ‬بأشكاله‭ ‬المختلفة،‭ ‬أي‭ ‬كمساءلة‭ ‬إشكاليّة‭ ‬لمجموعة‭ ‬المشكلات‭ ‬والمعضلات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بنا،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتملّق‭ ‬المؤلّف‭ ‬ولا‭ ‬المخرج‭ ‬بالضّرورة‭ ‬عمقًا‭ ‬فلسفيًا‭ ‬لإقناع‭ ‬المتلقي‭ ‬بحيويّة‭ ‬تلك‭ ‬الصّيغة‭ ‬الواردة‭ ‬أعلاه‭ ‬للعمل‭ ‬المسرحي‭ ‬من‭ ‬ألفه‭ ‬إلى‭ ‬يائه،‭ ‬والتي‭ ‬ترشدنا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أولى‭ ‬إلى‭ ‬كاتب‭ ‬جيّد،‭ ‬حسن‭ ‬الدّخيلة،‭ ‬غير‭ ‬ظرفيّ‭ ‬ولا‭ ‬مختزل‭ ‬الفاعليّة‭ ‬في‭ ‬حمأة‭ ‬الضّجيج‭ ‬الإعلامي‭ ‬ومغرياته،‭ ‬بل‭ ‬رساليّ‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تطفئ‭ ‬فينا‭ ‬غلواء‭ ‬الحنين‭ ‬الدّائم‭ ‬إلى‭ ‬نصّه‭ ‬المبدع‭ ‬كبؤرة‭ ‬تخييلية‭ ‬تتجاوز‭ ‬أيّ‭ ‬تفسير‭ ‬عرفي‭ ‬له‭ ‬كنصّ‭ ‬مقروء‭ ‬فقط،‭ ‬وإنّما‭ ‬ممسرح‭ ‬أيضًا،‭ ‬وتدلّنا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬تالية‭ ‬إلى‭ ‬حتمية‭ ‬تكوين‭ ‬رؤية‭ ‬إخراجية‭ ‬تتواءم‭ ‬وذلك‭ ‬النّص‭ ‬بخصائص‭ ‬جمالية‭ ‬تحت‭ ‬سماء‭ ‬الفضاء‭ ‬الدراميّ،‭ ‬بحيث‭ ‬يشكّل‭ ‬إفلاتها‭ ‬من‭ ‬لدُن‭ ‬مخرج‭ ‬متمكّن‭ ‬حين‭ ‬يزجيها‭ ‬إلينا‭ ‬فوق‭ ‬الخشبة،‭ ‬وجهًا‭ ‬حضاريًا‭ ‬وثوقيّ‭ ‬التّواصل‭ ‬بالنّاس،‭ ‬يعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعيّ‭ ‬بمفهوم‭ ‬المسرح‭ ‬ورسالته،‭ ‬كمنصة‭ ‬نهضوية‭ ‬تستلهم‭ ‬الأثير‭ ‬اللامع‭ ‬من‭ ‬تراثنا‭ ‬الغنّي‭ ‬بأشكال‭ ‬الفكرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الجادة‭ ‬الصالحة‭ ‬للمسرحة،‭ ‬وليس‭ ‬كمعطىً‭ ‬تسلويّ‭ ‬الفرجة،‭ ‬تجاريّ‭ ‬الغاية،‭ ‬يقصده‭ ‬الجمهور‭ ‬للضّحك‭ ‬فقط،‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬المكرّر‭ ‬الرّتيب‭ ‬في‭ ‬مشاهد‭ ‬القفشات‭ ‬والمقالب‭ ‬الهزليّة‭ ‬وبعض‭ ‬الحركات‭ ‬المضحكة‭ ‬التي‭ ‬يبتعد‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬رواشد‭ ‬العبرة‭ ‬الحقّة‭ ‬والخلق‭ ‬الطيّب‭ ‬الحميد الذي‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬اليوم،‭ ‬وكأنّ‭ ‬الدّنيا‭ ‬بألف‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬حولنا‭!‬

 

مشروع‭ ‬رياديّ

‭ ‬الصيغة‭ ‬الجادّة‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬التراجيديا‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬التي‭ ‬تنحو‭ ‬بشكلها‭ ‬الدرامي‭ ‬إلى‭ ‬نهايات‭ ‬حزينة‭ ‬بالضرورة‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬المحاكاة‭ ‬لحادثة‭ ‬ما،‭ ‬وبجرعات‭ ‬زائدة‭ ‬من‭ ‬التوقير‭ ‬والتفخيم،‭ ‬وإنما‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬قضية‭ ‬تطوير‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬اجتماعيًا‭ ‬بتأنّ‭ ‬واهتمام‭ ‬قيّمين،‭ ‬وباعتبارها‭ ‬التزامًا‭ ‬بالممارسة‭ ‬المسرحيّة‭ ‬كمشروع‭ ‬قضيّة‭ ‬رياديّ‭ ‬في‭ ‬عناصره‭ ‬الحيوية‭ ‬المتكاملة‭ ‬من‭ ‬النّص‭ ‬إلى‭ ‬العرض،‭ ‬وتوازنًا‭ ‬طليق‭ ‬الإبداع‭ ‬بين‭ ‬النّظرية‭ ‬والتّحقيق‭ ‬في‭ ‬سلوكيّات‭ ‬التّعامل‭ ‬مع‭ ‬المسرح‭ ‬بمستوى‭ ‬فنّي‭ ‬يخلع‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬الإخراج‭ ‬صفة‭ ‬المعادل‭ ‬الموضوعيّ‭ ‬لفكرة‭ ‬استيعاب‭ ‬النّص‭ ‬الجاد‭ ‬برؤية‭ ‬ناظمة‭ ‬للقيم‭ ‬التي‭ ‬تتسيَّد‭ ‬سلوك‭ ‬الإنسان‭ ‬بالفطرة‭ ‬كالخير‭ ‬والحق‭ ‬والحبّ‭ ‬والجمال‭ ‬والأخوة،‭ ‬والتي‭ ‬تكون‭ ‬أكبر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬وأشدّ‭ ‬تسويغًا‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬معالجة‭ ‬ما‭ ‬يتمخّض‭ ‬عن‭ ‬سوء‭ ‬استخدام‭ ‬تلك‭ ‬القيم‭ ‬من‭ ‬ظواهر‭ ‬سلبية‭ ‬تستدعي‭ ‬المسرحة‭ ‬كانتماء‭ ‬للواقع‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إهمال‭ ‬دور‭ ‬الممثّل‭ ‬والتمسّك‭ ‬بحُرمة‭ ‬مهمته‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬ونجاحها،‭ ‬كما‭ ‬يراه‭ ‬ستانيسلافسكي‭. ‬

وإذ‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬المسرحي‭ ‬كمعطى‭ ‬إبداعي‭ ‬نبيل‭ ‬ومتجدد،‭ ‬يريد‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬عقل‭ ‬المتلقي‭ ‬وقلبه‭ ‬مباشرة‭ ‬وبتفاعل‭ ‬وجاهي،‭ ‬فإنّ‭ ‬ذلك‭ ‬يُفضي‭ ‬بنا‭ ‬تلقائيًا‭ ‬إلى‭ ‬التحرر‭ ‬النّقدي‭ ‬مما‭ ‬ألفناه‭ ‬من‭ ‬كتابات‭ ‬التّأّثّر‭ ‬والانطباع‭ ‬‮ ‬في‭ ‬مدار‭ ‬تحفيز‭ ‬التأليف‭ ‬المسرحي‭ ‬وفكرة‭ ‬جدواه،‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬تقاليد‭ ‬كتابة‭ ‬مسرحية‭ ‬عربية‭ ‬مندفعة‭ ‬بشمولية‭ ‬الرؤية‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تحترم‭ ‬الخصوصية‭ ‬الوطنية‭ ‬القطرية‭ ‬لكل‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬فتستكتب‭ ‬أصل‭ ‬النّص‭ ‬تبعًا‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬خلفيات‭ ‬محليّة‭ ‬متعدّدة‭ ‬خصيبة‭ ‬فكريًا‭: ‬ميثولوجية،‭ ‬وواقعية،‭ ‬وشعبية،‭ ‬ودينية‭... ‬إلخ،‭ ‬لا‭ ‬تتعارض‭ ‬والوعي‭ ‬القومي‭ ‬لمشكلات‭ ‬الأمة‭ ‬النازفة‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬في‭ ‬اجتهادات‭ ‬النصوص‭ ‬ومتونها‭ ‬المتكئة‭ ‬على‭ ‬الحدث‭ ‬البسيط‭ ‬في‭ ‬ظاهره،‭ ‬الغني‭ ‬في‭ ‬ملابساته،‭ ‬طمعًا‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬قارئ‭ ‬نموذجي‭ ‬يدمن‭ ‬القراءة‭ ‬ويريد‭ ‬العرض،‭  ‬وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬رؤى‭ ‬إخراجية‭ ‬ذات‭ ‬أبعاد‭ ‬درامية‭ ‬مواكبة‭ ‬لكليهما،‭ ‬تؤكد‭ ‬قدرة‭ ‬السلطة‭ ‬الاعتبارية‭ ‬للمسرح،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نرومه‭ ‬في‭ ‬أمداء‭ ‬مستقبل‭ ‬وظيفتي‭ ‬الكاتب‭ ‬والمخرج‭. ‬

 

بؤرة‭ ‬حميدة

نمذجة‭ ‬القارئ‭/ ‬المتلقّي‭ ‬كمفهوم‭ ‬طليعي‭ ‬لا‭ ‬تحرجنا‭ ‬كمفهوم‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬استعراض‭ ‬وتقويم‭ ‬الخطّ‭ ‬البياني‭ ‬لأفكار‭ ‬الكاتب‭ ‬المسرحي،‭ ‬بل‭ ‬وعقلنته،‭ ‬بحيث‭ ‬يتنكّب‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬عن‭ ‬التشويش‭ ‬النظري‭ ‬قصدًا‭ ‬أو‭ ‬عفوًا‭ ‬في‭ ‬تشويه‭ ‬مسار‭ ‬خطاب‭ ‬الممارسة‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬العربي‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬الوطنيّ‭ ‬الخاصّ‭ ‬التّنوّع،‭ ‬أعني‭ ‬بذلك‭ ‬منظومة‭ ‬استحضار‭ ‬واستمراء‭ ‬فكرة‭ ‬مواجهة‭ ‬نسق‭ ‬اجتماعي‭ ‬أخلاقي‭ ‬أو‭ ‬روحي‭ ‬بعينه‭ ‬كمعاداة‭ ‬الشّعائر‭ ‬أو‭ ‬المقدّسات‭ ‬التي‭ ‬نؤمن‭ ‬بها‭ ‬ونحترمها،‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬أخلاقية،‭ ‬أو‭ ‬الراسخة‭ ‬بمقاليد‭ ‬العُرف‭ ‬كبؤرة‭ ‬تآلفية‭ ‬حميدة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقديم‭ ‬البعض‭ ‬أنفسهم‭ ‬لنا‭ ‬كمؤلّفين‭ ‬‮«‬ثوريين‮»‬‭ ‬متميزين‭ ‬وغير‭ ‬تقليديين‭ ‬ممن‭ ‬تسلّقوا‭ ‬أسوار‭ ‬الحرّية‭ ‬المتاحة‭ ‬للقول‭ ‬والكتابة،‭ ‬واندفعوا‭ ‬في‭ ‬مساحات‭ ‬فوضى‭ ‬الطّروحات‭ ‬والآراء‭ ‬المتعملقة‭ ‬ذهنيًا،‭ ‬والتي‭ ‬شكّلت‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬التباسًا‭ ‬فكريًا‭ ‬على‭ ‬مستويين؛‭ ‬الأول‭ ‬أكاديمي‭/ ‬نقدي‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬تمرير‭ ‬أحكام‭ ‬مطلقة‭ ‬فضفاضة‭ ‬تستغل‭ ‬العملية‭ ‬المسرحية‭ ‬وتُطلق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬وجهات‭ ‬النّظر‭ ‬العقلية‭ ‬والروحية‭ ‬للمجتمع‭ ‬وتركب‭ ‬فيها‭ ‬جانب‭ ‬الشّك‭ ‬والمفارقات‭ ‬والتفاصيل‭ ‬التي‭ ‬يكمن‭ ‬بها‭ ‬الشيطان،‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬بديل‭ ‬إيجابي‭ ‬مفترض‭ ‬الفائدة‭ ‬يسمو‭ - ‬بالضرورة‭ - ‬بالمسرح‭ ‬العربي‭ ‬كوجه‭ ‬حضاري‭ ‬وحاجة‭ ‬أبيستيمولوجية‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬منها‭.‬

والثاني‭ ‬وجودي‭ ‬كياني‭ ‬يغامر‭ ‬بخصوصية‭ ‬الجمهور‭ ‬المتلقّي‭ ‬الذي‭ ‬يحفن‭ ‬بلهفة‭ ‬الظمآن‭ ‬من‭ ‬واحة‭ ‬الإيمان‭ ‬الصّرف،‭ ‬ويطمئنّ‭ ‬في‭ ‬ركونه‭ ‬الروحي‭ ‬إلى‭ ‬نهائية‭ ‬تلك‭ ‬المقدسات‭ ‬كوعي‭ ‬ذاتي،‭ ‬وهذا‭ ‬حقّه‭ ‬العقديّ‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المناداة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬

تعلّقًا‭ ‬بذلك،‭ ‬فالنقد‭ ‬باب‭ ‬مفتوح‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬اتجاهات‭ ‬الكتابة‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬تبيان‭ ‬عناصر‭ ‬الثيمة‭ ‬الجادّة‭ - ‬أو‭ ‬الملتزمة‭ ‬كما‭ ‬يسمّيها‭ ‬البعض‭ -‬‮ ‬كحزمة‭ ‬إدراكية‭ ‬تواجه‭ ‬سكوت‭ ‬النص‭ ‬عن‭ ‬مآزم‭ ‬الواقع،‭ ‬وتنفعل‭ ‬معها‭ ‬فكرًا‭ ‬وممارسة،‭ ‬وتعيد‭ ‬إنتاجها‭ ‬قصدًا‭ ‬للتغيير‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭ ‬بذهنية‭ ‬رشيقة‭ ‬ويقظة‭ ‬سلسة‭ ‬غير‭ ‬بعيدتين‭ ‬من‭ ‬فضاء‭ ‬الحداثة‭ ‬المفتوح‭ ‬على‭ ‬عُنصري‭ ‬الزمكان‭ ‬والتحوّلات‭ ‬المعرفية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬جوانب‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المعاصرة‭ ‬وتغيّراتها،‭ ‬والتي‭ ‬تستلهم،‭ ‬بدورها،‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬لتلك‭ ‬الحداثة‭ ‬كيما‭ ‬يستقيم‭ ‬بناء‭ ‬المسرح‭ ‬الجاد‭ ‬بهدوء‭ ‬وإصرار‭ ‬وتواضع ■