الفنون والسلامة النفسية في التعليم العالي

الفنون والسلامة النفسية في التعليم العالي

في‭ ‬إطار‭ ‬دعمها‭ ‬لمعاهد‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬والمعاهد‭ ‬الثقافية‭ ‬النموذجية‭ ‬الملهمة،‭ ‬دعت‭ ‬مؤسسة‭ ‬ميلون‭ ‬الأمريكية‭ - ‬المهتمّة‭ ‬بالفنون‭ ‬والإنسانيات،‭ ‬والتي‭ ‬خصصت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مئتي‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬لدعم‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬تفشي‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ - ‬إلى‭ ‬تشجيع‭ ‬البحوث‭ ‬التجريبية‭ ‬التي‭ ‬تدلّل‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬روابط‭ ‬إيجابية‭ ‬بين‭ ‬تعلُّم‭ ‬الفنون‭ ‬والإنسانيات‭ ‬والسلامة‭ ‬النفسية‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭. ‬

وفي‭ ‬مقال‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬ربط‭ ‬تعليم‭ ‬الفنون‭ ‬والإنسانيات‭ ‬بالسلامة‭ ‬النفسية‭ ‬والصحة‭ ‬طوال‭ ‬الحياة‮»‬،‭ ‬نشرته‭ ‬المؤسسة‭ ‬أخيرًا‭ ‬على‭ ‬موقعها،‭ ‬أكدت‭ ‬كاتبته،‭ ‬أستاذة‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬بجامعة‭ ‬ويسكونسن‭ - ‬ماديسون،‭ ‬د‭. ‬كارول‭ ‬ريف،‭ ‬وجود‭ ‬فجوة‭ ‬بين‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬أثر‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬بعدد‭ ‬سنوات‭ ‬تلقّي‭ ‬التعليم،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تدرس‭ ‬أثر‭ ‬محتوى‭ ‬خبرات‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬والسلامة‭ ‬النفسية‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭.‬

‭ ‬بيّنت‭ ‬د‭. ‬ريف،‭ ‬في‭ ‬مقالها،‭ ‬كيف‭ ‬يؤدي‭ ‬التعرض‭ ‬المكثف‭ ‬للفنون‭ ‬والإنسانيات‭ ‬إلى‭ ‬إثراء‭ ‬جوانب‭ ‬السلامة‭ ‬النفسية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬بالحياة،‭ ‬وقدّمت‭ ‬أمثلة‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬الخبرات‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬والإنسانيات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬الحواس،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬الناس‭ ‬يقدّرون‭ ‬ما‭ ‬تقدّمه‭ ‬الفنون‭ ‬وما‭ ‬يقدّمه‭ ‬المذهب‭ ‬الإنساني‭ - ‬وما‭ ‬يحتاجون‭ ‬إليه‭ ‬منها‭ - ‬كالسعي‭ ‬وراء‭ ‬معنى‭ ‬للحياة،‭ ‬وبناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬صالحة‭ ‬وعادلة‭. ‬

وفي‭ ‬الجزء‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬المقال،‭ ‬عرضت‭ ‬أهدافًا‭ ‬متعددة‭ ‬للبحث‭ ‬المستقبلي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وكيفية‭ ‬مساهمة‭ ‬العلوم‭ ‬المعاصرة‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬عالٍ‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬والإنسانيات‭ - ‬مقارنة‭ ‬بمجالات‭ ‬تعلُّم‭ ‬أخرى‭ ‬كالتكنولوجيا‭ ‬والتدريب‭ ‬المهني‭ - ‬والسلامة‭ ‬النفسية‭ ‬والصحة،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬مبادرات‭ ‬أطلقت‭ ‬أخيرًا‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬الفنون‭ ‬والإنسانيات‭ ‬وازدهار‭ ‬الإنسان،‭ ‬يركّز‭ ‬معظمها‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬الخبرة‭ ‬المباشرة‭ - ‬كحضور‭ ‬مسرح‭ ‬أو‭ ‬حفل‭ ‬موسيقي،‭ ‬أو‭ ‬قراءة‭ ‬نص‭ ‬أدبي‭ - ‬على‭ ‬القدرات‭ ‬النفسية‭ ‬والخبرة‭ ‬الذاتية‭ ‬وصحة‭ ‬الجسم‭ ‬والدماغ‭.‬

‭ ‬

4‭ ‬توجّهات‭ ‬بحثية‭ ‬

ضمن‭ ‬دعوة‭ ‬بحثية‭ ‬لمختلف‭ ‬العلوم،‭ ‬ولاسيما‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬ممارسات‭ ‬أساليب‭ ‬الحياة‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى،‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬بتتبُّع‭ ‬بحثي‭ ‬يمتد‭ ‬سنوات‭ ‬مديدة‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الإنسان،‭ ‬اقترحت‭ ‬الكاتبة‭ ‬4‭ ‬توجهات‭ ‬جديدة‭ ‬للبحث‭: ‬ربط‭ ‬خبرات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬المتنوعة‭ ‬بالسلامة‭ ‬النفسية‭ ‬مدى‭ ‬الحياة،‭ ‬باستخدام‭ ‬تصميمات‭ ‬بحثية‭ ‬منظورية‭ ‬وتأمّلية،‭ ‬وربط‭ ‬خبرات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬المتنوعة‭ ‬بالمشاركة‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬بصورة‭ ‬عامة؛‭ ‬وربط‭ ‬التعرّض‭ ‬المتراكم‭ ‬للفنون،‭ ‬بكشف‭ ‬السجلات‭ ‬الشخصية‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بالسلامة‭ ‬النفسية‭ ‬والصحة؛‭ ‬وفحص‭ ‬مشكلات‭ ‬الصفوة‭ - ‬النخبوية‭ - ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬السلامة‭ ‬النفسية‭ ‬والصحة‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬الأفراد‭ ‬غير‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬التعلُّم‭ ‬هذه،‭ ‬والمشكلات‭ ‬المجتمعية‭ ‬الأكبر‭ ‬الناتجة‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬المساواة‭. ‬

وتهدف‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬شقّ‭ ‬طريق‭ ‬بحثي‭ ‬جديد‭ ‬مطلوب‭ ‬لاستكشاف‭ ‬القوى‭ ‬الإيجابية‭ ‬والقوى‭ ‬السلبية‭ ‬المؤثرة‭ ‬على‭ ‬التمتّع‭ ‬بالصحة‭ ‬والـــسلامـــة‭ ‬الـــنـــــــفسية،‭ ‬وتــأكـــيد‭ ‬دور‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬المشكّلة‭ ‬لفهم‭ ‬القضايا‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دليل‭ ‬علمي‭.‬

‭ ‬

أبعاد‭ ‬السلامة‭ ‬النفسية

‭ ‬تجد‭ ‬د‭. ‬ريف‭ ‬أن‭ ‬مرحلة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬مهمّة‭ ‬لغرس‭ ‬الالتزام‭ ‬المطلوب‭ ‬لاستمرار‭ ‬التعلم‭ ‬مدى‭ ‬الحياة،‭ ‬ولهذا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬محــتوى‭ ‬الــتعليم‭ ‬فيها‭ ‬حقيــقيًا‭ ‬ومـــرتبــطًا‭ ‬بمـكــونــات‭ ‬الــــسلامة‭ ‬النــفــــسية‭. ‬أمــــا‭ ‬مفهوم‭ ‬السلامة‭ ‬النفــــسية،‭ ‬فــقد‭ ‬سبـــق‭ ‬أن‭ ‬شــرحته‭ ‬في‭ ‬نمـــوذج‭ ‬جــديد،‭ ‬معــتمدة‭ ‬عــــلى‭ ‬أفــكـــــار‭ ‬وفلسفات‭ ‬ونظريــات‭ ‬سابقة‭. ‬ويتـــــكون‭ ‬هـــــذا‭ ‬النـــموذج‭ ‬من‭ ‬الأبعاد‭ ‬الأساسية‭ ‬الستة‭ ‬التالية‭:‬

‭ ‬1 ‭- ‬قبول‭ ‬الذات‭: ‬يمتلك‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬درجته‭ ‬العالية‭ ‬اتجاهًا‭ ‬إيجابيًا‭ ‬نحو‭ ‬الذات،‭ ‬ويعترف‭ ‬ويقبل‭ ‬الجوانب‭ ‬العديدة‭ ‬من‭ ‬ذاته،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الجيد‭ ‬وغير‭ ‬الجيد‭ ‬من‭ ‬الصفات،‭ ‬كما‭ ‬ينتابه‭ ‬شعور‭ ‬إيجابي‭ ‬نحو‭ ‬ماضيه‭. ‬

بينما‭ ‬يشعر‭ ‬في‭ ‬درجته‭ ‬المنخفضة‭ ‬بعدم‭ ‬الرضا‭ ‬عن‭ ‬الذات،‭ ‬وخيبة‭ ‬أمل‭ ‬فيما‭ ‬حدث‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬لديه‭ ‬مشكلة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬صفاته‭ ‬الشخصية،‭ ‬ويتمنّى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مختلفًا‭ ‬عمّا‭ ‬هو‭ ‬عليه‭. ‬

2 ‭- ‬علاقات‭ ‬إيجابية‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭: ‬يتمتع‭ ‬الشخص‭ - ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬العالية‭ - ‬بعلاقات‭ ‬دافئة‭ ‬ومثيرة‭ ‬للرضا‭ ‬والثقة‭ ‬بالآخرين،‭ ‬ويكون‭ ‬مهتمًا‭ ‬برفاهيتهم‭ ‬وقادرًا‭ ‬على‭ ‬التعاطف‭ ‬الشديد‭ ‬معهم‭ ‬وفهمهم،‭ ‬والأخذ‭ ‬والعطاء‭ ‬في‭ ‬علاقاته‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتبادلة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬للشخص‭ - ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬المنخفضة‭ - ‬سوى‭ ‬علاقات‭ ‬قريبة‭ ‬محدودة،‭ ‬ويجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬الثقة‭ ‬بالآخرين،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬دافئًا‭ ‬ومنفتحًا‭ ‬ومهتمًا‭ ‬بمن‭ ‬سواه‭. ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬محبط‭ ‬ومعزول،‭ ‬وليس‭ ‬لديه‭ ‬استعداد‭ ‬لتقديم‭ ‬تنازلات‭ ‬للإبقاء‭ ‬على‭ ‬روابط‭ ‬مهمة‭ ‬مع‭ ‬الناس‭.‬

3 ‭- ‬النمو‭ ‬الشخصي‭: ‬في‭ ‬مستواه‭ ‬المرتفع،‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان‭ ‬شعور‭ ‬بالتنمية‭ ‬المستمرة،‭ ‬ويرى‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬تطوّر‭ ‬وانفتاح‭ ‬دائم‭ ‬على‭ ‬خبرات‭ ‬جديدة،‭ ‬ولديه‭ ‬إحساس‭ ‬بمعرفة‭ ‬إمكاناته،‭ ‬ويمكنه‭ ‬رؤية‭ ‬التحسُّن‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬وفي‭ ‬سلوكه،‭ ‬ويتغيّر‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬بصورة‭ ‬تعكس‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬ذاته‭ ‬وفعاليته‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬المستوى‭ ‬المنخفض،‭ ‬فيشعر‭ ‬المرء‭ ‬بالجمود،‭ ‬وقصور‭ ‬الإحساس‭ ‬بالتطوّر،‭ ‬كما‭ ‬يعاني‭ ‬الملل‭ ‬وعدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالحياة،‭ ‬والعجز‭ ‬عن‭ ‬تنمية‭ ‬اتجاهات‭ ‬أو‭ ‬سلوكيات‭ ‬جديدة‭.‬

4 ‭- ‬هدف‭ ‬في‭ ‬الحياة‭: ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬المرتفع،‭ ‬تكون‭ ‬لدى‭ ‬الشخص‭ ‬أهداف‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬ويعرف‭ ‬وجهته‭ ‬جيدًا،‭ ‬ويستشعر‭ ‬معاني‭ ‬للحاضر‭ ‬وللحياة‭ ‬الماضية،‭ ‬وتمنح‭ ‬معتقداته‭ ‬هدفًا‭ ‬وغايات‭ ‬لحياته‭. ‬وإذا‭ ‬انخفض‭ ‬المستوى،‭ ‬يكون‭ ‬لديه‭ ‬قصور‭ ‬في‭ ‬معنى‭ ‬العيش،‭ ‬وتخلو‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬أو‭ ‬الغايات،‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬لديه‭ ‬وجهة‭ ‬واضحة،‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬هدفًا‭ ‬أو‭ ‬معنى‭ ‬لحياته‭ ‬الماضية‭ ‬والحاضرة‭.‬

5 ‭- ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬المحيطة‭: ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬المرتفع،‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬المرء‭ ‬إحساس‭ ‬بالسيطرة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬ويستطيع‭ ‬التحكُّم‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬الخارجية‭ ‬المعقّدة،‭ ‬ويستخدم‭ ‬الفرص‭ ‬المتاحة‭ ‬بفاعلية،‭ ‬وتكون‭ ‬لديه‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الاختيار‭ ‬أو‭ ‬خلق‭ ‬سياقات‭ ‬ملائمة‭ ‬لحاجاته‭ ‬الشخصية‭ ‬ولقيَمه‭. ‬

‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬المتدني،‭ ‬فيواجه‭ ‬الإنسان‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬شؤونه‭ ‬اليومية،‭ ‬ويشعر‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬سياقه‭ ‬المحيط،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬واعيًا‭ ‬بالفرص‭ ‬المتاحة‭ ‬أمامه،‭ ‬ويعجز‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬عالَمه‭ ‬الخارجي‭.‬

6 ‭- ‬الاستقلال‭ ‬الذاتي‭: ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬المرتفع،‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬مصيره‭ ‬بنفسه‭ ‬وبصورة‭ ‬مستقلة،‭ ‬ويكون‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬الضغوط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬تفكيره‭ ‬وتصرّفاته،‭ ‬ومتمكنًا‭ ‬من‭ ‬ضبط‭ ‬سلوكه‭ ‬بصورة‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬داخله،‭ ‬ويستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقيّم‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬معايير‭ ‬شخصية‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬المنخفض،‭ ‬فيهتم‭ ‬الشخص‭ ‬بتوقّعات‭ ‬الآخرين‭ ‬وتقييمهم،‭ ‬ويعتمد‭ ‬على‭ ‬حكمهم‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬قراراته‭ ‬المهمة،‭ ‬ويتوافق‭ ‬مع‭ ‬الضغوط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ليفكر‭ ‬ويعمل‭ ‬بطرق‭ ‬معيّنة‭. ‬

‭ ‬

مراكز‭ ‬بحثية‭ ‬

‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬مثلًا،‭ ‬أسست‭ ‬جامعة‭ ‬برايتون‭ ‬مركزًا‭ ‬للفنون‭ ‬والسلامة‭ ‬يضمّ‭ ‬في‭ ‬عضويته‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأكاديميين‭ ‬والمبدعين‭ ‬والمتخصصين‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬صحية‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬الجامعة،‭ ‬يعملون‭ ‬معًا‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬السلامة‭ ‬الفردية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والبيئية‭. ‬ويركّزون‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬أثر‭ ‬ذا‭ ‬معنى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فهم‭ ‬الحكمة‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬بلوغها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفنون،‭ ‬فهُم‭ ‬يطوّرون‭ ‬مداخل‭ ‬بحثية‭ ‬بينية‭ ‬العلوم‭ ‬وقائمة‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬ويتيحون‭ ‬ممارسات‭ ‬فنية،‭ ‬كالرسم‭ ‬والتصميم‭ ‬والكتابة‭ ‬الإبداعية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬بحث‭ ‬موضوعات‭ ‬تتعلّق‭ ‬بالصحة‭ ‬الذهنية‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭ ‬والمرونة‭ ‬والاستدامة‭ ‬والطب‭. ‬

وتجذب‭ ‬البحوث‭ ‬والمشروعات‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬المركز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭ ‬اهتمامًا‭ ‬دوليًا‭ ‬واسعًا،‭ ‬كما‭ ‬تسعى‭ ‬جامعة‭ ‬ليدز،‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬إلى‭ ‬استكشاف‭ ‬أثر‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬والإنسانيات‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬الصحة‭ ‬والسلامة‭ ‬النفسية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأثر‭ ‬الإيجابي‭ ‬للنشاط‭ ‬الموسيقي‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬الذهنية‭. 

وتحاول‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬الدورية‭ ‬الموجّهة‭ ‬لخريجي‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬توفير‭ ‬معلومات‭ ‬مهمة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬البحوث،‭ ‬حيث‭ ‬تنشّط‭ ‬تفكير‭ ‬الخريجين‭ ‬في‭ ‬خبراتهم‭ ‬التعليمية‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬بمعنى‭ ‬وقيمة،‭ ‬وتركّز‭ ‬على‭ ‬الاستبصارات‭ ‬والخبرات‭ ‬الباطنية‭ ‬التي‭ ‬عاشوها‭ ‬أثناء‭ ‬دراستهم،‭ ‬والمفاهيم‭ ‬التي‭ ‬ترسخّت‭ ‬لديهم،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طرح‭ ‬أسئلة‭ ‬حول‭ ‬معنى‭ ‬ما‭ ‬تلقّوه‭ ‬من‭ ‬تعليم‭ ‬ومدى‭ ‬فائدته‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬بالحياة،‭ ‬والمقررات‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم،‭ ‬والواجبات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬ينسوها‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬السنوات،‭ ‬والتأثير‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬الأساتذة‭ ‬عليهم،‭ ‬والدروس‭ ‬الحياتية‭ ‬التي‭ ‬تعلّموها،‭ ‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬إن‭ ‬اختلفت‭ ‬الإجابات‭ ‬وتبدّلت‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬مع‭ ‬تقدُّم‭ ‬العمر‭ ‬وتراكم‭ ‬الخبرات‭. ‬

‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬التفاؤل‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬فرص‭ ‬تحسين‭ ‬مخرجات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بالسلامة‭ ‬النفسية‭ ‬والشعور‭ ‬بالسعادة‭ ‬متاحة،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬حرصت‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬المعنية‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬طلابها‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬معرفة‭ ‬مفيدة،‭ ‬وتكوين‭ ‬عادات‭ ‬إيجابية‭ ‬وممارسة‭ ‬أنشطة‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬قدراتهم‭ ‬وإمكاناتهم‭ ‬ومصادر‭ ‬سعادتهم‭ ‬وشعورهم‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أفضل،‭ ‬وتعدّهم‭ ‬لمهن‭ ‬تبعث‭ ‬على‭ ‬الاستمتاع‭ ‬وتعزز‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬وتحمّل‭ ‬المسؤولية‭ ‬وجميع‭ ‬أبعاد‭ ‬السلامة‭ ‬النفسية‭  ■