الثقافة والتنمية في مواجهة «كورونا»

الثقافة والتنمية في مواجهة «كورونا»

مما‭ ‬لا‭ ‬شكّ‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬لها‭ ‬انعكاسات‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬المجالات،‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بدرجة‭ ‬أولى،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬تأثيراتها‭ ‬الممتدّة‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الثقافية‭ ‬والتربوية‭ ‬والفنية‭ ‬والإعلامية،‭ ‬بما‭ ‬فرضته‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬من‭ ‬إيقاعات‭ ‬مختلفة‭ ‬للحياة،‭ ‬عَبر‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬إبداع‭ ‬صِيَغ‭ ‬جديدة‭ ‬للعيش‭ ‬والتواصل‭ ‬ولتنظيم‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬رغم‭ ‬محدوديتها‭.‬

وفي‭ ‬المغرب،‭ ‬تعوّدنا‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬صيف‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬ثقافي‭ ‬سنوي‭ ‬قار‭ ‬مع‭ ‬فعاليات‭ ‬موسم‭ ‬أصيلة‭ ‬الثقافي‭ ‬الدولي،‭ ‬بفقراته‭ ‬الفكرية‭ ‬والأدبية‭ ‬والفنيّة‭ ‬المختلفة،‭ ‬وباحتفالياته‭ ‬المتنوعة؛‭ ‬هو‭ ‬المهرجان‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يحدُث‭ ‬أن‭ ‬توقّف‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬دوراته،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أزيدَ‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ (‬أُسّس‭ ‬عام‭ ‬1978‭)‬،‭ ‬سوى‭ ‬لثلاث‭ ‬مرّات‭: ‬عام‭ ‬1995،‭ ‬بسبب‭  ‬الصعوبات‭ ‬المادية،‭ ‬وعام‭ ‬1999،‭ ‬بسبب‭ ‬رحيل‭ ‬ملك‭ ‬المغرب‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني،‭ ‬يرحمُه‭ ‬الله،‭ ‬وصيف‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬2020،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تأجيل‭ ‬تنظيم‭ ‬الدورة‭ ‬الـ‭ ‬42‭ ‬لموسم‭ ‬أصيلة،‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬منظّمو‭ ‬الموسم‭ ‬قد‭ ‬عملوا،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬تظاهرة‭ ‬فنيّة‭ ‬موازية،‭ ‬تضمنت‭ ‬مشاغل‭ ‬الصباغة‭ ‬على‭ ‬الجداريات،‭ ‬ومعارض‭ ‬تشكيلية،‭ ‬وورشة‭ ‬للكتابة‭ ‬مرافقة‭ ‬لأعمال‭ ‬الجداريات‭.‬

يُذكر‭ ‬أن‭ ‬اأصيلةب‭ ‬كانت‭ ‬سبّاقة‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تحسين‭ ‬جمالية‭ ‬المدينة،‭ ‬فحذت‭ ‬بذلك‭ ‬حذو‭ ‬مدن‭ ‬عالمية‭ ‬كبرى،‭ ‬مثل‭ ‬نيويورك‭ ‬ومكسيكو‭ ‬ولوس‭ ‬أنجلس‭ ‬وباريس،‭ ‬وغيرها،‭ ‬حيث‭ ‬تتحول‭ ‬شوارع‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬وأزقّتها‭ ‬في‭ ‬اأصيلةب‭ ‬إلى‭ ‬ورشات‭ ‬فنية‭ ‬مفتوحة،‭ ‬تعكس‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬متعارفًا‭ ‬عليه‭ ‬بـ‭ ‬االفن‭ ‬العموميب‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬موسم‭ ‬أصيلة‭ ‬الثقافي‭ ‬الدولي‭ ‬يشكّل‭ ‬رئة‭ ‬أصيلة‭ ‬ومرجعها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياحي‭ ‬السنوي،‭ ‬الذي‭ ‬تعوّل‭ ‬عليه‭ ‬المدينة‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬لتحريك‭ ‬عجلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬السنة‭ ‬كلّها،‭ ‬وذلك‭ ‬لكونه‭ ‬موسمًا‭ ‬يشكّل‭ ‬قِبْلة‭ ‬لزوّار‭ ‬أصيلة،‭ ‬إذ‭ ‬يُغريهم‭ ‬لزيارة‭ ‬المدينة‭ ‬ولقضاء‭ ‬عطلتهم‭ ‬الصيفية‭ ‬بها،‭ ‬بشكل‭ ‬يساهم‭ ‬عَبْره‭ ‬الموسم‭  ‬في‭ ‬ذرّ‭ ‬مداخيل‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬وساكنيها‭ ‬وتجّارها‭ ‬ومطاعمها‭ ‬وفنادقها‭ ‬ووسائل‭ ‬النقل‭ ‬فيها،‭ ‬بمثل‭ ‬ما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬الإنسان‭ ‬وتحفيز‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬قدراتهم‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬ظروف‭ ‬عيشهم،‭ ‬وفي‭ ‬خلق‭ ‬سياحة‭ ‬ثقافية،‭ ‬بشكل‭ ‬يجعل‭ ‬حصيلة‭ ‬المدينة‭ ‬الثقافية‭ ‬والتنموية‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حصيلتها‭ ‬التجارية‭ ‬والبحرية،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الأمرُ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬في‭ ‬دورات‭ ‬الموسم‭ ‬السابقة،‭ ‬فمما‭ ‬لا‭ ‬شكّ‭ ‬فيه‭ ‬أنّ‭ ‬اأصيلةب،‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬مدن‭ ‬أخرى،‭ ‬تُعرف‭ ‬بمهرجاناتها‭ ‬السنوية،‭ ‬قد‭ ‬تأثرت‭ ‬اقتصاديًا،‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬بجائحة‭ ‬كورونا‭.‬

وما‭ ‬قد‭ ‬يبدّد‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬الطارئة‭ ‬للجائحة،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬موسم‭ ‬أصيلة‭ ‬الثقافي‭ ‬الدولي‭ ‬قد‭ ‬راهن،‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسه،‭ ‬على‭ ‬شعاره‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬وفيًا‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬متمثلًا‭ ‬في‭ ‬االثقافة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التنميةب،‭ ‬مجسدًا‭ ‬بذلك‭ ‬هذا‭ ‬التلاقح‭ ‬القائم‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ثقافي‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬تنموي،‭ ‬إذ‭ ‬ما‭ ‬فتئ‭ ‬موسم‭ ‬أصيلة‭ ‬يبرهن‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬عبر‭ ‬الثقافة‭ ‬والفن،‭ ‬يمكن‭ ‬تحريك‭ ‬عجلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وخلق‭ ‬تنمية‭ ‬ثقافية‭ ‬ومجتمعية‭ ‬مستدامة،‭ ‬مجسّدة،‭ ‬أيضًا،‭ ‬في‭ ‬منجزات‭ ‬ومكتسبات‭ ‬لوجيستية‭ ‬واجتماعية‭ ‬أخرى‭ ‬كبيرة،‭ ‬وذات‭ ‬مردودية‭ ‬بالغة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬أصيلة‭ ‬ولساكنيها،‭ ‬والذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬المدينة‭ ‬تأثيرها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬مساهمة‭ ‬بذلك‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬آثار‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬بعض‭ ‬المنجزات‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬بالمدينة،‭ ‬بتمويل‭ ‬ودعم‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬التي‭ ‬يبقى‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬وإشعاع‭ ‬تنموي‭ ‬بالغ‭ ‬بمدينة‭ ‬أصيلة‭■‬