العِلم وراء إنشاء منزل صحّي

العِلم وراء إنشاء منزل صحّي

يقضي‭ ‬البشر‭ ‬المعاصرون‭ ‬حوالي‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬وقتهم‭ ‬في‭ ‬مساحات‭ ‬داخلية‭ ‬مغلقة،‭ ‬حيث‭ ‬يتنقلون‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المنازل‭ ‬والمكاتب‭ ‬والمدارس‭ ‬والمتاجر‭ ‬والمطاعم‭ ‬والصالات‭ ‬الرياضية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تلك‭ ‬المساحات‭ ‬غير‭ ‬مستكشفة‭ ‬بالكامل‭ ‬من‭ ‬نواحٍ‭ ‬عديدة‭. ‬فعلى‭ ‬الرّغم‭ ‬من‭ ‬طول‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬داخل‭ ‬أماكن‭ ‬مبنية،‭ ‬فإنه‭ ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬يتوقّف‭ ‬أحد‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬المساحات‭ ‬على‭ ‬صحتنا‭ ‬العقلية‭ ‬والجسدية،‭ ‬وكيف‭ ‬تشكّل‭ ‬أفكارنا‭ ‬ومشاعرنا‭ ‬وسلوكياتنا؟‭ ‬وكيف‭ ‬تنظّم‭ ‬إنتاجيتنا‭ ‬وأداءنا‭ ‬وعلاقاتنا؟

أهم‭ ‬الأماكن‭ ‬المبنية‭ ‬التي‭ ‬يقضي‭ ‬فيها‭ ‬البشر‭ ‬معظم‭ ‬أوقاتهم‭ ‬هي‭ ‬المنازل‭. ‬لذلك،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬استكشاف‭ ‬المبادئ‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تساعدنا‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬منازل‭ ‬صحية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬الذي‭ ‬اجتاح‭ ‬العالم‭. ‬

في‭ ‬عام‭ ‬1929،‭ ‬بنى‭ ‬المهندس‭ ‬المعماري‭ ‬الأمريكي‭ ‬الشهير‭ ‬ريتشارد‭ ‬نيوترا‭ ‬ما‭ ‬يسمّى‭ ‬بـ‭ ‬Lovell‭ ‬Health‭ ‬House،‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬المنزل‭ ‬الصحي‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬أنّه‭ ‬يعد‭ ‬أول‭ ‬مثال‭ ‬مجسّد‭ ‬للمنزل‭ ‬الصحي‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬الأسلوب‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬العناصر‭ ‬الصحية‭ ‬الأساسية،‭ ‬أي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬والهواء‭ ‬النقي‭. ‬

واليوم‭ ‬بدأ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬بناء‭ ‬منازل‭ ‬صحيّة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬حيث‭ ‬أخذوا‭ ‬يدركون‭ ‬مخاطر‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬الموجودة‭ ‬داخل‭ ‬منازلهم‭ ‬والتلوث‭ ‬الذي‭ ‬تتسبّب‭ ‬فيه‭. ‬وبدأ‭ ‬المهندسون‭ ‬المعماريون‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬وظيفة‭ ‬المنازل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرّد‭ ‬توفير‭ ‬المأوى،‭ ‬وأن‭ ‬الصحّة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬صحة‭ ‬جسدية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬نفسية‭ ‬أيضًا‭.‬

ومما‭ ‬لا‭ ‬شكّ‭ ‬فيه‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الطرق‭ ‬لتعزيز‭ ‬بيئة‭ ‬داخلية‭ ‬صحية،‭ ‬إدخال‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬البيئة‭ ‬الخارجية‭. ‬وفي‭ ‬عصر‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬علينا‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬منازلنا‭ ‬التي‭ ‬تحوّلت‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬للعمل‭ ‬والتعلُّم‭ ‬والترفيه‭ ‬أيضًا،‭ ‬قد‭ ‬يتطلّب‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬والسعادة‭ ‬منّا‭ ‬دعوة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬الطبيعية‭ ‬وضوء‭ ‬النهار‭ ‬والهواء‭ ‬النقي‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬بيوتنا‭.‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬ليست‭ ‬جديدة،‭ ‬إذ‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬دعت‭ ‬الممرضة‭ ‬الأشهر‭ ‬فلورنس‭ ‬نايتنجيل‭ ‬المعروفة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬صاحبة‭ ‬المصباح‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬شامل‭ ‬للمستشفيات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أماكن‭ ‬قذرة‭ ‬نتنة‭ ‬تفوح‭ ‬منها‭ ‬رائحة‭ ‬الموت‭.‬

 

نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬المستشفيات

أطلقت‭ ‬نايتنجيل‭ ‬حملة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬المستشفيات،‭ ‬حيث‭ ‬يستطيع‭ ‬المرضى‭ ‬التمتّع‭ ‬بضوء‭ ‬الشمس‭ ‬والطبيعة‭ ‬والهواء‭ ‬النقي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭. ‬وكتبت‭ ‬لتقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬التهوية‭ ‬الطبيعية‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬النوافذ‭ ‬المفتوحة،‭ ‬هي‭ ‬الوسيلة‭ ‬الفعّالة‭ ‬الوحيدة‭ ‬لتأمين‭ ‬العنصر‭ ‬الأساسي‭ ‬لشفاء‭ ‬المرضى،‭ ‬وهو‭ ‬الهواء‭ ‬النقي‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬أصبحت‭ ‬نايتنجيل‭ ‬مدافعة‭ ‬عن‭ ‬فكرتها‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬تقسيم‭ ‬المستشفيات‭ ‬إلى‭ ‬أجنحة،‭ ‬مما‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬نماذج‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬المستشفيات،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تأوي‭ ‬المرضى‭ ‬في‭ ‬أجنحة‭ ‬طويلة‭ ‬وضيقة‭ ‬مع‭ ‬نوافذ‭ ‬كبيرة‭ ‬مصفوفة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬كل‭ ‬جدار‭ ‬تطلّ‭ ‬على‭ ‬مروج‭ ‬مفتوحة‭ ‬واسعة‭. ‬

‭ ‬كما‭ ‬تبنّى‭ ‬مصممو‭ ‬المصحات‭ ‬ومراكز‭ ‬العلاج‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬لمرضى‭ ‬السلّ،‭ ‬الخصائص‭ ‬العلاجية‭ ‬للطبيعة‭ ‬والضوء‭ ‬والهواء‭ ‬وأنشأوا‭ ‬مرافق‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬حدائق‭ ‬وشرفات‭ ‬وغرف‭ ‬مشمسة‭. ‬لكن‭ ‬أفكار‭ ‬التصميم‭ ‬الجديدة‭ ‬هذه‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬المستشفيات‭. ‬

‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تقريبًا،‭ ‬ساعدت‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإسكان‭ - ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قوانين‭ ‬أوصت‭ ‬بتوسيع‭ ‬الساحات‭ ‬بين‭ ‬المباني‭ ‬السكنية‭ ‬المكتظة،‭ ‬وطالبت‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬لكلّ‭ ‬غرفة‭ ‬نافذة‭ ‬لإدخال‭ ‬الهواء‭ ‬الطلق‭ - ‬في‭ ‬إبطاء‭ ‬انتشار‭ ‬الأمراض‭ ‬المُعدية‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭. ‬

وقد‭ ‬استوحى‭ ‬المهندسون‭ ‬المعماريون‭ ‬من‭ ‬المصحات‭ ‬لإنشاء‭ ‬منازل‭ ‬مفتوحة‭ ‬يسهل‭ ‬فيها‭ ‬دخول‭ ‬الهواء‭ ‬والضوء‭ ‬أيضًا‭. ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1926،‭ ‬ذهب‭ ‬المهندس‭ ‬المعماري‭ ‬رودولف‭ ‬شندلر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التنبؤ‭ ‬بأنه‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬تصميم‭ ‬المساحات‭ ‬المبنية‭ ‬‮«‬سيختفي‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‮»‬‭.‬

 

النزعة‭ ‬إلى‭ ‬المنازل‭ ‬المغلقة

من‭ ‬اللافت‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬التمييز‭ ‬لم‭ ‬يحدث،‭ ‬فخلال‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬أدّت‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬الابتكارات‭ ‬العلمية‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬منذ‭ ‬تطوير‭ ‬المضادات‭ ‬الحيوية‭ ‬حتى‭ ‬ظهور‭ ‬أجهزة‭ ‬تكييف‭ ‬الهواء،‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬تصميم‭ ‬المباني‭.‬

كما‭ ‬بدأ‭ ‬ظهور‭ ‬المباني‭ ‬المغلقة‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬والهياكل‭ ‬الإسمنتية‭ ‬الجامدة‭ ‬ذات‭ ‬أنظمة‭ ‬التهوية‭ ‬الاصطناعية،‭ ‬فبقي‭ ‬ضوء‭ ‬النهار‭ ‬والطبيعة‭ ‬والهواء‭ ‬النقيّ‭ ‬في‭ ‬الخارج؛‭ ‬ودخلت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والإفراط‭ ‬في‭ ‬التعقيم‭ ‬وكفاءة‭ ‬الطاقة‭. ‬

وقد‭ ‬أدّت‭ ‬أزمة‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬والتركيز‭ ‬اللاحق‭ ‬على‭ ‬الاستدامة‭ ‬إلى‭ ‬إغلاق‭ ‬المباني‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬إحكامًا‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الطاقة‭. ‬وهكذا‭ ‬انخفضت‭ ‬معدلات‭ ‬التهوية‭ ‬الداخلية،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬أكثر‭ ‬ابتعادًا‭ ‬عن‭ ‬العالَم‭ ‬الطبيعي‭.‬

يوضّح‭ ‬العِلم‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬الخاطئ‭. ‬فالهواء‭ ‬النقي،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬له‭ ‬فوائد‭ ‬صحية‭ ‬مهمة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أثناء‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬تصيب‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفسي‭.‬

Covid‭-‬19‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬مرض‭ ‬يتفشّى‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬المغلقة،‭ ‬حيث‭ ‬تميل‭ ‬القطرات‭ ‬السائلة‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفسي‭ ‬الحاملة‭ ‬للفيروس‭ ‬إلى‭ ‬البقاء‭ ‬لفترة‭ ‬أطول‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬المغلقة،‭ ‬وخاصة‭ ‬الأماكن‭ ‬ذات‭ ‬التهوية‭ ‬السيئة‭.‬

يقول‭ ‬مدير‭ ‬معهد‭ ‬الصحة‭ ‬والبيئة‭ ‬المبنية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬أوريغون،‭ ‬كيفن‭ ‬ويملينبيرج،‭ ‬إن‭ ‬فتح‭ ‬نافذة‭ ‬أو‭ ‬زيادة‭ ‬كمية‭ ‬الهواء‭ ‬الخارجي‭ ‬الذي‭ ‬يدخل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نظام‭ ‬التدفئة‭ ‬والتهوية‭ ‬وتكييف‭ ‬الهواء‭ ‬يُعدّ‭ ‬‮«‬استراتيجية‭ ‬رائعة‭ ‬لتخفيف‭ ‬المواد‭ ‬الفيروسية‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬وتجنّب‭ ‬تفشي‭ ‬الأمراض‮»‬‭.‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إدخال‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الهواء‭ ‬الخارجي‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬التعرّض‭ ‬لأي‭ ‬ملوثات‭ ‬يتصادف‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ (‬وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬تشير‭ ‬الأبحاث‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الهواء‭ ‬الداخلي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬كميّة‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الهواء‭ ‬الخارجي‭). ‬يمكن‭ ‬لملوثات‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬المغلقة،‭ ‬التي‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬الجسيمات‭ ‬الدقيقة‭ ‬التي‭ ‬ننتجها‭ ‬عند‭ ‬الطهي‭ ‬إلى‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬الذي‭ ‬نطلقه‭ ‬عند‭ ‬الزفير،‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تهيُّج‭ ‬في‭ ‬الرئتين‭ ‬وضعف‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التركيز‭. ‬وفي‭ ‬دراسة‭ ‬أجريت‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬وجد‭ ‬الباحثون‭ ‬أن‭ ‬زيادة‭ ‬إمدادات‭ ‬الهواء‭ ‬الخارجي‭ ‬تعزّز‭ ‬أداء‭ ‬المتطوعين‭ ‬في‭ ‬الاختبارات‭ ‬المعرفية‭.‬

 

‭ ‬ضوء‭ ‬الشمس

وفيما‭ ‬يخصّ‭ ‬النوافذ،‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬جدًا‭ ‬إبقاء‭ ‬الستائر‭ ‬مفتوحة،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬للأشعة‭ ‬فوق‭ ‬البنفسجية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الشمس‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬الميكروبات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ - ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنّها‭ ‬تستغرق‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ - ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ضوء‭ ‬النهار‭ ‬علاجيًا،‭ ‬لأنّه‭ ‬يفيد‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬منازل‭ ‬تتمتّع‭ ‬بإمكانية‭ ‬أكبر‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الضوء‭ ‬الطبيعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التمتّع‭ ‬برفاهية‭ ‬نفسيّة‭ ‬أفضل،‭ ‬بينما‭ ‬يتعافى‭ ‬المرضى‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬المستشفى‭ ‬المشمسة‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع،‭ ‬حتى‭ ‬أنّ‭ ‬معدلات‭ ‬الوفيات‭ ‬لديهم‭ ‬تكون‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يتم‭ ‬نقلهم‭ ‬إلى‭ ‬غرف‭ ‬مظلمة‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يعزّز‭ ‬ضوء‭ ‬النهار‭ ‬المزاج،‭ ‬ويعزّز‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعلّم،‭ ‬ويقلّل‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬الدم،‭ ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬انتظام‭ ‬ساعتنا‭ ‬البيولوجية،‭ ‬إذ‭ ‬يساعدنا‭ ‬ضوء‭ ‬الصباح‭ ‬المائل‭ ‬إلى‭ ‬اللون‭ ‬الأزرق‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬يقظين‭ ‬أثناء‭ ‬النهار‭ ‬ويُحسّن‭ ‬نومنا‭ ‬في‭ ‬الليل‭.‬

يقول‭ ‬فان‭ ‬دين‭ ‬ويملينبيرج‭ ‬إنّ‭ ‬هناك‭ ‬طرقًا‭ ‬لتعظيم‭ ‬فوائد‭ ‬ضوء‭ ‬النهار‭ ‬دون‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬إدخال‭ ‬تعديلات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬المنازل‭. ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬يقترح‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬قضاء‭ ‬وقت‭ ‬كاف‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬مضاءة‭ ‬جيدًا،‭ ‬لا‭ ‬سيّما‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الصباح،‭ ‬إذ‭ ‬يلاحظ‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬التعرُّض‭ ‬لضوء‭ ‬النهار‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬هو‭ ‬الأهمّ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬دورة‭ ‬النوم‭ ‬والاستيقاظ‭ ‬بطريقة‭ ‬صحية‮»‬‭. ‬كما‭ ‬يقترح‭ ‬إضافة‭ ‬مناور‭ ‬أو‭ ‬أنابيب‭ ‬شمسية‭ ‬واستخدام‭ ‬الدهانات‭ ‬العاكسة‭ ‬ذات‭ ‬الألوان‭ ‬الفاتحة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬نقل‭ ‬المكاتب‭ ‬ومساحات‭ ‬العمل‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬النوافذ‭ ‬المنورة‭.‬

 

‭ ‬الطبيعة‭ ‬وقدرتها‭ ‬العلاجية

ثم،‭ ‬بالطبع،‭ ‬هناك‭ ‬الطبيعة‭. ‬لدى‭ ‬البشر‭ ‬تقارُب‭ ‬فطري‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة‭ ‬وشعور‭ ‬غريزي‭ ‬بالانجذاب‭ ‬إليها،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬بمنزلة‭ ‬طريقة‭ ‬للإلهاء‭ ‬الإيجابي‭ ‬ولتخفيف‭ ‬التوتر‭ ‬والسماح‭ ‬لأذهاننا‭ ‬بالراحة‭.‬

في‭ ‬دراسة‭ ‬كلاسيكية‭ ‬أجريت‭ ‬عام‭ ‬1984،‭ ‬اكتشف‭ ‬الرائد‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التصميم،‭ ‬روجر‭ ‬أولريش،‭ ‬أنّ‭ ‬المرضى‭ ‬الذين‭ ‬خضعوا‭ ‬لعمليات‭ ‬جراحية،‭ ‬وكانت‭ ‬غرفهم‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬تطلّ‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأشجار‭ ‬استخدموا‭ ‬جرعات‭ ‬أقلّ‭ ‬من‭ ‬مسكنات‭ ‬الألم‭ ‬القوية‭ ‬وخرجوا‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬أقصر‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬الذين‭ ‬أقاموا‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬لم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬رؤية‭ ‬أيّ‭ ‬مناظر‭ ‬طبيعية‭.‬

تظهر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬التعرُّض‭ ‬للطبيعة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والقلق‭ ‬والألم‭ ‬وإلى‭ ‬تحسين‭ ‬الانتباه‭ ‬والتركيز؛‭ ‬وحتى‭ ‬تقوية‭ ‬جهاز‭ ‬المناعة‭. ‬يقول‭ ‬مؤسس‭ ‬ومدير‭ ‬مختبر‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬والصحة‭ ‬البشرية‭ ‬بجامعة‭ ‬إلينوي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬مينغ‭ ‬كو‭ ‬‮«‬عندما‭ ‬يشعر‭ ‬الجسم‭ ‬بالأمان‭ ‬والاسترخاء‭ ‬الفعلي،‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعرُّض‭ ‬للطبيعة،‭ ‬يحوّل‭ ‬الموارد‭ ‬الموجودة‭ ‬لديه‭ ‬إلى‭ ‬أمور‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬بناء‭ ‬جهاز‭ ‬المناعة‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬تساعد‭ ‬مناظر‭ ‬النوافذ‭ ‬الطبيعية‭ ‬والنباتات‭ ‬الداخلية‭ ‬وحتى‭ ‬صور‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬وأصوات‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬بعض‭ ‬الفوائد‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬النباتات‭ ‬بلسمًا‭ - ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الإجهاد‭ ‬الشديد‭ ‬والعزلة‭ ‬المنزلية‭ - ‬فقد‭ ‬أبلغ‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬رحلات‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء،‭ ‬والذين‭ ‬سافروا‭ ‬إلى‭ ‬القارة‭ ‬القطبية‭ ‬الجنوبية،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬عن‭ ‬راحة‭ ‬كبيرة‭ ‬وجدوها‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬الزجاجية‭ ‬وأعمال‭ ‬البستنة‭. ‬فعندما‭ ‬يشعر‭ ‬الإنسان‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بالشعور‭ ‬نفسه،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الطبيعة‭ ‬بمنزلة‭ ‬تذكير‭ ‬مرئي‭ ‬بأنّ‭ ‬الوقت‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬التقدّم‭ ‬بثبات‭. ‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬يذكّرنا‭ ‬بضرورة‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬منازلنا‭ ‬بصورة‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬مساحات‭ ‬تُباع‭ ‬وتُشترى،‭ ‬وتملأ‭ ‬بالأثاث‭ ‬العملي‭ ‬الجميل،‭ ‬إلى‭ ‬كونها‭ ‬أماكن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تستوفي‭ ‬شروطًا‭ ‬معيّنة‭ ‬تكون‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دوام‭ ‬صحتنا‭ ‬الجسدية‭ ‬والنفسية■

بدأ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المنازل‭ ‬الصحية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬والتلوث‭ ‬الذي‭ ‬تسببه‭ ‬داخل‭ ‬منازلهم